|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خلق آدم بين الأصل والصورة سيد مبارك إنَّ الحمدَ لله نَحمَده، ونَستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شُرورِ أنفسِنا وسيِّئاتِ أعمالنا، مَن يَهدِه الله فهو المهتدي، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه. أما بعد: فآدم - عليه السلام - أوَّل البشَر، خَلَقه الله تعالى، ثُمَّ خلَق حواَء - عليها السلام - مِن ضِلعه؛ لتكونَ له زوجةً، ثم بثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[النساء: 1]. وكل مولود يُولَد ينزع للأبِ أو الأمِّ بتفصيلٍ وضَّحه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديثِ أنس في ردِّه على الصحابيِّ الجليل عبدالله بن سلاَم، وكان مِن كبار أحبارِ اليهود وهذا متْنه: عن أنس- رضي الله عنه - قال: سمِع عبدُالله بن سلام بقدومِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في أرضٍ يَخترِف، فأتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: إني سائِلُك عن ثلاثٍ لا يعلمهنَّ إلا نبيٌّ: فما أوَّل أشراط الساعة؟ وما أوَّلُ طعام أهل الجَنَّة؟ وما ينزع الولدُ إلى أبيه أو إلى أمِّه؟ قال: ((أخبَرَني بهنَّ جبريلُ آنفًا))، قال جبريل؟ قال: ((نعمْ))، قال ذاك عدوُّ اليهود مِن الملائكة فقرأَ هذه الآية: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 97]؛ أمَّا أوَّل أشراط الساعَة: فنارٌ تحشُر الناسَ مِن المشرق إلى المغرب، وأمَّا أوَّل طعامٍ يأكلُه أهلُ الجنة فزيادةُ كبدِ حُوت، وإذا سبَق ماءُ الرجلِ ماءَ المرأة نزَعَ الولد، وإذا سبَق ماءُ المرأة نزَعَتْ))، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهدُ أنَّك رسولُ الله يا رسولَ الله... إلى آخره))؛ أخرجه البخاري (ح/ 4120). ومِن الحديث يتبيَّن أنَّ كلَّ مولود تُشبه صورتُه وتنزع كصورةِ أبيه أو أمِّه، ولما كان آدَم أولَ البشَر - عليه السلام - لا أبَ له ولا أم، فكانتْ صورتُه محلَّ إشكال بين علمائِنا الأفاضل لحديثِ البخاري عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قاتَلَ أحدُكم أخاه فليجتنبِ الوجه؛ فإنَّ الله خَلَقَ آدَمَ على صورتِه))، وزاد الإشكال لما في بعضِ الطُّرق: قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((على صورةِ الرحمن)). فمِن العلماء مَن رأَى أنَّ الهاء من (صورته) ترجِع إلى الله تعالى بلا تشبيهٍ أو تمثيل أو تكييف؛ لأنَّه سبحانه القائِل: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، وإنَّما المقصودُ بالصورةِ وجهٌ يَلِيق بالله تعالى، وأضافَها - سبحانه وتعالى - إلى نفْسه تكريمًا وتشريفًا كَقوله - تعالى -: ﴿ نَاقَةُ اللَّهِ ﴾ [الأعراف: 73]، وَكَمَا يُقَال فِي الْكَعْبَة: بَيْت اللَّه وَنَظَائِره، واللَّه أَعْلَم. وذهبت طائفةٌ أخرى مِن العلماء الأفاضِل إلى أنَّ الهاء مِن (صورته) راجعةٌ إلى آدَمَ - عليه السلام - أي: خلقه على صورتِه المميّزة التي كان عليها مِن غير تناسُل، ولم يكُنْ قطُّ في صُلب ولا رحِم، ولا خُلِق عَلَقَة ولا مُضغة، ولا طفلاً، ولا مُراهقًا، بل خُلِق ابتداءً بشَرًا سويًّا، طوله سِتون ذراعًا ولم يمرَّ بما تمرُّ به ذريتُه من أطوارِ الخَلْق قط. وقال آخرون غير ذلك مِن التفسيرات، ولا مجال لطرحِها في هذه العجالة، ونكتفي هنا أن نوضِّح بالدليل الصحيح والبرهان الساطع أصلَ الصورة التي خَلَق الله عليها آدمَ؛ لينتفع بها مَن أصابته الحيرةُ بين الأصل والصورة، والله المستعان. وأبدأ بطرْحِ أقوال علمائِنا الأفاضل ممَّن يأخذون حديثَ الصورة على ظاهرِه دون تأويلٍ، وأنَّ الهاء من (صورته) ترجِع إلى الله تعالى مع التنزيه: قال شيخ الإسلام "ابن تيميَّة": هذا الحديثُ لم يكُنْ بين السلف في القُرون الثلاثة نِزاعٌ في أنَّ الضمير عائدٌ إلى الله، فإنَّه مستفيض من طُرق متعدِّدة عن عِدة مِن الصحابة، وسِياق الأحاديث كلها يدلُّ على ذلك؛ "بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية"، تحقيق: د. عبدالرحمن اليحيى (2/ 356). وقال الآجُريُّ بعدَ رِوايته لحديثِ الصورة: هذه مِن السُّنن التي يجِب على المسلمين الإيمانُ بها، ولا يُقال: كيف؟ ولِمَ؟ بل تُستقبل بالتسليمِ والتَّصديق، وترْك النظر، كما قال مَن تَقدَّم مِن أئمَّة المسلمين؛ "الشريعة للآجُريِّ" (2/ 106). وقال ابنُ قتيبة: "والذي عِندي - والله تعالى أعلم - أنَّ الصورة ليستْ بأعجبَ مِن اليَدين، والأصابع والعين، وإنما وقَع الإلْف لتلك لمجيئها في القُرآن، ووقعتِ الوحشة مِن هذه؛ لأنَّها لم تأتِ في القُرآن، ونحن نؤمِن بالجميع، ولا نقول في شيءٍ منه بكيفيةٍ ولا حدٍّ"؛ "تأويل مختلف الحديث" (ص: 261). وذكر ابن بطَّة (المتوفَّى: 387هـ) في كتابه الإبانة الكُبرى "باب الإيمان بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - خَلَق آدَمَ على صورتِه بلا كيفٍ، قال: "وكل ما جاء مِن هذه الأحاديث، وصحَّتْ عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففرْضٌ على المسلمين قَبولُها، والتصديقُ بها، والتسليمُ لها، وترْك الاعتراض عليها، وواجِب على مَن قَبِلها، وصدَّق بها ألاَّ يضربَ لها المقاييس، ولا يتحمَّل لها المعاني والتفاسير، لكن تمرُّ على ما جاءتْ ولا يُقال فيها: لِمَ؟ ولا كَيف؟ إيمانًا بها وتصديقًا، ونقِف مِن لفظها ورِوايتها حيث وقَف أئمَّتنا وشيوخنا، ونَنتهي منها حيث انتهى بنا، كما قال المصطفى نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلا معارَضة، ولا تَكذيب، ولا تَنقير، ولا تفتيش، والله الموفِّق وهو حسبنا ونعمَ الوكيل".اهـ. ومِن أقوال أهلِ السُّنَّة الذين قالوا بأنَّ الله خلَق آدمَ على صورتِه - أي: آدَم – سِتين ذراعًا في السماء ابتداءً: قال النوويُّ المتوفَّى (سنة 676هـ) في شرْح حديث: ((خلَق الله آدَمَ على صورتِه، طوله سِتُّون ذراعًا)) ما مختصره: قَوْله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خَلَق اللَّه آدَم عَلَى صُورَتِه)) هذه الرِّواية ظاهرة في أنَّ الضمير في (صورته) عائدٌ إلى آدم، وأنَّ المراد أنَّه خُلِق في أول نشأته على صورتِه التي كان عليها في الأرض، وتُوفِّي عليها، وهي طوله ستُّون ذراعًا، ولم ينتقلْ أطوارًا كذريَّته، وكانتْ صورته في الجَنَّة هي صورته في الأرْض لم تتغيَّر. اهـ[1]. وذهَب الإمَامُ المناويُّ في فيض القدير مفسِّرًا للحديث على نفس الوتيرة، قال ما مختصره: ((خَلَق اللهُ آدَمَ على صورتِه))؛ أي: على صورة آدَم التي كان عليها مِن مبدأ فِطرته إلى موتِه لم تتفاوتْ قامتُه ولم تتغيَّر هيئتُه، بخلافِ بَنيه، فإِنَّ كلاًّ منهم يكون نُطفةً ثم عَلَقة، ثم مُضغةً ثم عِظامًا وأعصابًا عارية، ثم مَكسُوَّة لحمًا، ثم حيوانًا مُجَنَّنًا لا يأكُل ولا يَشرَب، ثم يكون مولودًا رضيعًا، ثم طِفلاً مترعرعًا، ثم مراهقًا ثم شابًّا، ثم كهلاً ثم شيخًا. أو خَلَقه على صورةِ حالٍ يختصُّ به، لا يُشاركه أنواعٌ أخرى مِن المخلوقات.اهـ. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |