|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العلي - الأعلى - المتعال جل جلاله، وتقدست أسماؤه الشيخ وحيد عبد السلام بالي الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (العَلِي): الْعَلِيُّ فِي اللُّغَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعلٍ، صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ للمَوْصُوفِ بالعُلُوِّ، فِعْلُهُ عَلا يَعْلُو عُلُوًّا. والعُلُوُّ ارْتِفَاعُ المَكَانِ أَوِ ارْتِفَاعُ المَكَانَةِ... فَمِنْ عُلُوِّ المَكَانِ: مَا وَرَدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ رضي الله عنه؛ أنَّهُ قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214] انْطَلَقَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلَا أَعْلَاهَا حَجَرًا، ثُمَّ نَادَى: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهُ، إِنِّي نَذِيرٌ»[1]، وَعِنْدَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أنسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ: «يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا»[2]. أمَّا العُلُوُّ بِمَعْنَى عُلُوِّ الرِّفْعَةِ والمَجْدِ، أَوِ الشَّرَفِ والمَكَانَةِ، فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ [محمد: 35]. وعَلَا فِي الأَرْضِ واسْتَعْلَى الرَّجُلُ: عَلَا وَتَكَبَّرَ. وَالعَليَاءُ كُلُّ مَكَانٍ مُشْرِفٍ، والعَلَاءُ والعُلَا الرِّفْعَةُ وَالشَّرَفُ[3]. وَالعَلِيُّ فِي أَسْمَاءِ اللهِ هُوَ الَّذِي عَلَا بِذَاتِهِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، فاسْمُ اللهِ العَلِيُّ دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ شَرَحُوا الأَسْمَاءَ حَاوَلُوا بِكُلِّ سَبِيلٍ تَفْسِيرَ العُلُوِّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اِسْمُهُ العَلِيُّ بِعُلُوِّ المَكَانَةِ وَالمَنْزِلَةِ فَقَط، إِمَّا هَرَبًا مِنْ إِثْبَاتِ عُلُوِّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ أَوْ تَعْطِيلًا صَرِيحًا لَهُ. وَالَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالأَئِمَّةِ الأَجِلَّاءِ المُتَّبِعِينَ؛ أَنَّ اللهَ عز وجل عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ، وَبِكَيفِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ للهِ مَجْهُولَةٍ لَنَا، لَا يُنَازِعُ أَحَدٌ مِنْهُم فِي ذَلِكَ، وَلَا يَمنَعُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ رَبِّهِ أَيْنَ هُوَ؟ وَأَدِلَّةُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَشْهَدُ بِلَا لَبْسٍ أَوْ غُمُوضٍ عَلَى ذَلِكَ. وَدَائِمًا مَا يَقْتَرِنُ اسْمُ اللهِ العَلِيُّ بِاسْمِهِ العَظِيمِ، وَأَيْضًا عِنْدَمَا يُذْكَرُ العَرْشُ وَالكُرْسِيُّ، فَفِي آَيَةِ الكُرْسِيِّ - أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتابِ اللهِ - بَعْدَ أَنْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾، قَالَ: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]. ولمَّا ذَكَرَ عُلُوَّهُ فَقَالَ: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ﴾، ذَكَرَ بَعْدَهُ العَرْشَ بِكَرَمِهِ وَسِعَتِهِ فَقَالَ: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116]. وَلمَّا ذَكَرَ إِعْرَاضَ الخَلْقِ عَنْ عِبَادَتِهِ، أَعْلَمَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي أَعْقَابِ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ المَلِكُ الَّذِي لَا يَزُولُ عَنْ عَرْشِهِ بإِعْرَاضِ الرَّعِيَّةِ فِي مَمْلَكَتِهِ كَشَأْنِ المُلُوكِ مِنْ خَلْقِهِ؛ لَأَنَّهُ المُسْتَغْنِي بِذَاتِهِ المَلِكُ فِي اسْتِوَائِهِ، لَا يَفْتَقِرُ إِلَى أَحَدٍ فِي قِيَامِ مُلْكِهِ أَوِ اسْتِقْرَارِهِ، فَقَالَ لِنَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 42]، فَلَو كَانَتْ هَذِهِ آلِهةً عَلَى الحَقِيقَةِ لَنَازَعُوا الحَقَّ فِي عَلْيَائِهِ حَتَى يَتَحَقَّقَ مُرَادُ الأَقْوَى مِنْهم وَيَعْلُو كإِلهٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِدَلِيلِ التَّمَانُع[4]، أَوْ لَو أَنَّه اتَّخَذَهُمْ آلِهةً واصْطَفَاهُم لَطَلَبُوا قُرْبَهُ والعُلُوَّ عِنْدَه؛ لِعِلْمِهِم أَنَّه العَلِيُّ عَلَى خَلْقِهِ[5]. فَهَذِه الآيَاتُ وَاضِحَةٌ فِي إِثْبَاتِ عُلُوِّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ، لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ المُفَسِّرِينَ لِاسْمِ اللهِ العَليِّ جَعَلُوهُ دَالًّا عَلَى مَعْنَيَينِ فَقَطْ مِنْ مَعَانِي العُلُوِّ، وَهُمَا: عُلُوُّ الشَّأْنِ، وَعُلُوُّ القَهْرِ، وَاسْتَبْعَدُوا المَعْنَى الثَّالِثَ وَهُوَ: عُلُوُّ الذَاتِ وَالفَوْقِيَّةِ. وَالثَّابِتُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَعَانِي العُلُوِّ عِنْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ دَلَّتْ عَلَيهَا أَسْمَاءُ اللهِ المُشْتَقَّةُ مِنْ صِفَةِ العُلُوِّ؛ فَاسْمُ اللهِ العَلِيُّ دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الذَّاتِ، وَاسْمُهُ الأَعْلَى دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الشَّأْنِ، وَاسْمُهُ المُتَعَالِ دَلَّ عَلَى عُلُوِّ القَهْرِ. والمُتَكَلِّمُونَ أَصْحَابُ الطَّرِيقَةِ العَقْلِيَّةِ والأَقْيِسَةِ فِي وَصْفِ الذَّاتِ الإِلَهِيَّةِ يَنْفُونَ عَنِ اللهِ عُلُوَّ الذَّاتِ وَالفَوْقِيَّةِ؛ لأَنَّهُ عِنْدَهُمْ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتْ المَكَانِ للهِ، وَمَا كَانَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ مَحْصُورٌ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ أَنْ يُسْأَلَ عَنِ اللهِ بِأَيْنَ... وَهَذَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ السُّنَّةِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْجَارِيَةِ الَّذي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَها: «أَيْنَ اللهُ؟»، قَـالَتْ: فِي السَّمَـاءِ، قَـالَ: «مَـنْ أَنَا؟»، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُـولُ اللهِ، قَـالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»[6]. وَهَذا الحَدِيثُ مَعَ وُضُوحِهِ كالشَّمْسِ فِي أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ عَنِ اللهِ بِأَيْنَ سُؤَالًا لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا غُمُوضَ، إِلَّا أَنَّ الكَثِيرِينَ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ تَأْبَى أَنْفُسُهُم إِثْبَاتَهُ؛ لِأَنَّ أَيْنَ هُنَا يَتَصَوَّرُونَ مِنْها المَكَانَ الَّذِي فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ، وَالَّذِي يَخْضَعُ لِلأَقْيِسَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ وَالشُّمُولِيَّةِ، أَمَّا المَكَانُ ذُو الكَيْفِيَّةِ الغَيْبِيَّةِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ خَصَائِصَهُ إِلَّا اللهُ فَهَذَا لَا اعْتِبَارَ لَهُ عِنْدَهم، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ عَقِيدَةَ السَّلَفِ تُفَرِّقُ بَيْنَ نَوْعَينِ مِنَ المَكَانِ: الأَوَّلُ: مَا كَانَ مَحْصُورًا بِالمَحَاوِرِ الفَرَاغِيَّةِ المَعْرُوفَةِ فِي مُحِيطِ المَخْلُوقَاتِ المَشْهُودَةِ، وَالَّذِي يَخْضَعُ لِأحْكَامِنَا العَقْلِيَّةِ وَلِأَقْيِسَتِنَا المَنْطِقِيَّةِ، فَمَكَانُ الشَيءِ يُحَدَّدُ فِي المَقَايِيسِ الْحَدِيثَةِ بِاعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ مَحَاوِرٍ رَئِيسِيَّةٍ مُتَعَامِدَةٍ، اِثْنَانِ يُمَثِّلَانِ المُسْتَوَى الْأُفُقِيَّ المُوَازِيَ لِسَطْحِ الأَرْضِ، والثَّالِثُ يُمَثِّلُ الارْتِفَاعَ عَنْ ذَلِكَ المُسْتَوَى، وَأَجْسَامُ الدُّنْيَا يُحَدَّدُ مَكَانُها بِمَدَى الارْتِفَاعِ فِي المِحْوَرِ الرَّأْسِيِّ عَنْ مُسْتَوَى الِمحْوَرَينِ الأُفُقِيَّيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ المَقَاييسَ المَكَانِيَّةَ لَا تَصْلُحُ بِحَالٍ مَا فِي قِيَاسِ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ مُحِيطِ الْعَالَمِ، فَضْلًا عَنْ قِيَاسِ الأَشْيَاءِ الدَّقِيقَةِ كَـ (الإِلكْتُرونِ) فِي دَوَرانِه حَوْلَ نَواةِ الذَّرَّةِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَحَاوِرَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ بِكَثِيرٍ. الثَّانِي: يُرَادُ بِهِ المَكَانُ الغَيبِيَّ الَّذِي يَخْرُجُ عَنْ مَدَارِكَنَا، وَلَا نَعْلَمُ خَصَائِصَهُ لِصُعُوبَةِ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَالمَكَانُ بِهَذَا الاعْتِبَارِ حَقٌّ مَوْجُودٌ، وَلَا يَخْضَعُ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ لِمقَايِيسِ المَكَانِ فِي حِسَابَاتِ المَخْلُوقِينَ، فَلَا يُمْكِنُ للمُتَكَلِّمِينَ أَنْ يُطَبِّقُوا هَذِهِ المَقايِيسَ عَلَى مَلَكِ المَوْتِ عِنْدَمَا يَأْتِيَ لِقَبْضِ الأَرْوَاحِ؛ مَعَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ ذَاتٌ وَكَيْنُونَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَحجُبُه بَابٌ وَلَا جِدَارٌ، وَلَا يَمْنَعُهُ جُبٌّ أَوْ قَرَارٌ؛ كَمَا قَالَ رَبُّ العِزَّةِ وَالجَلَالِ: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]، فَمَلَكُ المَوْتِ مَخْلُوقٌ، وَلَا يَخْضَعُ فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ لِمقَايِيسِنَا الَّتِي يُرِيدُونَ بِها الحُكْمَ عَلَى اِسْتِوَاءِ اللهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يَصْلُحُ أَنْ نَمْنَعَ دَلَالَةَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ، وَنحَوَّلَ مَعْنَى اِسْمِ اللهِ العَلِي مِنْ عُلُوِّ الفَوْقِيَّةِ إِلَى عُلُوِّ الرُّتْبَةِ وَالمَنْزِلَةِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّنَا لَوْ أَثْبَتْنَاهَا لَكَانَ الُله فِي مَكَانٍ، فَعُلُوُّ الشَّأْنِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ اِسْمِهِ الأَعْلَى وَعُلُوُّ القَهْرِ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ اِسْمِهِ المُتَعَالِ. وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لمَّا قَالَ لِلْجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللهُ؟» عَلِمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَيْنَ للمَكَانِ، ويَعْلَمُ لَوَازِمَ قَوْلِهِ، وَلَو كَانَ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ وَتَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ كَمَا يَدَّعِي البَعْضُ مَا سَأَلَ الْجَارِيةَ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ الخِلَافَ وَدَواعِي الاخْتِلَافِ، والجَارِيَةُ لمَّا قَالَتْ: «اللهُ فِي السَّمَاءِ» تَعْنِي العُلُوَّ، وَشَهِدَ لَها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالإِيمَانِ، فَلَا إِشْكَالَ عِنْدَ المُوَحّدِين العُقَلَاءِ فِي فَهْمِ حَدِيثِ الجَارِيَةِ وَقَوْلِهَا: «إِنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ»، وَالأَمْرُ وَاضِحٌ جَليٌّ ظَاهِرٌ، فَأَيُّ اِعْتِرَاضٍ عَلَى ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ اِعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَعُلُوُّ الفَوْقِيَّةِ أَوْ عُلُوُّ الذَّاتِ، الَّذِي دَلَّ عَلَيهِ اِسْمُهُ العَلِيُّ، ثَابِتٌ عَلَى الحَقِيقَةِ بِالكِتَابِ والسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، فَهُوَ سبحانه وتعالى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، لَا شَيءَ مِنْ ذَاتِهِ فِي خَلْقِهِ، وَلَا خَلْقُهُ فِي شَيءٍ مِنْ ذَاتِهِ، وَهُوَ مِنْ فَوْقَ عَرْشِهِ يَعْلَمُ أَعْمَالَهُمْ، وَيَسْمَعُ أَقْوَالَهُمْ، وَيَرَى أَفْعَالَهُمْ، لَا تَخْفَى مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، وَالأَدِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى، والفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ وَالنُّفُوسُ المُسْتَقِيمَةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى الإِقْرَارِ بِذَلِكَ. الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الأَعْلَى): الأَعْلَى فِي اللُّغَةِ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، فِعْلُهُ عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا. فَالأَعْلَى هُوَ الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْ غَيْرِهِ وَفَاقَهُ فِي وَصْفِهِ، وَهِيَ مُفَاضَلَةٌ بَينَ اِثْنَينِ أَوِ الجَمِيعِ فِي عَظَمَةِ وَصْفٍ أَوْ فِعْلٍ، أَوْ مُفَاضَلَةٍ بَينَ صَاحِبِ العُلُوِّ وَالأَعْلَى مِنْهُ، فَالأَعْلَى ذُو العُلَا وَالعَلَاءِ وَالمَعَالِي[7]. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60]. وَقَالَ: ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]، قَالَ الأَلُوسِيُّ: «﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾؛ أَيِ: الصِّفَةُ العَجِيبَةُ الشَّأْنِ الَّتِي هِي مَثَلٌ فِي العُلُوِّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الوُجُوبُ الذَّاتِيُّ، وَالْغِنَى المُطْلَقُ، والجُودُ الوَاسِعُ، وَالنَّزَاهَةُ عَنْ صِفَاتِ المَخْلُوقِينَ، ويَدْخُلُ فِيه عُلُوُّه تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا»[8]. وَاسْمُ اللهِ الأَعْلَى دَلَّ عَلَى عُلُوِّ الشَّأْنِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي العُلُوِّ، فَاللهُ عز وجل تَعَالَى عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَالعُيُوبِ المُنَافِيَةِ لإِلهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَتَعَالَى فِي أَحَدِيَّتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالوَليِّ وَالنَّصِيرِ، وَتَعَالَى فِي عَظَمَتِهِ أَنْ يَشْفَعَ أَحَدٌ عِنْدَهُ دُونَ إِذْنِهِ، وَتَعَالَى فِي صَمَدِيَّتِهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالوَلَدِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ عَنِ السِّنَةِ وَالنَّومِ، وَتَعَالَى فِي قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ عَنِ العَبَثِ وَالظُّلْمِ، وَتَعَالَى فِي عِلْمِهِ عَنِ الغَفْلَةِ وَالنِّسيَانِ، وَعَنْ تَرْكِ الخَلْقِ سُدًى دُونَ غَايَةٍ أَوْ اِبْتِلَاءٍ أَوْ اِمْتِحَانٍ، وَتَعَالَى فِي غِنَاهُ يُطعِمُ وَلَا يُطعَمُ، وَيَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ، بَلْ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ شَيءٍ إِلَيهِ فَقِيرٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيهِ يَسِيرٌ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيءٍ، لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، تَعَالَى فِي صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَنُعُوتِ جَلَالِهِ عَنِ التَّعْطِيلِ وِالتَّمْثِيلِ[9]. وَاللهُ عز وجل يَجُوزُ فِي حَقِّهِ قِيَاسُ الأَوْلَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60]، فَإِنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ، أَوْ نَعْتٍ مَمدُوحٍ لِنَفْسِهِ لَا نَقْصَ فِيهِ يَكُونُ لِبَعضِ المَوجُودَاتِ المَخْلُوقَةِ المُحدَثَةِ، فَالرَّبُّ الخَالِقُ الصَّمَدُ القَيُّومُ هُوَ أَوْلَى بِهِ، وَكُلُّ نَقْصٍ أَوْ عَيْبٍ يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ بَعْضُ المَخْلُوقَاتِ المُحدَثَةِ، فَالرَّبُّ الخَالِقُ القُدُّوسُ السَّلَامُ هُوَ أَوْلَى أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ[10]. قَالَ اِبْنُ تَيْمِيَةَ: «وَلِهَذَا كَانَتِ الطَّرِيقَةُ النَّبَوِيَّةُ السَّلَفِيَّةُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي العُلُومِ الإِلَهِيَّةِ قِيَاسُ الأَوْلَى كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾؛ إِذْ لَا يَدْخُلُ الخَالِقُ وَالمَخْلُوقُ تَحتَ قَضِيَّةٍ كُلِّيةٍ تَسْتَوِي أَفْرَادُهَا، وَلَا يَتَمَاثَلَانِ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ ثَبَتَ لِلمَخْلُوقِ فَالخَالِقُ أَوْلَى بِهِ، وَكُلُّ نَقْصٍ وَجَبَ نَفْيُهُ عَنِ المَخْلُوقِ فَالخَالِقُ أَوْلَى بِنَفْيِهِ عَنْهُ»، فَقِيَاسُ الأَوْلَى جَائِزٌ فِي حَقِّ اللهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، أَمَّا المُحَرَّمُ المَمنُوعُ فَهُوَ قِيَاسُ التَّمْثِيلِ والشُّمُولِ. الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (المُتَعَالِ): المُتَعَالِي اِسْمُ فَاعِلٍ مِنْ تَعَالَى. وَالمُتَعَالِي فِعْلُه تَعَالَى يَتَعَالَى فَهُوَ مُتَعَالٍ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الفِعْلِ عَلَا؛ لَأَنَّ الأَلْفَاظَ لمَّا كَانَتْ أَدِلَّةَ المَعَانِي ثُمَّ زِيدَ فِيهَا شَيءٌ أَوْجَبَتْ زِيَادَةَ المَعْنَى، فَزِيَادَةُ المَبْنَى دَلِيلٌ عَلَى زِيَادَةِ المَعْنَى[11]، وَالتَّعَالِي هُوَ الارْتِفَاعُ. قَالَ الأَزهَرِيُّ: «تَقُولُ العَرَبُ فِي النِّدَاءِ للرَّجُلِ تَعَالَ بِفَتْحِ اللَّامِ، وللاثنَينِ تَعَالَيَا، وَللرِّجَالِ تَعَالَوْا، وَلِلمَرْأَةِ تَعَالَيْ، وَللنِّسَاءِ تَعَالَيْنَ، وَلَا يُبَالُونَ أَينَ يَكُونُ المَدْعُوُّ فِي مَكَانٍ أَعْلَى مِنْ مَكَانِ الدَّاعِي أَوْ مَكَانٍ دُونَهُ»[12]. وَالمُتَعَالِي سُبْحَانَهُ هُوَ القَاهِرُ لخَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ، وَأَغْلَبُ المُفَسِّرِينَ جَعَلُوا الاسْمِ دَالًّا عَلَى عُلُوِّ القَهْرِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانِي العُلُوِّ، فَالمُتَعَالِي هُوَ المُسْتَعْلِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ بِقُدْرَتِهِ. قَالَ اِبْنُ كَثِيرٍ: «المُتَعَالِ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وقَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، فَخَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ، وَدَانَ لَهُ العِبَادُ طَوعًا وَكَرهًا»[13]. وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «وَهُوَ الكَبِيرُ المُتَعَالِ؛ فَكُلُّ شَيءٍ تَحتَ قَهْرِهِ وَسْلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ؛ لأَنَّهُ العَظِيمُ الَّذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ». فَالمُتَعَالِي سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيءٌ فِي قَهْرِهِ وَقُوَّتِهِ، فَلَا غَالِبَ لَهُ وَلَا مُنَازِعَ، بَلْ كُلُّ شَيءٍ تَحتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ بَيْنَ عُلُوِّ الذَّاتِ وَعُلُو القَهْرِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾ [الأنعام: 61]، فاِجْتِمَاعُ عُلُوِّ القَهْرِ مَعَ عُلُوِّ الفَوْقِيَّةِ يَعْنِي: أَنَّه المَلِكُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ الَّذِي عَلَا بِذَاتِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ، وَالَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، وَخَضَعَ لِجَلَالِهِ كُلُّ شَيءٍ، وَذَلَّ لِعَظَمَتِهِ وَكِبرِيَائِهِ كُلُّ شَيءٍ. وُرُودُ الأَسْمَاءِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ: وَرَدَ اسْمُ (العَلِيِّ) فِي ثَمَانِيةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]. وَقَوْلُهُ: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]. وَقَوْلُهُ: ﴿ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴾ [غافر: 12]. وَقَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51]. وَأَمَّا (الأَعْلَى) فَقَدْ جَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]. وَقَوْلُهُ: ﴿ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ﴾ [الليل: 20]. وَأَمَّا (المُتَعَالِ) فَقَدْ جَاءَ مَرّةً وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]. مَعْنَى الأَسْمَاءِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى: قَالَ اِبْنُ جَرِيرٍ رحمه الله: «وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾؛ فَإِنَّهُ يَعْنِي: واللهُ العَليُّ، وَالعَلِيُّ الفَعِيلُ مِنْ قَولِكَ: عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا، إِذَا ارْتَفَعَ، فَهُوَ عَالٍ وَعَلِيٌّ، وَالعَلِيُّ ذُو العُلُوِّ وَالارْتِفَاعِ عَلَى خَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ». ثُمَّ قَالَ: «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَحْثِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُم: يَعْنِي بِذَلِكَ: وَهُوَ العَلِيُّ عَنِ النَّظِيرِ والأَشْبَاهُ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ ﴿ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾ المَكَان. وَقَالُوا: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ مَكَانُهُ، وَلَا مَعْنَى لِوَصْفِهِ بِعُلُوِّ المَكَانِ؛ لأنَّ ذَلِكَ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ!! وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ ﴾ عَلَى خَلْقِهِ بارْتِفَاعِ مَكَانِهِ عَنْ أَمَاكِنَ خَلْقِهِ؛ لَأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَخَلْقُهُ دُونَهُ، كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَنَّهُ عَلَى العَرْشِ، فَهُوَ عَالٍ بِذَلِكَ عَلَيهِم» اهـ[14]. قَالَ الخَطَّابِيُّ: «(العَلِيُّ): هُوَ العَالِي القَاهِرُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَالقَدِيرِ وَالقَادِرِ وَالعَلِيمِ وَالعَالِمِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ العُلُوِّ الذِي هُوَ مَصْدَرُ عَلَا، يَعْلُو، فَهُوَ عَالٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عَلَاءِ المَجدِ والشَّرَفِ، يُقَالُ مِنْهُ: عَلِيَ يَعْلَى عَلَاءً، وَيَكُونُ الذِي عَلَا وَجَلَّ أَنْ تَلحَقَه صِفَاتُ الخَلقِ أَوْ تُكَيِّفَهُ أَوْهَامُهُم» اهـ[15]. وَقَالَ البَغَوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ ﴾: «العَالِي عَلَى كُلِّ شَيءٍ»[16]. وَقَالَ اِبْنُ كَثِيرٍ: «وَقَوْلُهُ: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]، كَمَا قَالَ: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]. وَقَالَ: ﴿ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]، فَكُلُّ شَيءٍ تَحتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ؛ لأنّهُ العَظِيمُ الذِي لَا أَعْظَمَ مِنْهُ، العَلِيُّ الذِي لَا أَعْلَى مِنْهُ، الكَبِيرُ الذِي لَا أَكْبَرَ مِنْهُ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عز وجل عَمَّا يَقُولُ الظَالِمُونَ المُعْتَدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا» اهـ[17]. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ خُزَيمَةَ رحمه الله: «وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، فَالأَعْلَى مَفْهُومٌ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ أَعْلَى كُلِّ شَيءٍ، وَفَوقَ كُلِّ شَيءٍ، وَاللهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي غَيرِ مَوْضِعٍ مِنْ تَنْزِيلِهِ وَوحْيِهِ، وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، أَفَلَيسَ العَلِيُّ - يَا ذَوِي الحِجَى - مَا يَكُونُ عَالِيًا، لَا كَمَا تَزْعُمُ المُعَطِّلَةُ الجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ أَعْلَى وَأَسْفَلُ وَوَسَطُ وَمَعَ كُلِّ شَيءٍ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ أَرْضٍ وَسَمَاءٍ، وَفِي أَجْوَافِ جَمِيعِ الحَيَوَانِ، وَلَو تَدَبَّرُوا الآيةَ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَوَفَّقَهُمُ اللهُ لِفَهْمِهَا لَعَقِلُوا أنَّهُم جُهَّالٌ لَا يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ، وَبَانَ لَهُمْ جَهْلُ أَنفُسِهِم وَخَطَأَ مَقَالَتِهِمْ. قَالَ اللهُ تَعَالَى لمَّا سَأَلَهُ مُوسَى؛ أَنْ يُرْيَهُ يَنْظُرَ إِلَيهِ قَالَ: ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ﴾ [الأعراف: 143] إِلَى قَولِهِ: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾، أَفَلَيْسَ العِلْمُ مُحِيطًا - يَا ذَوِي الأَلْبَابِ - أَنَّ اللهَ عز وجل لَو كَانَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَمَعَ كُلِّ بَشَرٍ وَخَلْقٍ - كَمَا زَعَمَتِ المُعَطِّلَةُ - لَكَانَ مُتَجَلِّيًا لِكُلِّ شَيءٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا فِي الأَرْضِ لَوْ كَانَ مُتَجَلِّيًا لِجَمِيعِ أَرْضِهِ سَهْلِهَا وَوَعْرِهَا، وَجِبَالِهَا، بَرَارِيهَا وَمَفَاوِزِهَا، مُدُنِهَا وَقُرَاهَا، وَعِمَارَتِها وَخَرَابِها، وَجَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ نَبَاتٍ وَبِنَاءٍ، لَجَعَلَهَا دَكًّا كَمَا جَعَلَ اللهُ الجَبَلَ الذِي تَجَلَّى لَه دَكًّا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾» اهـ[18]. وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ اِبْنُ تَيمِيَةَ رحمه الله: «وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِالعُلُوِّ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ المَدحِ لَهُ بِذَلِكَ والتَعْظِيمِ؛ لأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ، كَمَا مَدَحَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ العَظِيمُ وَالعَلِيمُ وَالقَدِيرُ وَالعَزِيزُ وَالحَلِيمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ الحَيُّ القَيُّومُ، وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي أَسْمَائِهِ الحُسْنَى، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يتَّصِفَ بِأَضْدَادِ هَذِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِضِدِّ الحَيَاةِ وَالقَيُّومِيَّةِ وَالقُدرَةِ، مِثْلُ المَوتِ وَالنَّومِ وَالجَهْلِ وَالعَجْزِ وَاللُّغُوبِ، وَلَا بِضِدِّ العِزَّةِ وَهُوَ الذُلُّ، وَلَا بِضِدِّ الحِكْمَةِ وَهُوَ السَّفَهُ. فَكَذَلِكَ لَا يُوصَفُ بِضِدِّ العُلُوِّ وَهُوَ السُّفُولُ، وَلَا بِضِدِّ العَظِيمِ وَهُوَ الحَقِيرُ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ النَّقَائِصِ المُنَافِيةِ لِصِفَاتِ الكَمَالِ الثَّابِتَةِ لَهُ، فَثُبُوتُ الكَمَالِ لَهُ يَنْفِي اتِّصَافَهُ بِأَضْدَادِهَا وَهِي النَّقَائِصُ» اهـ[19]. وَقَالَ اِبْنُ القَيِّمِ رحمه الله: هَذَا وَمِنْ تَوحِيدِهِمْ إِثْبَاتُ أَوْ ![]() صَافِ الكَمَالِ لِرَبِّنا الرَّحمَنِ ![]() كَعُلُوِّهِ سُبْحَانَهُ فَوقَ السَّمَا ![]() وَاتِ العُلى بَلْ فَوقَ كُلِّ مَكَانِ ![]() فَهُوَ العَلِيُّ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ ![]() إِذْ يَسْتَحِيلُ خِلافُ ذَا ببيانِ ![]() وَهُوَ الَّذِي حَقًّا عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ![]() قَدْ قَامَ بالتَّدْبِيرِ لِلأَكْوَانِ ![]() وَقَالَ: وَهُوَ العَلِيُّ فَكُلُّ أَنْوَاعِ العُلُ ![]() وِّ لَهُ فَثَابِتَةٌ بِلَا نُكْرَانِ[20] ![]() ![]() ![]() وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(العَلِيُّ الأَعْلَى): وَهُوَ الذِي لَهُ العُلُوُّ المُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ: عُلُوُّ الذَّاتِ، وَعُلُوُّ القَدْرِ وَالصِّفَاتِ، وَعُلُوُّ القَهْرِ، فَهُوَ الَّذِي عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، وَعَلَى المُلْكِ احْتَوَى، وَبِجَمِيعِ صِفَاتِ العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالجَلَالِ وَالجَمَالِ وَغَايَةِ الكَمَالِ اتَّصَفَ، وَإِلَيهِ فِيهَا المُنْتَهَى» اهـ[21]. إِذَن فَجَمِيعُ مَعَانِي العُلُوِّ ثَابِتَةٌ لَهُ سبحانه وتعالى، كَمَا قَرّرَ ذَلِكَ اِبْنُ القَيِّمِ فِي نُونِيَّتِهِ بِقَوْلِهِ آَنِفًا: وَهُوَ العَلِيُّ فَكُلُّ أَنْوَاعِ العُلُ ![]() وِّ لَهُ فَثَابِتَةٌ بِلَا نُكْرَانِ ![]() ![]() ![]() ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ: 1- إِثْبَاتُ العُلُوِّ المُطْلَقِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ بِكُلِّ مَعَانِيهِ، دُونَ أَنْ نُعَطِّلَ أَوْ نُؤَوِّلَ شَيْئًا، ونُثْبِتَ شَيْئًا؛ لأنَّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِهِ. أَوَّلًا: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الأَسْمَاءُ إِثْبَاتَ عُلُوِّ ذَاتِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ، وَأَنَّهُ عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَفَوقَ كُلِّ شَيءٍ، وَلَا شَيءَ فَوقَهُ، بَلْ هُوَ فَوقَ العَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ. وَهَذَا اعْتِقَادُ سَلَفِ الأُمَّةِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، مِنْ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالفِقْهِ وَالأُصُولِ وَالسِّيرَةِ وَالتَّارِيخِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالأَدَبِ وَغَيرِهِم[22]. وَسَنُحَاوِلُ باختِصَارِ ذِكْرَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ ذَاتِهِ سبحانه وتعالى مِنْ آيَاتِ الكِتَابِ، وَالأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |