ما اسم مرض زوجتي؟!

[ابوالوليد المسلم]

ما اسم مرض زوجتي؟!


أ. عائشة الحكمي


السؤال
تزوجتُ منذ أكثر من عشرة أعوام، وأصبحتْ حياتي جحيمًا لا يطاق؛ حيث إنَّ زوجتي لا تستطيع تحمُّل أي مسؤوليَّة فطرية تجاه الأطفال أو تجاه زوجها؛ فهي لا تكترث بالتنزُّه وإسعاد الزوج، تعيش فوضى أشبه من يعيش بشكل عابر في منزل، وانعكس على الترتيب والتنظيم وغيره، وهذي ليستْ مشكلتي؛ فأنا أستطيع تأمين مربية أطفال أو مدبرة منزل؛ ولكن ما يقتلني كثيرًا تفاهةُ العقل، وعدمُ الاحترام غير المبرر، وردودُ أفعال لا تتناسب مع العتاب الذي يناقش قصورًا فطريًّا أساسيًّا من صميم خصائص المرأة، فأستمرُّ في تَكرار الموضوع على مدار اليوم لساعات دون أن أجد أمامي أي نوع من البشر؛ بل حائطًا لا يتكلم، تمنيتُ أن تردَّ وتوقف تلك الدائرة التي لا تتوقف، تمنيتُ أن ترد بشيء من المجاملة، وتأكيد مفهومها لنقطة الموضوع، حتى لو استمرتْ في خطئها.
تقوم شخصيتُها على أن تعيش لحظتها الآنية دون أن تستطيع التفكير المستقبلي؛ لذا عندما يحتد العتابُ أمام الصنم وأذكر - كنتيجة للعتب على الموضوع - ما معناه: لن تذهبي للتسوق بعد الآن، أو أي شيء آخر، أتفاجأ بردِّ فعلٍ قولي عجيب: أنا أصلًا لا أرتاح في السوق مثلًا، وقس على هذا المثال؛ حيث تترك النقطةَ الأساسية التي تستمر لساعات، وتُمسك في أشياء بردِّ فعلٍ غير منطقي مقتضب، أفهم منه عدم إحساسها واكتراثها للزوج.
عانيتُ كثيرًا من جراء جحودها المتواصل؛ ولكي أختصر لكم: ليس لها علاقات، لا تستطيع التعبير عن المشاعر، قد أضطرُّ أن أتوسل إليها مليون مرة لتعتذر عن الخطأ الذي حصل بالإقناع المنطقي، فلا تستطيع أن تعتذر، تكتفي بعبارة: "أنا معك" فقط، ولكن في الغد أجد نفس الخطأ.
لديها خوف من القطط، ألاحظ نقص الوعي بالأمومة والحوار والمنطق، وأعتقد أنها تعيش كذبة مع نفسها، وغير مؤهلة للذهاب إلى استشاري نفسي، لديها كذب مع ذاتها، مع العلم أن جميع طلباتها مجابةٌ بشكل روتيني، والسبب رغبتي الجامحة في أن أراها كأية امرأة، ولا أعرف ما إذا كانتْ هذه أعراضًا لمرض يمكن علاجه، أم إنها هي الداء؟

أتمنى أن تكون الإجابة محدِّدة لاسم المرض، ولكم جزيل الشكر.


الجواب
بسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان

أيها الأخ الفاضل، لا ينبغي للمختصِّ النفسي أن يأخذ وصْفَ الحالة النفسية أو أعراض المرض النفسي من أهل المريض أو أصدقائه، دون أن يسمع من "المريض" نفسِه الذي يُعاني من المرض أو الاضطراب؛ كي يتمكَّنَ من الإلمام بحالة المريض، وأعراض المرض كما يصفها المريضُ بنفسه، وما يشعر به بشكلٍ صحيحٍ، وعدا ذلك سترتفع نسبةُ الخطأ في التشخيص، كما هو الحال في استشارتك! حيث تطغى عليها مشاعرُ الغضب والاستياء؛ الأمر الذي بدا لي مؤثِّرًا على دقَّة وصفك لحالة زوجك - عافاها الله تعالى.
ومع ذلك سأجتهد - إن شاء الله تعالى - أو قل: سأغامر - وهو الأصح - بوضع تشخيصٍ تقريبي لهذه الحالة؛ إرضاءً لك، أما ما يُرضِي ضميري، فأنْ تأخذ زوجَكَ المصونة إلى طبيبةٍ نفسية؛ للوقوف على تشخيص مرضها - إن كانت مصابةً بمرضٍ عصابي أو ذهاني - أو توصيف شخصيتها - إن كانتْ تُعاني من اضطرابٍ في الشخصية!
أيها الفاضل، قد تكون هذه الاضطراباتُ أعراضًا لمرضٍ ذهاني كالفصام مثلاً؛ فلدينا ها هنا:
(1) اضطرابات في التفكير:
- "تفاهة العقل، وعدم الاحترام غير المبرر".
- "تترك النقطة الأساسيَّة التي تستمر لساعات، وتتمسَّك بأشياء في ردِّ فعلٍ غير منطقي ومقتضب".
- "تعيش لحظتها الآنية، ولا تستطيع التفكير في المستقبل".

(2) واضطرابات في الوجدان:
- "لا تستطيع التعبيرَ عن المشاعر، وقد أضطرُّ إلى أن أتوسل إليها مليون مرة لتعتذر عن الخطأ الذي حصل بالإقناع المنطقي، ولكنها لا تستطيع أن تعتذر، مكتفية بعبارة: "أنا معك" فقط، ثم في الغد يتكرَّر نفس الخطأ".
- "نقص الوعي بالأمومة".
- "ردود أفعالٍ لا تتناسب مع العتاب".

(3) واضطرابات في الكلام:
- "أستمرُّ على تكرار الموضوع على مدار اليوم، ولعدة ساعات، فلا أجد أمامي بشرًا يتكلم؛ بل حائطًا لا يتكلم".
- "عدم القدرة على الحوار والمنطق".

(4) واضطرابات في السلوك:
- "لا تستطيع تحمُّل أي مسؤولية فطرية تُجاه الأطفال، أو تجاه زوجِها".
- "تعيش فوضى أشبه بمن يعيش بشكلٍ عابر في منزله، وقد انعكس ذلك على الترتيب والتنظيم وغيره".
- "ليس لها علاقات".
- "لديها خوفٌ من القطط".
ولكن تنقص هذه الأعراضُ "الهلاوس والضلالات"؛ وهي العلامات المميزة للأمراض الذهانية، وهذا الأمرُ يَدفعُني لوضع الحالة في مراحلها الأولية؛ فمريض الفصام يمرُّ بدورةٍ مَرَضيَّة تنقسم إلى عدة مراحل؛ تبدأ بمرحلة أولية تتطور فيها الأعراض، كما قسمتُها لك آنفًا، أو قد تكون هذه العلامات مجردَ سماتٍ لشخصية فصامية؛ أي: شخصية لديها استعدادٌ للإصابة بالفصام كمرض، وهنا ينبغي التفريق بين أمرين: المرض النفسي واضطراب الشخصية؛ ففي الجانب المرضيِّ لدينا مرضَى عصابيون؛ مثل: مرضى الاكتئاب والوسواس القهري، ومرضى ذهانيون؛ كمرضى الفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطبين، وفي جانب الشخصية نجد زمرةً من الشخصيات المضطربة كذوي الشخصية الهستيرية والشخصية الفصامية ونحوهم، والمريض يُقدَّم له "العلاج" المناسب، أما صاحب الشخصيَّة المضطربة، فيُدرَّب على "أساليب التعامل" التي تتناسب وسماتِ شخصيته، وحتى الآن لا أستطيع الجزم إن كانت زوجتك الكريمة تعاني من مرضٍ بعينه (كالفصام احتمالاً)، أو اضطراب في الشخصية (كالشخصية الفصامية احتمالاً)؛ لنقص المعلومات، وعدمِ السماع من زوجك، وعدمِ كتابة الاستشارة بحيادية وموضوعية، فأرجو أن تتوجَّهَا إلى طبيبةٍ نفسية حاذقة؛ لتشخيص الحالة بدقةٍ، وإن رغبتَ في المتابعة، فعلى الرحب والسعة، وعسى الله أن يوفِّقك للأخْذ بيد أهلك إلى دروب الشفاء والعافية والسعادة الزوجية.


والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وهو العليم الخبير