|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سمو الدلالات القرآنية مريم بنت حسن تيجاني سبحان الله وبحمدهِ، مُنزل الكتاب العظيم، والذكر الحكيم، والقرآن المجيد، الذي أبهر أولي البلاغةِ والفصاحةِ والبيانِ الأُوَل، ولم يزل معينهُ العذب الزلال بالخيرِ غدِقًا مُترعًا مِنهالًا، لم ولن تنقضي منهُ العجائب، وكما انبهرَ الأُوَلُ أرباب البيان انبهر من بعدهم، فتتالى وتوالى إعجازُهُ وإبهارُهُ وإمتاعُهُ للنفوس والعقولِ والقلوب والأرواح، فكان بحق؛ حياةُ الروحِ وروحُ الحيـاةِ لمن رامها[1]. ومن المباحث القرآنية التي بلغت الغاية في التشويق وحث الأفئدة والعقول إلى مزيدٍ من التدبر والتأمُّل والتفكر؛ مبحث المترادفات اللفظية بين الاستعمال اللغوي في أصلِ المفردة العربية وبين الإطلاق القرآني. فمما يُميِّزُ كتاب الله العزيز، تلكم الفرادة النوعية في استخدام المفردات المترادفة في لغة العرب، بحيث تؤدي المفردة جَمًّا مميزًا من المعاني في السياق الواحد، تختلف عنها في سياقاتٍ أخرى لمفردةٍ مترادفة. كمفردتي الذلة والصَغَار على سبيلِ المِثال، وكذا الشأنُ ببعضِ المواضع عند اختلاف الحركة؛ كمفردة الخَطأ والخِطْء. ففي المثال الأول كلا المفردتان بينهما تقاربٌ دلاليٌّ؛ إذ تشتركان في معنى "الخضوع والهوان"؛ غير أن الذل يكونُ بقهرٍ خارجي أو بفعلِ قوةٍ خارجية، بينما الصَغَار فيه الهبوط إلى الضعَة من منزلةِ عِز وشرف، وقد يكون هناكَ رضا من الصاغِر بتلكَ المنزلة.[2] أما الخطأ بالفتح ففِعلُهُ أخطأ، وهو مجانبة الصواب عن غير عمدٍ، بينما الخِطْءُ فمصدر خَطِئَ؛ أي أصابَ إثمًا، ولا يكون إلا عن عمد.[3] وأما الأمثلة التي سنتفيَّأُ ظلالها الوارفة ومعانيها العِذَاب، فنكتفي بمجموعتين منها طلبًا للاختصار:[4] المجموعة الأولى: مترادفات الإخفاء والستر:(الخَبْء – الإخفاء – الدَّس – السَّتر – المُواراة): يقول المؤلف: ترددت كلمة الإخفاء والستر في تفسيرِ أكثرِ هذه الألفاظ في المعاجم اللغوية على النحو التالي: 1-المعاني اللغوية: الخَبْءُ: سَتْر الشيء، الإخفاء: السَّتر، الدَّسُّ: إخفاءُ شيءٍ وسَتْرُهُ تحتَ شيء، السَّتْرُ: إخفاء الشيء، المُواراةُ: إخفاءُ الشيء. 2-الدلالات القرآنية: الخَبْء: وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم مرةً واحدة، في قول الله تعالى: (﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾)[5]، وهي مصدر أُطلق على المخبوء، وهو المطر والنبات وغيرهما مما خبأ الله عز وجل من غيوبه، وهو اسمٌ لكل مُدَّخرٍ مستور. وهكذا نرى أن القرآن الكريم قد استعمل لفظ الخَبْء لوصف شيءٍ يُخْفَى ويُسْتَرُ ويُدَّخَر؛ لأنهُ ثمينٌ نفيس. الإِخْفاء: يقول المؤلف: تكرر ذكرُ الإخفاء في القرآن الكريم كثيرًا، ومن شواهده: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271]. ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]. يتضح معنى الإخفاء من وروده في القرآن الكريم مقابلًا للإبداء والإعلان والجهر، فالإخفاءُ إذًا هو: السَّتْر والكِتْمان. الدَّسُّ: وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم مرة واحدة، في قول الله عز وجل: ﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 59]. الدَّسُّ هنا: الدَّفن والتغييب في التراب، وهذا فيه مبالغة في الإخفاء والسَّتْر، كما يظهر ملمح الدافع وراء دسِّ الشيء، وهو الرغبة في التخلص منه. السَّتْر: وردت هذهِ المادة في القرآن الكريم ثلاث مرات، في الآيات التالية: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴾.[6] ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ﴾.[7] ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.[8] السَّتر تغطية الشيء بحيث لا تراهُ العيون، والحجاب المستور؛ أي: البالغ الغاية في حجب ما يحجبه، حتى كأنهُ مستورٌ بساترٍ آخر. والمراد بالستر في آية الكهف: كل ما يستر الإنسان - أي يقيهِ ويحجب عنه الأذى - من الثياب والأبنية والحصون وغيرها. والملمح البارز في لفظ السَّتر هو الوقاية والحماية والمنع. المُواراة: ذُكرت هذه الكلمة ومشتقاتها في مواضع عديدة من القرآن الكريم، ومن شواهدها: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ﴾.[9] ﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ﴾.[10] ﴿ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾[11] يواري الشيء مواراةً: يستُرُهُ بشيءٍ يخفيه. غير أن هذه الكلمة جاءت في أكثر مواضعها من القرآن الكريم في سَتْر شيءٍ يخجل الإنسان ويشعر بالخزي إذا انكشف، كالسوأة، وكاختفاء المُبّشَّرِ بالأنثى في الجاهلية؛ لأنهم كانوا يشعرون بالخزي والعار إذا وُلِدَ لهم إناث. وأما وصف الشمس أو الخيل بالتواري في قولِ الله عز وجل: (﴿ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴾)[12]، فهو مجازٌ في غروب الشمس عن تواري الملك أو المُخَبَّأة بحجابها. ونخلص مما سبق إلى أن ألفاظ (الخَبْء – الإخفاء – الدَّسّ – السَّتْر - المُواراة) متقاربة دلاليًّا؛ فكلها تدل على الإخفاء والاستتار، ويتميَّز كل منهما بملمحٍ دلاليٍّ فارق في الاستعمال القرآني، على النحو التالي: الإخفاء: أعمُّ هذه الألفاظ، وهو الستر والكتمان. الخَبْء: إخفاء شيء ثمين. الدَّسُّ: المبالغة في الإخفاء والستر. السَّتْر: الوقاية والمنع. المُواراة: إخفاء شيء يُسْتَحْيا منه خاصَّةً.[13] المجموعة الثانية: مترادفات الإثم:(الإثم – الجُناح – الحُوب – الخطيئة – الذَّنب – الزلل – السيئة – الفاحشة والفحشاء – المنكر - الوِزر): 1-المعاني اللغوية: الإثم: البطءُ والتأخر في الخير، مأخوذٌ من قولهم: ناقةٌ آثمة، أي متأخرة عن سيرها، لأن ذا الإثم بطيءٌ عن الخير مُتأخرٌ عنه، الجُناح: الميل إلى الإثم والجِنَاية والجُرم، الحُوب: بمعنى الإثم، وقيل: الإثم العظيم، الخطيئة: بمعنى الذنب، وأصلها من خطا يخطُر، أي تعدى الشيء وذهب عنه، ويُقال لمن تعدى الخير وتركهُ: أخطأ وخطئ خطأً وخطيئة لهذا القياس، والزلل: الخطأ والذنب؛ لأن المخطئ قد زل أي انزلق عن نهج الصواب، والذنب: الجُرْم والمعصية، السيئة: الذنب القبيح، والفاحشة: الذنب القبيح الذي جاوز الحد في القبح والشناعة، ومثلها الفحش والفحشاء، والمنكر: ضد المعروف وهو ما ينكرهُ القلب ولا يسكُن إليهِ، والوِزر: الثِّقَل، ومنهُ سُمِّيَ الذنبُ وِزرًا؛ لأنهُ يُثقِلُ صاحِبه. يقول المؤلف: "ومما سبق يتضح لنا أن الاستعمال اللغوي العادي - كما أوردته المعاجم - لم يفرق بين أربعة من هذه الألفاظ، وجعل بينها ترادفًا تامًّا، وهي: الإثم، والخطيئة، والذنب، والزلل. بينما خُصصت السيئة في الاستعمال اللغوي بصفة القبح، وأشدُّ منها الفاحشة والفحشاء؛ وذلك لأنهما خُصِّصا بوصفٍ آخر هو الشدة: شدة القبح والشناعة. واختُص المنكر في الاستعمال اللغوي بملمحٍ دلاليٍّ آخر هو: إنكار القلب له وعدم سكون النفس إليه، فالنفوس تنكره كأنها لا تعرفه، وكأنما فُطِرَت على خِلافه فهي تأباهُ ولا تكادُ تعرِفُهُ. واختُصَّ الجُناح بملمحٍ دلاليٍّ آخر، وهو كونه ميلًا إلى الإثم، وليس اقترافًا له. واختُصَّ الوِزر بملمح الثِّقل". 2- الدلالات القرآنية: الإثم: وردت كلمة (إثم) في مواضع عديدة من الكتاب الكريم، ومن ذلك الآيات التالية: ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾.[14] ﴿ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾.[15] ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾.[16] ﴿ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾.[17] ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.[18] ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.[19] ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾.[20] وبعد عرض تفسيرات أهل العلم وترجيحاتهم في الأمثلة السابقة، ومناقشتها على ضوء السياقات القرآنية وباستقراء النصوص الأخرى وتأملها[21]، خَلَص المؤلف إلى أن (الإثم) في الاستعمال القرآني يتميَّز بملامح دلالية خاصة، هي أنهُ: • فعلٌ قبيح يستوجب الذمَّ واللوم. • تنفر منه النفوس ولا تطمئن إليه القلوب. • لفظ عام يشمل صغائر المعاصي وكبائرها، وغلب استعماله في الكبائر. • فيه تعمُّد. الجُناح: تكرر ذكر الجُناح في مواضع كثيرة من كتاب الله الحكيم، ومن ذلك الآيات التالية: ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ﴾[22] ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾.[23] يقول المؤلف: "أول ما يُلاحظ في الاستعمال القرآني لهذه الكلمة أنها وردت منفية في جميع مواضعها (24 موضعًا)[24]، وهذا يعني الإباحة لكل ما ذُكر في تلك المواضع، فنفي الجُناح تخييرٌ بين الفعل والترك. ومعنى الجُناح حيثما ورد في القرآن الكريم: الميل إلى الإثم، كما في اشتقاقه في اللغة؛ إذ هو مشتقٌ من (جَنَحَ)؛ أي مال، ولكن الاستعمال القرآني للفظ يجعله أعمَّ من الإثم؛ لأن الإثم يقتضي العقاب، أمَّا الجُناح فيُستعمل فيما يقتضي العقاب وفيما يقتضي الزجر دون العقاب. والملامح الدلالية المميزة للجُناح كما يُستفاد من الآيات التي ورد فيها: • عموم معناه، فهو أعم من الإثم والذنب وغيرهما؛ لأن الجُناح قد يقتضي العقاب، أو ما دون العقاب كالزجر. • فيه معنى الميل إلى المعصية وإن لم يقع فيها. • كما يُلاحظ أنهُ استُعْمل منفيًّا في جميع مواضعه من القرآن الكريم، وهذا يعني التخيير بين الفعل والترك. الحُوب: وردت هذهِ الكلمة في موضعٍ واحد من القرآن الكريم، وهو قول الله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ﴾.[25] والحُوب هنا: الذنب العظيم الكبير، قال الزمخشري في سر استعمال هذهِ الكلمة هنا: "فإن قلتَ: قد حُرِّم عليهم أكل مال اليتامى، فلِمَ ورد النهي عن أكله مع أموالهم؟ قلتُ: لأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموالِ اليتامى بما رزقهم الله من مالٍ حلال، وهم على ذلك يطمعون فيها، كان القُبحُ أبلغ والذمُّ أحق .. والحُوب: الذنب العظيم". وذكر أبو حيَّان ثلاثة معانٍ للحُوب: الإثم، والظلم، والوَحشة. واللفظ يحتمل المعاني الثلاثة معًا، إذ هو إثمٌ على فاعلهِ، وظلمٌ لمن وقع عليه، ووحشة بينهما، وكل هذا يجعل الحُوب ذنبًا كبيرًا؛ لما فيه من ظلم وجلب للوحشة والجفاء، وإضاعة للحُرمة والحقوق؛ ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليـه وسلم لأبي أيُّوب لما أراد طلاق أم أيوب رضي الله عنهما: "إن طلاق أمِّ أيوب لَحُوبٌ"، أي: لوحشةٌ وإثم. الخَطَأ والخطيئة والخِطْءُ: وردت كلمة (خطأ) في القرآن العظيم مرتين، في قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ﴾.[26] والخطأ هنا فعل غير اختياري، والمعنى: ما ينبغي للمؤمن أن يقتل مؤمنًا متعمِّدًا، ولكن يقع ذلك منه خطأً. وأما الخطيئة فتكرر ورودها في القرآن الكريم مفردة، ومجموعة (خطايا - خطيئات)، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.[27] ﴿ وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾.[28] ﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾.[29] ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾.[30] ﴿ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾.[31] وقد سبق الكلام على الخطيئة عند الكلام على الإثم، وأن المراد بالخطيئة: صغائر الذنوب، ولعلَّ الآيات الأخرى المذكورة هنا توضِّح بجلاء هذا المعنى، ففي آية البقرة (81) جُعِلَ من أحاطت به خطيئته من أهل النار؛ لأن من كان هذا شأنه فلا يكون مؤمنًا؛ إذ إن المؤمن لا تحيط به خطيئته، بل لا يخلو من عمل صالح، وبذلك تَعَيَّنَ أن المراد بتخليد من أحاطت به خطيئته في النار كونُه كافرًا، قد تجرَّأَ على كل الخطايا حتى أحدقت به فلم تترك له منفذًا. وفي آية الشعراء (82) أضيفت الخطيئة إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، مما يقطع بأنها صغيرة؛ لأن الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ معصومون من الكبائر. وهكذا يتضح أن الخطيئة تعني: الذنب الصغير، وأكثر استعمالاتها فيما لا يكون مقصودًا لنفسه، بل يكون القصد سببًا لتولُّد ذلك الفعل منه، كمن رمى صيدًا فأصاب إنسانًا. وأمَّا الخِطْءُ فقد ورد في القرآن الكريم مرة واحدة، في قول الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾[32]؛ أي: ذنبًا عظيمًا، وفيه عمد. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |