|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#91
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خيرا واثابك وجعل الجنة متواك
|
#92
|
||||
|
||||
![]() جزاكم الله خيرا أختي الكريمة لمروركم
أظن لا أحد متابع غيركم هنا
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
#93
|
||||
|
||||
![]() الصِّـدق قال الله تعالى: {ياأيُّها الَّذين آمنوا اتَّقُوا الله وكونوا مع الصَّادقين(119)}سورة التوبة(9) وقال أيضاً: {فمن أظلمُ ممَّن كَذَبَ على الله وكَذَّبَ بالصِّدق إذ جاءَهُ أَلَيْسَ في جهنَّمَ مثْوىً للكافرين(32) والَّذي جاءَ بالصِّدق وصَدَّقَ به أولئك هُمُ المتَّقون(33) لهم ما يشاؤونَ عندَ ربِّهمْ ذلك جزاءُ المُحسنين(34)} سورة الزمر(39) وقال أيضاً: {ومن أظلمُ ممَّنِ افترى على الله كذِباً أو كَذَّبَ بآياتِهِ إنَّهُ لا يُفلِحُ الظَّالمون(21)}سورة الأنعام(6) ومضات: ـ الصِّدق هو المِحَكُّ لمعرفة درجة الإيمان، وهو الفضيلة الَّتي يجب أن تصطبغ بها كلُّ أعمالنا وتصرفاتنا أثناء توجُّهنا إلى الحضرة الإلهية، حتَّى تُتوَّج أعمالنا كلُّها بالنور والفلاح. ـ أشدُّ الناس ظلماً هو من يعتدي على حقوق الله تعالى وتشريعاته وتعاليمه، سواء بالتقوُّل عليها كذباً وبهتاناً، أو بالتكذيب المباشر لما أنزله تعالى من الرسالات السماوية في رحاب الآيات: الصِّدق خُلقٌ من أجلِّ الأخلاق الَّتي يتَّصف بها المؤمنون، وتاج مرصَّعٌ تُوِّج به النبيُّون والمرسلون. وهو الطريق لكلِّ خير وبرٍّ، وعنوان للرقيِّ المادِّي والروحي في كلِّ جيل وعصر، ومِحَكٌّ دقيق يميِّز المؤمن ـ الَّذي يتحرَّى هذا الخلق في أقواله وأعمالـه ـ عن المنافق الَّذي يكثر من الكذب حتَّى يصبح علامة من علامات نفاقه، ويسلك به الطريق الضيِّق، فينزلق من خلاله إلى أودية الشرور والآثام. وقد بيَّن لنا الصَّادق المصدوق نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم عاقبة الأمرين عندما قال: «عليكم بالصِّدق فإن الصِّدق يهدي إلى البِّر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصِّدق حتَّى يكتب عند الله صِدِّيقاً، وإيَّاكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتَّى يكتب عند الله كذَّاباً» (رواه الأربعة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ). ولما كانت القدوة الصالحة خير طريق لاكتساب الخُلقِ الحسن؛ فقد أمرنا الله عزَّ وجل بصحبة الصَّادقين من المؤمنين في قوله: {ياأيُّها الَّذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصَّادقين}، وقد امتدحهم الله في آية أخرى فقال: {مِنَ المؤمنينَ رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه..} (33 الأحزاب آية 23) فهم الوجه المشرق المنير للإنسانية، وفيهم تتجلَّى الرجولة الحقيقية لأنهم صدقوا قولاً وعملاً، ونشروا راية الإيمان شرقاً وغرباً، فسكنت قلوبَهُم سعادةٌ يحسدهم عليها ملوك الدنيا وأباطرتها، وعُمِّرت بيوتهم المتواضعة بذكر الله ونوره، فغدت تضاهي بسكينتها والسعادة الَّتي فيها، قصور الأمراء والمترفين. فالصِّدق بُغية المؤمنين ولا يزالون يتحرَّونه حتَّى ينالوا رتبة الصدِّيقين، ولا يحيدون عن دربه إلى أن يلقَوُا الله فيحشرهم مع النبيين والشهداء والصالحين. ويسألون الله أن يثبِّتهم على هذا الخلق العظيم أسوة بحبيبهم الصَّادق الأمين صلى الله عليه وسلم الَّذي كان يدعو كما علَّمه الله: {وقُلْ رَبِّ أدخلني مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخرجني مُخْرَجَ صِدْقٍ واجعلْ لي من لدُنْكَ سلطاناً نصيراً} (17 الإسراء آية 80) أي ربِّ أدخلني كلَّ مدخل في الحياة دخولاً حسناً مَرْضِيَّاً تجعلني فيه من الصَّادقين، وأخرجني إخراجاً حسناً مؤيداً بتوفيقك واكتبني فيه من الصَّادقين، واجعل رحلة حياتي من بدئها إلى ختامها، ميسَّرة ومسدَّدة وآمنة، في ظلِّ عنايتك الَّتي تظلُّني؛ إلى أن ألقاك وقد أدرجتني في ديوان الصَّادقين الأبرار. فما أجمله من دعاء يترجم حقيقة حالهم؛ إنهم صدقوا والتزموا التَّقوى في أموالهم وأعمالهم، فأعدَّ الله لهم خير المساكن، وأكرم المنازل، وبوَّأهم الجنَّة يتمتَّعون بنعيمها المقيم، ويتلذَّذون فيها بالنظر إلى وجهه الكريم، فيغدق عليهم من فضله ورضوانه ما يسعدهم ويرضيهم؛ فهم في بساتين غنَّاء ورياض فيحاء، وأنهار جارية، وأشربة صافية لذيذة، ومجالس صادقة خالصة، لا لغو فيها ولا تأثيم وَعْد الصِّدق الَّذي وعدهم في قوله جلَّ من قائل: {إنَّ المُتَّقينَ في جنَّاتٍ ونَهَرٍ * في مقعدِ صِدْقٍ عند مَلِيْكٍ مقْتَدِرْ} (54 القمر آية 54ـ55). فما أشدَّ ظلم الإنسان لنفسه عندما يُعْرِضُ وينأى عن طريق الصِّدق والصَّادقين، ويسلك طريق الكذب ويرضى بأن يكون من المفسدين المنافقين، ولهذا فإن الله عزَّ وجل نفى صفة الكذب وافترائه عن المؤمن الَّذي يكون حريصاً على سلامة المجتمع وأمنه وسعادته فقال: {إنَّما يفتري الكذبَ الَّذين لا يؤمنونَ بآياتِ الله وأولئكَ هُمُ الكاذبون} (16 النحل آية 105). فالكذب آفة من أشدِّ الآفات فتكاً بالمجتمع، ومن أشدِّها خطراً على سلامته، وذلك لما يخلق من عداوة بين الناس، وغرسٍ لبذور الشكِّ في نفوسهم، وتحطيم لعامل الثِّقة فيما بينهم. وما فشا الكذب في أمَّة إلا كثرت فيها المفاسد وشاعت الجرائم، فهو مصدر كلِّ رذيلة، ومنشأ كلِّ كبيرة. إن من يفتري على الله الكذب ويكذِّب بما جاء به رسله الصَّادقون، يكون قد خرج عن دائرة الإيمان، وهوى في حمأة النفاق، لأنه بافترائه الكذب يصبح أشدَّ ضرراً وإيذاءً من الكافر الَّذي يعلن إنكار الحقيقة وجحودِها، بينما يتجاوز المفتري ذلك إلى اختلاق الأباطيل الَّتي يزرع بها بذور الفتنة والشِّقاق. ويليه في درجة الأذى الكاذب المعرض عن الحقِّ؛ فليس هناك من هو أظلم ممَّن يعرف الحقَّ؛ ثمَّ ينكره ويختلق الأكاذيب حوله وينشرها، وليس ثَمَّةَ من هو أضلُّ ممن نزع عن نفسه حماية الله العزيز القوي، ورفع راية الشيطان يستظلُّ بها، وهي لن تجلب له سوى الإحباط والمهلكات. ولعلَّ أشدَّ أنواع الكذب خطراً وتهديماً أن يكذب الكاذب وهو يَدَّعي أنه يقول الحقَّ مدعوماً بوحي مزعوم يأتيه؛ أو رسالة سماوية تتنزَّل عليه، فهذا ظلم للحقِّ، وظلم للنفس، وظلم للناس. فهو ظلم للحقِّ لأنه تزوير للإرادة الإلهية، وهو ظلم للنفس بإيرادها موارد التهلكة، وهو ظلم للناس لأنه يصرفهم عن جادَّة الحقِّ باسم الحقِّ كذباً وبهتاناً، والحصيلة النهائية هي هدم القيم الاجتماعية والأخلاقية الَّتي يريد الله إرساءها بين عباده. ومن الكذب أيضاً أن يزعم المرء أن لله ولداً أو شريكاً، أو يدَّعي في دينه ما ليس فيه، أو أن يُكذِّبَ بالكتب السماوية أو يحرِّفها أو ينكر بعض ما جاء فيها، أو ينكرها كلَّها مستجيباً بذلك لأهوائه وشهواته، وأبلغ مثال على ذلك كفر أبي جهل وتكذيبه للنبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بصدقه، فقد روي أن الأخنس بن شُرَيْق التقى بأبي جهل فقال له: [يا أبا الحكم! أخبرني عن محمَّد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس عندنا أحد غيرك يخبرنا، فقال أبو جهل: والله إن محمَّداً لصادق، وما كذب قط، ولكن إذا ذهب (بنو قصي) باللواء والسقاية والحجابة والنبوَّة فماذا يكون لسائر قريش؟]، إن هذا النوع من الكذب والتكذيب هو أشدُّه ضرراً وإيذاءً، وهو في الوقت نفسه أشدُّه عذاباً، لأنه جحد للحقِّ عن إصرار وعناد. وهناك آخرون يتَّخذون من الكذب وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية، ويستترون بستار التديُّن والصلاح؛ كأن يدَّعي بعضهم أن له مع الله حالاً أو كشفاً أو مشاهدة، ليخدع مخلوقات الله ويوهمهم بالفوقيَّة عليهم، وأنهم محتاجون لبركاته وتوجُّهاته، ليشتري بذلك ثمناً قليلاً من متاع الدنيا وزخرفها. وتندرج في أنواع الكذب صفة الإخلاف بالوعد، كأن يقول المرء قولاً لا يفي به. وقد عُدَّ هذا النوع من الكذب من أفظع الأفعال الَّتي يبغضها الله ويكرهها، وقد أنكرها سبحانه وتعالى على من يتَّصف بها من المؤمنين ووبَّخهم في كتابه العزيز على هذا التَّصرف المذموم فقال: {ياأيُّها الَّذين آمنوا لِمَ تقولونَ ما لا تفعلون * كَبُرَ مَقْتاً عندَ الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (61 الصف آية 2ـ3) فجاء الخطاب من الله لهم بصيغة استفهام يتضمَّن الإنكار والتوبيخ لكلِّ من يَعِدُ وعداً ويُخلفه، ويتفوَّه بكلام لا ينجزه. وقد استدلَّ السلف بهذه الآية على وجوب الوفاء بالوعد لأنه دليل على كريم الشِّيم، وجميل الخصال، وبه تتولَّد الثِّقة بين الجماعات فترتبط برباط المودَّة والمحبَّة حين يتعامل أفرادها مع بعضهم بعضا، ويكونون يداً واحدة فيما قرَّروا من الأعمال، والعكس بالعكس، فإذا فشا في أُمَّة إخلاف الوعد قلَّت الثِّقة بين أفرادها وانحلَّت عُرى الروابط بينهم، وأصبحوا عِقْداً متناثراً لا يُنتَفعُ به، فلا يهابهم عدوٌّ إذا اشتدَّت الأزمات، وعظُمت الخطوب. وقيل في معنى هذه الآية: هي أن يأمر الإنسان أخاه بالمعروف ولا يأتمر به، وينهاه عن المنكر ولا ينتهي عنه، كقول الله تعالى: {أَتأْمُرونَ النَّاسَ بالبرِّ وتَنْسَونَ أنفسَكُمْ وأنتمْ تتلونَ الكتابَ أفلا تعقلون} (2 البقرة آية 44) فهذا فعل يبغض الله صدوره من المؤمنين وخاصَّة ممَّن يكونون في مقام الدعوة والإرشاد والتهذيب؛ فلا يعقل أن يعظ واعظ بترك الموبقات وهو غارق فيها إلى أذنيه، أو يرشد إلى طريق الجنَّة من هو مترنِّح على طريق النَّار، فهذا من أكبر الموبقات عند الله، لأن المسيء في عمله لا تتجاوز عظته الآذان؛ بل قد يوقع الناس في الفتنة والإعراض عن طريق الإيمان كُلِّيةً، حيث يتساءلون في أنفسهم: إذا كان القدوة يفعل بخلاف ما يقول فكيف بمن هم دونه؟، وإذا كان ما يتفوَّه به الواعظ من الحكمة والمواعظ لا يؤثِّر فيه شخصياً، فهل يعقل أن يؤثِّر في عامَّة الأشخاص؟، إنه إذن القدوة السيئة، والأداة المنفِّرة عن طريق الله. فلو كان يرتكب ما يرتكبه دون أن يجعل من نفسه واعظاً وقدوة، لخفَّ الضرر الصادر عنه فيما يتعلَّق بالناس الباحثين عن الدليل إلى الحقِّ، وعن القدوة الصالحة. فما بالك بإنسان واعظ مرشد ينبِّه الناس إلى أضرار الغيبة، وآثارها السلبية والسيئة في المجتمع ثمَّ تراه في مجالسه الخاصَّة سمَّاعاً للغيبة، مشاركاً فيها، منغمساً في آثامها؟، أليس الله بقادر على هؤلاء جميعاً وغيرهم ممَّن يملك من الكذب ألواناً وأصنافاً؟! أليس في جهنَّم مكان يتَّسع لهم ويكون مستقرّاً دائماً لهم؟! بلى إن جميع الفئات من الكاذبين المدجِّلين، لهم مقت شديد وعقاب مروِّع من الله، لما جنَوْه بحقِّ أنفسهم وحقِّ الآخرين!. وحول هذه المعاني يقول الشاعر: يا أَيُّهـــا الرجــل المعلِّـم غيرَه هلاَّ لنفسك كان ذا التعليمُ ابدأ بنفسـك فانْهَهَا عن غيِّها فـإذا انتهـــتْ فأنتَ حكيمُ لا تَنْـهَ عن خُلُــقٍ وتأتي مثلـه عارٌ عليـك إذا فعلت عظيمُ
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
#94
|
||||
|
||||
![]() إصلاح ذات البين قال الله تعالى: {وإنْ طائِفتان من المؤمنين اقْتَتَلُوا فأصلحوا بينَهما فإنْ بَغَتْ إحداهما على الأُخرى فقاتِلوا الَّتي تَبْغي حتَّى تَفِيء إلى أمر الله فإنْ فاءَتْ فأصلحوا بينَهما بالعدلِ وأقْسِطُوا إنَّ الله يحبُّ المُقْسطين(9) إنَّما المؤمنونَ إخوةٌ فأصلحوا بين أخوَيْكم واتَّقوا الله لعلَّكم تُرحمون(10)}سورة الحجرات(49) ومضات: ـ المؤمن أخو المؤمن، والأُخوَّة رباط قويٌّ من روابط الإيمان الحقيقي، لذلك كان لزاماً علينا أن نسارع ودون أيِّ تهاون إلى رأب الصدع، وإصلاح الخلل بين الإخوة قبل أن يستفحل الشر ويُعْضِلَ الداء، لننال الرحمة والبرَّ الإلهي. في رحاب الآيات: لقد اهتمَّ الإسلام بمسألة احتمال وقوع خلاف بين المؤمنين وأخذها بعين الاعتبار؛ وذلك لأن المؤمنين بَشَر، والبشر يخطئون ويصيبون، ويعسر أن تتَّفق آراؤهم أو تتوحَّد اتجاهاتهم دائماً. ولهذا عالج الإسلام مسألة الخلاف هذه، على اختلاف مستوياتها؛ بدءاً من مرحلة المشاحنة والمجادلة، ومروراً بالهجر والتباعد، وانتهاءً بمرحلة الاعتداء والقتال. وقد نصَّ القرآن الكريم على الحلِّ الأمثل لعلاج مثل هذه الحالة الطارئة ويتمثَّل بانتهاج طريقين اثنين هما: أوَّلاً: العمل على جمع شمل المتخاصمين وإصلاح ذات بينهم بالحكمة والموعظة الحسنة. ثانياً: في حال تمرُّد إحدى الفئتين المتخاصمتين على أحكام الصلح وقبول الأخرى بها؛ يجب أن يقوم المجتمع بأكمله في وجه الفئة المتمرِّدة منهما لإلزامها برأي الجماعة، ولو أدَّى ذلك إلى إخضاعها له بالقوَّة. فإذا ارتدعت وانقادت فالصلح سيِّد الأحكام، والعدل رائد الجميع في إتمام مسيرة السَّلام، وبذلك تُنتزع جذور الشرِّ من القلوب وتُزرع مكانها بذور المحبَّة والوئام. إن الشقاق والخلاف من أخطر أسلحة الشيطان الفتاكة الَّتي يوغر بها صدور الناس، لينفصلوا بعد اتحاد، ويتنافروا بعد اتفاق، ويتعادوا بعد أُخوَّة؛ فما دامت هناك مجتمعات وتجمُّع واجتماعات، فلابدَّ من وجود أسباب للاتفاق وأخرى للاختلاف، ولابدَّ من وجود آراء متقاربة وأخرى متنافرة، قد تؤدِّي عند بعض الناس إلى نشوب خلاف مردُّه إلى التباين في تلك الآراء، وعجز كلِّ طرف من أصحاب الخلاف عن إدراك وجهة نظر الطرف الآخر، ممَّا يؤدِّي بدوره إلى سوء التصرُّف الَّذي لا تُحمَد عقباه في كثير من الأحيان. وكما وضع القرآن الكريم في الحسبان احتمال وقوع القتال بين طائفتين من المؤمنين، فقد أبقى وصف الإيمان للطائفتين كلتيهما على الرغم من اقتتالهما، مع احتمال أن تكون إحداهما أو كلتاهما باغية. وفي مواجهة ظرف كهذا يتوجَّب على كلِّ عاقل حكيم مدرك للأمور، يتمتَّع بسعة الصدر، وبُعد النظر أن يتقدَّم لإصلاح ذات البين، وتضييق شقَّة الخلاف، ونزع العداوة من القلوب، وإحلال المحبَّة والسلام، على أن يكون حكماً عدلاً منصفاً في إيصال كلِّ ذي حقٍّ إلى حقِّه، فقد جاء في الحديث الشريف: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصِّيام والصَّلاة والصَّدقة؟ قالوا: بلى يارسول الله! قال: إصلاح ذات البين» (رواه البخاري ومسلم). فإذا ما صدر الحُكم العدل عن هيئة اجتماعية معروفة بالعدالة والتَّقوى وجب على الجميع الالتزام به، والتقيُّد بأحكامه، إذعاناً للحقِّ وإرضاءً للضمائر الحيَّة، أمَّا إذا قلب بعض الناس ظهر المِجنِّ، وغلبتهم أهواؤهم ومطامعهم، وانْبَرَوا للاعتداء والخروج عن الجماعة، فلابدَّ للجميع من الوقوف ضدَّهم لصدِّهم عن غيِّهم وتماديهم، دون أن تأخذهم في دين الله رحمة أو شفقة بهم. فإذا انتهَوْا والتزموا جانب الصواب يُعفى عنهم ويُتجاوز عن سيئات أعمالهم، بعد أن يصلحوا ما قاموا بإفساده. وينبغي تحرِّي العدل والإنصاف في الإصلاح بين المتخاصمين لأن الله يحبُّ العادلين، جاء في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلت يارسول الله: هذا نصرتُه مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إيَّاه». وفي الختام تقرِّر الآية الكريمة أن الأُخوَّة الحقيقية هي أُخوَّة الإيمان، فالمؤمنون إخوة تجمعهم رابطة الدِّين، فلا يليق بهم أن يسمحوا للعداوة أو الشحناء أن تسري بينهم، فأُخوَّة الإسلام أقوى من أُخوَّة النَّسب، بحيث أن أُخوَّة النسب تفقد قيمتها إذا خلت من أُخوَّة الإسلام. والخلاصة: أنه يجب الإصلاح بين المتخاصمين، والوقوف في وجه المعتدين، وعَدُّ رابطة الإيمان أقوى من رابطة الدم والنسب، وكذلك السعي الحثيث لمنعِ الفرقة من أن تُنشب أظفارها، والحيلولة دون نفثِ البغضاء سمومها في جسد مجتمعنا، وأن نتحلَّى جميعاً بالتَّقوى لتهبَّ علينا نفحات الله عزَّ وجل، ولتبقى المحبَّة مزدهرة بيننا وارفة الظلال.
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
#95
|
||||
|
||||
![]() الرضا بالقضاء والقدر قال الله تعالى: {وإن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فلا كاشفَ له إلاَّ هوَ وإن يُرِدْكَ بخيرٍ فلا رادَّ لفضلهِ يُصيبُ به من يشاءُ من عبادهِ وهو الغفورُ الرَّحيم(107) قُل ياأيُّها النَّاسُ قد جاءكُمُ الحقُّ من ربِّكُمْ فمن اهتدى فإنَّما يهتدي لنفسهِ ومن ضلَّ فإنَّما يَضِلُّ عليها وما أنا عليكُم بوكيل(108)}سورة يونس(10) ومضات: ـ مقاليد أمور الخلق، وتصاريف أقدارهم بيد الله سبحانه وتعالى، وهو الَّذي قدَّر ما هو كائن لهم أو عليهم، وهو الَّذي قسم بينهم أرزاقهم ولا رادَّ لإرادته. ـ الخير والشرُّ مفهومان متناقضان يصيب الله بهما من يشاء من عباده، ويكونان كجزاء عادل على أعمالهم في أغلب الأحيان، وقد يوجَّهان من الله إليهم ليبلُوَهم ويختبرهم، أيُّهم يحسن التصرُّف بالخير حين جريانه بين يديه، وأيُّهم يحسن الصبر على الضُّرِّ إذا أصابه، ثمَّ يجازيهم أو يثيبهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة حسبما يستحقُّون. ـ المؤمن هو المستفيد الأوَّل من ثمرات هدايته واتِّباعه تعاليم الحضرة الإلهيَّة، والضالُّ هو أوَّل من يعاني من آثار تعنُّته وفجوره، والله غنيٌّ عن إيماننا ولا يضرُّه ضلالنا. في رحاب الآيات: إذا خرج الإنسان عن قواعد الله وتعاليمه الحكيمة الَّتي وضعها من أجل سلامته وسعادته، فإنه سيلقى عقاب الله تعالى في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً. هذا هو قانونه الأزلي، قانون الثواب والعقاب، فعمل الإنسان إمَّا أن يؤدِّي به إلى الإضرار بنفسه أو إلى خير يصيبه، وتضطلع إرادة الله المطلقة في تقدير الأمور، وتبقى النتيجة والمسؤولية متعلِّقة بإرادة الإنسان واختياره الشخصي؛ فإن زكَّى نفسه فقد أفلح، وإن أهلكها بالمخالفات والمعاصي فقد خاب وهلك. لذلك جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الخير ليعلِّمَنا كيف ننقذ أنفسنا من دائرة عذاب الله، فقال: «اطلبوا الخير دهْرَكُم، وتعرَّضوا لنفحات رحمة الله تعالى، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمِّن روعاتكم» (أخرجه البيهقي). وقد يسأل أحدهم: إذا كان الله يقدِّر الخير للطائعين والشرَّ للعاصين، فلماذا نرى الكثير من المؤمنين الطائعين وقد ابتُلُوا بمصائب مختلفة، كالمرض أو الفقر أو فَقْدِ الولد وغير ذلك، بينما نرى من العاصين من يغرق في النعيم والخيرات؟ والجواب نسوقه من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سرَّاءُ شكر وكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر وكان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن» (رواه مسلم مرفوعاً) فالله تعالى إذا أحبَّ عبداً ابتلاه فإذا صبر اجتباه، وكلَّما ازداد صبراً وشكراً ارتقت درجته عند الله. ولا يزال المؤمن بين شكر على النعم وصبر على المحن حتَّى ينال درجة الأبرار والصدِّيقين، قال صلى الله عليه وسلم : «أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثمَّ الأمثل فالأمثل. يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رِقَّة ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء الإنسان حتَّى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» (أخرجه الترمذي). وأيّاً كان قضاء الله تعالى في المؤمن فإنه يرضى به لأنه لا رادَّ لقضائه، فلو اجتمع الناس جميعاً على أن يدفعوا عنه ضُرّاً قد كتبه الله عليه فإنهم لن يردُّوه، ولو اجتمعوا على أن يمنعوا عنه خيراً قدَّره له فإنهم لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً. وقد أُثِر عن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاؤه: «اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء» (أخرجه الطبراني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه )، والرضا أعلى درجة من الصبر. وأمَّا الكفار والمتمرِّدون فقد يزيد لهم الله تعالى من أسباب النعيم والقوَّة، ما يجعلهم يزدادون ظلماً وطغياناً، حتَّى يستحقُّوا عظيم العقاب، قال تعالى يتوعَّدهم: {وذَرْنِي والمكذِّبينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ ومَهِّلْهُمْ قليلاً * إنَّ لَدَينا أَنْكَالاً وجحيماً} (73 المُزَّمل آية 11ـ12) وقال أيضاً: {ذَرْنِي ومن خَلَقتُ وحيداً * وجعَلْتُ له مالاً ممدوداً * وبَنِينَ شُهوداً * ومَهَّدت له تمهيداً * ثمَّ يطمعُ أن أَزيدَ * كلاَّ إنَّه كان لآياتنا عنيداً * سأُرْهِقُهُ صَعُوداً} (74 المُدَّثر آية 11ـ17) وهكذا فإنك ترى أن هذه النعم الدنيوية ما هي إلا امتحان يريد الله به اختبارنا أيُّنا أحسن عملاً، ومع ذلك فإنه تعالى يختصُّ برحمته من يشاء لنفسه الهداية، فيهديه إلى سواء السبيل. إن نداء الله عامٌّ شامل، وقد نزل القرآن للناس كافَّةً دون تخصيص المؤمنين، لذلك فهو يدعوهم جميعاً إلى تدبُّره، سواء من سمع هذه الدعوة من الرسول صلى الله عليه وسلم ، أم مِنَ الدعاة بعده إلى أن تقوم الساعة؛ فقد أرسل الله القرآن هدىً ونوراً، ولو أن الناس اطَّلعوا على ما في ثناياه من الحكمة والموعظة لم يخالفوه، ومن سلك سبيل الحقِّ وصدَّق بما جاء من عند الله فإن الفائدة عائدة إليه، ومن اعْوَجَّ وأعرض، فإن وبال ضلاله عائد على نفسه، بما يفوته من فوائد الاهتداء، وما يصيبه من العذاب. إنها دعوة صريحة وواضحة، ولكلٍّ أن يختار لنفسه ما يشاء، وما الرسول أو الداعي إلا مبلِّغين عن الله، وليسا مكلَّفين بسوق الناس إلى الهدى كُرْهاً، بل إنَّ أمْرَ هداهم وضلالهم موكَّل إلى إرادتهم واختيارهم، وقد كتب الله لهم أو عليهم ما علمه من اختيارهم، ضمن إطار إرادته سبحانه، فلا يحدث شيء في هذا الكون إلا بإرادته.
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
#96
|
|||
|
|||
![]() جزاك الله خير الجزاء يا أخي
وفقك الله لكل خير وجعله في موازين حسناتك وحبذا ذكر المراجع فهي تقوي الموضوع اقتباس:
تأكد أخي الكريم أن الكثير يتابع ولكنهم لا يعلقون فقط فعدد المشاهدات للموضوع يزداد ولله الحمد ![]()
__________________
تبسم .. وخل عنك الهموم وتذكر .. إن البسمة مفتاح القلوب ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
#97
|
||||
|
||||
![]() اقتباس:
جزاك الله خيرا أخي الكريم لمرورك وتعليقك بالنسبة للمراجع فهذا الكلام مأخوذ من تفسير ابن كثير وعدة تفاسير بالإضافة إلى كلام بعض المشائخ بالنسبة للمتابعة فنحن لا نبتغي إلا الأجر من الله والفائده
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
#98
|
||||
|
||||
![]() وحدة الكلمة والاعتصام بحبل الله المتين قال الله تعالى: {إنَّ الَّذين فرَّقوا دينَهُمْ وكانوا شِيَعاً لست منهم في شيءٍ إنَّما أمرُهم إلى الله ثمَّ ينبِّئُهم بما كانوا يفعلون(159)}سورة الأنعام(6) ومضات: ـ إن شريعة الإسلام تهدف إلى توحيد الشعوب وإذابة عوامل التفرقة بينها، ونشر لواء الأخُوَّة والمحبَّة بين أفرادها؛ لذا كان من المستغرب حقاً أن تظهر قوى مفرِّقة ومصدِّعة لهذه الوحدة الإيمانية الإنسانية باسم الدِّين، ودافعها الخلافات السياسية والمذهبية. ـ إن الفئات المتصلِّبة المصرَّة على التفرقة ليست من شرع الله في شيء، ورسول الله بريء منها إلى يوم القيامة. في رحاب الآيات: إن تعاليم السماء كلَّها وحدة متَّصلة، يأخذ بعضها بيد بعض في نسق منسجم ومنهج سليم، وكلُّها تدعو إلى وحدانيَّة الله ونشر السلام على الأرض، ولكنَّ عقول الناس متباينة في مدى فهمها واستيعابها لهذه التعاليم. لذلك نرى بعض الفئات تتقارب، إمَّا بسبب طبيعتها المتشابهة أو بسبب مصالحها المشتركة، وتتَّخذ لنفسها منحىً مذهبيّاً خاصّاً يبعدها عن منهج الصالح العام، فتتشعَّب الطرق أمام الناس ويضيعون في متاهات التعصُّب، وهذه الفرق تبني لنفسها قواعد فكرية تخالف بها غيرها من المجموعات، ولا تلبث أن تتحوَّل إلى قوالب فكرية جامدة متحجِّرة، تكفِّر غيرها وتناصبه العداء، مُعْرِضَةً عن الحوار العقلاني النزيه، مستبدَّةً بأفكارها، محدثة ما لم يكن في صلب العقيدة، وضاربة حول ذاتها سوراً يمنعها من التواصل مع الآخرين. وهذه الفرق تُعَدُّ أداة هدم في وحدة المجتمع، وعوامل تفرقة وتشرذم، وهي بعيدة عن الدِّين، وإن كانت في الظاهر تدعو إليه، روى بقيَّة بن الوليد بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «إن الَّذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً، إنما هم أصحاب البدع، وأصحاب الأهواء، وأصحاب الضلالة من هذه الأمَّة، ياعائشة. إن لكلِّ صاحب ذَنْب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليست لهم توبة، وأنا منهم بريء، وهم مني بُرآء» (أخرجه الترمذي وابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهم). وما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم التوبة عنهم إلا لعِظم ذَنْبهم الَّذي أصاب من وحدة الأمَّة مقتلاً، وأوردها موارد الضعف والتهلكة، فأيُّ استغفار ينفع في ذلك، وأيُّ توبة تفيد هؤلاء؟ والله ينذرهم بأنه سيجازيهم على مفارقة دينهم، ويذيق بعضهم بأس بعض، ويسلِّط عليهم أعداءهم ويذيقهم ألوان الذلِّ والهوان. وذلك ما لم يرجعوا عن غيِّهم، وينخرطوا من جديد في صفوف المجتمع الإسلامي الواحد، نابذين خلافاتهم وأحقادهم، متخلِّين عن أهوائهم، عازمين على اتِّباع ما يرضي ربَّهم، قال تعالى: {ولا تكونوا كالَّذين تَفَرَّقوا واختلفوا من بعد ما جاءَهُمُ البيِّناتُ وأولئك لهم عذابٌ عظيم} (3 آل عمران آية 105). فالوحدة سُنَّةُ الإسلام وفريضته، والفرقة والتمزُّق بدعة الجاهلية، والمسلمون أمَّة واحدة؛ إلَهُهم واحد، ونبيُّهم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، الأخوَّة شعارهم، والجماعة سِمةٌ في عباداتهم، والجمعة يوم عظيم من أيام أعيادهم؛ يجتمعون فيه على طاعة الله والاعتصام بحبله، وهم يبتغون بعد ذلك ما يشاؤون من عطائه وفضله. والحجُّ أكبرَ تجمُّع إيماني لهم، لحلِّ مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، ودعم وحدتهم وتوحيد صفوفهم، إضافة لسموِّهم الروحي والأخلاقي.
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
#99
|
||||
|
||||
![]() وحدة الكلمة والاعتصام بحبل الله المتين قال الله تعالى: {ياأيُّهَا الَّذين آمَنوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَموتُنَّ إلاَّ وأنتُم مسلِمُونَ(102) واعتَصِموا بحَبْلِ الله جميعاً ولا تَفَرَّقُوا واذكُروا نِعمَةَ الله عليكم إذ كُنتُم أعداءً فألَّفَ بين قُلوبِكُم فأصبَحتُم بنعمَتِهِ إخواناً وكُنتُم على شَفا حُفرةٍ منَ النَّارِ فأنقَذَكُم منها كذلك يُبَيِّنُ الله لكم آياتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ(103)}سورة آل عمران(3) ومضات: ـ تتضمَّن هذه الآيات الكريمة دعوة للمؤمنين كي يجاهدوا أنفسهم، ويستسلموا بكلِّ جوارحهم للإيمان بالله، ويواصلوا العمل حتَّى آخر رمق من حياتهم بما يقتضيه هذا الإيمان. ـ حين تتغلغل محبَّة الله في القلوب، تتفرع عنها محبَّة لسائر مخلوقاته، وبالسير على نهجه القويم، تتوحَّد الخُطا وتتشابك الأيدي في تعاون وأُلفة، تنأى بالمؤمنين عن مهاوي الهلاك والشقاق، وتجعل منهم إخواناً متحابِّين. في رحاب الآيات: يأمر الله تعالى، من خلال هاتين الآيتين جميع المؤمنين في كلِّ أرجاء المعمورة، أن يتركوا الشهوات والشبهات ويزكُّوا أنفسهم، كي يتمكَّن الإيمان من قلوبهم، وتترسَّخ جذوره في أعماقهم، فيستسلموا استسلاماً كاملاً لشريعة السماء، ويخلصوا في العمل من أجل السَّلام والإخاء الإيماني، دون كلل أو ملل حتَّى الرمق الأخير. ويناديهم الله تعالى بهذا النداء المحبَّب: {ياأيُّها الَّذين آمنوا} ليستثير عواطفهم الكريمة، فيتلقَّوا أوامره ونواهيه بقلوب مؤمنة مطمئنة، ومن هذه الأوامر الدعوة إلى التَّقوى؛ وهي أن يُطاعَ الله فلا يُعصى، وأن يُذكرَ فلا يُنسى، وأن يُشكرَ فلا يُكفر، وكلَّما زادت تقوى القلب استيقظ شوقه إلى مقام أرفع ودرجة أرقى. فإذا تمكَّن الإيمان من القلب، وترسَّخت جذوره في صميم النفس، أثمر حالة من حالات الرضا، الَّتي تفجِّر الطاقات الكامنة، وتحرِّك القوى الهاجعة في أعماق الإنسان، فيندفع إلى الخير اندفاع المحبِّ إلى ما يُحِبُّ، ويبتعد عن الشرِّ ابتعاد الكاره عما يكره، وهذه المنزلة لا يصل إليها إلا من اتقى المحارم والشُّبُهات، واقتصد في الشهوات والملذَّات، وجاهد نفسه وتجافى عن الدنيا دار الغرور؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدنيا حلوةٌ خضِرةٌ وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتَّقوا الدنيا..» (رواه مسلم). وتؤكِّد الآية على ضرورة تمسُّك المؤمنين بالتَّقوى، وأن يبقوا على تسليمهم المطلق لله تعالى في جميع أوقات حياتهم وسائر ظروفهم، ليموتوا مسلمين حين انقضاء آجالهم. فمن شبَّ على شيء شاب عليه، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه. والله سبحانه إنما دعا الناس إلى الإسلام لأنه يجمع القلب إلى القلب، ويضمُّ الصفَّ إلى الصفِّ، هادياً لإقامة كيان موحَّد، ونبذ عوامل الفرقة والضعف وأسباب الفشل والهزيمة؛ ليكون لهذا الكيان القدرة على تحقيق الغايات السامية، والمقاصد النبيلة، والأهداف المثلى الَّتي جاءت بها رسالته العظمى. فهو يكوِّن روابط و صِلات بين أفراد المجتمع لتُوجِد هذا الكيان وتُدعِّمه، وهذه الروابط تقوم على الأخوَّة المعتصمة بحبل الله، وهي نعمة يمنُّ الله بها على المجتمع، ويهبها لمن يحبُّ من عباده ويحبُّونه، فما من شيء يجمع القلوب مثلُ الأخوَّة في الله، حيث تتلاشى إلى جانبها الأحقاد القديمة، والأطماع الشخصية، والنزعات العنصرية. قال تعالى: {.. وَمَن يَعْتَصِمْ بالله فَقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (3 آل عمران آية 101). وإذا كانت وحدة الكلمة هي القوَّة الَّتي تحمي دين الله، وتحرس دنيا المسلمين، فإن الفرقة هي الَّتي تقضي على دينهم ودنياهم معاً. ولن يصل المجتمع إلى تماسكه إلا إذا بذل له كلُّ فرد من ذات نفسه، وكان عوناً له في كلِّ أمر، ليصبح أفراده كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الَّذي رواه النعمان بن بشـير رضي الله عنه : «مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجـسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (متفق عليه)، وما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً، وشبَّك بين أصابعه» (متفق عليه). وخير مثال على هذا؛ الأمَّة العربية الَّتي كانت في بدء أمرها فرقاً متعادية وقبائل ممزَّقة، ثمَّ هبَّت عليها نفحة الإسلام فجمعت شتاتها، ووحَّدت كلمتها، فانطلقت إلى غايتها الكبرى في توحيد العالم تحت راية الهداية والعلم والأخلاق الفاضلة، بعد أن عرفت طريقها، وأحكمت خطَّتها، فجنت أطيب الثمرات من وراء الوحدة والاتحاد؛ وأدركت عملياً ـ بعد أن آمنت عقلياً وقلبياً ـ أن الوحدة قوَّة، وأن التفرُّق ضعف، وأنه ما من شدَّة تعرَّضت لها إلا كان سبَبُها الاختلاف والانقسام، لذلك كان همُّ أعدائها أن يتَّبعوا معها سياسة (فرِّق تَسُدْ)، وأوجدوا بذلك الثغرات الَّتي نفذوا من خلالها إلى مآربهم. وقد علَّم الرسول صلى الله عليه وسلم أتباعه كيف يكونون يداً واحدة، وقلباً واحداً في مادياتهم ومعنوياتهم وحركاتهم وسكناتهم، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلِمهُ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُربةً فرَّج الله عنه بها كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة..» (متفق عليه). وقد صوَّر النصُّ القرآني حال القوم حين كانوا متفرِّقين مختلفين، في مشهدٍ حيٍّ متحرِّك تضطرب له القلوب، فمثَلُهم في التفرقة كمثل قوم أشرفوا على هوَّةٍ بركانية ملتهبة، وبينما هم على وشك السقوط في النار إذا بيد العناية الإلهية تمتَدُّ إليهم فتتدارك هلاكهم وتنقذهم، وإذا بحبل الله يؤلِّف بينهم، ويجمع شملهم. فما أجملها من نعمة قد تفضَّل الله بها عليهم، فأكرمهم بالنجاة والخلاص بعد الخطر والترقُّب، وقد بَـيَّن الله تعالى فضله في تأليف تلك القلوب، وإنقاذها من براثن الفرقة والضياع بقوله سبحانه: {..هو الَّذي أيَّدَكَ بنصرِهِ وبالمؤمنين * وألَّف بين قلوبِهِمْ لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألَّفتَ بين قلوبِهِمْ ولكنَّ الله ألَّفَ بينهم إنَّه عزيزٌ حكيمٌ} (8 الأنفال آية 62ـ63)، وبذلك وضَّح الله طريقه الَّذي ارتضاه للناس كي يسلكوه فيهتدوا به إلى سعادة الدارين.
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
#100
|
||||
|
||||
![]() نظرة الإسلام إلى المجتمع الإنساني قال الله تعالى: {ياأيُّها النَّاسُ إنَّا خَلَقْناكُمْ من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شُعُوباً وقبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكرمكُمْ عندَ الله أتقاكُمْ إنَّ الله عليمٌ خبير(13)}سورة الحجرات(49) ومضات: ـ إن مسؤولية بناء المجتمع الإسلامي العالمي تقع على عاتق الرجل والمرأة على السواء. ـ خلق الله تعالى آدم وحواء وجعل من ذريَّتهما الشعوب والقبائل والأجناس والألوان، فالناس كلُّهم إخوة، لذلك فلابدَّ لجسور التوادد والتواصل من أن تبقى قائمة بينهم، فلا تفاضل بين لون وآخر، أو عرق وآخر، بل مساواة بين الجميع أمام الله تعالى؛ الَّذي يُكرَمُ الناس لديه على درجة تقواهم، فمن نال شرف التَّقوى حصل على وسام مرضاة الله، والله أعلم بأعمال مخلوقاته خبير بنواياهم. في رحاب الآيات: في ثنايا الآية الكريمة معنى الخطاب الإلهي الموجَّه للبشر جميعاً: يا أيُّها الناس! نحن خلقناكم بقدرتنا من أصل واحد، وأوجدناكم من أب وأم، فلا تفاخر بالأجداد والآباء، ولا اعتداد بالحسب والنسب، كلُّكم لآدم وآدم من تراب. وجعلناكم شعوباً شتَّى، وقبائل متعددة ليحصل بينكم التعارف والتآلف، ويتلاشى التناحر والتخالف. أمَّا اختلاف الألسنة والألوان، وتباين الطباع والأخلاق، وتفاوت المواهب والاستعدادات، فإنما هو تنوُّع لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف، والعمل على نهوض المجتمع الإنساني وتحقيق الخلافة في الأرض. لذلك لا يكون التفاضل بين الناس بالأحساب والأنساب، بل بالتَّقوى والعمل الجادِّ المخلص، فمن أراد شرفاً في الدنيا، ومنزلة في الآخرة فليتَّق الله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «من سرَّهُ أن يكون أكرم الناس فليتَّقِ الله» (رواه الترمذي وقال حسن صحيح). والتَّقوى معناها مراعاة حدود الله تعالى أمراً ونهياً، والاتِّصاف بما يرضيه عنَّا. وقد رفع الإسلام لواء التَّقوى لينقذ البشرية من عواقب العصبية للجنس، أو للقبيلة، أو للأسرة، بشتَّى الأسماء، وهي في حقيقتها عصبيَّة جاهلية، والإسلام منها براء، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنها: «دعوها فإنها نتنة» (رواه أبو داود)، وقال صلى الله عليه وسلم : «إن الله أذهب نخوة الجاهلية وتكبُّرها بآبائها، كلُّكم لآدم وحواء، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، فإذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه» (أخرجه البيهقي)، وأخرج الترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من اتقى الله أهاب الله منه كلَّ شيء، ومن لم يتَّق الله أهابه الله من كلِّ شيء». وهذه هي القاعدة الَّتي يقوم عليها المجتمع الإسلامي؛ المجتمع الإنساني العالمي الَّذي تحاول البشرية في خيالها المحلِّق أن تحقِّق لوناً من ألوانه ولكنَّها أخفقت، لأنها لا تسلك الطريق الوحيد الموصل إليه، وهو الطريق إلى الله تعالى. لذلك نجد أن الله جلَّ وعلا يخاطب رسوله الكريم بتلك العبارة الشاملة، الَّتي تتَّسع لتشمل سائر الأجناس والمذاهب والَّتي تنفي التحيُّز أو التعصُّب: {قُلْ أعوذُ بربِّ النَّاس * مَلِكِ النَّاس * إله النَّاس} (114 الناس آية 1ـ3). فالله هو ربُّ الناس جميعاً، والربُّ هو المربِّي والموجِّه والراعي والحامي، وهو ملك الناس جميعاً، والملك هو المالك الحاكم المتصرِّف، وهو إله الناس جميعاً، والإله هو مَنْ وَلِه الكلُّ به ولهجوا باسمه، ونادوا من أعماق قلوبهم أن الحمد لله ربِّ العالمين. ومن هنا نرى أن الإسلام بعد أن وضع القواعد السليمة لبناء النفس المؤمنة، سعى لإشباع نوازع النفس البشرية التوَّاقة إلى الفوز والتفوُّق على الآخرين، فبيَّن أن سبيل التنافس والتسابق ينحصر في المكرمات الَّتي تكسب رضا الله، كما قال تعالى: {…وفي ذلك فليتنافسِ المُتَنافسون} (83 المطففين آية 26) أي في الأسباب الموصلة إلى ذلك النعيم ليَكُنِ التنافس والتسابق، وما أكثر هذه الأسباب كالاستزادة من التخلُّق بالأخلاق الفاضلة قولاً وعملاً، والإكثار من البذل والتضحية والفداء، والإقبال على العلم والتعلُّم بنَهم. وهكذا يأخذ كلُّ مؤمن مكانه في فردوس النعيم حسب جِدِّه وجهده، ولذا كانت الجنَّة درجات، وكانت علِّيون الدرجة العليا الَّتي ينالها أولو الألباب، وهم الصفوة من خواص المحبِّين لحضرة الله، والعاملين الملتزمين بشرعه الخالد الحنيف.
__________________
![]() قـَدْ كـَانَ آخِرَ مَا لـَمَحْتُ عـَلـَي الـْمَـدَي وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجـَلادِ قـَدْ كـَانَ يضْحَـكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلـَــــــهُ وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي وَصَرَخْتُ ..وَالـْكـَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فـَمِي: هَذِي بـِلادٌ .. لمْ تـَعُـــدْ كـَبـِلادِي |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |