|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
التربية الإسلامية في الوصايا اللقمانية
التربية الإسلامية في الوصايا اللقمانية عبدالحكيم خلفي بسم الله الرحمن الرحيم والصَّلاة والسَّلام على أَشرف خلْقِ الله، محمَّد بن عبدالله، وعلى آلِه وصحْبِه ومَن والاه، والتابِعين وتابِع التابِعين ومَن سار على نهْجِه وهُداه. وبعدُ؛ فكثيرًا ما نقرأ سورة لُقمان - أو على الأقلِّ آيات قصَّة لُقمان الحَكيم مع ابنه - ونَستمْتِع بتَرتيلها؛ لكنْ دون أن نُحاول استِنباط الطُّرُق التي نهَجها لُقمان مع ابنه لِتَعليمه وتَربِيَته، ودون أن نُحاول تَطبيق ما ورَد فيها مِن وصايا، ولا حتَّى أن نَستخلِصَ العِبَر منها، بل تَجدُنا نتعامل معها - كما هو الشأن مع باقي سور القرآن - على أنها قَصص حدَثتْ لِقَوم في غابِر الأزمان، ولا يُمكِن أن تَتكرَّر أو أنْ تَحدُث في زماننا هذا، ناهيك أن نُسقِطها على حياتنا اليوميَّة، فتَجدنا نتعامل بـ (بُرودَة) مع هذه القَصص، وإنْ حدَث وتوقَّفْنا عِندها وتأمَّلْناها وتأثَّرْنا بها، فإنَّ هذا التأمُّل وهذا التأثُّر سرعان ما يَنتهي بطيِّ سجلِّ "الكِتاب"، فما أحوجَنا إلى أن يتحوَّل هذا التأمُّل والتأثُّر إلى عَمل ملموسٍ، وفعْلٍ مَحسوس، وما أحْوَجنا إلى أن تَصير هذه العِبَر سُنَّةً تُتَّبع، ونهجًا يُقتَفى ويُطبَّق في حياتنا اليوميَّة. هذا، ولمَّا كانتْ ما تَحمِله وصايا لُقمان مِن مَناهِجَ تربويَّةٍ وتعليميَّة إسلاميَّة، وتقويم للسُّلوك؛ كان هذا البحث كإطلالة على ما انتهَجه "الأب" لُقمان مع ابنه؛ لِيَجعل منه رجلاً صالحًا، نافعًا لِمُجتَمعه، مِن أسلوب تربويٍّ رفيع، والله نسأل أنْ يُوفِّقنا لما فيه الخَير كلُّه، وبالله سبحانه التوفيق. إنَّ أوَّل ما نَستهلُّ به هذا البحث هو أن نُورد الآيات التي نحن في صدَدِ دراستها واستِخلاص الدروس منها. قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 13 - 19]. إنَّ هذه الوصايا التي سمَّاها القُرآن مَوعِظةً، لَتُعدُّ بحقٍّ أعظم المواعظ وأرقاها، والتي يُمكِن أن تُتَّبع كمِنهاج لإرشاد الأبناء إلى الطريق السويِّ، إلى سبيل النجاة الدينيَّة والدُّنيويَّة؛ لاشتِمالها على دروس يجب تلقينها لنا ولناشئتنا؛ ففيها صلاحهم وصلاح مجتمعهم، وبتطبيق هذه الدروس نكون بحقٍّ خيرَ أمَّة أُخرِجَت للناس. انتهَج لقمان مِنهاج التدرُّج في التَّلقين، وابتدأ بأصول المسائل وأهمِّها، فوضَع بَرنامجًا، وسَطر أولويات - شأنُه في ذلك شأن أيِّ عالم تربية يَعرف كيف يبدأ، ومِن أين يبدأ، وأين ينتهي، والثِّمار المراد جنْيُها مِن وراء هذا - وقد قال ابن خَلدون في هذا: "اعلم أنَّ تلقين العلوم للمُتعلِّمين إنما يكون مُفيدًا إذا كان على التدريج شيئًا فشيئًا، وقليلاً قليلاً، يُلقى عليه أولاً مسائل مِن كل باب مِن الفنِّ هي أصول ذلك الباب، ويُعرب له في شرْحِها على سبيل الإجمال، ويُراعى في ذلك قوَّة عقْلِه، واستِعداده لقَبول ما يَرِد عليه، حتى يَنتهي إلى آخِر الفنِّ، وعِند ذلك يَحصُل له ملَكة في ذلك العلم "[1]، وهذا ما فعله لُقمان الحَكيم. لقد بدأ وصاياه بكلمة استِعطاف، وهي كلمة تَرِقُّ بسماعها الأفئدةُ، وتَرتاح لها النُّفوس، وتُلطِّف أجواء الحوار بين الأب وابنه، فتَلتقِطها أُذُن السامع - وهو الابن - وتَصِل إلى قَلبِه، فيُحسُّها في صدْرِه دفئًا وحبًّا، وسعادةً وصِبًا، وتتوطَّد بها أواصِر الأُلفة، وتَنعقِد بنُطقِها حِبال الودِّ بين الأب والابن، إنها كلمة ﴿ يَا بُنَيّ ﴾، والتي تَجعَل مِن العُقوق أمرًا مُستحيلاً، ومِن البرِّ أمرًا لازِمًا وحتميًّا. إنها كلمة استِعطاف وأسلوب رحمة ورأفة، قد انتهَجها إبراهيم - عليه السلام - في دعوته لأبيه؛ لِيَتبعه ويَترُك ما كان يَعبُد مِن أصنام، ويُنقِذه مِن غِوايَة الشَّيطان، ويَهديه الصِّراط السويَّ، فقال له: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 42 - 45]. فما زال إبراهيم يكرر كلمة ﴿ يَا أَبَت ﴾؛ استِعطافًا وطمعًا في أن يَلين قلب والِده، ويَكون مِن الذين يَتبعونه، غير أنَّ الله ختَم على قلْب آزَر؛ فكان للشَّيطان وليًّا. وانتهَجها أيضًا مع ابنه إسماعيل عِندما أُوحِيَ إليه بأنْ يَذبح ابنه الوحيد، وهذا يتجلَّى في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، فما كان لهذا الابن البار بأبيه إلا أن يُبادله هذا الحب والاستعطاف، فيقول: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ [الصافات: 102]. وهذا ما فعَله نُوحٌ أيضًا في دعوته لابنه بأن يركب معه في السَّفينة، قال تعالى: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42]، لكنَّ عُقوق الابن وضَلاله كان أقوى مِن أن تؤثِّر فيه هذه الكلمات الاستِعطافية، التي تُحرِّك قلبَ أيِّ ابنٍ بار. وهذا هارون نجده أيضًا يَستعطِف أخاه موسى عندما لامَه على اتِّخاذ بني إسرائيل العجْل، فيقول: ﴿ قَالَ يَا ابن أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ [طه: 94]. كما أننا نجد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو مُعلِّم البشريَّة انتهَج هذا الأسلوب وهو يَعرِض الإسلام على عمِّه عِندما حضرَتْه الوَفاة، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عمِّ، قلْ: لا إله إلا الله، كلمة أَشهَد لك بها عِند الله... ))[2]، لكنْ صرَف الله قلْبَه عن سَماعها والنُّطق بالشهادتَينِ؛ فكان مِن الهالِكين. وها هو لقمان الحكيم يِسلُك نفْسَ المسلك، ويَنتهِج نفْسَ المنهَج؛ منهَج الاستِعطاف، وتحريك مَشاعِر الابن وإيقاظها، وبعْثِ الرِّقَّة في قلْبِه، وإحياء الرأفَة في فؤاده؛ لِيَحضُر بفكْرِه وقلبه، لِيُصغِيَ ويُنصِت لما يُريد أن يَقوله الأب. الدرس الأول: قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. هذه أول وصيَّة ودرْس يُلقِّنه الأب لابنه، كيف لا وعلى وحدانيَّة الله قامَتِ السموات والأرض، وعلى أساسها خُلق الإنسُ والجنُّ؟ فأمَّنهُم ورزَقهُم وأنعَم علَيهِم ومكَّن لهم في الأرض، وبعد هذا يُشرَك به، ويُعبَد سِواه، ويُجحَد حقُّه عليهم؟، وقد قال الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لِمعاذ بن جبَل: ((هل تدري ما حقُّ الله على عِباده؟))، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((حقُّ الله على عِباده أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا))، ثمَّ سار ساعةً، ثم قال: ((يا مُعاذ بن جبل))، قلت: لبَّيك رسول الله وسعْدَيك، قال: ((هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوه؟))، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((حقُّ العِباد على الله أن لا يُعذِّبهم))[3]، فما يَفعل الله بعَذابنا إن نحن عَبدناه ووحَّدْناه، ولم نُشركْ به شيئًا؟ لقد وصَف لقمانُ الشِّركَ بالله بأنه ظُلم عَظيم، وهو بحقٍّ أعظَمُ أنواع الظُّلم، ظُلم لله؛ فيَخلق ويَرزق، ويَمنَح ويُعطي، ويُعبَد غيرُه، وظُلم للنَّفس؛ بأن يَسلُك بها طريق الضَّلال والهلاك، فكل ظالم لله ظالم لنفْسِه، وكيف لا وهو ذنب غير مغفور؟ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116]. إنَّ الشرك بالله مِن أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، التي تؤدِّي بالإنسان إلى عدم الاهتداء؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]، فيَعيش هذا الظالم في ضَلال وعمًى وعدَمِ اهتداء وضنْكِ عَيشٍ؛ فلا تَستقيم له حياة، ولا تَطمئنُّ له نفْسٌ، ولا يَرتاح له بالٌ؛ لأنه خالف فطرته، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ مولود يولد على الفِطرَة، فأبَواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه، كمثل البَهيمة تُنتَج البهيمةَ، هل ترى فيها مِن جدْعاء؟))[4]، ففِطرَة الإنسان هي على وحدانية الله، ومَن أراد أن يُخالِف فِطرتَه، سقَط في يمِّ التَّعاسَة والشَّقاء. فتَرسيخ عقيدة التوحيد هو أول درس يلقِّنه لقمان لابنه، فهو كالأساس للبُنيان، وبتحقيقه يَسعَد الإنسان. الدرس الثاني: قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]. لقد اقترنَت وحدانيَّة الله تعالى ببرِّ الوالِدَين في القرآن الكريم في أكثر مِن مَوضِع؛ مما يدلُّ على أنَّ هذا الاقتران جاء لِيُنبِّه إلى قدْر الوالدَين ومكانتهما، وإلى أنَّ عُقوقهما هو أكبر جُرم يُقترَف بعد الشِّرك بالله، ويُمكن أن نَعزِيَ سبب هذا الاقتِران إلى أنَّ الوالِدَين هما سبب وجود الإنسان، ولأنَّهما تكبَّدا عَناء التربية والتَّنْشئة، والنَّفَقة والتَّطبيبِ، والسَّهَر على راحة الابن والعطْف علَيه، وأقلُّ ما يتمنَّيانِه أن يَكون أفضل منهما، ويُحقِّق ما لم يَستطيعا تَحقيقه، فكيف - والحال هاته - يُقابِل الإنسان هذه المُعامَلة، وهذا السهر، وهذه الرعاية على راحته، بعُقوقهما بَدَلَ صُحبَتِهما وطاعَتِهما وبرِّهما؟! لقد خصَّ الله تعالى ذكر الأمِّ في قوله سبحانه ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ... ﴾ بعد أنْ ذكَر الوالِدَين معًا في قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾؛ لِتَحمُّلها مشاقَّ زائدةً، وأعباء إضافيَّةً على مشاق وأعباء الأب؛ وذلك كالحمْل والوضْع والإرضاع، وفي حديثِ "حُسنِ الصُّحبة" يتَّضح استِحقاق الأمِّ البرَّ وحُسنَ الصُّحبة ثلاثة أضعاف الأب؛ ففي الحديث: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ بحُسنِ صحَابَتي؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثمَّ مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثمَّ مَن؟ قال: ((ثمَّ أبوك))[5]، وفي حديث آخَر يُبيِّن فيه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ عُقوق الوالِدَين يُعدُّ مِن أكبر الكَبائر، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ألا أُنبئكم بأكبر الكَبائر))، قُلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله وعُقوق الوالِدَين…)) الحديث[6]. ولأجْل فضْلِ الله عليك؛ اشكُر الله على نِعَمه، ولأجْل فضْل الوالِدَين عليك وجهادهما في سبيل سَعادتك؛ اشكُرهما على ما قدَّماه لك؛ لأنَّ مصيرك إلى الله مهما امتدَّ الزمن، فيُجازيك على بِرِّك أو عُقوقك، يَقول الطبَري:" ﴿ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ يقول: إلى الله مصيرك أيها الإنسان، وهو سائِلُك عما كان مِن شُكرِك له على نِعَمه عليك، وعمَّا كان مِن شُكرك لوالِدَيك وبرِّك بهما على ما لَقِيَا منكَ مِن العَناء والمشقَّة في حال طفولتك وصِباك، وما اصطَنعا إليك في برِّهما بك وتَحنُّنهما عليك"[7]، وهذا الدرْس مِن أهمِّ الدروس التي يجب تَلقينها للأبناء بعدَ وَحدانيَّة الله والعمَلِ على تَرسيخ العقيدة. الدرس الثالث: قال تعالى: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]. قال ابن كثير: "يَعني المؤمِنين"[8]، وفي "صفوة التفاسير": "أيْ واسلُكْ طريق مَن رجَع إلى الله بالتوحيد والطاعَة والعمل الصالح"[9]، واقتفِ أثر الصالِحين، واقْتدِ بعمل الفالِحين، وسرْ على طريقتِهم، وصاحب مَن سلك طريق التوبة إلى الله، واجتنبْ رُفقاء السوء والغافِلين، واحذرْ رُفقتَهم، واجتنِبْ مجالسهم، وأَعرِض عن مُجالَستِهم؛ فالمرء على دين خليله؛ فانظرْ مَن تُخالل. فهذا عُقبة بن أبي معَيط، الذي أضلَّه صاحِبُه عن سبيل الخير والإيمان، يقول الله تعالى فيه: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29]. فبعد أنْ جاءه الحقُّ وآمَن بمُحمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - أضلَّه صاحِبه وأغْواه، ويوم القيامة يتحسَّر على اتِّباعه له، ويَندم أشدَّ الندَم على فِعله، وعلى تلك الصُّحبة السيِّئة، وسيَعَضُّ على يدَيه؛ حرقةً وألمًا وندمًا، فـ "عضّ اليدَين كناية عن النَّدم والحسْرة"[10]. فلا بدَّ إذًا مِن توجيه الأبناء إلى هذا الدرْس المهمِّ؛ لأنَّ اختيار الصُّحبَة للأبناء هو اختيار للقِيَم التي نُريد غرْسَها فيهم، وتَحديدٌ للطَّريق الذي نُريد أنْ يَسلكوه؛ لذا فإن مَسؤوليَّة اخْتيار الصُّحبة الصالِحة، وإبعاد الأبناء عن رُفَقاء السُّوء - مُلقاة على كاهِل الآباء. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |