ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التواصل الاجتماعي.. ضوابطه وآدابه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          (وداعاً أيها القرآن) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          نصائح على طريق النجاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تكفير الأعيان وأثره في استحلال الدماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الرفيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          هيئات الفتوى والرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية- أهميتها.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          إصدارات لتصحيح المسار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 2778 )           »          ثلاث مسائل فقهية في العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          مواسم الخيرات فيما بعد رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          طفلك..وأوقات فراغه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 29-07-2020, 02:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,922
الدولة : Egypt
افتراضي ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها

ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها


السيد طه أحمد









الحمد لله شافي الصدور، وقاضي الأمور، باعث الأمل في نفوس عباده المؤمنين، وناشر رحمته بين عباده الموحدين، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].



وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ذمَّ اليأس والقنوط في القرآن الكريم، واعتبرهما من لوازم الكفر والضلال، فقال تعالى على لسان نبيه يعقوب عليه السلام: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وقال على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].



وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، أُنزِل عليه الكتاب شفاءً لما في الصدور، ورحمة للناس أجمعين، رَبَّ الأمة على الأمل واليقين في الله تعالى، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل بقِسطه جعل الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك))؛ مسند الشهاب.



فاللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصَحْبه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.



أمَّا بعدُ:

فيا أيها المؤمنون، لقد ابْتُلِيَت الأمة بنَكبات كثيرة على مَرِّ الدهور والأزمان حتى يومنا هذا، وأشد أنواع النكبات التي قد تُبتلى بها الأمة أن يتسرَّب اليأس إلى القلوب، وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين، فيتخلص المرء من حياته عن طريق الانتحار، ولقد ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية جريمة تُعَد من أبشع الجرائم على الإطلاق، وهي جريمة الانتحار.



لذلك كان موضوعنا اليوم حول هذه الجريمة، ويتناول هذه العناصر الرئيسية التالية:

1- تعريف الانتحار.

2- أعراض الانتحار.

3- أسباب الانتحار.

4- موقف الإسلام من الانتحار.

5- علاج ظاهرة الانتحار.

6- الخاتمة.



العنصر الأول


تعريف الانتحار


الانتحار هو قتل الإنسان نفسه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال؛ مثل: الشنق، أو الحرق، أو تناوُل السموم، أو تناول جُرعة كبيرة من المخدرات، أو إلقاء نفسه في النهر، أو قتْل نفسه بمأكول أو مشروب؛ وذلك لأسباب يعتقد صاحبها معها بأن مماته أصبح أفضل من حياته.



العنصر الثاني


أعراض الانتحار


هناك بعض العلامات التي تظهر على الشخص الذي يُقدِم على الانتحار؛ من أهمها:

1- الاكتئاب: والذي يعني: الشعور بالحزن الشديد والتعاسة، والإحباط، والعجز وعدم القيمة، واليأس من الحياة ومِن تغيُّر الواقع.



2- التغيرات المفاجئة في السلوك؛ مثل: التغير في نمط النوم، أو نمط الطعام، والإهمال في الدراسة أو العمل، وإهمال الشخص لعلاقاته الاجتماعية ولمظهره الخارجي، والتحدث عن الانتحار والموت بصورة غريبة، وفقْد الاهتمام بالأنشطة المعتادة والانسحاب منها، وفقْد المتعة في الأمور المحببة إليه، والتحدث عن فقْد الأمل والشعور بالذنب أو اليأس، ونقد الذات، والقلق النفسي، والخمول والسوداوية، والانعزال والانطواء، والحقد على المجتمع، والشكوى من الصداع، وقلة التركيز، والتخلُّص من المقتنيات الشخصية الثمينة.



3- تعاطي المخدرات والمسكرات.



4- القيام بأعمال المخاطرة المبالغ بها؛ كالقفز من مكان مرتفع، أو عبور الطريق وسط سيْرٍ كثيف أو مُسرع.



5- الامتناع عن أخذ دواء ضروري؛ كالأنسولين مثلاً.



6- محاولة فاشلة أو أكثر في تجربة الانتحار.



إن وجود أيٍّ من هذه العلامات يستحق الاهتمام من قبل الآخرين كالوالدين أو المقربين، وإن وجود عدد منها يعتبر مؤشرًا واضحًا على أن الشخص في خطر وعلينا إدراكه.



إن الذين يعانون من اضطرابات انفعالية يؤذون أنفسَهم بشكل أكبر وأشد قسوة، فلا يجب على الوالدين التهاون بأيٍّ من حالات إيذاء النفس؛ لأنها قد تتطور إلى تفكير جدي في الانتحار.



العنصر الثالث


أسباب الانتحار


حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية؛ كالاكتئاب، والفصام، والإدمان، و65% يرجع إلى عوامل متعددة؛ مثل: التربية، وثقافة المجتمع، والمشاكل الأُسرية أو العاطفية، والفشل الدراسي، والآلام والأمراض الجسمية، أو تجنُّب العار، أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القيام بالانتحار.



وهذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار:

1- ضَعف الوازع الديني عند الإنسان، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكُبرى، والتي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في الحياة، إضافةً إلى التعرض للوعيد الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة.



2- عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية:

إذ إن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الثقة واليقين في الله تعالى، والرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وعدم الاعتراض على ذلك القدر مهما بدا للإنسان أنه سيِّئ أو غير مُرضٍ، ولا شك أن الانتحار لا يخرج عن كونه اعتراضًا على واقع الحال، ودليلاً على عدم الرضا به.



وغلبة الظن الخاطئ عند المنتحر أنه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه حدًّا لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ أو ضغوطٍ أو ظروف سيئة، وهذا مفهومٌ خاطئٌ ومغلوطٌ، وبعيدٌ كل البُعد عن الحقيقة.



3- الجهل والجزع وعدم الصبر، والاستسلام لليأس والقنوط، وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس.



4- المشاكل الاقتصادية: كالفقر، والبطالة، وعدم الحصول على المهن اللازمة على الرغم من الشهادات والمؤهلات، أو فِقدان المهنة أو المنزل، وقد أعربت منظمة الصحة العالمية عن خشيتها من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ارتفاع حالات الانتحار، خاصة بعد إقدام بعض رجال الأعمال على الانتحار.



5- الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر:

هذا الأمر قد دعا إلى تقليد الآخرين، والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم، وهو أمرٌ غيرُ محمودٍ؛ لما فيه من ضياع الهُوية واستلابها.



6- المشاكل الأُسرية واحترام الذات:

قد تؤدي الصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة وبالأخص الوالدين، وكذلك عيش الطفل أو المراهق مع زوجة أبٍ قاسية، أو زوج أُمٍّ قاسٍ، أو تعرُّض الطفل للضرب والإيذاء، أو الحرمان العاطفي بشكل متكرر، أو الإهمال للطفل وحاجته النفسية والجسدية، أو تعرُّض المراهق للنقد المستمر، أو الاستهزاء وعدم احترام ذاته ومشاعره، وتعليم الوالدين المتدني، وحالات الاغتصاب للنساء - قد تؤدي جميعها إلى الوصول إلى حالة اكتئاب شديدة، ومِن ثَمَّ التفكير في الانتحار والتخلُّص من الحياة.



7- الفشل:

يُعد الفشل المالي - كالفشل في سداد الالتزامات المالية، أو التعرض للخسائر، أو الفشل العاطفي، أو الفشل الدراسي، أو الفشل الاجتماعي، أو الفشل المهني؛ كتأمين وظيفة كريمة، والمحافظة عليها - أحد الأسباب الرئيسية المؤدية للانتحار، وقد أظهرت الدراسات الدولية أن 60 % من حالات الانتحار كانت بسبب الفشل.



8- الشعور بالذنب أو الوَحدة:

ويُعتبر هذا سببًا رئيسيًّا في الانتحار وهو الشعور بالذنب والرغبة في عقاب الذات، أو الشعور بالوحدة والاعتقاد بأن العالم لا يَفهمه ولا أحد يَشعر به، وبسبب عدم القدرة على توجيه العقاب للآخرين، فيوجِّه العقوبة لذاته، وتكثُر هذه الحالة عند المراهقين وغير الناضجين فكريًّا، أو المضطربين نفسيًّا.



9- المشاكل الصحية الخطيرة:

فالحالة الصحية لها علاقة مباشرة بالاكتئاب والانتحار، فالمرضى المصابون بأمراض مستعصية الشفاء - كالإيدز والسرطان - أكثر إقبالاً على الانتحار، وتتراوح نسبتهم بين 15- 18% من بين المنتحرين، أما المدمنون على الكحول والمخدرات، فتصل نسبة انتحارهم إلى 15% وَفق إحصاءات في المجتمع المصري.



العنصر الرابع


موقف الإسلام من الانتحار


هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب، وقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يُلقيها في النفوس، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب، لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعقاب، وقبر وظلمة، وصراط وزلة، ثم إما نار وإما جنة؛ ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله؛ من قتْل الإنسان نفسَه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب؛ ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربِّنا - جلَّت قدرته، وتقدَّست أسماؤه - حيث قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 68، 69].



وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ رواه مسلم.



وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها، يطعنها في النار))؛ رواه البخاري.



وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهِدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدَّعي الإسلام: ((هذا من أهل النار))، فلما حضر القتال، قاتَل الرجل من أشد القتال، وكثُرت به الجراح، فأثبتته، فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت الذي تحدَّثت أنه من أهل النار، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال، فكثُرت به الجراح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه من أهل النار، فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هو على ذلك، إذ وجد الرجل ألَمَ الجراح، فأهوى بيده إلى كِنانته، فانتزع منها سهمًا، فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، صدق الله حديثك، قد انتحر فلان، فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قُمْ فأذِّن، لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر))؛ رواه البخاري. وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من خنَق نفسه في الدنيا فقتلها، خنق نفسه في النار، ومن طعن نفسه طعنها في النار، ومن اقتحم فقتل نفسه، اقتحم في النار))؛ رواه ابن حِبان.



وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا، عُذِّب به يوم القيامة))؛ رواه البخاري (5700)، ومسلم (110).



وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزِع، فأخذ سكينًا فحزَّ بها يده، فما رقَأ الدم حتى مات؛ قال الله تعالى: بادَرني عبدي بنفسه، حرَّمت عليه الجنة))؛ رواه البخاري (3276)، ومسلم (113).



هذه عاقبة الانتحار والعياذ بالله، ويجب على المسلم أن يعلم أن الانتحار فيه تسخُّط على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا بذلك، وعدم الصبر على تحمُّل الأذى، وأشد من ذلك وأخطر، وهو التعدي على حق الله تعالى، فالنفس ليست ملكًا لصاحبها، وإنما ملك لله الذي خلقها وهيَّأها لعبادته سبحانه، وحرَّم إزهاقها بغير حقٍّ، فليس لك أدنى تصرُّف فيها، وكذلك في الانتحار ضَعف إيمان المنتحر؛ لعدم تسليم المنتحر أمرَه لله وشكواه إلى الله.



ما كان الانتحار علاجًا ولن يكون، فالانتحار حرام بكل صوره وأشكاله، وليس دواءً يوصَف للمُعضلات والمُشكلات، بل داءً يسبِّب الانتكاسة والحرمان من الجنة، ويجلب سخط الرب تبارك وتعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((تَداوَوْا، ولا تَداوَوْا بحرام))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما جعل الله شفاءكم فيما حَرَّم عليكم)).



العنصر الخامس


علاج ظاهرة الانتحار


1- التربية الإسلامية الشاملة الواعية:

إن العودة إلى الدين أو التدين هي أفضل وسيلة للحماية من كل الأمراض النفسية التي تعاني منها البشرية جمعاء، كما أن العودة للدين الإسلامي الحنيف هي العلاج الأفضل للحماية من هذه الأخطار التي تتهدد مجتمعاتنا وقِيَمنا.



والتربية الإسلامية الشاملة تتلخص في ثلاثة أهداف رئيسية:

أ- وهو تمكُّن واستحكام اليقظة من القلب، فلا نريد يقظة لحظية، بل نريدها يَقظة حقيقية دائمة، تتمكن من القلب لتبدأ معها الحياة تدب في جَنباته.



ولقد أجمل آثارها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن علامات دخول النور القلب، فقال: ((الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))؛ رواه الطبري والبيهقي.



ب- ولادة القلب الحي:

هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلا باستمرار تزويد القلب بالإيمان بعد تمكُّن اليقظة منه، والمقصود بولادة القلب الحي؛ أي: تحرُّره من أَسْر الهوى وانفصاله عنه، أو بمعنًى آخر: انقطاع الحبل الذي يجمع العلائق التي كان القلب مُتعلقًا بها من دون الله - كالمال والجاه والناس - والتي تَحول بينه وبين التعلق التام بالله عز وجل، والالتزام به، والتوجه الدائم نحوه.



هذه الولادة تتم عندما يعلو النور في القلب على الظلمة بصورة كبيرة، ومن علامات حدوثها: رقة القلب وسرعة تأثُّره بالمواعظ، وهبوطه وخشوعه، وسجوده لله، وسهولة استدعائه إذا أراد صاحبه استحضاره، ومن آثارها كذلك: تحسُّن ملحوظ في علاقات المرء المختلفة، فيزداد قُربه من ربه، وتعلُّقه به، وتنقص رغبته في الدنيا بصورة ملحوظة، ويقل طمعه في الناس، ويَزداد تشميره نحو الجنة.



ومن آثارها كذلك: راحة البال والشعور بالسكينة والطُّمَأْنينة، والسلام الداخلي.



ج- الحضور القلبي الدائم مع الله، والتعلق الشديد به سبحانه، أو بمعنًى آخر: تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإحسان، فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه))؛ متفق عليه، وأخرجه البخاري ومسلم.



وهذا يحدث إذا ما استمر الإمداد الإيماني للقلب، فيزداد فيه النور، حتى يصير قلبًا سليمًا أبيضَ، والشعور الدائم برقابة الله تعالى، فالذي يؤمن بالله يعلم ما تُوسوس به نفس الإنسان، وأنه مَحَّص عليه كل أعماله صغيرة كانت أم كبيرة، ومُحاسِبه على ما يُقدِّم - لن يجرؤ على الإقدام على غير ما يرضي الله من أقوال أو أفعال، وسيكون في حَذَرٍ دائمٍ، ويقظةٍ لا تغفل عن المحاسبة، ومن آثار ذلك: خضوع المشاعر والسلوك في مجمله لله عز وجل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))؛ حديث صحيح؛ أخرجه أبو داود، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.



وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان؛ حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه))؛ حديث صحيح، أخرجه الطبراني؛ كما في مجمع الزوائد، وقال الهيثمي: إسناده حسن، وأخرجه أيضًا أحمد؛ قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، ورجاله ثِقات.



ومن آثارها كذلك: التعامل مع أحداث الحياة وتقلُّباتها المختلفة تعاملاً إيمانيًّا؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، ولا يكون هذا إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبَر، فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم.



والقلب في هذه المرحلة العظيمة يعيش في سعادة عظيمة وعلاقة متينة مع ربه، فهو شاكرٌ لأنْعُمه، صابرٌ على بلائه، راضٍ بقضائه، مطمئنٌّ بذكره، في شوق دائم إليه، وتوجُّه مستمر نحوه، وتتَّسع الحياة عنده لتشمَل الآخرة، ويكون له منها غاية وهدف يسعى لتحقيقه، ويسعد بذلك كما عبر رِبعي بن عامر التميمي رضي الله عنه بقوله: "إن الله ابتعثنا لنُخرج مَن شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضِيق الدنيا إلى سَعتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام".



أما الشخص الذي لا يؤمن بحياة أخرى، فإنه يُسابق السنوات القليلة المحدودة التي يعيشها في الدنيا، ويُسيطر عليه شعور الضيق والقلق والاضطراب، كلما تقدَّم به العمر، وقصَرتْ به طموحاته وآماله، وغالبًا ما يكون أمثال هؤلاء عُرضة للأمراض النفسية والعصبية، والإصابة بأنواع الاكتئاب النفسي والقلق والانتحار؛ لأنه حصر الوجود كله في هذه الحياة الدنيا، فإن فشل فيه أو عجز عن القيام بما يسعى له، فقَد قيمة الحياة والوجود بأسْره.



ألا فليَعلَم المربون أن غياب الإيمان هو سبب الشقاء والنكد الذي نعيشه اليوم، وليس أبدًا قلة ذات اليد والضَّعف والظلم السبب الأول في كل هذه المشاكل؛ لذلك وصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذه النفسية المعذبة، قال: ((من كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمْله، وأتتْه الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له))؛ رواه الترمذي من حديث أنس، وروى ابن ماجه وغيره قريبًا منه من حديث زيد بن ثابت.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 145.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 143.75 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]