الجمع في اللغة العربية: الأنواع والصياغة والإعراب

[ابوالوليد المسلم]

الجمع في اللغة العربية: الأنواع والصياغة والإعراب
بوطاهر بوسدر




مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد، فاللغة العربية من أجل اللغات وأشرفها، نالت شرف الأفضلية لخصائصها المتنوعة على مستوى الصوت والصرف والنحو والمعجم والدلالة. أما الشرف فيكفيها فخرا أنها لغة القرآن التي اختارها الله تعالى وأكد على فصاحتها وبيانها بقوله ﴿ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [1] فهذه اللغة هي لغة الفصاحة والبلاغة والمجاز ودقة التعبير وحسن التصوير وجمال المفردة والعبارة، وقد اهتم بها العرب فدرسوها من وجوه عديدة شكلت ما يسمى بعلوم اللغة العربية "وهي ثلاثة عشر علما: الصرف والإعراب (النحو) والرسم (الإملاء) والمعاني والبيان والبديع (البلاغة) والعروض والقوافي وقرض الشعر والإنشاء والخطابة وتاريخ الأدب ومتن اللغة"[2].

ويجمع السلف والخلف من علماء العربية على أن النحو والصرف أهم علوم اللغة فهما مفتاح بقية العلوم اللغوية والشرعية وغيرهما من العلوم. وعلم النحو هو" علم بأصول تعرف بها أحوال الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء" [3]، وذلك يكون في الجملة أو التركيب وما يقتضيه من رفع أو نصب أو جر أو جزم أو بقاء على حالة واحدة. أما علم الصرف فهو "علم بأصول تعرف بها صيغ الكلمات العربية وأحوالها"[4] فهو علم يبحث في مفردات اللغة لتكون على وزن خاص وهيئة خاصة. ويرى بعض العلماء أن الصرف جزء من النحو وليس علما مستقلا بذاته، فيعرفون العلمين معا تحت مسمى النحو بقولهم" النحو قواعد تعرف بها صيغ الكلمات العربية وأحوالها حين إفرادها وحين تركيبها"[5].

ويضم هذان العلمان مباحث كثيرة منها مبحث الجمع الذي ينتمي من جهة إعرابه إلى علم النحو ومن جهة صياغته إلى علم الصرف، وإذا كان الجمع هو ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين فما هي أنواعه وطرق صياغته وكيفية إعرابه؟ أسئلة كهذه وأسئلة أخرى هي ما سأحاول الإجابة عنها من خلال محاور هذا المقال مكتفيا بالإشارة إلى مباحث الجمع في العربية دون الغوص في دقائقها أو اختلاف العلماء حولها، وقد رمت التمثيل بما سَهُل من الأمثلة، معتمدا على مراجع قليلة لانتشار الموضوع في كتب النحو التي قد يقوم بعضها مقام بعض، وأرجو في الختام أن يوفقنا الله جميعا لما فيه الخير هو ولي ذلك والقادر عليه.

المحور الأول: جمع المذكر السالم:
الجمع: اسم ناب عن ثلاثة فأكثر، بزيادة في آخره، مثل ( مدرس، مدرسات ) أو تغيير في بنائه مثل (أطفال، وكُتُب، ورؤساء) فالأول يسمى الجمع السالم، والثاني يسمى الجمع المكسر (جمع التكسير). وينقسم السالم إلى مذكر ومؤنث، وينقسم جمع التكسير إلى جمع قلة وجمع كثرة كما سيأتي الحديث عنه.

1- تعريف جمع المذكر السالم:هو ما دل على الجمع المذكر من غير تغيير في بناء مفرده مثل معلمون، ومهندسون، وكاتبون (مفرده سلم من التغيير).

2- شروط ما يجمع جمع المذكر السالم: يجمع الاسم جمع مذكر سالما إذا كان[6]:
• علماً (لا نجمع طفلاً هذا الجمع لأنه ليس علماً) مذكراً: (لا نجمع سعاد هذا الجمع لأنه ليس مذكراً) عاقلاً: (لا نجمع أسداً هذا الجمع لأنه ليس عاقلا) خال من التاء في آخره: (لا نجمع حمزة هذا الجمع لأن في آخره تاء). خال من التركيب: (لا نجمع عبد الله أو سيبويه لأنهما علمان مركبان).

• صفة لمذكر عاقل بشرط خلوها من التاء، فإذا تحقق هذا الشرط وجب أن تصلح التاء لدخولها على الكلمة، أو أن تكون دالة على التفضيل، فكلمة كاتب صفة لمذكر عاقل خالية من التاء ولكنها تقبلها (كاتبة) إذن تجمع على "كاتبين" (كاتبون)، وكلمة أفضل صفة لمذكر عاقل خالية من التاء ولا تقبلها ولكنها من باب التفضيل، فنجمعها على أفضلين (أفضلون)، ويشترط كذلك في الصفة ألا تكون من" أفعل فعلاء كأحمر حمراء، ولا من فعلان فعلى كسكران سكرى، ولا مستويا فيها المذكر والمؤنث مثل جريح وصبور"[7].

وخلاصة الشروط أن يكون الاسم علماً لمذكر عاقل خالياً من تاء التأنيث وغير مركب. وأن تكون الصفة لمذكر عاقل ليس من باب ( أفعل الذي مؤنثه فعلاء )، ولا من باب ( فعلان الذي مؤنثه فعلى ) ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، وأن تكون خالية من تاء التأنيث مع قبولها، فإن لم تقبلها وجب أن تدل على التفضيل.

3- إعرابه: حالات إعراب الاسم ثلاثة: الرفع والنصب والجر وجمع المذكر السالم يرفع بالواو وينصب ويجر وبالياء.
• حالة الرفع: المرفوعات كثيرة منها
• الفاعل: جاء المعلمون، المعلمون فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم.

• نائب الفاعل: حيث يكون الفعل مبنيا للمجهول: عُرف المجرمون، المجرمون نائب الفاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم.

• اسم كان وأخواتها: كان المسلمون موحدين، المسلمون اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم.

• التابع لمرفوع كالنعت والبدل والعطف والتوكيد، نقول دخل الأستاذ والمتعلمون، المتعلمون اسم معطوف مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم.

• حالة النصب: المنصوبات كثيرة منها:
• المفاعيل كالمفعول به نقول "رأيت المهندسين"، المهندسين مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.
• اسم إن وأخواتها: "إن المؤمنين فائزون"، المؤمنين اسم إن منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.
• الحال: دخلوا غاضبين، غاضبين حال منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.
• التابع للمنصوب كالنعت مثلاً، رأيت الطلبة الناجحين، الناجحين نعت تابع لمنعوته منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم.

• حالة الجر: يجر الاسم في ثلاث حالات:
• الجر بحرف الجر: مررت بالعاملين، العاملين اسم مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم.
• الجر بالإضافة: الزكاة حق المحتاجين، المحتاجين مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم.
• الجر بالتبعية: في النعت أو العطف أو التوكيد أو البدل، أشرفت على الطلبة المتخرجين، المتخرجين نعت مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم.

ملاحظة: نون الجمع المذكر السالم تحذف في الإضافة نقول: في حالة الرفع جاء مهندسو العمارة، وفي النصب رأيت مهندسي العمارة، وفي الجر مررت بمهندسي العمارة.

4- صياغته: يصاغ جمع المذكر السالم بزيادة واو ونون أو ياء ونون على المفرد بدون تغيير إذا كان صحيح الآخر أو شبهه كرافع تصبح رافعون وظبي إذا كان علما لرجل فتجمع على ظبيون. أما إذا كان الاسم مقصوراً أو منقوصاً أو ممدوداً ففيه بعض التفصيل:
أ‌- جمع المقصور: الاسم المقصور هو "الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة كهدى وفتى ومصطفى"[8]، ويجمع هذا النوع جمعا مذكرا سالما بحذف ألفه وبقاء الفتحة قبل واو الجمع ويائه دليلا على الألف المحذوفة في المفرد، مثل أعلى تصبح أعلَون أو أعليين ومصطفى تصبح مصطفَون أو مصطفَيْن، قال الله تعالى ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [9] وقال ﴿ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾ [10].

ب‌- جمع المنقوص: الاسم المنقوص هو" الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة غير مشددة قبلها كسرة مثل قاضي محامي"[11]، ويجمع المنقوص على الجمع المذكر السالم بحذف يائه وضم ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء، فنقول قاضي قاضون أو قاضين[12].

ت‌- جمع الممدود: الاسم الممدود هو "الاسم المعرب الذي آخره همزة قبلها ألف زائدة كسماء وبناء"[13]، ويجمع هذا الاسم حسب حالة همزته:
• إذا كانت الهمزة للتأنيث تقلب في الجمع واواً مثل زكرياء زكرياوون.
• إذا كانت الهمزة أصلية تبقى كما هي وضاء وضاؤون.
• إذا كانت الهمزة مبدلة من واو أو ياء جاز قلبها واواً أو إبقاؤها كساء (علم رجل) نقول كساوون أو كساؤون.

5- ملحقاته: الملحق ما لا واحد له من لفظه، أو له واحد لكنه غير مستكمل للشروط.
والملحقات هي:
• ألفاظ العقود: عشرون، ثلاثون...إلى تسعين، ملحق بجمع المذكر السالم، لأنه لا واحد لها من لفظها. نقول جاء عشرون رجلا، ورأيت عشرين امرأة، ومررت بعشرين منزلا، عشرون الأولى فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والثانية مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والثالثة اسم مجرور وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

• أهلون: ملحق لأن مفرده أهلا ليس صفة ولا علما. نقول جاء الأهلون ورأيت الأهلين ومررت بالأهلين.

• أولو: ليس لها مفرد من نوعها فمفردها "ذو" نقول جاء أولو العقل، و رأيت أولي العقل، ومررت بأولي العقل.

• عالمون: تدل على غير العاقل. قال تعالى ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [14] العالمين مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

• عليّون: اسم لأعلى الجنة، وليس فيه الشروط المذكورة لأنه ليس بعاقل. قال الله تعالى ﴿ إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ [15] عليين اسم مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

• أرضون: جمع أرض، وهي اسم مؤنث غير عاقل.

• السنون: جمع سنة. اسم مؤنث غير عاقل.


المحور الثاني: جمع المؤنث السالم:
1- تعريف جمع المؤنث السالم:
ما جُمع بألفٍ وتاءٍ زائدتين، مثل: " هندات، مرضعات، فاضلات "[16].

2- طريقة جمعه: تجمع الكلمة هذا الجمع بزيادة ألف وتاء مبسوطة دائما، فإذا جمعت المختوم بالتاء حذفتها وجوبا كفاطمة فاطمات، أما جمع المقصور والمنقوص والممدود ففيه بعض التفصيل:
جمع المقصور: إذا كانت الألف ثالثة ردت إلى أصلها (الواو أو الياء) مثل رضوى رضوات، وإذا كانت رابعة فصاعدا قلبت ياء كذكرى ذكريات ومستشفى مستشفيات.

جمع المنقوص: تبقى ياؤه وترد له إن حذفت، قاضية قاضيات.

جمع الممدود: حسب حالة همزته فإن كانت أصلية تبقى على حالها (إنشاء إنشاءات)، وإن كانت زائدة للتأنيث قلبت واوا (صحراء صحراوات)، وإن كانت منقلبة عن واو أو ياء جاز فيها الأمران( سماء سماءات أو سماوات).


3- الأسماء التي تجمع هذا الجمع: هناك عشرة أنواع من الكلمات التي تجمع هذا الجمع[17]:
الأول: علم المؤنث: كـ ( مريم، فاطمة ).
يتبع