عاشوراء صبر وشكر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5031 - عددالزوار : 2179660 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4612 - عددالزوار : 1460366 )           »          معرفة الحق في فِطر الخلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الدعاء والذكر عند قراءة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 806 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 67 - عددالزوار : 54879 )           »          الغش والتزوير لنيل الشهادات العلمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حكم التيمّم حال وجود الماء ووقت جوازه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الواجب على من نسي سجوداً في صلاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          القضاء والقدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التحايل على غير المسلمين في المعاملات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30-07-2023, 06:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,980
الدولة : Egypt
افتراضي عاشوراء صبر وشكر

عاشوراء صبر وشكر
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاذكُرُوهُ وَلا تَنسَوهُ، وَاصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ أَنتُمُ اليَومَ صَائِمُونَ، وَصَومُكُم هَذَا شُكرٌ مِنكُم للهِ، وَقَبلَكُم صَامَ إِمَامُ الشَّاكِرِينَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَمِن قَبلِهِ صَامَ مُوسَى عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، في يَومٍ مِن أَيَّامِ اللهِ العَظِيمَةِ، نَصَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ وَمَن مَعَهُ مِنَ المُؤمِنِينَ، وَأَهلَكَ فِرعَونَ وَمَن تَبِعَهُ مِنَ المُجرِمِينَ، فَكَانَ هَذَا اليَومُ آيَةً وَعِبرَةً، آيَةٌ لأَهلِ الإِيمَانِ وَالإِحسَانِ لِئَلا يَيأَسُوا وَلا يَقنَطُوا، وَعِبرَةٌ لأَهلِ الكُفرِ وَالطُّغيَانِ لِئَلاَّ يَتَكَبَّرُوا وَيَطغَوا؛ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ: "مَا هَذَا اليَومُ الَّذِي تَصُومُونَ؟! "فَقَالُوا: هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ أَنجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَومَهُ، وَأَغرَقَ فِرعَونَ وَقَومَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكرًا فَنَحنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "نَحنُ أَحَقُّ وَأَولى بِمُوسَى مِنكُم"، فَصَامَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد كَانَ فِرعَونُ مَثَلًا لِلكُفرِ وَالظُّلمِ وَالبَغيِ، وَرَمزًا لِلطُّغيَانِ وَالفَسَادِ وَالإِفسَادِ، تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَعَلا، وَأَعلَنَ لِلنَّاسِ كَذِبًا وَزُورًا أَنَّهُ رَبُّهُمُ الأَعلَى؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 21 - 24]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4]، وَلم يَكتَفِ المُجرِمُ الأَفَّاكُ بِذَلِكَ وَلم يَقِفْ عِندَهُ، بَل تَجَاوَزَ حَتى أَلزَمَ النَّاسَ بِمَا يَرَاهُ، وَأَرغَمَهُم عَلَى قَبُولِ ضَلالِهِ وَعَمَاهُ، فَقَالَ: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]، وَعِندَمَا أَرسَلَ اللهُ إِلَيهِ نَبِيَّهُ مُوسَى لِيَدُلَّهُ عَلَى اللهِ وَيُذَكِّرَهُ بِأَيَّامِهِ وَيَدعُوَهُ لِلإِسلامِ وَالإِيمَانِ، لم يَزِدْهُ ذَلِكَ إِلاَّ طُغيَانًا كَبِيرًا، وَسَامَ المُؤمِنِينَ سُوءَ العَذَابِ، قَالَ: ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]، وَمِن حِكمَةِ اللهِ تَعَالى أَنَّهُ أَمهَلَهُ وَلم يُعَاجِلْهُ، وَأَرَاهُ مِنَ الآيَاتِ مَا عَلَى مِثلِهِ يُؤمِنُ كُلُّ مَن كَانَ لَهُ قَلبٌ وَسَمعٌ وَعَقلٌ.

نَعَم أَيُّهَا المُؤمِنُونَ، لَقَد أَمهَلَهُ تَعَالى لَكِنَّهُ لم يُهمِلْهُ، وَتَرَكَهُ وَلَكِنَّهُ لم يَنسَهُ، بَل أَجَّلَهُ لِحِكَمٍ يَعلَمُهَا سُبحَانَهُ، فَصَالَ وَجَالَ وَظَلَمَ، وَبَغَى وَسَيطَرَ وَتَحَكَّمَ، وَاعتَدَى وَقَتَلَ وَأَهلَكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ؛ لِيَأخُذَهُ اللهُ بَعدَ ذَلِكَ أَخذًا شَدِيدًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لَيُملي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَم يُفلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ، وَفي اللَّيلَةِ المَوعُودَةِ أَمَرَ اللهُ تَعَالى نَبِيَّهُ مُوسَى أَن يَسرِيَ بِقَومِهِ فِرَارًا بِدِينِهِم إِلى مَكَانٍ يَستَطِيعُونَ فِيهِ أَن يُظهِرُوهُ وَيَعبُدُوا رَبَّهُم، فَخَرَجَ بِهِم لَيلًا إِلى الأَرضِ المُقَدَّسَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ فِرعَونَ، أَبى لِكِبرِهِ وَطُغيَانِهِ أَن يَترُكَهُم وَشَأنَهُم، وَمَنَعَهُ اغتِرَارُهُ بِقُوَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ أَن يُخَلِّيَ بَينَهُم وَبَينَ عِبَادَةِ رَبِّهِم، وَعَزَمَ عَلَى أَن يَقضِيَ عَلَيهِم وَيُبِيدَهُم، وَقَالَ: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُون ﴾ [الشعراء: 54 - 56]، فَأَتبَعَ القَومَ بِجُنُودِهِ وَأَدرَكَهُم عِندَ شَاطِئِ البَحرِ، فَلَمَّا رَآهُ قَومُ مُوسَى بَلَغَ الخَوفُ بِهِم مَدَاهُ، إِذِ البَحرُ مِن أَمَامِهِم، وَفِرعَونُ وَقَومُهُ مِن وَرَائِهِم، فَأَيقَنُوا بِالهَلاكِ، وَقَالُوا لِمُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ، فَقَالَ نَبيُّ اللهِ مُوسَى قَولَةَ الوَاثِقِ بِرَبِّهِ وَنَصرِهِ وَتَأيِيدِهِ: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، وَلم تَتَأَخَّرِ الإِجَابَةُ كَثِيرًا، فَكَانَ الأَمرُ أَنِ ﴿ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْر ﴾ [الشعراء: 63]، وَمَاذَا يُغني ضَربُ رَجُلٍ لِلبَحرِ بِعَصَاهُ، لَكِنَّهُ الأَخذُ بِالسَّبَبِ، فَضَرَبَ مُوسَى البَحرَ فَانفَلَقَ، فَكَانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظِيمِ: ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [الشعراء: 64، 65].

أَنجَى اللهُ مُوسَى وَقَومَهُ، وَأَغرَقَ فِرعَونَ وَحِزبَهُ، وَقَالَ تَعَالى لِفِرعَونَ: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92]، فَيَمُوتُ فِرعَونُ وَتَطفُو جُثَّتُهُ عَلَى المَاءِ؛ لِتَظَلَّ عِبرَةً لِكُلِّ مَن بَعدَهُ إِلى أَن يَشَاءَ اللهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 39، 40].

أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّهَا عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ، وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ؛ فَلَيسَ فِرعَونُ وَحدَهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَصِيرُهُ بِقَدرِ ظُلمِهِ، وَلَيسَ مُوسَى وَقَومُهُ هُمُ الوَحِيدِينَ الَّذِينَ يُمَكَّنُونَ بَعدَ طَردٍ وَتَشرِيدٍ، بَل إِنَّ مَعرَكَةَ الحَقِّ مَعَ البَاطِلِ مُستَمِرَّةٌ مُمتَدَّةٌ، وَمَا قِصَّةُ مُوسَى وَفِرعَونَ إِلاَّ مِثَالٌ لِهَذِهِ المَعرَكَةِ، وَمَوكِبُ الحَقِّ عَلَى امتِدَادِ الزَّمَانِ يُوَاجِهُ الضَّلالَ وَالطُّغيَانَ، وَيُجَابِهُ البَغيَ وَالتَّهدِيدَ وَالتَّشرِيدَ، وَالمُؤمِنُونَ وَإِن كَانُوا يَعِيشُونَ مضطَهَدِينَ في أَغلَبِ الأَحيَانِ وَفي أَكثَرِ البُلدَانِ، وَتَتَحَكَّمُ فِيهِم قُوَى الشَّرِّ وَيَتَكَالَبُ عَلَيهِم أَعدَاءُ للهِ وَأَعدَاءُ دِينِهِ وَيَسُومُونَهُم سُوءَ العَذَابِ، حَتى يَكُونَ حَالُهُم وَلِسَانُ مَقَالِهِم في أَكثَرِ الأَحيَانِ: ﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 214]؟! إِلاَّ أَنَّهُم مَعَ هَذَا كُلِّهِ سَيُنصَرُونَ، وَسَيَمُنُّ اللهُ عَلَيهِم بِالتَّمكِينِ كَمَا مَنَّ عَلَى مُوسَى وَقَومِهِ وَمَكَّنَهُم في أَرضٍ استُعبِدُوا فِيهَا وأُهِينُوا وعُذِّبُوا: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5- 6].

وَمَا عَاشُورَاءَ إِلاَّ ذِكرَى بِأَنَّ نَصرَ اللهِ قَرِيبٌ، وَأَنَّهُ تَعَالى مَعَ المُؤمِنِينَ يَسمَعُ وَيَرَى، وَيَعلَمُ حَالَهُم سِرًّا وَجَهرًا، وَكَمَا كَانَ مَعَ مُوسَى وَقَومِهِ في زَمَانِ فِرعَونَ، فَهُوَ مَعَ المُؤمِنِينَ في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ، وَمَهمَا كَانَت قُوَّةُ الجَبَابِرَةِ، فَلا بُدَّ لِلحَقِّ أَن يَظهَرَ مَهمَا استُضعِفَ أَنصَارُهُ وَأُهِينُوا، وَلا بُدَّ لِلبَاطِلِ أَن يَزهَقَ مَهمَا بَلَغَت قُوَّتُهُ وَبَطشُهُ: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]، وَإِذَا زَهَقَ البَاطِلُ تَمَّت نِعمَةُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيهِمُ الشُّكرُ للهِ عَلَى نِعمَتِهِ، وَحَمدُهُ عَلَى لُطفِهِ وَحِكمَتِهِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 45].

وَمِن هُنَا كَانَ صِيَامُ نَبيِّ اللهِ مُوسَى لِهَذَا اليَومِ شُكرًا للهِ عَلَى إِنجَائِهِ وَقَومِهِ وَإِهلاكِ فِرعَونَ وَقَومِهِ، فَلْنَحمَدِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ عَلَى تَوفِيقِهِ لِعِبَادِهِ بِصِيَامِ هَذَا اليَومِ شُكرًا، وَلْنَحذَرْ مِن أَن يُدَاخِلَنَا شَكٌّ في نَصرِ اللهِ لِعِبَادِهِ، ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137].

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 26 - 28].

الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ الصَّائِمُونَ في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ شُكرًا للهِ، هَنِيئًا لَكُم تَوفِيقُ اللهِ لَكُم لِشُكرِهِ وَذِكرِهِ، فَالشُّكرُ سَبَبٌ لِرِضَا اللهِ عَن عِبَادِهِ، وَأَمَانٌ لَهُم مِن عَذَابِهِ وَمَقتِهِ، وَسَبَبٌ لِزِيَادَةِ النِّعَمِ وَحُلُولِ البَرَكَةِ فِيهَا، وَهُوَ سَبِيلٌ لِنَيلِ الأَجرِ الجَزِيلِ في الآخِرَةِ؛ قَالَ تَعَالى: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُم ﴾ [النساء: 147]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].

وَأَخِيرًا فَإِنَّ الشُّكرَ عِندَ السَّرَّاءِ، وَالصَّبرَ عِندَ الضَّرَّاءِ، مِن صِفَاتِ النَّبِيِّينَ وَأَتبَاعِهِم مِنَ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَت قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَصنَعُ هَذَا وَقَد غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكِ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ: "أَفَلا أَكُونُ عَبدًا شَكُورًا"، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن صُهَيبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ، وَلَيسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلمُؤمِنِ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ".

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.29 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]