|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحكمة من إيلام الحيوانات والأطفال ووقوع الأمراض محمد بن علي بن جميل المطري الله سبحانه أحكم الحاكمين، {{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}} [البروج: 16]، {{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}} [الأنبياء: 23]، {{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} } [المؤمنون: 71]. والله سبحانه خالق الخير والشر، ولا خالق إلا الله وحده، فإبليس أصل الشر خلقه الله لحكمة، منها اختبار الناس في هذه الدنيا؛ ليتبين من يطيع الله سبحانه ومن يتبع الشيطان وأعوانه، قال الله تعالى لإبليس: { {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}} [الإسراء: 63]، وقال سبحانه: { {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}} [ص: 84، 85]. والله سبحانه يبتلي الناس بالشر والخير فتنة، كما قال سبحانه: {{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}} [الأنبياء: 35]، فيبتلينا بالخير ليتبين الشاكر وغير الشاكر، ويبتلينا بالشر ليتبين الصابر وغير الصابر، ومن حكمة الله في خلقه الشر وأهله أن نستعيذ بالله من الشر الذي خلقه، وأن يتدافع أهل الحق وأهل الباطل إلى يوم القيامة، قال الله سبحانه: {{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}} [الفلق: 1، 2]، فأمرنا الله أن نستعيذ بالله وحده من الشر الذي خلقه الله كالشياطين والسحرة والمجرمين والحيوانات المفترسة والأمراض المتنوعة والأفكار المنحرفة، والله هو الذي خلق كل ذلك وقدَّره فتنة للعباد، حتى الكفار والمنافقين والمجرمين خلقهم الله ورزقهم، ويسر لهم الأسباب، فلم يشكروه، بل استعملوا تلك الأسباب فيما يسخط الله عليهم وعلى من يطيعهم، فجعلهم ابتلاء للناس، قال الله سبحانه: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}} [التغابن: 2]، وقال تبارك وتعالى: {{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}} [الأنعام: 112، 113]، وقال عز وجل: {{ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}} [محمد: 4]، وقد بين الله لنا أنه لو شاء لهدى الناس جميعا، لكن هذا ينافي حكمته من خلق الناس في الدنيا للاختبار، قال الله سبحانه: { {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}} [الأنعام: 149]، وقال الله جل شأنه {: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} } [المائدة: 48]. فكل شيء في الكون خلقه الله لحكمة، علِمها من علِمها، وجهِلها من جهِلها، {{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}} [التين: 8]؟! حتى الخلافات والحروب والفتن قدَّرها الله لحكمة بالغة كما قال سبحانه: { {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}} [هود: 118، 119]، وقال تعالى: {{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}} [البقرة: 253]، وقال عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179]. وبعض الناس يسأل عن الحكمة من إيلام الحيوانات والأطفال وهم غير مكلفين، وليس في مرضهم مثلا تكفير لذنوب فعلوها، فما الحكمة من تقدير الله سبحانه إيلامهم بالأمراض وغيرها؟ وما الحكمة أصلا من حصول الأمراض في هذه الدنيا؟ وقبل الجواب عن هذا السؤال العظيم اعلم أيها القارئ الكريم أن الإنسان مهما بلغ علمه فما يجهله أكثر مما يعلمه، قال الله سبحانه: {{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} } [الإسراء: 85]، ويجب على المسلم أن يؤمن بالقدر خيره وشره، وإن لم يفهم حقيقته وحكمته، فعقولنا قاصرة عن فهم حقيقة كثير من الأشياء كالروح، فمهما أردنا أن نعرف حقيقتها فلن نزداد إلا حيرة فيها، فإنها من أمر الله سبحانه، وكذلك القدر هو سر الله في خلقه، ومهما بحثنا فيه بعقولنا القاصرة عجزنا عن إدراك أسراره، فالقدر كالشمس لا يزداد الإنسان بالنظر إليها إلا ضعفا في نظره، فعلينا التسليم بأن الله أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين. ويجب أن نعلم أن الرب سبحانه أفعاله كلها لحكمة، وهو لا يفعل شرا قط، بل أفعاله كلها خير وحكمة كما قال تعالى: { {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}} [آل عمران: 26]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: (لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك) كما في صحيح الإمام مسلم (771) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فالله سبحانه لا يخلق شرا محضا من كل وجه، بل كل ما خلقه الله ففي خلقه مصلحة وحكمة حتى في خلق إبليس حكمة، فما خلقه الله من شر فهو شر جزئي إضافي، وأما الشر الكلي المطلق من كل وجه فهو تعالى منزه عنه وليس إليه، فمثلا الطبيب حين يقرر شق بطن المريض لإجراء عملية جراحية أو قطع عضو فاسد من أعضائه، فهذا الشق أو القطع شر جزئي إضافي لهذا المريض، لكنه خير له في عاقبة أمره، وإن كان فيه ألم ومعاناة للمريض. وتفصيل الجواب عن السؤال المذكور هو: أن الأطفال أو الحيوانات قد يعرض لها النقص الذي هو شر في ابتداء خلقها أو بعد خلقها، فالأول بأن يعرض لمادتها من الأسباب ما يجعلها رديئة المزاج، ناقصة الاستعداد، فيقع الشر فيها والنقص في خلقها بذلك السبب، كأن تُصاب الحامل بمرض يؤثر في نمو جنينها، فلا يقبل الجنين الكمال والتمام، وعدم قبوله أمر عدمي، ونقصه والشر الذي حصل فيه هو من عدم إمداده بسبب الكمال، فبقي على العدم الأصلي، وبهذا يُفهم سر قوله تعالى: {{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}} [الملك: 3]؛ فإن ما خلقه الله أمر وجودي به كمال المخلوق وتمامه، وأما عيبه ونقصه فمن عدم قبوله للكمال، وعدم القبول ليس أمرا مخلوقا يتعلق بفعل الفاعل، فالخلق الوجودي ليس فيه تفاوت، والتفاوت إنما حصل بسبب هذا الخلق؛ فالخالق سبحانه لم يخلق له استعدادا للكمال فحصل التفاوت فيه من عدم الخلق لا من نفس الخلق، ومثال ذلك من وضع بذرة في تربة فاسدة، فهي لا تنمو لفساد المحل، أو وضعها في تربة مناسبة لكن لم يأتها ماء تنمو بسببه، والله سبحانه قدَّر كل ذلك لحكم كثيرة، فهو يبتلي عباده بالسراء والضراء، ويختبر صبرهم ويختبر شكرهم، والأطفال قد يبتليهم الله بما يشاء لحكمة بالغة، منها اختبار صبر آبائهم وأمهاتهم وأقاربهم، وليعلم الناس أن الله يتصرف في عباده كيف يشاء، وأنه لا أحد يمنعه من تنفيذ ما يشاء في الصغير والكبير، والحيوان والإنسان، فما يصيب الأطفال من أمراض وعاهات فلله فيها حكمة بالغة، منها أن يعلم الناس قدرته على كل شيء، وحتى يعرف من عافاه الله فضل نعمة الله عليه حين منَّ بالنعمة عليه بلا سبب منه، ولو شاء لابتلاه كما ابتلى غيره، وحتى يعرف من رزقه الله أولادا سالمين فضل الله عليه فيشكره، وحتى يصبر من ابتلاه الله بأولاد فيهم أمراض فيصبر ويحتسب، فيكون له في ذلك الأجر العظيم على صبره واحتسابه، وإيمانه بقضاء الله وقدره. وليعلم السائل عن حكمة الله سبحانه في إيلام الأطفال والحيوانات غير المكلفة، وإيقاع الأمراض المختلفة أن للإنسان والحيوان نفسا متحركة بالإرادة والاختيار، وطبيعة متحركة بغير الاختيار والإرادة، وأن الشر منشأه من هاتين الحركتين، وقد خلق الله هذه النفس وهذه الطبيعة على هذا الوجه، فهذه تتحرك لكمالها، وهذه تتحرك لكمالها، وينشأ عن الحركتين خير وشر كما ينشأ عن حركة الرياح والماء والنار خير وشر، فمثلا حركة الرياح فيها خير عظيم، ولكنها تكون لبعض الناس شرا فيمرض مثلا بسببها، وكذلك نزول المطر فيه خير عظيم، ولكنه يكون شرا لبعض الناس والحيوانات كانقطاع طرق المسافرين أو غرق بعض الناس والحيوانات في مياه السيول، فالخيرات الناشئة عن هذه الحركات هي المقصودة لِذاتها أو لكونها وسيلة إلى خيرات أعظم منها، والشرور الناشئة عنها غير مقصودة لِذاتها، فما جُبِلت عليه النفس من الحركة هو من لوازم ذاتها، وإن كان في إيجاد هذه النفس شرا فهو شر جزئي بالنسبة إلى الخير الكلي الذي هو سبب إيجادها، فوجودها خير من أن لا توجد، فلو لم يخلق الله مثل هذه النفس لكان في الوجود نقص وفوات حِكَم ومصالح عظيمة موقوفة على خلق مثل هذه النفس، فمثلا بعض الحشرات خلقها الله غذاء لطيور وحيوانات أكبر منها، وهكذا، وكل مخلوق وإن دق أو كان مرضا فقد خلقه الله لحكمة ومصلحة وإن لم نعلمها، {{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}} [البقرة: 216]؛ ولهذا لما اعترضت الملائكة على خلق الإنسان وقالوا: {{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}} [البقرة: 30] أجابهم الله سبحانه بأن في خلق الإنسان من الحِكَم والمصالح ما لا تعلمه الملائكة، والخالق سبحانه يعلمه، وقد تبين للملائكة بعد ذلك أن من الناس من صاروا صالحين عابدين لله، وعالمين بالله وشرعه، وحافظين لكتابه، ومكثرين لذكره، ومحسنين إلى خلقه، وإن كان منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فخلْقُ الله الإنسان من تمام الحكمة والرحمة والمصلحة، وإن كان وجوده مستلزما لشر فهو شر مغمور بما في إيجاده من الخير العظيم، فكل ما خلقه الله لحكمة، وكذلك كل ما شرعه الله لحكمة، فما أمر الله به من الأعمال الصالحة خيره ومصلحته راجحة، وإن كان فيه شر فهو مغمور جدا بالنسبة إلى خيره، وما نهى الله عنه من الأعمال والأقوال القبيحة فشره ومفسدته راجحة، والخير الذي فيه مغمور جدا بالنسبة إلى شره، فسنته سبحانه في خلقه وأمره فعل الخير الخالص والراجح، والأمر بالخير الخالص والراجح، فإذا تناقضت أسباب الخير والشر قُدِّم أسباب الخير الراجحة على المرجوحة، ولم يكن تفويت المرجوحة شرا، وكذلك تُدفَع أسباب الشر الراجحة بالأسباب المرجوحة، ولم يكن حصول المرجوحة شرا بالنسبة إلى ما اندفع بها من الشر الراجح، فالله سبحانه قد أحسن كل شيء خلقه، وأتقن كل ما صنعه، وهذا أمر يعلمه العالمون بالله جملة، ويتفاوتون في العلم بتفاصيله. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |