الوعي النقدي وحدود التجديد في شعر علي أحمد باكثير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 75 - عددالزوار : 67097 )           »          برّ الوالدين بعد الوفاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حُكم التائب من التهاون في الصلاة والصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيفية التغلب على الغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لا يلزم مِن الزهد ترك البيع والشراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          النهي عن الفُحش في القول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          زكاة أموال القُصّر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم أخذ العمولة دون علم المتعاقد معه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          زكاة الأسهم الخاسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من مكتبة التراث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 282 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-08-2021, 01:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,797
الدولة : Egypt
افتراضي الوعي النقدي وحدود التجديد في شعر علي أحمد باكثير

الوعي النقدي وحدود التجديد في شعر علي أحمد باكثير
د. عبدالمطلب جبر





لا تُذكَر قضيَّة التجديد والرِّيادة في الشعر العربي الحديث المعاصر إلا ويكون علي أحمد باكثير (1910-1969م) أحدَ الشُّعَراء الذين أسهَمُوا في هذا المسار؛ فهو عند طائفةٍ من الدارسين يُمثِّل الرِّيادة الفنيَّة، وعند آخَرين الرِّيادة التاريخيَّة، وبقدر ما يتداخَل هذان الخطَّان تتأرجَحُ مكانة باكثير في خطِّ تطوُّر التجديد في الشعر العربي، وعلى كثْرة الدراسات التي أُفرِدت للشاعر أو تناوَلَتْه في إطار تطوُّر الشعر العربي الحديث، فإنَّ هذه الدراسة تتَّجه إلى رصْد مَسار الوعي التجديدي وحُدود الإنجاز الشعري ومَدَى عكسه لهذا الوعي، وتتَّخذ الدراسة من الميراث الشعري الذي ترَكَه الشاعر وكِتاباته مصدرًا أساسًا دون أنْ تغفل الالتفات إلى كثيرٍ من الدراسات الجادَّة، وبين هذه وتلك نضَعُ رأيًا دون شَطَطٍ أو إجحاف، فقد عاش الرجل طول حياته مُتطلِّعًا إلى القِيَم العُليا، ولا أشكُّ أنَّ الحقيقة والإنصاف كانا جزءًا من هذه القِيَم والمُثُل، فهل نستطيع الإنصاف بأنْ نضع الشاعر في الموقع الذي يستحقُّه في إطار حركة التجديد في الشعر العربي الحديث؟ لن يتمَّ ذلك إلا من خِلال نظرةٍ فاحصةٍ إلى مِيراثه الشعري وناقدةٍ له، ومدى ما يشفُّ عنه من وعي نقدي تجديدي؛ "حتى لا يتحوَّل باكثير إلى مجرد ذكرى أدبيَّة أو سيرة ذاتيَّة، بل لا بُدَّ من أنْ نُصيِّره مدرسة فكريَّة نبني عليها صرحًا جديدًا"، فما حُدود التجديد في نِتاج باكثير الشعري؟[1]

إنَّ أهمَّ نصٍّ نقدي ترَكَه باكثير بين يدينا هو كتابه "فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية"، الصادر أوَّل مرَّة عام 1958م، والكتاب مزيجٌ من السيرة الأدبية والآراء النقدية، خاصَّة ما يتعلَّق بالفن المسرحي كما يشير العنوان، وتكشف الصفحات الأولى من الكتاب عن طُمُوح الشاعر وحُلمِه في أنْ يُصبِح شاعرًا كبيرًا؛ لهذا لم يدعْ ديوانًا لشاعرٍ من الأقدمين والمحدَثين وقَع في يدَيْه إلا قرَأَه، ويشير بإعجابٍ إلى شاعرين: المتنبي وشوقي[2].

ويكشف نتاجه المبكِّر كما ظهر في ديوان "أزهار الربى في شعر الصبا"[3] الذي حقَّقه د. محمد أبو بكر حميد، وصدر بعد وفاته بما يقرب من عقدين عن استيعابٍ مذهل للشعر العربي القديم وشعر الإحياء، كما ينضَح عن ثقافةٍ أدبيَّة ربما تجاوَزت عمره آنذاك، وبالرغم من أنَّ الشاعر لم يخرج عن إطار الإدراك الوجداني وحُدود الرؤية الفنيَّة التي يعكسها الشعر العربي القديم، إلا أنَّنا نلحَظُ مقدرةً في سَيْطرته على اللغة ومُزاوجة بين المعجم التراثي ولغة العصر، وربما كان لافتًا لِمَن يقرأ الديوان غيابُ باب المديح من أبواب الشعر التي نظَم فيها، وقد كان حلمًا لبعض شعراء الإحياء ألاَّ يطرقوا هذا الباب بعد أنْ تراكمت عصورٌ ارتبط فيها المديح بالتكسُّب والمنفعة، نلحَظُ ذلك في مقدمة شوقي لديوانه، والانحِسار اللافت للنظَر لشعر المديح في دِيوان البارودي، وربما تسَلَّل شيءٌ من ذلك إلى روح باكثير، وفي قصيدةٍ تقدم مفهومًا لوظيفة الشعر يقول باكثير[4]:
وَأَعِنِّي عَلَى الْمَدِيحِ فَطَرْفِي
فِي الأَمَادِيحِ ظَالِعٌ مُتَوَانِي

لَيْسَ مَيْدَانِيَ الْمَدِيحُ وَلَكِنْ
وَصْفُ مَا بِي مِنَ الْهَوَى مَيْدَانِي



وربما عبَّر هذان البيتان عن رغبةٍ مُبكِّرة في الخروج من إسار الاجترار للمعاني التي تواتَرتْ في ديوان الشعر العربي القديم، ورغبة في الإفصاح عن الوجدان الخاص، وهو ما أدَّى به لاحِقًا إلى مَشارِف المنزع الرومانسي.

وإذا تجاوَزْنا قصيدته (لمن طلل)[5] التي تقتَفِي خُطَى الشاعر البدوي في الصحراء نستطيع القول باطمئنان: إنَّ شيئًا من رذاذ العصر يتناثَرُ على كثيرٍ من قصائد الديوان، وأقصَى ما يكون ذلك في الاقتراب من لغة الشعر الإحيائي المجدد كما يُمثِّله شعرُ حافظ وشوقي، وقد كان الاثنان أثيرَيْن لديه حيث قال[6]:
يَا لَيْتَ مِصْرَ تُوَافِينِي وَتُسْلِفُنِي
بَيَانَ (حَافِظِهَا) فِي شِعْرِ (شَوْقِيهَا)



أمَّا صحيفة "التهذيب"[7] التي أصدَرَها باكثير مع آخَرين في حدود عام 1931، فتُصوِّر المنزع التجديدي المستنير في الفكر والأدب لدى الطليعة من جيله، وقد جاء في مقدمة العدد الأول أنَّ الصحيفة تصدر (عن منهج تنويري)[8]، وتُبيِّن لنا بعضُ أعداد الصحيفة أنَّ القِراءات الشعريَّة كانت مصحوبةً بقراءات في التراث النقدي العربي، وربما كان عرضه لكتاب (الآمدي) في عددين متواليين[9] دليلاً يكشف لنا صورةً للوعي الذي تشكَّل في مراحل النشأة الأولى، خاصَّة أنَّ الكتاب يُوازِن بين شاعرين يختصران النظريَّة النقديَّة الأولى لعِيار الشعر عند العرب: العمود والخروج عليه.

تلك هي حُدود الوعي الشعري والنقدي كما بيَّنَتْها المصادر المشار إليها، ثم يأتي المنعطَف الأول في حياة الشاعر الأدبيَّة والفكريَّة إثْر رحيله عن حضرموت عام 1932م في هِجرته الطويلة إلى مصر مُرورًا ببعض المدن والأقطار، فأقام في الحجاز مدَّة عامين (1932-1934م)، قبل أنْ يستقرَّ في مصر بعد ذلك، وفي الحجاز قرَأ مسرحيَّات شوقي ولم يكن له قبل ذلك اطِّلاع على هذا اللون من الشعر، لقد هزَّتْه هذه المسرحيَّات من الأعماق كما يقول، وتحت هذا التأثير كتَب باكثير مسرحيَّته الشعريَّة الأولى "همام... أو في عاصمة الأحقاف"[10]، وبقدْر ما في هذه التجربة من دلالةٍ على الرغبة في الخروج من سَطوة الصوت الواحد، فإنها تدلُّ من جانبٍ آخر على انهيار قَداسة الشكل البيتي المغلَق ذي البناء التراكُمي والبُعد الغنائي الطاغي، وستتَّخِذ هذه التجربة بُعدًا آخَر في مسرحيَّاته وقصائده في زمنٍ لاحق، لقد تحدَّث باكثير عن تجربته الأولى هذه ووصَفَها بأنها لا تعدو أنْ تكون (قصائد ومقطوعات)[11]، وهو الرأي النقدي الذي خلص إليه الدارسون وهم يتناوَلون بالنقد مسرحيَّات شوقي الشعريَّة، حيث رأوا أنَّ شوقي عالَج الدراما بأدوات الشعر الغِنائي ووسائله، ولا يُخطِئ ذهن الدارس تلك المشابهة في الشخوص والأجواء والحوار في هذه المسرحيَّة وما يجدُه في مسرحيَّة "مجنون ليلى"؛ لشوقي، وكان باكثير قد أستَلهَم فَضاءَ البادية وشَواخصها في مسرحيَّته تلك[12].

لقد جاء حُكم باكثير وتقويمه لمسرحيَّته تلك في سنوات التدرُّج في التطوُّر الأدبي والنقدي بعد أنِ التحَقَ بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًّا)، حيث اتَّجه في دِراسته إلى الأدب الإنجليزي، ولم يكن له هذا الوعي الأدبي في الحجاز بعد فَراغه من كتاباتها، ومن نِتاج مرحلة الحجاز غير هذه المسرحيَّة، مجموعةٌ من القصائد أطلَقَ عليها باكثير عنوان (الحجازيات)[13] في إشارةٍ إلى مكان كتابتها لا موضوعاتها، وهذه القصائد تسجيلٌ لكثيرٍ من الأحداث الوطنية والقومية والإسلامية تُفصِح عن مواقف الشاعر تجاه هذه الأحداث، وبعض هذه القصائد من نوع المراسلات الشعريَّة مع أدباء الحجاز، وقد جمَع وحقَّق د. محمد أبو بكر حميد هذا الديوان وأظنُّه تحت الطبع[14]، ولم يطرأ أيُّ تحوُّل جوهري في كتابة القصيدة خِلال إقامته في الحجاز، ويمكن أن نعدَّ قصيدته (نظام البردة أو ذكرى محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم) التي كتبها سنة (1933م) أقصى ما وصَلتْ إليه القصيدة البيتية في شعره إحكامًا وبناء، وهي تُفصِح عن مَزيجٍ من الشجن والسموِّ الروحي الرفيع... وهذه المطوَّلة تُجسِّد في نسيجها ثقافةً باكثير الشعريَّة ومثاله الفني وقراءاته الشعرية ومخزون ذاكرته من الموروث، وهي بعد ذلك معارضة لبردة البوصيري واستهلالها[15]:
يَا نَجْمَةَ الأَمَلِ المَغْشِيِّ بِالأَلَمِ
كُونِي دَلِيلِيَ فِي مُحْلَوْلِكِ الظُّلَمِ

فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي القَرِّ حَالِكَةٍ
صَخَا بِهِ بِصَدَى الأَرْوَاحِ فِي الدِّيَمِ



وهذه الْمُطوَّلة يُمكِن النظَر إليها من زاوية النُّضج الفني، حيث استَوعَب الشاعر تقاليدَ بناء القصيدة على وفق المنهج التراثي الذي يمتدُّ من البواكير ويصلُ مرحلة الاستواء والترسُّخ، كما تُظهِره القصيدة، إنها خاتمة المرحلة الأولى، وفي مصر ستبدأ المرحلة الثانية بكلِّ تنوُّعها وخصبها، وربما كانت سنوات الإقامة والدراسة في مصر أهمَّ منعطف في حياة باكثير الأدبيَّة، لقد غيَّرت دِراسته للأدب الإنجليزي من نَظرته لمفهوم الأدب كله، وجعلَتْه يُعِيد النظر في المقاييس الأدبية[16] لقد انجذب إلى المسرحيَّة بصورتها الشكسبيريَّة.

وتعبيرًا عن هذه الفتنة بدأ نشاطًا أدبيًّا جديدًا في حَياته هو الترجمة الأدبيَّة والإبداع من خِلال هذه الترجمة ولشكسبير بالذات؛ لأنَّه يشبع نزوعًا في ذاته من حيث الجمع بين الفن القديم الأثير لديه والدراما: الفن الجديد، فكانت ترجمتُه لفُصولٍ من مسرحيَّته "الليلة الثانية عشرة" على طريقة الشعر المقفَّى ونشرها في "الرسالة"[17]، وتظهر المقاطع الأولى للترجمة مدى الجهد الذي بذَلَه للارتِقاء بنسيج النص، ويَظهر ذلك عند قِراءتنا للمشهد الأوَّل؛ حيث التخفُّف من جَهامة اللغة التي ألقَتْ بظِلالها على كثيرٍ من قصائده المبكِّرة، ويبدو أنَّ مُرور عامين على إقامته في مصر أحدث تخففًا من نمط التراكيب والقوالب الجاهزة وأصداء الزمن الشعري القديم، وربما كان فيما نشَرَه على صفحات "الرسالة" و"أبولو" دليلٌ على ما نقول ومن ذلك نُقدِّم هذا المقطع من قصيدة "البعث"[18]:
مَاتَ الغَرَامُ وَقَدْ بَكَيْتُهْ
وَرَثَيْتُهُ مَا قَدْ رَثَيْتُهْ

كَفَّنْتُهُ وَدَفَنْتُهُ
وَبِدَمْعِيَ القَانِي سَقَيْتُهْ

وَأَتَى الزَّمَانُ يَصُورُنِي
عَنْ ذِكْرِهِ حَتَّى سَلَوْتُهْ

يَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ عَا
دَ إِلَى الْحَيَاةِ اليَوْمَ مَيْتُهْ




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 116.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 114.41 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]