|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، واشهد ان لااله الا الله وحده لاشريك له وان محمدا عبده ورسوله بلغ الامانة وادى الرسالة ونصح الامة وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد : فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد e وإن شر ألامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. عَن مُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله أَخبِرنِي بِعَمَلٍٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني منٍ النار قَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ لاَتُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا، وَتُقِيْمُ الصَّلاة، وَتُؤتِي الزَّكَاة، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا : (1) (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْلَمُونْ) [السجدة:16-17] ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَارَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَارَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ يَانَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح هذا حديث عظيم جامع، عمدة في باب القضاء ومشتمل على أمور عظيمة من وصايا الرسول الكريم r لـمعاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه. معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل الذي قال عنه r : (أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل).وقد كان معلِّماً لأهل مكة، وذلك إثر فتح مكة في عهد النبي r وبعد أن توفي النبي عليه الصلاة والسلام، عاد في خلافة عمر إلى المدينة ، فبعثه عمر بن الخطاب إلى الشام لحاجة أهل الشام إلى من يفقههم في الدين. وعند مالك في الموطأ من رواية الليثي : 1711 - وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: (دخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإذَا فَتَىً بَرَّاق الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ، أَسْنَدُوهُ إِلَيْه، وَصَدَرُوا عَنْ رَأيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَل- رضي الله عنه. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بالتَّهْجِيرِ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فانْتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللهِ إنّي لأَحِبُّكَ لِله، فَقَالَ: آلله؟ فَقُلْتُ: ألله ، فَقَالَ: آللهِ؟ فَقُلْتُ: ألله فَقَالَ: آللهِ؟ فَقُلْتُ: ألله ، فَأخَذَنِي بِحَبْوَةِ رِدَائِي، فجبذني إِلَيْهِ، فَقَالَ: أبْشِرْ! فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله r يقول: «قَالَ الله تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ»(2) حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح. قوله: «هَجَّرْتُ» أيْ بَكَّرْتُ، وَهُوَ بتشديد الجيم قوله: «آلله فَقُلْت: ألله » الأول بهمزة ممدودة للاستفهام، والثاني بلا مد. وسؤال معاذ لرسول الله r أن يدله على عمل يقربه من الجنة ويباعده من النار يدلنا على حرص الصحابة على معرفة الحق وعلى معرفة ما يقربهم إلى الله عز وجل وما يحصلون به الثواب من الله سبحانه وتعالى، فهم الحريصون على كل خير والسباقون إلى كل خير رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. [ (دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار)] أي يكون سبباً لدخول الجنة والبعد عن النار . يبين أن الأعمال سبب في دخول الجنة ، قال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17]. وقد جاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل (3) ففي الآيات الكريمات التي ذكرت دلالة على أن الأعمال سبب في دخول الجنة، وأن الإنسان يدخل بعمله الجنة، والحديث يدل على أن الإنسان لا يدخل بعمله الجنة، فكيف نوفق بين ما جاء في الآيات وما جاء في الحديث؟ والجواب هو أن يقال: إن الباء التي في الحديث غير الباء التي في الآيات لأن الباء في الآيات للسببية، والله عز وجل جعل الأعمال سبباً في دخول الجنة، والباء التي في الحديث هي باء المعاوضة، فقوله: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) أي: بأن تكون الجنة عوضاً عن عمله، فيستحق الجنة بمجرد عمله دون أن يكون وراء ذلك فضل الله ورحمته، فهذا لا يكون، بل الفضل لله عز وجل في دخول الجنة. لأن مدار عمل العامل العابد الزاهد الورع القائم الصائم مهما كان، فهو يعمل بفضل الله عليه، إذاً: عمله فضل من الله عليه، كما قال موسى عليه السلام: يا رب إن قمت صليت فبك قمت، وإن صمت فبك صمت، وإن بلّغت الدعوة فبك بلّغت، فكيف أشكرك، قال: الآن الآن يا موسى شكرتني..عرفت أن كل شيءٍ من عندي فشكرتني.وكذلك مهما صلى المصلي الطاقة التي قام وتحرك بها هي من الله، والتوجه إلى العبادة دون المعصية، والهداية والتوفيق.. ومعلوم أن الإنسان عندما يعمل عملاً عند غيره في هذه الحياة الدنيا فإنه يستحق الأجرة في مقابل عمله عوضاً، وليس للذي يدفع العوض منة وفضل على الأجير الذي أعطي أجرته لأن الأجرة في مقابل العمل، فهذا عَمِل وهذا أعطى في مقابل العمل.أما دخول الجنة فالأعمال -وإن كانت سبباً في دخولها- إلا أن ذلك بفضل الله عز وجل، فهو الذي تفضل بالتوفيق للعمل الصالح الذي يوصل إلى الجنة، وتفضل بالجزاء والثواب الذي هو الجنة، فرجع الأمر إلى فضل الله عز وجل في تحصيل السبب ثم حصول المسبب.وعلى هذا تكون الآيات والحديث لا اختلاف بينها، وإنما هي متفقة، بحيث تحمل الباء في الآيات على السببية، وأن الله تعالى جعل الأعمال أسباباً في دخول الجنة، والباء التي نُفي فيها دخول الإنسان بعمله الجنة إنما هي باء المعاوضة، فدخول المرء الجنة ليس معاوضة له على عمله، بل الأعمال سبب في دخول الجنة. وهنا مسألة: هل يوجد تعارض بين قوله عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله..)، وبين قوله تعالى: أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]؟ قال العلماء: الآية الكريمة تقول: أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا ولم تقل: التي دخلتموها، لأنه فرق بين دخول الجنة، وبين التوارث في الجنة، فدخول الجنة محض فضل من الله، أما التنعم فيها والدرجات، فهذا كله بسبب العمل. المولى سبحانه جعل لكل إنسان سيأتي من ذرية آدم إلى آخر الدنيا منزلتين، منزلة في النار ومنزلة في الجنة، فإن وفقه الله لاتباع رسله، وكان من أهل الجنة، تعطلت منزلته في النار، وإن خذله الله -عياذاً بالله- وخالف رسل الله، وكان من أهل النار، خلت منزلته في الجنة.إذاً: بعد دخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النار النار، يبقى في الجنة منازل خالية، بقدر ما في النار من أشخاص، وتلك المنازل لا تترك خالية، بل يورثها الله من دخل الجنة تتساوى هناك الدرجات وتتفاضل بحسب الأعمال، يقول العلماء: ذلك التوارث بحسب درجات عمل المؤمن، فمنهم من يعطى منزلة، ومنهم من يعطى منزلتين وثلاثاً أو أكثر أو أقل، بحسب التفاوت في الأعمال. (لقد سألت عن عظيم)، لأنه أعظم ما تتعلق به آمال البشر، أن تدخل الجنة وتبتعد عن النار، هذا هو الفوز والفلاح، قال الله عزّ وجل: ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) (آل عمران: الآية185) ولهذا وصفه النبي r بأنه عظيم، إذ الأعمال التي يكون بها دخول الجنة والسلامة من النار التي دل الرسول rعليها فيها مشقة وفيها تعب وفيها نصب، والمرء بحاجة إلى الصبر على طاعة الله لأن تلك التكاليف وتلك الأمور التي هي موصلة إلى الجنة تحتاج إلى صبر، فيصبر على الطاعات ولو شقت على النفوس لأن العاقبة حميدة، والنبي rقال: (حفت الجنة بالمكاره (4) فالطريق إلى الجنة فيه صعوبة وفيه مشقة، ويحتاج إلى صبر وإلى جلد وإلى احتساب، وليس هو بالأمر الهين. (وَإِنهُ ليَسيرٌ عَلى مِنْ يَسرَهُ اللهُ عَلَيه) - سهل لمن سهله الله عليه ، اللهم يسره علينا يا رب العالمين - وصدق النبي r فإن الدين الإسلامي مبني على اليسر، قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: الآية185) ومبني على السمح قال النبي r لأصحابه وهو يبعثهم إلى الجهات: "يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، بَشِّروا وَلاَ تُنَفِّروا" (5) "فَإِنَمَا بُعِثتُم مُيَسِّرين وَلَم تُبعَثوا مُعَسِّرين" (6) وقال r : "إِنَّ هذا الدينُ يُسر، وَلَن يُشَاد الدينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ"(7) (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)،8 فهو يسير لكن لمن يسره الله عليه ، الإسلام طريق الرحمة واليسر، ولا توجد مسألة في الدنيا إلا وأُتى لها بأسهل وأوفق الحلول، ولم يسد الطريق على أحد أبداً، ففي الصلاة من لم يستطع الصلاة قائماً صلى جالساً أو مضطجعاً، ومن لم يستطع الصوم لمرض فعدة من أيامٍ أخر، والزكاة لا تجب إلا على غني عنده نصاب وحال عليه الحول، والحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلاً، ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج، كل ذلك من باب التيسير. ثم بين ما يوصل إلى الجنة فقال "تَعبُدَ اللهَ" ومعاذ كان يعلم الناس الإسلام، ويعرف بما يعبد الناس الله وكما يقول الإمام ابن تيمية وغيره: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، والعبادة من العبودية، وهي من التعبيد أو التعبد، وهو التذلل والخضوع. وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) وهذه أركان الإسلام الخمسة التي بينت في حديث جبريل، حيث قال: (أخبرني عن الإسلام ..وكذلك في حديث عبد الله بن عمر : (بني الإسلام على خمس... (تَعبُدَ اللهَ) بمعنى تفرد الله بالعبادة وتخصه وحده بها،تتذلل له بالعبادة حباً وتعظيماً، فبالمحبة تفعل الطاعات، وبالتعظيم تترك المعاصي . "لا تُشرِك بِهِ شيئاً" أي شي يكون حتى الأنبياء، بل الأنبياء ما جاؤوا إلا لمحاربة الشرك، فلا تشرك به شيئاً لا ملكاً مقرباً،ولا نبياً مرسلاً. والله عز وجل قد خلق الخلق لعبادته، وقد أُمروا ونهوا ،وبين لهم التوحيد، وبين لهم الشرك، وبين لهم طريق الخير وطريق الشر، كما قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] يعني: طريق الخير وطريق الشر،وعبادة الله عز وجل يجب أن تكون خالصة له، وأن تكون موافقة لسنته r وعلى هذا فتكون الشهادة بأن محمداً رسول الله r داخلة في عبادة الله لأن شروط العبادة : أن تكون خالصة لله، وأن تكون مطابقة لسنة رسول الله r فإذاً: لابد -مع شهادة أن لا إله إلا الله- من شهادة أن محمداً رسول الله، وهما شهادتان متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فإذا توافر هذان الشرطان نفع العمل ونفعت العبادة، وإن اختل أحدهما فإن العمل مردود على صاحبه، ولا عبرة به حينئذٍ ولا قيمة له. (تقيم الصلاة) أما كان معاذ يقيم الصلاة؟ معاذ الذي تركه رسول الله r في فتح مكة يعلم الناس ألم يكن يقيم الصلاة؟ فهذا مما يؤكد أن المقصود بهذا الأمة كلها، ومعاذ فرد منها. (تقيم الصلاة). وهنا أيضاً لفظة (تقيم)، فلم يقل: تؤدي، أو تصلي، فلفظة تقيم مأخوذة من الإقامة، إقامة الأمر أي: أداؤه على أكمل وجه، فكأن الرسول r يوصي معاذاً لا بمجرد أداء الصلاة بشكلها أو بطقوسها فحسب، بل يوصيه بأن يؤدي الصلاة على أكمل وجه تقام عليه. الصلاة التي هي عمود الإسلام، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي من آخر ما أوصى به الرسول r وهي آخر ما يُفقد في هذه الحياة، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وهي صلة وثيقة بين العبد وربه، وتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، بخلاف الأعمال الأخرى، فإن منها ما يكون واجباً في السنة كالزكاة والصيام، ومنها ما يكون واجباً في العمر كالحج، وأما الصلاة فهي في اليوم والليلة خمس مرات. (وتؤتي الزكاة)، والزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله وفي سنة رسول الله r وكثيراً ما يأتي الجمع بين الصلاة والزكاة في الآية أوالحديث، كما قال الله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وقال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ)[الحج:41]، وقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، وقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11وكما يقول الصديق رضي الله تعالى عنه: الزكاة أخت الصلاة أو قرينة الصلاة. والصلاة والزكاة والصيام والحج كلها كانت في شرائع الأمم المتقدمة، ففي شريعة عيسى عليه السلام يقول الله على لسانه: وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31]، وكذلك إبراهيم عليه السلام: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125]. المولى سبحانه يمتحن الغني بغناه والفقير بفقره، لينظر هل يشكر الغني نعمة الغنى، وهل يصبر الفقير على بلاء الفقر، والكل من عند الله ابتلاءً لخلقه، كما قالوا:وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل يعني: متى يفتقر. سعة الرزق من عند الله سبحانه وتعالى، لكن الله جعل في أموال الأغنياء حقاً للفقراء، وكما يقول علي رضي الله تعالى عنه: لقد جعل الله في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء، فما اشتكى فقير إلا بتقصير غني. لكن هل يقصد الزكاة المفروضة أم أن معها الصدقة النافلة؟ الحديث هنا يتكلم عن الفرائض، والنوافل تكمل الفرائض، وأحب ما يتقرب به العبد إلى الله أداء ما افترض عليه،9 ثم لا يزال يتقرب بالنوافل حتى يحبه الله سبحانه. كما جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه). (وتصوم رمضان)، ثم جاء الصيام بعد ذلك، لأنه شهرا في السنة، وأخر الحج لأنه لا يجب في العمر إلا مرة واحدة.فهذه الأركان جاءت مرتبة وفقاً لأهميتها.فهي أهم الفرائض. وكلنا يعلم فريضة الصوم صوم رمضان يعني الصوم الحقيقي، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] أي: لعلكم أن تكونوا على جانب عظيم من التقوى، وتكون لكم الوقاية من عذاب الله فإذا علم المسلم أنه كتب على من قبلنا فقاموا به ولم يقصروا، فيجب أن نكون أعظم قياماً منهم لأنا خير أمة أخرجت للناس. ولكن ليس مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، قال r : (من لم يدع قول الزور والعمل به،10 فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وكما قال جابر رضي الله تعالى عنه: لا يكون صوم العبد صوماً حقيقة حتى تصوم جوارحه، فالعين تصوم فلا تنظر إلى ما حرم الله، واليد تصوم فلا تمتد إلى ما حرم الله، لا بأخذ مال الناس، ولا بالبطش بالضعفاء، والأذن تصوم فلا تصغي إلى حديث محرم، والرجل تصوم فلا تسعى إلى مكان محرم، والنفس تصوم فلا تتمنى وتحلم أحلام اليقظة في شيءٍ محرم، لأن أحلام اليقظة يمكن أن تجر إلى العمل الفعلي، فيدخل الإنسان في المعصية والإثم ظاهراً وباطناً، وتتعود وتتمرن تلك الجوارح شهراً كاملاً على الصوم، حتى تعتاد هذه الجوارح الطاعة، ولا تنتكس في حمأة المعاصي بسهولة، ولضمان استمرارية هذه الآثار ندبنا الله إلى الإكثار من صيام النافلة . (وَتَحُجُّ البَيْتَ) وحج البيت منهج إسلامي متكامل، يجمع جميع أركان الإسلام فروعاً وأصولاً.ففي العقيدة فيه توحيد الله سبحانه بادئ ذي بدء: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، فقد جمعت هذه التلبية التوحيد بأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية: (النعمة لك والملك). توحيد الألوهية: (لا شريك لك). توحيد الأسماء والصفات: فيما يوصف الله من صفات الجلال والكمال.ثم تأتي بعد ذلك بقية الأركان:ففيه الصلاة: تصلي ركعتي الطواف.وفيه الصوم: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196].وفيه إنفاق المال: (ما الاستطاعة يا رسول الله؟! قال: الزاد والراحلة). وقيل إن الحج مجسم مصغر للإسلام ، فكل أعمال الدين والدنيا ماثلة في الحج، من حل وارتحال، وأعمال مالية وبدنية وتعاون الجميع،كل ذلك ماثل في الحج. ولما كان أعظم الأركان، ويشمل الكثير من العبادات، وفيه مشقة الرحلة والسفر؛ جعله الله سبحانه وتعالى على المستطيع. ثم بعد ذلك ذكر أموراً مستحبة ونوافل وقرباً يكون فيها زيادة في الثواب وكمال في الإيمان فلكل ركن من أركان الإسلام نوافل، وهذه النوافل بمثابة الضمان لما عسى أن يكون في الفريضة من نقص، كما جاء في الحديث عن الصلاة: انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم . (11) . يقول ابن عباس : وهكذا جميع الأعمال. فقال "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ" أبواب تستعمل في الباب الذي يفتح للداخل والخارج، وتستعمل في المسائل، ومن هذا قول العلماء في مؤلفاتهم:هذا الباب في كذا وكذا. وقول المحدثين: لا يصح في هذا الباب شيء، أي لا يصح في هذه المسألة شيء فقوله: "أَبوَابِ الخَيرِ" أي مسائل الخير، ويجوز أن يكون المراد به الباب المعروف الذي يكون منه الدخول والخروج. أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ" (ألا أدلك) هذا استفهام، فقبل أن يذكر أبواب الخير مهّد لها بهذا الاستفهام حتى يتهيأ المخاطب -وهو معاذ رضي الله عنه- لمعرفة ما يلقى عليه ليحفظه ويعيه ويستوعبه، بحيث لا يفوته منه شيء، فهذا الأسلوب وهذه الطريقة فيها لفت نظر المخاطب بتنبيهه إلى العناية والاهتمام لما سيلقى عليه بحيث يعيه ويستوعبه. والجواب: بلى، لكن حذف للعلم به، لأنه لابد أن يكون الجواب بلى. وأَبوَابِ الخَيرِ هي الطرق والمداخل التي يصل الإنسان بها إلى الخير.والمقصود بذلك: النوافل، لأنه ذكر أمثلة للفرائض أولاً ثم ذكر أمثلة للنوافل ثانياً، فذكر ثلاثة أشياء: الصوم، والصدقة، وقيام الليل.فهذه الأمور الثلاثة هي من أفضل أبواب الخير التي أرشد إليها رسول الله r. "الصَّومُ جنةٌ"(12) المقصود بذلك صوم التطوع، إذ إن صوم رمضان قد ذكر سابقاً ضمن الواجبات، والجُنَّة: هي الوقاية التي يُتقى بها ما يُحذر ويُخاف، ولهذا يقال للترس الذي يتقى به السهام: جُنَّة.فالصوم جُنة في الدنيا من المعاصي وفي الآخرة من النار أي مانع يمنع صاحبه في الدنيا ويمنع صاحبه في الآخرة ،أما في الدنيا فإنه يمنع صاحبه من تناول الشهوات الممنوعة في الصوم، ولهذا يُنهى الصائم أن يقابل من اعتدى عليه بمثل ما اعتدى عليه، حتى إنه إذا سابه أحد أو شاتمه يقول: إني صائم ،وأما في الآخرة فهو جُنَّةٌ من النار، يقيك من النار يوم القيامة والنافلة قد تكون مقيدة ومطلقة، فمن المقيد بالزمان نجد صيام ست من شوال، يوم عاشوراء، يوم عرفة، الإثنين والخميس، ثلاثة أيام من كل شهر، ومن الصوم المطلق قوله عليه الصلاة والسلام: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله (13) وجهه عن النار سبعين خريفاً) أي يوم كان بدون تحديد. إذاً: (فالصوم جنة) فصوم التطوع يكون جُنّة من المعاصي وجُنّة من النار.ويدل للأول -وهو أن الصوم جنة في الدنيا- قوله r في الحديث المتفق على صحته عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (يا معشرَ الشبابِ مَنِ اسْتطاع منكمُ الباءةَ فليتزوجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصنُ للفرجِ ومَن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له وِجاءٌ) (14).أي: أن من قدر على الزواج فليتزوج وليقض وطره، ومن عجز ولم يتمكن من ذلك لعدم القدرة المالية التي توصله إليه فإن عليه أن يكثر من الصوم لأن الصوم يضعف شهوته ويُوهن قوّته، فيسلم بذلك من الوقوع في الفاحشة واقتراف الأمر المحرم، فإن الصوم يكبح جماح النفس، ويقمع شدة الشهوة لأنه يكون فيه إضعاف للنفس . وَالصَّدَقَة تُطفِىء الخَطيئَة كَمَا يُطفِىء المَاءُ النَّارَ" الصدقة مطلقاً سواء الزكاة الواجبة أو التطوع،و سواء كانت قليلة أو كثيرة. الخَطيئَة" أي خطيئة بني آدم، وهي المعاصي. والصدقة: هي القربة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل ،الإحسان إلى الناس -بالمال أو بغيره- وإيصال النفع إليهم بسدّ عوز المعوزين وقضاء حاجات الفقراء والمساكين. وهي من أسباب إطفاء الخطايا، أي: زوالها وذهابها، ولا شك في أن الصغائر تذهب بفعل الطاعات، وأما الكبائر فإنها تذهب مع التوبة، أما مع الإصرار عليها فلا، وإذا كان الإنسان يتصدق وهو مصرّ على الكبائر فلا يقال: إن الصدقة تمحو كبائره التي هو مصر عليها، وإنما تمحو الصغائر، وأما الكبائر فتمحوها التوبة، فإذا تصدق وهو تائب من جميع الذنوب فإن الصدقة تطفئ تلك الخطايا كَمَا يُطفِىء المَاءُ النَّارَ" والماء يطفىء النار بدون تردد، فشبه النبي r الأمر المعنوي بالأمر الحسي في تقريب ذلك إلى الأذهان وإلى الأفهام أي أنها تقضي عليها وتستأصلها، كما أن الماء إذا صُبّ على النار فإنه يخمدها ويطفئها، وكذلك الصدقة إذا جاءت فإنها تقضي على المعاصي،وباب الصدقة واسع ولو بالشيء الحقير، قال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) (15).أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تأكل عنباً، ويأتي سائل، فتأخذ حبة وتعطيه، فيأخذها المسكين ويقلبها يميناً وشمالاً، فهذه حبة عنب، لكن لا تستقلها، فإن الله تعالى يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7]، انظر كم في الحبة من مثاقيل الذر!وفي يوم من الأيام كانت عائشة صائمة، وأتاها مسكين، فقالت: لـبريرة : أعطيه، قالت: ما عندي شيئاً، قالت فتشي، قالت: لا يوجد إلا قرص شعير تفطرين عليه في المغرب -وكان الوقت بعد العصر- قالت: أعطي المسكين وعند المغرب يرزق الله.تمشي بريرة متثاقلة..فدفعت القرص للمسكين، وجاء المغرب وقامت أم المؤمنين عائشة تصلي، وقبل أن تختم صلاتها إذا بطارق يطرق الباب، وتنتهي أم المؤمنين من صلاتها وتلتفت فإذا شاة بقرامها، أي: شاة ناضجة بلوازمها، قالت: ما هذا يا بريرة ؟ قالت: رجل -والله ما قد رأيته أبداً- أهدى إلينا.قالت: كلي، فهذا خير من قرصك.ثم تقول بهذه القاعدة: لا يكمل إيمان العبد حتى يكون يقينه بما عند الله أقوى مما في قبضة يده.وكما يقول بعض العلماء، إذا كان الأجل محدوداً والرزق مضموناً، فمم تخاف؟ ولماذا تتعب نفسك؟ ما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب وتتوكل على الله سبحانه وتعالى.إذاً: الصدقة تكون بأي شيء ولو بكلمة طيبة. وَصَلاةُ الرّجُل في جَوفِ اللَّيلِ" هذه معطوفة على قوله "الصدقة" أي وصلاة الرجل في جوف الليل تطفىء الخطيئة ، وجوف الليل وسطه كجوف الإنسان. يعني: أنه من أبواب الخير، لأن الرسول r ذكر أبواباً ثلاثة من أبواب الخير: الصوم، والصدقة، وقيام الليل، فالصدقة نفعها متعد، والصوم وقيام الليل نفعهما قاصر لا يتعدى.وقيام الليل هو أفضل الصلاة بعد الفريضة، كما جاء عن النبي r (أفضل الصلاة بعد الفريضة: قيام الليل)، وهو أفضل التطوع الذي يتطوع به من الصلوات، ثم تلا قول الله عز وجل: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17] تلا هاتين الآيتين في وصف المؤمنين، أولياء الله عز وجل الذين يحصل منهم هذا العمل الصالح ، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ أي أنهم لا ينامون (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) يرغبون ويرهبون إن ذكروا ذنوبهم خافوا، وإن ذكروا فضل الله طمعوا، فهم بين الخوف و الرجاء ،جزاؤهم الجنة بسبب أعمالهم التي عملوها وقدموها في هذه الحياة. يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أخص العبادات.لأنه كما جاء في الحديث: (الدعاء هو العبادة)(16) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].وهل الإشارة في قوله: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ يقصد منها الدعاء بذاته، أم الصلاة التي فيها الدعاء؟ ذكر ابن كثير عند هذه الآية الكريمة أن معاذاً كان مع النبي r قال: كنت مع النبي في سفر فدنوت منه فسألته.وذكر هذا الحديث، ثم روى ابن كثير حديث: (عجب ربنا لرجلين، رجل نهض من فراشه ومن تحت لحافه ومن بين أحبته وقام يصلي لربه)(17) فالحديثان يدلان على أن القيام المقصود منه الصلاة، وهكذا ما جاء عنه r في حق عبد الله بن عمر : (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)(18) فيقول سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه: فما ترك قيام الليل بعدها. قال (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)، لماذا لم يقل: يدعون الله، مع أن الدعاء يتناسب مع الله، لأن الدعاء هوالعبادة، والعبادة إفراد الله بالعبادة. الجواب -والله أعلم- أن لفظ الربوبية أقرب إلى العطاء، وإلى جلب الخير ودفع الشر، كما في أول الفاتحة: رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3]، فالربوبية أقرب إلى العطاء، والألوهية أحق بالعبادة والإفراد لله وحده.قال: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ لأن ربهم عودهم العطاء، إذاً: عطاء من الرب لعباده، والألوهية استحقاق للإله على عباده، فالربوبية إعطاء العباد ما يربهم، أي: يصلحهم، والألوهية: تستوجب على العباد إفراد الله بالعبادة، ولذا يقول علماء العقائد: الربوبية فيض من الله على العبد، والألوهية عمل العباد إلى الله، فهي إفرادك الله بالعبادة، فلا تعبد غيره، وهو لا إله إلا الله.الربوبية تفيض بفضلها وخيرها على العباد، والألوهية تطلب إفراد الله بالعبادة. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ استشهد النبي r بهذه الآية على فضيلة قيام الليل، فلماذا خص قيام الليل بهذا الحكم مع أنه عام لكل عمل؟ الجواب: لما كانت عبادتهم خفية على الخلق والناس نيام، كان الأجر كذلك.كأنه يقول: أنت عملت لي في خفاء عن العالم، وأنا أخبئ لك أجرك فلا يعلمه أحد.والجزاء من جنس العمل.وإذا كنت تعلم أن أجر هذا العمل خفي، لم يطلع عليه أحد إلا الله، فستكون نفسك مشتاقة إليه، بخلاف الشيء المكشوف الذي يعرفه الكل، ولذا كلما كان الأجر خفياً كلما كانت النفس تتطلع إليه أكثر. (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) ( من ) هنا إما أن تكون للتبعيض والمعنى ينفقون بعضها، أوتكون للبيان،والمعنى ينفقون مما رزقهم الله عزّ وجل قليلاً كان أوكثيراً . وذكر الرجل، لأن الغالب أن الخطاب مع الرجال، وإلا فإن الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، ولا يصار إلى الفرق بينهما إلا إذا وجد ما يدل على أن هذا الحكم خاص بالرجال دون النساء أو العكس، كما يأتي في بعض الأحاديث بيان التفريق بين الرجال والنساء في بعض الأحكام، مثل مسألة الغَسل من بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام، فإنه يكون فيه النضح من بول الغلام والغَسل من بول الجارية، وكذلك الجنازة إذا كانت رجلاً يكون الإمام عند رأسه، وإذا كانت امرأة يكون في وسطها، فهذه من الأمور التي يحصل فيها التفريق بين الرجال والنساء، وكذلك فيها يتعلق بالعقيقة والدية والشهادة والميراث والعتق، وهي خمسة أمور تكون النساء فيها على النصف من الرجال. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |