تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         8 وجبات صحية للعودة الى المدرسة , وجبات صحية للاطفال للمدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          Translation of the meanings of Surat AL FURQAAN (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تأملات قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          The obligatory parts and sunnahs of wudoo (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          10 نصائح للفتاة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ما هو علاج نزلات البرد او علاج البرد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أهم النصائح لتحافظ على صحة قلبك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كيفية علاج الجروح العميقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تطوير آلية لحماية الأطفال من الإصابة بالسكري مبكرًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أبسط الطرق لعمل الصابون السائل في المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 01-04-2022, 01:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (269)

سُورَةُ مَرْيَمَ
صـ 487 إلى صـ 494





وأفعل التفضيل صله أبدا تقديرا أو لفظا بمن إن جردا فإن قيل : أين مرجع الضمير في هذه الآية الكريمة في قوله : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا ؟ الآية [ 19 \ 73 ] ، فالجواب : أنه راجع إلى الكفار [ ص: 487 ] المذكورين في قوله : ويقول الإنسان أئذا ما مت الآية [ 19 \ 66 ] ، وقوله : ونذر الظالمين فيها جثيا ، قاله القرطبي ، والعلم عند الله تعالى .

قوله تعالى : قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا .

في معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء ، وكلاهما يشهد له قرآن :

الأول : أن الله جل وعلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول هذه الكلمات كدعاء المباهلة بينه وبين المشركين ، وإيضاح معناه : قل يا نبي الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المشركين الذين ادعوا أنهم خير منكم ، وأن الدليل على ذلك أنهم خير منكم مقاما وأحسن منكم نديا : من كان منا ومنكم في الضلالة - أي الكفر والضلال عن طريق الحق - فليمدد له الرحمن مدا ، أي : فأمهله الرحمن إمهالا فيما هو فيه حتى يستدرجه بالإمهال ويموت على ذلك ولا يرجع عنه ، بل يستمر على ذلك حتى يرى ما يوعده الله ، وهو : إما عذاب في الدنيا بأيدي المسلمين ، كقوله : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم [ 9 \ 14 ] ، أو بغير ذلك ، وإما عذاب الآخرة إن ماتوا وهم على ذلك الكفر ، وعلى ذلك التفسير فصيغة الطلب المدلول عليها باللام في قوله : فليمدد على بابها ، وعليه فهي لام الدعاء بالإمهال في الضلال على الضال من الفريقين ، حتى يرى ما يوعده من الشر وهو على أقبح حال من الكفر والضلال ، واقتصر على هذا التفسير ابن كثير وابن جرير ، وهو الظاهر من صيغة الطلب في قوله : فليمدد ، ونظير هذا المعنى في القرآن قوله تعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين [ 3 \ 61 ] ; لأنه على ذلك التفسير يكون في كلتا الآيتين دعاء بالشر على الضال من الطائفتين ، وكذلك قوله تعالى في اليهود : فتمنوا الموت إن كنتم صادقين [ 2 \ 94 ] ، في " البقرة والجمعة " عند من يقول : إن المراد بالتمني الدعاء بالموت على الكاذبين من الطائفتين ، وهو اختيار ابن كثير ، وظاهر الآية لا يساعد عليه .

الوجه الثاني أن صيغة الطلب في قوله : فليمدد ، يراد بها الإخبار عن سنة الله في الضالين ، وعليه فالمعنى : أن الله أجرى العادة بأنه يمهل الضال ويملي له فيستدرجه [ ص: 488 ] بذلك حتى يرى ما يوعده ، وهو في غفلة وكفر وضلال .

وتشهد لهذا الوجه آيات كثيرة ، كقوله : ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما الآية [ 3 \ 178 ] ، وقوله : فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة الآية [ 6 \ 44 ] ، كما قدمنا قريبا بعض الآيات الدالة عليه .

ومما يؤيد هذا الوجه ما أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن حبيب بن أبي ثابت قال : في حرف أبي : " قل من كان في الضلالة فإنه يزيده الله ضلالة " اهـ . قاله صاحب الدر المنثور ، ومثل هذا من جنس التفسير لا من جنس القراءة ، فإن قيل على هذا الوجه : ما النكتة في إطلاق صيغة الطلب في معنى الخبر ؟ فالجواب : أن الزمخشري أجاب في كشافه عن ذلك ، قال في تفسير قوله تعالى : فليمدد له الرحمن مدا ، أي : مد له الرحمن ، يعني أمهله وأملى له في العمر ، فأخرج على لفظ الأمر إيذانا بوجوب ذلك ، وأنه مفعول لا محالة ، كالمأمور به الممتثل لتنقطع معاذير الضال ، ويقال له يوم القيامة : أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر [ 35 \ 37 ] . انتهى محل الغرض منه ، وأظهر الأقوال عندي في قوله : حتى إذا رأوا ما يوعدون ، أنه متعلق بما قبله وما يليه ، والمعنى : فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأى ما يوعد علم أن الأمر على خلاف ما كان يظن .

وقال الزمخشري : إن حتى في هذه الآية هي التي تحكى بعدها الجمل ، واستدل على ذلك بمجيء الجملة الشرطية بعدها .

وقوله : ما يوعدون لفظة ما ، مفعول به لـ ما ، وقوله : إما العذاب وإما الساعة ، بدل من المفعول به الذي هو " ما " ولفظة من من قوله : فسيعلمون من هو ، قال بعض العلماء : هي موصولة في محل نصب على المفعول به لـ " يعلمون " وعليه فعلم هنا عرفانية تتعدى إلى مفعول واحد ، وقال بعض أهل العلم : من استفهامية والفعل القلبي الذي هو يعلمون معلق بالاستفهام ، وهذا أظهر عندي .

وقوله : شر مكانا وأضعف جندا ، في مقابلة قولهم : خير مقاما وأحسن نديا ; لأن مقامهم هو مكانهم ومسكنهم ، والندي : المجلس الجامع لوجوه قومهم وأعوانهم وأنصارهم ، والجند هم الأنصار والأعوان ، فالمقابلة المذكورة ظاهرة ، وقد دلت آية من كتاب الله على إطلاق شر مكانا ، والمراد اتصاف الشخص بالشر [ ص: 489 ] لا المكان ، وهو قوله تعالى : قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا [ 12 \ 72 ] ، فتفضيل المكان في الشر هاهنا الظاهر أن المراد به تفضيله إخوته في الشر على نفسه فيما نسبوا إليه من شر السرقة لا نفس المكان ، اللهم إلا أن يراد بذلك المكان المعنوي ، أي : أنتم شر منزلة عند الله تعالى .

وقوله في هذه الآيات المذكورة مقاما ، و نديا ، و أثاثا ، و مكانا ، و جندا ، كل واحد منها تمييز محول عن الفاعل ، كما أشار له في الخلاصة بقوله :

والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلا كـ " أنت أعلى منزلا "

قوله تعالى : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا .

قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى [ 19 \ 76 ] ، دليل على رجحان القول الثاني في الآية المتقدمة ، وأن المعنى : أن من كان في الضلالة زاده الله ضلالة ، ومن اهتدى زاده الله هدى ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة ، كقوله في الضلال : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] ، وقوله : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، وقوله : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم [ 63 \ 3 ] ، وقوله تعالى : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة الآية [ 6 \ 110 ] ، كما قدمنا كثيرا من الآيات الدالة على هذا المعنى .

وقال في الهدى : والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم [ 47 \ 17 ] ، وقال : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم [ 48 \ 4 ] ، وقال : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا الآية [ 29 \ 69 ] ، وقد جمع بينهما في آيات أخر ، كقوله : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا [ 17 \ 82 ] ، وقوله تعالى : قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى الآية [ 41 \ 44 ] ، وقوله تعالى : وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون [ 9 \ 124 - 125 ] ، كما تقدم إيضاحه .

وقوله : والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا [ 19 \ 76 ] ، تقدم [ ص: 490 ] إيضاحه في سورة " الكهف " .

فإن قيل : ظاهر الآية أن لفظة خير في قوله : خير عند ربك ثوابا وخير مردا ، صيغة تفضيل ، والظاهر أن المفضل عليه هو جزاء الكافرين ، ويدل لذلك ما قاله صاحب الدر المنثور ، قال : وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : خير عند ربك ثوابا ، يعني : خير جزاء من جزاء المشركين ، وخير مردا ، يعني مرجعا من مرجعهم إلى النار ، والمعروف في العربية أن صيغة التفضيل تقتضي مشاركة المفضل عليه ، والخيرية منفية بتاتا عن جزاء المشركين وعن مردهم ، فلم يشاركوا في ذلك المسلمين حتى يفضلوا عليهم .

فالجواب : أن الزمخشري في كشافه حاول الجواب عن هذا السؤال بما حاصله : أنه كأنه قيل ثوابهم النار ، والجنة خير منها على طريقة قول بشر بن أبي حازم :


غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار ، فأعتبوا بالصيلم
فقوله : " أعتبوا بالصيلم " يعني أرضوا بالسيف ، أي : لا رضا لهم عندنا إلا السيف لقتلهم به .

ونظيره قول عمرو بن معدي كرب :


وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
أي لا تحية بينهم إلا الضرب الوجيع

وقول الآخر :


شجعاء جرتها الذميل تلوكه أصلا إذا راح المطي غراثا
يعني : أن هذه الناقة لا جرة لها تخرجها من كرشها فتمضغها إلا السير ، وعلى هذا المعنى فالمراد : لا ثواب لهم إلا النار ، وباعتبار جعلها ثوابا بهذا المعنى فضل عليها ثواب المؤمنين ، هذا هو حاصل جواب الزمخشري مع إيضاحنا له .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : ويظهر لي في الآية جواب آخر أقرب من هذا ، وهو أنا قدمنا أن القرآن والسنة الصحيحة دلا على أن الكافر مجازى بعمله الصالح في الدنيا ، فإذا بر والديه ونفس عن المكروب ، وقرى الضيف ، ووصل الرحم مثلا يبتغي بذلك وجه الله فإن الله يثيبه في الدنيا ، كما قدمنا دلالة الآيات عليه ، وحديث أنس عند مسلم ، فثوابه هذا الراجع إليه من عمله في الدنيا ، هو الذي فضل الله عليه في الآية ثواب المؤمنين ، وهذا واضح لا إشكال فيه ، والعلم عند الله تعالى .

[ ص: 491 ] قوله تعالى : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ، أخرج الشيخان وغيرهما من غير وجه عن خباب بن الأرت رضي الله عنه ، قال : " جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقا لي عنده ، فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقلت : لا ، حتى تموت ثم تبعث ، قال : وإني لميت ثم مبعوث ؟ قلت : نعم ، قال : إن لي هناك مالا فأقضيك ، فنزلت هذه الآية : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا " ، وقال بعض أهل العلم : إن مراده بقوله : لأوتين مالا وولدا الاستهزاء بالدين وبخباب بن الأرت رضي الله عنه ، والظاهر أنه زعم أنه يؤتى مالا وولدا قياسا منه للآخرة على الدنيا ، كما بينا الآيات الدالة على ذلك ، كقوله : ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى [ 41 \ 50 ] ، وقوله : أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات الآية [ 23 \ 55 - 56 ] ، وقوله : وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين [ 34 \ 35 ] ، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه ، وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائي : " وولدا " بضم الواو الثانية وسكون اللام ، وقرأه الباقون بفتح الواو واللام معا ، وهما لغتان معناهما واحد كالعرب والعرب ، والعدم والعدم ، ومن إطلاق العرب الولد بضم الواو وسكون اللام كقراءة حمزة والكسائي قول الحارث بن حلزة :


ولقد رأيت معاشرا قد ثمروا مالا وولدا
وقول رؤبة :


الحمد لله العزيز فردا لم يتخذ من ولد شيء ولدا
وزعم بعض علماء العربية : أن الولد بفتح الواو واللام مفرد ، وأن الولد بضم الواو وسكون اللام جمع له ، كأسد بالفتح يجمع على أسد بضم فسكون ، والظاهر عدم صحة هذا ، ومما يدل على أن " الولد " بالضم ليس بجمع قول الشاعر :


فليت فلانا كان في بطن أمه وليت فلانا كان ولد حمار
لأن " الولد " في هذا البيت بضم الواو وسكون اللام ، وهو مفرد قطعا كما ترى .

قوله تعالى : أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا .

اعلم أن الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة رد على العاص بن وائل السهمي [ ص: 492 ] قوله : إنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا ، بالدليل المعروف عند الجدليين بالتقسيم والترديد ، وعند الأصوليين بالسبر والتقسيم ، وعند المنطقيين بالشرطي المنفصل .

وضابط هذا الدليل العظيم أنه متركب من أصلين : أحدهما حصر أوصاف المحل بطريق من طرق الحصر ، وهو المعبر عنه بالتقسيم عند الأصوليين والجدليين ، وبالشرطي المنفصل عند المنطقيين .

والثاني : هو اختيار تلك الأوصاف المحصورة ، وإبطال ما هو باطل منها وإبقاء ما هو صحيح منها كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى ، وهذا الأخير هو المعبر عنه عند الأصوليين " بالسبر " ، وعند الجدليين " بالترديد " ، وعند المنطقيين ، بالاستثناء في الشرطي المنفصل ، والتقسيم الصحيح في هذه الآية الكريمة يحصر أوصاف المحل في ثلاثة ، والسبر الصحيح يبطل اثنين منها ويصحح الثالث ، وبذلك يتم إلقام العاص بن وائل الحجر في دعواه أنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا .

أما وجه حصر أوصاف المحل في ثلاثة فهو أنا نقول : قولك أنك تؤتى مالا وولدا يوم القيامة لا يخلو مستندك فيه من واحد من ثلاثة أشياء :

الأول : أن تكون اطلعت على الغيب ، وعلمت أن إيتاءك المال والولد يوم القيامة مما كتبه الله في اللوح المحفوظ .

والثاني : أن يكون الله أعطاك عهدا بذلك ، فإنه إن أعطاك عهدا لن يخلفه .

الثالث : أن تكون قلت ذلك افتراء على الله من غير عهد ولا اطلاع غيب .

وقد ذكر تعالى القسمين الأولين في قوله : أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا [ 19 \ 78 ] ، مبطلا لهما بأداة الإنكار ، ولا شك أن كلا هذين القسمين باطل ; لأن العاص المذكور لم يطلع الغيب ، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا ، فتعين القسم الثالث وهو أنه قال ذلك افتراء على الله ، وقد أشار تعالى إلى هذا القسم الذي هو الواقع بحرف الزجر والردع وهو قوله : كلا ، أي : لأنه يلزمه ليس الأمر كذلك ، لم يطلع الغيب ، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا ، بل قال ذلك افتراء على الله ; لأنه لو كان أحدهما حاصلا لم يستوجب الردع عن مقالته كما ترى ، وهذا الدليل الذي أبطل به دعوى ابن وائل هذه هو الذي أبطل به بعينه دعوى اليهود أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة في سورة " البقرة " ، وصرح في ذلك بالقسم الذي هو الحق ، وهو أنهم قالوا ذلك كذبا من غير علم .

[ ص: 493 ] وحذف في " البقرة " قسم اطلاع الغيب المذكور في " مريم " لدلالة ذكره في " مريم " على قصده في " البقرة " كما أن كذبهم الذي صرح به في " البقرة " لم يصرح به في " مريم " لأن ما في " البقرة " يبين ما في " مريم " لأن القرآن العظيم يبين بعضه بعضا ، وذلك في قوله تعالى : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون [ 2 \ 80 ] ، فالأوصاف هنا هي الأوصاف الثلاثة المذكورة في " مريم " كما أوضحنا ، وما حذف منها يدل عليه ذكره في " مريم " فاتخاذ العهد ذكره في " البقرة ومريم " معا والكذب في ذلك على الله صرح به في " البقرة " بقوله : أم تقولون على الله ما لا تعلمون [ 2 \ 80 ] ، وأشار له في " مريم " بحرف الزجر الذي هو كلا ، واطلاع الغيب صرح به في " مريم " وحذفه في " البقرة " لدلالة ما في " مريم " على المقصود في " البقرة " كما أوضحنا .
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة .

المسألة الأولى

اعلم أن هذا الدليل الذي هو السبر والتقسيم تكرر وروده في القرآن العظيم ، وقد ذكرنا الآن مثالين لذلك أحدهما في " البقرة " والثاني في " مريم " كما أوضحناه آنفا ، وذكر السيوطي في الإتقان في كلامه على جدل القرآن مثالا واحدا للسبر والتقسيم ، ومضمون المثال الذي ذكره باختصار ، هو ما تضمنه قوله تعالى : ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين الآيتين [ 6 \ 143 ] ، فكأن الله يقول للذين حرموا بعض الإناث كالبحائر والسوائب دون بعضها ، وحرموا بعض الذكور كالحامي دون بعضها : لا يخلو تحريمكم لبعض ما ذكر دون بعضه من أن يكون معللا بعلة معقولة أو تعبديا ، وعلى أنه معلل بعلة فإما أن تكون العلة في المحرم من الإناث الأنوثة ، ومن الذكور الذكورة ، أو تكون العلة فيهما معا التخلق في الرحم ، واشتمالها عليهما ، هذه هي الأقسام التي يمكن ادعاء إناطة الحكم بها ، ثم بعد حصر الأوصاف بهذا التقسيم نرجع إلى سبر الأقسام المذكورة ، أي : اختبارها ليتميز الصحيح من الباطل فنجدها كلها باطلة بالسبر الصحيح ; لأن كون العلة الذكورة يقتضي تحريم كل ذكر وأنتم تحلون بعض الذكور ، فدل ذلك على بطلان التعليل بالذكورة لقادح النقض الذي هو عدم الاطراد ، وكون العلة الأنوثة يقتضي تحريم كل أنثى كما ذكرنا فيما قبله ، وكون العلة اشتمال الرحم عليهما يقتضي تحريم [ ص: 494 ] الجميع ، وإلى هذا الإبطال أشار تعالى بقوله : قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين [ 6 \ 144 ] ، أي : فلو كانت العلة الذكورة لحرم كل ذكر ، ولو كانت الأنوثة لحرمت كل أنثى ، ولو كانت اشتمال الرحم عليهما لحرم الجميع ، وكون ذلك تعبديا يقتضي أن الله وصاكم به بلا واسطة ، إذ لم يأتكم منه رسول بذلك ، فدل ذلك على أنه باطل أيضا ، وأشار تعالى إلى بطلانه بقوله : أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا [ 6 \ 144 ] ، ثم بين أن ذلك التحريم بغير دليل من أشنع الظلم ، وأنه كذب مفترى وإضلال ، بقوله : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ 6 \ 144 ] ، ثم أكد عدم التحريم في ذلك بقوله : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به [ 6 \ 145 ] .

والحاصل أن إبطال جميع الأوصاف المذكورة دليل على بطلان الحكم المذكور كما أوضحنا ، ومن أمثلة السبر والتقسيم في القرآن قوله تعالى : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون [ 52 \ 35 ] ، فكأنه تعالى يقول : لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالات بالتقسيم الصحيح ، الأولى : أن يكونوا خلقوا من غير شيء أي : بدون خالق أصلا ، الثانية : أن يكونوا خلقوا أنفسهم ، الثالثة : أن يكون خلقهم خالق غير أنفسهم ، ولا شك أن القسمين الأولين باطلان ، وبطلانهما ضروري كما ترى ، فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لوضوحه ، والثالث هو الحق الذي لا شك فيه ، أنه هو جل وعلا خالقهم المستحق منهم أن يعبدوه وحده جل وعلا .

واعلم أن المنطقيين والأصوليين والجدليين كل منهم يستعملون هذا الدليل في غرض ليس هو غرض الآخر من استعماله ، إلا أن استعماله عند الجدليين أعم من استعماله عند المنطقيين والأصوليين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,678.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,676.83 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.10%)]