|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الْمَسِيرُ إِلَى عَرَفَةَ، وَالْوُقُوفُ بِهَا يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: [فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ: سَارَ إِلَى عَرَفَةَ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ، وَيُسَنُّ: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيَقِفَ رَاكِبًا عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ -مِمَّا وَرَدَ- فِيهِ. وَمَنْ وَقَفَ وَلَوْ لَحْظَةً مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ أَهْلٌ لَهُ: صَحَّ حَجُّهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ وَقَفَ نَهَارًا، وَدَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَمْ يَعُدْ قَبْلَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَمَنْ وَقَفَ لَيْلًا فَقَطْ فَلَا]. أَيْ: أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَبْدَأُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، هَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَالْكَلَامُ عَنْهُ سَيَكُونُ فِي فُرُوعٍ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: وَقْتُ الذَّهَابِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ: سَارَ إِلَى عَرَفَةَ). إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ: سَارَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى إِلَى نَمِرَةَ؛ فَيُقِيمُ بِنَمِرَةَ إِلَى الزَّوَالِ، وَظَاهِرُ حَدِيثِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ نَمِرَةَ مِنْ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ: «حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ»[1]، وَكَأَنَّ شَيْخَنَا ابْنَ جِبْرِينٍ -رَحِمَهُ اللهُ- يَمِيلُ إِلَى هَذَا فِي تَحْقِيقِهِ النَّفِيسِ عَلَى شَرْحِ الزَّرْكَشِيِّ[2]، ثُمَّ رَأَيْتُهُ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ فِي كِتَابِهِ (إِبْهَاجُ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فَقَالَ عَقِبَ حَدِيثِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَ قَوْلِهِ: «فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ»: "وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَمِرَةَ جُزْءٌ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَنَّ عَرَفَةَ مَكَانٌ وَاسِعٌ، وَعَلَى هَذَا مَنْ وَقَفَ بِنَمِرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ قَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ"[3]. وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ نَمِرَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَةَ، قَالَ فِي (مُفِيدِ الْأَنَامِ): "كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَابْنِ الْقَيِّمِ، وَالنَّوَوِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَمِرَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَةَ، وَهُوَ الَّذِي اتَّضَحَ لَنَا بَعْدَ التَّحَرِّي الشَّدِيدِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى تِلْكَ الْمَوَاضِعِ وَمُشَاهَدَتِهَا؛ لِأَنَّ حَدَّ عُرَنَةَ بِالنُّونِ مِنَ الْغَرْبِ هُوَ وَادِي عَرَفَةَ, وَنَمِرَةُ هِيَ غَرْبِيُّ وَادِي عُرَنَةَ مِنْ جِهَةِ الْحَرَمِ"[4]. الْحَاصِلُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «نَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ»، وَهِيَ نَاقَتُهُ، «فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي» مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ، «فَخَطَبَ النَّاسَ»، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ خُطْبَةً عَظِيمَةً: قَرَّرَ فِيهَا قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ، وَهَدَمَ فِيهَا قَوَاعِدَ الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ، وَقَرَّرَ فِيهَا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي اتَّفَقَتِ الْمِلَلُ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَهِيَ: الدِّمَاءُ، وَالْأَمْوَالُ، وَالْأَعْرَاضُ، وَوَضَعَ فِيهَا أُمُورَ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَوَضَعَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ وَأَبْطَلَهُ، وَأَوْصَى بِالنِّسَاءِ خَيْرًا[5]. الْفَرْعُ الثَّانِي: عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ). وَهُنَا مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ. أَيْ: كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»[6]. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: حُكْمُ الْوُقُوفِ بِبَطْنِ عُرَنَةَ. (إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ)؛ فَلَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ»[7]، وَفِي إِسْنَادِهِ: الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعُمَرِيُّ، وَقَدِ اتَّهَمَهُ أَحْمَدُ بِالْكَذِبِ[8]. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوُقُوفِ بِعُرَنَة عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِعُرَنَةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ: الْحَنابِلَةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ، وَالشَّافِعِيَّةُ[9]، وَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ[10]. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُجْزِئٌ، لَكِنْ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ[11]، وَاللهُ أَعْلَمُ. الْفَرْعُ الثَّالِثُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيُسَنُّ: أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ). وَهُنَا مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ. بَعْدَ أَنْ خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ جَمْعًا وَقَصْرًا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا؛ وَذَلِكَ لِيَطُولَ وَقْتُ الْوُقُوفِ. فَــــــائِدَةٌ: الْخُطْبَةُ الَّتِي خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمِ عَرَفَةَ لِعَرَفَةَ، وَلَيْسَتْ لِلْجُمُعَةِ؛ لِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّ الْخُطْبَةَ قَبْلَ أَذَانِ الظُّهْرِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْجُمُعَةِ: لَكَانَتْ بَعْدَ الْأَذَانِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَوْ كَانَتْ جُمُعَةً: لَجَهَرَ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَالْجُمُعَةُ لَا يُجْمَعُ مَعَهَا غَيْرُهَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيةُ: مَنْ يَحِقُّ لَهُ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ. قَالَ فِي (الرَّوْضِ): "وَسُنَّ أَنْ يَجْمَعَ بِعَرَفَةَ مَنْ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ"[12]. وَالَّذِي لَهُ الْجَمْعُ: الْمُسَافِرُ وَالْمَعْذُورُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسَافِرِ وَالْمَعْذُورِ: فَلَا يَحِقُّ لَهُ الْجَمْعُ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَكِّيَّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَافِرٍ، إِذْ إِنَّ السَّفَرَ مَا بَلَغَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ كِيلًا، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ عَرَفَةَ وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَشَاعِرِ عَنْ مَكَّةَ لَا تَبْلُغَ هَذَا الْمَبْلَغَ، فَعَلَى هَذَا لَا َيَجْمَعُ الْمَكِّيُّ وَلَا يَقْصُرُ؛ بَلْ يُتِمُّ وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ في وَقْتِهَا، سَوَاءٌ فِي عَرَفَةَ، أَوْ فِي مُزْدَلِفَةَ، أَوْ فِي مِنًى، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا سَبَقَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ[13]. الْقَوْلُ الثَّانِي: مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ لِلْمَكِّيِّ فِي عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهَذَا رِوايَةٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[14]، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَالشَّنْقِيطِيُّ[15]؛ وَحُجَّتُهُمْ: أَنَّ الْجَمْعَ وَالْقَصْرَ سَبَبُهُ النُّسُكُ، وَلَيْسَ السَّفَرُ[16]، فَيَقْصُرُ الْحَاجُّ وَلَوْ كَانَ فِي مِنًى، وَهِيَ أَقْرَبُ الْمَشَاعِرِ إِلَى مَكَّةَ؛ وَلِهَذَاالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَصَرَ وَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَجَمَعَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِتْمَامِ وَتَرْكِ الْجَمْعِ. وَلَمْ يُنْقَلْ فِي حَدِيثٍ قَطُّ: أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَمَرَهُمْ بِالْإِتْمَامِ، وَأَمَّا حَدِيثُ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ»[17]؛ فَهُوَ ضَعِيفٌ[18]، وَلَوْ صَحَّ: لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قَالَ: (بِمَكَّةَ)، وَهُمْ كَانُوا مُقِيمِينَ فِي دِيَارِهِمْ، وَأَيْضًا: النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَقُلْهُ فِي الْحَجِّ[19]، وَاللهُ أَعْلَمُ. الْفَرْعُ الرَّابِعُ: كَيْفِيَّةُ الْوُقُوفِ وَمَكَانُهُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَقِفَ رَاكِبًا عِنْدَ الصَّخَرَاتِ، وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ). لِأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمَّا انْتَهَى مِنَ الصَّلَاةِ: رَكِبَ نَاقَتَهُ وَمَشَى حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ؛ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا؛ حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ. وَالْمُرَادُ بِالْقُرْصِ: الشَّمْسُ، وَقِيلَ: هُوَ الصُّفْرَةُ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَالْمُرَادُ بِالْوُقُوفِ: الْمُكْثُ، لَا الْوُقُوفُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ[20]. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَعْنِي: مَسأَلَةَ هَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا أَوْ لَا؟ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِيهَا -وَاللهُ أَعْلَمُ-: مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي (مَنْسَكِهِ): أَنَّهُ "يَجُوزُ الْوُقُوفُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا. وَأَمَّا الْأَفْضَلُ: فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ إذَا رَكِبَ رآهُ النَّاسُ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَرْكُ الرُّكُوبِ؛ وَقَفَ رَاكِبًا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ رَاكِبًا"[21]. الْفَرْعُ الْخَامِسُ: مَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ فِي الْوُقُوفِ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ مِمَّا وَرَدَ). وَهَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِالدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ إِلَى اللهِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ»؛ أَيْ: حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ[22]. فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ: أَنْ يَجْتَهِدَ فِي ذِكْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَدُعَائِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَالَ الدُّعَاءِ، وَيُظْهِرَ الضَّعْفَ وَالاِفْتِقَارَ، وَيُلِحَّ فِي الدُّعَاءِ، فَهَذِهِ وَظِيفَةُ هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَلَا يُقَصِّرُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَطْلُوبُهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْحَجُّ عَرَفَةَ»[23]؛ فَيَنْبَغِي لِلْحَاجِّ أَنْ لَا يُقَصِّرَ فِي الاِهْتِمَامِ بِذَلِكَ وَاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِيهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»[24]. وَجَاءَ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، وَفِي سَنَدِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ[25]. وَعَلَى كُلِّ حَاٍل: لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ، وَلَيْسَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ دُعَاءٌ مَخْصُوصٌ. الْفَرْعُ السَّادِسُ: وَقْتُ ابْتِدَاءِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ وَقَفَ وَلَوْ لَحْظَةً مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ). يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |