من أسباب محبة الله تعالى عبدا اتباع النبي ومحبته وآل بيته (2) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4593 - عددالزوار : 1301511 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4138 - عددالزوار : 828275 )           »          جرائم الرافضة.. في الحرمين على مر العصور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 122 )           »          المستشارة فاطمة عبد الرؤوف: العلاقات الأسرية خير معين للأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 117 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13156 - عددالزوار : 348707 )           »          الحياة الإيمانية والحياة المادية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 181 )           »          وَتِلْكَ عَادٌ... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 312 )           »          معركة شذونة.. وادي لكة.. وادي برباط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 315 )           »          أخــــــــــلاق إسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 849 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2957 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 09-09-2020, 02:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,282
الدولة : Egypt
افتراضي من أسباب محبة الله تعالى عبدا اتباع النبي ومحبته وآل بيته (2)

من أسباب محبة الله تعالى عبدا اتباع النبي ومحبته وآل بيته (2)


محمد محمود صقر





خاصة: علي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم - جميعًا


ثانيًا: محبّة النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وتعد محبّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فريضةً على كلّ إنسان، وهذه المحبّة لازمةٌ للإيمان؛ ومن الآيات والأحاديث في ذلك قول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذى نفسي بيده لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده"[1]، وقال: "ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهن طعم الإيمان" وذكر منهن "من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما"[2]، وعن أنس - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده، وولده، والناس أجمعين"[3]، وفي رواية للنسائي: "حتى أكون أحبَّ إليه من ماله وأهله والناس أجمعين"[4]، وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده"[5]، وفي الصحيح قال عمر: يا رسول الله! لأنت أحبُّ إليَّ من كلِّ شيءٍ إلا نفسي، فقال: "لا والذي نفسي بيدِه حتى أكونَ أحبّ إليكَ من نفسِك التي بين جنبيك"، فقال عمر: فأنت الآن والله أحبُّ إليّ من نفسي، فقال: "الآنَ يا عمر"[6].

من هنا نُدرِك أن الإنسان إذا آنس من نفسه ضعف محبّة، أو آنس غلبة محبّة شيءٍ آخر على حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فعليه أن يداوي نفسه، وهذا واجبٌ على كل مسلم. وإذًا فمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فريضةٌ، وأن هذه المحبة ليست محبّة عقلية فحسب؛ بل هي محبة عاطفيّة، فالإنسان يحب ابنه وأهلَه ووالده ونفسه ليس مجرد حبٍّ عقليٍّ بل هناك شيءٌ وراء ذلك، والمسلم مطالبٌ بأن يحبّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ماله وولده وأهله وعشيرته ومسكنه وتجارته ونفسه، وتلك فريضةٌ من فرائض الله على الإنسان[7].

ويعد حبُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلاً من أصول الإسلام ومبدأً من مبادئه.. لا يستقيم إيمان إنسان بدونه.. ولا يسع مسلم أن يتجاوزه.. ولا يصح لمسلم أن يكون متردِّدًا فيه؛ فهو مرتبطٌ بمحبّة الله - عز جل -؛ إذ إنه مبعوثُه ورسوله ومصطفاه ومجتباه؛ ففي الصحيحين عن أنسٍ قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددتَ لها؟". قال: لا شيء، إلا أنِّي أحبُّ اللهَ ورسولَه، فقال: "أنت مع من أحببْت". قال أنس: فما فرِحنا بشيءٍ فرَحَنا بقول النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: "فأنا أُحِبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم"[8].

وقد اقترن حبّه - صلى الله عليه وسلم - بحبّ الله تعالى في كثيرٍ من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة؛ فمن الآيات قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ ﴾ [آل عمران: 31]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 24] الآية، ومن الأحاديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهن طعم الإيمان: من كان الله ورسولُه أحبّ إليه مما سواهما..." الحديث[9].

ثالثًا: محبة أهل البيت - رضي الله عنهم - وأرضاهم:
أ- المقصودون بأهل البيت - رضي الله عنهم -: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب: 33]...

قال الطبري:
اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بقوله [أَهْلَ الْبَيْتِ] فقال بعضُهم: عُنِي به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين -رضوان الله عليهم- قالت عائشة: خرج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه ثم قال ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾[10]. وعن أبِي عمّار قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدِّث قال: سألتُ عن عليّ بن أبي طالب في منـزله فقالت فاطمة: قد ذهب يأتي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ جاء فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلت، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفراش وأجلس فاطمةَ عن يمينه وعليًّا على يساره وحسنا وحسينا بين يديه، فلفع عليهم بثوبه وقال: "﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾، اللهم هؤلاء أهلي.. اللهم أهلي أحقّ"، قال واثلة: فقلت من ناحية البيت: وأنا يا رسول الله من أهلِك؟ قال: "وأنت من أهلي"، قال واثلة: "إنها لمن أرجى ما أرتجي"[11]... قال: وقال آخرون منهم عكرمة: بل عُني بذلك أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [12].

وقال المباركفوري: "باب مناقب أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الشيخ عبدُ الحقّ في اللمعات: اعلم أنّه قد جاء أهل البيت بمعنى من حرم الصدقة عليهم، وهم بنو هاشم؛ فيشمل آلَ العباس وآلَ عليٍّ وآلَ جعفرٍ وآلَ عقيل وآلَ الحارث؛ فإنّ كلّ هؤلاء يحرُم عليهم الصدقة، وقد جاء بمعنى أهلِه - صلى الله عليه وسلم - شاملاً لأزواجه المطهَّرات، وإخراج نسائه - صلى الله عليه وسلم - من أهل البيت في قوله ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ [الأحزاب: 33]، مع أن الخطابَ معهنّ سباقًا وسياقًا، فإخراجهن مما وقع في البيت يُخرِج الكلامَ عن الاتساق والانتظام، قال الإمام الرازي: إنّها شاملةٌ لنسائه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن سياق الآية ينادي على ذلك، فإخراجُهن عن ذلك وتخصيصُه بغيرهن غير صحيح، والوجه في تذكير الخطاب. "إني تركت فيكم من إن أخذتم به" أي اقتديتم به واتبعتموه، وفي بعض النسخ "تركت فيكم ما إن أخذتم به"[13] أي إن تمسكتم به علمًا وعملاً، "كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي" قال التوربشتي: عترة الرجل أهلُ بيته ورهطُه الأدْنَون، ولاستعمالهم العِترة على أنحاء كثيرة بيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله "أهل بيتي" ليعلم أنّه أراد بذلك نسلَه وعصابته الأدنين وأزواجه، انتهى. قال القارئ: والمراد بالأخذ بهم التمسّك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم، وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وقال ابن الملك: التمسّك بالكتاب العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه، ومعنى التمسك بالعترة محبتُهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم"[14].

ب- محبة عليّ - رضى الله عنه -: عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: أشهدُ أنّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أحبّ عليًّا فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله"[15]. وقال رجلٌ لسلمانَ - رضى الله عنه -: ما أشدّ حبِّك لعليّ! قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني"[16]، وقال علي - رضى الله عنه -: "والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنه لعهد النبيّ الأمّي - صلى الله عليه وسلم - إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمنٌ ولا يبغضني إلا منافق" [17].

قال العلامة المناوي:
"من أحبّ عليًّا فقد أحبني ومن أبغض عليّا فقد أبغضني" لِمَا أُوتِيه من كرم الشيم وعلوّ الهمم، قال السهروردي: اقتضى هذا الخبر وما أشبهه من الأخبار الكثيرة في الحثّ على حبّ أهل البيت والتحذير من بغضهم تحريمَ بغضِهم ووجوبَ حبّهم، وفي توثيق عرى الإيمان عن الحرالي أن خواصّ العلماء يجدون لأجل اختصاصهم بهذا الإيمان حلاوةً ومحبةً خاصّة لنبيّهم، وتقديمًا له في قلوبهم حتى يجد إيثاره على أنفسهم وأهليهم[18]. وقال جابر - رضى الله عنه -: ما كنّا نعرف المنافقين إلا ببغض عليّ[19] [20].

وقال النووي:
ومعنى هذه الأحاديث[21] أنّ من عرَف مرتبة الأنصار… وعرف من علي بن أبي طالب - رضى الله عنه - قربَه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - له، وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه فيه، ثم أحبّ الأنصار وعليّا لهذا، كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه؛ لسروره بظهور الإسلام، والقيام بما يُرضِي الله - عز جل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أبغضَهم كان بضد ذلك، واستدلّ به على نفاقه وفساد سريرته والله أعلم، وأما قوله "فلق الحبة" فمعناه شقّها بالنبات، وقوله "وبرأ النسمة" هو بالهمزة أي خلق[22].

قلت: اعتبرنا محبّة عليٍّ - رضى الله عنه - من موجباتِ محبّة الله - عز وجل - لِمُحبِّه كون محبته - رضى الله عنه - سببًا لمحبّة العبد ربه تعالى كما صرّحت الأحاديث به؛ فلمّا كان حبُّ عليٍّ حبًّا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ثم لله - عز وجل -، ولما كان حبُّ الله ورسوله من جوالب حبِّه تعالى للعبد، كان حبُّ علي - رضى الله عنه - سببًا لمحبَّته سبحانه مَن فَعلَه، وإن كانت أحاديثُ كثيرةٌ قد ذكرت ذلك صراحة ولم ننقلها لتضعيف العلماء إيّاها. ففي حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن حبّ علي - رضى الله عنه - سببٌ لمحبة العبد ربه؛ ولذا سنتناوله في القسم الثاني إن شاء الله.

جـ- محبة فاطمة - رضي الله عنها -: قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن فاطمة منِّي وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها"[23]، وقال: "فاطمة بِضعةٌ منّي فمن أغضبها أغضبني"[24].

ومناسبة حديث "فاطمة بضعة مني" أن عليًّا - رضى الله عنه - خطب بنت أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام، فاستشار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أعن حسبِها تسألُنِي"؟ فقال: لا ولكن أتأمرُنِي بها؟ قال: "لا، فاطمة مضغة مني، ولا أحسب إلا أنّها تحزن أو تجزع"، فقال علي: لا آتي شيئا تكرهه[25]. فترك عليٌّ الخِطبة وتزوجها عتابُ بن أسيد بن أبي العيص لما تركها علي، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا أن يريدَ ابنُ أبي طالبٍ أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم"[26] هذا محمولٌ على أن بعض من يبغض عليًّا وَشَى به أنه مصمم على ذلك، وإلا فلا يُظنّ به أنه يستمر على الخطبة بعد أن استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنعه، وفي "وإني لست أحرّم حلالاً ولا أحلِّل حرامًا، ولكنْ واللهِ لا تُجمع بنتُ رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدًا"[27]، قال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرّم على عليٍّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرامٌ بالاتفاق، ومعنى قوله: "لا أحرم حلالا" أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة، وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذِّي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لتأذي فاطمة به فلا، وزعم غيرُه أن السياق يشعر بأن ذلك مباحٌ لعليٍّ لكنه منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - رعاية لخاطر فاطمة، وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذي يظهر لي[28] أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يُتزوج على بناته، ويحتمل أن يكون ذلك خاصًّا بفاطمة - عليها السلام -.

قوله "فإنما هي بَضْعةٌ منّي" -بفتح الموحَّدة وسكون الضاد المعجمة- أي قطعة، وفي رواية "مضغة"، والسبب فيه... أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدةً بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفّف عليها الأمر ممن تفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة. قوله "يريبني ما أرابها -وفي رواية رابَها- وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها"؛ يعني أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حقّ زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين، "ويؤذيني ما آذاها" "وينصبني ما أنصبها"، وهو التعب: "يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها".

ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك لم يُمنع علي من التزويج بها أو بغيرها، وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأذيه؛ لأن أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - حرام اتفاقا قليلُه وكثيره، وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهادة هذا الخبر الصحيح، ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها[29]، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشدّ، وفيه حجةٌ لمن يقول بسد الذريعة؛ لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلالٌ للرجال ما لم يجاوز الأربع، ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل[30].

ومحبّة فاطمة - رضي الله عنها - تعني تولِّيها والإحسان إليها ومعرفة حقّها ومكانتها من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ومن ثم قال أبو بكر لعلي - رضي الله عنهما - لما وجدت فاطمة عليه لمنعه إيّاها من ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لقرابةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أحبّ إليَّ أن أَصِلَ من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آلُ فيها عن الخير، ولم أترك أمرًا رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعه فيها إلا صنعته"[31].

ولم تصرّح الأحاديث بأن محبّة فاطمة - رضي الله عنها - من أسباب محبته تعالى للعبد؛ لكن يقال في ذلك ما قيل في محبّة زوجها - رضي الله عنهما - فمحبتهما محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحبته - صلى الله عليه وسلم - محبةٌ لله تعالى، ومحبة الله تعالى ورسولِه من أسباب محبة الله تعالى كما بينا وكما هو معروف.

فإن قال قائل: وإذًا محبّة عائشة وأبيها وعمر - رضي الله عنهم -، الذين صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم أشد من يحبهم، أسبابٌ كذلك لمحبته تعالى، قلنا: نعم، إن محبّة سائر الصحابة، بل وسائر الصالحين وتولِّيهم، من أسباب محبته سبحانه العباد، كيف لا وهم أولياؤه وخاصته.. اختصهم بفضله وأفاض عليهم من محبته؟!

وإن قائل قائل: إن أبا بكر وعمر أحبّ إلى رسول الله من عليّ كما في حديث عمرو بن العاص - رضى الله عنه - لما سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أحبّ الناس إليه فقال: عائشة، فلما سأله من الرجال، قال: أبوها، فقال عمرو: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب [32].. قلنا: إن قَدَرَ أن يحبّ أبا بكر فعمر فعثمان فعليًّا فذلك أفضل، وإلا فالحبّ حبّان: قلبي وعقلي -كما صرّح بذلك بعض شراح حديث عمر "والله لأنت أحب الناس إليّ يا رسول الله إلا نفسي" الوارد قبل قليل- قالوا: لم يغير عمر قلبه في الحال؛ لكنه غيّر عقله لما علم أن محبّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنفع له عند الله من محبة نفسه، فكذلك نقول: إن محبّة أبي بكر وعمر أنفع لنا من محبّة علي لأنهما أفضل منه - رضي الله عنهم - جميعًا وخير له أن يُحشَر مع الأفضل؛ لكنْ إن لم يستطع ذلك بقلبه فعلى الأقل يجب أن يكون حبًّا عقليّا، ثم يجتهد في المعرفة بهم؛ لأن غالب من أحبّوا المفضولين قصّروا في المعرفة بالفاضلين، ولو عرفوهم لعرفوا فضلهم ولأحبوهم إن استلّت من القلوب السخائم.

د- محبّة الحسن والحسين - رضي الله عنهما -: قال - صلى الله عليه وسلم - فيهما مجموعين - رضي الله عنهما -: "هذان ابناي، الحسن والحسين، اللهمّ إني أُحبّهما، اللهمّ فأحبّهما وأحبّ من يُحبّهما"[33]، وقال: "ذروهما بأبي وأمي، من أحبني فليحبّ هذين"[34]، وقال -وقد اعتنق الحسن - رضى الله عنه --: "اللهمَّ إنّي أحبه فأحبّه، وأحبّ من يحبّه"[35]، وقال -في الحسين - رضى الله عنه - وحده-: "حسينٌ منِّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينًا، حسين سبط من الأسباط"[36].

قال المباركفوري، وهو يشرح جامع الترمذي:
"باب مناقب الحسن والحسين - رضي الله عنهما - كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثيرٍ من المناقب، وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاثٍ من الهجرة عند الأكثر وقيل بعد ذلك، ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها، وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر[37]، وقُتِل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيدَ كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذَّل غالبَ الناس عنه فتأخّروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مُسْلِمَ بن عقيل وكان الحسين قد قدَّمه قبله ليبايع له الناس، فجهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى أن قُتل هو وجماعة من أهل بيته، والقصة مشهورة".

قال: قوله: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".. جمعُ شابّ، وهو من بلغ إلى ثلاثين.. يعني هما أفضل من مات شابّا في سبيل الله من أصحاب الجنة، ولم يُرد به سن الشباب؛ لأنهما ماتا وقد كهلا، بل ما يفعله الشباب من المروءة، كما يقال فلان فتى إن كان شيخًا يشير إلى مروءته وفتوته، أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين، وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب، وليس فيهم شيخ ولا كهل، قال الطيبي: ويمكن أن يراد هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان".

قال: "هذان ابناي -أي حكمًا وابنا ابنتي أي حقيقةً- اللهم إني أحبهما".. إلخ، لعل المقصود من إظهار هذا الدعاء حمل أسامة وغيره على زيادة محبتهما".

قال: "فيشمهما" أي فيحضران فيشمهما ويضمهما إليه أي بالاعتناق والاحتضان.

قال: "إن ابني هذا سيد" فيه أن السيادة لا تختص بالأفضل؛ بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة، وهو مشتق من السؤدَد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي الأشخاص الكثيرة، "يصلح الله على يديه" وفي رواية البخاري وغيره "لعل الله أن يصلح به بين فئتين".. زاد البخاري في رواية "عظيمتين" قال العيني: وصفهما بالعظيمتين؛ لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن - رضى الله عنه - وفرقة مع معاوية، وهذه معجزة عظيمة من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر، وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة مكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة، وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة، وأقام الحسن أيّامًا مفكرا في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر، ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقّه، سلّم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وقيل من ربيع الآخر وقيل في غرة جمادى الأولى، وكانت خلافتُه ستةَ أشهر إلا أياما وسمي هذا العام عامَ الجماعة، وهذا الذي أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين" انتهى.

قال: يريد - صلى الله عليه وسلم - بقوله "ابني هذا" الحسن بن علي بن أبي طالب.

قال: قوله "حسين مني وأنا من حسين" قال القاضي: كأنه - صلى الله عليه وسلم - [رأى] بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصّه بالذكر وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله "أحبّ الله من أحبّ حسينًا" فإن محبته محبة الرسول ومحبّة الرسول محبة الله.. "حسين سِبط -بالكسر- من الأسباط" قال في "النهاية": أي أمة من الأمم في الخير، والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنـزلة القبائل في ولد إسماعيل، وأحدهم سبط فهو واقع على الأمّة والأمة واقعة عليه، انتهى. وقال القاضي: السبط ولد الولد أي هو من أولاد أولادي، أكد به البعضية وقررها، ويقال للقبيلة قال تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً ﴾ [الأعراف: 160]؛ أي قبائل، ويحتمل أن يكون المراد هاهنا على معنى أنه يتشعب منه قبيلة ويكون من نسله خلق كثير فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى، وكان الأمر كذلك.

قال: قوله "لم يكن أحد منهم -أي من أهل البيت- أشبهَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحسن بن علي" هذا يعارض رواية ابن سيرين عند البخاري عن أنس قال "أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين" الحديث، وفيه فقال أنس "كان -أي الحسين- أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -" قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يكون أنسٌ قال ما وقع في رواية الزهري يعني رواية الباب في حياة الحسن؛ لأنه يومئذٍ كان أشد شبها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أخيه الحسين، وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه، أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كلٌّ منهما كان أشد شبها به في بعض أعضائه، فقد روى الترمذي وابن حبّان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال: "الحسن كشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان أسفل من ذلك"[38]، ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه "وكان أشبههم وجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -" وهو يؤيد حديث عليّ هذا، انتهى[39].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 125.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.50 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]