باختصار.. المؤثرون وبناء الوعي في الفضاء الرقمي
في عالمٍ يضجُّ بالأفكار، ويتقلب فيه الوعي بين موجاتٍ متناقضة من القيم والتصورات، أصبحت منصّات التواصل الاجتماعي ساحةً مفتوحة، يتكون فيها رأي الشباب، وتتبلور عبرها نظرتهم للحياة والدين والأخلاق، وبين هذا السيل الجارف من المحتوى الموجَّه، تكاثرت عدد من الدعوات المنحرفة التي تمسّ العقيدة والأخلاق والأسرة، حتى صار من الواجب الشرعي والمجتمعي، أن ينهض الإسلاميون المؤثّرون الذين يمتلكون العلم والحكمة والاتزان، ليقيموا جداراً من الممانعة الفكرية في وجه هذا الانحراف الفكري المتدفق، ويتصدون للتشويه بالبيان، ويُطفئون الفتنة بالحكمة والموعظة الحسنة.
ونتيجة لتطور طرائق التأثير في العصر الحديث، أصبح لزاماً على المؤثرين الإسلاميين أن يواكبوا ذلك التطور؛ لبناء وعيٍ مستنير يحمون به الإسلام؛ ويجابهون به كل فكرٍ دخيل يدعو إلى التفلت من القيم والأخلاق؛ فلم تعد المنابر مقتصرة على المساجد والمجالس العلمية فحسب؛ بل أصبحت الهواتف بين أيدي الناس منبرًا مفتوحًا، يُعرض من خلاله الغث والسمين . لقد أمر الله -تعالى- في كتابه الكريم بالمجاهدة الفكرية، فقال -تعالى-: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}(الفرقان:52)؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: «فهذه سورة مكية، أمر فيها بجهاد الكفار، بالحجة، والبيان، وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين، إنما هو بتبليغ الحُجة» ، وينبغي أن تكون تلك المجاهدة بالحكمة، كما قال -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل:125)، وهذا أصلٌ في الدعوة القائمة على الوعي والإقناع، لا على الحدّة والصدام. ويؤكد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الكلمة قد تكون سبيل هداية، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: «من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه...»، وهذا الحديث يفتح الباب واسعًا أمام كل من يستطيع أن يقدّم محتوى نافعًا، يوقظ القلوب ويهدي العقول. وهنا سؤال يفرض نفسه: لماذا يحتاج الفضاء الرقمي إلى قيام المؤثرين الإسلاميين بواجبهم في سد هذا الثغر العظيم؟ - أولاً: وجودهم ضروري لمواجهة طوفان الانحرافات؛ فالمحتوى المنحرف فكرياً وأخلاقياً، ينتشر بسرعة مقارنة بالمحتوى الهادف، وهذا الفضاء الفسيح إذا خلا من أهل الحق، ملأه أهل الباطل.
- ثانيًا: لتحصين الشباب وتبصيرهم؛ إذ إن بعض الشباب يعيش حالة من الانبهار الرقمي، ويواجه أسئلة وجودية وشبهات متجددة، والإسلاميون الواعون القادرون على مخاطبة الشباب بلغة قريبة وأسلوب عصري، هم الأقدر على هدايتهم وتحصينهم.
- ثالثًا: لبناء خطاب إسلامي معتدل ومتوازن؛ فالخطاب الإسلامي عبر المنصات الرقمية يحتاج إلى من يجمع بين أصالة العلم وروح العصر؛ فيقدم الإسلام في صورته الراقية التي أرادها الله -تعالى-، من: الرحمة، والعدل، والطمأنينة، وحسن المعاملة؛ فالدعوة ليست نفيًا للباطل فحسب، بل إثباتًا للحق ونشرًا له.
وينبغي لهؤلاء المؤثرين أن يتصفوا بصفات معينة، أهمها العلم الراسخ الذي يقيهم من الانزلاق في الفتاوى الشاذة، ويمكنهم من الردّ على الشبهات ومواجهة الانحرافات، بأسلوب رفيع ولغة قريبة من الشباب، ومصداقية وأخلاق تُجسد القيم التي يدعون إليها. كما إنه لابد لهم أن يمتلكوا الإبداع الإعلامي، وأساليب صناعة المحتوى الجذاب؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ اللهَ -تعالى- يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ». - إن مواجهة الانحرافات الفكرية ليست عملاً فرديا فقط، بل هي مشروع يحتاج إلى ما يلي:
-دعم المؤسسات الإسلامية. -تدريب الشباب على مهارات الإعلام الحديث. -إنتاج محتوى محترف ينافس المحتوى الموازي. -إنشاء قاعدة بيانات علمية للرد على الشبهات المتداولة. -تعزيز التعاون بين العلماء الربانيين وصنّاع المحتوى؛ فالمسؤولية جماعية، ويجب أن يكون لأهل الحقّ حضورٌ قوي في منصات التأثير، ولابد أنْ يعي القائمون بالممانعة الفكرية، أنها ليست حالة صدامية، بل هي وعيٌ ينافح، وعقلٌ يحلل، وقلبٌ يغار على دين الله -عز وجل-.
اعداد: وائل رمضان