
17-12-2021, 12:55 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,584
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (11)
صــ49 إلى صــ 54
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا يَعْنِي: شُرَكَاءَ ، أَمْثَالًا . يُقَالُ: هَذَا نِدُّ هَذَا ، وَنِدِيدُهُ . وَفِيمَا أُرِيدَ بِالْأَنْدَادِ هَاهُنَا قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: الْأَصْنَامُ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ ، . وَالثَّانِي: رِجَالٌ كَانُوا يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهُمَا: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاءَ ، وَأَنْزَلَ الْمَاءَ ، وَفَعَلَ مَا شَرَحَهُ فِي هَذِهِ الْآَيَاتِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ .
الثَّانِي: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا ، وَهُوَ يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ .
وَالثَّالِثُ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا نِدَّ لَهُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .
وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْعِلْمُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْعَقْلِ ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ .
وَالْخَامِسُ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلٍ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ . ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ .
وَالسَّادِسُ: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا حِجَارَةٌ ، سَمِعْتُهُ مِنَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ الْخَشَّابِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ .
سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا بِهِ مُحَمَّدٌ لَا يُشْبِهُ الْوَحْيَ ، وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ . وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٍ . و"إِنَّ" هَاهُنَا لِغَيْرِ شَكٍّ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ مُرْتَابُونَ ، وَلَكِنَّ هَذَا عَادَةُ الْعَرَبِ ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِابْنِهِ: إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَأَطِعْنِي . وَقِيلَ: إِنَّهَا هَاهُنَا بِمَعْنَى إِذْ ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ الْبَقَرَةِ: 278 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ ، فَمَنْ هَمَزَهَا جَعَلَهَا مِنْ أَسْأَرَتْ ، يَعْنِي [أَفْضَلَتْ ] لِأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآَنِ ، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهَا جَعَلَهَا مِنْ سُورَةِ الْبِنَاءِ ، أَيْ: مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ . قَالَ النَّابِغَةُ فِي النُّعْمَانِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً تَرَى كُلَّ مَلِكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ
وَالسُّورَةُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: سُورَةُ الْمَجْدِ ، وَهِيَ مُسْتَعَارَةٌ مِنْ سُورَةِ الْبِنَاءِ . وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا سُمِّيَتِ السُّورَةُ سُورَةً لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ فِيهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ ، مِثْلُ سُورَةِ الْبِنَاءِ . مَعْنَى: أَعْطَاكَ سُورَةً ، أَيْ: مَنْزِلَةَ شَرَفٍ ارْتَفَعَتْ إِلَيْهَا عَنْ مَنَازِلِ الْمُلُوكِ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ سُورَةً لِشَرَفِهَا ، تَقُولُ الْعَرَبُ: لَهُ سُورَةٌ فِي الْمَجْدِ ، أَيْ: شَرَفٌ وَارْتِفَاعٌ ، أَوْ لِأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآَنِ مِنْ قَوْلِكَ: أَسَأَرْتُ سُؤْرًا ، أَيْ: أَبْقَيْتُ بَقِيَّةً ، وَفِي هَاءِ "مِثْلِهِ" قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَعُودُ عَلَى الْقُرْآَنِ الْمُنَزَّلِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَالْفَرَّاءُ ، وَمُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْعَبْدِ الْأُمِّيِّ ، ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ ، وَالزَّجَّاجُ ، وَابْنُ الْقَاسِمِ . فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: تَكُونُ "مِنْ" لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: تَكُونُ زَائِدَةً .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: اسْتَعِينُوا مِنَ الْمَعُونَةِ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ وَالْفَرَّاءُ . وَالثَّانِي: اسْتُغِيثُوا مِنَ الِاسْتِغَاثَةِ ، وَأَنْشَدُوا:
فَلَمَّا الْتَقَتْ فُرْسَانُنَا وَرِجَالُهُمْ دَعَوْا يَا لَ كَعْبٍ وَاعْتَزَيْنَا لِعَامِرِ
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ: [ ص: 51 ] وَفِي شُهَدَائِهِمْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ آَلِهَتُهُمْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَمُقَاتِلٌ ، وَالْفَرَّاءُ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَسُمُّوا شُهَدَاءَ ، لِأَنَّهُمْ يُشْهِدُونَهُمْ ، وَيُحْضِرُونَهُمْ . وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُمْ عَبَدُوهُمْ لِيَشْهَدُوا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ .
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَعْوَانُهُمْ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا .
وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَاهُ: فَأْتُوا بِنَاسٍ يَشْهَدُونَ أَنَّ مَا تَأْتُونَ بِهِ مِثْلَ الْقُرْآَنِ ، رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَيْ: فِي قَوْلِكُمْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فِي هَذِهِ الْآَيَةِ مُضْمَرٌ مُقَدَّرٌ ، يَقْتَضِي الْكَلَامُ تَقْدِيمَهُ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا تَحَدَّاهُمْ بِمَا فِي الْآَيَةِ الْمَاضِيَةِ مِنَ التَّحَدِّي ، فَسَكَتُوا عَنِ الْإِجَابَةِ; قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنْ تَفْعَلُوا أَعْظَمُ دَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ، وَلَمْ يَفْعَلُوا .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ .
وَالْوَقُودُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ: الْحَطَبُ ، وَبِضَمِّهَا: التَّوَقُّدُ ، كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ: الْمَاءُ ، وَبِالضَّمِّ: الْمَصْدَرُ ، وَهُوَ: اسْمُ حَرَكَاتِ الْمُتَوَضِّئِ . وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: وَقُودُهَا ، بِضَمِّ الْوَاوِ ، وَالِاخْتِيَارُ الْفَتْحُ . وَالنَّاسُ أَوْقَدُوا فِيهَا بِطَرِيقِ الْعَذَابِ ، وَالْحِجَارَةِ ، لِبَيَانِ قُوَّتِهَا وَشِدَّتِهَا ، إِذْ هِيَ مُحْرِقَةٌ لِلْحِجَارَةِ . وَفِي هَذِهِ الْحِجَارَةِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا أَصْنَامُهُمُ الَّتِي عَبَدُوهَا ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ . وَالثَّانِي: أَنَّهَا حِجَارَةُ الْكِبْرِيتِ ، وَهِيَ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ حَرًّا ، إِذَا أُحْمِيَتْ يُعَذَّبُونَ بِهَا . وَمَعْنَى "أُعِدَّتْ": هُيِّئَتْ . وَإِنَّمَا خَوْفُهُمْ بِالنَّارِ إِذَا لَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِ الْقُرْآَنِ ، لِأَنَّهُمْ إِذَا كَذَّبُوهُ ، وَعَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ، ثَبَتَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ، وَصَارَ الْخِلَافُ عِنَادًا ، وَجَزَاءُ الْمُعَانِدِينَ النَّارُ .
[ ص: 52 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا .
الْبِشَارَةُ: أَوَّلُ خَبَرٍ يَرِدُ عَلَى الْإِنْسَانِ ، وَسُمِّيَ بِشَارَةً ، لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي بَشْرَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا ، أَثَرُ الْمَسَرَّةِ وَالِانْبِسَاطِ ، وَإِنَّ شَرًّا ، أَثَرُ الْانْجِمَاعِ وَالْغَمِّ ، وَالْأَغْلَبُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ تَكُونَ الْبِشَارَةُ بِالْخَيْرِ ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [ النِّسَاءِ: 138 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .
يَشْمَلُ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَالَ: أَخْلِصُوا الْأَعْمَالَ .
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَقَامُوا الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ . فَأَمَّا الْجَنَّاتُ ، فَجَمْعُ جَنَّةٍ . وَسَمِّيَتِ الْجَنَّةُ جَنَّةً ، لِاسْتِتَارِ أَرْضِهَا بِأَشْجَارِهَا ، وَسُمِّيَ الْجِنُّ جِنًّا ، لِاسْتِتَارِهِمْ ، وَالْجَنِينُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالدِّرْعُ جَنَّةٌ ، وَجَنَّ اللَّيْلُ: إِذَا سَتَرَ ، وَذَكَرَ عَنِ الْمُفَضَّلِ أَنَّ الْجَنَّةَ: كُلُّ بُسْتَانٍ فِيهِ نَخْلٌ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ نَبْتٍ كَثَفَ وَكَثُرَ وَسَتَرَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَهُوَ جَنَّةٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أَيْ: مِنْ تَحْتِ شَجَرِهَا لَا مِنْ تَحْتِ أَرْضِهَا .
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: هَذَا الَّذِي طُعِمْنَا مِنْ قَبْلُ ، فَرِزْقُ الْغَدَاةِ كَرِزْقِ الْعَشِيِّ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ .
وَالثَّانِي: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ .
وَالثَّالِثُ: أَنَّ ثَمَرَ الْجَنَّةِ إِذَا جُنِيَ خَلَفَهُ مِثْلُهُ ، فَإِذَا رَأَوْا مَا خَلَفَ الْجَنَى ، اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ .
[ ص: 53 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا .
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ فِي الْمَنْظَرِ وَاللَّوْنِ ، مُخْتَلِفٌ فِي الطَّعْمِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَمُقَاتِلٌ .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ فِي جَوْدَتِهِ ، لَا رُدِئَ فِيهِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ ، وَابْنُ جُرَيْجٍ .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُشْبِهُ ثِمَارَ الدُّنْيَا فِي الْخِلْقَةِ وَالِاسْمِ ، غَيْرَ أَنَّهُ أَحْسَنُ فِي الْمَنْظَرِ وَالطَّعْمِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَابْنُ زَيْدٍ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا وَجْهُ الِامْتِنَانِ بِمُتَشَابِهِهِ ، وَكُلَّمَا تَنَوَّعَتِ الْمَطَاعِمُ وَاخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُا كَانَ أَحْسَنَ؟! فَالْجَوَابُ: أَنَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُتَشَابِهُ الْمَنْظَرِ مُخْتَلِفُ الطَّعْمِ ، كَانَ أَغْرَبَ عِنْدَ الْخُلُقِ وَأَحْسَنَ ، فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ تُفَّاحَةً فِيهَا طَعْمُ سَائِرِ الْفَاكِهَةِ ، كَانَ نِهَايَةً فِي الْعَجَبِ . وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُتَشَابِهٌ فِي الْجَوْدَةِ; جَازَ اخْتِلَافُهُ فِي الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ . وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ يُشْبِهُ صُورَةَ ثِمَارِ الدُّنْيَا مَعَ اخْتِلَافِ الْمَعَانِي; كَانَ أَطْرَفَ وَأَعْجَبَ وَكُلُّ هَذِهِ مَطَالِبٌ مُؤَثِّرَةٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ أَيْ: فِي الْخُلُقِ ، فَإِنَّهُنَّ لَا يَحِضْنَ وَلَا يَبُلْنَ ، وَلَا يَأْتِينَ الْخَلَاءَ . وَفِي الْخُلُقِ ، فَإِنَّهُنَّ لَا يَحْسُدْنَ ، وَيَغِرْنَ ، وَلَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَقِيَّةٌ عَنِ الْقَذَى وَالْأَذَى . قَالَ الزَّجَّاجُ: و"مُطَهَّرَةٌ" أَبْلَغُ مِنْ طَاهِرَةٍ ، لِأَنَّهُ لِلتَّكْثِيرِ . وَالْخُلُودُ: الْبَقَاءُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا انْقِطَاعَ لَهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا .
فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلَانِ .
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ الْحَجُّ 73 وَنَزَلَ قَوْلُهُ: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ [ ص: 54 ] اتَّخَذَتْ بَيْتًا [ الْعَنْكَبُوتُ: 41 ] . قَالَتِ الْيَهُودَ: وَمَا هَذَا مِنَ الْأَمْثَالِ؟! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحُسْنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَمُقَاتِلٌ ، وَالْفَرَّاءُ .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ، وَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [ الْبَقَرَةِ: 17 ] وَقَوْلُهُ: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [ الْبَقَرَةِ: 19 ] قَالَ الْمُنَافِقُونَ: اللَّهُ أَجْلُّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يَضْرِبَ هَذِهِ الْأَمْثَالَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ . وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ ، وَمُجَاهِدٍ نَحْوُهُ .
وَالْحَيَاءُ بِالْمَدِّ: الِانْقِبَاضُ وَالِاحْتِشَامُ ، غَيْرَ أَنَّ صِفَاتِ الْحَقِّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَطَّلِعُ لَهَا عَلَى مَاهِيَةٍ ، وَإِنَّمَا تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ" وَقِيلَ: مَعْنَى لَا يَسْتَحْيِي: لَا يَتْرُكُ . وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ اللُّغَوِيِّينَ أَنَّ مَعْنَى لَا يَسْتَحْيِي: لَا يَخْشَى . وَمَثَلُهُ: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [ الْأَحْزَابِ: 37 ] أَيْ: تَسْتَحْيِي مِنْهُ . فَالِاسْتِحْيَاءُ وَالْخَشْيَةُ يَنُوبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآَخَرِ . وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: لَا يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ لُغَةٌ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ يَذْكُرَ شَبَهًا ، وَاعْلَمْ أَنَّ فَائِدَةَ الْمَثَلِ أَنْ يَبِينَ لِلْمَضْرُوبِ لَهُ الْأَمْرُ الَّذِي ضَرَبَ لِأَجَلِهِ ، فَيَنْجَلِي غَامِضُهُ .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|