
08-09-2022, 09:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,546
الدولة :
|
|
الرحيل
الرحيل
د. أحمد أبو اليزيد
كنتُ يومًا عازمًا أن أرحلاَ ♦♦♦ عنك يا همُّ فعنِّي فارحلِ
هكذا نحن أُسارى لدى هموم نكتبُها بأيدينا، ونُودِعُها في بنك عقولنا، هموم تَنبُتُ في قلوبنا، نسقيها من أحزاننا وآلامنا! أشواك تنمو بدموع أعيننا أو بدموع صمت الأنين!
هل آلمك هذا القيد؟ هل وددتَ أن تقلع هذا النبتَ وذاك الشوك؟ هل فكرت يومًا في الهروب من هذا الأسر؟!
وكيف ذاك؛ والقيد من بَنات أفكارنا، والنَّبْتُ من صنع أيدينا، والأَسر هو أنفسنا التي بين صدورنا؟!
إن الحل يسير لمن أراد المسير لا النحيب، الحل يكمن في كلمتين: عليك بالرحيل!
والرحيل فعلٌ داخلي لا سفر إلى أقطار البلاد عربها وعجمها، فكم من مهاجرٍ أسيرٌ! وكم من معدومٍ حرٌّ طليقٌ من أسر الهموم!
والرحيل يتطلب وجهة تطلبُها، ودربًا تسلكُه، وغاية تبلغها، ورحيلٌ بلا غايةٍ هلاكٌ، الرحيل له عُدةٌ؛ عدة المسافر من أرض الوساوس والأتراح، إلى أرض السعادة والأفراح، وعُدَّتُه تكمن في أمور ثلاثة: صبرٌ، وعزمٌ، وكَدٌّ.
صبرٌ على نوائب الحق - وما أكثرها! - واعلم أن الكلَّ مبتلًى، ولكن هيهات هيهات مَن كان الصبر مع بلائه قرينًا، ومَن كان مِن كنز الصبر بائسًا فقيرًا! والهمُّ الذي يَنتابُ المرء - أحيانًا - يكون مردُّه إلى الذات التي لا تصبر على الآلام؛ فتتحسر على ما فات، فيصيرُ الألم ألمَيْنِ، والجُرح جِراحًا، وهكذا تُزرَعُ أشواكُ الهموم في القلوب.
وبلوغ حي السعداء لا بد له من عزمٍ على مواصلة الطريق رغم الصعاب، فما من سبيلٍ إلا وله نقطتان؛ أحدهما تُوضَعُ لبيان البداية، والأخرى لا يراها إلا مَن عزم على بلوغ الغاية، وحذار من المنحدرات على الطريق؛ فهي مهلكة!
ولبلوغ راحة البال، وسعادة المآل، لا بد من الكدِّ في المسير كدًّا في طيَّاته بسمات تُبدِّدُ مشقة المسير.
إن الرحيل من أَسْر الهموم لا بد له مع العدة مِن زاد؛ فالمسير شاقٌّ، فأكثِرْ من الزاد، وإياك والملهيات - وما أكثرَها! - وتزوَّد من التقوى؛ فما أعظمها من زاد!
والرحيل أيضًا يلزمه صحبة، والصحبة رفيقٌ حسنٌ وسريرة حسنة، فالرفيق نجمٌ هادٍ، أو نيزكٌ مُضلٌّ، والسريرة الحسنة هي ما لا يعلمها إلا المرء وربُّه.
واعلم أن للرحيل ذاته ألمًا، ألم الإقلاع عما نألف - حتى إن كان همًّا - إلى ما لا نعلم، فالنفس تخشى المجهول، وهذا صحيح لمن هو صحيح ليس بعليل.
أما مَن كان للهمِّ أسيرًا، فما له أن يخشى، وهل بعد أسر الهموم من شرٍّ وضيم للنفس؟! فلهذا العليلِ الرحيلُ دواءٌ، لِمَا ألمَّ به من داء.
والدواء مرٌّ - كعادته - ولكنَّ أملَ الشفاء يُخفِّفُ من مرارته، حتى إذا اقترب المرء من بلوغ الغاية، استحال الدواء عسلاً مصفًّى، فإذا لاحت في الأفق علامة النهاية، قال المرء بلسان الحال:
وعقدتُ يومًا همتي أن أبلغا ♦♦♦ قِمَمَ المعالي ثم هأنا أبلغُ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|