
18-12-2022, 01:48 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,980
الدولة :
|
|
نظرات في "قواعد الإملاء"
نظرات في "قواعد الإملاء"
د. يحيى مير علم
توطئة:
يشتمل هذا البحث على مراجعة علمية نقدية لكتاب (قواعد الإملاء) الذي صدر عن مجمع اللغة العربية بدمشق ضمن مطبوعات سنة 1425هـ - 2004م، وجاء في (39) صفحة مصدّراً بتقديمٍ، تضمّن جُملةً من القضايا العلمية والمنهجية، يحسن إيرادُها موزّعةً على موضوعاتها لدواعٍ يقتضيها البحثُ لاحقاً في النقد والمعالجة، توخّيت فيها أن تجيءَ أقربَ ما تكون إلى الأصل الذي وردت فيه[1]:
أ - بيان أسباب النهوض بوضع هذه القواعد، فقد عاين أعضاء المجمع كثرةَ ما يقع فيه الكاتبون من الأخطاء الإملائية، وتعدّدَ طرق الكتابة في البلدان العربية، وذلك لاعتماد بعض مَنْ وضعوا قواعدَ الإملاء من المحدثين على طرائق السلف، واتّباع آخرين طرائقَ بلدانهم، وذلك لعدم وجود قواعد إملائية واضحة متفق عليها، وما يلقاه الكاتبون من عُسْرها، فضلاً عن اختلاف الأقدمين في تلك القواعد.
ب - إيراد أمثلة تشير إلى أصول الأقدمين التي فرضها عليهم خُلُوُّ كتابتهم من الشكل والإعجام كزيادة الألف في (مائة) والواو في (عَمْرو) وحذف الألف في مواضع من الأسماء.
جـ - بيان الدافع إلى وضع (قواعد الإملاء) والغاية المتوخّاة منها، فقد وجد المجمع أن من المفيد وضعَ قواعد إملائيةٍ تتحقق فيها شروط الوضوح والضبط والدقّة والإقلال من القواعد الشاذة مع توخّي التيسير على الكاتبين في كتابة ما تقع فيه الهمزة والألف الليّنة.
د - النصّ على أن لهم مآخذ على كتب قواعد الإملاء التي وضعها المحدثون، تتجلّى في وقوع اختلاف كبير فيما بينها، وذلك لأخذ بعضهم بقواعد السلف مع تعديل يسير، وتنكّب بعضهم لتلك القواعد، وأخذه بقواعد جديدة غير مألوفة، فضلاً عما تُكَلِّف الآخذين بها من العُسْر، وما ينتج عنها من قطع الصلة بالتراث العربي، وجنوح بعضهم إلى كتابة الكلمة كما يُنطق بها، وإلغاء كلّ الاستثناءات التي تخرج عن القاعدة، وعدم مراعاة الأحوال الخاصّة التي تقتضيها.
هـ - تقديرهم لجميع الطرائق والمحاولات التي قام بها الباحثون المحدثون في وضع قواعد الإملاء، غير أنهم لم يجدوا بينها طريقةً واحدةً صالحةً لأن يقع عليها الإجماعُ بين جميع الكاتبين وبين مختلف الأقطار.
و - إجماع رأي أعضاء المجمع على ضرورة وضع قواعد للإملاء العربي تتحقق فيها الشروط المتوخّاة، وهي: تحقيقُ التوافق ما أمكن بين نطق الكلمة وصورة كتابتها بغية التيسير على الكاتبين والقارئين، ومحاولة عدم قطع الصلة بين كتابتنا وكتابة أسلافنا ما أمكن ذلك، ومراعاة خصوصية اللغة العربية في أصول نحوها وصرفها، وكذلك في قيامها على اتصال حروفها في الكتابة والطباعة، وتوخّي القواعد المطردة وتجنب حالات الشذوذ ما وسعنا ذلك. وخُتم ذلك التقديم بأملهم أن تلقى القواعد التي انتهوا إليها رضا الكاتبين عنها، والأخذ بها، ونشرها في أقطار عربية أخرى، تحظى لديها بمثل ذلك.
لا ريب أن هناك حاجّةً ماسّة إلى قواعدَ معيارية وموحّدةٍ للإملاء العربي ؛ وذلك لأن موضوعَ قواعد الإملاء أو قواعد الكتابة العربية يُعَدُّ من القضايا اللغوية المُلِحّة التي تعاني منها اللغةُ العربية، فقد طال الخُلْف بين المصنّفين في كثيرٍ من قواعدها قديماً وحديثاً، ولا تزال الأصواتُ تجأرُ بالشكوى من عُسْرها، ومن كثرة الاختلاف في قواعدها، لذلك حظي الموضوعُ باهتمام المؤسسات التعليمية والعلمية والمجامع اللغوية عامّةً، وباهتمام مجمع اللغة العربية بالقاهرة خاصّةً[2]، وما فَتِئَت محاولاتُ الباحثين منذ منتصف القرن الماضي تتوالى في تقديم الاقتراحات وصولاً إلى تيسيرها على الكاتبين وتوحيد صورها، كما تنامى عددُ الكتب المعاصرة التي وقفها أصحابُها على قواعد الكتابة حتى جاوزت العشرات، على ما بينها من تفاوتٍ في: المنهج، والمادّة، والشرح، والتوثيق، والتفصيل، ومَبْلَغ حظّها من الدقّة والصواب، والزيادة والنقص، والملاحظ التي تتّجه عليها[3].
ولمّا كان بابُ الاجتهاد في هذا الموضوع لا يزال مُشْرعاً حتى تُقالَ كلمةُ الفصل فيه، وكنتُ - إلى ذلك - معنياً بموضوع قواعد الكتابة العربية أو الإملاء، فقد نهضت بتدريسها ثلاثة عشر عاماً (1993- 2006م) لطلبة وطالبات قسمي اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية في كلية التربية الأساسية بدولة الكويت، وبعد معاودة النظر في (قواعد الإملاء) المتقدّمة التي أصدرها المجمع والتي غدت في أيدي القراء والمختصين، يفيدون منها، ويحتكمون إليها تصحيحاً وتخطئةً = رأيت لزاماً عليّ أن أنهض بواجب العلم أولاً، وبحقّ هذه اللغة الشريفة عليّ ثانياً، فدوّنت ملاحظاتٍ متنوعةً على (قواعد الإملاء) بياناً لوجه الحقّ، وتصحيحاً لما شابها من ملاحظ مختلفة.
وتجدر الإشارةُ إلى أن الملاحظ التي سأتناولها في هذا المقال لن تكون من مواضع الخُلْف التي يتسعُ فيها باب القولُ، ويحقّ فيها لكلّ باحثٍ وراسخٍ أن يجتهد، ويأخذ بما يراه صواباً من الآراء، بل ستقتصر على ما يجب إعادةُ النظر فيه، وتصحيحُه، إلا ما اقتضت الضرورةُ الإشارةَ إليه لداعٍ ما، وعلى الجُمْلة فالملاحظُ علمية متنوّعة، تصحّح خطأً، أو تنفي شائبةً، أو تستدركُ نقصاً؛ أو تنبّه على زيادة لا وجه لإيرادها، أو على تنكّبٍ للدقّة؛ أو عدولٍ عن المصطلحات العلمية إلى غيرها؛ فضلاً عن ملاحظ أخرى منهجية، تدلّ على خلاف المنهج الصحيح المعتمد في كتب قواعد الكتابة، أو تشير إلى مواضع الاختلاف بين المنهج المرسوم في التقديم والمادة العلمية فيها.
إن النهوض بتصحيح ما جاء من أخطاء متنوّعة في كتاب المجمع (قواعد الإملاء) يكتسب أهمية كبيرة، لأنه صدر عن أعلى الهيئات العلمية المعنية بالحفاظ على اللغة العربية، وصونِها مما يتهددها، ومعالجةِ قضاياها المعاصرة، والنهوضِ بها، وتيسيرِها في التعلّم والتعليم، وتنميتِها لتواكب التطوّرَ التقني في جميع ميادين العلوم والفنون، إذ كان ما يصدر عنها من مطبوعات موضعَ ثقةٍ وتقدير من الخاصّة والعامّة، ومرجعاً يُحتكم إليه تصحيحاً وتخطئةً، وقدوةً يُؤتمّ بها في السلامة اللغوية، والدّقّة العلمية، وعلوّ الأساليب وبيانها، فضلاً عن الأمانة العلمية. ولا ريب أن هذا القدر الكبير من الأخطاء المختلفة التي شابت (قواعد الإملاء) تلك، لو وقعت في أيّ كتاب آخر من كتب قواعد الكتابة التي تصدرها دور النشر، على كثرتها، لما كان لها مثلُ هذا الشأن والأهمية. والنهوضُ بهذا الأمر يصبح ألزم وآكد إذا علمنا أن إنجاز (قواعد الإملاء) تلك استغرق نحو سنتين من عمل لجنة اللغة العربية وأصول النحو في المجمع، عقدت خلالها ستاً وعشرين جلسة في عام 2003م مستعينةً بملاحظات بعض أعضاء المجمع وغيرهم وبالتقرير المقدّم من لجنة وزارة التربية، لتطبعَ من بعدُ وترسلَ إلى وزارات: الإعلام، والتربية، والتعليم العالي، وغيرها من الجهات المعنية لاعتمادها والتزامها وتطبيقها[4].
على أنه قبل إيراد تلك الملاحظات يحسن بيانُ الأسس التي يجب أن تُراعى في وضع قواعد موحّدة للإملاء العربي، أهمّها:
أ - الأصل في الإملاء أن يطابق الرسمُ الإملائيُّ (المكتوبُ) المنطوقَ به، ولكن هذا غيرُ متحققٍ في جميع اللغات المكتوبة، لذا كان من المعلوم لدى المختصّين أنه كلّما كان الاختلافُ بين المنطوق والمكتوب قليلاً ومضبوطاً ومقنّناً كانت اللغةُ مثاليةً في التعلّم والتعليم والمعالجة الحاسوبية. وكان مما تتميز به اللغةُ العربيةُ أن هذه الفروقَ جِدُّ قليلةٍ، وهي محصورةٌ في حالاتٍ معدودة، أو في بضعةِ قوانينَ تنتظمها، مما يجعل إتقانها ومعالجتها أمراً ميسوراً بخلاف ما في اللغات الأخرى.
ب - التقليل من القواعد ما أمكن، وجعلها مطّردةً شاملةً، وحصر حالات الاستثناء أو الشذوذ أو الخروج عن القاعدة في أضيق الحدود. وقد أثبتت المعالجةُ الحاسوبيةُ للغة العربية أنها من أمثل اللغات وأكثرها طواعيةً لتلك المعالجة، وذلك لغلبة المعيارية والاطّراد في قواعدها: الصرف، وقواعد الإملاء أو الكتابة، والنحو، والمعاجم. على ما في بعضها من اختلافٍ أو شذوذ، ولا يخرج عن ذلك إلا موضوعُ الدلالة، لخصوصية اللغة العربية، وتعقّد العلاقات الدلالية فيها، والتداخل الكبير بين الحقيقة والمجاز.
جـ - عدم الخروج عن الصور المألوفة في الطباعة والكتابة ما أمكن ذلك تحقيقاً لاستمرار الصلة بين القديم والحديث، وتيسيراً لقراءة التراث المطبوع والإفادة منه.
د - الحرص على الربط بين قواعد الإملاء والقواعد النحوية والصرفية تحقيقاً لأهدافٍ تربويةٍ وجيهة، وذلك لارتباط معارف المنظومة اللغوية.
هـ - لا يمكن الوصولُ إلى قواعد إملاء أو كتابة دقيقة وصحيحة وموحّدة (معيارية) تتجاوز ما أُخذ على ما سبقها من محاولات، سواء أكانت بحوثاً أم كتباً أو مشاريع، ويتحقّق لها الذيوعُ والانتشار، وتُعتمد في جميع مطبوعات أقطار الوطن العربي وخارجه = ما لم يَجْرِ تخليصُها من الخلافات، والزيادات المقحمة، وتعدّد الوجوه، فضلاً عن الأخطاء العلمية والمنهجية والمصطلحية، مما نجد أمثلتَه واضحةً في كتبٍ غير قليلة من قواعد الكتابة، على ما بينها من تفاوت في المناهج والغايات؛ إذ يتسم غيرُ قليلٍ منها بالنقل والتكرار والمتابعة في الصواب والخطأ، وبإقحام موضوعات صرفية أو نحوية أو لغوية أو سواها، دون أيّ مسوّغ؛ لذا، كان من غير الصواب أخذُ جميع ما ورد فيها بالتسليم أو القبول دونَ تدقيقٍ أو تمحيص، لأن قدراً مما جاء فيها لا يعدو أن يكونَ خلافاتٍ، لا تنطوي على كبيرِ قيمةٍ، أو زياداتٍ من علوم مختلفة، لا وجهَ لإثباتها. على أنه يجب التنبيه إلى أن ما يجوز إيرادُه في بعضها، مما وُضع مرجعاً للخاصّة والأساتذة، وتغيّا أصحابُه الجمعَ والاستقصاءَ لكلّ ما يقع تحت أيديهم، والتوثيقَ لكلّ شاردةٍ وواردةٍ، بالإحالة على آراء المتقدمين ومقالاتهم وخلافاتهم ونقلها = لا يجوزُ فِعْلُ مثله لِمَنْ تغيّا الإيجازَ والاقتصادَ والإحكامَ والتقريبَ والتيسيَر وتخليصَ قواعد الإملاء أو الكتابة مما شابها من خلافات، وتعدّد في صور الرسم كما في جاء في " تقديم " المجمع لـ(قواعد الإملاء).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|