|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الصعاليك في المجتمع الجاهلي (1) د. يوسف عبدالقادر خليف حين نرجع إلى أخبار هؤلاء الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن فقرهم، فكلُّ الصعاليك فقراء، لا نستثني منهم أحدًا، حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذي كانوا يلجئون إليه كلما قست عليهم الحياة، ليجدوا عنده مأوى لهم حتى يستغنوا، فالرواة يذكرون أنَّه «كان صعلوكًا فقيرًا مثلهم»[1]، وأخوه وابن عمه يقولان له -حين عرض عليه أهل امرأته التي أصابها في بعض غزواته أن يفتدوها -: «والله لئن قبلت ما أعطوك لا تفتقر أبدًا»[2]، بل أكثر من هذا يذكر الرواة أنه جاء بامرأته إلى بني النضير «ولا شيء معه إلا هي، فرهنها، ولم يزل يشرب حتى غَلِقَتْ»[3]. وتكثر في شعره أحاديث فقره، وما يعانيه من حرمان، وما يتكبده في سبيل الغنى من جهد ومشقة، وما يشعر به من ثقل التبعة التي يتحمَّلها إزاء أهله، وإزاء أصحابه الصعاليك أيضًا: ذَريني للغنى أَسعى، فإِنِّي ![]() رأَيت الناس شرُّهم الفقير[4] ![]() فَسِرْ في بلادِ الله والتمس الغنَى ![]() تعشْ ذا يسارٍ أو تموتَ فتُعْذَرا[5] ![]() ومَن يك مثلي ذا عيال ومُقْتِرًا ![]() من المال يطرحْ نفسه كلَّ مَطْرحِ[6] ![]() وهذا الفقر الذي استبد بحياة الصعاليك حمل لهم في ركابه الجوع، نتيجة طبيعية له، ولعل الجوع أقسى ما يحمله الفقر إلى جسد الفقير، وقد سُئل أعرابي: ما أشد الأشياء؟ فقال: كبد جائعة تؤدي إلى أمعاء ضيقة[7]. وليس من شكٍّ في أنَّ هذه العبارة الساذجة التي صور فيها هذا الأعرابي إحساسه إنما تشير إلى قصة الحياة الأساسية، قصة الصراع بين الحياة والموت. وذلك لأن المسألة تتصل بحاجات الجسم الحيوية الأولى، فالجوع -كما يقرر علماء الاجتماع - أول الدوافع المسيطرة على حياة الإنسان[8]. وقد كان من العرب من يغير من أجل الحصول على الطعام[9]، بل إنَّ كثيرًا من الصراع الداخلي بين القبائل الجاهلية إنما يرجع - من بعض جوانبه - إلى الفقر والجوع[10]، وما أكل ضباب الصحراء ويرابيعه وأورالها سوى مظهر من مظاهر هذا الجوع القاتل الذي كان يعانيه عرب البادية حين يجدبون وتتتابع عليهم السنين، وما كان قتل بعض العرب أولادهم خشية إملاق سوى مظهر آخر من مظاهر هذا الجوع القاتل[11]. ويكثر الحديث عن الجوع في أخبار الصعاليك وشعرهم، ففي أخبار عروة أن ناسًا من بني عبس أجدبوا «في سنة أصابتهم، فأهلكت أموالهم، وأصابهم جوع شديد وبؤس»، فأتوا عروة يستنجدون به، فخرج «ليغزو بهم ويصيب معاشًا»[12]. وتنتشر في شعره وأخباره مناقشات بينه وبين صعاليكه حول الجوع الذي كان يجهدهم في غزواتهم[13]. ويذكر الرواة أن أبا خراش الهذلي أقفر من الزاد أيَّامًا[14]. ويحدثنا السُّليك بنُ السُّلَكة في بعض شعره كيف كان يغمى عليه من الجوع في شهور الصيف حتى ليشرف على الموتِ والهلاك: وما نلتُها حتَّى تصعلكتُ حِقبةً ![]() وكدتُ لأسباب المنيَّة أَعرفُ ![]() وحتى رأيت الجوع بالصيف ضَرَّني ![]() إذا قمت تَغْشاني ظلال فأُسْدِف[15] ![]() ويتحدَّث الأعلم الهذلي عن أولاده الشُّعث الصغار الذين ينظرون إلى من يأتيهم من أقاربهم بشيءٍ يأكلونه: وذكرتُ أهليَ بالعرا ![]() ءِ وحاجة الشُّعْثِ التَّوالبْ ![]() المصْرِمينَ من التِّلا ![]() د اللامحين إلى الأَقاربْ[16] ![]() بل إن الجوع ليشتد بعروة فيهتف بأصحابه الصعاليك هتفه من لا يطيق عليه صبرًا أن هلموا إلى الغزو، فللموت خير من حياة الجوع والهزال: أقيموا بني لبنى صُدُورَ ركابكمْ *** فإنَّ منايا القومِ خيرٌ من الهزْل[17] وفي لامية العرب التي تُعد صورة دقيقة كاملة لحياة الصعاليك في العصر الجاهلي حتى على فرض انتحالها وعدم صِحَّةِ نسبتها إلى الشَّنْفرَى، يرسم الشاعر صورة رائعةً لذلك الجوع النبيل الذي يشعر به الصعلوك، ولكن نفسه الأبية تأبى عليه أن يهينها من أجله، فلا يجد أمامه سوى الصبر والقناعة: أَديمُ مِطالَ الجوع حتى أميته ![]() وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحًا فأُذْهلُ ![]() وأَستفُّ تُرْبَ الأَرضِ كي لا يرى له ![]() عليَّ منَ الطَّوْل امرُؤٌ متطولُ ![]() ولولا اجتنابُ الذام لم يبقَ مشرَبٌ ![]() يعاشُ به إِلا لَديَّ ومَأْكلُ ![]() ولكنَّ نفسًا حرَّةً لا تُقيمُ بي ![]() على الضيم إلا ريثما أَتحوَّلُ ![]() وأطوي على الخُمْصِ الحوايا كما انطوت ![]() خيوطه مارى تُغارُ وتفتلُ
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |