مقاصد سورة المؤمنون - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4939 - عددالزوار : 2029876 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4514 - عددالزوار : 1306137 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1009 - عددالزوار : 123501 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 121 - عددالزوار : 77598 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 62 - عددالزوار : 49035 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 191 - عددالزوار : 61503 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 76 - عددالزوار : 42899 )           »          الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن الظلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          تجديد الحياة مع تجدد الأعوام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 18-01-2021, 07:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,564
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة المؤمنون

مقاصد سورة المؤمنون


أحمد الجوهري عبد الجواد




نور البيان في مقاصد سور القرآن

"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".



(23) سورة المؤمنون
إن الحمد لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربنا وتسليماته على هذا النبي الكريم، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم على الصراط المستقيم.

أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، فلا زلنا نرتع بفضل الله تبارك وتعالى وننعم مع هذه السلسلة المباركة، سلسلة التعرف على مقاصد سور القرآن الكريم سورةً سورة، وبلغنا بفضل الله وحده سورة المؤمنون، هذه هي مائدتنا اليوم، مائدةٌ عظيمةٌ جليلةٌ عليها كرم الله وفضله، عليها دينه وشرعه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، سورة المؤمنون هذا هو اسمها[1]، المؤمنون، وحين يجعل الله لهم سورة هكذا فالقصد من ذلك مدحهم، ووصفهم بهذا الوصف الجميل الذي تمناه الكثيرون فلم ينالوه، ادعوه لأنفسهم ونفاه الله عنهم ﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ *يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ .

لكن الله يصف أهل الاستجابة إليه بهذا الوصف الجميل، ويجعله عنواناً على هذه السورة، المؤمنون، ولأنها بدأت بقول الله تعالى ﴿ قَدْ أَفْلَحَ سماها البعض بعد ذلك - من باب التمييز بها - سورة قد أفلح، هذا في كلمات العلماء وتعبيراتهم، ولأنها تقول: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فقال عنها البعض سورة الفلاح، لكن الاسم الذي ورد من عند الله هو سورة المؤمنون بما يحمل من معنىً جميل وإشارات لطيفة[2].

وهي سورةٌ نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فهي سورةٌ مكيّة[3]، تهتم أيضاً بشأن الإيمان والكفر والعقيدة الصحيحة والعقيدة الباطلة، وبيان جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين حول هذا المعنى تدور السورة، لأنها سورةٌ مكية، فهي أيضاً تدور حول موضوع الإيمان والعقيدة، ذلكم الأساس الراسخ المتين الذي لو تمكن من قلبٍ – مكنه الله في قلوبنا – لدفع البدن إلى طاعة الله دفعاً، وتحرك البدن بطاعة الله رَغَباً وحباً، فهي سورة مكية وليس لها فضلٌ بين السور يخصها، إنما هي كبقية السور قرآنٌ عظيم، كلام الله رب العالمين سبحانه وتعالى من قرأه فله بكل حرفٍ حسنة والحسنة بعشر أمثالها، فكلمة "قد" في أولها بحسنتين والحسنة بعشر أمثالها، إذاً "قد" بعشرين حسنة كبقية سور القرآن كله، وهي معجزةٌ كأية سورة كذلك، هي معجزةٌ في ذاتها يحق عليها قول الله تعالى في تحديه للكافرين ﴿ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ لا داعي أن تكون كسورة البقرة أو النساء أو آل عمران أو الأعراف أو ما إلى ذلك من السور الطوال، ولكن يتحداهم أيضاً لو جاءوا بسورةٍ مثل سورة المؤمنون، فهي سورةٌ لها فضلٌ عظيم ثابتٌ للقرآن كله، أما موضوعاتها فحينما تقرأها أخي الحبيب تجدها تبدأ أولاً ببيان فلاح المؤمنين، والفلاح هو الفوز بالشيء بعد جهد من الفَلْح وهو شق الأرض[4]، سمي هذا الرجل فلَّاحاً لأنه يشق الأرض بآلته ويتعب في نهاية الموسم يحصل على محصولٍ عظيم يسعد قلبه ويقيم حياته ويفيض عن حاجته، فقد أفلح حين فلح الأرض وشقها وتعب فيها، والمؤمن كذلك فلاحه بالفوز بالجنة ولا تكون الجنة إلا بعد إيمانٍ وعمل، لا تكون بالتمني ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ، بالعمل ينال الإنسان الجنة، فيكون مع المفلحين، فتبدأ السورة ببيان فلاح المؤمنين وثناء الله تبارك وتعالى عليهم بصفاتٍ جليلةٍ تعبوا بها في مجاهدة النفس والهوى والشهوات والرغبات حتى ينتظموا مع أمر الله عز وجل في شريعة الإيمان، ففازوا في النهاية بالفلاح، ولكن الله هنا يُسبِّق بالبشرى أولاً ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ إلى أن قال ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، اللهم اجعلنا معهم من الخالدين اللهم آمين.

ثم بعد ذلك تنتقل السورة بك أيها القارئ الكريم، وأنت لا تشعر، إلى جزئية في هذه القضية، أن هؤلاء الذين آمنوا لم يفعلوا شيئاً عجيباً، لم يفعلوا شيئاً غريباً، ليسوا متطرفين وإنما هم على الطريق العقلي الصحيح، فإن الدواعي حوله وفي نفسه تدعو إلى الإيمان بالله عز وجل، هو بنفسه آية لله تدعو إلى الإيمان بالله وتُذكّر بالله والكون من حوله كذلك ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ تفاصيل خلق الإنسان، كيف تطور من هذا إلى هذا إلى هذا، أهو تطورٌ طبيعي، إذاً خذوا نطفةً وضعوها في جو مناسب كجو الرحم واجعلوها تتطور كما تطورت في الرحم حتى تنتج خلقاً آخر، لا يمكن استحالة، فهذا صنع الله ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ .

فهذه آيةٌ فينا بل آيات في أنفسنا، لو نظر الإنسان في نفسه وخاصةً في هذه الأيام بعد تطور علم الأجنة والجينات وتشريح الجسم البشري وما فيه من أسرار وما أطلعهم الله عليه من أخبار، بعد هذا كله صارت قضية الإيمان لازمةً عقلاً قبل أن تكون شرعاً، لو لم ينزل شرع لوجب على هؤلاء العلماء في جسم الإنسان أن يؤمنوا بذلك وعن طريق ذلك بالله وحده لا شريك له، حيث لم يخلق هذا الخلق إلا الله، لا يوجد على وجه الدنيا كلها من أولها إلى آخرها إنسانٌ واحد بل ذبابٌ واحد من خلقٍ غير خلق الله، ومن خالقٍ غير الله، لا يوجد، طالما هذا خلق الله بهذا الإبداع وهذا الإعجاز فلماذا تتكبرون، قولوها لا إله إلا الله، والعقل يقرها والدين جاء بها، فتوافق الشرع مع العقل ولا يعارضه أبداً، ومع العلم ولا يناقضه أبداً بل يدعونا إليه، فأخذت السورة في بيان بعض الآيات التي تدعو إلى الإيمان في نفس الإنسان ومن حوله ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ وإلا لسقطت السماء على الأرض ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا أي لألا تزولا، لو غفل عن خلقه لخربت الدنيا وفسدت حياة الناس، ثم هذه السماء نزلت منها أو من جهتها آيةٌ أخرى ثالثة ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ليس نزولاً همجياً ولا ارتجالياً وإنما بقدر ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ، كما قال ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ، ﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ اللهم لا تذهبه من أرضنا أبداً يا رب، وآية بعد ذلك نتجت عن هذا المطر ﴿ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ *وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ ، ثم آيةٌ بعد آية ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا في آية أخرى ﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ، كيف استخرج الله اللبن الأبيض من بين دمٍ أحمر وفرث ملون، والفرث هو المخلفات الموجودة في كرشة الحيوان، من بين هذا وهذا سلم الله لبناً خالصاً سائغاً جميلاً ذا طعمٍ لذيذ فيه غذاء للناس، كيف خلَّص هذا اللبن من بين هذه الشوائب دون أن يشوبه شيء، هو هو سبحانه الذي ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ لا يبغي على اللبن دم ولا فرث، إنما يخرج من بينهما خالصاً، آية عجيبة يأكلها الناس أو يشربونها يوماً بعد يوم، كل يوم كل صبيحة وربما في اليوم أكثر من مرة، هذه المزقة من اللبن، هذه الشربة من اللبن تقول لمن يشربها قل لا إله إلا الله، الذي أخرجني لك من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، ﴿ نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ، قطعة اللحم تُذكر بالله سبحانه وتعالى، ﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ يحملكم الله عليها وعلى مراكب أخرى خلقها لكم كالفلك في البحار، وكالسيارات الآن ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ .

كل هذه آياتٌ أحبتي الكرام تدعو الإنسان العاقل لو استعمل عقله إلى الإيمان بالله عز وجل، إذاً المؤمنون على حق أم أنهم على تطرف؟ هم على حق، وافقوا الكون من حولهم، وافقوا الكون في أنفسهم، توافقوا معه فآمنوا بالله الذي خلق كل هذا الخلق، فخضعوا لله كما يخضع له كل شيء ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا .

ثم بعد ذلك تأخذنا السورة ونحن لا ندري أخذاً لطيفاً إلى قصص بعض الأمم السابقة، من نوح عليه السلام، وإجمالاً بمن بعده إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، سلسلة الأنبياء المباركة التي مر تفصيلها في سورة الأنبياء، تُذكر هنا إجمالاً إشارةً إلى أن قضية الإيمان هذه وتكليفكم بها أن تؤمنوا بالله وحده لا شريك له هذه قضية ليست لكم فقط، ليس ديناً جديداً يكلفكم الله به دون من سبق، بل هي قضية القضايا، قضية الوجود من أوله إلى آخره، من أيام نوح عليه السلام من قبله آدم مباشرةً إلى آخر الدنيا إلى آخر أمة، وقضية الله مع الخلق أن يؤمنوا به، فهذه القصص المختصرة والمجملة تشير إلى أن قضية الإيمان هي قضية الوجود البشري كله، ما خلق الله البشر كلهم إلا ليؤمنوا به، فيسعدوا في الدنيا ويفلحوا في الآخرة ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ويأتي في آخرها ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ، فما خلقتم عبثاً أيها البشر من أول الدنيا إلى آخرها وإنما خلقتم لقضية الإيمان، وهذا حال نوحٍ مع قومه ومن بعده ومن بعده ومن بعده، الأنبياء تترا، أي متتابعين الواحد بعد الآخر يعلم قومه في أرضه وفي زمانه أنه لا إله إلا الله ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ .

وشيءٌ طبيعي أن يستتبع ذلك في السورة حديثٌ عمن آمن وعمن كفر، فقد آمن بعض الناس وكفر من كفر، الذين آمنوا وصفهم كذا والكافرون حالهم كذا، بيَّن الله هذا في السورة بعد ذلك، بعد القصص المذكور في السورة جاء حديثٌ عمن آمن وعمن كفر، إشارةً إلى هذه الأمة لتعلم أنه سينقسم الناس بعد دعوة الرسل عادةً إلى فريقين، تسمى أمة الإجابة وأمة الكفر والإعراض، الأمة المحمدية كلها اسمها أمة الدعوة، جاء النبي عليه الصلاة والسلام يدعوها إلى الله وإلى وحدانية الله، ستنقسم كمن سبقها من الأمم إلى فريقين وإلى أمتين، أمة الإجابة اللهم اجعلنا منهم ونحن على عهدهم الآن بفضل الله تبارك وتعالى في هذا المجلس الطيب العظيم، أمة الإجابة استجابة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وأمة الكفر والعناد والإعراض العياذ بالله وهم الذين أعرضوا فأعرض الله عنهم، إلى أن يعودوا أو إلى أن يموتوا على هذا فيعرض الله عنهم في الآخرة كما أعرض عنهم في الدنيا، ويأتي في آخر السورة ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا أي من النار ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ، يُعرض عن كلامهم، لا تحدثوني ولا أكلمكم، ليس لكم عندي كلام، فكما أعرض عنهم في الدنيا يعرض عنهم كذلك في الآخرة، وذلك ليتبين الإنسان في هذه الأمة فضل أمة الإجابة على أمة الإعراض والكفر، وليختار على بيَّنة أن يكون مع أمة الإجابة أو مع أمة الكفر ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ من عاش حياةً ترضي الله تبارك وتعالى يعيشها وهو عالمٌ بها وهو قانعٌ بها وهو يعرفها، ومن يهلك يعرف لماذا هلك، ولذلك يقولون يوم القيامة ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا كنا أشقياء، أتحب أن تكون شقياً أيها الإنسان؟ لا يا رب، إذا كن مع أمة الإجابة من الدنيا.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 109.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 107.32 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]