تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         نقص المعلّمين .. أزمة عالمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          لجوء المدارس إلى أدوات الترجمة بالذكاء الاصطناعي لدعم متعلمي اللغة الإنجليزية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          سؤال الحقيقة والفعل في فلسفة القيم إشكالات وإيضاحات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 7 )           »          الرؤية الكونية الإسلامية والعلم الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الإسلام والعقلانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أهمية مَلَكَة العقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          سعة الوجود ومحدودية الوجدان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          وقفة تأمل في غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الرد الجميل المجمل على شبهات المشككين في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 15-06-2022, 11:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,581
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الرابع
الحلقة (309)

سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ
صـ 250 إلى صـ 256




واعلم أنا قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون فيها قولان للعلماء ، وكلاهما حق ويشهد له قرآن فنذكر الجميع ؛ لأنه كله حق داخل في الآية ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة ؛ لأن المراد بالأرض في قوله هنا : أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [ 21 \ 105 ] فيه للعلماء وجهان :

[ ص: 250 ] الأول : أنها أرض الجنة يورثها الله يوم القيامة عباده الصالحين . وهذا القول يدل له قوله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين [ 39 ] وقد قدمنا معنى إيراثهم الجنة مستوفى في سورة " مريم " .

الثاني : أن المراد بالأرض أرض العدو ، يورثها الله المؤمنين في الدنيا ، ويدل لهذا قوله تعالى : وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا [ 33 \ 27 ] وقوله : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الآية [ 7 \ 137 ] وقوله تعالى : قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين [ 7 \ 128 ] وقوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم الآية [ 24 ] وقوله تعالى : فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم [ 14 \ 13 - 14 ] إلى غير ذلك من الآيات .

وقرأ هذا الحرف عامة القراء غير حمزة في الزبور بفتح الزاي ومعناه الكتاب . وقرأ حمزة وحده ( في الزبور ) بضم الزاي . قال القرطبي : وعلى قراءة حمزة فهو جمع زبر . والظاهر أنه يريد الزبر - بالكسر - بمعنى الزبور أي : المكتوب . وعليه فمعنى قراءة حمزة : ولقد كتبنا في الكتب ، وهي تؤيد أن المراد بالزبور على قراءة الفتح جنس الكتب لا خصوص زبور داود كما بينا . وقرأ حمزة " يرثها عبادي " بإسكان الياء ، والباقون بفتحها .
قوله تعالى : إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين .

الإشارة في قوله : هذا [ 21 \ 106 ] للقرآن العظيم الذي منه هذه السورة الكريمة . والبلاغ : الكفاية ، وما تبلغ به البغية . وما ذكره هنا من أن هذا القرآن فيه الكفاية للعابدين ، وما يبلغون به بغيتهم ، أي : من خير الدنيا والآخرة ذكره في غير هذا الموضع ، كقوله : هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب [ 14 \ 52 ] وخص القوم العابدين بذلك لأنهم هم المنتفعون به .
قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه ما أرسل هذا النبي الكريم - صلوات الله [ ص: 251 ] وسلامه عليه - إلى الخلائق إلا رحمة لهم ؛ لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه . ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى . وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلا ، قال : لو فجر الله عينا للخلق غزيرة الماء ، سهلة التناول ، فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها ، فتتابعت عليهم النعم بذلك ، وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل ، فضيعوا نصيبهم من تلك العين - فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله ، ونعمة للفريقين . ولكن الكسلان محنة على نفسه حيث حرمها ما ينفعها . ويوضح ذلك قوله تعالى : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار [ 14 \ 28 ] وقيل : كونه رحمة للكفار من حيث إن عقوبتهم أخرت بسببه ، وأمنوا به عذاب الاستئصال . والأول أظهر .

وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم . وهذا المعنى جاء موضحا في مواضع من كتاب الله ، كقوله تعالى : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [ 29 \ 51 ] وقوله : وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك الآية [ 28 \ 86 ] .

وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة " الكهف " في موضعين منها . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قيل : يا رسول الله ، ادع على المشركين . قال : " إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة " .
قوله تعالى : فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء .

قوله فإن تولوا [ 21 \ 109 ] أي : أعرضوا وصدوا عما تدعوهم إليه فقل آذنتكم على سواء أي : أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي ، بريء منكم كما أنتم براء مني . وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية أشارت إليه آيات أخر ، كقوله : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء [ 8 \ 58 ] أي : ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء . وقوله تعالى : وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون [ 10 \ 41 ] وقوله : آذنتكم الأذان : الإعلام . ومنه الأذان للصلاة . وقوله تعالى : وأذان من الله الآية [ 9 \ 3 ] أي : إعلام منه ، قوله : فأذنوا بحرب من الله الآية [ 2 \ 279 ] أي : اعلموا . ومنه قول [ ص: 252 ] الحارث بن حلزة :


آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
يعني أعلمتنا ببينها .
قوله تعالى : إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون .

ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه علم ما يجهر به خلقه من القول ، ويعلم ما يكتمونه . وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله تعالى : وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور [ 67 \ 13 ] وقوله : والله يعلم ما تبدون وما تكتمون [ 24 \ 29 ] في الموضعين ، وقوله : قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون [ 2 \ 33 ] وقوله تعالى : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ 50 \ 16 ] وقوله : وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى [ 20 \ 7 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : قال رب احكم ‎بالحق .

قرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير حفص عن عاصم قل رب بضم القاف وسكون اللام بصيغة الأمر . وقرأه حفص وحده قال بفتح القاف واللام بينهما ألف بصيغة الماضي . وقراءة الجمهور تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يقول ذلك . وقراءة حفص تدل على أنه امتثل الأمر بالفعل . وما أمره أن يقوله هنا قاله نبي الله شعيب كما ذكره الله عنه في قوله : ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين [ 7 \ 89 ] وقوله : افتح أي : احكم كما تقدم .
قوله : وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون [ 21 \ 112 ] أي : تصفونه بألسنتكم من أنواع الكذب بادعاء الشركاء والأولاد ، وغير ذلك . كما قال تعالى : وتصف ألسنتهم الكذب الآية [ 16 \ 62 ] وقال : ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب الآية [ 16 \ 116 ] . وما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية قاله يعقوب لما علم أن أولاده فعلوا بأخيهم يوسف شيئا غير ما أخبروه به ، وذلك في قوله : قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [ 12 \ 18 ] والمستعان : المطلوب منه العون . والعلم عند الله تعالى .

[ ص: 253 ] وهذا آخر الجزء الرابع من هذا الكتاب المبارك ، ويليه الجزء الخامس إن شاء الله ، وأوله سورة الحج ، وبالله التوفيق ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْحَجِّ


قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ أَمَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ النَّاسَ بِتَقْوَاهُ جَلَّ وَعَلَا ; بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ ، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ، تَذْهَلُ بِسَبَبِهِ الْمَرَاضِعُ عَنْ أَوْلَادِهَا ، وَتَضَعُ بِسَبَبِهِ الْحَوَامِلُ أَحْمَالَهَا ، مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ وَالْفَزَعِ ، وَأَنَّ النَّاسَ يُرَوْنَ فِيهِ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَلَكِنَّ عَذَابَهُ شَدِيدٌ .

وَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى هُنَا مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى ، وَذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا مِنْ كِتَابِهِ ; كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ : يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى قَوْلِهِ : وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ [ 4 ] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا .

وَمَا بَيَّنَهُ هُنَا مِنْ شَدَّةِ أَهْوَالِ السَّاعَةِ ، وَعِظَمِ زَلْزَلَتِهَا ، بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [ 99 - 4 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [ 69 \ 14 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا [ 56 \ 4 - 5 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ وَقَوْلِهِ تَعَالَى : ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [ 7 \ 187 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عِظَمِ هَوْلِ السَّاعَةِ .

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : اتَّقُوا رَبَّكُمْ [ 22 ] قَدْ أَوْضَحْنَا فِيمَا مَضَى مَعْنَى التَّقْوَى بِشَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا . وَالزَّلْزَلَةُ : شِدَّةُ التَّحْرِيكِ وَالْإِزْعَاجِ ، وَمُضَاعَفَةُ زَلِيلِ الشَّيْءِ عَنْ مَقَرِّهِ وَمَرْكَزِهِ ؛ أَيْ تَكْرِيرُ انْحِرَافِهِ وَتَزَحْزُحِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ ; لِأَنَّ [ ص: 255 ] الْأَرْضَ إِذَا حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً تَزَلْزَلَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهَا زَلْزَلَةً قَوِيَّةً .

وَقَوْلُهُ : يَوْمَ تَرَوْنَهَا مَنْصُوبٌ بِـ ( تَذْهَلُ ) وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الزَّلْزَلَةِ . وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ ; لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ زَلْزَلَةَ الْأَشْيَاءِ بِأَبْصَارِهِمْ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا مِنْ : رَأَى الْعِلْمِيَّةِ .

وَقَوْلُهُ : تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ [ 22 كُلُّ مُرْضِعَةٍ أَيْ : كُلُّ أُنْثَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ : مُرْضِعَةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ : مُرْضِعٍ : هُوَ مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ ، مِنْ أَنَّ الْأَوْصَافَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْإِنَاثِ إِنْ أُرِيدَ بِهَا الْفِعْلُ لَحِقَهَا التَّاءُ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا النَّسَبُ جُرِّدَتْ مِنَ التَّاءِ ، فَإِنْ قُلْتَ : هِيَ مُرْضِعٌ ، تُرِيدُ أَنَّهَا ذَاتُ رَضَاعٍ ، جَرَّدْتَهُ مِنَ التَّاءِ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ :


فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ فأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُغْيَلِ

وَإِنْ قُلْتَ : هِيَ مُرْضِعَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَفْعَلُ الرَّضَاعَ ؛ أَيْ : تُلْقِمُ الْوَلَدَ الثَّدْيَ ، قُلْتَ : هِيَ مُرْضِعَةٌ بِالتَّاءِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :


كَمُرْضِعَةٍ أَوْلَادَ أُخْرَى وَضَيَّعَتْ بَنِي بَطْنِهَا هَذَا الضَّلَالُ عَنِ الْقَصْدِ


كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ :


وَمَا مِنَ الصِّفَاتِ بِالْأُنْثَى يَخُصُّ عَنْ تَاءٍ اسْتَغْنَى لِأَنَّ اللَّفْظَ نَصٌّ
وَحَيْثُ مَعْنَى الْفِعْلِ يَعْنِي التَّاءَ زِدْ كَذِي غَدَتْ مُرْضِعَةً طِفْلًا وُلِدْ


وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ الْكُوفِيِّينَ : مِنْ أَنَّ أُمَّ الصَّبِيِّ مُرْضِعَةٌ بِالتَّاءِ ، وَالْمُسْتَأْجَرَةَ لِلْإِرْضَاعِ : مُرْضِعٌ بِلَا هَاءٍ - بَاطِلٌ ، قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ . وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :
كَمُرْضِعَةٍ أَوْلَادَ أُخْرَى
- الْبَيْتَ ، فَقَدْ أَثْبَتَ التَّاءَ لِغَيْرِ الْأُمِّ ، وَقَوْلُ الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا : إِنَّ الْوَصْفَ الْمُخْتَصَّ بِالْأُنْثَى لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى التَّاءِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَالْوَصْفُ الْمُخْتَصُّ بِالْأُنْثَى لَا يَحْتَاجُ إِلَى فَرْقٍ ; لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ الذَّكَرِ لَهَا فِيهِ - مَرْدُودٌ أَيْضًا ، قَالَهُ [ ص: 256 ] أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ الْعَرَبِ : مُرْضِعَةٌ ، وَحَائِضَةٌ ، وَطَالِقَةٌ . وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا قَدَّمْنَا ، مِنْ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ الْفِعْلُ جِيءَ بِالتَّاءِ ، وَإِنْ أُرِيدَ النِّسْبَةُ جُرِّدَ مِنَ التَّاءِ ، وَمِنْ مَجِيءِ التَّاءِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ قَوْلُ الْأَعْشَى :


أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غَادٍ وَطَارِقَهْ


وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : فَإِنْ قُلْتَ : لِمَ قِيلَ : ( مُرْضِعَةٍ ) دُونَ ( مُرْضِعٍ ) ؟

قُلْتُ : الْمُرْضِعَةُ الَّتِي هِيَ فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةٌ ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ . وَالْمُرْضِعُ : الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ تُرْضِعَ ، وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرِ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَصْفِهَا بِهِ ، فَقِيلَ : ( مُرْضِعَةٍ ) ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَوْلَ إِذَا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وَقَدْ أَلْقَمَتِ الرَّضِيعَ ثَدْيَهَا : نَزَعَتْهُ عَنْ فِيهِ ; لِمَا يَلْحَقُهَا مِنَ الدَّهْشَةِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : عَمَّا أَرْضَعَتْ الظَّاهِرُ أَنَّ " مَا " مَوْصُولَةٌ ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ؛ أَيْ : أَرْضَعَتْهُ ، عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ :

وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلِي

فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ بِفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ ؛ أَيْ : تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَنْ إِرْضَاعِهَا .

قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ : وَيُقَوِّي كَوْنَهَا مَوْصُولَةً تَعَدِّي " وَضَعَ " إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فِي قَوْلِهِ : حَمْلَهَا لَا إِلَى الْمَصْدَرِ .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,340.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,338.37 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.13%)]