|
|||||||
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
أدب الحرب في الإسلام د. وليد قصاب ازدَهَرَ أدبُ الجِهاد والحرب ازدِهارًا لا مثيلَ له في الإسلام؛ فقد صارَتِ الكلمة شرَفًا وحقًّا، آمَنَ الإسلامُ بدور الكلمة، وجنَّدها لخِدْمة الدعوة، ودَعا الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الشعراءَ للوقوف جَنْبًا إلى جَنْبٍ مع المقاتلين في معركة الإيمان، فالتفتَ إلى شعراء الأنْصار قائلاً: ((ما يمنعُ القومَ الذين نصروا رسولَ الله بأسلحتهم أنْ ينصروه بألسنتهم؟!)). فوقفَ حسَّان، وكعب بن مالك، وعبدالله بن رواحة، وقالوا: نحن لها يا رسول الله، وراحوا يؤدُّون أمانةَ الكلمة كأحسن ما يكون الأداءُ: هجوا خصومَ الإسلام وأعداءَه، وألْهَبُوا إحساسَ المسلمين بالإيمان، وغرَسُوا في نفوسهم رُوحَ الجِهاد واسترخاص الرُّوح في سبيل الاستشهاد، وعِزَّة الإسلام. يحدِّثنا التاريخُ عن دورِ الكلمة في غزوة مُؤْتَة، فيذكرُ لنا أنَّ المسلمين لمَّا نزلوا بِمَعَان من أرضِ الشام بَلَغَ العدوَّ مسيرُهم، فقامَ شرحبيل بن عمرو الغسَّاني، فجمَع أكثَر من مائة ألف مقاتل من الروم، وضمَّ إليهم مائةَ ألف أخرى من القبائل العربيَّة، فلمَّا رأى المسلمون كثرةَ العدد أقاموا على مَعَان ليلتين ينظرون في أمرِهم، فقالوا: نبعَثُ إلى رسول الله، فنخبره بعدد عدوِّنا، فإمَّا أن يمدَّنا بالرجال، وإمَّا أن يكتبَ إلينا بأمْرِه، ولكنَّ عبدالله بن رواحة يشجِّعُ الناسَ، فيقول لهم: "يا قوم، والله إنَّ التي تكرهون لَلَّتي خرجْتُم تطلبون: الشهادة، وما نقاتلُ الناسَ بعَددٍ ولا قُوَّة ولا كَثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمَنا الله به، فانطَلِقوا فإنَّما هي إحدى الحُسْنَيين؛ إمَّا ظهور، وإمَّا شهادة"، وأنشد في ذلك الموقفِ: فَلاَ وَأَبِي مَآبَ لَنَأْتِيَنْهَا ![]() وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ وَرُومُ ![]() فتشجَّع الناسُ، وأفْرَخَ روعهم، وقالوا: قد - والله - صَدَقَ ابنُ رواحة، ومضوا يقاتلون بإيمان وحماسة، وعندما استُشْهدَ القائدُ الأوَّل - زيد بن حارثة - تقدَّمَ جعفرُ بن أبي طالب، فأخَذَ الرايةَ، فأحاطَ به العدو مِن كلِّ جانب، فاقتحَمَ على فرسٍ له شقراء فعَقَرَها؛ حتى لا تقعَ في يد العدو، ثم أقبلَ يُقاتِل وهو ينشد: يَا حَبَّذَا الْجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَا ![]() طَيِّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا ![]() وَالرُّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ![]() كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا ![]() عَلَيَّ إِذْ لاَقَيْتُهَا ضِرَابُهَا ![]() مشجِّعًا نفسَه، والمقاتلين مِن حوله، وأخَذَ اللِّواءَ بيمينه فقُطِعتْ، فأخذَه بشماله فقُطِعتْ، فاحتضنه بعَضُدَيه، فجاءَه رجلٌ من الروم، فضربه ضربة فقُطِع نصفين، فسقطَ القائدُ الثاني شهيدًا وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين، وجاءَ دَوْرُ القائد الثالث ابن رواحة، الذي كان مكلَّفًا بأخذ الراية بعد صاحِبَيه، فتقدَّم يأخذُها، فداخَلَ نفسَه شيءٌ من روع لا يخلو منه الموقفُ، وسيْطَرَ على الناس وجومٌ بعَثَه مقتلُ القائِدَين، فراحَ ابن رواحة ينشدُ مشجِّعًا نفسَه والمقاتلين: أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لتَنْزِلِنَّهْ ![]() طَائِعَةً أَوْ لاَ لَتُكْرَهِنَّهْ ![]() إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّو الرَّنَّهْ ![]() مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ ![]() قَدْ طَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ ![]() هَلْ أَنْتِ إِلاَّ نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ ![]() جَعْفَرُ مَا أَطْيِبَ رِيحَ الْجَنَّهْ ![]() فتشجَّعَ عبدالله بن رواحة، والتهبتْ حماسةُ المسلمين، وتقدَّم القائدُ، فأخَذَ الراية، وانْدَفَعَ يقاتلُ حتى اسْتُشْهِدَ. وقد رَاحَ أدبُ الحرْب يغترفُ مِن مَعِين الإسلام الثَّرِيّ، فنَمَا وذكا، وانشبعت موضوعاتُه، وقَوِي تأثيرُه في النفوس، وصارَ أدبُ جهادٍ يُصوِّر أهدافَ المسلمين من الحرب، فهم يحاربون في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، ولا يقاتلون - كما كانَ حالُهم في الجاهليَّة - لعصبيَّة أو ثَأْرٍ أو مَغْنم دُنْيَوي. ولقدْ وضَعَ القرآن الكريم وحديثُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأُسَسَ الأولى لأدبِ الحرب؛ ذكر ابن قتيبة في "عيون الأخبار" - كتاب الحرب -: أنَّ بعض الحكماء قد قال: قد جَمَعَ الله لنا أدبَ الحرب في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45- 46]. وكانَ الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول لأصحابه: ((لا تمنَّوا لقاءَ العدو؛ فعسى أن تبتلوا بهم، ولكنْ قولوا: اللهمّ اكْفِنا وكُفَّ عنا بَأْسَهم، وإذا جاؤوكم يعزفون ويزحفون ويصيحون، فعليكم الأرضَ جلوسًا، ثم قولوا: اللهم أنت ربُّنا وربُّهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم)). وكانَ الصحابي الجليل أبو الدرداء يقول للناس قبل المعركة: "أيها الناس، عملٌ صالحٌ قبل الغزو، فإنَّما تقاتِلون بأعمالِكم". وراحَ هذا الأدبُ يُواكِب قضايا الإسلام ومعاركه وفتوحاتِه، وقد فَطِنَ قادةُ الجيوش ورؤساء الجُنْدِ إلى أثَرِ الكلمة في المعركة، وإلى دورها في تعبئة النفوسِ وحَشْدِ الرُّوح المعنويَّة، فاستخدموها أرْوعَ اسْتخدام؛ ذَكَرَ الطبري في "تاريخه" أنَّ سعد بن أبي وقَّاص قد جمعَ في القادسية القُرَّاءَ، وذَوِي الرأْي، وأصحاب النجدة والمُروءة، ولكنَّه لم يقتصرْ على هؤلاء وحدَهم، بل جَمَعَ معهم الأدباءَ؛ من شعراءَ وخُطَباء، وكانَ من جملة الشعراء: الشمَّاخ، والحُطَيْئة، وأَوْس بن مغراء، وعَبْدَة بن الطيِّب، ودفَعَ بهم إلى ساحات القتال، وقال لهم قَبْلَ أنْ يُرْسِلَهم: "انطلقوا فقوموا في الناس بما يحقُّ عليكم، ويحقُّ لهم عند مواطن البأْس، إنَّكم شعراءُ العرب وخُطَباؤهم، وذَوو رأْيهم ونجدتِهم، وسادتُهم، فسيروا في الناس، فذكِّروهم وحرِّضوهم على القتال، فساروا فيهم، ثم توَّج سعد - كما ذَكَر الطبري - تلك الحملةَ الأدبيَّة الرائعة بأنْ أمَرَ أحدَ القرَّاءِ، فقَرَأَ في الناس سورة الأنفال - أو سورة الجهاد كما تُسَمَّى - قرَأَها على الكتيبة التي كانت تليه، ثم قُرِئتْ على كلِّ كتيبةٍ بعدَها، فهشَّتْ قلوبُ الناسِ وعيونُهم، وعَرَفَوا السكينةَ مع قراءتِها. الكلمة ترافق الفتوحات: ومضت فتوحاتُ الخير تشقُّ طريقَها في مشارق الأرضِ ومغاربها، وكانَ الأدبُ يُواكِب الفتوحات، ويَمضِي معها مُسَجِّلاً كلَّ كبيرة وصغيرة، وانطلقت الجيوش تصاحبُها كلمات عمر بن الخطاب الخالدة في أدبِ الحرب، وخُلُق الحربِ، وهدفِ الحرب في الإسلام. ذَكَرَ ابنُ قتيبة في "عيون الأخبار" أن عمر - رضِي الله عنْه - كان إذا بعثَ أُمَراءَ الجيوش، أوصاهم بتقوى الله العظيم، ثم قال عند عقْد الأَلْوِيَة: "بسم الله، وعلى عَوْنِ الله، وامْضُوا بتأييد الله بالنصر، وبلزوم الحقِّ والصبر، فقاتِلُوا في سبيل الله مَن كفَرَ بالله، ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحبُّ المعتدين، ولا تجْبُنوا عند اللقاءِ، ولا تمثلوا عند القُدرة، ولا تُسْرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هَرَمًا ولا امْرأة ولا وَلِيدًا، وتَوَقّوا قتلَهم إذا الْتَقَى الزحفان، وعند حُمَّة النَّهْضات – أي: شِدَّتها - وفي شنِّ الغارات، ولا تغلّوا عند الغنائم – أي: لا تخونوا - ونَزِّهوا الجهادَ عن غَرَضِ الدنيا، وأبشروا بالرَّباح في البيع الذي بايعتُمْ به، وذلك هو الفوز العظيمُ". يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |