|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المعترضون على المناسبة في القرآن الكريم والرد على اعتراضاتهم محمود حسن عمر أولاً: المعترضون على المناسبة: كان أبرز مَن نُقِل عنهم الاعتراض على المناسبة: الشيخ عز الدين بن عبد السلام ت 660هـ، والإمام الشوكاني ت 1250هـ، فأما العز بن عبد السلام فقد قال: "من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض، ويتشبَّث بعضه ببعض؛ لئلا يكون مقطعًا، وهذا بشرط أن يقع الكلام في أمر متحد، فيرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يَشترط فيه ارتباط أحد الكلامين بالآخر، ومن ربط ذلك فهو متكلف لِما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك، يُصان عن مثله حسن الحديث، فضلاً عن أحسنه؛ فإن القرآن نزل في نيِّف وعشرين سنة في أحكام مختلفة، شرعت لأسباب مختلفة غير مُؤتلفة، وما كان كذلك لا يتأتَّى ربط بعضه ببعض؛ إذ ليس يَحسُن أن يرتبط تصرُّف الإله في خلقه وأحكامه بعضها ببعض، مع اختلاف العلل والأسباب"[1]. وراح يضرب لذلك أمثلة بتصرُّف الملوك والحكام والمفتين، وتصرُّف الإنسان نفسه بأمور متوافقة ومتخالفة ومتضادة، وأنه ليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض، مع اختلافها في نفسها واختلاف أوقاتها[2]. يقول الدكتور مشهور موسى: "وأما الشوكاني فقد انتصب للرد على الأخذ بفن التناسب في القرآن، وأنحى باللوم والتقريع على أئمة التفسير، وأطال في الاستدلال برأيه، وأبدأ في ذلك وأعاد"[3]. يقول الشوكاني: "اعْلَمْ أن كثيرًا من المفسرين جاؤوا بعلم متكلف، وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة، بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه؛ وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف، فجاؤوا بتكلُّفات وتعسُّفات يتبرَّأ منها الإنصاف، ويَتنزَّه عنها كلام البلغاء، فضلاً عن كلام الرب سبحانه، حتى أفردوا ذلك بالتصنيف، وجعلوه المقصد الأهم من التأليف، كما فعله البقاعي في تفسيره، ومَن تَقدَّمه حسبما ذكر في خطبته"[4]. يقول الدكتور أحمد محمد الشرقاوي سالم: "ونحن نُوافق الشوكاني في أن التكلُّف منهي عنه في التفسير أو في غيره، وأنه لا يجوز التكلم بمحض الرأي المنهي عنه، فعلم المناسبات يحتاج إلى تدبُّر وتفكُّر لا إلى تكلُّف وتعسُّف، وهو علم لا بد منه ولا غنى عنه لأي مفسر؛ لأنه يُعين على فَهْم المعنى والترجيح بين الآراء، ومعرفة المقاصد العامة للآيات والسور، وغير ذلك من فوائد، والمناسبة قد تكون واضحة جلية، وقد تحتاج إلى تأمُّل دقيقٍ وتدبُّر عميقٍ، فإذا خَفِيت المناسبة، فلا ينبغي إنكارُها ونفيُها"[5]. ثانيًا: الرد على المعترضين: وفي الإجابة عن كلام العالمين الجليلين، ربما تَحسُن الإشارة إلى الأمور الآتية: 1- أنهما يتفقان في مجمل الاعتراضات، بل يمكن القول: إن كلام الشوكاني رحمه الله هو بسط وتطويل لكلام العز بن عبد السلام، لكن في سياق خطابي، ولذلك لن أُفرد كل واحد منهما بجواب خاص. 2- أن العز - رحمه الله - لا يرفض التناسب مطلقًا، بل يَشترط فيه أن يقع في أمر مرتبط أوله بآخره، دون ما يقع على أسباب مختلفة، على حد تعبيره، وهذا سببٌ لوجازة كلامه وخِفة حِدَّته كما يبدو[6]. وقد ذكر الدكتور مشهور موسى أنه بالإفادة مما كتبه الباحثون قديمًا وحديثًا، فإن رأي العز مردوم أولاً بنقل الزركشي، وقد قال الزركشي عقب إيراده رأي العز مباشرة: "قال بعض مشايخنا المحققين: قد وهم من قال: لا يطلب للآي مناسبة؛ لأنها على حسب الوقائع المتفرقة، وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلاً، وعلى حسب الحكمة ترتيبًا وتأصيلاً، فالمصحف كالصحف الكريمة على وَفق ما في الكتاب المكنون مُرتبة سورُه كلها وآياته بالتوقيف، وحافظ القرآن العظيم لو اسْتُفْتِي في أحكام متعددة، أو ناظَر فيها، أو أملاها - لذكر آية كل حكم على ما سُئِل، وإذا رجع إلى التلاوة لم يتلُ كما أفتى، ولا كما نزل مُفرقًا، بل كما أُنزل جُملة إلى بيت العزة"[7]. يقول الدكتور مشهور موسى: "وعلى فرض أن الإمام العز بن عبد السلام قد رام هذا، فإن القرآن كلام الله الأزلي المتصف بالكمال والمنزه عن النقص، ونزول آياته منجمة لأسباب خاصة في أزمنة متباعدة، لا يمنع التناسب بينها، فهي متناسبة في اللوح المحفوظ قبل نزولها، ولتقريب الصورة - مع فارق التشبيه - نتخيل معًا أن هناك بناءً تامًّا، وفي وقت ما تفرَّق هذا البناء، وأخذ منه كل حسب حاجته، ثم جيء بعد ذلك، وجُمِع ورُتِّب على ما كان من قبلُ، وهو ما كان بالفعل من حال آيات الله وسوره، ولله المثل الأعلى"[8]. وأما ملخص ما جاء في الرد على الإمام الشوكاني: أنا ما زلنا نرى دارسي الأدب يُعنون بإبراز التناسب بين أبيات القصيدة وارتباط أغراضها ببعضها، وحسن انتقال الشاعر أو الكاتب من غرضٍ إلى آخر، بما يَصون كلامه عن التفكك وعدم الانسجام - مع فارق التشبيه بين النصين؛ فالنص الأدبي يعكس لنا تصورًا كليًّا لقضية ما، وأما النص القرآني فإن السورة الواحدة فيها حياة مليئة بكل حركة تفصيلية لشؤؤن الحياة جميعها - فكيف لا يَرِد هذا في أفصح كلام وأبلغ نظام، إضافة إلى ما يفيده هذا التناسب من ترجيح لبعض الأقوال على بعض، وما يفيد أيضًا من تَقْوِية المعنى والحث عليه[9]. ومما سبق يتضح أن الإمام الشوكاني والإمام العز بن عبد السلام قد جانَبهما الصواب في مسألة اعتراضهما على القول بالمناسبة في القرآن، وأن جميع الشبهات التي استندا إليها لا تقوى على غمز علم المناسبة أو الحط من شأنه، ما دامت هناك ضوابط موجود متمثلة في حُسن الربط والبعد عن التكلُّف والتعسُّف، وهذ بالطبع ما يوجد في القرآن - أي حُسن الربط والبُعد عن التكلف والتعسف - وعلى ذلك فالمناسبة تُعد من أدق العلوم والوسائل التي تساعد على التعمق في فَهْم القرآن، واكتشاف دقائق ترابُطه وسَبكه. لكن الدكتور محمد عناية الله سبحاني كان له رأي آخر في معارضة الشوكاني للمناسبة؛ إذ إنه يرى أن الشوكاني لم يكن يعارض المناسبة، ولم يُنكرها، فيقول: "إن الإمام الشوكاني له فضله ومكانته، بحيث لا يُقطع دونه الأمرُ، وإن عبارته هذه لا تكفي للقطع بأنه من المعارضين لتلك الفكرة، كيف وهو يَنهج في تفسيره نهجًا يشدُّ أزرَ القائلين بها، ولا يجد فرصة لإبراز النظام - المناسبة - إلا ويَنتهزها، ويقف عندها وقفة لا بأْسَ بها؟!"[10]. ثم راح يأتي بأمثلة من تفسير الشوكاني يُدلل بها على أن الشوكاني لم يكن يعارض القول بالمناسبة في القرآن، ومن هذه الأمثلة التي جاء بها: قول الشوكاني عند تفسيره قولَه تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]: "لَمَّا فرَغ سبحانه من بيان أن الدين المرضي هو الإسلام، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرسول الذي لا يصح لأحد أن يحبَّ الله إلا باتباعه، وأن اختلاف أهل الكتابين فيه، إنما هو لمجرد البغي عليه والحسد له - شرع في تقرير رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن أنه من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة"[11]. [1] الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، وبذيله: نبذ من مقاصد القرآن الكريم؛ للعز بن عبد السلام، ص 338-339. [2] السابق، ص 339. [3] التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى، ص 53. [4] فتح القدير؛ للشوكاني، ج1، ص 86. [5] موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات، بحث محكم بكلية أصول الدين جامعة الأزهر 1425هـ؛ للدكتور أحمد محمد الشرقاوي سالم، ص 4. [6] ينظر التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى، ص 28. [7] البرهان في علوم القرآن؛ للزركشي، ج1، ص 37. [8] التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى، ص 54. [9] السابق، ص 54 بتصرف يسير،. [10] إمعان النظر في نظام الآي والسور؛ للدكتور محمد عناية الله سبحاني، ص 36. [11] فتح القدير؛ للشوكاني، ج1، ص 333.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |