|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
كتبُ الزُّهدِ والرَّقائِق في منهجِ المُحدِّثين: بينَ روايةِ الأثرِ وتربيةِ القلب د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر الحمدُ للهِ وحده، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبِه ومن اهتدى بهداه، أمَّا بعدُ: فإنَّ مادةَ هذا المقالِ مستفادةٌ من لقاءٍ علميٍّ ماتعٍ أقامته «مكتبةُ الهدايةِ الوقفيَّة» مع فضيلةِ الشيخ الدكتور/ عامر صبري التميمي، ليلةَ الخميس 29 صفر 1445هـ، الموافق 13/9/2023م، بجمعيةِ الهدايةِ الإسلامية بمدينةِ الرفاع الشرقي في مملكةِ البحرين. نسألُ اللهَ تعالى أن يحفظَ بلادَ المسلمينَ من كلِّ سوءٍ ومكروه، وأن يجزيَ علماءَ الإسلامِ خيرَ الجزاءِ على ما قدَّموا ويقدِّمون من خدمةِ الدِّين ونفعِ الخلق، وأن يرزقَنا العلمَ النافعَ، والعملَ الصالحَ، والإخلاصَ، والسداد. تمهيد: تفنَّنَ المحدِّثون قديمًا في تصنيف تراثٍ واسعٍ يخدم مقاصدَ الشريعة وعلومَها: فظهرت كتبُ «الإيمان» و«السُّنَّة»، ومصنَّفاتُ أحاديثِ الأحكام، وكتبُ الأدب، وبرز في جملتها مسارٌ تربويٌّ راسخ هو كتبُ الزُّهد والرَّقائِق. هذا المسار لم يكن مجرّدَ وعظٍ مرسَل، بل كان منضبطًا بإسنادٍ ونقدٍ على طريقة أهل الحديث، غايتُه رِقَّةُ القلب وتعظيمُ النصِّ والاقتداءُ بالسيرة الأولى. النشأةُ المبكِّرة ومسارُ التكوين: بدأ التأليفُ في الزهد على أيدي أئمةٍ كبارٍ من طبقة أتباع التابعين ومَن بعدَهم، منهم: • عبدُالله بنُ المبارك (118–181هـ): وله كتاب الزهد والرَّقائِق بروايتين مشهورتين (رواية الحسين بن الحسن المروزي، ورواية نعيم بن حمَّاد المتوفَّى 228هـ). • المُعافى بنُ عمران (ت نحو 185هـ) ومحمدُ بنُ فُضيل بنِ غَزوان (ت 195هـ) ووَكيعُ بنُ الجرّاح (ت 197هـ): ولكلٍّ منهم كتابٌ في الزهد. • أَسَدُ بنُ موسى (ت 212هـ) الملقَّب بـ «أَسَد السُّنَّة». • الإمام أحمد بن حنبل (164–241هـ): ومنسوبٌ إليه كتاب الزهد، وجمعَ ابنُه عبدُالله كثيرًا من آثاره في هذا الباب. • هَنّادُ بنُ السَّرِيّ (ت 243هـ) صاحب كتاب الزهد، وأبو داود السِّجِسْتاني (202–275هـ) وله كتاب الزهد أيضًا. ثمَّ جاء في القرن الرابع الإمامُ أبو نُعيمٍ الأصبهاني (336–430هـ) بموسوعته الجليلة حِلية الأولياء وطبقات الأصفياء، تلاه الإمامُ ابنُ الجوزي (508/510–597هـ) في صفة الصفوة؛ فبَنَيا قمَّةَ هذا المسار التربوي على أُسُس الرواية والنقل. خصائصُ منهج المحدِّثين في الزهد: 1- الإسنادُ والتحرير: تُساقُ الأخبارُ مسندةً: «حدَّثنا… عن…»، بما يُمكِّن الباحثَ من الحكم على الطريق وقَبولِه أو رَدِّه. وهذا فارقٌ جوهريٌّ عن كثيرٍ من مصنَّفات الوعظ المتأخِّرة. 2- المَتنُ المُقتدى به: الغالِب أن تُفتتح الكتبُ بزهدِ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم زهدِ الخلفاء والصحابة، فطبقاتِ التابعين، لتبقى الأسوةُ النبويَّة هي الميزان. 3- الترتيبُ الطبقاتيُّ والجغرافيُّ: يظهر ذلك واضحًا في الحِلية وصفة الصفوة: تراجم طبقاتٍ متتابعة، مع إشاراتٍ إلى أمصار العلم الكبرى (المدينة، مكة، البصرة، الكوفة، بغداد، خراسان، الشام، مصر، الأندلس…). 4- العُمدة على الآثار لا المصطلحات: عباراتُهم شرعيَّةٌ مألوفة؛ فإذا وردت معاني «الوجد» و«الخوف» و«الرجاء» جاءت بلسان النصوص وآثار السلف، بعيدًا عن الاصطلاحات المحدثة. الفارقُ بين «كتب الزهد» و«كتب التصوُّف»: تزامن مع مسار الزهد مسارُ الكتابة الصوفيَّة عند أئمةٍ التصوف: الحارث المُحاسبي (ت 243هـ)، سهل التستري (ت 283هـ)، أبو نصر السَّرَّاج (ت 378هـ) في اللُّمع، أبو طالب المكي (ت 386هـ) في قوت القلوب، القشيري (ت 465هـ) في الرِّسالة، ثم السُّهروردي (ت 632هـ) في عوارف المعارف، ولَخَّص الغزالي (ت 505هـ) كثيرًا من ذلك في إحياء علوم الدين. غير أنَّ منهجَ أهل الحديث يمتازُ بأمورٍ ثلاثة: • شدَّة العناية بالسند، بخلاف غالب كتب التصوُّف التي يُورَد فيها الخبر مرسَلًا أو بلا نقدٍ حديثي. • اقتصاد المصطلح؛ فلا يُكثِر من ألفاظٍ مُحدثة قد تُوهِم المبتدئ (كالـ «سُكر» و«الوَجد»)، وإن حُمِلَت عند أهلها على معانٍ معتبرة. • السلامة من الانحرافات الفلسفية التي ظهرت لاحقًا عند بعض المنتسبين (كالحلَّاج، وابن عربي، وابن الفارض)؛ إذ بَقِيَ ميزانُ الأثر حارسًا على المعنى والسلوك. موسوعتان مركزيتان: الحِلية وصفة الصفوة: • أبو نُعيم جمع في الحِلية عيونَ تراجم السلف، مع إيراد أحاديث مسندة وأخبارٍ كثيرة، فجاء الكتابُ معينًا لا ينضب لمحاسن السِّيَر. • ابن الجوزي أفادَ من الحِلية وانتقدَ بعضَ مواضعِها (تطويلًا أو ذِكرَ غرائب)، وأعاد بناء المادة في صفة الصفوة بترتيبٍ أوضح، واستدراكِ مواردَ كثيرةٍ من كتبٍ مفقودة أو نادرة؛ فصار كتابُه مستودعًا أمينًا لنقولٍ لا تُعرَف إلا من طريقه. ومن علوِّ كعب ابن الجوزي في التحرير أنه كثيرًا ما يُسمِّع الأسانيد إلى مؤلفاتٍ اندرس بعضُها؛ كـ «المستخرج على الصحيح» للإسماعيلي (ت 371هـ)، وكتب ابن أبي الدنيا (208–281هـ) في الإخلاص والورع والصمت والقبور وسواها، وموارد من تاريخ المدينة لابن شَبَّة، والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (وفيه مادَّة من الجزء الأوَّل المفقود)، ونُقُولٍ عن تاريخ حنبل بن إسحاق ممَّا حفظ لنا أخبارًا لا تُرى اليوم إلا عبر صفة الصفوة. هذه قيمةٌ علميَّةٌ أصيلةٌ تُحيل الكتاب إلى «جسرٍ» بيننا وبين مصادر غابت أصولُها. بين الترتيب الطبقاتيِّ والترتيب الموضوعيِّ: ترتيبُ التراجم والطبقات يمنح القارئ سياقًا تاريخيًّا للاقتداء، لكن استخراجَ موضوعٍ واحد (كـ «برِّ الوالدين» أو «قِصر الأمل») قد يَشقُّ على طالب الموعظة؛ لذا نَزع بعض المحدِّثين في كتب الزهد إلى البناء على الأبواب (ويظهر ذلك بوضوحٍ في زهد هَنَّاد وزهد أبي داود)، كما ظهرت محاولاتٌ لاحقة لإعادة فهرسة المرويَّات على الموضوعات تسهيلًا للانتفاع، شبيهًا بما فعله أحمد بن عبدالرحمن الساعاتي البنَّا (ت 1378هـ) في الفتح الربَّاني بترتيب مسند الإمام أحمد على الأبواب. كيف ننتفع اليومَ بهذا التراث؟ 1- اجعل الأصلَ نصوصَ الزهد المسندة: ابدأ بـزهد ابن المبارك ثم زهد هَنَّاد وزهد أبي داود، ثم ارتقِ إلى الحِلية وصفة الصفوة. 2- قِسْ كلَّ قصةٍ بميزان الإسناد والمعنى: لا يُستدرَج القلبُ بالعجيب والغرائب؛ بل يُرقِّيه الصحيحُ الثابت. 3- اقرأ قراءةَ اقتداءٍ لا مطالعةَ حكايات: انظر كيف كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، ثم قِف على آثار التابعين؛ فتتَّضِح لك معالمُ الطريق: إخلاصٌ، وصدقُ اتِّباع، وعملٌ دائب. 4- تحفَّظْ على المصطلحات المحدثة إن لم تُحسِن فقهَها، وارجع في تفسيرها إلى أهل العلم الراسخين. 5- ليكن لك وِرْدٌ تربويٌّ مُنتظم: نصٌّ نبويٌّ في الزهد، وقصّةُ سَلَفٍ صادق، وتطبيقٌ عمليٌّ يوميٌّ (توبة، صدقة، صلة رحم، قيام، صمت عن اللغو). خاتمة: ليست كتبُ الزهد والرَّقائِق «أدبَ وعظٍ» فحسب، بل مدرسةُ تربيةٍ على منهج الأثر: تُذكِّرُنا بأن صلاحَ القلب رهينٌ بتعظيم الوحي، وأن اقتداءَنا بالسيرة الأولى هو أقصرُ طريقٍ إلى صفاء الباطن واستقامة الظاهر. ومن أَخْلَصَ لله واتَّبَع سُنَّة نبيِّه، لانَ قلبُه، وهانَت عليه زخارفُ العاجلة، ووجد لذَّةَ الطاعة، ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ [يونس: 25]. ملحقٌ موجز: • عبدُالله بنُ المبارك (118–181هـ)، الزهد والرَّقائِق (بروايتي المروزي ونعيم بن حمَّاد). • المُعافى بن عمران (ت نحو 185–186هـ)، الزهد. • محمد بن فُضيل بن غزوان (ت 195هـ)، الزهد. • وَكيع بن الجراح (ت 197هـ)، الزهد. • أَسَد بن موسى (ت 212هـ)، يُعرَف بـ «أَسَد السُّنَّة». • أحمد بن حنبل (164–241هـ)، الزهد (وجمعٌ لعبدالله بن أحمد). • هَنَّاد بن السَّري (ت 243هـ)، الزهد. • أبو داود السِّجِسْتاني (202–275هـ)، الزهد. • أبو نُعيم الأصبهاني (336–430هـ)، حِلية الأولياء. • ابنُ الجوزي (508/510–597هـ)، صفة الصفوة، منهاج القاصدين، لَفْتة الكَبِد.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |