الأساس الإلحادي للنظريات المعاصرة في علم الاجتماع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 109 - عددالزوار : 63982 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 207 - عددالزوار : 125021 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 229 - عددالزوار : 146800 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 110 - عددالزوار : 25184 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 69 - عددالزوار : 24350 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4617 - عددالزوار : 1469540 )           »          (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أعظم ما يُفسد العلاقة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          من فوائد غضِّ البصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من وسائل استشعار النعم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-04-2019, 05:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,495
الدولة : Egypt
افتراضي الأساس الإلحادي للنظريات المعاصرة في علم الاجتماع

الأساس الإلحادي للنظريات المعاصرة في علم الاجتماع
د. أحمد إبراهيم خضر



اعترافات علماء الاجتماع

الحلقة العاشرة

الأساس الإلحادي للنظريات المعاصرة في علم الاجتماع


ما من دراسةٍ أو مقولة يكتُبُها رجال الاجتماع في بلادنا عن الدِّين إلا وبين أعيُنهم (كارل ماركس) و(إميل دوركايم) و(ماكس فيبر)، وما من محاولةٍ يريد أنْ يُظهِر فيها رجال الاجتماع في بلادنا سعةَ اطِّلاعهم وثقافتهم في قَضايا الدِّين، إلا ونجد بين أيديهم (روبرت بيلا) و(بيتر بيرجر) و(تورين) و(بكبرنغ) و(غريتر) و(لكمان) و(يار سونز) و(كنجزلي دافيز) و(جلوك).

نصوص القُرآن والسنَّة عندهم - كما أوضحنا من قبلُ - نصوصٌ مجرَّدة في كتبٍ صَفراء قديمة عفا عليها الزمن، لا تَرقَى إلى مستوى نصوص هؤلاء العلماء، قُرآننا وسُنَّتنا، عقيدتنا وشعائرنا أخضَعَها رجال الاجتماع في بلادنا للتحليل وفقًا لكلِّ ما يصدر من أفواه هؤلاء العُلَماء وأقلامهم دون فَحصٍ ولا نقدٍ ولا حذر[1].

ويمكن هنا إجمالُ خمس حَقائِقَ في هذا الصدد:
أولاً: أنَّ هذه الآراء والنظريَّات التي اعتَمَدَ عليها رجال الاجتماع في بلادنا في فهْم الدِّين والإسلام آراء ونظريَّات إلحاديَّة باعتراف عُلَماء الغرب أنفسهم.

ثانيًا: تقوم آراء عُلَماء الغرب ونظريَّاتهم على القاعدة العامَّة التي تَسُود الحياة الغربيَّة وهي: فصْل الدِّين عن العِلم، وهذه القاعدة - كما أوضَحْنا مِرارًا - لا أساسَ لها في الإسلام؛ ومن ثَمَّ يكون أيُّ نقل أو تطبيق لهذه الآراء الغربيَّة على الإسلام إنما يُعبِّر عن جَهالةٍ تَفُوقُ الحدَّ في فهْم حقيقة هذا الدِّين، وتقديس أعمى لكلِّ ما يَصدُر من أعداء هذا الدِّين.

ثالثًا: أنَّ محاولات عُلَماء الاجتماع سدَّ الفجوة القائمة عندهم في الغرب بين الدِّين والعلم بالتأكيد على أهميَّة الدِّين تارةً، وبعزْله عن بعض مَيادِين العلوم الاجتماعيَّة تارةً أخرى، وبرفْض الهجوم عليه تارةً ثالثة، إلى غير ذلك من المحاولات التوفيقيَّة - لم تنجحْ، وقد أقرُّوا بأنَّ الصراع بين الدِّين والعلم عندهم لم ولن ينتهي؛ لأنَّ كلَّ هذه المحاولات تصرُّ على أنْ تنكر أنَّ (الدين وحي من الله)؛ ولهذا فإنَّ محاولات بعض رجال الاجتماع في بلادنا الذين يستَنِدون إلى بعض المقولات الغربيَّة التعاطفيَّة مع الدين لنفي الإلحاد عن عُلَماء الغرب، لا تكشفُ إلا إمَّا عن جهلٍ مُطبِق بحقيقة النظريَّات الغربيَّة، أو محاولة لخديعة طلابهم وقُرَّائهم حِفاظًا على أوضاعهم ومكانتهم.

رابعًا: قامَ عُلَماء اجتماع الغرب بالتطبيق الفعلي لآرائهم وأفكارهم وعرَضُوها على جماعاتٍ نصرانية مُتَديِّنة، فأدَّى الأمر إلى انهِيار هذه الجماعات انهِيارًا كاملاً.

خامسًا: لا يستطيع رجال الاجتماع في بلادنا الادِّعاء بأنهم مؤمنون، وأنهم يَفصِلون بين رأيهم الشخصي في الدِّين ورأيهم المهني كما جاء في نظريَّات علم الاجتماع، وأنَّه بإمكانهم الحِفاظُ على الفصل بين الرأيَيْن؛ لأنَّ الذي يؤمن بالدِّين عليه أنْ يدافع عنه وأنْ يُوثِّق حقيقةَ أفكاره ويُجابِه إلحادَ هذه النظريَّات، ولسنا نحن الذين نقول ذلك فقط، إنهم أيضًا علماء الغرب.

من هذه المُنطَلقات الخمْس أردْنا أنْ نكشِف للقارئ حقيقةَ اهتزاز الأساس الفكري في العلاقة بين الدِّين وعلم الاجتماع في الغرب، وأنَّ رجال الاجتماع في بلادنا لا ينقلون لنا إلا النظريَّات الإلحاديَّة، والتأكيد على الصراع بين الدِّين والعلم، مع إصرارهم المُستَمِيت على تفكيك الدِّين حتى يتسنَّى لهم السَّيْطرة على تنظير الحياة والعلاقات الاجتماعيَّة وتفسيرهما، وأنَّ على رجال الاجتماع الذين يُحاوِلون التوفيقَ بين الإسلام ونظريَّات علم الاجتماع، أو الذين يُحاوِلون نفي الإلحاد عن هذه النظريَّات، أو التخفيف من حِدَّته حتى يكفُّوا عن محاولاتهم؛ لأنَّ علماءَ الغرب أنفسَهم قد أقرُّوا بإلحاد هذه النظريَّات.

يُلخِّص عُلَماء الاجتماع الغرب موقف النظريَّة الاجتماعيَّة من الدِّين بقولهم: "فيما يتعلَّق بالحقيقة الدينيَّة نفسها تقرُّ النظريَّة العامَّة في علم الاجتماع ضمنيًّا بالإلحاد".

يقرُّ علماء الاجتماع بأنَّ نظريَّاتهم التقليديَّة عن الدين إلحاديَّة، وتُجاهِر بالعداء للدِّين، كما يقرُّون أيضًا بأنَّ نظريَّاتهم الحديثة وإنْ كانت غير معادية للدِّين فإنها إلحاديَّة أيضًا.

عكست النظريَّات الأولى في علم الاجتماع آراء مُفكِّري عصر التنوير الثائرين على الدِّين، وبالرغم من اختلاف محتوى هذه النظريَّات، فإنها اتَّفقت في توجيه اتهامين (للدِّين) بصفةٍ عامَّةٍ (وللنصرانيَّة بصفة خاصَّة):
أوَّل الاتِّهامَيْن: أنَّ التعاليم الدينيَّة ليست صحيحةً.

والثاني: أنَّ الدِّين شجَّع على القِيام بالعديد من الشعائر التي تَحُول دون رفاهية البشر، وخُلاصة ما انتهَتْ إليه تلك النظريَّات هو أنَّ الدِّين ليس بالشيء الحسَن ولا بالشيء الحقيقي وفقًا لمستويات عصر التنوير.

وفي الوقت الذي تَدَّعِي فيه تلك النظريَّات التقليديَّة أنَّ الأفكار الدينيَّة زيف ووهْم، فإنَّ النظريَّات الحديثة تُحاوِل تجنُّب مسألة حقيقة الدِّين، لكنَّها تُغذِّي في الواقع هذه التحليلات التي تُحقِّر من أيِّ رؤيةٍ جدِّية للأفكار الدينيَّة، وتنظُر إليها على أنها غير حقيقيَّة، وأقرَّتْ هذه النظريَّات بأنَّ الاتِّهامَيْن اللذَيْن وجَّهتْهما النظريَّات التقليديَّة للدِّين غير مقبولين كافتراضَيْن علميَّين، فردَّت على الاتِّهام الأوَّل بأنَّ منهج العلم الحديث لا يقدم أحكامًا قيميَّة، وأنَّه يجب أنْ يكون خاليًا؛ أي: محايدًا.

وردَّت على الاتِّهام الثاني بالقول بأنَّ الأفكار الدينيَّة تنتَمِي إلى مجالٍ من الواقع ليس في مُتناوَل البحث العلمي.

اعترف علماء الاجتماع الغرب باهتزاز الأساس الفكري للعلاقة بين الدِّين وعلم الاجتماع منذ لحظة تأسيس العلم، يقول (بنتون جونسون): "كيف يمكن أنْ نقول: إنَّ هناك التقاءً بين الدين وعلم الاجتماع على أساس ادِّعاء عُلَماء الاجتماع بأنَّ عِلمَهم محايد، لا يقول شيئًا من الدِّين أو ضده، في حين أنَّ نظريَّاتهم تتضمَّن أحكامًا غير حياديَّة عن الدِّين...

إنَّ النظريَّات العامَّة لعلم الاجتماع وإنْ كانت تقرُّ ضِمنيًّا بالدِّين أو ببعض مَظاهِره على الأقلِّ، فإنها تقرُّ ضِمنيًّا بالإلحاد أيضًا؛ لهذا لا نعجب إذا وجدنا أنَّ هذه النظريَّات تُلزِم العُلَماء بالقول بأنَّ كثيرًا من الأمور الدينيَّة طيِّبة بالرغم من أنَّ أفكاره الأساسيَّة ليست حقيقيَّة".

هذا هو موقف نظريَّات علم الاجتماع من الدِّين، ولكنْ هل يمكن لرجال الاجتماع في بلادنا أنْ يَدَّعوا بأنهم مؤمنون في الوقت الذي يعترفون فيه بإلحاد نظريَّات علم الاجتماع؛ أي: أن يقولوا بأنَّ لهم رأيًا شخصيًّا في الدِّين يختلف عن رأي علم الاجتماع، وأنهم يستطيعون الاحتفاظ بالفصل بين الرأيَيْن؟

إنَّ عُلَماءَ الغرب أنفُسَهم يَرفُضون ذلك؛ يقول (جونسون): "من الصعب أنْ يقرَّ الإنسان بطريقة حياةٍ بينما يعتقد أنَّه ليست هناك أسباب معقولة لعَيْشها، فإذا رأى أحدهم أنَّ الدِّين أمرٌ حقيقي، فإنَّ ذلك مُبرِّرٌ كافٍ للتمسُّك به، وعليه أنْ يُقنِع الآخَرين به، وإذا ادَّعى بأنَّ الدِّين غير حقيقي، فلن يكون هناك مُبرِّرٌ للتمسُّك به، وعليه أنْ يبحث عن تبريرٍ جديدٍ لطريقة الحياة التي كان يُؤيِّدها المعتقد الديني، أو عليه أنْ يبحث عن طريقةٍ أخرى للحياة غير قائمة على الدِّين ولكنْ على أسبابٍ يَرى أنها مقبولة، فإذا كان قلب الإنسان ينبض بالإيمان، فإنَّه يجب أنْ يبحث عن الكيفيَّة التي يُدافع بها حقيقة أفكاره".

هذا، وقد كُنَّا أشرْنا من قبلُ إلى ما يُعرَف بالمنظور الوظيفي للدِّين، الذي يعترف بوظيفة الدِّين في المجتمع، لكنَّه يُنكِر حقيقته في الوقت نفسِه.

وهناك من عُلَماء الغرب مَن حاوَل سدَّ الفجوة بين الدِّين والعلوم الاجتماعيَّة، فدافَعُوا عن الدِّين، ولكنْ على أساس أنَّ العلم فوق الدِّين، ومنهم مَن اقترَحَ عزل الدِّين عن بعض الميادِين في العلوم الاجتماعيَّة.

وواضحٌ هنا أنَّ كلَّ هذه الدفاعات عن الدِّين تقوم على المسلَّمة السائدة في الغرب بصِراع الدِّين مع العلم، وبأنَّ الدِّين أدنى؛ ومن ثَمَّ يكونُ لُجوء رِجال الاجتماع في بلادنا إلى الدِّفاع عن الإسلام في ضوء هذه الاتِّجاهات الغربيَّة ليس في محلِّه؛ لأنَّ العلم لم يستَطِع أنْ يُقدِّم لنا إلى اليوم أيَّ حقيقة علميَّة تُخالِف أيَّ جزئيَّة من جزئيَّات العقيدة الإسلاميَّة، يُضاف إلى ذلك أنَّ هؤلاء العلماء لم يكونوا يُدافِعون عن (حقيقة الدِّين)، فهم لا يؤمنون بها، بل أكَّدوا أنَّه من الضروري تجنُّب هذه القضيَّة وتركها بلا حلٍّ، وأنْ يتركَّز الدفاع عمَّا يُسمُّونه (بصورة الدِّين الإنسانيَّة وغير الحتميَّة)؛ بمعنى: أنَّ الدِّين ضروري؛ لأنَّه يُعطِي أملاً لهؤلاء الذين يُواجِهون مشكلات ومَصائِب في حَياتهم، كما يُعطِي شرعيَّةً لهذه القِيَم المشتركة بين أفراد جماعةٍ ما، ويُساعِد على استِقرار مَجرَى التغيُّر الاجتماعي والنموِّ النفسي.

تصدَّى (وليام كولب) وهو أحد عُلَماء الاجتماع النصارى لنقْد النظرية المعاصِرة عن الدِّين، ورفَضَ ادِّعاءاتها بأنَّ القِيَم ليس لها وجود حقيقي، وبيَّن أنَّ عُلَماء الاجتماع يُناقِضون أنفُسَهم بقولهم ذلك، ثم قولهم: إنَّ القِيَم أمرٌ جوهري للحياة الاجتماعيَّة، وإنَّ القِيَم لكي تكون مُلزِمةً فلا بُدَّ أنْ يعتقد الناس أنها صحيحة، وقال (كولب): إنَّ علماء النظريَّة المعاصرة لا يمدُّوننا بأيِّ أساس نعرف منه نوع القِيَمِ التي يُؤيِّدونها، وهم يرَوْن في الوقت نفسِه أنَّه ليس للقِيَم أيُّ صدقٍ في الحقيقة.

يؤمن (كولب) بأنَّ الدِّين أساس القِيَم؛ لذلك هاجَم موقف النظريَّة المعاصِرة وادِّعاءاتها بأنَّه يكون للإنسان أسطورة (أي: معتقد ديني)، ولكنَّ هذه الأسطورة (وهم)، ورأى أنَّ موقف هذه النظريَّة قد أوقعَتْها في مشكلة أخلاقيَّة؛ فهي من ناحية قد خربت الالتزام القيمي الذي يحتاجُه المجتمع، ومن ناحيةٍ أخرى حكَمتْ على القيمة الدينيَّة بأنها وهمٌ من جانبها هي وليس كما يَراها الناس.

انتَقَد (كولب) رأي (دافيز)، وهو أحدُ عُلَماء الاجتماع الذين قالوا بأنَّ "العالم الغيبي عالم زائف، لكنَّه يجب أنْ يكون حقيقيًّا بالنسبة لِمَن يؤمن به".

قال (كولب) في ذلك: "إنَّ مثل هذا القول لدافيز مثالٌ صارِخٌ للاعتراف الواضح الصريح بالأساس الإلحادي للنظريَّة المعاصرة عن الدِّين".

ورغم وَجاهة وانتقادات (كولب) وتوجيهه نظَرَ عُلَماء الاجتماع بأنَّ مجال العلم محدود، وأنَّ هناك أنماطًا أخرى من المعرفة وَراء هذا العالم، فإنَّ النصرانيَّة لم تُسعِفه أكثر من ذلك.

استَطاع (كولب) أنْ يُحلِّل التناقُضات داخل النظريَّة المعاصرة، لكنَّ غِياب الإسلام عنه وعن علماء الاجتماع أفقدَهُم القُدرة على رؤية البديل أو الأرضيَّة الجديدة لحلِّ القضيَّة.

يُضاف إلى ذلك أنَّ دِفاع (كولب) عن الدِّين لم يكنْ ناجمًا عن اعتقاده القاطع بحقيقته؛ إذ تبيَّن لنا أنَّه صرَّح في مقابلةٍ له مع (مارلين ماني) في يونيو 1968 ما نصُّه: "دَعِيني أقول أولاً بأني لم أقلْ بأنَّ الدِّين شيء طيِّب"[2].

وهناك عُلَماء اجتماع آخَرون امتدَحُوا الدِّين والجهود التي تُبذَل لتفسيره، ولكن ليس كوحيٍ من الله، وإنما في حُدود أنَّه انعكاسٌ لعوامل نفسيَّة واجتماعيَّة، إلى درجةٍ وصلتْ بتأييد البعض منهم نجاحَ عالِم الاجتماع (بارسونز) في ترقية الدِّين من درجة (الوهم) إلى درجة (الانحراف الضروري).

هذا، ويُعطِي علماء الاجتماع لأنفُسهم الحقَّ في تقدير مَدَى الصدق الممكن في الأفكار الدينيَّة، بل يدَّعون أنهم على كَفاءةٍ تامَّة في ذلك، وخاصَّة في الأمور التي تتعلَّق بعلاقة الله مع الناس، أمَّا (شبرد) فقد رفض محاولات علماء الاجتماع المعاصِرين عَقْدَ مصالحة مع الدِّين، وهاجَمَها بقوله: "إنَّ هذه المحاولات التوفيقيَّة ليست وهميَّة فقط ولكنَّها مُخادِعة أيضًا، وإنها لم تستَطِع تَحدِّي مُعارِضي الدِّين ولا مواجهة قَضايا الحقيقة الدينيَّة... إنَّه ليس من المنطقي أنْ يمتدح علماء الاجتماع الاتِّجاهات الدينيَّة بينما يرفضون أيَّ مفهوم عن العالَم العلوي والغيبي، وإنَّه لكي نقول: إنَّ الصراع القديم بين العلم والدِّين قد انتهى فإنَّنا نكون مُفرِطين في التفاؤل".

أردنا من عرضنا السابق بيان ما يلي:
1- أنَّ النظريات القديمة والحديثة في علم الاجتماع عن الدِّين نظريات إلحاد.

2- أنَّ رجال الاجتماع في بلادنا لا يكتبون عن الدِّين وعن الإسلام إلا في ضوء هذا المنظور الإلحادي.

3- أنَّ الإسلام كما هو غائبٌ عند رجال اجتماع الغرب، غائب أيضًا عند رجالنا، وكلا الفريقين لا يستثني الإسلام عن هذا المنظور الإلحادي.

4- أنَّ محاولات الدفاع عن الدِّين عند علماء الاجتماع في الغرب والتي تبعهم فيها رجالنا، لا ترفع الدين أبدًا على أنَّه وحي من الله، بل تتَّفق جميعها على إنكار العالم العلوي والغيبي، وتنظُر إلى الدِّين على أنه ضرورة نفسية اجتماعية ووهم لا بُدَّ منه.

هناك عالِمان غربيَّان بارزان مُعاصِران لا تكاد تخلو مقالة أو مقولة لرجال الاجتماع في بلادنا عن الدِّين إلا وأفكار هذين العالمين تسيطر عليهما وتصبغ بهما الإسلام، هذان العالمان هما (بيتر بيرجر) و(وروبرت بيلا)؛ لهذا أردنا أنْ نُبيِّن للقارئ مَن هما، وما هي حقيقة أفكارهما:
أولاً: بيتر بيرجر:
هو واحدٌ من أبرز علماء الاجتماع الأمريكيين المعاصِرين الذين كتبوا عن الدِّين، كتب عنه (جريجوري بوم) مقالةً صدَّرها بعنوان: "عالم الدِّين المثير للغز، بيتر بيرجر السيمفونية التي لم تنتهِ بعد".

وصفه (بوم) بأنَّه مفكِّر إنساني أصيل، وأنَّه ليس بعالم اجتماع فقط، وإنما رجل أخلاق أيضًا، يكتب كمفكرٍ نصراني يقبض على المسلَّمات النصرانية، لكنه رجل لدين أيضًا يعكس معتقده النصراني على مستخلصاته السوسيولوجية[3].

دعا (بيرجر) النصارى الأمريكيين في عام 1975 إلى العودة إلى الله وإلى الكتاب المقدَّس، وقال في كتابه "الظل المقدس": "إنَّ الجنس البشري لن يتقدَّم بلا دين".

وكان بالإضافة إلى ذلك مُناصِرًا للدِّين على عكس غيره من العلماء، وكان يقبل النظرة القائلة بأنَّ العلم لا يستطيع تطبيقَ طرقه التجريبية على المجال الروحي.

يظنُّ القارئ أنَّه بعد هذه المقدمة أنَّه سيقرأ شيئًا ذا قيمة قاله هذا العالم عن الدِّين، وأنَّ اعتماد رجال الاجتماع في بلادنا على كتاباته قد يكون لها ما يُبرِّره، إلا أنَّ القارئ سوف يفاجأ بعكس ذلك تمامًا، وأنَّ هذا العالِم لم يقلْ إلا الإلحاد بعينه، وهذا الإلحاد هو الذي نقَلَه رجال الاجتماع إلينا في بلادنا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1- أصدر كتابه "الظل المقدس" الذي يعتبره العلماء من أكثر كتبه احتقارًا للدِّين رغم قوله فيه: "إنَّ الجنس البشري لن يتقدَّم بلا دِين".

2- رأى أنَّ فهم الدِّين يجب أنْ يقوم على افتراضاتٍ إلحاديَّة واضحة.

3- الدِّين عنده اختراعٌ إنساني؛ لأنَّ الناس - في رأيه - هم الذين ينتجون الدِّين، وهم الذين يُعِيدون إنتاجه.

4- الدِّين عنده يحطم تصوُّرات الناس عن أنفُسهم، وهو زيف وعيهم الثقافي والاجتماعي.

5- اختلف مع العلماء الذين يقولون: إنَّ الدِّين والأفكار الدينيَّة أشياء حقيقيَّة، وتمسَّك برأيه أنها كلها زيف ووهم.

6- نظَر إلى الدِّين على أنَّه تجربة من أقدم تجارب الدِّين الإنساني، وقال: إنَّ من شأن هذه التجربة أنْ تجعل الحياة تافهة ونسبيَّة.

7- رأى أنَّ الخبرات الدِّينيَّة ذات نمطٍ واحد نسبي عبر التاريخ، لكنَّها ذات صور مُتعدِّدة، وقال: إنَّ فكرة ما فوق الطبيعي (الله.. الملائكة.. الجن.. إلخ) فكرةٌ لم يعدْ لها وجدان الآن في الفكر الديني الحديث، وأنَّ التجربة الدينيَّة أصبحت مواجهة مع الله أو تحدٍّ له (تعالى الله عمَّا يقول).

8- أكَّد على العلمانيَّة، وقال: إنَّه إذا كان هناك آخَر يتحدَّانا (أي: الله)، فإنَّه يجب أنْ يتحدَّانا باستمرارٍ كما كان يفعل من قبل، ورأى أنَّ الروح العلمانية هذه قد سرَتْ وجعلت من الصعب على كثيرٍ من الناس الاعتراف والإقرار بحقيقة الدِّين.

9- الشعائر الدينيَّة عنده (كالصلاة والصوم والحج) ما هي إلا ردُّ فعل ناتج عن الخوف المتولد من المواجهة مع الله.

10- نادَى بضرورة انتهاج المؤسَّسات الدينيَّة نهجًا صوفيًّا وروحيًّا خالصًا، وعليها أنْ تُحوِّل أنشطتها إلى شيءٍ مفيد اجتماعيًّا مثلما فعلت من قبلُ؛ ويعني بذلك: أنْ تصبغ الواقع (أيًّا كان) بصبغة دينيَّة.

بعد أنْ دمَّر (بيرجر) الدِّين واعتبره إسقاطًا نفسيًّا اجتماعيًّا، وأنَّ الناس يدينون به بسبب حاجات نفسية واجتماعية، اتَّجه إلى علم الاجتماع وإلى علماء الأديان، وأصرَّ على أنَّ على علم الاجتماع أنْ يثبت على ما يسميه (بالإلحاد المنهجي)، وقدَّم اقتراحًا لعلماء الأديان رأى أنَّه سيساعده في اكتشاف أرضيَّة جديدة للحقيقة الدينيَّة، وخُلاصته: أنْ يبدأ العُلَماء عملَهم مع (الإنسان) لا مع (الله)، وأنَّ عليهم ألا يتجاهلوا النتائج (الإلحاديَّة) التي توصَّلتْ إليها العلوم الاجتماعيَّة، وعليهم أيضًا أنْ يُكيِّفوا أديانهم مع الفكر الحديث، وطالَبَه بالدراسة الجادَّة لتاريخ الدِّيانات، ومحاولة اكتشاف العموميَّات المشتركة التي تعبِّر عن الإسقاطات الإنسانيَّة في الدِّين.

هذا، وقد حاوَل بعض علماء الاجتماع الآخَرين المقارنة بين نظريَّة (بيرجر) عن الدِّين ونظريَّة عالِمين آخَرين لهما الاتجاه نفسه وهما: (أنتوني) و(روبنز)، فانتهوا إلى أنَّ العلماء الثلاثة قد اعترفوا بدعوتهم إلى حتميَّة الانتقاص من قدْر الدِّين، وأنَّ (بيرجر) لم يستبعد مطلقًا افتراض علماء الاجتماع بأنَّ الدِّين إسقاط إنساني؛ بمعنى: أنَّه ليس وحيًا من الله.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 116.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 114.44 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]