|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أقوال الفقهاء حول تفضيل إعانة الفقراء والمحتاجين على تكرار نافلة الحج والعمرة أ.د. محمود عبدالعزيز يوسف حجاب الإنفاق على الفقراء والمحتاجين أفضل من عمرة التطوع، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى واضحة في توجيه العباد إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح، وذلك يقتضي أن يُقَدِّمَ السائلُ مصالحَ وحاجاتِ إخوانه من الفقراء والمحتاجين الذين هم في مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية. ♦ إن المفاضلة بين العبادات من أدق أبواب العلم؛ لأنها مفاضلة في درجات ما يحبه الله عز وجل، والمفاضلة بين مصارف الصدقات تختلف الحال فيها باختلاف المتصدق عليه، من حيث حاجته وقربه من المُتصدِّق، وغير ذلك. يقول ابن القيم رحمه الله: أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدَّق عليه، وكانت دائمة مستمرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة سقيُ الماء))؛ رواه أبو داود بإسناد حسن، وهذا في موضع يقل فيه الماء ويكثر فيه العطش، وإلا فسقي الماء على الأنهار والقنى لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة؛ انتهى. فبهذا يعلم أن الصدقة تختلف بحسب الحال، ولا يمكن أن تجعل لها قاعدة واحدة مطردة. ♦ إنه من المعلوم أن الحج فرضٌ على المستطيع مرةً واحدةً في العمر؛ وذلك لحديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا))، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم)). وفي رواية أحمد، وأبي داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السائل هو: الأقرع بن حابس، وأن الرسول رد عليه بقوله: ((الحج مرة، فمن زاد فهو تطوُّع))، فيعلم من هذا أن تكرار الحج ليس واجبًا، وإنما هو تطوع، والتطوع في كل شيءٍ ينبغي أن يُراعى فيه تقديم الأهم على المهم، وقد تكون هناك حالات في أشد الحاجة إلى المعونة لإنقاذ الحياة، أو تخفيف الويلات، وهنا يكون الإنفاق فيها أولى. وإذا لم يكن هناك نصٌّ في هذه المسألة، فإن التشريع بروحه وأهدافه لا يقر أن تُوجَّه أموالٌ طائلةٌ في مندوبٍ من المندوبات في الوقت الذي فيه واجبات تحتاج إلى هذه الأموال[1]. ♦ إذا كانت نفقات الحج والعمرة النافلة باهظة التكاليف بحيث لو أُنفِقَت على الفقراء لقامت بكفايتهم وأصلحت أحوالهم، فإن أحب النفقة إلى الله تعالى حينئذٍ هو ما كان أنفع للناس وأجدى في صلاح أحوالهم وإنعاش اقتصادهم[2]. ♦ إن كفاية الفقراء والمحتاجين وعلاج المرضى وسد ديون الغارمين وغيرها من وجوه تفريج كرب الناس وسد حاجاتهم مقدَّمة على نافلة الحج والعمرة بلا خلاف، وأكثر ثوابًا منها، وأقرب قبولًا عند الله تعالى، وهذا هو الذي دلَّت عليه نصوص الوحيَيْن، واتفق عليه علماء الأمة ومذاهبها المتبوعة[3]. ♦ إن في تكرار الحج زيادة أجر، ولكن هذه المصلحة إذا قوبلت بما يترتب على ذلك من المفاسد يكون درء المفاسد مقدمًا على جلب المصالح، كما أن تكرار الحج مستحب وإيذاء المسلمين محرم بسبب الزحام، فكيف يسعى الحاجُّ إلى تحصيل مستحب ويقع في الحرام بسببه ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين الا اختار أيسرهما؟! ولا شك أن عدم تكرار الحج مع ما فيه من مصلحة التوسعة على الحجاج أيسر وأعظم أجرًا، فمن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه. لا سيما وأن المصلحة تكمن في الحد من تلك الأعداد الهائلة التي تفِد إلى الأماكن المقدسة كل عام من الداخل والخارج[4]. ♦ إنه يجب على أغنياء المسلمين القيام بفرض كفاية دفع الفاقات عن أصحاب الحاجات، والاشتغال بذلك مقدَّم قطعًا على الاشتغال بنافلة الحج والعمرة، والقائم بفرض الكفاية أكثر ثوابًا من القائم بفرض العين؛ لأنه ساعٍ في رفع الإثم عن جميع الأمة، بل نصَّ جماعة من الفقهاء على أنه إذا تعيَّنت المواساةُ في حالة المجاعة وازدياد الحاجة على مريد حج الفريضة فإنه يجب عليه تقديمها على الحج؛ للاتفاق على وجوب المواساة حينئذٍ على الفور، بخلاف الحج الذي اختلف في كونه واجبًا على الفور أو التراخي[5]. ♦ الأصل أن الحج النافلة أفضل من الصدقة بالمال الذي سينفقه في الحج، لكن قد يعرض من الأسباب ما يجعل الصدقة بالمال أفضل من حج النافلة؛ كما لو كانت الصدقة في الجهاد في سبيل الله، أو في الدعوة إلى الله، أو على قوم مضطرين لا سيما إذا كانوا من أقاربه. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عما إذا كان التصدق بتكاليف العمرة أفضل من أدائها، فأجاب بأن الصواب أن الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما لمن أخلص لله القصد، وأتى بهذا النسك على الوجه المشروع؛ اهـ. قال الإمام النووي في منهاج الطالبين:"صدقة التطوع سنة، وتحل لغني وكافر، ودفعها سرًّا، وفي رمضان، ولقريب، وجار أفضل، قال الشربيني في مغني المحتاج شارحًا ذلك: (وَ) دَفْعُهَا (لِجَارٍ) أَقْرَبَ فَأَقْرَب (أَفْضَلُ) مِنْ دَفْعِهَا لِغَيْرِ الْجَارِ غَيْر مَنْ تَقَدَّمَ؛ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: «إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ فَقَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا»؛ انتهى. إذا كانت صدقة التطوع، فالأصل أن الحج والعمرة أفضل منها؛ لأن الحج والعمرة يشتملان على إنفاق المال وأعمال أخرى، من الطواف والسعي، والذكر، والصلاة، والتلبية. ولكن إذا كان هناك قوم مضطرون لنفقته، أو كان له أقارب محاويج، وتعذر الجمع بين الإنفاق والحج والعمرة، فإن الإنفاق والحالة هذه أفضل. بيان فضل العُمْرة: العمرةُ مِن أفضل العباداتِ التي يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى؛ لِمَا فيها من تكفيرِ الذنوب وإجابة الدعوات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّة»؛ متفق عليه. بيان حكم العُمْرة: اختلف الفقهاء في حكم العمرة على قولين: القول الأول: العمرة سُنَّةٌ مؤكدةٌ في العُمْرِ مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو مستحب، وهو ما ذهب إليه الحنفية في الصحيح من مذهبهم والمالكية، والشافعية في قولٍ، والحنابلة في روايةٍ، وهو المختار للفتوى[6]. اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: ظاهِرُ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، قالُوا: وَجْهُ الدَّلالَةِ في الْآيَةِ واضِحٌ؛ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجِّ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعُمْرَةَ. حَديثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وفيه «وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا»، وَوَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمْ يَذْكُرِ الْعُمْرَةَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ واجِبَةً. وَاسْتَدَلُّوا بِحَديثِ عُمَرَ الْمَشْهورِ، وَبِحَديثِ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. حَديثُ جابِرٍ رضي الله عنه قال: «أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْعُمْرَةِ: أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ». وَالْحَديثُ ضَعيفٌ؛ لِأَنَّ مَدارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَة وَهُوَ ضَعيفٌ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ، وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقْفَهُ. حَديث طَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: «الْحَجُّ جِهادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ». وَمِنْ أَقْوَى مَا تَمَسَّكُوا بِهِ: الْبَراءَةُ الْأَصْلِيَّةُ، قالُوا: وَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهَا إِلَّا بِدَليلٍ يَثْبُتُ بِهِ التَّكْليفُ، وَلَا دَليلَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، لَا سِيَّمَا مَعَ اعْتِضادِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصوصِ الْقاضِيَةِ بِعَدَمِ الْوُجوبِ، كَمَا أَشارَ إِلَى هَذَا الشَّوْكانِيُّ رحمه الله. وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ شَيْخِ الْإِسْلام: أَنَّ الْعُمْرَةَ واجِبَةٌ عَلَى الْأَفَقِيِّ دونَ الْمَكِيِّ، وَوَجْهُ التَّفْريقِ أَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الزِّيارَةُ، وَالزِّيارَةُ إِنَّمَا تُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يَقْدُمُ عَلَى الْمَزورِ، لَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا يُخَصِّصُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ». القول الثاني: أن العمرة واجبة كالحج، وإلى ذلك ذهب الشافعية في الأظهر، والحنابلة في الصحيح من المذهب وَبَعْضُ الْمالِكِيَّةِ[7]. وَقَد اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، وَوَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قَرَنَ الْعُمْرَةَ بِالْحَجِّ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا واحِدٌ. وَهَذِهِ الدَّلالَةُ تُسَمَّى عِنْدَ الْعُلَماءِ دَلالَةَ الاِقْتِرانِ، وَهِيَ دَلالَةٌ ضَعيفَةٌ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَلالَةَ الاِقْتِرانِ دَلالَةٌ ضَعيفَةٌ قَوْلُهُ تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]؛ فَاللهُ سبحانه وتعالى قَرَنَ الْأَكْلَ بِأَداءِ الزَكاةِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقْرَنُ الْواجِبُ بِغَيْرِ الْواجِبِ. حَديثُ أَبِي رَزينٍ الْعُقَيْلِيِّ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ»، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ عَنِ الْإِمامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قالَ: "لَا أَعْلَمُ في إِيجابِ الْعُمْرَةِ حَديثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَصَحَّ". وُرودُ رِوايَةِ الْعُمْرَةِ في حَديثِ عُمَرَ رضي الله عنه حينَ أَتَى جِبْريلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنْ أَرْكانِ الْإِسْلامِ وَذَكَرَ مِنْهَا: «وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ»، وَهَذِهِ الزِّيادَةُ: «وَتَعْتَمِرَ»، قَدْ صَحَّحَهَا الْبَعْضُ، وَحَكَمَ عَلَيْهَا الْبَعْضُ بِالشُّذوذِ؛ لِأَنَّ الْحَديثَ مُخَرَّجٌ في الصَّحيحَيْنِ وَلَيْسَ فيهِ: «وَتَعْتَمِرَ». مَا أَخْرَجَهُ الْإِمامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ». القول الراجح: الْأَظْهَر وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ: وُجوبُ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَعْنِي كَوْن الْعُمْرَةِ واجِبَة: أَنَّ وُجوبَهَا مِثْلُ وُجوبِ الْحَجِّ، نَعَمْ، يَأْثَمُ تارِكُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ رُكْنًا مِنْ أَرْكانِ الْإِسْلامِ؛ كَالْحَجِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ في الْآيَةِ، وَلَا في حَديثِ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَضِمامٍ، فَالْجَوابُ عَنْهُ: أَنَّ الْحَجَّ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: حَجٌّ أَكْبَرُ، وَالثَّانِي: حَجٌّ أَصْغَرُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ؛ كَمَا في قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ [التوبة: 3]؛ فَهُناكَ حَجٌّ أَكْبَرُ، وَهُوَ: الْحَجُّ الْمَعْروفُ، وَهُناكَ حَجٌّ أَصْغَرُ، وَهُوَ: الْعُمْرَةُ، فَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: 97] يَشْمَلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ[8]. بيان حكم تكرار العُمرة: اختلف الفقهاء في حكم تكرار العمرة على قولين: القول الأول: استحباب تكرار العمرة والموالاة بينها، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة. وهو مذهب جماهير علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، وهو قول الحنفية والشافعية، وقول جماعةٍ مِن المالكية؛ كالإمام مطرف وابن المواز، وقول إسحاق بن راهويه ورواية عن الإمام أحمد، ومِمَّن حكاه عن الجمهور: الماورديُّ والسرخسيُّ والعبدريُّ والنوويُّ، وحكاه الإمام أبو بكر بنُ المنذر عن عليِّ بن أبي طالب وابنِ عُمر وابنِ عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. ومذهب جماهير أهل العلم مشروعية تكرارها في السنة أكثر من مرة[9]. وإلى أنها متأكدة في حق كل من يقدم على مكة سواء كان من أهلها أو من غيرهم. قال ابن قدامة في المغني: وَلا بَأْسَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لأَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يومًا. قال ابن قدامة في "المغني": "وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَكَانَ أَنَسٌ إذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ؛ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. وقَالَ أَحْمَدُ: إذَا اعْتَمَرَ فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ"؛ اهـ. وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/ 45): والذي نص عليه أَحْمَد أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِن الْعُمْرَةِ لا مِنْ مَكَّةَ وَلا غَيْرِهَا، بَلْ يَجْعَلُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مُدَّةً وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يَنْبُتُ فِيهِ شَعْرُهُ وَيُمْكِنُهُ الْحِلاقُ (يعني الحلق)؛ اهـ. قال النووي في المجموع: ولا يُكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، ولا في اليوم الواحد، بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا؛ اهـ. وقال الصنعاني في سبل السلم معلقًا على حديث: «العمرة إلى العمرة» دليل على تكرار العمرة، وأنه لا كراهة في ذلك، ولا تحديد بوقت؛ اهـ. ونقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: في كل شهر مرة. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر. وعلى هذا، فيجوز، بل يستحب لمن أدى عمرة أن يؤدي عمرة أخرى بأن يحرم من التنعيم أو من أدنى الحل؛ سواء كان من المقيمين في مكة أو من غيرهم. والقول الثاني: كراهة تكرار العمرة والموالاة بينها، وهو قول المالكية الذين نصوا على كراهة ذلك في المشهور عندهم، والجواز في غير المشهور. (كره طائفة من أهل العلم تكرار العمرة في السنة الواحدة منهم جمهور المالكية، وروي ذلك عن الحسن وابن سيرين والنخعي). واستدلوا على ذلك: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه اعتمر مرتين في سنة واحدة مع قدرته على ذلك. ومحل الكراهة في العام الواحد إذا لم يتكرر دخوله مكة قادمًا من موضع عليه فيه إحرام، كأن يخرج إلى المدينة مثلًا ثم يعود إلى مكة، ففي هذه الحالة عليه أن يحرم بعمرة إذا لم يكن زمن إحرام بحج؛ لأن داخل مكة لا بد أن يكون محرمًا بأحد النسكين. وليعلم أن من قال بكراهة تكرار العمرة في السنة الواحدة، تنتفي الكراهة عنده إذا تكرر دخوله مكة قادمًا من موضع عليه فيه إحرام؛ كأن يخرج من مكة إلى المدينة مثلًا ثم يعود إلى مكة، فإنه يحرم من ميقات أهل المدينة، أو كما ترجعون من مكة إلى أبها، ثم تعودون إلى مكة للعمرة، وتمرون بأحد المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحرمون منه. القول الراجح: هو قول جمهور الفقهاء. ولكن هل يشرع تكرار العمرة في السفرة الواحدة؟ يحرص بعض الزائرين إلى مكة على تكرار العمرة عن أنفسهم أو بعض أقاربهم، وذلك لخوفهم من عدم القدرة على زيارة مكة مرة أخرى، فما حكم ذلك الفعل؟[10] ولتوضيح ذلك يقال: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع من ذلك، بل ورد ما يدل على جواز ذلك بإذنه لعائشة رضي الله عنها بأداء العمرة بعد الحج تطييبًا لخاطرها. قالت عائشة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله، يرجع الناس بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة، قال: «وما طفت ليالي قدمنا مكة؟» قلت: لا، قال: «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهِلِّي بعمرة، ثم موعدك كذا وكذا»[11]. وورد عن عدد من السلف جواز ذلك: • قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال: كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر[12]. • قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل عن العمرة بعد الحج أيام التشريق، فلم ير بها بأسًا، وقال: ليس فيها هدي[13]. وليس في أقوال المذاهب ما يمنع تكرار العمرة في السفرة الواحدة، أو يمنع من العمرة بعد الحج إلا: • ما يفهم من لازم القول المشهور عند المالكية بكراهة العمرة أكثر من مرة في السنة؛ لأنه يكون في سفرة واحدة غالبًا[14]. • وبعض من حد تكرار العمرة بإمكانية الحلق وليس بالخروج من مكة، كما قال الإمام أحمد: "إذا اعتمر فلا بد من أن يحلق أو يقصر، وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس"[15]. وعلى كلٍّ فقد حكى غير واحد الاتفاق على أن من كان بمكة فميقاته للعمرة الحل. قال ابن عبدالبر: "ولا تصح العمرة عند الجميع إلا من الحل المكي وغير المكي، فإن بعدَ كان أكثر عملًا وأفضل، ويجزئ أقل الحل وهو التنعيم، وذلك أن يحرم بها من الحل فأقصاه المواقيت وأدناه التنعيم"[16]. قول ابن تيمية رحمه الله: أشهر من نقل عنه عدم مشروعية تكرار العمرة في سفرة واحدة من مكة بالإحرام من الحل هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل صرح ببدعيته في موضع، وقال أيضًا بعدم مشروعية العمرة للمكي، وتتابع نقل كثير من أهل العلم عنه. قال رحمه الله: "وهذا الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل، فهو يدلُّ على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب، بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار، بل الاعتمار حينئذٍ هو بدعة لم يفعله السلف، ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة، ولا قام دليل شرعي على استحبابها، وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء"[17]. والراجح هو قول جمهور أهل العلم القائل بجواز تكرار العمرة في سفرة واحدة، ولا دليل يمنع من ذلك، وإن كان الإكثار من الطواف أولى من تكرار العمرة. قال اللخمي: "لا أرى أن يُمنع أحد من أن يتقرب إلى الله بشيء من الطاعات، ولا من الازدياد من الخير في موضع لم يأتِ بالمنع منه نص"[18]. ومما يدل على ذلك: 1- حث النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث على العمرة، والندب يراد به الاستكثار من المندوب إليه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»[19]. قال أبو عمر ابن عبدالبر: "لا أعلم لمن كره العمرة في السنة مرارًا حجة من كتاب ولا سنة يجب التسليم لمثلها، والعمرة فعل خير، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77]، فواجب استعمال عموم ذلك، والندب إليه حتى يمنع منه ما يجب التسليم به"[20]. 2- ثبوت النص الصريح في إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وتوجيهه لها أن تعتمر من التنعيم يدل دلالة صريحة على جواز تكرار العمرة في سفرة واحدة. ولا يستقيم الاحتجاج: 1- بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله مع القدرة عليه، فلا يصلح دليلًا لعدم المشروعية والجواز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على الإكثار من العمرة وهي سنة قولية، فتكون أقوى من عدم الفعل، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم بعض العبادات مع إجماعهم على استحبابها؛ كإجماعهم على استحباب العمرة في رمضان مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها. 2- القول بأنه لم يثبت عن السلف ينقضه ما ثبت عن السلف في ذلك. ومن تلك الآثار: • قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال: كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر[21]. • قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل عن العمرة بعد الحج أيام التشريق فلم ير بها بأسًا، وقال: ليس فيها هدي؛ (المصنف 13017). • عن حصين قال: سألت سعيد بن جبير عن العمرة بعد الحج بستة أيام فقال: "اعتمر إن شئت"[22]. • عن ليث عن طاووس أنه سئل عن العمرة فقال: "إذا مضت أيام التشريق فاعتمر متى شئت إلى قابل"[23]. • عن قتادة عن عكرمة قال: "اعتمر ما أمكنك"؛ (ابن أبي شيبة 12726). يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |