|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الولاء والبراء.. حوار بين الشيخ والتلميذ فرحان العطار انفضَّ الطلاب من حول الشيخ الوقور الذي بقي جالسًا في مكانه وقد لاحظ شابًّا في آخر المسجد، وأيقن بفِراسته بأن شيئًا ما يحير هذا الشاب! قام واستقبل القِبلة وصلى ركعتين خاشعتين، فلما انفتل من صلاته إذا بالشاب واقفًا على رأسه، فابتسم الشيخ ابتسامة الواثق من ظنه! كان الشاب مطرق الرأس، وما كان يخفى على الشيخ ما كان يغلِبه من الحياء؛ فاستقبله بنظرة حانية دافئة غلَبت كثيرًا مما كان يشعر به من قلق واضطراب، مما دفعه إلى أن يتقدم ويقول بصوت متحشرج: • السلام عليكم. • وعليكم السلام. عمَّ المكانَ صمتٌ قاتل زاد من حالة القلق، حتى شعر الشاب بالغثيان، وتعسرت ولادة الكلمات، فتدخل الشيخ لاحتواء الموقف، وقال: • كيف حالك يا بني؟! كان هذا بمثابة جسر العبور بالنسبة للشاب، وكأن الشيخ قد أعطاه مفتاحًا للدخول في الموضوع، فقال مستعجلًا: • بخير. ما زال الشاب قلقًا، فأدخله الشيخ في الموضوع مباشرة. • تفضل يا بني، وكأن هناك ما يُقلقك؟! • نعم. • إذًا قل! • يا شيخ، هناك ما حيرني! • ما هو يا بني؟ • لقد حضرتُ الخُطبة بالأمس وكانت عن الولاء والبراء. • وما في ذلك؟! • لا، لا شيء، ولكني يا شيخ..خـ..خشيتُ على ديني! • عندها اعتدل الشيخ في جلسته، وزاد اهتمامه، وقال متعجبًا: خشيتَ على دينك؟! • نعم والله يا شيخ، حتى إني لم أستطع أن أنام البارحة. • وما الذي جعلك تخشى على دينك؟! • لقد قال في خطبته كلامًا خطيرًا. • مثل ماذا؟ • لا أذكر، ولكن ما فهمته أن الأمر خطير، وأن عدم العمل به ربما ينقُضُ ديني كلَّه! • حينها أطرق الشيخ متفكرًا في هذه الحقيقة التي يعرفها جيدًا، ثم رفع رأسه وقال: فماذا تريد إذًا؟ • أريد حقي! • ذهل الشيخ، وقال: ما حقك؟! • هل تعلم يا شيخ أن هذه هي الخطبة الوحيدة التي سمعتها عن الولاء والبراء في حياتي؟! أين ما أُخِذ عليكم من الميثاق بتبليغ هذا الدين ونشره؟! ألا ترى مظهري وسلوكي وكأنه لا يمتُّ للإسلام والمسلمين بصلة؟! • أطرَق الشيخ واجمًا وهو يهزُّ رأسَه مكتفيًا بالسكوت. • هل تعلم يا شيخ أن الله أنقذني بهذه الخطبة وأنا في بلاد المسلمين، فكيف بمن في مشارق الأرض ومغاربها! • صدقتَ يا بني! ووالله، إن الولاء والبراء قد أصبح كغيره من القضايا الكبرى كالجهاد والحُكْم بغير ما أنزل الله و..و. • التي قل مَن يتكلم ويُبين الحق فيها. • نعم نعم. • والسبب؟! • تنهَّد الشيخ بشكل ينم عن حسرة وألم، ثم قال: إنه الركونُ للدنيا والخوف يا بني! • حتى لا نُتَّهَم بالتطرف والتكفير والهمجية، وحتى لا نتعرض للاتهام والإيذاء! • نعم، ولكن ليس الجميع هكذا. • ولكن أين هم! أين صوتهم وأثرهم؟! • وأين أنت وأمثالك؟! لِم لا تقرأ القرآن؟! ألم تعلم بأنه مليء بهذا الأصل؛ حتى ربما لا تحتاج معه إلى شرح؟! • ولكن يحتاج إلى تذكير؟! • نعم، أكيد. • إذًا، فأين واجب التذكير؟ • دعنا من هذا كله، وقل: ما الذي تريده؟! • أريد أن تعلِّمَني عقيدة الولاء والبراء؛ فأنا جاهل بها، وأنت عالم؛ فعلِّمْني. • مِن أين تريد أن نبدأ؟ من تعريفها؟ • لا، لا، سؤال قبل الدخول في الموضوع. • تفضَّل. • هل صحيح بأن التفريط في الولاء والبراء من نواقض: لا إله إلا الله؟ • التفريط له عدة صور، بعضها لا ينقض التوحيد. • وبعضها؟! • تنقضه عروةً عروةً. • جحظت عينا الشاب، وفتح فاه مذهولًا وهو يقول: ألهذا الحد؟! • نعم يا بني! والقرآن واضحٌ وصريح في هذا. • وكيف؟! • ألم تسمع قوله تعالى: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 28]، هذا أمر مِن الله؛ فما عاقبة مَن تعدى عليه ولم يعمل به، أتدري؟! • لا. • الإجابة في نفس الآية: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾ [آل عمران: 28]، أتدري ما معنى ذلك؟ • وكأنه أول مرة يسمعها، قال: نعم.. يعني.. يعني. • يعني أن الله بريء منه، أرأيت؟! • الشاب أذهلته الآية التي أغرقته ببيانها وصراحتها وصرامتها، حتى أوقف ذهوله عبارة راعبة! • ليس هذا فقط. • ماذا؟ • بل هناك الكثير! • مثل ماذا؟ • أما قرأتَ قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [المائدة: 80]. • يا لله! سخَطُ اللهِ وعذابه والخلود في ناره! ألهذا المصير يقود تولي الكافرين ومظاهرتهم؟! • نعم يا بني؛ فالأمر ليس بالشيء السهل، بل يحتاج إلى تعلُّم وعمَل، وتذكير ومجاهدة. • اعتدل الشاب في جلسته، وقال: أجل..أجل..إن الأمر خطير، وغفلتنا عنه أخطر.. • صدقت يا بني! والآن دعني أشرح لك معنى الولاء والبراء. • تفضل، ويا ليت الشرح يكون واضحًا ومبسطًا و! • نعم نعم، سيكون كذلك، وبالتدريج، ونبدأ بمعنى الولاء والبراء. • تفضل شيخنا. • الولاء يجمع عدة معانٍ، منها: الحب، والنُّصرة، والقُرب. فالحب في القلب. والنصرة بالمال واليد والفِعل. والقُرب بالجسد والفكر. • نعم شيخنا؛ فهذا تفصيل واضح وسهل في الحب والنصرة، ولكن القرب ما هو دليلكم؟ • هذا يتضح بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا بريء مِن كل مسلم أقام بين أظهُرِ المشركين..))؛ رواه أبو داود. • حسنًا يا شيخ، هناك مَن يقول بأن العالم اليوم أصبح كقرية، وهناك من يسافر إلى بلاد الكفار ويقيم فيها بغرض الدراسة، أو طلب الرزق، أو السياحة، أو غيرها؟! • أما مَن يقول بأن العالم اليوم أصبح كقرية، فنعم، ولكن هذا لا يبرر مخالفة، أو يُسقط حكمًا ثابتًا، بل هذا مما يحفز المسلم للاجتهاد في الدعوة وتبليغ هذا الدين. • والسفر والإقامة في بلادهم؟ • اشترط العلماء لها ثلاثة شروط. • جميل. • الشرط الأول: أن يكون لديه من العلم ما يدفع به الشُّبَهَ والضلالات. • والشرط الثاني. • أن يكون عنده من الدِّين ما يدفع به الفِتَن والشهوات. • والثالث. • والشرط الثالث: الضرورة والحاجة؛ كأن تكون إقامته للدعوة إلى الله ونشر الإسلام، أو أن تكون دراستُه في مجال أو تخصُّص يحتاجه المسلمون، ولا يوجد في بلادهم، أو علاج لا يوجد إلا عندهم، وهكذا.. • ولكن كثير من المسلمين اليوم يعيشون في البلاد الغربية الكافرة؟! • لا يجوز السفرُ ولا الإقامة في بلادهم إلا لضرورة تقدَّر بقدرها، ويشترط إظهارُ الدِّين وإعلانه، ومَن خالف ذلك فقد ظلَم نفسه! • والدليل؟ • ألا يكفي الحديث السابق! • بلى، بلى، إذًا الولاء خاص بالمسلمين، فيكون المؤمن محبًّا لهم بقلبه، ناصرًا لهم بما يستطيع، مخالطًا وقريبًا منهم، أليس كذلك؟ • بلى. • إذًا، دَعْني أستنتج معنى البراء! • تفضل. • أولًا: الولاء للمؤمنين، والبراء يكون من الكافرين. • صحيح. تعريف البراء يكون بضد تعريف الولاء. • كيف؟! • حاوَل أن يتذكر معنى الولاء، ثم قال: البراء يكون بالبُغض، وعدم نصرتهم، والبُعد عنهم. • ضحك الشيخ، وقال: جميل، ها أنت أتقنت الدرس جيدًا؛ فالبُغض ضد الحب، وعدم النصرة ضد نصرتهم. • والبُعد ضد القُرب. • ضحك الشيخ والشاب معًا. • ولكن هات الدليل يا شيخ! • جميل؛ فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة: 73]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾ [التوبة: 123]. • والآية: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ﴾ [الفتح: 29]. • نعم في سورة الفتح، وقوله تعالى: ﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]. • إذًا، هذا تعريف الولاء والبراء؟! • نعم. • وماذا بعد؟ • قاعدة ننطلق منها. • تحمَّس الشاب وقال: نَعم. • لا بد أن تعرف أن الحب والبُغض في القلب هو الأساس. • كيف؟ • يعني: لا بد أن تحب في الله، وتُبغِض في الله في قلبك، ثم تترجم هذا الحب والبغض في الولاء لمن تحب، والبراء ممن تُبغض، هل فهمت؟ • بدأت الصورة تتضح، ولكن تحتاج لشيء من التوضيح. • نعم، أليس هناك مَن ينتمي إلى حزب سياسي فيحب ويُبغض بناءً على هذا الحزب. • بلى، وهذا يعني أن الحب والبغض أولًا لا بد أن يكونا على أساس صحيح. • أحسنت، لا بد أن يكون الحب والبغض في القلب لله أولًا. • يعني بأن مَن كان حبه وبُغضه لحزب أو مذهب أو طائفة أو فريق أو.. • نعم أو جنسية أو وطنية أو قومية، فإنه لا يستقيم له الولاء والبراء. • لأن أساسه ومنطلقه غيرُ صحيح. • أحسنت؛ فالأساس هو الحب والبُغض في الله؛ هذه القاعدة الأولى. • واضح. • ثم لا بد مِن ترجمة ذلك إلى فعل وواقع ملموس. • كيف؟! • ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]، وقوله: ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾ [الأنفال: 73] في سورة الأنفال. • لا شك بأن مجيء الفعل في ثنايا آيات الولاء والبراء دليل على أهميته، أليس كذلك؟! • أحسنت. • جميل، اكتملت الصورة الآن بين الباطن والظاهر؛ فما القاعدة الثالثة؟! • أن يحبَّ المسلمين حبًّا عامًّا؛ لإسلامهم، ويُبغِض الكافرين بُغضًا عامًّا؛ لكفرهم. • آه، واضح. • وهذا الحد الأدنى الذي يجب أن يعتقده كل مسلم. • إذا كان هذا الحد الأدنى، فيعني أن هناك حدًّا أعلى، فما هو؟ • أحسنتَ، وأعلى درجاته هو الجهاد في سبيل الله. • أوووه...ذروة السنام. • استنباط رائع، وقد ذكر الله عز وجل أعلى درجات الولاء وأعلى درجات البراء في آية واحدة. • جميل. • ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... ﴾ [المائدة: 54]. • فأين درجة الولاء هنا؟ • ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]. • ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 54] أعلى درجات البراء. • صحيح، فهذه آية عظيمة؛ نِصفها في الولاء، والنصف الآخر في البراء. • هكذا انتهينا مِن القاعدة الثالثة. • وهي الحب العام، والبُغض العام. • نعم. • القاعدة الرابعة هي التفصيل في الحب، والتفصيل في البُغض. • دعنا نجعل لكل واحد منهما قاعدة؛ لنتدرج. • حسنًا، ولنبدأ بقاعدة الحب والولاء للمؤمنين، كيف يكون؟! • جميل. • لا بد أن تعرف أن المؤمنين ينقسمون إلى قسمين: مَن قام بأمر الله، وانتهى عما نهى الله عنه، ولم يتعدَّ حدودَه. • والقسم الثاني: هم مَن قصَّر في أداء الأمر، أو تجاوز إلى فعل المعصية. • أحسنت؛ ﴿ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ﴾ [التوبة: 102]. • كيف أفرِّق بينهم؟! • نعم، فالقسم الأول لهم الحب والولاء الكامل في الله؛ لأنهم أطاعوا الله طاعة كاملة، واستقاموا على أمره. • واضح، والقسم الثاني؟ • هم مَن خلطوا، وقصَّروا، وتجاوزوا بعض الحدود؛ فهؤلاء لهم حبٌّ من جهة إيمانهم وطاعتهم، وبغضٌ من جهة ذنوبهم ومعصيتهم. • وهل يمكن هذا؟ أعني التبعيض؛ كأنْ أحبَّ شخصًا وأبغضَه في آنٍ واحد؟! • دعني أضرب على هذا مثالًا لتتضح الصورة. • يا ليت يا شيخ. • شخص مسلم مصلٍّ ومتصدق، ولكنه يشرب الخمر، فماذا تفعل معه؟ • أحبه؛ لأنه مسلم، ويشهد أن لا إله إلا الله، وأُبغِض ما فيه من معصية، أليس كذلك؟! • بلى، أحسنت. • انتهينا من القاعدة الرابعة. • نعم، والقاعدة الخامسة هي التفصيل في بُغض الكافرين. • نعم، وكما قلنا بأن حب المؤمنين ينقسم إلى قسمين، فكذلك البراء من الكافرين ينقسم إلى قسمين. • جميل. • وقد جاء تفصيلها في سورة الممتحنة، في قوله: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ... ﴾ [الممتحنة: 8]. • آه، وكأني أول مرة أسمعها. • صدقت يا بني، وهنا تبرز عظمة القرآن في بيان هذا الأصل العظيم؛ فقسمهم الله إلى قسمين. • دعني أذكرهما! • بكل سرور. • الأول: هم الذين لم يحاربونا في دِيننا، ولم يخرجونا مِن ديارنا. • والثاني. • مَن حاربونا في ديننا، وأخرجونا من ديارنا، وظاهَروا على إخراجنا. • أحسنت، ولكن هل لاحظت؟! • ماذا؟ • لم يقل في القسم الأول: أن تولَّوْهم، ولكن قال: ﴿ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: 8]، وأما القسم الثاني فنهى وحذر من توليهم: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 9]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |