سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ... - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 48917 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 191 - عددالزوار : 61453 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 76 - عددالزوار : 42801 )           »          الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن الظلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          تجديد الحياة مع تجدد الأعوام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          المرأة بين حضارتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          رجل يداين ويسامح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          سلسلة شرح الأربعين النووية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 5279 )           »          أهمية العمل التطوعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 13-12-2021, 04:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,544
الدولة : Egypt
افتراضي سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ...

سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ...
أ. د. فؤاد محمد موسى




﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]،



﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]



﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]





إن الإنسان ليتعجب، إن ما يسود في الأرض في هذا الأوان من فساد وظلم وفحشاء لا يتصوره عقل، وكلما زادت البشرية في تقدمها الحضاري، زاد معها هذا الفجور والخروج عن طاعة الله، فلو نظرتَ فقط إلى وسائل الإعلام وما به من جنون بعرْضِ كل الفواحش والتفنن في إغراق البشرية في وحل الجنس، والتسلل إلى كل إنسان وكل بيت وكل وقت، بوسائلَ شيطانية لتُغرِق العالم في الفواحش.



هنا يدور في العقل لِمَ لا يصب الله على البشرية جام غضبه ويبيدها على الفور؛ فإن الله قادر على كل شيء؟

ولكن ما نراه في واقع الحياة أن الله يُمهِل البشرية، ويرسل بعض الآيات لتذكير الناس بأن هناك ربًّا يُدير هذا الكون بقدرته، وفي نفس الوقت برحمته، فقد رأينا ما أصاب البشرية كل فترة بنوع معين من الآيات، ولنأخذ نوعًا واحدًا من هذه الآيات في الفترة الأخيرة؛ إنه الفيروسات: فيروس (ساس)، (إنفلونزا الطيور)، (إنفلونزا الخنازير)، (الإيبولا)، (زيكا)، وأخيرًا (كورونا).



ما العلة في ذلك؟ انظر في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]، وقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ [الأعراف: 94]، وكأن الله يرسل هذه الكوارث على البشرية رحمة بهم؛ لعلهم يعودوا إلى ربهم ويتضرعوا إليه.



فلم يُبِدِ الله البشرية على ما تقترفه من هذا الفجور.



ولكنك - أيها المسلم - عليك أنت أن تعلم أن ما يجب عليك عمله في هذه المعمعة أن تجتهد في سعيك لطاعة الله، وأن تتقي الله ما استطعت إليه سبيلًا؛ ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]، فالله لا يكلفك فوق طاقتك، وفي هذا القيد: ﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ يتجلى لطف الله بعباده، وعلمه بمدى طاقتهم في تقواه وطاعته.



عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتُكم به فأتُوا منه ما استطعتُم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافُهم على أنبيائهم))؛ [رواه البخاري ومسلم].



أيها المسلم، إن ربك بك رحيم ورحمته واسعة، رغم ما نشعر به هذه الأيام من ضيق يدٍ، وقلة الحيلة والوسيلة، وزهوِ الباطل وأهله الذين يظنون أنهم قادرون على فعل كل شيء في الأرض: ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ [يونس: 24]، رغم ذلك فإن ربك يقول: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].



فالإسلام يعترف بالإنسان إنسانًا ويفرض عليه من التكاليف ما يُطيق، ويراعي التنسيق بين التكليف والطاقة بلا مشقة ولا عناء لا يتحمله: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286].



فيا أيها المسلم، لا يضيقنَّ صدرك، ولا تستثقل ما أنت فيه، واطمئن إلى رحمة ربك وعدله في هذا الكون، ولا تتبرَّم من قدر الله وكونه يضعك في هذه الحياة التي تموج بهذا الموج من المشكلات، فأنت قادر على أن تسير فيها وإلا ما وضعك الله فيها، ولو لم تكن في طاقتك، ما فرضها عليك.



وما عليك إلا أن ترتقيَ في سعيك لتقوى الله حتى تلقى الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، أيها المسلم، دقِّق في الآية: لم يحدد الله في الآية درجة اليقين التي يجب أن تصل إليها أنت، بل تركها غير محددة رحمة بك لتجتهد أنت للوصول إلى ما تصبو إليه.



فاليقين - أيها المسلم – درجات، كلما تطور المسلم في عباداته وعلمه، انتقل إلى درجةٍ أفضل في اليقين، ومن هذه الدرجات:

علم اليقين: هو العلم والمعرفة بالشيء دون شكٍّ.

عين اليقين: هو مرحلة متطورة عن علم اليقين، وفيها يكون تشكل اليقين نتيجة المشاهدة والاكتشاف.

حق اليقين: هو أتم اليقين، وفيه نتج اليقين من المخالطة والتمييز.



إن تدرُّجَ المسلم في مراتب اليقين قد يحتاج إلى مدى عمر الإنسان، فانظر كيف سعى إبراهيم عليه السلام للسمو بدرجات يقينه؛ فسأل ربه: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260]، هنا وصل إبراهيم عليه السلام إلى مرتبة عين اليقين، ثم ارتقى يقينه إلى حق اليقين عندما نجاه ربه من النار: ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 68، 69].





إن تدرُّجَ المسلم في درجات اليقين لا يكون إلا بجهاد النفس وأشواقها، والحياة وأشواكها؛ مما يستلزم معه الصبر: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142].



وهكذا يكون تصور المسلم رحمة ربه وعدله في التكاليف التي يفرضها الله عليه، وفي ابتلائه في خلافته للأرض، وفي جزاء ربه على عمله في نهاية المطاف.



فمن شأن هذا الاعتقاد واليقين فيه أن يستجيش عزيمة المسلم للنهوض بتكاليفه، فإذا ضعف مرة أو تعب مرة أو ثقل العبء عليه، أدرك أنه الضعف واستجاش عزيمته، ونفض الضعف عن نفسه، وهمَّ همة جديدة للوفاء لاستنهاض الهمة، كلما ضعفت على طول الطريق!




وعلى كل مسلم أن يدرب نفسه على علو الهمة وعدم اليأس، فيخوض معركته في هذه الأمواج، واثقًا من ربه ومن نهاية الطريق، في جنات النعيم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.



ربُّوا أولادكم على هذه الهمة، وهذه الغاية.

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.90 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]