السلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 284 )           »          تأديب الأولاد :المهمة يسيرة والنتائج غزيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الإحسان إلى النفس باللباس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أخطاء الواقفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 221 )           »          مهــارات بنــاءمجمـوعـات العـمـل الدعوي والتربوي وتفـعيـلها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 163 )           »          ما نصيبنا بعد تقسيم الأرض والعلوم والأخلاق بين الأمم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          (الهالووين) اليوم المقدس لعبدة الشياطين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          المرتكزات الاقتصادية للمشروع الإيراني في المنطقتين العربية والإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          منهج العلماء في رفع التعارض بين النصوص الشرعية‏ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 10704 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-02-2024, 11:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,744
الدولة : Egypt
افتراضي السلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه

السلام جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

السَّلامُ في لغةِ العربِ:
السَّلامُ في اللغةِ مصدرٌ استُعمل اسمًا للموصوفِ بالسَّلامةِ، فعلُه سَلِم يسلَمُ سَلَامًا وسَلَامةً، والسَّلامةُ الأمنُ والأمانُ والحصَانةُ والاطمئنانُ، والبراءةُ من كلِّ آفةٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ، والخلاصُ مِن كلِّ مكروهٍ وعيبٍ[1].

ومادَّةُ السَّلامِ تدلُّ على الخلاصِ والنجاةِ، وقيل للجَنَّةِ دارُ السَّلامِ لأنها دارُ السَّلامةِ مِن الهمومِ والآفاتِ، باقيةٌ بنعيمِها وأهلِها في أمانٍ ما دامت السماواتُ والأرضُ، قال تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 127][2].

ومن السَّلامةِ أيضًا التحيَّةُ الخالصةُ مِنْ سُوءِ الطَوِيَّةِ وخُبْثِ النيةِ، فسُمِّيَتِ التحيةُ في الإسلام سَلامًا، روى البخاري من حدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلقَ الله آَدَمَ وَطُولُهُ ستُّونَ ذرَاعًا، ثمَّ قَال اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أَولَئِكَ مِنَ الَملائِكَة فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ»[3].

وَالله عز وجل هُوَ السَّلامُ لسَلامتهِ من النقائصِ والعيوبِ، فهو الذي سَلِم في ذاتهِ بنُورِهِ وجلالِهِ، فمِنْ جَمالِهِ وسُبُحاتِ وجهِهِ احتجبَ عن خلْقِهِ رحمةً بهم وابتلاءً لهم، رَوَى مسلمٌ مِن حديثِ أبي مُوسَى رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[4].

وهو الَّذي سَلِم في صفاتِهِ بِكَمَالِها وعلوِّ شأنِها، وسَلِمَ أيضًا في أفعالِه بإطَلَاقِ قُدرتهِ وَإِنفاذِ مشيئتِه، وكمالِ عدلِه وبالغِ حكمتِهِ.

وهو سُبحانه الذي يدعو عبادَهُ إلى السَّلامةِ وإفشاءِ السَّلامِ، فأثنى على عبادهِ في قولِه تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63].

وَهُوَ الذي يدعو إلى سُبلِ السَّلامِ باتَباعِ منهجِ الإِسلامِ كما قال تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ [المائدة: 16].

وهو سبحانه الذي يدعو عبادَهُ إلى دَارِ السَّلامِ ويبلغ منِ استجابَ منهم إليها فقال: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس: 25]، فكلُّ سلامةٍ مَنْشَؤُهَا منه، وتمامُها عليه، ونسبتُها إليه[5].

معنى الاسمِ في حَقِّ اللهِ تعالى[6]:
قال ابنُ كثيرٍ: «السَّلامُ أي: مِن جميعِ العيوبِ والنقائصِ لكمالهِ في ذاتِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ»[7].

وقال الألوسي في تفسيرهِ: «السَّلامُ ذو السَّلامةِ من كلِّ نقصٍ وآفةٍ»[8].

وقال البيهقيُّ: «السلامُ هو الذي سَلِمَ مِن كلِّ عيبٍ وَبرِئَ مِنْ كلِّ آفةٍ، وهذه صفةٌ يستحقُّها بذاتِهِ.

وقِيلَ: هو الذي سَلِمَ المؤمنون من عقوبتِه»[9].

وقال القرطبيُّ: «(السَّلامُ) أي: ذو السلامةِ من النقائصِ».

ونَقَلَ عن ابنِ العربِيِّ قَولَهُ: «اتفقَ العلماءُ - رحمةُ اللهِ عليهم - على أَنَّ معنى قولِنا في اللهِ (السَّلام) النِّسْبَةُ، تقديرُه ذو السَّلامةِ، ثم اختلفوا في ترجمةِ النِّسبةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:
الأَول: مَعناهُ الذي سَلِمَ من كلِّ عيبٍ، وبَرِئَ مِن كلِّ نقصٍ.

الثَّاني: مَعناهُ ذو السَّلامِ؛ أي: الُمسلِّمُ على عبادهِ في الجَنَّةِ، كما قال: ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58].

الثَّالثُ: أَنَّ مَعنَاهُ الذي سَلِمَ الخلْقُ مِن ظُلمِهِ.

قُلْتُ – أي: القرطبيُّ -: وهذا قولُ الخطابيِّ وعليه والذي قبْلَهُ يكونُ صِفَةَ فعلٍ، وعلى أنه البريءُ مِنَ العيوبِ والنقائصِ يكونُ صفةَ ذاتٍ، وقيل: السلامُ معناه المسلِّم لعبادِهِ»[10].

وقال ابنُ القيِّم في النُّونيةِ:
وَهُوَ السَّلامُ على الحقيقةِ سالمٌ
مِنْ كلِّ تمثيلٍ ومِن نُقصانِ[11]





ثَمراتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسم[12]:
1- الله سبحانه وتعالى هو (السَّلامُ):
أي: السَّالِـمُ من كلِّ نقصٍ وآفةٍ وعيبٍ، فمعناه قريبٌ من القُدُّوسِ.

وقيل: إِنَّ القُدُّوسَ: إِشارةٌ إلى براءته عن جميعِ العيوبِ في الماضي وَالْحَاضرِ، والسَّلامُ: إِشارةٌ إلى أنه لا يطرأُ عليه شيءٌ من العيوبِ في الزَّمانِ المستقبلِ، فإِنَّ الذي يَطرأُ عليه شيءٌ من العيوبِ تزولُ سلامتُه ولا يبقى سليمًا[13].

2- سلامُ اللهِ علَى أَهلِ الجَنَّةِ:
اللهُ سُبحانَهُ هو الُمسَلِّم على عبادِهِ وأوليائِهِ في الجَنَّة، قال تعالى: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ [إبراهيم: 23].

وقال سبحانه: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب: 44].

وقال: ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58].

فالله تعالى يُحيِّي عبادَهُ في الجَنَّةِ بالسَّلامِ عليهم، والجَنَّةُ هي دارُ السَّلامِ من الموتِ والمرضِ وسائرِ الآفاتِ.

قال تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام: 127].

وقال: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ [يونس: 25].

3- سَلامُ اللهِ عَلَى الأنبيَاءِ والمرسلينَ:
واللهُ تعالى هو المُسَلِّم على أنبيائِهِ ورُسلِه، لإيمانِهم وإِحْسَانِهمْ وطاعتِهم له وتحمُّلِهم في سبيلِه أعظمَ الشدائِد، فيؤمِّنُهم في الآخرةِ فلا يخافون ولا يفزعون.

وقِيْلَ: سلَّم اللهُ تعالى عليهم ليقتديَ بذلك البشرُ فلا يذكرُهم أحدٌ بسوءٍ[14].
قال تعالى: ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ [الصافات: 79].
وقال: ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الصافات: 109].
وقال: ﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات: 120].
وقال: ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ [الصافات: 130].
وقال: ﴿ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 181].
وقال سبحانه: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل: 59].

قال الخطابيُّ: «أخبرني أحمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ مالكٍ، حدثنا موسى بنُ إسحاقَ الأنصاريُّ، عن صدقةَ بنِ الفَضْلِ قال: سمعتُ سفيانَ بنَ عُيينةَ يقولُ: أوحشُ ما تكونُ الخلقُ في ثلاثةِ مواطنَ: يومَ يُولدُ فيرى نفسَهُ خارجًا مما كانَ، ويومَ يموتُ فيرى قومًا لَمْ يكنْ عايَنَهُمْ، ويومَ يُبعثُ فيرى نفسَهُ فِي مَحْشرٍ عظيمٍ.

قال: «فأكرمَ اللهُ فيها يحيى فخصَّهُ بالسَّلامِ فقال: ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم: 15]، كأنه أشار إلى أَنَّ اللهَ جَلَّ وعزَّ سلَّم يَحيى مِنْ شرِّ هذه المواطنِ الثلاثةِ، وأمَّنه مِن خوفِها»[15].

وكذا عبادَهُ المؤمنين فإِنَّ الملائِكَةَ تسلِّمُ عليهم عند قبضِ أرواحِهم وتُطَمْئِنُهم وتؤمِّنُهم؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32]، فالملائكة تُبشّرُهم بالفوزِ بالجَنَّةِ والنجاةِ من عقابِ اللهِ والنارِ.

4- الأمرُ بإِفشاءِ هذا الاسمِ، وأنه سببٌ في دخولِ الجنَّةِ:
وقد وَرَدَ الأمرُ مِنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإفشاءِ السلامِ بين المسلمينَ، كما جَاءَ في حديثِ أبي هُريرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»[16].

قال النَّوويُّ: «وفيه الحَثُّ العظيمُ على إفشاءِ السَّلامِ وبذلِهِ للمسلمين كلِّهم مَنْ عرفْتَ ومَنْ لم تَعرِفْ».

وقال: «والسَّلامُ أوَّلُ أسبابِ التآلفِ، ومِفتاحُ استجلابِ الَمودَِّةِِ، وفي إفشائِه تَمَكُّنُ أُلفةِ المسلمينَ بعضِهم لبعضٍ، وإظهارُ شعارِهم الُمميِّزِ لهم عَنْ غيرِهم من أهلِ الِمللِ، مع ما فيه مِن رياضةِ النفسِ، ولزومِ التواضُعِ، وإعظامِ حُرماتِ المسلمين» اهـ[17].

وإِفشاءُ السَّلامِ مِن شعائرِ الإسلامِ العظيمةِ التي يتهاونُ فيها كثيرٌ مِن المسلمين، وهي مِن أوائلِ ما دعا إليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عندما وَصَلَ إلى المدينةِ، فَعَنْ عَبْدِ الله بن سَلامٍ قَالَ: أوَّلَ ما قَدِمَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ انجفَلَ النَّاسُ إليه، فكنتُ فيمن جاءَهُ، فَلَمَّا تَأملتُ وجهَهُ واستثبتُّه علمتُ أَنَّ وجَهَهُ ليس بوَجهِ كذَّابٍ، قال: وكان أوَّلَ ما سمعتُ من كلامهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّها النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وصَلُّوا بِاللَّيْلِ والناسُ نِيامٌ تَدْخُلوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ»[18].

5- لاَ يُقَالُ السَّلامُ عَلَى الله:
جَاءَ ذَلِكَ في حديث عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا نُصلي خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فنقولُ: السَّلامُ على اللهِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»[19].

قال البيضاويُّ ما حاصِلُهُ؛ أنه صلى الله عليه وسلم أنكرَ التسليمَ على اللهِ، وبيَّن أَنَّ ذلكَ عكسُ ما يجبُ أَنْ يُقالَ، فإِنَّ كلَّ سلامٍ ورحمةٍ له ومنه وهو مالِكُها ومُعطِيها[20].

وقال الخطابيُّ: «الُمرادُ أَنَّ اللهَ هو ذو السَّلامِ، فلا تقولوا السلامُ على اللهِ؛ فإنَّ السَّلامَ منه بَدَأَ وإليه يعُودُ»[21].

ولذلك أَمَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمينَ أَنْ يقولوا: التَّحياتُ لله.

قال ابنُ حَجرٍ: «جمعُ تحيَّةٍ، ومعناها السَّلامُ، وقيل: البقاءُ، وقِيل: العظمَةُ، وقيل: السَّلامةُ من الآفاتِ والنقصِ، وقيل: الُملْكُ».

وقال ابنُ قُتيبةَ: «لَمْ يَكُنْ يُحيَّا إلا الملِكُ خاصَّةً، وكان لكلِّ مَلِكٍ تحيةٌ تخصُّهُ فلهذا جُمِعَتْ، فكان المعنى: التحيَّاتُ التي كانوا يُسَلِّمُون بها على الملوكِ كلُّها مُسْتحِقَّةٌ للهِ».

وقال المحبُّ الطبريُّ: «يُحتمل أَنْ يكونَ لفظُ التحيةِ مشتركًا بين الَمعَانِي المقدَّمِ ذكْرُها، وكونُها بمعنى السَّلامِ أنسَبُ هُنَا»[22].

وَجَاءَ في حديثِ أنسٍ قال: قال جبريلُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إن الله يُقرِئُ خديجةَ السَّلامَ – يعني: فَأَخْبِرْها - قالت: إِنَّ الله هُوَ السَّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلامُ وعليك يا رسولَ اللهِ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه[23].

قَالَ العُلَمَاءُ: في هذه القصةِ دليلٌ عَلَى وُفُورِ فقهِها لأنها لم تَقُلْ «وَعَلَيْهِ السَّلامُ» كما وقع لبعضِ الصحابة حيثُ كانوا يقولون في التَّشَهُّدِ «السَّلامُ على اللهِ» فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَتْ خَدِيْجَةُ رضي الله عنها لصِحَّةِ فهمِها أَنَّ الله لا يُردُّ عليه السَّلَامُ كما يُردُّ على المخلوقينَ؛ لأَنَّ السَّلامَ اسمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الله تَعَالَى.

المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:
ما حقيقةُ هذِهِ اللَّفظةِ؟ حقيقتُها البراءةُ والخَلاصُ والنَّجاةُ منْ الشَّرِّ والعيوبِ، وعلى هذا المعنى تدورُ تصاريفُها فمِنْ ذلك، قولك: سلَّمكَ اللهُ وسَلِمَ فلانٌ من الشرِّ.

ومنه دعاءُ المؤمنينَ على الصِّراطِ: رَبِّ سلِّمْ، اللهُمَّ سلِّم[24].

ومنه سَلِمَ الشيءُ لِفلانٍ؛ أي: خَلَصَ له وَحْدَهُ، فخَلُصَ مِن ضَرَر الشَّركةِ فيه قال تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ [الزمر: 29]؛ أي: خالصًا له وَحْدَهُ لا يَملكُه معه غيرُهُ.

ومنه السَّلْمُ ضدُّ الحربِ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال: 61]؛ لأَنَّ كُلًّا مِنَ المتحارِبَيْنِ يَخلصُ ويسْلَمُ مِن أذى الآخرِ؛ ولهذا يُبنى منه على المفاعَلَةِ، فيقال: المسالَمةُ، مثلُ المشاركَةِ.

ومنه القلبُ السَّليمُ وهو النقِيُّ من الغِلِّ والدَّغَلِ، وحقيقتُه الذي قد سَلِمَ للهِ وَحْدَهُ، فَخَلُصَ مِن دَغَلِ الشِّركِ وِغِلِّهِ، ودَغَلِ الذُّنوبِ والمُخَالفاتِ، بَلْ هُوَ المستقيمُ على صِدْقِ حُبِّهِ، وحُسْنِ معاملته، فهذا هو الذي ضمِنَ لَهُ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ، وَالفوزَ بكرامتِهِ.

ومنه أُخِذَ الإسلامُ فإنَّه مِن هذه المادَّةِ؛ لأَنَّه الاستسلامُ والانقيادُ للهِ، والتخلُّصُ مِن شوائبِ الشِّركِ فَسَلِمَ لربِّهِ، وخَلَصَ له كالعبدِ الذي سَلِمَ لمولاه ليس فيه شُرَكاءُ مُتَشَاكِسُونَ، ولهذا ضربَ سُبحَانَهُ هذين المَثَلَيْنِ للمُسلمِ المُخلَصِ الخالِصِ لربِّه والمؤمنِ به.

ومنه السَّلَمُ للسَّلَفِ، وحقيقته العِوَض الُمسلَّم فيه؛ لأَنَّ مَنْ هو في ذِمَّتِهِ قد ضمِنَ سلامتَهُ لربِّه، ثم سُمِّي العَقدُ سَلمًا وحقيقتُه ما ذكرناه.

فإن قيل: فهذا ينتقضُ بقولِهم للَّدِيغِ: سليمًا، قيل: ليسَ هذا بنقضٍ له، بل طردٌ لِما قُلناهُ فإنهم سَمَّوْهُ سليمًا باعتبار ما يَهمُّه ويطلُبُه، ويرجو أَنْ يؤول إليه حالهُ مِن السَّلامَةِ، فليسَ عنده أهمُّ مِن السَّلامةِ، ولا هو أشَدُّ طلبًا منه لغيرِها، فسُمِّى سليمًا لذلك.

وهذا مِن جنْس تسميتِهم المَهْلَكةَ مَفَازةً؛ لأنه لا شَيْءَ أَهَمُّ عند سالِكِهَا مِن فوزهِ منها؛ أي: نجاتِهِ، فَسُميتْ مفازةً لأنه يطلبُ الفَوزَ منها، وهذا أحسنُ مِن قولهم: إنما سُمِّيَتْ مفازةً وسُمِّي اللديغُ سليمًا تفاؤلًا، وإنْ كان التفاؤلُ جُزْءَ هذا المعنى الذي ذكرناهُ وداخلًا فيه؛ فهو أعمُّ وأحسَنُ.

فإِنْ قِيلَ: فكيف يُمكنكُم ردُّ السُّلَّمِ إلى هذا الأصل، قيل: ذلك ظاهرٌ، لأن الصَّاعِدَ إلى مكانٍ مُرتفعٍ لمَّا كان مُتعرِّضًا للهَوِيِّ والسُّقوطِ طالبًا للسَّلامةِ راجيًا لها، وسُمِّيتِ الآلةُ التي يَتوصَّلُ بها إلى غَرَضِهِ سُلَّمًا لتضمّنِها سلامَتهُ، إذ لو صَعَدَ بتكلُّفٍ من غير سُلَّمٍ لكانَ عَطبُه متوقعًا، فَصَحَّ أَنَّ السُّلمَ من هذا المعنى.

ومنه تسميةُ الجَنَّةِ بدارِ السلام وفي إضافتِها إلى السَّلامِ ثلاثَةُ أقوالٍ:
أحدهما: أنها إضافةٌ إلى مالِكها السَّلامِ سُبْحَانَهُ.

الثاني: أنها إضافةٌ إلى تحيَّةِ أهلِها فإِنَّ تحيَّتَهُم فيها سَلامٌ.

الثالث: أنها إضافةٌ إلى معنى السَّلامَةِ؛ أي: دارِ السَّلامةِ من كلِّ آفةٍ ونقصٍ وشَرٍّ، والثلاثةُ متلازِمَةٌ.

وإِنْ كَان الثالثُ أظهرَها؛ فإنه لو كَانتِ الإضَافَةُ إِلَى مالِكها لأضيفتْ إلى اسمٍ من أسمائِهِ غيرِ السَّلامِ، وكان يُقال دارُ الرحمنِ، أو دارُ اللهِ، أو دارُ الَملكِ، ونَحْوُ ذَلِكَ.

فإذا عُهِدَتْ إضافتُها إليه، ثم جاء دَارَ السَّلامِ حُمِلَتْ على المَعْهُودِ، وأيضًا فإنَّ المعهودَ في القرآنِ إضافتُها إلى صفتِها، أو إلى أهلِها.

أما الأول: فنحوُ دارِ القرار، دار الخُلدِ، جَنَّةِ المأوى، جَنَّاتِ النَّعيمِ، جنَّاتِ الفردوسِ.

وأما الثاني: فنحوُ دارِ المتقين، ولم تُعهدْ إضافتُها إلى اسمٍ من أسماءِ اللهِ في القرآنِ؛ فالأَوْلى حَمْلُ الإِضافةِ على المعهودِ في القرآنِ، وكذلك إِضَافَتُهَا إلى التحيَّةِ ضعيفٌ مِن وجهين:
أحدُهما: أَنَّ التحيَّةَ بالسَّلامِ مشتركةٌ بين دارِ الدُّنيا والآخرةِ وما يُضافُ إلى الجَنَّةِ لا يكونُ إلا مُختصًّا بها كالخُلدِ والقَرارِ والبقاءِ.

الثاني: أَنَّ مِن أَوْصَافِها غيرِ التحيَّةِ ما هو أكْملُ منها؛ مثلُ كونِها دائمةً وباقيةً ودارَ الخُلدِ، والتحيَّةُ فيها عارضةٌ عند التلاقي والتزاور بخلافِ السَّلامةِ مِن كل عيبٍ ونقصٍ وشرٍّ، فإنها مِن أكْمَلِ أوصافِهَا المقصودةِ على الدَّوامِ، التي لا يتمُّ النعيمُ فيها إلا بِهِ فإِضَافتُها إليه أَوْلَى وهذا ظَاهِرٌ[25].

فإذا عُرِفَ هذا فإطلاقُ السَّلامِ على اللهِ تعالى اسمًا مِن أسمائِهِ هو أَوْلى مِن هذا كلِّه، وأحقُّ بهذا الاسمِ مِن كلِّ مُسمًّى به لِسلامتِهِ سُبحانه مِن كلِّ عيبٍ ونقصٍ، مِن كلِّ وَجْهٍ.

فَهُوَ السَّلامُ الحقُّ بكلِّ اعتبارٍ والمخلوقُ سلامٌ بالإضافةِ فهو سُبحانه سَلَامٌ في ذاتِهِ عن كل عيبٍ ونقصٍ يتخيَّله وَهْمٌ، وسلامٌ في صفاتِهِ مِن كلِّ عيبٍ ونقصٍ، وسلامٌ في أفعالِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ وشرٍّ وظُلْمٍ وفعْلٍ واقعٍ على غيرِ وَجْهِ الحكمةِ، بل هو السَّلامُ الحقُّ مِنْ كُلِّ وجهٍ وبكلِّ اعتبارٍ، فعُلِم أن استحقاقَهُ تعالى لهذا الاسمِ أكملُ مِن استحقاقِ كل ما يُطلقُ عليه.

وهذا هو حقيقةُ التَّنزيهِ الذي نَزَّهَ بِهِ نفسَهُ، ونزَّهَهُ به رسولُه فهو السَّلامُ من الصاحبةِ والولدِ، والسَّلامُ مِن النَّظيرِ والكُفْءِ والسَّمِيِّ والمماثلِ، والسَّلامُ مِن الشَّريكِ.

ولذلك إذا نظرتَ إلى أفرادِ صفاتِ كمالِهِ وَجَدْتَ كُلَّ صِفَةٍ سلامًا مِمَّا يُضَادُّ كَمَالَها؛ فَحياتهُ سلامٌ مِنَ الموتِ، ومِن السِّنَةِ والنومِ، وكذلك قيوميَّتُه، وقُدْرتُهُ سَلامٌ مِن التَّعَبِ واللُّغُوبِ، وعِلْمُه سلامٌ مِن عُزوبِ شيءٍ عنه أو عُروضِ نسيانٍ أو حاجةٍ إلى تذكُّرٍ وَتَفَكُّرٍ، وإرادتُهُ سلامٌ مِنْ خُروجِها عَنِ الحكمةِ والمَصلَحةِ، وكلماتُه سلامٌ مِن الكَذِبِ والظُّلمِ، بل تَمَّتْ كلماتُه صِدقًا وعَدْلًا، وغِناه سلامٌ مِن الحاجةِ إلى غيرِهِ بوجهٍ ما، كلُّ ما سِواه مُحتاجٌ، وهو غنيٌّ عَن كلِّ ما سِواه، ومُلْكُهُ سلامٌ مِن مُنازِعٍ فيه، أو مشارِكٍ أو مُعاوِنٍ مُظاهِرٍ أو شافعٍ عنده بدونِ إذنهِ، وإلهيَّتُه سلامٌ مِن مُشارِكٍ له فيها، بل هو اللهُ الذي لا إله إلا هو، وحِلْمُهُ وعفوهُ وصفحُهُ ومغفرتُهُ وتجاوزُه سلامٌ مِن أَنْ تكُونَ عن حاجةٍ منه أو ذُلٍّ أو مُصانعةٍ كما يكُونُ مِن غيرهِ، بل هو مَحْضُ جُودِهِ وإحسانِهِ وَكَرَمِهِ، وكذلك عذابهُ وانتقامهُ وشدَّةُ بطشِه وسرعةُ عقابِه سلامٌ مِن أَنْ يكُون ظُلمًا أو تَشَفِّيًا أو غِلْظَةً أو قسوةً، بل هو محضُ حكمتِهِ وعَدْلِهِ، وَوَضْعُهُ الأَشْيَاءَ مواضِعَها وهو مما يستحقُّ عليه الحمْدَ والثناءَ كما يستحقُّه على إحسانهِ وثوابِهِ ونِعَمِهِ، بل لو وُضِعَ الثَّوابُ موضِعَ العقوبةِ لكان مُناقِضًا لحِكْمَتِهِ ولعزَّتِهِ، فوضْعُه العقوبةَ موضعَها هو مِن حمْدِه وحِكْمَتِهِ وَعِزَّتِهِ فَهُوَ سَلَامٌ مِمَا يَتوَهَّمُ أعداؤه والجاهلون به مِن خِلافِ حكمتِهِ.

وقضاؤُهُ وقدرُهُ سلامٌ مِن العبثِ والجَوْرِ والظُّلْمِ ومِنْ تَوهُّمِ وقوعِهِ على خلافِ الحكمةِ البالغةِ، وشرعُهُ ودينُهُ سلامٌ مِن التناقضِ والاختلافِ والاضطرابِ، وخلافِ مصلحةِ العبادِ ورحمتِهم، والإحسانِ إليهم وخلافِ حكمتِهِ. بل شرعهُ كلُّه حكمةٌ وَرحمةٌ ومصلحةٌ وعدلٌ، وكذلك عطاؤهُ سلامٌ من كونِهِ معارضةً أو لحاجةٍ إلى الُمعطِي، ومَنْعُهُ سلامٌ من البُخْلِ وخَوفِ الإملاقِ، بل عطاؤهُ إحسانٌ محضٌ لا لمعارضةٍ ولا لحاجةٍ، ومَنْعُهُ عدلٌ مَحْضٌ وَحِكْمَةٌ لا يَشُوبُهُ بُخْلٌ ولا عَجْزٌ، واستواؤهُ وعلوُّهُ على عَرشِهِ سلامٌ مِن أَنْ يكونَ مُحتاجًا إلى ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرشُ محتاجٌ إليه وحَمَلَتُهُ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فهو الغَنيُّ عَن العرشِ وعن حَمَلَتِهِ وعن كلِّ ما سِواهُ فهو استواءٌ وعلوٌّ لا يَشُوبُهُ حَصْرٌ، ولا حاجةٌ إلى عرشٍ ولا غيرِهِ، وَلَا إِحَاطةِ شيءٍ به سبحانه وتعالى، بل كان سُبحانه ولا عرشَ ولم يكن به حاجةٌ إليه وهو الغَنِيُّ الحَمِيدُ بِلْ استواؤُهُ على عرشِهِ واستيلاؤهُ على خلقِهِ مِن موجباتِ مُلكِهِ وقَهْرِه مِن غيرِ حاجةٍ إلى عَرْشٍ ولا غَيْرِهِ بوجهٍ ما، ونزولُه كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنْيَا سلامٌ مما يُضادُّ علوَّه وسلامٌ مما يضادُّ غناه، وكمالُهُ سلامٌ مِن كلِّ ما يَتوهَّمُ مُعَطِّلٌ أو مشبِّهٌ وسَلامٌ مِن أَنْ يَصِيرَ تَحتَ شيءٍ، أو مَحْصُورًا في شيءٍ، تعالى اللهُ ربُّنا عن كلِّ ما يُضادُّ كمالَهُ وغِناه وسَمْعَهُ وبَصَرَهُ، سلامٌ مِن كلِّ ما يتخيَّلُه مُشَبِّهٌ، أو يتقوَّلَهُ مُعَطِّلٌ، وموالاتُهُ لأوليائِهِ سلامٌ مِن أَنْ تكونَ عن ذُلٍّ كما يوالي المخلوقُ المخلوقَ، بل هي موالاةُ رحمةٍ وخيرٍ وإحسانٍ وبرٍّ.

كما قال: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ [الإسراء: 111]، فَلم يَنفِ أَنْ يَكونَ له وليٌّ مطلقًا، بل نفى أَنْ يكونَ له وليٌّ مِن الذُّلِّ.

وكذلك محبتُه لمحبِّيهِ وأوليائِهِ سلامٌ مِن عوارضِ محبَّةِ المخلوقِ للمخلوقِ؛ مِن كونِهَا محبَّةَ حاجةٍ إليه، أو تملُّقًا له، أو انتفاعًا بقُربهِ، وسلامٌ مما يتقوَّلُهُ المعطِّلُون فيها، وكذلك ما أضافه إلى نفسِه مِن اليدِ والوجهِ فإنه سلامٌ عَمَّا يتخيّلُهُ مشبِّهٌ، أو يتقوَّلُهُ مُعطِّلٌ.

فتأمَّلْ كيف تضمَّنَ اسمُه السلامُ كلَّ ما نُزِّهَ عنه تبارك وتعالى، وكم مِمَّنْ حَفِظَ هذا الاسمَ لا يَدري ما تَضَمَّنهُ مِن هذهِ الأسرار والمعاني، والله المستعان المسؤول أنْ يُوفِّقَ للتعليقِ على الأسماء الحسنى على هذا النمطِ إنه قريبٌ مجيبٌ[26].

هل السلامُ مَصْدرٌ؟
فالجواب: أَنَّ السَّلامَ الذي هو التحيَّةُ اسمُ مصدرٍ، ومنه المصدرُ الجاري عليه تَسليمٌ كعلَّمَ تعليمًا، وفهَّم تفهيمًا وكلَّمَ تكليمًا، والسَّلامُ مِن سلَّم كالكلام من كلَّمَ.

فإن قِيلَ: وما الفرقُ بين المصدرِ والاسمِ؟
قلنا: بينهما فرقانِ: لفظيٌّ ومعنويٌّ:
أمَّا اللفظيُّ: فإِنَّ المصدَر هو الجارِي على فعلِه الذي هو قياسُه كالإفعالِ مِن أفعل، والتفعيل من فَعّل، والانفعال مِن انفعَل، والتفعلُل مِن تفعلل وبابِه، وأما السَّلام والكلام، فليسا بجاريين على فِعْلَيْهما، ولو جريا عليه لقيل: تسليمٌ وتكليمٌ.

وأما الفرقُ المعنويُّ: فهو أَنَّ المصدرَ دالٌّ على الحَدَثِ وفاعلِه، فإذا قُلْتَ: تكليمٌ وتَسْلِيمٌ وَتَعْليمٌ ونحوُ ذلك دَلَّ على الحدَثِ ومَنْ قام به فيدلُّ التسليمُ على السَّلامِ والُمسلِّمِ، وكذلك التكليمُ والتعليمُ.

وأما اسمُ الَمصْدرِ فإنَّما يدلُّ على الحَدَثِ وَحْدَهُ، فالسَّلامُ والكلامُ لا يدلُّ لفظُه على مُسلِّمٍ ولا مكلِّمٍ بِخلاف التكليمِ والتسليمِ، وسرُّ هذا الفرْقِ أَنَّ المصدرَ في قَولِك سلَّم تسليمًا وكلَّم تكليمًا بمنزِلَةِ تكرارِ الفعلِ، فكأنَّك قلتَ سلَّمَ سلَّمَ وتكلَّمَ تكلَّمَ، والفعلُ لا يخلو عن فاعِله أبدًا، وأما اسمُ المصدرِ فإنَّهم جرَّدُوه لمجرَّدِ الدَّلالةِ على الحدَثِ.

وهذه النُّكتةُ مِن أسرارِ العربيَّةِ، فهذا السلام الذي هو التحيَّةُ.

وأما السَّلامُ الذي هو اسمٌ مِن أسماءِ الله ففيه قولانِ:
أحدُهما: أَنَّهُ كذلك اسمُ مصدرٍ، وإطلاقُه عليه كإطلاقِ العَدْلِ عليه، والمعنى: أَنَّهُ ذو السَّلامِ، وذو العَدْلِ على حذفِ المضافِ.

والثاني: أَنَّ المَصدَر بمعنى الفاعلِ هنا؛ أي: السَّالمِ، كما سُمِّيَتْ ليلةُ القدرِ سَلامًا؛ أي: سالمةٌ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، بل هي خيرٌ لا شرَّ فيها، وأحسَنُ مِن القولين وأقيسُ في العربيةِ أَنْ يكُونَ نفسُ السَّلامِ مِن أسمائِهِ تعالى كالعدلِ، وهو مِن باب إطلاقِ المَصْدرِ على الفاعِلِ لكونِهِ غَالِبًا عليه مُكرَّرًا منه؛ كقولِهم رُجُلٌ صومٌ وعدلٌ وزورٌ وبابِهِ.

وأما السلامُ الذي هو بمعنى السَّلامةِ فهو مصدرُ نفسِه، وهو مثلُ الجلالِ والجلالةِ، فإذا حَذفْتَ التَّاءَ كان المرادُ نفسَ المصدرِ، وإذا أتيتَ بالتاءِ كان فيه إيذانٌ بالتحديدِ بالمرَّةِ مِن المَصْدَرِ كالحَبِّ، والحَبَّةِ.

فالسلامُ والجمالُ والجلال كالجِنسِ العامِّ مِن حيثُ لم يكُنْ فيها تاءُ التحديدِ.

والسلامةُ والجلالةُ والملاحةُ والفصَاحةُ كلُّها تدلُّ على الخَصلةِ الواحدةِ. ألا ترى أن الملاحَةَ خَصلةٌ مِن خصالِ الكمالِ، والجلالَةَ مِن خِصال الجلالِ. ولهذا لم يقولوا: كمالةٌ كما قالوا: ملاحةٌ وفصاحةٌ، لأَنَّ الكمالَ اسمٌ جامعٌ لصفاتِ الشَّرفِ والفَضْلِ، فلو قالوا: كمالةٌ لنقَضُوا الغرضَ المقصودَ من اسمِ الكمالِ فتأمَّلْهُ، وعلى هذا جاءَ الحلاوةُ والأصالةُ والرزانَةُ والرَّجاحَةُ، لأنها خَصْلَةٌ مِن مُطْلقِ الكمالِ والجمالِ محدودةٌ، فجاءوا فيها بالتَّاءِ الدالةِ على التحديدِ، وعكسُه الحماقةُ والرّقاعَةُ والنذالةُ والسَّفاهةُ فإنها خِصالٌ محدودةٌ من مطلقِ العيبِ والنقصِ، فجاءوا في الجنسِ الذي يَشملُ الأنواعَ بغيرِ تاءٍ، وجاءوا في أنواعهِ وأفرادهِ بالتاءِ وقد تَقَدَّمَ تقريرُ هذا المعنى، وأيضًا فلا حاجةَ إلى إِعادتِهِ.

فتأمَّلْ الآنَ كيفَ جاء السَّلامُ مجرَّدًا عن التَّاءِ إيذانًا بحُصولِ المُسمَّى التَّامِ، إذْ لا يَحْصُلُ المقصودُ إلا به؛ فإنَّهُ لو سَلِمَ مِن آفةٍ ووقع في آفةٍ لم يكنْ قد حَصَل له السلامُ، فوضحَ أَنَّ السَّلامَ لم يَخْرُجْ عن المصدريَّةِ في جميعِ وجوهِهِ.

فإن قيل: فما الحكمةُ في مجيئهِ اسمَ مصدرٍ ولم يجئْ على أَصلِ الَمصْدَرِ؟
قيلَ: هذا السِّرُّ بديعٌ، وهو أَنَّ المقصودَ الحصولُ مُسَمَّى السَّلامةِ للمُسلَّمِ عليه على الإطلاقِ من غيرِ تقييدٍ بفاعلٍ، فلمَّا كان المرادُ مطلقَ السَّلامةِ مِن غيرِ تعرُّضٍ لفاعلٍ أَتَوْا باسم المصدرِ الدَّالِّ على مجردِ الفعلِ، ولم يأتوا بالمصدَرِ الدالِّ على الفعلِ والفاعلِ معًا فتأمَّلْهُ[27].

هل قَولُ الُمسلمِ سلامٌ عليكم هل هو إنشاءٌ أم خبرٌ؟
فجوابُه: أَنَّ هذا ونحوَهُ مِن ألفاظِ الدُّعاءِ مُتضمِّنٌ للإنشاءِ والإِخبارِ فجهةُ الخبريَّةِ فيه لا تُناقِضُ جهةَ الإنشائيةِ، وهذا موضعٌ بديعٌ يحتاجُ إلى كشفٍ وإيضاح.

فنقولُ: الكَلامُ له نِسبتانِ: نسبةٌ إلى المتكلَّمِ به نفسِه، ونسبةٌ إلى المتكلَّم فيه إمَّا طلبًا، وإمَّا خَبرًا، وله نسبةٌ ثالثةٌ إلى المخاطَبِ لا يتعلَّقُ بها هذا الغرَضُ، وإنما يتعلَّقُ تحقيقُهُ بالنسبتين الأُوليَيْنِ فباعتبارِ تَيْنِكَ النِّسبتين نشأَ التقسيمُ إلى الخبرِ، والإِنشاءِ ويُعلمُ أين يجتمعانِ وأين يفترِقانِ، فله بنسبتِهِ إلى قصدِ المتكلِّمِ وإرادتِهِ لثبوتِ مضمونِه وصفُ الإِنشاءِ، وله بنسبتِهِ إلى الُمتكلَّم فيه والإعلامِ بتحقُّقِهِ في الخارجِ وَصْفُ الإِخبارِ، ثم تجتمعُ النسبتانِ في موضعٍ وتفترقانِ في موضعٍ، فكلُّ موضعٍ كان المعنى فيه حاصلًا بقصْدِ المتكلِّم وإرادتِهِ فقط؛ فإنه لا يُجامعُ فيه الخبرُ الإنشاءَ نحو قوله: بعتُكَ كذا، ووهبتُكَهُ وأعتقتُ وطلَّقتُ، فإن هذه المعاني لم يثبتْ لها وجودٌ خارجيٌّ إلا بإرادةِ المُتَكلِّم وقصْدِه، فهي إنشاءاتٌ وخبريَّتُها مِن جهةٍ أخرى وهي تضمُّنُها إخبارَ المتكلِّمِ عن ثبوتِ هذه النسبةِ في ذهْنِهِ، لَكِنْ ليسَتْ هذه هي الخبريَّةَ التي وُضِعَ لها لفظُ الخَبرِ وكلِّ موضعٍ كان المعنى حاصلًا فيه مِن غيرِ جهةِ المتكلِّمِ.

وليس للمتكلِّمِ إلا دعاؤهُ بحصولِهِ ومحبَّتِهِ، فالخبرُ فيه لا يُناقِضُ الإنشاءَ وهذا نحو سلامٌ عليكم، فإن السلامةَ المطلوبَةَ لم تحصُلْ بفعل المسَلِّمِ، وليس للمسلِّمِ إلا الدعاءُ بها ومَحبَّتُها فإذا قال: سلامٌ عليكم تضمنَ الإِخبارَ بحصولِ السَّلامةِ والإنشاءَ للدُّعاءِ بها وإرادتِها وتمنِّيها، وكذلك ويلٌ له قال سيبويهِ: هو دعاءٌ وخبرٌ، ولم يَفهمْ كثيرٌ مِن الناسِ قولَ سيبويهِ على وجهِهِ، بل حرَّفوه عمَّا أراده به.

وإنما أراد سيبويهِ هذا المعنى؛ أنها تتضمَّنُ الإخبارَ بحصولِ الويلِ له مع الدعاءِ به، فتدبَّرْ هذه النُّكتةَ التي لا تجدُها محرَّرةً في غير هذا الموضعِ هكذا، بل تَجدُهم يُطلقون تقسيمَ الكلامِ إلى خبرٍ وإنشاءٍ مِن غيرِ تحريرٍ، وبيانٍ لمواضعِ اجتماعِهِمَا وافتراقِهما، وقد عَرفْتَ بهذا أن قولَهم سلامٌ عليكم وويلٌ له وما أشبه هذا أبلَغُ مِن إخراجِ الكلامِ في صورةِ الطَّلبِ المجرَّدِ نحوُ اللهُمَّ سلِّمْهُ[28].

ما معنى السلامِ المطلوبِ عند التَّحيَّةِ؟
ففيه قولانِ مشهورانِ:
أحدُهما: أَنَّ المعنى اسمُ السَّلامِ عليكم والسَّلامُ هنا هو اللهُ عز وجل، ومعنى الكلامِ: نزلَتْ بركةُ اسمِهِ عليكم، وحلَّتْ عليكم ونحْوُ هذا، واختيرَ في هذا المعنى من أسمائِهِ عز وجل اسمُ السَّلامِ دونَ غيرهِ من الأسماءِ لِما يأتي في جوابِ السُّؤالِ الذي بعدَهُ.

واحتجَّ أصحابُ هذا القولِ بحُجَجٍ؛ منها: ما ثبت في الصحيحِ: أنهم كانوا يقولون في الصَّلاةِ: السلامُ على الله قبل عبادِهِ، السلامُ على جبريلَ، السلامُ على فلانٍ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللهِ؛ فَإِنَّ اللَه هُوَ السَّلامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ»[29]، فنهاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يقولوا: السلامُ على اللهِ؛ لأَنَّ السلامَ على المسلَّمِ عليه دعاءٌ له، وطلَبُ أَنْ يَسْلَمَ، واللهُ تعالى هو المطلوبُ منه، لا المطلوبُ له، وهو المدعوُّ لا المدعوُّ له، فيستحيلُ أَنْ يُسلِّمَ عليه، بل هو المسلِّمُ على عبادِهِ كما سلَّم عليهم في كتابِهِ، حَيْثُ يقولُ: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 180، 181]، وقوله: ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الصافات: 109]، ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ [الصافات: 79]، ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ[الصافات: 130]، وقال في يحيى: ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ [مريم: 15]، وقال لنوحٍ: ﴿ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ [هود: 48].

ويُسلِّمُ يومَ القيامةِ على أهل الجَنَّةِ كما قال تعالى: ﴿ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 57، 58]، فقولًا منصوبٌ على المصدرِ، وفعلُه ما تضمَّنهُ سلامٌ مِن القولِ، لأَنَّ السلامَ قَوْلٌ.

قال تعالى: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [الأحزاب: 44]، فهذا تحيَّتُهم يَومَ يلقونَهُ تبارك وتعالى، ومُحالٌ أن تكونَ هذه تحيَّةً منهم له، فإنَّهم أعرَفُ به مِن أَنْ يُسَلِّموا عليه، وقد نُهوا عن ذلك في الدُّنيا، وإنما هذا تحيَّةٌ منه لهم.

والتحيَّةُ هنا مضافةٌ إلى المفعولِ فهي التحيَّةُ التي يُحيَّونَ بها، لا التحيَّةُ التي يُحَيُّونَهُ هم بها، ولولا قولُه تعالى في سورة يس: ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58]، لاحتَملَ أن تكونَ التحيَّةُ لهم مِنَ الَملائِكَةِ كما قال تعالى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد: 23، 24].

ولكِنْ هذا سلامُ الملائكةِ إذا دخلوا عليهم وهم في مَنازلهِم مِن الجَنَّةِ يَدْخلون مُسَلِّمين عليهم، وأما التحيةُ المذكورةُ في قولِهِ: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [الأحزاب: 44]، فتِلْكَ تحيَّةٌ لهُم وقتَ اللقاءِ كما يحيِّي الحبيبُ حبيبَهُ، إذا لَقِيَهُ، فماذا حُرِمَ المحجوبون عن ربِّهم يومئذٍ؟
يَكْفِي الَّذِي غَابَ عَنْكَ غَيْبَتُهُ
فَذَاكَ ذَنْبٌ عِقابُهُ فِيهِ




والمقصود أَنَّ اللهَ تعالى يُطلبُ منه السَّلامُ، فلا يمتنعُ في حقِّه أن يُسلِّم على عبادِهِ ولا يُطلبُ له، فلذلك لا يُسلَّمُ عليه، وقولُهصلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلامُ»[30] صريحٌ في كَونِ السلامِ اسمًا مِن أسمائِهِ، قالوا: فإذا قال الُمسْلمُ: سلامٌ عليكم كان معناها اسمُ السلامِ عليكم.

ومِنْ حُجَجِهِم ما رواه أبو داود مِن حديثِ ابن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سلَّم على النبيِّصلى الله عليه وسلم وهوَ يَبُولُ، لم يَرُدَّ عليه حتى استَقبلَ الجدارَ، ثم تيمَّمَ وردَّ عليه وقال: «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ»[31]، قالوا: ففي هذا الحديثِ بيانُ أنَّ السلامَ ذِكْرُ الله، وإنما يكونُ ذِكْرًا إذا تضمَّن اسمًا مِن أسمائِهِ.

ومِن حُجَجهِم أيضًا، أَنَّ الكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الكتابِ لا يُبدؤون بالسَّلامِ[32]، فلا يقال لهم: سلام عليكم، ومعلوم أنه لا يُكره أن يُقالَ لأحدهم: سلَّمك الله، وما ذاك إلا أَنَّ السلامَ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ، فلا يسوغُ أَنْ يُطلَبَ للكافرِ حصولُ بركةِ ذلك الاسمِ عليه، فهذه حُجَجٌ كما ترى قويَّةٌ ظاهرةٌ.

القول الثاني: أَنَّ السَّلامَ مصدرٌ بمعنى السَّلامةِ وهو المطلوبُ المدْعُوُّ به عِنْدَ التَّحيَّةِ.

ومن حُجَّةِ أصحابِ هذا القولِ أَنْ يُذكرَ بلا ألفٍ ولامٍ، بل يقولُ الُمسلمُ سلامٌ عليكم، ولو كان اسمًا مِن أسماءِ الله لم يُستعملْ كذلك.

بل كان يُطلقُ عليه مُعرَّفًا كما يُطلقُ عليه سائرُ أسمائهِ الحُسنى فيقالُ: السَّلامُ المؤمنُ الُمهيمنُ العزيزُ الجبَّارُ المتكبِّرُ، فإِنَّ التنكيرَ لا يصرِفُ اللفظَ إلى معيَّنٍ، فضلًا عن أَنْ يصرفَهُ إلى اللهِ وَحْدَهُ، بخلافِ المعرَّفِ فِإنه ينصرِفُ إليه تعيينًا إذا ذُكِرَتْ أسماؤهُ الحُسنى.

ومِنْ حُجَجِهم أيضًا أَنَّ عطْفَ الرَّحمةِ والبركةِ عليه في قولهِ: سلامٌ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ يدلُّ على أَنَّ المرادَ به المصدرُ، ولهذا عَطفَ عليه مصدرين مثلَهُ، ومِن حُجَجِهم أيضًا أَنَّهُ لو كان السلامُ هنا اسمًا مِن أسماءِ اللهِ لم يستقِمِ الكلامُ إلا بإِضمارٍ وتقديرٍ يكونُ به مُقيَّدًا، ويكونُ المعنى: بركةُ اسمِ السَّلامِ عليكم.

فإِنَّ الاسمَ نفسَه ليسَ عليهم، ولو قُلتَ: اسمُ اللهِ عليك كان معناه بَركةَ هذا الاسمِ ونحوَ ذلك مِن التقديرِ، ومعلوم أَنَّ هذا التقديرَ خلافُ الأصلِ ولا دليلَ عليه.

ومِنْ حُججهم أيضًا أَنَّهُ ليس المقصودُ مِن السَّلامِ هذا المعنى، وإِنَّما المقصودُ منه الإيذانُ بالسَّلامةِ خبرًا ودُعاءً كما يأتي في جوابِ السؤالِ الذي بعد هذا.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 159.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 157.59 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.08%)]