|
|||||||
| ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
أدلة وجود النظم في القرآن الشيخ مسعد أحمد الشايب أولًا: الأحرف المقطعة وتوزيعها في سور القُرْآن الكريم، وكذلك توزيع أنواع فواتح السور القُرْآنية؛ فقد جاءت الأحرف المقطعة كما تقدم في تسع وعشرين سورة من سور القُرْآن الكريم، وجاءت على حرف أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، ولم تزد على ذلك؛ لتألف كلام العرب من ذلك، وقد جاءت أيضًا على أربعة عشر حرفًا من حروف المعجم، جمعت في قولهم: (نص حكيم قاطع له سر)، وقد جاءت بعض هذه الفواتح متفقة في الصيغة؛ فقد افتتحت البقرة، وآل عمران، والعنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة بقوله تعالى: ﴿ الم ﴾، ولم تتعاقب وراء بعضها البعض، بل تعاقبت البقرة وآل عمران في أول القُرْآن، وتعاقبت العنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة في النصف الثاني من القُرْآن، وافتتحت يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحِجر بقوله تعالى: ﴿ الر ﴾، ولم تتعاقَبْ كذلك، بل فصل بينها بسورة الرعد، فافتتحت بقوله تعالى: ﴿ المر ﴾، وافتتحت الشعراء والقصص بقوله تعالى: ﴿ طسم ﴾، وفصل بينهما بالنمل التي افتتحت بقوله تعالى: ﴿ طس ﴾ وافتتحت غافر، وفصلت، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف بقوله تعالى: ﴿ حم ﴾، وفصل بينهم بالشورى التي افتتحت بقوله تعالى: ﴿ حم * عسق ﴾ [الشورى: 1، 2]، وتفردت الأعراف في أول الربع الثاني من القُرْآن بفاتحة خاصة، فقال تعالى: ﴿ المص ﴾ [الأعراف: 1]، وتفردت مريم في أول الربع الثالث من القُرْآن بفاتحة خاصة، فقال تعالى: ﴿ كهيعص ﴾ [مريم: 1]، وسميت سور: طه، ويس، وص، وق، ون بأسماء الحروف المقطعة التي افتتحت بها، وجاءت متباعدة في النصف الثاني من القُرْآن، فهذا الترتيب وهذا التوزيع له حِكم وأسرار لم تصل إلينا بعد، وهو مما يدل على وجود النظم في القُرْآن، وإلا لتوالت كل مجموعة من السور اتفقت في فاتحة معينة من الأحرف المقطعة وغيرها كالسور التي بدئت بالنداء، أو السور الخمس التي بدئت بحمد الله، أو السور التي بدئت بالتسبيح والتنزيه أو التمجيد وهي سبع، أو السور التي بدئت بالظروف المستقبلية... إلخ. قال السيوطي: (ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاءً، وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات ولاءً، بل فصل بين سورها، وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس النمل مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لذكرت المسبحات ولاءً، وأخرت طس عن القصص)[1]؛ اهـ. قلت: ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لأُخرت الرعد عن الحِجر، وأُخرت الشورى عن الأحقاف، وذكرت السور المفتتحة بالنداء ولاءً، وكذا المفتتحة بالحمد، والمفتتحة بالظرف المستقبلي (إذا). ثانيًا: مِن الأدلة أيضًا على وجود النظم في القُرْآن: التشابه والتقارب بين الكثير من مقاصد وموضوعات بل وآيات السور القُرْآنية المرتبة ترتيبًا مصحفيًّا؛ فالقُرْآن يشبه بعضه بعضًا، وقد ثنيت موضوعاته وصرفت مرة بعد أخرى، فما أُجمِل في مكان فُصِّل في آخر، وإن نبه على حقيقة ما بأسلوب ما في سورة ما نبه عليها بأسلوب أو أساليب أخرى في سورة أخرى، وصدق الله إذ يقول: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ [الزمر: 23]. يقول الفراهي: (في القُرْآن آيات متجانسات مشتركات في مضامينها، ولكن في بعض منها تفصيل أمر وإجمال أمر، وفي بعضها تفصيل ما أجمل في مثلها، وإجمال ما فصل في غيرها، فاستقصِ المماثلات تجد معناها وربطها)[2]؛ اهـ. ولنأخذ مثالًا على ذلك سورتين من أكبر السور في القُرْآن الكريم البقرة وآل عمران (الزهراوين)[3]؛ فقد تشابه كل منهما في الآتي: أولًا: الافتتاح بالأحرف المقطعة، والثناء على القُرْآن الكريم، ومدحه، ونفي اختلاقه، وأنه هدى، فقال تعالى في مفتتح البقرة: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1، 2]، وقال في مفتتح آل عمران: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 1 - 4]. ثانيًا: وكما تشابهتا في الافتتاح كذلك تشابهتا في الختام؛ فقد ختمت سورة البقرة بطائفة من الدعاء، وكذلك جاء الدعاء في أواخر آل عمران قبل نهايتها بقليل، فقال تعالى في البقرة: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى في آل عمران: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 191 - 194]. ثالثًا: كذلك تقابلت السورتان في بيان مساؤى ورذائل أهل الكتاب عمومًا - وخصوصًا كتمان الحق الذي تفردت السورتان ببيانه، كالآتي: البقرة الآيات (42 - 146 - 159 - 174)، آل عمران الآيات (71 - 187)[4]، وبيان ضلالتهم والرد عليها.فاختصت سورة البقرة أو كان غالب تناولها لليهود، واختصت آل عمران أو كان غالب تناولها للنصارى، كما سيتضح عند الكلام عن نظم السور في القُرْآن الكريم إن شاء الله. رابعًا: كذلك اتفقت السورتان على تحريم الربا والتحذير من أكله، وهذا مما تفردتا[5]به أيضًا في القُرْآن الكريم، فقال تعالى في البقرة: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 275، 276]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]، وقال تعالى في آل عمران: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 130، 131]. قلت: الحكمة من هذا التفرد - والله أعلم - أن البقرة أول سورة نزلت بالمدينة بعد الهجرة، وقيل: الثانية نزلت بعد المطففين، وكان التعامل بالربا متفشيًا بالمدينة، وخصوصًا عند اليهود، فجاء التحذير في البقرة أولًا؛ لأول نزولها بالمدينة، ولاختصاصها ببيان فضائح وضلالات اليهود كما تقدم، ثم أكد هذا التحريم والتحذير من أكل الربا بآل عمران ثانيًا، ثم لوحظ ثانية أن الأمر بالتقوى سبق تحريم الربا في البقرة، وجاء تاليًا له في آل عمران، مما يدل على أن من فوائد التحلي بالتقوى الامتثال للأوامر الربانية، وهكذا جاءت أغلب الأوامر في القُرْآن الكريم، إما مسبوقة بالأمر بالتقوى أو متبوعة به، والله أعلم. خامسًا: كذلك تشابهت السورتان في الحديث عن البيت الحرام وحجه؛ فقد أفاضت سورة البقرة في الحديث عن قصة بناء البيت، وتعظيمه وتطهيره، والأمر بحَجِّه في العديد من آياتها، كما أنها تطرقت خلال هذه الآيات إلى الحديث عن القبلة وتحويلها، وموقف اليهود من ذلك وكتمانهم الحق الذي بعث به إبراهيم عليه السلام، وجاءت سورة آل عمران وأشارت إلى ذلك إشارة سريعة، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96، 97]. سادسًا: كذلك تشابهت السورتان في الدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله ترغيبًا وترهيبًا؛ فقد تفردت سورة البقرة بأكبر عدد من الآيات المتوالية التي تدعو إلى الانفاق في سبيل الله ترغيبًا وترهيبًا، من الآية (261) وحتى نهاية الآية (274) أربع عشرة آية، بخلاف الآيات المتفرقة الأخرى، ثم جاءت سورة آل عمران وأكدت هذه الدعوة في العديد من آياتها؛ ككفالة زكريا عليه السلام لمريم آية (37)، وكقوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، وكقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]. سابعًا: كذلك تشابهت السورتان في بيان بعض أوصاف المتقين؛ ففي سورة البقرة يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 3، 4] بيانًا للمتقين في قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، وجاءت سورة آل عمران وبينت أوصافًا أخرى للمتقين، فقال تعالى: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 15 - 17]، وقال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 133 - 135]. ثامنًا: كذلك تشابهت السورتان لفظًا ومعنى في بيان مهام النبي صلى الله عليه وسلم صراحةً، فقال تعالى في البقرة: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]، وقال أيضًا: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]، وقال في آل عمران: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وأضافت آل عمران مهامَّ أخرى للمصطفى صلى الله عليه وسلم، منها: القيام بالجهاد في سبيل الله، وما يتبعه من تثبيت المؤمنين، والحث على الصبر، والالتجاء إلى الله بالدعاء، وقسمة الغنائم وغيرها، وهذا يتمثل في الآيات التي تحدثت عن غزوة بدر في السورة، من الآية (123)، والآيات التي تحدثت عن غزوة أحد من الآيات (139) إلى آخر الآيات. تاسعًا: كذلك تشابهت السورتان في الدعوة إلى الإيمان بالكتب والرسالات السماوية أجمع بصيغ مختلفة وطرق تعبيرية متنوعة؛ ففي البقرة يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 4]، ويقول: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]، ويقول: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، وفي آل عمران يقول تعالى: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 3، 4]. قلت: انظر إلى طريقة التعبير عن وجوب الإيمان بالكتب والرسالات السماوية؛ فقد عبر الله بإنزالها، وهذا يقتضي وجوب الإيمان بها، ثم رهب بالعذاب الشديد والانتقام ممن كفر بها. ويقول تعالى: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84]. قلت: هكذا تنوعت طرق الخطاب والدعوة إلى الإيمان بالكتب والرسالات السماوية السابقة أجمع في السورتين، فمن الإشارة إلى ذلك عن طريق وصف المتقين به، إلى خطاب أهل الكتاب بذلك، إلى تقرير أن ذلك من عقيدة المصطفى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، وهذا في البقرة، وفي آل عمران كان التعبير بإنزالها والتحذير من الكفر بها، ثم خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان بذلك، وعدم التفريق بين أيٍّ من رسل الله وأنبيائه. عاشرًا: كذلك تشابهت السورتان في اشتمالهما على اسم الله الأعظم. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163] وفاتحة سورة آل عمران: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]))[6]؛ اهـ. قلت: ولعل هذا هو السر في وصفه صلى الله عليه وسلم لهما بالزهرواين، كما تقدم. حادي عشر: كذلك تشابهت السورتان لفظًا ومعنى، وتفردتا ببيان العقوبة الدنيوية التي ضربها الله على أهل الكتاب؛ مِن ضرب الذلة والمسكنة عليهم، والرجوع بغضب الله نظير تكذيبهم وكفرهم وجحودهم بنِعم الله وآياته، فقال تعالى عن اليهود في البقرة: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61]، وقال تعالى في آل عمران عنهما جميعًا: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112]. ثالثًا: من الأدلة أيضًا على وجود النظم في القُرْآن: القصص وتوزيعه في القُرْآن مع تنوع الدلالة والهدف، فقد نرى قصة واحدة تتكرر في عدة سور، وتأتي بأساليب متنوعة، وصياغات مختلفة؛ كقصة آدم عليه السلام التي ذكرت في القُرْآن في سبع سور[7]، وقد نرى سورة واحدة وقد جمعت عددًا من قصص الأنبياء المختلفة بحيث يعمها لون واحد وطابع واحد وأسلوب واحد، على رغم ما يفصل بينها من فترة هائلة، وقرون متطاولة؛ كسورة الشعراء التي تصور لنا مصارع الطغاة من الأمم السابقة بحيث يلون جميعها لون واحد، وتصاغ بأسلوب واحد، فكل واحد من تلك المصارع يبدأ غالبًا بالأمر بالتقوى أو الأمر بالعبادة؛ كما في قصة إبراهيم عليه السلام، وينتهي بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 67، 68]، فهذا الأسلوب أسلوب عرض القصة الواحدة بأساليب متنوعة وصياغات مختلفة، وصياغة قصص متعددة بلون واحد وأسلوب واحد وطابع واحد، هذا الأسلوب يدل على أن القُرْآن الكريم جاء على نظم رصين دقيق، وصدق الله إذ يقول: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]. ولنضرب مثالًا على تكرار القصة الواحدة في سور مختلفة وصياغتها بأساليب متنوعة يناسب سياق وجو السورة القُرْآنية بقصة سليمان عليه السلام؛ فقد ذكر اسمه عليه السلام سبع عشرة مرة في القُرْآن في سبع سور[8]، والذي يعنينا هنا مشاهد القصة في سور الأنبياء، والنمل، وسبأ، وص؛ لأنه في سور البقرة والنساء والأنعام مجرد ذكر للاسم بدون إشارة إلى أي من مشاهد القصة. مشهد القصة في سورة الأنبياء: يقول الله تعالى: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ [الأنبياء: 78 - 82]. ملحوظتانِ على المشهد والسورة: 1- السورة لم تراعِ الترتيب الزمني في ذكرها للأنبياء والمرسلين، فبدأت بذكر موسى وهارون، ثم ثنَّتْ بذكر إبراهيم ولوط، ثم داود وسليمان، ثم أشارت إشارات خاطفة لكل من أنبياء الله: أيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، ويونس، ثم ذكرت زكريا ويحيى، فالسورة اشتملت على ستة عشر نبيًّا عليهم جميعًا الصلاة والسلام. 2- المشهد الذي أمامنا يختلف عن بقية مشاهد قصة سليمان عليه السلام؛ فهو لا يتعلق بسليمان عليه السلام وحده، بل يتعلق أيضًا بأبيه داود عليه السلام، والسر في وجود هذا المشهد هنا في تلك السورة هو اصطباغه بصبغة السورة وتلونه بطابعها العام؛ فسورة الأنبياء قرنت بين موسى عليه السلام وهارون عليه السلام، وقرنت بين إبراهيم عليه السلام ولوط عليه السلام، وقرنت بين زكريا عليه السلام ويحيى عليه السلام، والذي يؤكد لنا ذلك أن سورة النمل - وهي أكثر السور القُرْآنية تعرُّضًا لقصة سليمان عليه السلام - لم تقرن بين داود عليه السلام وابنه سليمان عليه السلام، وقد ذكرت طرفًا من قصة موسى عليه السلام، ولم تقرن معه هارون عليه السلام، وكذلك ذكرت طرفًا من قصة لوط عليه السلام ولم تقرنه بإبراهيم عليه السلام، وسورة سبأ لم تذكر إلا داود عليه السلام وسليمان عليه السلام ولم تقرن بينهما في المشهد أيضًا، وكذلك سورة (ص) لم تقرن بينهما في المشهد بالرغم من ذكرها للعديد من الأنبياء والمرسلين، والله أعلم. وفي سورة النمل: يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ * وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ * قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 15 - 44]. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |