تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 199 - عددالزوار : 16551 )           »          الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 175 )           »          اليهود وخطورة تحريفهم لمفهوم المسجد الأقصى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          هل وصل الضعف بالمسلمين إلى القول بأن للأقصى ربا يحميه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الصحابة من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          توجيه عبارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          السعادة للفتاة أساسها القرب من الله عزباء أو متزوجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          التعامل بجدية في تربية أبنائنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          الأخوة المفقودة.. بين الواجب والواقع! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 91 )           »          التعليم والإعلام شريكان في تحصين شبابنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 05-11-2022, 10:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,747
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
صـ 1874 الى صـ 1886
الحلقة (291)



[ ص: 1874 ] فشرط الإيمان في هذا يقضي بالتحريم. فتتأول هذه الآية: أنه أراد المحصنات من أهل الكتاب اللاتي قد أسلمن، لأنهم كانوا يتكرهون ذلك، فسماهن باسم ما كن عليه. وقد ورد مثل هذا في كتاب الله تعالى. قال الله: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به وقوله تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وقوله تعالى: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله قالوا: سبب النزول وفعل الصحابة يدل على الجواز. وإنا نجمع بين الآيات الكريمة فنقول: قوله: ولا تنكحوا المشركات عام نخصه بقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب أو نقول: أراد ب: المشركات الوثنيات وب: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ما أفاده الظاهر. أو يكون قوله: والمحصنات ناسخا لتحريم الكتابيات بقوله: ولا تنكحوا المشركات قلنا: نقابل ما ذكرتم بما روي، أن كعب بن مالك [ ص: 1875 ] أراد أن يتزوج بيهودية أو نصرانية. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «إنها لا تحصن ماءك» ; وروي أنه نهاه عن ذلك. وبأنا نتأول قوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب فنجمع ونقول: تخصيص المشركات ب: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب متراخ، والبيان لا يجوز أن يتراخى! قالوا: روى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحل لنا ذبائح أهل الكتاب وأحل لنا نساؤهم، وحرم عليهم أن يتزوجوا نساءنا» . قال في "الشفا": قال علماؤنا: هذا حديث ضعيف النقل. قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم في المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» الخبر. أفاد جواز ذبائحهم ونكاح نسائهم. قلنا: الجواز منسوخ بأدلة التحريم. ثم إنا نقوي أدلتنا بالقياس فنقول: كافرة فأشبهت الحربية، أو لما حرمت الموارثة حرمت المناكحة. أو لما حرم نكاح الكافر للمسلمة حرم العكس. قالوا: لا حكم للاعتبار مع الأدلة. انتهى بحروفه وهو فقه غريب.

وقوله تعالى: إذا آتيتموهن أجورهن أي: أعطيتموهن مهورهن. وتقييد الحل بإيتائها، لتأكيد وجوبها والحث على ما هو الأولى، مبادرة لفراغ الذمة. فإن شغل الذمة بحق الآدمي أشد من شغلها بحق الله تعالى: محصنين متعففين: غير مسافحين أي: غير مجاهرين بالزنى: ولا متخذي أخدان مسرين به، و (الخدن) الصديق، يقع على الذكر والأنثى. وحمل المسافحة على إظهار الزنى لظهور مقابله في الإسرار، لتبادره من الخدن وهو الصديق. وقيل: الأول نهي عن الزنى، والثاني نهي عن مخالطتهن. كذا في "العناية".

قال ابن كثير: كما شرط الإحصان في النساء - وهي العفة عن الزنى - كذلك شرطها في الرجال. وهو أن يكون الرجل أيضا محصنا عفيفا؛ ولهذا قال: غير مسافحين وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم: ولا متخذي أخدان أي: ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن، كما تقدم في سورة النساء، سواء، ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب، [ ص: 1876 ] وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف. وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنى، لهذه الآية وللحديث: «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» .

وروى ابن جرير: أن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة. فقال له أبي بن كعب: يا أمير المؤمنين! الشرك أعظم من ذلك. وقد يقبل منه إذا تاب.

وقوله تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين يريد ب (الإيمان) شرائع الإسلام. على أنه مصدر أريد به المؤمن به، ك (درهم ضرب الأمير). (الكفر) الإباء عنه وجحوده. والآية تذييل لقوله: اليوم أحل لكم الطيبات تعظيما لشأن ما أحله الله وما حرمه، وتغليظا على من خالف ذلك. كذلك في "العناية".
القول في تأويل قوله تعالى:

[6] يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .

[ ص: 1877 ] يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين لما كان من جملة الإيفاء بالعقود التي افتتحت به هذه السورة إقامة الصلاة، وكانت مشروطة بالطهارة، بين سبحانه في هذه الآية كيفيتها.

قال بعض المفسرين: نزلت في عبد الرحمن وكان جريحا: وقيل لما احتبس صلى الله عليه وسلم في سفر ليلا - بسبب عقد ضاع لعائشة، وأصبحوا على غير ماء. انتهى.

والثاني رواه البخاري - كما في "أسباب النزول" للسيوطي - وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة النساء في (آية التيمم) ثمة. فانظره.

ولهذه الآية ثمرات هي أحكام شرعية.

الأولى: وجوب الوضوء وقت القيام إلى الصلاة أي: إرادته. فقوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة كقوله: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله وكقولك: إذا ضربت غلامك فهون عليه: في أن المراد إرادة الفعل. قال الزمخشري: فإن قلت: لم جاز أن يعبر عن إرادة الفعل بالفعل؟ قلت: لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له، وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه. فكما عبر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم: الإنسان لا يطير، والأعمى لا يبصر، أي: لا يقدران على الطيران والإبصار. ومنه قوله تعالى: نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين يعني إنا كنا قادرين على الإعادة - كذلك عبر عن إرادة الفعل بالفعل، وذلك لأن الفعل مسبب عن القدرة والإرادة. فأقيم المسبب مقام السبب للملابسة بينهما. ولإيجاز الكلام ونحوه، من إقامة المسبب مقام السبب، قولهم: كما تدين تدان. عبر عن الفعل المبتدأ - الذي هو سبب الجزاء - بلفظ الجزاء الذي هو مسبب عنه.

[ ص: 1878 ] الثانية: ظاهر الآية وجوب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا. نظرا إلى عموم: الذين آمنوا من غير اختصاص بالمحدثين. والجمهور على خلافه؛ لما روى الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن بريدة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة. فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله! إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله. قال: إني عمدا فعلته يا عمر» .

وروى البخاري عن سويد بن النعمان قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام خيبر. حتى إذا كنا بالصهباء صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر. فلما صلى دعا بالأطعمة. فلم يؤت إلا بالسويق. فأكلنا وشربنا. ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب. فمضمض ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ.

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وقد سئل عن وضوء أبيه عبد الله، لكل صلاة، طاهرا أو غير طاهر، عمن هو؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب؟ إن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة، طاهرا أو غير طاهر. فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. فكان عبد الله يرى أنه به قوة على ذلك. كان يفعله حتى مات. قال ابن كثير: وفي فعل ابن عمر هذا، ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلاة، دلالة على استحباب ذلك. كما هو مذهب الجمهور.

[ ص: 1879 ] وقد روى ابن جرير عن ابن سيرين، أن الخلفاء كانوا يتوضؤون لكل صلاة. وعن عكرمة: أن عليا - رضي الله عنه - كان يتوضأ عند كل صلاة، ويقرأ: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية. وعن النزال بن سبرة قال: رأيت عليا صلى الظهر. ثم قعد للناس في الرحبة. ثم أتى بماء فغسل وجهه ويديه. ثم مسح برأسه ورجليه وقال: هذا وضوء من لم يحدث، وفي رواية: أنه توضأ وضوءا فيه تجوز فقال: هذا وضوء من لم يحدث; وكذا حكى أنس عن عمر أنه فعله، والطرق كلها جيدة.

وأما ما رواه أبو داود الطيالسي عن سعيد بن المسيب أنه قال: الوضوء من غير حدث اعتداء - فهو غريب عنه. ثم هو محمول على من اعتقد وجوبه، وأما مشروعيته استحبابا فقد دلت السنة على ذلك. روى الإمام أحمد عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة. قيل له: فأنتم كيف تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث! ورواه البخاري وأهل السنن أيضا.

وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن جرير عن ابن عمر مرفوعا: من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات. وضعفه الترمذي.

وإذا دلت هذه الأحاديث على أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث، فالوجه في الخروج من ظاهر الآية، أن الخطاب فيه خاص بالمحدثين.

[ ص: 1880 ] وفي "العناية": الإجماع صرفها عن ظاهرها. فأما أن تكون مقيدة - أي: وأنتم محدثون - بقرينة دلالة الحال، ولأنه اشترط الحدث في البدل وهو التيمم - فلو لم يكن له مدخل في الوضوء، مع المدخلية في التيمم، لم يكن البدل بدلا. وقوله: فلم تجدوا ماء صريح في البدلية. وقيل: في الكلام شرط مقدر. أي: إذا قمتم إلى الصلاة. إن كنتم محدثين. وإن كنتم جنبا فاطهروا وهو قريب جدا. انتهى.

وزعم بعضهم; أن الوجوب على كل قائم للصلاة كان في أول الأمر ثم نسخ. واستدل على ذلك بحديث عبد الله بن حنظلة المتقدم. ونظر فيه بحديث: (المائدة من آخر القرآن نزولا) وأجيب بأن الحافظ العراقي قال: لم أجده مرفوعا. هذا، وقال الزمخشري: لا يجوز أن يكون الأمر في الآية شاملا للمحدثين وغيرهم - لهؤلاء على وجه الإيجاب، ولهؤلاء على وجه الندب - لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والتعمية. وفي "الإنصاف": من جوز أن يراد بالمشترك كل واحد من معانيه على الجمع، أجاز ذلك في الآية. ومن المجوزين لذلك الشافعي - رحمه الله تعالى - وناهيك بإمام الفن وقدوته. وإذا وقع البناء على أن صيغة (أفعل) مشتركة بين الوجوب والندب، صح تناولها في الآية الفريقين المحدثين والمتطهرين. وتناولها للمتطهرين من حيث الندب، والله أعلم.

الثالثة: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": تمسك بهذه الآية من قال: إن الوضوء أول ما فرض بالمدينة، فأما ما قبل ذلك، فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كما فرضت الصلاة. وأنه لم يصل قط إلا بوضوء قال: وهذا مما لا يجهله عالم.

وقال الحاكم في "المستدرك": وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة. ثم ساق حديث ابن عباس: دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك! فقال: ائتوني بوضوء فتوضأ... الحديث.

[ ص: 1881 ] قال ابن حجر: وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه حينئذ. وقد جزم ابن الحكم المالكي بأنه كان قبل الهجرة، لا مندوبا، وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة، ورد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في "المغازي" التي يرويها عن أبي الأسود - يتيم عروة - عنه; أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي. وهو مرسل; ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا. لكن قال: عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه، وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد، عن عقيل، عن الزهري، نحوه. لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" من طريق الليث عن عقيل موصولا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة. انتهى.

أي: وابن لهيعة يضعف في الحديث. الرابعة: قيل: في الآية دلالة على أن الوضوء لا يجب لغير الصلاة. وأيد بما رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن عبد الله بن عباس; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة. قال الترمذي: حديث حسن.

وروى مسلم عن ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم. فأتى الخلاء. ثم إنه رجع فأتي بطعام، فقيل: يا رسول الله! ألا تتوضأ؟ فقال: لم أصل فأتوضأ.

[ ص: 1882 ] وأما اشتراط الوضوء للطواف وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ومس المصحف - عنه من أوجبه - فمن أدلة أخر مقررة في فقه الحديث.

الخامسة: (وجوب غسل الوجه) والغسل: إمرار الماء على المحل حتى يسيل عنه، هذا هو المحكي عن أكثر الأئمة. زاد بعضهم: مع الدلك. وعن النفس الزكية: أن مجرد الإمساس يكفي وإن لم يجر. وحد الوجه من منابت شعر الرأس إلى منتهى الذقن طولا. ومن الأذن إلى الأذن عرضا. وقد ساق بعض المفسرين هنا مذاهب، فيما يشمله الوجه وما لا يشمله، ومحلها كتب الخلاف.

السادسة: (وجوب غسل اليدين): وهذا مجمع عليه; وأما المرفقان، تثنية مرفق (كمنبر ومجلس) موصل الذراع في العضد، فالجمهور على دخولهما في المغسول; وحكي عن زفر وبعض المالكية وأهل الظاهر عدم دخولهما. وسبب الخلاف أن المغيا ب (إلى) تارة يتضح دخوله في الغاية، وطورا لا، وآونة يحتمل.

قال الزمخشري: (إلى) تفيد معنى الغاية مطلقا، فأما دخولها في الحكم وخروجها فأمر يدور مع الدليل فمما فيه دليل على الخروج قوله: فنظرة إلى ميسرة لأن الإعسار علة الإنظار، وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظرا في كلتا الحالتين، معسرا وموسرا، وكذلك: ثم أتموا الصيام إلى الليل لو دخل الليل لوجوب الوصال، [ ص: 1883 ] ومما فيه دليل على الدخول قولك: حفظت القرآن من أوله إلى آخره، لأن الكلام مسوق لحفظ القرآن كله. ومنه قوله تعالى: من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لوقوع العلم بأنه لا يسرى به إلى بيت المقدس من غير أن يدخله; وقوله: إلى المرافق و: إلى الكعبين لا دليل فيه على أحد الأمرين، فأخذ كافة العلماء بالاحتياط. فحكموا بدخولها في الغسل، وأخذ زفر وداود بالمتيقن، فلم يدخلاها. انتهى.

قال الرضي: الأكثر عدم دخول حدي الابتداء والانتهاء في المحدود. فإذا قلت: اشتريت من هذا الموضع إلى ذلك الموضع، فالموضعان لا يدخلان ظاهرا في الشراء. وجوز دخولهما فيه مع القرينة; وقال بعضهم: ما بعد (إلى) ظاهر الدخول فيما قبلها. فلا تستعمل في غيره إلا مجازا. وقيل: إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها نحو: أكلت السمكة إلى رأسها، فالظاهر الدخول وإلا فلا، نحو: أتموا الصيام إلى الليل. والمذهب هو الأول. ثم قيل: بأنها في الآية بمعنى (مع) كقوله تعالى: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم قال: الرضي: والتحقيق أنها بمعنى الانتهاء. أي: تضيفوها إلى أموالكم، ومضافة إلى المرافق. انتهى.

قال صاحب "النهاية": وقول من لم يدخل المرافق من جهة الدلالة اللفظية أرجح، وقول من أدخلها من جهة الأثر أبين، لأن في حديث مسلم مما رواه أبو هريرة: [ ص: 1884 ] أنه غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد. ثم اليسرى، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق. ثم اليسرى كذلك. واحتج أهل المذاهب بحديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يدير الماء على مرفقيه. قالوا: ودلالة الآية مجملة. وهذا بيان للمجمل. وبيان المجمل الواجب يكون واجبا. انتهى.

وقال المجد ابن تيمية في "المنتقى": يتوجه من حديث أبي هريرة وجوب غسل المرفقين لأن نص الكتاب يحتمله، وهو مجمل فيه، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل الكتاب، ومجاوزته للمرفق ليس في محل الإجمال، ليجب بذلك. انتهى.

وأجابوا بأن حديث جابر رواه الدارقطني والبيهقي. وفي إسناده متروك. وقد صرح بضعفه غير واحد من الحفاظ. وحديث أبي هريرة فعل لا ينتهض بمجرده على الوجوب. وقولهم: (هو بيان للمجمل) فيه نظر. لأن (إلى) حقيقة في انتهاء الغاية - كما قدمنا - فلا إجمال. والله أعلم.

السابعة: قال الرازي: يقتضي قوله تعالى: إلى المرافق تحديد الأمر، لا تحديد المأمور به. يعني أن قوله: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق أمر بغسل اليدين إلى المرفقين فإيجاب الغسل محدود بهذا الحد فبقي الواجب هو هذا القدر فقط، أما نفس الغسل فغير محدود بهذا الحد؛ لأنه ثبت بالأخبار أن تطويل الغرة سنة مؤكدة. انتهى.

الثامنة: أشعر أيضا قوله تعالى: إلى المرافق أن ينتهى في غسل اليدين بها، ويبتدأ بالأصابع. قال الحاكم: وقد وردت السنة بذلك، وهو الذي عليه الفقهاء، ولدلالة لفظ (إلى) لأنها للغاية، وغاية الشيء آخره. وقالت الإمامية: السنة أن يبتدئ بالمرفق. وقالوا: إن (إلى) هنا بمعنى (من) قال الحاكم: هذا تقدير فاسد.

التاسعة: ذهب الجمهور إلى أن تقديم اليمين على الشمال سنة، من خالفها فاته الفضل وتم وضوؤه. وذهب العترة والإمامية - كما في "البحر" للمهدي - إلى وجوبه. واحتج عليهم [ ص: 1885 ] بأن الآية لا تفيد ذلك، فمتى غسلهما مرتبا أو غير مرتب - قدم اليمنى أو اليسرى - فقد امتثل الأمر. وأجابوا بأن الدلالة على الوجوب من السنة، فقد روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بأيامنكم» ! وأجيب: بأن الأمر للندب لقوله: إذا لبستم وإذا توضأتم، فقرن بينه وبين اللبس. فإذن يدل على وجوب التيامن في اللبس كما يدل عليه في الوضوء، وهم لا يقولون به.

أيضا فقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: ما أبالي بدأت بيميني أو بشمالي إذا أكملت الوضوء. رواه الدارقطني. وروى نحوه البيهقي وابن أبي شيبة.

وروى أبو عبيد في الطهور: أن أبا هريرة كان يبدأ بميامنه، فبلغ ذلك عليا فبدأ بمياسره. ورواه أحمد بن حنبل عن علي قال الحافظ ابن حجر: وفيه انقطاع. وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا. وكذلك الحديث المقترن بالتيامن في اللبس، المجمع على عدم وجوبه، صالح لجعله قرينة تصرف الأمر إلى الندب. ودلالة الاقتران - وإن كانت ضعيفة - لكنها لا تقصر عن الصلاحية للصرف لاسيما مع اعتضادها بقول علي عليه السلام وفعله.

العاشرة: ذهب بعض العترة إلى أنه لا مسح على الجبائر. ففي "الأحكام" من كتبهم: إذا جبر على جرح أو كسر وخشي نزع الجبائر ضررا، لا يشرع المسح. قال: لأن الآية تقتضي غسل اليد دون ما عليها. والجمهور منهم ومن غيرهم: أنه يمسح، لحديث جابر: إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده. رواه أبو داود والدارقطني. وصححه ابن السكن.

[ ص: 1886 ] الحادية عشرة: (وجوب مسح الرأس):



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,734.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,732.84 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.10%)]