نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما هي أبرز أسباب تأخر النطق عند الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          أعشاب تدر الحليب: تعرف عليها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أطعمة خالية من اللاكتوز: قائمة بأفضلها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          علاج هشاشة العظام بالأكل: هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          علاج التجشؤ بالأعشاب: 7 أعشاب فعالة ومجربة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حمية dna: خطوة نحو تغذية مخصصة لصحتك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيف يتم علاج سوء التغذية؟ دليلك الشامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دليلك للأكل الصحي عند الإصابة بالتسمم الغذائي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          7 أطعمة تسبب الغازات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          علاج العصبية: كيف تتحكم بانفعالاتك بعقلانية وهدوء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-08-2009, 10:39 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
73 73 نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار

كتاب

نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار


من الكتاب والسنة والآثار


تأليف
أبو يوسف محمد زايد


لتحميل الكتاب إضغط على الرابط أسفل



وللقراءة هنا تابعوني


Click here to download file




رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-08-2009, 10:41 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ،نحمده حمد الفقراء إليه،هو ربنا الغني الحميد ؛ ونشكر له شكر المحتاجين السائلين من فضله المزيد ..لا إله إلا هووحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، يحب من عباده من اتبع هداه ، وتمسك بما جاء به خيرُ خلقه أجمعين ،خاتمُ الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى ءاله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ؛ فتحلى بمكارم الأخلاق؛... ويبغض من عبيده من اتخذ إلهه هواه ، فأعرض عن ذكره وسنة نبيه ، وكان في قوله وفعله مغضبا لربه...
وأشهد أن لا إله إلا الله ،وأن محمدا رسول الله ؛ أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ،وكفى بالله شهيدا..
أما بعد، فتبعا لكتابي الآول الذي خصصته لمن يحبهم الله من عباده ، تحت عنوان : عباد يحبهم الغفار من الكتاب والسنة والآثار ؛ وجمعت فيه ما يسر الله ليمن تفسير " آيات المحبة " ؛ هذا كتاب ثان أوردت فيه الآيات التي أخبر فيها رب العالمين عن أناس لا يحبهم ، مع ما جاء في تفسيرها ؛ وذلك في جولة مباركة رفقة ثلة من المفسرين : الطبري ، ابن كثير، القرطبي ، البغوي، الشوكاني ، السعدي .. رحمهم الله وجميع أئمة الاسلم؛ وختمته بجملة من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر فيها ناسا لا يحبهم الخالق الباريء المصور؛ لذميم أخلاقهم، وقبيح أفعالهم وخبيث أقوالهم... وسميته : ناس لا يحبهم القهار من الكتاب والسنة والآثار..

أسأل الله القريب المجيب أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به ؛ كما أسأله التوفيق والسداد للقائمين على هذا الموقع الذي أعتبره منبعا عذبا زلالا لكل من أحب أن يغترف منه ما به يروي ظمأه، ويشفي غلته...وأن يجزيهم الله أجزل الخير وأوفاه على ما يقدمونه لطلاب العلم النافع ، ذلكم الثلث الذي يبقى وأخويه: دعاء الولد الصالح والصدقة الجارية ، بعد الرحيل إلى دار القرار...



وقال السعدي رحمه الله
هذه الآيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة.. لما قوي المسلمون للقتال أمرهم الله به بعدما كانوا مأمورين بكف أيديهم وفي تخصيص القتال " في سبيل الله " حث على الإخلاص ونهي عن الاقتتال في الفتن بين المسلمين ..." الذين يقاتلونكم " أي : الذين هم مستعدون لقتالكم وهم المكلفون الرجال غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال.. والنهي عن الاعتداء يشمل أنواع الاعتداء كلها من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين والأطفال والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى وقتل الحيوانات وقطع الأشجار ونحوها لغير مصلحة تعود للمسلمين ؛ ومن الاعتداء مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها فإن ذلك لا يجوز ...

2- (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ *) (البقرة : 204-206 ).


قال البغوي رحمه الله
قوله تعالى: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " قال الكلبي و مقاتل و عطاء : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ، واسمه أُبَيّ، وسمي الأخنس لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكان رجلاً حلو الكلام، حلو المنظر، وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجالسه ويظهر الإسلام، ويقول إني لأحبك، ويحلف بالله على ذلك، وكان منافقاً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني مجلسه فنزل قوله تعالى " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " أي تستحسنه ويعظم في قلبك، ويقال في الاستحسان أعجبني كذا وفي الكراهية والإنكار عجبت من كذا... " ويشهد الله على ما في قلبه " يعني قول المنافق: والله إني بك مؤمن ولك محب... " وهو ألد الخصام " أي شديد الخصومة، يقال لددت يا هذا وأنت تلد لداً ولدادة، فإذا أردت أنه غلب على خصمه قلت: لده يلده لداً، يقال: رجل ألد وامرأة لداء وقوم لد، قال الله تعالى: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً) (مريم : 97 ) قال الزجاج : اشتقاقه من لديدي العنق وهما صفحتاه، وتأويله: أنه في وجه أخذ من يمين أو شمال في أبواب الخصومة غلب، والخصام مصدر خاصمه خصاماً ومخاصمة قاله أبو عبيدة. وقال الزجاج : هو جمع خصم يقال: خصم وخصام وخصوم مثل بحر وبحار وبحور قال الحسن : ألد الخصام أي كاذب القول، قال قتادة : شديد القسوة في المعصية، جدل بالباطل يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم "
" وإذا تولى " أي أدبر وأعرض عنك.. " سعى في الأرض " أي عمل فيها، وقيل: سار فيها ومشى" ليفسد فيها " قال ابن جريج قطع الرحم وسفك دماء المسلمين... " ويهلك الحرث والنسل " وذلك أن الأخنس كان بينه وبين ثقيف خصومة فبيتهم ليلاً فأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم. قال مقاتل : خرج إلى الطائف مقتضياً مالاً له على غريم فأحرق له كدساً وعقر له أتاناً، والنسل: نسل كل دابة والناس منهم، وقال الضحاك : " وإذا تولى " أي ملك الأمر وصار والياً " سعى في الأرض " قال مجاهد : في قوله عز وجل " وإذا تولى سعى في الأرض " قال إذا ولي فعمل بالعدوان والظلم أمسك الله المطر وأهلك الحرث والنسل " والله لا يحب الفساد " أي لا يرضى بالفساد، قال سعيد بن المسيب : قطع الدرهم من الفساد في الأرض.
قوله " وإذا قيل له اتق الله " أي خف الله " أخذته العزة بالإثم " أي حملته العزة وحمية الجاهلية على الفعل بالإثم أي بالظلم، والعزة: التكبر والمنعة، وقيل معناه " أخذته العزة " للإثم الذي في قلبه، فأقام الباء مقام اللام. قوله " فحسبه جهنم " أي كافية " ولبئس المهاد " أي الفراش، قال عبد الله بن مسعود: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقال: للعبد اتق الله، فيقول: عليك بنفسك. وروي أنه قيل لعمر بن الخطاب: اتق الله، فوضع خده على الأرض تواضعاً لله عز وجل.

وقال السعدي رحمه الله
لما أمر تعالى بالإكثار من ذكره ، وخصوصا في الأوقات الفاضلة ، الذي هو خير ومصلحة وبر؛ بقوله تعالى:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ *ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)( البقرة 199-203 ) أخبر تعالى بحال من يتكلم بلسانه ويخالف فعلُه قولَه... فالكلام إما أن يرفع الإنسان أو يخفضه فقال : " ومن الناس من يعجبك قولهفي الحياة الدنيا " أي : إذا تكلم راق كلامه للسامع وإذا نطق ظننته يتكلم بكلام نافع ويؤكد ما يقول بأنه صادق " ويشهد الله على ما في قلبه " بأن يخبر أن الله يعلم أن ما في قلبه موافق لما نطق به وهو كاذب في ذلك لأنه يخالف قوله فعله ؛ فلو كان صادقا لتوافق القول والفعل كحال المؤمن غير المنافق ولهذا قال الله تعالى فيه : " وهو ألد الخصام " أي : وإذا خاصمته وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب وما يترتب على ذلك ما هو من مقابح الصفات ليس كأخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم والانقياد للحق وظيفتهم والسماحة سجيتهم... " وإذا تولى " هذا الذي يعجبك قوله إذا حضر عندك ؛ ( سعى في الأرض ليفسد فيها)أي : يجتهد على أعمال المعاصي التي هي إفساد في الأرض " ويهلك " بسبب ذلك " الحرث والنسل " فالزروع والثمار والمواشي تتلف وتنقص وتقل بركتها بسبب العمل في المعاصي ..(والله لا يحب الفساد) فإذا كان لا يحب الفساد فهو يبغض العبد المفسد في الأرض غاية البغض وإن قال بلسانه قولا حسنا ففي هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص ليست دليلا على صدق ولا كذب ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود والمحق والمبطل من الناس بسبر أعمالهم والنظر لقرائن أحوالهم وأن لا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم ... ثم ذكر أن هذا المفسد في الأرض بمعاصي الله إذا أُمِر بتقوى الله تكبر وأنف و "أخذته العزة بالإثم " فيجمع بين العمل بالمعاصي والكبر على الناصحين " فحسبه جهنم"" التي هي دار العاصين والمتكبرين " ولبئس المهاد " أي : المستقر والمسكن عذاب دائم وهم لا ينقطع ويأس مستمر لا يخفف عنهم العذاب ولا يرجون الثواب جزاء لجناياتهم ومقابلة لأعمالهم فعياذا بالله من أحوالهم ....

3- (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ*إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِوَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ*وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ* ) (البقرة : 276 -281 )

قال ابن كثير رحمه الله
يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا, أي يذهبه إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه, أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به, بل يعدمه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة, كما قال تعالى: (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة : 100 ) وقال تعالى: (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال : 37 ) وقال : (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم : 39 ), وقال ابن جرير: في قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا ) وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قِلٍّ, وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد في مسنده, فقال: حدثنا حجاج. حدثنا شريك, عن الركين بن الربيع عن أبيه, عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قِلٍّ», وقد رواه ابن ماجه: عن العباس بن جعفر عن عمرو بن عون, عن يحيى بن زائدة عن إسرائيل عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري, عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قل», وهذا من باب المعاملة, بنقيض المقصود, كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا الهيثم بن نافه الظاهري, حدثني أبو يحيى رجل من أهل مكة, عن فروخ مولى عثمان, أن عمر وهو يومئذٍ أمير المؤمنين, خرج من المسجد فرأى طعاماً منشوراً, فقال: ما هذا الطعام ؟ فقالوا: طعام جلب إلينا, قال: بارك الله فيه وفيمن جلبه, قيل: يا أمير المؤمنين إنه قد احتكر, قال: من احتكره ؟ قالوا: فروخ مولى عثمان وفلان مولى عمر, فأرسل إليهما, فقال: ما حملكما على احتكار طعام المسلمين ؟ قالا: يا أمير المؤمنين نشتري بأموالنا ونبيع, فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس أو بجذام», فقال فروخ عند ذلك: أعاهد الله وأعاهدك أن لا أعود في طعام أبداً, وأما مولى عمر فقال: إنما نشتري بأموالنا ونبيع, قال أبو يحيى: فلقد رأيت مولى عمر مجذوماً, ورواه ابن ماجه من حديث الهيثم بن رافع به, ولفظه «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس والجذام».
وقوله تعالى : ( وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) قُريء بضم الياء والتخفيف, من رَبَا الشيء يَربو وأرباه يُربيه, أي كثره ونماه ينميه, وقُريء يربي بالضم والتشديد من التربية, قال البخاري: حدثنا عبد الله بن كثير, أخبرنا كثير سمع أبا النصر, حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار, عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه, حتى يكون مثل الجبل» كذا رواه في كتاب الزكاة, وقال في كتاب التوحيد: وقال خالد بن مخلد بن سليمان بن بلال, عن عبد الله بن دينار فذكره بإسناده نحوه, وقد رواه مسلم في الزكاة, عن أحمد بن عثمان بن حكيم, عن خالد بن مخلد, فذكره, قال البخاري ورواه مسلم بن أبي مريم, وزيد بن أسلم, وسهيل, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم ..., قلت: أما رواية مسلم بن أبي مريم, فقد تفرد البخاري بذكرها, وأما طريق زيد بن أسلم, فرواها مسلم في صحيحه, عن أبي الطاهر بن السرح عن أبي وهب, عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم به, وأما حديث سهيل, فرواه مسلم عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل به, والله أعلم, قال البخاري: وقال ورقاء عن ابن دينار عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم , وقد أسند هذا الحديث من هذا الوجه الحافظ أبو بكر البيهقي, عن الحاكم وغيره, عن الأصم, عن العباس المروزي, عن أبي النضر, هاشم بن القاسم, عن ورقاء وهو ابن عمر اليشكري, عن عبد الله بن دينار, عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب, ولا يصعد إلى الله إلا الطيب, فإن الله يقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلّوه, حتى يكون مثل أحد» وهكذا روى هذا الحديث مسلم والترمذي والنسائي جميعا, عن قتيبة, عن الليث بن سعد, عن سعد المقبري, وأخرجه النسائي من رواية مالك, عن يحيى بن سعيد الأنصاري, ومن طريق يحيى القطان, عن محمد بن عجلان, ثلاثتهم عن سعيد بن يسار أبي الحباب المدني, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم , فذكره, وقد روي عن أبي هريرة من وجه آخر, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا وكيع, عن عباد بن منصور, حدثنا القاسم بن محمد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله عز وجل يقبل الصدقة, ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه, حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد» وتصديق ذلك في كتاب اللهيَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) وكذا رواه أحمد, عن وكيع, وهو في تفسير وكيع, ورواه الترمذي, عن أبي كريب عن وكيع به, وقال: حسن صحيح, وكذا رواه الثوري عن عباد بن منصور به, ورواه أحمد أيضاً عن خلف بن الوليد, عن ابن المبارك, عن عبد الواحد بن ضمرة وعباد بن منصور, كلاهما عن أبي نضرة, عن القاسم به, وقد رواه ابن جرير, عن محمد بن عبد الملك بن إسحاق, عن عبد الرزاق, عن معمر, عن أيوب, عن القاسم بن محمد, عن أبي هريرة, قال: قال رسول, الله صلى الله عليه وسلم «إن العبد إذا تصدق من طيب يقبلها الله منه, فيأخذهابيمينه ويربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله, وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله, أو قال في كف الله حتى تكون مثل أحد, فتصدقوا» وهكذا رواه أحمد: عن عبد الرزاق, وهذا طريق غريب صحيح الإسناد, ولكن لفظه عجيب, والمحفوظ ما تقدم, وروي عن عائشة أم المؤمنين, فقال الإمام أحمد, حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد عن ثابت, عن القاسم بن محمد, عن عائشة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلّوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد» تفرد به أحمد من هذا الوجه.. وقال البزار حدثنا يحيى بن المعلى بن منصور حدثنا إسماعيل حدثني أبي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ... وعن الضحاك بن عثمان عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الرجل ليتصدق بالصدقة من الكسب الطيب, ولا يقبل الله إلا الطيب, فيتلقاها الرحمن بيده, فيربيها كما يربي أحدكم فلّوه أو وصيفه» أو قال فصيله, ثم قال: لا نعلم أحداً رواه عن يحيى بن سعيد عن عمرة إلا أبا أويس.
وقوله
تعالى : (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم)ٍأي لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل, ولا بد من مناسبة في ختم هذه الاَية بهذه الصفة, وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال, ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح, فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل, بأنواع المكاسب الخبيثة, فهو جحود لما عليه من النعمة, ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل ـ ثم قال تعالى مادحاً للمؤمنين بربهم, المطيعين أمره المؤدين شكره, المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة, مخبراً عما أعد لهم من الكرامة, وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِوَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.)...

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه, ناهياً لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاهيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ) أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون ( وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال, بعد هذا الإنذار ( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك, وقد ذكر زيد بن أسلم, وابن جريج ومقاتل بن حيان والسدي, أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف, وبني المغيرة من بني مخزوم, كان بينهم ربا في الجاهلية, فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه, طلبت ثقيف أن تأخذه منهم, فتشاورا وقالت بني المغيرة لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام, فكتب في ذلك عتاب بن أسيد, نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاَية, فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) فقالوا نتوب إلى الله, ونذر ما بقي من الربا فتركوه كلهم, وهذا تهديد ووعيد أكيد, لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار قال ابن جريج: قال ابن عباس: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ)أي استيقنوا بحرب من الله و رسوله, وتقدم من رواية ربيعة بن كلثوم, عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: يقال يوم القيامة لاَكل الربا: خذ سلاحك للحرب, ثم قرأ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس :(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه, كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه, فإن نزع وإلا ضرب عنقه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن بشار, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا هشام بن حسان, عن الحسن وابن سيرين, أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا, وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله, ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم, فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح.
وقال قتادة: أوعدهم الله بالقتل كما يسمعون, وجعلهم بهرجاً أين ما أتوا, فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا, فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه, فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة. رواه ابن أبي حاتم, وقال الربيع بن أنس: أوعد الله آكل الربا بالقتل, رواه ابن جرير, وقال السهيلي: ولهذا قالت عائشة لأم محبة مولاة زيد بن أرقم في مسألة العينة: أخبريه أن جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب, فخصت الجهاد لأنه ضد قوله: :(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال: وهذا المعنى ذكره كثير, قال: ولكن هذا إسناده إلى عائشة ضعيف.
ـ ثم قال تعالى: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ) أي بأخذ الزيادة ( وَلَا تُظْلَمُونَ) أي بوضع رؤوس الأموال أيضاً, بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحسين بن أشكاب, حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان, عن شبيب بن غرقدة المبارقي, عن سليمان بن عمرو بن الأحوص, عن أبيه, قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع, فقال «ألا إن كل رباً كان في الجاهلية موضوع عنكم كله, لكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولاتظلمون, وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب, موضوع كله» وكذا وجده سليمان بن الأحوص, وقال ابن مردويه: حدثنا الشافعي, حدثنا معاذ بن المثنى, أخبرنا مسدد, أخبرنا أبو الأحوص, حدثنا شبيب بن غرقدة, عن سليمان بن عمرو, عن أبيه, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ألا إن كلّ ربا من ربا الجاهلية موضوع, فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون» وكذا رواه من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد, عن أبي حمزة الرقاشي عن عمر وهو ابن خارجة, فذكره.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-08-2009, 10:43 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار


وقوله تعالى : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء, فقال (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ) لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي, ثم يندب إلى الوضع عنه, ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل, فقال: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين, وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
(فالحديث الأول) عن أبي أمامة أسعد بن زرارة. قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن محمد بن شعيب الرجاني, حدثنا يحيى بن حكيم المقوم, حدثنا محمد بن بكر البرساني, حدثنا عبد الله بن أبي زياد, حدثني عاصم بن عبيد الله, عن أبي أمامة أسعد بن زرارة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله, فلييسر على معسر أو ليضع عنه».
(حديث آخر) عن بريدة. قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا عبد الوارث, حدثنا محمد بن جحادة, عن سليمان بن بريدة, عن أبيه, قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة» قال: ثم سمعته يقول: «من أنظر معسراً فله بكل يوم مثلاه صدقة» قلت: سمعتك يا رسول الله تقول «من أنظر معسراً فله بكليوم مثله صدقة». ثم سمعتك تقول «من أنظر معسراً فله بكل يوم مثلاه صدقة», قال: «له لكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين, فإذا حل الدين فأنظره, فله بكل يوم مثلاه صدقة».
(حديث آخر) عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري. قال أحمد: حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا أبو جعفر الخطمي, عن محمد بن كعب القرظي, أن أبا قتادة كان له دين على رجل, وكان يأتيه يتقاضاه فيختبى منه, فجاء ذات يوم فخرج صبي, فسأله عنه, فقال: نعم هو في البيت يأكل خزيرة, فناداه, فقال: يا فلان, اخرج فقد أخبرت أنك هاهنا, فخرج إليه, فقال: ما يغيبك عني ؟ فقال إني معسر وليس عندي شيء, قال: آلله أنك معسر ؟ قال: نعم, فبكى أبو قتادة, ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من نفس عن غريمه, أو محا عنه, كان في ظل العرش يوم القيامة», ورواه مسلم في صحيحه.
(حديث آخر) عن حذيفة بن اليمان, قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا الأخنس أحمد بن عمران, حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا أبو مالك الأشجعي, عن ربعي بن خراش, عن حذيفة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة قال: ماذا عملت في الدينا ؟ فقال: ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها ـ قالها ثلاث مرات ـ قال العبد عند آخرها: يا رب إنك كنت أعطيتني فضل مال, وكنت رجلاً أبايع الناس, وكان من خلقي الجواز, فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر, قال: فيقول الله عز وجل: أنا أحق من ييسر, ادخل الجنة». وقد أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه من طرق عن ربعي بن حراش, عن حذيفة, زاد مسلم وعقبة بن عامر وأبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, ولفظ البخاري: حدثنا هشام بن عمار, حدثنا يحيى بن حمزة, حدثنا الزهري عن عبد الله بن عبد الله, أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه, عن صلى الله عليه وسلم , قال: «كان تاجر يداين الناس, فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزا عنه لعل الله يتجاوز عنا, فتجاوز الله عنه».
(حديث آخر) عن سهل بن حنيف, قال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب, حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى, حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك, حدثنا عمرو بن ثابت, حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل, عن عبد الله بن سهل بن حنيف, أن سهلاً حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: «من أعان مجاهداً في سبيل الله أو غازياً أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(حديث آخر) عن عبد الله بن عمر, قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد, عن يوسف بن صهيب, عن زيد العمى عن ابن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته, فليفرج عن معسر». انفرد به أحمد.
(حديث آخر) عن أبي مسعود عقبة بن عمرو. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا أبو مالك عن ربعي بن حراش, عن حذيفة, أن رجلاً أتى به الله عز وجل, فقال: ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال له الرجل: ما عملت مثقال ذرة من خير, فقال ثلاثاً, وقال في الثالثة: إني كنت أعطيتني فضلاً من المال في الدنيا, فكنت أبايع الناس, فكنت أيسر على الموسر, وأنظر المعسر. فقال تبارك وتعالى: نحن أولى بذلك منك, تجاوزا عن عبدي, فغفر له. قال أبو مسعود: هكذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم , وهكذا رواه مسلم من حديث أبي مالك سعد بن طارق به.
(حديث آخر) عن عمران بن حصين. قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر, أخبرنا أبو بكر, عن الأعمش, عن أبي دواد, عن عمران بن حصين قال, قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كان له على رجل حق فأخره, كان له بكل يوم صدقة», غريب من هذا الوجه, وقد تقدم عن بريدة نحوه.
(حديث آخر) عن أبي اليسر كعب بن عمرو. قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو, حدثنا زائدة, عن عبد الملك بن عمير, عن ربعي, قال: حدثنا أبو اليسر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال «من أنظر معسراً أو وضع عنه, أظله الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله». وقد أخرجه مسلم في صحيحه ومن وجه آخر من حديث عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت, قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا, فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ومعه غلام له معه ضمامة من صحف, وعلى أبي اليسر بردة ومعافري, وعلى غلامة بردة ومعافري, فقال له أبي: يا عم, إني أرى في وجهك سفعة من غضب, قال: أجل كان لي على فلان بن فلان ـ الحرامي ـ مال, فأتيت أهله, فسلمت فقلت: أثم هو ؟ قالوا: لا , فخرج عليّ ابن له جفر, فقلت: أين أبوك ؟ فقال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي, فقلت: اخرج إلي فقد علمت أين أنت, فخرج, فقلت ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك, خشيت والله أن أحدثك فأكذبك أو أعدك فأخلفك, وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكنت والله معسراً. قال: قلت: آلله. قال: قلت: آلله ؟ قال: الله, ثم قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده, ثم قال: فإن وجدت قضاء فاقضني وإلا فأنت في حل, فأشهد بصر عيناي هاتان ـ ووضع أصبعيه على عينيه ـ وسمع أذناي هاتان, ووعاه قلبي ـ وأشار إلى نياط قلبه, رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أنظر معسراً أو وضع عنه, أظله الله في ظله. وذكر تمام الحديث.
(حديث آخر) عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان, قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني أبو يحيى البزاز محمد بن عبد الرحمن, حدثنا الحسن بن أسد بن سالم الكوفي, حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري, عن هشام بن زياد القرشي, عن أبيه, عن محجن مولى عثمان, عن عثمان, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أظل الله عيناً فيظله يوم لا ظل إلا ظله, من أنظر معسراً, أو ترك لغارم».
(حديث آخر) عن ابن عباس. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن يزيد, حدثنا نوح بن جعونة السلمي الخراساني, عن مقاتل بن حيان, عن عطاء, عن ابن عباس, قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول بيده: هكذا, وأومأ عبد الرحمن بيده إلى الأرض «من أنظر معسراً أو وضع عنه, وقاه الله من فيح جهنم ألا إن عمل الجنة حزن بربوة ـ ثلاثا ـ ألا إن عمل النار سهل بسهوة, والسعيد من وقي الفتن, وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد, ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيماناً» تفرد به أحمد.
(طريق آخر) قال الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد البوراني قاضي الحديبية من ديار ربيعة, حدثناالحسن بن علي الصدائي, حدثنا الحكم بن الجارود, حدثنا ابن أبي المتئد خال ابن عيينة, عن أبيه, عن عطاء, عن ابن عباس قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أنظر معسراً إلى ميسرته أنظره اللهبذنبه إلى توبته»....
ثم قال تعالى يعظ عباده, ويذكرهم زوال الدنيا, وفناء ما فيها من الأموال وغيرها, وإتيان الاَخرة, والرجوع إليه تعالى, ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا, ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر, ويحذرهم عقوبته, فقال: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) وقد روي أن هذه الاَية آخر آية نزلت من القرآن العظيم, فقال ابن لهيعة: حدثني عطاء بن دينار, عن سعيد بن جبير قال: آخر ما نزل من القرآن كله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)... وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الاَية تسع ليال, ثم مات يوم الإثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول, رواه ابن أبي حاتم, وقد رواه ابن مردويه من حديث المسعودي عن حبيب ابن أبي ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: آخر آية نزلت (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) وقد رواه النسائي من حديث يزيد النحوي, عن عكرمة, عن عبد الله بن عباس, قال: آخر شيء نزل من القرآن: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) , وكذا رواه الضحاك والعوفي عن ابن عباس, وروى الثوري عن الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس, قال: آخر آية نزلت : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).. فكان بين نزولها وموت النبي صلى الله عليه وسلم واحد وثلاثون يوماً, وقال ابن جريج: يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعدها تسع ليال وبدء يوم السبت ومات يوم الإثنين, رواه ابن جرير, ورواه ابن عطية عن أبي سعيد, قال آخر آية نزلت : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)..


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-08-2009, 10:44 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار

وقال السعدي رحمه الله :

قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)
أخبر تعالى أنه يمحق مكاسب المرابين ويربي صدقات المنْفقين عكس ما يتبادر لأذهان كثير من الخلق أن الإنفاق ينقص المال وأن الربا يزيده فإن مادة الرزق وحصول ثمراته من الله تعالى ... وما عند الله لا ينال إلا بطاعته وامتثال أمره ...فالمتجرىء على الربا يعاقبه بنقيض مقصوده وهذا مشاهد بالتجربة ومن أصدق من الله قيلا ... ( وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)وهو الذي كفر نعمة الله وجحد منة ربه وأثِم بإصراره على معاصيه ومفهوم الآية أن الله يحب من كان شكورا على النعماء تائبا من المآثم والذنوب ثم أدخل هذه الآية بين آيات الربا وهي قوله تعالى : : ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِوَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)... لبيان أن أكبر الأسباب لاجتناب ما حرم الله من المكاسب الربوية تكميل الإيمان وحقوقه خصوصا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وإن الزكاة إحسان إلى الخلق ينافي تعاطي الربا الذي هو ظلم لهم وإساءة عليهم ثم وجه الخطاب للمؤمنين وأمرهم أن يتقوه ويذروا ما بقي من معاملات الربا التي كانوا يتعاطونها قبل ذلك وأنهم إن لم يفعلوا ذلك فإنهم محاربون لله ورسوله وهذا من أعظم ما يدل على شناعة الربا حيث جعل المُصِرَّ عليه محاربا لله ورسوله ...


4- (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران : 32 )
قال البغوي رحمه الله
قوله تعالى:(قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ ) أي أعرضوا عن طاعة الله وطاعة رسوله ( فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) لايرضى فعلهم ولا يغفر لهم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا احمد بن عبد الله النعيمي،أنا محمد بن يوسف،أنامحمد بن إسماعي،أنامحمد بن سنان،أنا فليح،أنا هلال بن علي عنعطاء بن يسار عن ابي هريره رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى.. قالوا : ومن يأبىيا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".
أخبرنا عبد الواحد المليحي،أنااحمد بن عبد الله النعيمي،أخبرنا محمد بن يوسف،أنا محمد اسماعيل أنا محمد بن عبادة ، أخبرنا يزيد، أخبرنا سليم بن حيان - واثنى عليه - أخبرنا سعيد بن ميناء قال: حدثنا او سمعت جابر بن عبد الله يقول: "جاءت ملائكة إلى النبيصلى الله عليه وسلم وهو نائم .فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان.. فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً ، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً ، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ،فقالوا: أولوها له يفقهها ، فقالوا: أما الدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله... ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس.

وقال السعدي رحمه الله :

هذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة ومن ادعى ذلك دعوى مجردة فعلامة محبة الله اتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعل متابعته وجميع ما يدعو إليه طريقا إلى محبته ورضوانه فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وامتثال أمرهما واجتناب نهيهما فمن فعل ذلك أحبه الله وجازاه جزاء المحبين وغفر له ذنوبه وستر عليه عيوبه فكأنه قيل ومع ذلك فما حقيقة اتباع الرسول وصفتها فأجاب بقوله قل أطيعوا الله والرسول) بامتثال الأمر واجتناب النهي وتصديق الخبر فإن تولوا عن ذلك فهذا هو الكفر والله لا يحب الكافرين...

وقال الشوكاني رحمه الله:
قوله تعالى قل أطيعوا الله والرسول) حذف المتعلق مشعر بالتعميم، أي: في جمع الأوامر والنواهي.وقوله ( فإن تولوا) يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى فيكون ماضياً. وقوله (فإن الله لا يحب الكافرين) نفي المحبة كناية عن البغض والسخط. ووجه الإظهار في قوله(فإن الله) مع كون المقام مقام إضمار لقصد التعظيم أو التعميم.

قلت : أمر اللهُ عز وجل بطاعته وطاعة رسولهصلى الله عليه وسلم ، وقال إنه سبحانه لا يحب المعرِضين الذين كلما دُعوا إليه وإلى نبيِّه تولوا ، وسماهم كافرين في هذه الآية...وضالين في أخرى ؛ قال : ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) (الأحزاب36 ) ؛ وأخبر عن حالهم ومقالهم يوم يلِجون النار ويذوقون مس سقَر التي لا تُبقي ولا تَذر، قال:(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) (الأحزاب : 66 ) كما أخبر عما يودونه يوم القيامة، قال :(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً) (النساء : 42 )...وبيَّن عاقبة عصيانهم ، كما في قوله جل جلاله :(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (النساء : 14 ) ، ،وقولهوَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (الجن 23)...

فإذا كان مصير هؤلاء العُـتاة العُـصاة النار- وبيس القـــرار - فما هو جزاء مـن لــزِم طاعةَ الله ورسوله ؟
فاعلم أولاً – وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى-أن رب العالمين جعل طاعته في طاعة رسوله للناس أجمعين ، قال : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) (النساء : 80 ) ؛ ووعد المطيعين الطائعين برحمته ،قال : (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران : 132 ) وقال :(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور : 56 ) وجعل الاهتداء إلى صراطه المستقيم مشروطاًَ بطاعة خليله المصطفى صلى الله عليه وسلم ، خاتم انبيائه، فقال - وهو الحق وقوله حق- : ( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) (النور : 54 )...
وطاعة الله في الرضى به ربّاًَ واحداً أحداً لا شريك له، مع امتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، والتمسك بكتابه... وبالإسلام الذي رضيه لنا دينا مع العمل به والدفاع عنه ... وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياًَ ورسولاً مع اتباعه في هديه ، وإحياء سنته ، والذود عنها بمقاومة أهل البدع والآهواء ، ومعاداة الغالين وكل موسوم بالجفاء... ولا يتأتى هذا إلا بحب صحابته الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله حتى رفرفت عاليةً، في سماء العِـز، رايةُ الدين الذي لايقبل الله غيره كما قال : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران 85 ).


5 - (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ* وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران : 57 )
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-08-2009, 10:45 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار

قال الطبري رحمه الله :
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
(فَأَمّا الّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ * وَأَمّا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ)
يعنـي بقوله جلّ ثناؤه:
(فَأمّا الّذِينَ كَفَرُوا): فأما الذين جحدوا نبوّتك يا عيسى, وخالفوا ملتك, وكذّبوا بـما جئتهم به من الـحقّ, وقالوا فـيك البـاطل, وأضافوك إلـى غير الذي ينبغي أن يضيفوك إلـيه من الـيهود والنصارى, وسائر أصناف الأديان فإنـي أعذّبهم عذابـا شديدا... أما فـي الدنـيا، فبـالقتل والسبـاء والذلة والـمسكنة ؛ وأما فـي الاَخرة،فبنار جهنـم خالدين فـيها أبدا. (وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) يقول: وما لهم من عذاب الله مانع, ولا عن ألـيـم عقابه لهم دافع، بقوّة ولا شفـاعة, لأنه العزيز ذو الانتقام.

وأما قوله: (وأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ) فإنه يعنـي تعالـى ذكره: وأما الذين آمنوا بك يا عيسى, يقول: صدّقوك فأقرّوا بنبوّتك, وبـما جئتهم به من الـحقّ من عندي, ودانوا بـالإسلام الذي بعثتك به, وعملوا بـما فرضت من فرائضي علـى لسانك, وشرعت من شرائعي, وسننت من سننـي. كما:
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: (وَعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ) يقول: أدَّوا فرائضه, فـيوفـيهم أجورهم, يقول: فـيعطيهم جزاء أعمالهم الصالـحة كاملاً لا يُبخَسون منه شيئا ولا ينقصونه.

وأما قوله: (وَاللّهُ لاَ يُحِبّ الظّالِـمِينَ) فإنه يعني: والله لا يحبّ من ظلـم غيره حقا له, أو وضع شيئا فـي غير موضعه. فنفـى جلّ ثناؤه عن نفسه بذلك أن يظلـم عبـاده, فـيجازي الـمسيء مـمن كفر جزاء الـمـحسنـين مـمن آمن به, أو يجازي الـمـحسن مـمن آمن به واتبع أمره وانتهى عما نهاه عنه فأطاعه, جزاء الـمسيئين مـمن كفر به وكذّب رسله وخالف أمره ونهيه, فقال: إنـي لا أحبّ الظالـمين, فكيف أظلـم خـلقـي.
وهذا القول من الله تعالـى ذكره, وإن كان خرج مخرج الـخبر, كأنه وعيد منه للكافرين به وبرسله, ووعد منه للـمؤمنـين به وبرسله, لأنه أعلـم الفريقـين جميعا أنه لا يبخس هذا الـمؤمن حقه, ولا يظلـم كرامته, فـيضعها فـيـمن كفر به, وخالف أمره ونهيه, فـيكون لها بوضعها فـي غير أهلها ظالـما.

وقال السعدي رحمه الله
... وسينزل عيسى بن مريم في آخر هذه الأمة حكَماً عدلاً يقتل الخنزير ويكسِّر الصليب، ويتَّبع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ،ويعلَم الكاذبون غرورَهم وخداعَهم وأنهم مغرورون مخدوعون... وقوله تعالى لعيسى عليه السلام: (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(آلعمران 55) المراد بمَن اتَّبعه الطائفة التي آمنت به ونصرهم الله على من انحرف عن دينه... ثم لما جاءت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا هم أتباعه حقا فأيدهم الله ونصرهم على الكفار كلهم وأظهرهم بالدين الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم ..(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور : 55 )...ولكن حكمة الله عادلة فإنها اقتضت أن من تمسك بالدين نصره الله النصر المبين وأن من ترك أمره ونهيه ونبذ شرعه وتجرأ على معاصيه أن يعاقبه ويسلط عليه الأعداء والله عزيز حكيم .. ثم بين ما يفعله بهم (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ* وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وهذا الجزاء عام لكل من اتصف بهذه الأوصاف من جميع أهل الأديان السابقة ثم لما بعث سيد المرسلين وخاتم النبيين ونَسخت رسالتُه الرسالاتِ كلِّها ونَسخ دينُه جميعَ الأديان صار المتمسك بغير هذا الدين من الهالكين ...


6- (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران : 140 )

قال القرطبي رحمه الله :

قوله تعالى : (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ) القرح الجرح. والضم والفتح فيه لغتان عن الكسائي والأخفش؛ مثل عَقْر وعُقْر. الفراء: هو بالفتح الجُرح، وبالضم ألَمُه. والمعنى: إن يمسسكم يوم أحد قرح فقد مس القوم يوم بدر قرح مثله. وقرأ محمد بن السميقع "قرح" بفتح القاف والراء على المصدر.( وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) قيل: هذا في الحرب، تكون مرة للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم ويمحص ذنوبهم؛ فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون. وقيل: (نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) من فرح وغم وصحة وسقم وغنى وفقر. والدُّولَة الكرة؛ قال الشاعر:
فيومٌ لنا ويوم علينـا ويوم نُساء ويوم نُسَـرُّ
وقوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ) معناه، وإنما كانت هذه المداولة ليُرى المؤمن من المنافق فيميز بعضهم من بعض؛ كما قال(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ) (آل عمران 167-167 ) وقيل: ليعلم صبر المؤمنين، العلم الذي يقع عليه الجزاء كما علمه غيبا قبل أن كلفهم.
قوله تعالى: (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) أي يكرمكم بالشهادة؛ أي ليُقتل قوم فيكونوا شهداء على الناس بأعمالهم. وقيل: لهذا قيل شهيد: وقيل: سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة وقيل: سمي شهيدا لأن أرواحهم احتضرت دار السلام، لأنهم أحياء عند ربهم، وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة؛ فالشهيد بمعنى الشاهد أي الحاضر للجنة، وهذا هو الصحيح ... والشهادة فضلها عظيم، ويكفيك في فضلها قوله تعالى(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة : 111 ) وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 10 ) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 11 ) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ( الصف: 10 - 11 – 12) وفي صحيح البستي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم *ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم منالقرحة*. وروى النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة). وفي البخاري: "من قتل من المسلمين يوم أحد" منهم حمزة واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن عمير، حدثني عمرو بن علي أن معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال: ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم القيامة من الأنصار. قال قتادة: وحدثنا أنس بن مالك أنه قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون. قال: وكان بئر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب. وقال أنس: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب وبه نيف وستون جراحة من طعنة وضربة ورمية، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن.
وفي قوله تعالى: (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) دليل على أن الإرادة غير الأمر كما يقول أهل السنة؛ فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين: حمزة وأصحابه وأراد قتلهم، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده فواقعه آدم، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرده فامتنع منه؛ وعنه وقعت الإشارة بقوله الحق: (وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة : 46 ). وإن كان قد أمر جميعهم بالجهاد، ولكنه خلق الكسل والأسباب القاطعة عن المسير فقعدوا.
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال له: (خَيِّر أصحابك في الأسارى إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يقتل منهم عام المقبل مثلهم فقالوا الفداء ويقتل منا) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. فأنجز الله وعده بشهادة أوليائه بعد أن خيرهم فاختاروا القتل.
(وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي المشركين، أي وإن أنال الكفارَ من المؤمنين فهو لا يحبهم، وإن أحلَّ ألماً بالمؤمنين فإنه يحب المؤمنين.

وقال السعدي رحمه الله : (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
قوله تعالى : (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ " فأنتم وهم قد تساويتم في القرح ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى : (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء : 104 ) ومن الحكم في ذلك أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر والبر والفاجر فيداول الله الأيام بين الناس يوم لهذه الطائفة ويوم للطائفة الأخرى ؛ لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية وهذا بخلاف الدار الآخرة فإنها خالصة للذين آمنوا...( وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) هذا أيضا من الحكم أنه يبتلى الله عباده بالهزيمة والابتلاء ليتبين المؤمن من المنافق ؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام في الضراء والسراء واليسر والعسر ممن ليس كذلك (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء ) وهذا أيضا من بعض الحكم لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها فهذا من رحمته بعباده المؤمنين أن قيض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم
(وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم وتقاعدوا عن القتال في سبيله...


7-(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً* الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا* الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مّهِيناً * وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ النّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً) (النساء 36 -39)
قال ابن كثير رحمه الله :
يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له, فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الاَنات والحالات, فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل :«أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً», ثم قال: «أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم» ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين, فإن الله سبحانه جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود وكثيراً ما يقرن الله سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين, كقوله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان : 14 )؛ وكقوله : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء : 23 )... ثم عطف على الإحسان إليهما الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء كما جاء في الحديث «الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم صدقة وصلة», ثم قال تعالى: (واليتامى) وذلك لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم ثم قال (والمساكين) وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم, فأمر الله سبحانه بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم ...
وقوله تعالى: (والجار ذي القربى والجار الجنب) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والجار ذي القربى), يعني الذي بينك وبينه قرابة, (والجار الجنب) الذي ليس بينك وبينه قرابة, وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وميمون بن مهران والضحاك وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة, وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله تعالى : (والجار ذي القربى), : يعني الجار المسلم, والجار الجنب يعني اليهودي والنصراني, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وقال جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وابن مسعود: (والجار ذي القربى), يعني المرأة وقال مجاهد أيضاً في قوله: (والجار الجنب) يعني الرفيق في السفر, وقد وردت الأحاديث بالوصايا بالجار, فلنذكر منها ما تيسر وبالله المستعان.
(الحديث الأول) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عمر بن محمد بن زيد أنه سمع أباه محمداً يحدث عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» أخرجاه في الصحيحين من حديث عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر به...
(الحديث الثاني) قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن داود بن شابور, عن مجاهد, عن عبد الله بن عَمْرو, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» وروى أبو داود والترمذي نحوه من حديث سفيان بن عيينة, عن بشير أبي إسماعيل, زاد الترمذي: وداود بن شابور, كلاهما عن مجاهد به, ثم قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه, وقد روى عن مجاهد عائشة وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ...
(الحديث الثالث) قال أحمد أيضاً: حدثنا عبد الله بن يزيد, أخبرنا حيوة, أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» ورواه الترمذي عن أحمد بن محمد, عن عبد الله بن المبارك, عن حيوة بن شريح به, وقال حسن غريب...
(الحديث الرابع) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان عن أبيه, عن عباية بن رفاعة, عن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يشبع الرجل دون جاره», تفرد به أحمد...
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان, حدثنا محمد بن سعد الأنصاري, سمعت أبا ظبية الكلاعي, سمعت المقداد بن الأسود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :«ما تقولون في الزنا ؟» قالوا حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره», قال «ما تقولون في السرقة ؟» قالوا: حرمها الله ورسوله, فهي حرام, قال «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره» تفرد به أحمد, وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال : قلت : يا رسول الله, أي الذنب أعظم ؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك» قلت: ثم أي ؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك». قلت ثم أي ؟ قال «أن تزاني حليلة جارك»...
(الحديث السادس) قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا هشام عن حفصة, عن أبي العالية, عن رجل من الأنصار قال: خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم , فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه, فظننت أن لهما حاجة, قال الأنصاري: لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول القيام, فلما انصرف قلت: يا رسول الله, لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام. قال: «ولقد رأيته ؟» قلت: نعم. قال «أتدري من هو ؟». قلت: لا, قال «ذاك جبريل, ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» ثم قال «أما إنك لو سلمت عليه لرد عليك السلام»...
(الحديث السابع) قال عبد بن حميد في مسنده: حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا أبو بكر يعني المدني, عن جابر بن عبد الله, قال: جاء رجل من العوالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم , وجبريل عليه السلام, يصليان حيث يصلى على الجنائز, فلما انصرف قال الرجل: يا رسول الله, من هذا الرجل الذي رأيت معك ؟ قال «وقد رأيته ؟» قال: نعم. قال «لقد رأيت خيرا كثيراً, هذا جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى رأيت أنه سيورثه», تفرد به من هذا الوجه وهو شاهد للذي قبله...
(الحديث الثامن) قال أبو بكر البزار: حدثنا عبيد الله بن محمد أبو الربيع الحارثي, حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك, أخبرني عبد الرحمن بن الفضل عن عطاء الخراساني, عن الحسن, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجيران ثلاثة: جار له حق واحد, وهو أدنى الجيران حقاً, وجار له حقان, وجار له ثلاثة حقوق, وهو أفضل الجيران حقاً, فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له, له حق الجوار, وأما الذي له حقان فجار مسلم, له حق الإسلام وحق الجوار, وأماالذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم» قال البزار: لا نعلم أحداً روى عن عبد الرحمن بن الفضل إلا ابن أبي فديك...
(الحديث التاسع) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي عمران, عن طلحة بن عبد الله, عن عائشة, أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال «إلى أقربهما منك بابا», ورواه البخاري من حديث شعبة به,...
(الحديث العاشر) روى الطبراني وأبو نعيم عن عبد الرحمن, فزاد: قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فجعل الناس يتمسحون بوضوئه, فقال «ما يحملكم على ذلك» ؟ قالوا: حب الله ورسوله. قال «من سره أن يحب الله ورسوله فليصدق الحديث إذا حدث, وليؤد الأمانة إذا ائتمن».
(الحديث الحادي عشر) قال أحمد: حدثنا قتيبة, حدثنا ابن لهيعة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أول خصمين يوم القيامة جاران»
وقوله تعالى: (والصاحب بالجنب) قال الثوري, عن جابر الجعفي, عن الشعبي, عن علي وابن مسعود, قالا: هي المرأة, وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي والحسن وسعيد بن جبير في إحدى الروايات, نحو ذلك, وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة: هو الرفيق في السفر, وقال سعيد بن جبير: هو الرفيق الصالح, وقال زيد بن أسلم: هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر, وأما ابن السبيل, فعن ابن عباس وجماعة: هو الضيف, وقال مجاهد وأبو جعفر الباقر والحسن والضحاك ومقاتل: هو الذي يمر عليك مجتازاً في السفر, وهذا أظهر, وإن كان مراد القائل بالضيف المار في الطريق, فهما سواء, وسيأتي الكلام على أبناء السبيل في سورة براءة, وبالله الثقة وعليه التكلان.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20-08-2009, 10:45 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار


وقوله تعالى: (وما ملكت أيمانكم) وصية بالأرقاء, لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس, فلهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت, يقول «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه,

وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس, حدثنا بقية, حدثنا بَحير بن سعد عن خالد بن معدان, عن المقدام بن معد يكرب, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة, وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة, وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة, وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة» ورواه النسائي من حديث بقية, وإسناده صحيح, ولله الحمد.

وعن عبد الله بن عمرو أنه قال لقهرمان له: هل أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوتهم» رواه مسلم.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «للمملوك طعامه وكسوته, ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق» رواه مسلم أيضاً

وعن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال «إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه فإن لم يُجلسه معه فليُناوله لقمة أو لقمتين, أو أكلة أو أكلتين, فإنه ولي حره وعلاجه» أخرجاه, ولفظه للبخاري ولمسلم « فليقعده معه فليأكل, فإن كان الطعام مشفوهاً قليلاً, فليضع في يده أكلة أو أكلتين».

وعن أبي ذر رضي الله عنه,عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلفوهم ما يغلبهم, فإن كلفتموهم فأعينوهم» أخرجاه,

وقوله تعالى إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) أي مختالا في نفسه, معجبا متكبراً فخورا على الناس, يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير, وهو عند الله حقير, وعند الناس بغيض,

قال مجاهد في قوله (إن الله لا يحب من كان مختالا) يعني متكبراً (فخوراً) يعني يَعُدّ ما أعطى, وهو لا يشكر الله تعالى يعني يفخر على الناس بما أعطاه الله من نعمه, وهو قليل الشكر لله على ذلك,

وقال ابن جرير: حدثني القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا محمد بن كثير, عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي, قال: لا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخوراً, وتلا وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء : 36 ), ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً, وتلا: (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً) (مريم : 32 ) },

وروى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب مثله في المختال الفخور, وقال: حدثنا أبي, حدثنا أبو نعيم عن الأسود بن شيبان, حدثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير, قال: قال مطرف: كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه, فلقيته, فقلت: يا أبا ذر, بلغني أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثكم «إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة» ؟ فقال: أجل, فلا إخالني, أكذب على خليلي ثلاثا ؟ قلت: من الثلاثة الذين يبغض الله ؟ قال: المختال الفخور. أوليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل, ثم قرأ الاَية (إن الله لا يحب من كان مختالا فخوراً).., وحدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا وهيب بن خالد, عن أبي تميمة عن رجل من بَلْهُجَم, قال: قلت: يا رسول الله, أوصني, قال «إياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة, وإن الله لا يحب المخيلة».

* قلت : وحديث أبي ذر كما رواه الترمذي هو :

حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، قالا حدثنا محمد ابن جعفر، أخبرنا شعبة عن منصور بن المعتمر قال سمعت ربعي بن خراش يحدث عن زيد بن ظبيان رفعه الى أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- "
ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوما فسألهم بالله، ولم يسألهم لقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلف رجل بأعيانهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته الا الله والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب اليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم قام رجل يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له. والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم".
حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا النضر بن شميل عن شعبة نحوه. هذا حديث صحيح.
وهكذا روى شيبان عن منصور
... اهــ




وقوله تعالى : (الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مّهِيناً * وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ النّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً)


يقول تعالى ذاماً الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب, واليتامى, والمساكين, والجار ذي القربى, والجار الجنب, والصاحب بالجنب, وابن السبيل, وما ملكت أيمانكم من الأرقاء, ولا يدفعون حق الله فيها, ويأمرون الناس بالبخل أيضاً, وقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم «وأي داء أدوأ من البخل». وقال: «إياكم والشح, فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا, وأمرهم بالفجور ففجروا».


وقوله تعالى: (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) فالبخيل جحود لنعمة الله لا تظهر عليه ولا تبين, لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله, كما قال تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ) أي بحاله وشمائله (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)( العاديات 6-8 ) ...وقال ههنا (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) ولهذا توعدهم بقوله: (وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً) والكفر هو الستر والتغطية, فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها فهو كافر لنعم الله عليه, وفي الحديث «إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه», وفي الدعاء النبوي «واجعلنا شاكرين لنعمتك, مثنين بها عليك قابليها, وأتممها علينا» وقد حمل بعض السلف هذه الاَية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك, ولهذا قال تعالى: (وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً).. رواه ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس, وقاله مجاهد و غير واحد,.. ولا شك أن الاَية محتملة لذلك, والظاهر أن السياق في البخل بالمال, وإن كان البخل بالعلم داخلاً في ذلك بطريق الأولى, فإن السياق في الإنفاق على الأقارب والضعفاء, وكذلك الاَية التي بعدها وهي قوله (الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) فإنه ذكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء, ثم ذكر الباذلين المرائين الذين يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يمدحوا بالكرم, ولا يريدون بذلك وجه الله, وفي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسجر بهم النار وهم: العالم, والغازي, والمنفق ، المراؤون بأعمالهم, «يقول صاحب المال: ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك, فيقول الله: كذبت إنما أردت أن يقال: جواد فقد قيل» أي فقد أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي أردت بفعلك, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال لعدي بن حاتم «إن أباك رام أمراً فبلغه». وفي حديث آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جدعان: هل ينفعه إنفاقه وإعتاقه ؟ فقال: «لا, إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين», ولهذا قال تعالى: ( وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً ) أي إنما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطاعة على وجهها الشيطان, فإنه سوَّل لهم وأملى لهم, وقارنهم فحسن لهم القبائح,.. ولهذا قال تعالى: (ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً), ولهذا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قريــــــنهفكل قرين بالمقارن يقتدي


ثم قال تعالى: ( وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً) , أي وأي شيء يضرهم لو آمنوا بالله وسلكوا الطريق الحميدة, وعدلوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله ورجاء موعوده في الدار الاَخرة لمن أحسن عملاً, وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها, وقوله: (وكان الله بهم عليماً) أي وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة, وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه, ويلهمه رشده, ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه, وبمن يستحق الخذلان والطرد عن الجناب الأعظم الإلهي الذي من طرد عن بابه, فقد خاب وخسر في الدنيا والاَخرة, عياذاً بالله من ذلك.



وقال السعدي رحمه الله :

يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له ، وهو الدخول تحت رق عبوديته ، والانقياد لأوامره ونواهيه ، محبة ، وذلا ،وإخلاصا له ، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة .وينهى عن الشرك به شيئا ، لا شركا أصغر ، ولا أكبر ، لا ملَكاً ، ولا نبيّـاً ، ولا وليّـاً ولا غيرهم من المخلوقين ، الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا . بل الواجب المتعين ، إخلاص العبادة ، لمن له الكمال المطلق ، من جميع الوجوه ، وله التدبير الكامل ، الذي لا يشركه فيه ولا يعينه عليه أحد . ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه ، أمر بالقيام بحقوق العباد ، الأقرب ، فالأقرب . فقال : ( وبالوالدين إحسانا )أي : أحسنوا إليهم بالقول الكريم ، والخطاب اللطيف ، والفعل الجميل ، بطاعة أمرهما ، واجتناب نهيهما ، والإنفاق عليهما ، وإكرام من له تعلق بهما ، وصلة الرحم ، التي لا رحم لك إلا بهما . وللإحسان ضدان ، الإساءة ، وعدم الإحسان . وكلاهما منهي عنه.( وبذي القربى) أيضا إحسانا ، ويشمل ذلك جميع الأقارب ، قربوا ، أو بعدوا ، بأن يحسن إليهم ، بالقول ، والفعل ، وأن لا يقطع رحمه ، بقوله أو فعله ..( واليتامى ) أي : الذين فقدوا آباءهم وهم صغار ، فلهم حق على المسلمين ، سواء كانوا أقارب أو غيرهم ، بكفالتهم ، وبرهم ، وجبر خواطرهم ، وتأديبهم ، وتربيتهم أحسن تربية ، في مصالح دينهم ودنياهم.. ( والمساكين ) وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر ، فلم يحصلوا على كفايتهم ، ولا كفاية من يمونون . فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم ، بسد خلتهم ، وبدفع فاقتهم ، والحض على ذلك ، والقيام بما يمكن منه ... ( والجار ذي القربى ) أي : الجار القريب ، الذي له حقان ، حق الجوار ، وحق القرابة ، فله على جاره حق ، وإحسان راجع إلى العرف ... ( والجار الجنب ) أي : الذي ليس له قرابة . وكلما كان الجار أقرب باباً ، كان آكد حقا . فينبغي للجار ، أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة ، والدعوة ، واللطافة بالأقوال والأفعال ، وعدم أذيته ، بقول أو فعل ... ( والصاحب بالجنب ) قيل : الرفيق في السفر ، وقيل : الزوجة ، وقيل الصاحب مطلقا ،ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ، ويشمل الزوجة . فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه ، من مساعدته على أمور دينه ودنياه ، والنصح له؛ والوفاء معه ، في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، وأن يحب له ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد ...( وابن السبيل ) هو : الغريب الذي احتاج في بلد الغربة ، أو لم يحتج ، فله حق على المسلمين ، لشدة حاجته ، وكونه في غير وطنه ، بتبليغه إلى مقصوده ، أو بعض مقصوده ، وبإكرامه ، وتأنيسه ...( وما ملكت أيمانكم ) أي : من الآدميين والبهائم ، بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما تحملوه ، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم ...

فمن قام بهذه المأمورات ، فهو الخاضع لربه ، المتواضع لعباد الله ، المنقاد لأمر الله وشرعه ، الذي يستحق الثواب الجزيل ، والثناء الجميل . ومن لم يقم بذلك ، فإنه عبد معرِض عن ربه ، غير منقاد لأوامره ، ولا متواضع للخلق . بل هو متكبر على عباد الله ، معجب بنفسه ، فخور بقوله ، ولهذا قال : (إن الله لا يحب من كان مختالا )أي : معجبا بنفسه ، متكبرا على الخلق ..( فخورا ) يثني على نفسه ويمدحها ، على وجه الفخر والبطر ، على عباد الله . فهؤلاء ، ما بهم من الاختيال والفخر ، يمنعهم من القيام بالحقوق . ولهذا ذمهم بقوله (الذين يبخلون ) أي : يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة .( ويأمرون الناس بالبخل ) بأقوالهم وأفعالهم . ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) أي : من العلم الذي يَهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون ، فيكتمونه عنهم ، ويظهرون لهم من الباطل ، ما يحول بينهم وبين الحق . فجمعوا بين البخل بالمال ، والبخل بالعلم ، وبين السعي في خسارة أنفسهم ، وخسارة غيرهم ، وهذه هي صفات الكافرين ، فلهذا قال تعالى وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) أي : كما تكبروا على عباد الله ، ومنعوا حقوقه ، وتسببوا في منع غيرهم ، من البخل ، وعدم الاهتداء ، أهانهم بالعذاب الأليم ، والخزي الدائم . فعياذا بك اللهم من كل سوء .....

ثم أخبر عن النفقة الصادرة ،عن رياء وسمعة ،وعدم إيمان به ،فقال والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ) أي ليروهم ، ويمدحوهم ، ويعظموهم ... (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) أي : ليس إنفاقهم صادرا عن إخلاص وإيمان بالله ، ورجاء ثوابه . أي : فهذا من خطوات الشيطان وأعماله ، التي يدعو حزبه إليها ، ليكونوا من أصحاب السعير . وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها ، فلهذا قال ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ) أي : بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك من قارنه ، ويسعى فيه أشد السعي . فكما أن مَن بخل بما أتاه الله ، وكتم ما مَنَّ اللهُ به عليه ، عاصٍ آثم ، مخالف لربه . فكذلك من أنفق وتعبد لغير الله ، فإنه آثم عاص لربه ، مستوجب للعقوبة . لأن الله إنما أمر بطاعته ، وامتثال أمره ، على وجه الإخلاص ، كما قال تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة : 5 ) فهذا هو العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب ، فلهذا حث تعالى عليه بقوله : ( وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ) ( وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً) أي : أي شيء عليهم ، وأي حرج ومشقة ، تلحقهم ، لو حصل منهم الإيمان بالله ، الذي هو الإخلاص ؛ وأنفقوا من أموالهم ، التي رزقهم الله وأنعم بها عليهم ، فجمعوا بين الإخلاص والإنفاق . ولما كان الإخلاص ، سرا بين العبد وربه ، لا يطلع عليه إلا الله ، أخبر تعالى بعلمه بجميع الأحوال فقال : ( وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً) ... ((إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ))....









8- (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا * وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا *)(النساء : 105 - 113)
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20-08-2009, 10:46 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار

قال السعدي رحمه الله :

يخبر تعالى ، أنه أنزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق ، أي : محفوظ في إنزاله من الشياطين ، أن يتطرق إليه منهم باطل . بل نزل بالحق ، ومشتملا أيضا على الحق . فأخباره صدق ، وأوامره ونواهيه عدل ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام : 115 ). وأخبر أنه أنزله ليحكم بين الناس وفي الآية الأخرى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل : 44 ). فيحتمل أن هذه الآية ، في الحكم بين الناس ، في مسائل النزاع والاختلاف . وتلك في تبيين جميع الدين ، وأصوله ، وفروعه . ويحتمل أن الآيتين كلتيهما ، معناهما واحد . فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق وفي العقائد ، وفي جميع مسائل الأحكام . وقوله تعالى بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)أي : لا بهواك ، بل بما علمك الله وألهمك . كقوله تعالى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى*) ( النجم 3-4) . وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم ، فيما يبلغ عن الله من جميع الأحكام وغيرها . وأنه يشترط في الحكم ، العلم والعدل لقوله : بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) ولم يقل : بما رأيت . ورتب أيضا ، الحكم بين الناس على معرفة الكتاب . ولما أمر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط ، نهاه عن الجور والظلم ، الذي هو ضد العدل فقال : ( ولا تكن للخائنين خصيما ) أي : لا تخاصم عن من عرفت خيانته ، من مدع ما ليس له ، أو منكر حقا عليه ، سواء علم ذلك ، أو ظنه . ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل ، والنيابة عن المبطل ، في الخصومات الدينية ، والحقوق الدنيوية . ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم .( واستغفر الله ) مما صدر منك إن صدر .(إن الله كان غفورا رحيما) أي : يغفر الذنب العظيم ، لمن استغفره ، وتاب إليه وأناب ،ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك ، الموجب لثوابه ، وزوال عقابه . (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) . « الاختيان » و « الخيانة » بمعنى الجناية ، والظلم ، والإثم ، وهذا يشمل النهي عن المجادلة ، عن من أذنب وتوجه عليه عقوبة ، من حد أو تعزير ، فإنه لا يجادل عنه ، بدفع ما صدر منه من الخيانة ، أو بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية . (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) أي : كثير الخيانة والإثم . وإذا انتفى الحب ، ثبت ضده ، وهو البغض ، وهذا كالتعليل للنهي المتقدم . ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ) . وهذا من ضعف الإيمان ، ونقصان اليقين ، أن تكون مخافة الخلق عندهم ، أعظم من مخافة الله فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة ، على عدم الفضيحة عند الناس ، وهم ـ مع ذلك ـ قد بارزوا الله بالعظائم ، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم . وهو معهم بالعلم ، في جميع أحوالهم ، خصوصا في حال تبييتهم ما لا يُرضيه من القول ، من تبرئة الجاني ، ورمي البريء بالجناية ، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ، ليفعل ما بيتوه . فقد جمعوا بين عدة جنايات ، ولم يراقبوا رب الأرض والسموات المطلع على سرائرهم وضمائرهم ، ولهذا توعدهم تعالى بقوله : ( وكان الله بما يعملون محيطا ) أي : قد أحاط بذلك علما . ومع هذا ، لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم ، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم ، الموجب للعقوبة البليغة . ( ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ) أي : هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا ، ودفع عنهم جدالكم بعض ما يحذرون من العار والفضيحة ، عند الخلق . فماذا يغني عنهم وينفعهم ؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة ، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ؟ ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ) . فمن يجادل عنهم ، من يعلم السر وأخفى ، ومن أقام عليهم من الشهود ما لا يمكن معه الإنكار ؟ وفي هذه الآية ، الإرشاد إلى المقابلة ، بين ما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله ، أو فعل مناهيه . وبين ما يفوت من ثواب الآخرة ، أو يحصل من عقوباتها . فيقول من أمرته نفسه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسلا وتفريطا ، فما النفع الذي انتفعت به ؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة ؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران ؟ وكذلك إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة ، قالها : هبك فعلت ما اشتهيت ، فإن لذته تنقضي ، ويعقبها من الهموم والغموم ، والحسرات ، وفوات الثواب ، وحصول العقاب ـ ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها . وهذا من أعظم ما ينفع العبد تدبره ، وهو خاصة ، العقل الحقيقي . بخلاف من يدعي العقل ، وليس كذلك . فإنه ـ بجهله وظلمه ـ يؤثر اللذة الحاضرة ، والراحة الراهنة ، ولو ترتب عليها ما ترتب . والله المستعان . ثم قال تعالى: ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) أي : من تجرأ على المعاصي ، واقتحم على الإثم ، ثم استغفر الله استغفارا تاماً ، يستلزم الإقرار بالذنب ، والندم عليه ، والإقلاع ، والعزم على أن لا يعود . فهذا قد وعده مَن لا يخلف الميعاد ، بالمغفرة والرحمة . فيغفر له ما صدر منه من الذنب ، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب ، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة ، ويوفقه فيما يستقبله من عمره ، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه ، لأنه قد غفره ، وإذا غفره ، غفر ما يترتب عليه . واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق ، يشمل سائر المعاصي، الصغيرة والكبيرة . وسمي « سوءا » لكونه يسوء عامله بعقوبته ولكونه ـ في نفسه ـ سيئا ، غير حسن . وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق ، يشمل ظلمها بالشرك ، فما دونه . ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر ، قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه : فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس ، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ... ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده . وسمي ظلم النفس « ظلما » لأن نفس العبد ، ليس ملكا له ، يتصرف فيها بما يشاء . وإنما هي ، ملك لله تعالى ، قد جعلها أمانة عند العبد ، وأمره أن يقيمها على طريق العدل ، بإلزامها الصراط المستقيم ، علما وعملا ، فيسعى في تعليمها ما أمر به ، ويسعى في العمل بما يجب . فسعيه في غير هذا الطريق ، ظلم لنفسه ، وخيانة ، وعدول بها عن العدل ، الذي ضده ، الجور والظلم . ثم قال : (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه ) وهذا يشمل كل ما يؤثم ، من صغير وكبير . فمن كسب سيئة ، فإن عقوبتها الدنيوية والأخروية ، على نفسه ، لا تتعداها إلى غيرها ، كما قال تعالى وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )+
لكن إذا ظهرت السيئات ، فلم تنكر ، عمت عقوبتها ، وشمل إثمها . فلا تخرج أيضا ، عن حكم هذه الآية الكريمة ، لأن من ترك الإنكار الواجب ، فقد كسب سيئة . وفي هذا بيان عدل الله وحكمته ، أنه لا يعاقب أحدا بذنب أحد ، ولا يعاقب أحدا أكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه ، ولهذا قال : ( وكان الله عليما حكيما ) أي : له العلم الكامل ، والحكمة التامة . ومن علمه وحكمته ، أنه يعلم الذنب ، ومن صدر منه ، والسبب الداعي لفعله ، والعقوبة المترتبة على فعله .ويعلم حالة المذنب، أنه إن صدر منه الذنب ، بغلبة دواعي نفسه الأمارة بالسوء ، مع إنابته إلى ربه ، في كثير من أوقاته ، أنه سيغفر له ، ويوفقه للتوبة . وإن صدر بتجرؤه على المحارم ، استخفافا بنظر ربه ، وتهاونا بعقابه ، فإن هذا بعيد من المغفرة ، بعيد من التوفيق للتوبة . ثم قال ومن يكسب خطيئة ) أي : ذنبا كبيرا ( أو إثما ) ما دون ذلك .( ثم يرم به ) أي : يتهم بذنبه ( بريئا) من ذلك الذنب وإن كان مذنبا ( فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا )أي : فقد حمل فوق ظهره ، بهتا للبريء وإثما ظاهرا بينا . وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها . فإنه قد جمع عدة مفاسد : كسب الخطيئة ، والإثم . ثم رمى من لم يفعلها بفعلها . ثم الكذب الشنيع ، بتبرئة نفسه ، واتهام البريء . ثم ما يترتب على ذلك ، من العقوبة الدنيوية ، تندفع عمن وجبت عليه ، وتقام على من لا يستحقها . ثم ما يترتب على ذلك أيضا ، من كلام الناس في البريء ، إلى غير ذلك من المفاسد ، التي نسأل الله العافية منها ، ومن كل شر . ثم ذكر منته على رسولهصلى الله عليه وسلم بحفظه وعصمته ممن أراد أن يضله فقال : ( ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ). وذلك أن هذه الآيات الكريمات ، قد ذكر المفسرون ، أن سبب نزولها ، أن أهل بيت ، سرقوا في المدينة . فلما اطلع على سرقتهم ، خافوا الفضيحة ، وأخذوا سرقتهم ، فرموها ببيت من هو بريء من ذلك . واستعان السارق بقومه ، أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه أن يبرىء صاحبهم ، على رؤوس الناس . وقالوا : إنه لم يسرق ، وإنما الذي سرق ، من وجدت السرقة ببيته ، وهو البريء . فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يبرىء صاحبهم . فأنزل الله هذه الآيات ، تذكيرا ، وتبيينا لتلك الواقعة ، وتحذيرا للرسول صلى الله عليه وسلم ، من المخاصمة عن الخائنين ، فإن المخاصمة عن المبطل ، من الضلال . فإن الضلال نوعان : ضلال في العلم ، وهو الجهل بالحق ؛ وضلال في العمل ، وهو العمل بغير ما يجب . فحفظ الله رسوله ، عن هذا النوع من الضلال ، كما حفظه عن الضلال في الأعمال . وأخبر أن كيدهم ومكرهم ، يعود على أنفسهم ، كحالة كل ماكر ، فقال : (وما يضلون إلا أنفسهم ) لكون ذلك المكر ، وذلك التحيل ، لم يحصل لهم فيه مقصودهم ، ولم يحصل لهم إلا الخيبة والحرمان ، والإثم والخسران . وهذه نعمة كبيرة ، على رسوله صلى الله عليه وسلم ، تتضمن النعمة بالعمل ، وهو : التوفيق لفعل ما يحب،والعصمة له عن كل محرم . ثم ذكر نعمته عليه بالعلم فقال : ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ) أي : أنزل عليك هذا القرآن العظيم ، والذكر الحكيم ، الذي فيه تبيان كل شيء ، وعلم الأولين والآخرين . والحكمة : إما السنة ، التي قد قال فيها بعض السلف : إن السنة تنزل عليه ، كما ينزل القرآن . وإما معرفة أسرار الشريعة الزائدة ، على معرفة أحكامها ، وتنزيل الأشياء منازلها ، وترتيب كل شيء بحسبه .( وعلمك ما لم تكن تعلم ) وهذا يشمل جميع ما علمه الله تعالى . فإنه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله قبل النبوة بقوله : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (الشورى : 52 ) وقال وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) (الضحى : 7 ).... ثم لم يزل يوحي الله إليه ، ويعلمه ، ويكمله ، حتى ارتقى مقاما من العلم ، يتعذر وصوله على الأولين والآخرين . فكان أعلم الخلق على الإطلاق ، وأجمعهم لصفات الكمال ، وأكملهم فيها . ولهذا قال وكان فضل الله عليك عظيما ) ففضله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، أعظم من فضله على كل الخلق . وأجناس الفضل التي قد فضله الله به ، لا يمكن استقصاؤها ولا يتيسر إحصاؤها .....

قلت : ورد قوله تعالى وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) في القرآن الكريم في خمس آيات ، وهي :

* (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (الأنعام : 164 )

*(مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : 15 )

*(ياَ أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * )
(فاطر : 15-18 )

*(إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الزمر : 7 )

*وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى )( النجم37-41)

9-(لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً* إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (النساء : 148 -149 )

قال اللغوي رحمه الله :

قوله تعالى : (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) يعني: لا يحب الله الجهر بالقبح من القول إلا من ظلم ، يجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظالم وأن يدعوَ عليه، قال الله تعالى:(وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ) (الشورى : 41 ) ... قال الحسن: دعاؤه عليه أن يقول: اللهم أعني عليه ..اللهم استخرج حقي منه..وقيل:إن شئتم جاز أن يشتم بمثله لا يزيد عليه:
أخبرنا أبو عبد الله الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر أنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"المستبان ما قالا ، فعلى البادىء ما لم يعتد المظلوم". وقال مجاهد هذا في الضيف إذا نزل بقوم فلم يقروه ولم يحسنوا ضيافته فله أن يشكو ويذكر ما صنع به .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسمعيل أنا قتيبة بن سعيد أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن ابي الخير عن عقبة بن عامر أنه قال: "قلنا يا رسول الله إنك تبعـثُنا فننزِل بقوم فلا يقروننا فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم". وقرأ الضحاك بن مزاحم وزيد بن أسلم:"إلا من ظَلَم" بفتح الظاء واللام، معناه: لكن الظالم اجهروا له بالسوء من القول، وقيل معناه: لا يحب الله الجهر بالسور من القول لكن يجهر من ظُلِم.. والقراءة الأولى هي المعروفة .. (وكان الله سميعا) لدعاء المظلوم،(عليماً)، بعقاب الظالم.
وقوله تعالى: (إن تبدوا خيرا) يعني: حسنةً فيعمل بها كتبت له عشراً، وإن لهم بها ولم يعملها كتبت له حسنة واحدة، وهو قوله : ( أو تخفوه). قيل المراد من الخير: المال ، يريد :إن تبدوا صدقة تعطونها جهراً أو تخفوها فتعطونها سراً،( أو تعفوا عن سوء )،أي: عن مظلمة،( فإن الله كان عفواً قديراً)، فهو أولى بالتجاوز عنكم يوم القيامة

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20-08-2009, 10:47 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار


قال السعدي رحمه الله :
يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، أي : يبغض ذلك ويمقته ، ويعاقب عليه . ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة ، التي تسوء وتحزن ، كالشتم ، والقذف ، والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله ، من المنهي عنه ، الذي يبغضه الله . ويدل مفهومها ، أنه يحب الحسن من القول ، كالذكر ، والكلام الطيب اللين . وقوله : ( إلا من ظلم ) أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ، ويشتكي منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ، ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غيرَ ظالمه . ومع ذلك ، فعفوه ، وعدم مقابلته ، أولى كما قال تعالى َمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى : 40 )...وقوله تعالى: ( وكان الله سميعا عليما ). ولما كانت الآية ، قد اشتملت على الكلام السيء ، والحسن ، والمباح ، أخبر تعالى ، أنه سميع ، فيسمع أقوالكم ، فاحذروا أن تتكلموا بما يغضب ربكم فيعاقبكم . وفيه أيضا ترغيب على القول الحسن ؛ وأنه عليم بنياتكم ومصدر أقوالكم . ثم قال تعالى ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه) وهذا يشمل كل خير ، قولي ، وفعلي ، ظاهر ، وباطن ، من واجب ، ومستحب . ( أو تعفوا عن سوء) أي : عمن أساء إليكم في أبدانكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، فتسمحوا عنه ، فإن الجزاء من جنس العمل . فمن عفا لله ، عفا الله عنه ، ومن أحسن ، أحسن الله إليه ، فلهذا قال : ( فإن الله كان عفوا قديرا ) أي : يعفو عن زلات عباده ، وذنوبهم العظيمة . فيسدل عليهم ستره ، ثم يعاملهم بعفوه التام ، الصادر عن قدرته . وفي هذه الآية ، إرشاد إلى التدبر في معاني أسماء الله وصفاته ، وأن الخلق والأمر ، صادر عنها ، وهي مقتضية له ، ولهذا يعلل الأحكام ، بالأسماء الحسنى ، كما في هذه الآية . لما ذكر عمل الخير والعفو عن المسيء ، رتب على ذلك ، بأن أحالنا على معرفة أسمائه ، وأن ذلك يغنينا عن ذكر ثوابها الخاص...
قلت : ما دام الله عز وجل ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ ) فإنه تعالى يبغض من يجهر بالسوء ، فليحذر المرءُ خطرَ لسانه...وليذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن...فإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء) . رواه الترمذي
أما من ظُلم فقد أُبيح له الرد على من ظلمه ، بقوله تعالى :( إِلاَّ مَن ظُلِمَ ) ، وباعتبار الظلم اعتداء، جاز للمعتَدى عليه الرد ،بقوله تعالى :(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّاللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة : 194 )... وإنْ يتركِ المظلوم الرد بالمثل ويلجأْ إلى الله يشكو إليه ظالمه ويدعو، يكنْ له خيراًَ ..لأن الله تعالى ( يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) (الحج : 38 ) ولأن النبيصلى الله عليه وسلم قال :
"ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شكَّ فيهنَّ: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم". رواه أبو داود..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل. والصائم حتى يفطر. ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين). رواه ابن ماجه
و عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن،- فقال: ... واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب. رواه البخاري ومسلم...
قال ابن حجر في فتح الباري :
قوله واتق دعوة المظلوم أي تجنب الظلم لئلا يدعوَ عليك المظلومُ .. وفيه تنبيه علىالمنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم= فإياك وكرائم أموالهم=، الإشارة إلى أن أخذها ظلم.. وقال بعضهم عطف واتق على عامل إياك المحذوف وجوبا فالتقدير اتق نفسك أن تتعرض للكرائم وأشار بالعطف إلى أن أخذ الكرائم ظلم ولكنه عمم إشارة إلى التحرز عن الظلم مطلقا...وقوله ليس بينها وبين الله حجاب، أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا= دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه= وإسناده حسن.. وليس المراد أن لله تعالى حجابا يحجبه عن الناس وقال الطيبي قوله اتق دعوة المظلوم تذييل لاشتماله على الظلم الخاص من أخذ الكرائم وعلى غيره ...وقوله فإنه ليس بينها وبين الله حجاب تعليل للإتقاء وتمثيل للدعاء كمن يقصد دار السلطان متظلما فلا يحجب ... قال بن العربي إلا أنه وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب إما أن يعجل ما طلب وإما أن يدخر له أفضل منه وإما أن يدفع عنه من السوء مثله وهذا كما قيَّد مطلقَ قوله تعالى:(َمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..) (النمل : 62 )) بقوله تعالى: ( فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء ..) (الأنعام : 41 )

10-(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة : 64 )

قال ابن كثير رحمه الله :
يخبر تعالى عن اليهود ـ عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ بأنهم وصفوا الله عز وجل وتعالى عن قولهم علواً كبيراً بأنه بخيل, كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا (يد الله مغلولة). قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الطهراني, حدثنا حفص بن عمر العدني, حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس (مغلولة) أي بخيلة, وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في قوله تعالى : (وقالت اليهود يد الله مغلولة) قال: لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة, ولكن يقولون: بخيل يعني أمسك ما عنده.. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك, وقرأ : (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً) (الإسراء : 29 )) يعني أنه ينهى عن البخل وعن التبذير, وهو زيادة الإنفاق في غير محله, وعبر عن البخل بقوله (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله, وقد قال عكرمة: إنها نزلت في فنحاص اليهودي, عليه لعنة الله, وقد تقدم أنه الذي قال فيه الله الغني الكبير: (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران : 181 ) فضربه أبو بكر الصديق رضي الله عنه... وقال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة, عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس إن ربك بخيل لا ينفق, فأنزل الله وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ) وقد ردّ الله عز وجل عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه, فقال:( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ) وهكذا وقع لهم, فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم, كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً* أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً) (النساء : 53- 54 ), وقال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) (آل عمران : 112 )...
ثم قال تعالى:(بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)أي بل هو الواسع الفضل, الجزيل العطاء, الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه, وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له, الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه, في ليلنا ونهارنا, وحضرنا وسفرنا, وفي جميع أحوالنا, كما قال:(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم : 34 ) والاَيات في هذا كثيرة,...
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار, أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض, فإنه لم يغض ما في يمينه ـ قالصلى الله عليه وسلم ـ: وعرشه على الماء وفي يده الأخرى الفيض يرفع ويخفض. وقالصلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى: «أنفق, أنفق عليك» أخرجاه في الصحيحين, البخاري في التوحيد عن علي بن المديني, ومسلم فيه عن محمد بن رافع, كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقوله تعالى:(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً)أي يكون ما آتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم, فكما يزداد به المؤمنون تصديقاً وعملاً صالحاً وعلماً نافعاً, يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغياناً, وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء, وكفراً أي تكذيباً, كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) (فصلت : 44 ) وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً) (الإسراء : 82 ),
وقوله تعالى:(وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني أنه لا تجتمع قلوبهم بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائماً, لأنهم لا يجتمعون على حق, وقد خالفوك وكذبوك, وقال إبراهيم النخعي: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) قال: الخصومات والجدال في الدين, رواه ابن أبي حاتم.
وقوله كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ) أي كلما عقدوا أسباباً يكيدونك بها, وكلما أبرموا أموراً يحاربونك بها, أبطلها الله ورد كيدهم عليهم, وحاق مكرهم السيء بهم...(وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)أي من سجيتهم أنهم دائماً يسعون في الإفساد في الأرض, والله لا يحب من هذه صفته,...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20-08-2009, 10:48 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار

وقال السعدي رحمه الله :

وقالت اليهود( يد الله مغلولة ) أي : عن الخير والإحسان ، والبر . (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) وهذا دعاء عليهم ، بجنس مقالتهم . فإن كلامهم متضمن لوصف الله الكريم ، بالبخل ، وعدم الإحسان . فجازاهم بأن كان هذا الوصف منطبقا عليهم . فكانوا أبخل الناس ، وأقلهم إحسانا ، وأسوأهم ظنا بالله ، وأبعدهم عن رحمته ، التي وسعت كل شيء ، وملأت أقطار العالم العلوي والسفلي .ولهذا قال بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) لا حجر عليه ، ولا مانع يمنعه ، مما أراد . فإنه تعالى ، قد بسط فضله ، وإحسانه الديني والدنيوي ، وأمر العباد أن يتعرضوا لنفحات جوده ، وأن لا يسدوا على أنفسهم أبواب إحسانه ، بمعاصيهم . فيده سحاء الليل والنهار ، وخيره في جميع الأوقات مدرارا . يفرج كربا ،ويزيل غما ،ويغني فقيرا ، ويفك أسيرا ويجبر كسيرا ، ويجيب سائلا ، ويعطي فقيرا عائلا ، ويجيب المضطرين ، ويستجيب للسائلين . وينعم على من لم يسأله ، ويعافي من طلب العافية ، ولا يحرم من خيره عاصيا ... بل خيره ، يرتع فيه البر والفاجر ، ويجود على أوليائه بالتوفيق لصالح الأعمال . ثم يحمدهم عليها ، ويضيفها إليهم ، وهي من جوده ، ويثيبهم عليها من الثواب العاجل والآجل ، ما لا يدركه الوصف ، ولا يخطر على بال العبد . ويلطف بهم في جميع أمورهم ، ويوصل إليهم من الإحسان ، ويدفع عنهم من النقم ما لا يشعرون بكثير منه . فسبحان من كل النعم التي بالعباد فمنه ، وإليه يجأرون في دفع المكاره . وتبارك من لا يحصي أحد ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه . وتعالى من لا يخلو العباد من كرمه طرفة عين ، بل ولا وجود لهم ولا بقاء إلا بجوده . وقبح الله من استغنى بجهله عن ربه ، ونسبه إلى ما لا يليق بجلاله . بل لو عامل الله اليهود القائلين تلك المقالة ، ونحوهم ممن حاله كحالهم ، ببعض قولهم ، لهلكوا ، وشقوا في دنياهم . ولكنهم يقولون تلك الأقوال؛ وهو تعالى يحلم عنهم ويصفح ، ويمهلهم ولا يهملهم . وقوله : ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) . وهذا من أعظم العقوبات على العبد ، أن يكون الذكر الذي أنزله الله على رسوله ، الذي فيه حياة القلب والروح ، وسعادة الدنيا والآخرة ، وفلاح الدارين ، الذي هو أكبر منه ، امتن الله بها على عباده ، توجب عليهم المبادرة إلى قبولها ، والاستسلام لله بها ، وشكرا لله عليها ، أن تكون لمثل هذا زيادة غي إلى غيه ، وطغيان إلى طغيانه ، وكفر إلى كفره . وذلك ، بسبب ، إعراضه عنها ، ورده لها ، ومعاندته إياها ، ومعارضته لها ، بالشبه الباطلة . ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) فلا يتألفون ، ولا يتناصرون ، ولا يتفقون على حالة فيها مصلحتهم . بل لم يزالوا متباغضين في قلوبهم ، متعادين بأفعالهم ، إلى يوم القيامة . (كلما أوقدوا نارا للحرب ) ليكيدوا بها الإسلام وأهله ، وأبدوا ، وأعادوا ، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم ( أطفأها الله ) بخذلانهم ، وتفرق جنودهم ، وانتصار المسلمين عليهم . ( ويسعون في الأرض فسادا ) أي : يجتهدون ويجدون ، ولكن بالفساد في الأرض . أي : بعمل المعاصي ، والدعوة إلى دينهم الباطل ، والتعويق عن الدخول في الإسلام . ( والله لا يحب المفسدين ) بل يبغضهم أشد البغض ، وسيجازيهم على ذلك


قلت : فمنتولىالمغضوب عليهموجعل يده في أيديهم القذرة معيناً إياهم على زرع الفساد في الأرضلا محالة ينالُه نصيبُه من غضب الله تعالى، متمثلاً في الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة ...
وكيف يتوَلاهم مسلمُُ عاقل ، وهم لا يألون جهداً لصدنا عما أُنزل إلينا وجعلنا مثلهم نحرفه أو نؤمن ببعضه ونكفر ببعض ؟ أما يقرأ المسلم قول الباري سبحانه :(مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء : 46 )وقوله : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(البقرة : 85 ) ...
وكيف يتخذهم أولياء وهم يهدمون المساجد ويمنعون المصلين منها ؟ أما يتلو قوله عز وجل : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة : 114 ) ،
وكيف يوادهم وهم لا هَمَّ لهم إلا محاربة الله ورسوله والدين الحق ؟ أما سمع قول القاهر فوق عباده: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة : 33 ) ،
وكيف يسارع إليهم ويتبع أهواءهم وهو يعلم يقينا أنهو قوم لا عهد لهم ولا ميثاق رانت على قلوبهم الغلف البعفِّنة كلُّ الخصال الذميمة وزيادة :الكفر والنفاق ، الكذب والخداع ، التحريف والإنحراف،...؟ أما قرع أذنيه قول الله العزيز ذي انتقام : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة : 41 )

عجبا... متى نعقل قوله تعالى :(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران : 28 ) ؟ . وقوله : ( وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً ) ؟ (التوبة : 123 ) ؟
وكيف يظن الموالون لهم أنهم رضوا عنهم ؟ لعلهم نسوا قوله تعالى : (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) (البقرة : 120 ) ..أم اتبعوا ملتهم الزائفة ؟ ما كانوا ليفعلوا لو أنهم عقلوا قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) (المائدة : 82 )...
أما يكفي هؤلاء زاجراً عن موالاتهم قولُه عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة : 51 ) ؟

متى نصيح في وجوههم صادعين بقول ربنا : (إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِوَحْدَهُ ) (الممتحنة : 4 )؟؟؟

11-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ*وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ) (المائدة 87 - 88)

قال القرطبي رحمه الله :

أسندالطبري إلى ابن عباس أن الآية نزلت بسبب رجل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني إذا أصبت من اللحم انتشرت وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم؛ فأنزل الله هذه الآية. وقيل: إنها نزلت بسبب جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعلي وابن مسعود وعبدالله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن رضي الله عنهم، اجتمعوا في دار عثمان بن مظعون، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ولا يقربوا النساء والطيب، ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض، ويترهبوا ويجبوا المذاكير؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية. والأخبار بهذا المعنى كثيرة وإن لم يكن فيها ذكر النزول ...
خرج مسلم عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؛ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء؛ وقال بعضهم: لا آكل اللحم؛ وقال بعضهم: لا أنام على الفراش؛ فحمد الله وأثنى عليه فقال: وما بال أقوام قالوا كذا وكذا.. لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء.. فمن رغب عن سنتي فليس مني.

وخرجه البخاري عن أنس أيضا ولفظه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته؛ فلما أخبروا كأنهم تقالوها - فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له من ذنبه ما تقدم وما تأخر. فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا.. أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ... فمن رغب عن سنتي فليس مني.

وخرجا عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ولو أجاز له ذلك لاختصينا.

وخرج الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في مسنده قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا معان بن رفاعة، قال حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه؛ قال: فمر رجل بغار فيه شيء من الماء فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البقل، ويتخلى عن الدنيا؛ قال: لو أني أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فإن أذن لي فعلت وإلا لم أفعل؛ فأتاه فقال: يا نبي الله ، إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل، فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى عن الدنيا؛ قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة.

قال علماؤنا رحمة الله عليهم في هذه الآية وما شابهها والأحاديث الواردة في معناها رد على غلاة المتزهدين، وعلى أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كل فريق منهم قد عدل عن طريقه، وحاد عن تحقيقه؛

قال الطبري: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح إذا خاف على نفسه بإحلال ذلك بها بعض العنت والمشقة؛ ولذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم التبتل على ابن مظعون فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده، وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب عباده إليه، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنة أمته، واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون، إذ كان خير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله، وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء. قال الطبري: فإن ظن ظان أن الخير في غير الذي قلنا لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة فقد ظن خطأ؛ وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها، ولا شيء أضر للجسم من المطاعم الرديئة لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التي جعلها الله سببا إلى طاعته.
وقد جاء رجل إلى الحسن البصري؛ فقال: إن لي جارا لا يأكل الفالوذج فقال: ولم؟ قال: يقول لا يؤدي شكره؛ فقال الحسن: أفيشرب الماء البارد؟ فقال: نعم. فقال: إن جارك جاهل، فإن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذج.
قال ابن العربي قال علماؤنا: هذا إذا كان الدين قواما، ولم يكن المال حراما؛ فأما إذا فسد الدين عند الناس وعمَّ الحرام فالتبتل أفضل، وترك اللذات أولى، وإذا وجد الحلال فحال النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأعلى.
قال المهلب: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن التبتل والترهب من أجل أنه مكاثر بأمته الأمم يوم القيامة، وأنه في الدنيا مقاتل بهم طوائف الكفار، وفي آخر الزمان يقاتلون الدجال؛ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر النسل.

قوله تعالى:
(ولا تعتدوا) قيل: المعنى لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله ؛ فالنهيان على هذا تضمنا الطرفين؛ أي لا تشددوا فتحرموا حلالا، ولا تترخصوا فتحلوا حراما؛ قاله الحسن البصري. وقيل: معناه التأكيد لقوله: "تحرموا"؛ قاله السدي وعكرمة وغيرهما؛ أي لا تحرموا ما أحل الله وشرع. والأول أولى. والله أعلم.


من حرم على نفسه طعاما أو شرابا أو أ
َمَة له، أو شيئا مما أحل الله فلا شيء عليه، ولا كفارة في شيء من ذلك عند مالك؛ إلا أنه إن نوى بتحريم الأَمَة. عتقها صارت حرة وحرم عليه وطؤها إلا بنكاح جديد بعد عتقها. وكذلك إذا قال لامرأته أنت علي حرام فإنه تطلق عليه ثلاثا؛ وذلك أن الله تعالى قد أباح له أن يحرم امرأته عليه بالطلاق صريحا وكناية، وحرام من كنايات الطلاق ... وقال أبو حنيفة: إن من حرم شيئا صار محرما عليه، وإذا تناوله لزمته الكفارة؛ وهذا بعيد والآية ترد عليه. وقال سعيد بن جبير: لغو اليمين تحريم الحلال. وهو معنى قول الشافعي على ما يأتي.


وقوله تعالى : (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)
قوله تعالى: "
وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا" فيه مسألة واحدة: الأكل في هذه الآية عبارة عن التمتع بالأكل والشرب واللباس والركوب ونحو ذلك. وخص، الأكل بالذكر؛ لأنه أعظم المقصود وأخص الانتفاعات بالإنسان. ... وأما شهوة الأشياء الملذة، ومنازعة النفس إلى طلب الأنواع الشهية، فمذاهب الناس في تمكين النفس منها مختلفة؛ فمنهم من يرى صرف النفس عنها وقهرها عن اتباع شهواتها أحرى ليذل له قيادها، ويهون عليه عندها؛ فإنه إذا أعطاها المراد يصير أسير شهواتها، ومنقادا بانقيادها. حكي أن أبا حازم كان يمر على الفاكهة فيشتهيها فيقول: موعدك الجنة. وقال آخرون: تمكين النفس من لذاتها أولى لما فيه من ارتياحها ونشاطها بإدراك إرادتها. وقال آخرون: بل التوسط في ذلك أولى؛ لأن في إعطائها ذلك مرة ومنعها أخرى جمع بين الأمرين؛ وذلك النصف من غير شين. . .

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20-08-2009, 10:48 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نـاس لا يـحـبـهـم الْقهَّـار من الكتاب والسنة والآثار

وقال السعدي رحمه الله :
قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) من المطاعم والمشارب ، فإنها نعم أنعم الله بها عليكم ، فاحمدوه إذ أحلها لكم ، واشكروا له ، ولا تردوا نعمته بكفرها ، أو عدم قبولها ، أو اعتقاد تحريمها . فتجمعوا بذلك بين قول الكذب على الله ، وكفر النعمة ، واعتقاد الحلال الطيب حراما خبيثا ، فإن هذا من الاعتداء . والله قد نهى عن الاعتداء فقال ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) بل يبغضهم ويمقتهم ، ويعاقبهم على ذلك .
ثم أمر بضد ما عليه المشركون ، الذين يحرمون ، ما أحل الله فقال وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) أي : كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم ، بما يسره من الأسباب ، إذ كان حلالا ، لا سرقة ، ولا غصبا ، ولا غير ذلك ، من أنواع الأموال ، التي تؤخذ بغير حق . وكان أيضا طيبا ، وهو : الذي لا خبث فيه . فخرج بذلك الخبيث من السباع والخبائث . ( واتقوا الله ) في امتثال أوامره ، واجتناب نواهيه... ( الذي أنتم به مؤمنون ) فإن إيمانكم بالله ، يوجب عليكم تقواه ومراعاة حقه . فإنه لا يتم إلا بذلك . ودلت الآية الكريمة ، على أنه إذا حرم حلالا عليه ، من طعام ، وشراب ، وسرية ، وأمة ، ونحو ذلك ، فإنه لا يكون حراما بتحريمه . لكن لو فعله ، فعليه كفارة يمين ،كما قال تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (التحريم :1-2) . إلا أن تحريم الزوجة ، فيه كفارة ظهار . ويدخل في هذه الآية ، أنه لا ينبغي للإنسان ، أن يتجنب الطيبات ، ويحرمها على نفسه ، بل يتناولها ، مستعينا بها ، على طاعة ربه .
وقال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف : 32 )
يقول تعالى ـ منكرا على من تعنت ، وحرم ما أحل الله من الطيبات ـ (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) من أنواع اللباس ، على اختلاف أصنافه ، والطيبات من الرزق ، من مأكل ، ومشرب ، بجميع أنواعه ، أي : مَن هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم الله على العباد ، ومَن ذا الذي يُضيِّق عليهم ، ما وسَّعه الله ؟ وهذا التوسيع من الله لعباده ، بالطيبات ، جعله لهم ليستعينوا به على عبادته ، فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين ، ولهذا قال : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) أي : لا تبعة عليهم فيها . ومفهوم الآية ، أن من لم يؤمن بالله ، بل استعان بها على معاصيه ، فإنها غير خالصة له ولا مباحة ، بل يعاقب عليها ، وعلى التنعم بها ، ويسأل عن النعيم يوم القيامة . ( كذلك نفصل الآيات ) أي : نوضحها ونبينها (لقوم يعلمون ) لأنهم الذين ينتفعون بما فصله الله من الآيات ، ويعلمون أنها من عند الله ، فيعقلونها ويفهمونها ....
وقال الشوكاني رحمه الله :
قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) ، الطيبات: هي المستلذات مما أحله الله لعباده، نهى الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئاً منها، إما لظنهم أن في ذلك طاعة لله وتقرباً إليه، وأنه من الزهد في الدنيا لرفع النفس عن شهواتها، أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئاً مما أحله لهم كما يقع من كثير من العوام من قولهم: حرام علي وحرمته على نفسي ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني.
وقوله: (ولا تعتدوا) أي لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله لكم، أو لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله عليكم: أي تترخصوا فتحللوا حراماً كما نهيتم عن التشديد على أنفسكم بتحريم الحلال.
وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن من حرم على نفسه شيئاً مما أحل الله له فلا يحرم عليه ولا يلزمه كفارة. وقال أبو حنيفة وأحمد ومن تابعهما: إن من حرم شيئاً صار محرماً عليه، وإذا تناوله لزمته الكفارة ...
وقوله: (إن الله لا يحب المعتدين) تعليل لما قبله، وظاهره إنه تحريم كل اعتداء: أي مجاوزة لما شرعه الله في كل أمر من الأمور.
وقوله : (وكلوا مما رزقكم الله) حال كونه (حلالاً طيباً) أي غير محرم ولا مستقذر، أو أكلاً حلالاً طيباً، أو كلوا حلالاً طيباً مما رزقكم الله، ثم وصاهم الله سبحانه بالتقوى فقال: (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: نزلت في رهط من الصحابة قالوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني". وقد ثبت نحو هذا في الصحيحين وغيرهما من دون ذكر أن ذلك سبب نزول الآية.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل وابن جرير عن أبي مالك أن هؤلاء الرهط: هم عثمان بن مظعون وأصحابه، وفي الباب روايات كثيرة بهذا المعنى، وكثير منها مصرح بأن ذلك سبب نزول الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم "أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله، فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظاراً له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي، فقالت امرأته: هو حرام علي فقال الضيف: هو حرام علي، فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا بسم الله، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أصبت فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم"" وهذا أثر منقطع، ولكن في صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه ما هو شبيه بهذا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال: كنا عند عبد الله فجيء بضرع، فتنحى رجل، فقال له عبد الله: ادن، فقال: إني حرمت أن آكله، فقال عبد الله: ادن فاطعم وكفر عن يمينك، وتلا هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) . وأخرجه أيضاً الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

12-(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ*وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (الأنعام 141 -142 )

قال ابن كثيررحمه الله :

يقول تعالى مبيناً أنه الخالق لكل شيء من الزروع والثمار والأنعام التي تصرف فيها هؤلاء المشركون بآرائهم الفاسدة, وقسموها وجزؤوها فجعلوا منها حراماً وحلالاً, فقال (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: معروشات مسموكات, وفي رواية فالمعروشات ما عرش الناس, وغير معروشات ما خرج في البر والجبال من الثمرات, وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس: معروشات ما عرش من الكرم وغير معروشات ما لم يعرش من الكرم, وكذا قال السدي, وقال ابن جريج فيقوله تعالى :( مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ), قال: متشابهاً في المنظر وغير متشابه في المطعم, وقال محمد بن كعب في (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ) قال: من رطبه وعنبه, وقوله تعالى: (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) قال ابن جرير: قال بعضهم هي الزكاة المفروضة, حدثنا عمرو, حدثنا عبد الصمد, حدثنا يزيد بن درهم, قال: سمعت أنس بن مالك يقول (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: الزكاة المفروضة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وآتوا حقه يوم حصاده)يعني الزكاة المفروضة يوم يكال ويعلم كيله, وكذا قال سعيد بن المسيب, وقال العوفي عن ابن عباس (وآتوا حقه يوم حصاده)وذلك أن الرجل كان إذا زرع, فكان يوم حصاده لم يخرج مما حصد شيئاً فقال الله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده)وذلك أن يعلم ما كيله وحقه من كل عشرة واحد, وما يلقط الناس من سنبله,
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود في سننه من حديث محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان, عن عمه واسع بن حبان, عن جابر بن عبد الله, أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاذّ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين, وهذا إسناد جيد قوي,
وقال طاوس وأبو الشعثاء وقتادة والحسن والضحاك وابن جريج: هي الزكاة, وقال الحسن البصري: هي الصدقة من الحب والثمار, وكذا قال زيد بن أسلم, وقال آخرون: وهو حق آخر سوى الزكاة, وقال أشعث: عن محمد بن سيرين ونافع عن ابن عمر في قوله تعالى : (وآتوا حقه يوم حصاده)قال: كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة رواه ابن مردويه
وروى عبد الله بن المبارك وغيره عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح في قوله (وآتوا حقه يوم حصاده)قال: يعطي من حضره يومئذ ما تيسر, وليس بالزكاة, وقال مجاهد: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه,
وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (وآتوا حقه يوم حصاده)قال: عند الزرع يعطي القبضة وعند الصرام يعطي القبضة, ويتركهم فيتبعون آثار الصرام,
وقال الثوري: عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: يعطي مثل الضغث, وقال ابن المبارك عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير (وآتوا حقه يوم حصاده)قال: كان هذا قبل الزكاة, للمساكين القبضة والضغث لعلف دابته, وفي حديث ابن لهيعة: عن دراج عن أبي الهيثم عن سعيد مرفوعاً, (وآتوا حقه يوم حصاده)قال : ما سقط من السنبل.. رواه ابن مردويه,
وقال آخرون: هذا شيء كان واجباً ثم نسخه الله بالعشر أو نصف العشر, حكاه ابن جرير عن ابن عباس ومحمد بن الحنفية وإبراهيم النخعي والحسن والسدي وعطية العوفي وغيرهم, واختاره ابن جرير رحمه الله,
قلت: وفي تسمية هذا نسخاً نظر, لأنه قد كان شيئاً واجباً في الأصل ثم إنه فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته, قالوا: وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة, فا لله أعلم.

وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون ولا يتصدقون كما ذكر عن أصحاب الجنة في سورة
= القلم = قال : ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ *فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (17-20 )أي كالليل المدلهم سوداء محترق ( فتنادوا مصبحين * أن غدوا على حرثكم إن كنتم صارمين * فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حرد} أي قوة وجلد وهمة {قادرين * فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون * قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون * كذلك العذاب ولعذاب الاَخرة أكبر لو كانوا يعلمون)....(21-23)


وقوله تعالى:
(وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)قيل معناه لا تسرفوا في الإعطاء فتعطوا فوق المعروف, وقال أبو العالية: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئاً ثم تباروا فيه وأسرفوا, فأنزل الله : (ولا تسرفوا) وقال ابن جريج: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس, جذ نخلاً له فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة, فأنزل الله تعالى: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) رواه ابن جرير عنه, وقال ابن جريج عن عطاء: نهوا عن السرف في كل شيء, وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله فهو سرف, وقال السدي في قوله (ولا تسرفوا) قال: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء, وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب في قوله (ولا تسرفوا)قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا ربكم, ثم اختار ابن جرير قول عطاء, أنه نهي عن الإسراف في كل شيء ولا شك أنه صحيح, لكن الظاهر والله أعلم من سياق الاَية, حيث قال تعالى: (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) أن يكون عائداً على الأكل, أي لا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن, كقوله تعالى: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ) (الأعراف : 31 ).
وفي صحيح البخاري تعليقاً «
كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة» وهذا من هذا, والله أعلم


وقوله عز وجل وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا) أي وأنشأ لكم من الأنعام ما هو حمولة وما هو فرش, قيل المراد بالحمولة ما يحمل عليه من الإبل, والفرش الصغار منها, كما قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله: حمولة ما حمل عليه من الإبل وفرشاً الصغار من الإبل, رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال ابن عباس: الحمولة هي الكبار والفرش الصغار من الإبل, وكذا قال مجاهد, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا) أما الحمولة فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه, وأما الفرش فالغنم, واختاره ابن جرير قال: وأحسبه إنما سمي فرشاً لدنوه من الأرض, وقال الربيع بن أنس والحسن والضحاك وقتادة وغيره: الحمولة الإبل والبقر والفرش الغنم, وقال السدي: أما الحمولة فالإبل وأما الفرش فالفصلان والعجاجيل والغنم, وما حمل عليه فهو حمولة, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الحمولة ما تركبون والفرش ما تأكلون وتحلبون, شاة لا تحمل تأكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافاً وفرشاً, وهذا الذي قاله عبد الرحمن: في تفسير هذه الاَية الكريمة حسن يشهد له قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ( يس 71-72 ) وقال تعالى: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ *وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ * وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ * وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ * فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ) (النحل 66- 80 )
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ) (غافر 79- 81 )

وقوله تعالى: (كلوا مما رزقكم الله) أي من الثمار والزروع والأنعام فكلها خلقها الله وجعلها رزقاً لكم (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) أي طريقه وأوامره كما اتبعها المشركون الذين حرموا ما رزقهم الله, أي من الثمار والزروع افتراء على الله, (إنه لكم) أي أن الشيطان أيها الناس لكم (عدو مبين) أي بين ظاهر العداوة, كما قال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر : 6 ) وقال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف : 27 ), وقال تعالى: ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف : 50 ) والاَيات في هذا كثيرة في القرآن.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 290.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 285.08 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]