تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) - الصفحة 57 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 551 - عددالزوار : 23958 )           »          الإسلام في أفريقيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 5405 )           »          حدث في الثامن من ذي القعدة 669 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          كيف نحصن شبابنا من الآراء الشاذة؟؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          خلاف العلماء في حكم استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          من مائدة الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 9638 )           »          الفرع الأول: أحكام اجتناب النجاسات، وحملها والاتصال بها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          من قام من نومه فوجد بللًا في ثوبه هل يجب عليه الغسل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الحديث الرابع والعشرون: حقيقة التوكل على الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          تفسير سورة الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #561  
قديم 10-12-2025, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة الزلزلة

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (561)


تفسير سورة إذا زلزلت وهي مكية .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد ، حدثنا عياش بن عباس ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله . قال له : " اقرأ ثلاثا من ذات الر " . فقال له الرجل : كبر سني واستد قلبي ، وغلظ لساني . قال : " فاقرأ من ذات حم " ، فقال مثل مقالته الأولى . فقال : " اقرأ ثلاثا من المسبحات " ، فقال مثل مقالته . فقال الرجل : ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة . فأقرأه : " إذا زلزلت الأرض زلزالها " حتى إذا فرغ منها قال الرجل : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد عليها أبدا . ثم أدبر الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفلح الرويجل! أفلح الرويجل! " ثم قال : " علي به " . فجاءه فقال له : " أمرت بيوم الأضحى جعله الله عيدا لهذه الأمة " . فقال له الرجل : أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى فأضحي بها ؟ قال : " لا ، ولكنك تأخذ من شعرك ، وتقلم أظفارك ، وتقص شاربك ، وتحلق عانتك ، فذاك تمام أضحيتك عند الله عز وجل " .

وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ به .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن موسى الحرشي البصري : حدثنا الحسن بن سلم بن صالح العجلي ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ " إذا زلزلت " عدلت له بنصف القرآن " . ثم قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن سلم .

وقد رواه البزار ، عن محمد بن موسى الحرشي ، عن الحسن بن سلم ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن ، و " إذا زلزلت " تعدل ربع القرآن " . هذا لفظه .

وقال الترمذي أيضا : حدثنا علي بن حجر ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا يمان بن المغيرة العنزي ، حدثنا عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " إذا زلزلت " تعدل نصف القرآن ، و " قل هو الله أحد " تعدل ثلث القرآن ، و " قل يا أيها الكافرون " تعدل ربع القرآن " . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة

[ ص: 460 ]

وقال أيضا : حدثنا عقبة بن مكرم العمي البصري ، حدثني ابن أبي فديك ، أخبرني سلمة بن وردان ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه : " هل تزوجت يا فلان ؟ " قال : لا والله يا رسول الله ، ولا عندي ما أتزوج ؟! قال : " أليس معك " قل هو الله أحد " ؟ " . قال : بلى . قال : " ثلث القرآن " . قال : " أليس معك " إذا جاء نصر الله والفتح " ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك " قل يا أيها الكافرون " ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك " إذا زلزلت الأرض " ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " تزوج ، [ تزوج ] . ثم قال : هذا حديث حسن .

تفرد بهن ثلاثتهن الترمذي لم يروهن غيره من أصحاب الكتب .

بسم الله الرحمن الرحيم

( إذا زلزلت الأرض زلزالها ( 1 ) وأخرجت الأرض أثقالها ( 2 ) وقال الإنسان ما لها ( 3 ) يومئذ تحدث أخبارها ( 4 ) بأن ربك أوحى لها ( 5 ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ( 6 ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( 7 ) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( 8 ) )

قال ابن عباس : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) أي : تحركت من أسفلها . ( وأخرجت الأرض أثقالها ) يعني : ألقت ما فيها من الموتى . قاله غير واحد من السلف . وهذه كقوله تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) [ الحج : 1 ] وكقوله ( وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت ) [ الانشقاق : 3 ، 4 ] .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، فيجيء القاتل فيقول : في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول : في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا " .

وقوله : ( وقال الإنسان ما لها ) أي : استنكر أمرها بعد ما كانت قارة ساكنة ثابتة ، وهو مستقر على ظهرها ، أي : تقلبت الحال ، فصارت متحركة مضطربة ، قد جاءها من أمر الله ما قد أعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه ، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين ، وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدلت الأرض غير الأرض والسموات ، وبرزوا لله الواحد القهار .

وقوله : ( يومئذ تحدث أخبارها ) أي : تحدث بما عمل العاملون على ظهرها .

[ ص: 461 ]

قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك - وقال الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ، واللفظ له : حدثنا سويد بن نصر ، أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( يومئذ تحدث أخبارها ) قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها " .

ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .

وفي معجم الطبراني من حديث ابن لهيعة : حدثني الحارث بن يزيد - سمع ربيعة الجرشي - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا ، إلا وهي مخبرة " .

وقوله : ( بأن ربك أوحى لها ) قال البخاري : أوحى لها وأوحى إليها ، ووحى لها ووحى إليها : واحد وكذا قال ابن عباس : ( أوحى لها ) أي : أوحى إليها .

والظاهر أن هذا مضمن [ بمعنى ] أذن لها .

وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة عن ابن عباس : ( يومئذ تحدث أخبارها ) قال : قال لها ربها : قولي ، فقالت .

وقال مجاهد : ( أوحى لها ) أي : أمرها . وقال القرظي : أمرها أن تنشق عنهم .

وقوله : ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) أي : يرجعون عن مواقف الحساب ( أشتاتا ) أي : أنواعا وأصنافا ، ما بين شقي وسعيد ، مأمور به إلى الجنة ، ومأمور به إلى النار .

قال ابن جريج : يتصدعون أشتاتا فلا يجتمعون آخر ما عليهم .

وقال السدي : ( أشتاتا ) فرقا .

وقوله تعالى : ( ليروا أعمالهم ) أي : ليعملوا ويجازوا بما عملوه في الدنيا ، من خير وشر . ولهذا قال : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )

قال البخاري : حدثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ; فأما الذي له أجر ، فرجل ربطها في سبيل الله فأطال طيلها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك في المرج والروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو [ ص: 462 ] شرفين ، كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك حسنات له ، وهي لذلك الرجل أجر . ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر . ورجل ربطها فخرا ورئاء ونواء ، فهي على ذلك وزر " . فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر ، فقال : " ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الفاذة الجامعة : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) .

ورواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا جرير بن حازم ، حدثنا الحسن عن صعصعة بن معاوية - عم الفرزدق - : أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال : حسبي ! لا أبالي ألا أسمع غيرها .

وهكذا رواه النسائي في التفسير ، عن إبراهيم بن يونس بن محمد المؤدب ، عن أبيه ، عن جرير بن حازم ، عن الحسن البصري قال : حدثنا صعصعة عم الفرزدق ، فذكره .

وفي صحيح البخاري ، عن عدي مرفوعا : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة " وفي الصحيح : " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط " وفي الصحيح أيضا : " يا نساء المؤمنات ، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة " يعني : ظلفها . وفي الحديث الآخر : " ردوا السائل ولو بظلف محرق " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا عائشة ، استتري من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان " . تفرد به أحمد .

وروي عن عائشة أنها تصدقت بعنبة ، وقالت : كم فيها من مثقال ذرة .

وقال أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا سعيد بن مسلم ، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير ، [ ص: 463 ] حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل : أن عائشة أخبرته : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يا عائشة ، إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا " .

ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سعيد بن مسلم بن بانك به .

وقال ابن جرير : حدثني أبو الخطاب الحساني ، حدثنا الهيثم بن الربيع ، حدثنا سماك بن عطية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة عن أنس قال : كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فرفع أبو بكر يده وقال : يا رسول الله ، إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر ؟ فقال : " يا أبا بكر ، ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة " .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه [ عن ] أبي الخطاب به . ثم قال ابن جرير :

حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب قال : في كتاب أبي قلابة ، عن أبي إدريس : أن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره .

ورواه أيضا عن يعقوب ، عن ابن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة : أن أبا بكر ، وذكره .

طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لما نزلت : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) وأبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، قاعد ، فبكى حين أنزلت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك يا أبا بكر ؟ " . قال : يبكيني هذه السورة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم ، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم " .

حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة وعلي بن عبد الرحمن بن [ محمد بن ] المغيرة - المعروف بعلان المصري - ، قالا : حدثنا عمرو بن خالد الحراني ، حدثنا ابن لهيعة ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : لما أنزلت : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قلت : يا رسول الله ، إني لراء عملي ؟ قال : " نعم " . قلت : تلك الكبار الكبار ؟ قال : " نعم " . قلت : الصغار الصغار ؟ قال : " نعم " . قلت : واثكل أمي . قال : " أبشر يا أبا سعيد ; فإن الحسنة بعشر أمثالها - يعني إلى [ ص: 464 ] سبعمائة ضعف - ويضاعف الله لمن يشاء ، والسيئة بمثلها أو يغفر الله ، ولن ينجو أحد منكم بعمله " . قلت : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة " قال أبو زرعة : لم يرو هذا غير ابن لهيعة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وذلك لما نزلت هذه الآية : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) [ الإنسان : 8 ] ، كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل الذي أعطوه ، فيجيء المسكين إلى أبوابهم فيستقلون أن يعطوه التمرة والكسرة والجوزة ونحو ذلك ، فيردونه ويقولون : ما هذا بشيء . إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه . وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير : الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك ، يقولون : إنما وعد الله النار على الكبائر . فرغبهم في القليل من الخير أن يعملوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، وحذرهم اليسير من الشر ، فإنه يوشك أن يكثر ، فنزلت : ( فمن يعمل مثقال ذرة ) يعني : وزن أصغر النمل ( خيرا يره ) يعني : في كتابه ، ويسره ذلك . قال : يكتب لكل بر وفاجر بكل سيئة سيئة واحدة . وبكل حسنة عشر حسنات ، فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمنين أيضا ، بكل واحدة عشر ، ويمحو عنه بكل حسنة عشر سيئات ، فمن زادت حسناته على سيئاته مثقال ذرة دخل الجنة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عمران ، عن قتادة ، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عبد الله بن مسعود ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " . وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة ، فحضر صنيع القوم ، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود ، والرجل يجيء بالعود ، حتى جمعوا سوادا ، وأججوا نارا ، وأنضجوا ما قذفوا فيها .

[ آخر تفسير سورة " إذا زلزلت " ] [ ولله الحمد والمنة ]


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #562  
قديم 10-12-2025, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة العاديات

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (562)


تفسير سورة العاديات وهي مكية .

بسم الله الرحمن الرحيم

( والعاديات ضبحا ( 1 ) فالموريات قدحا ( 2 ) فالمغيرات صبحا ( 3 ) فأثرن به نقعا ( 4 ) فوسطن به جمعا ( 5 ) إن الإنسان لربه لكنود ( 6 ) وإنه على ذلك لشهيد ( 7 ) وإنه لحب الخير لشديد ( 8 ) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ( 9 ) وحصل ما في الصدور ( 10 ) إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( 11 ) )

يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت وضبحت ، وهو : الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو . ( فالموريات قدحا ) يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار .

( فالمغيرات صبحا ) يعني : الإغارة وقت الصباح ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويتسمع أذانا ، فإن سمع وإلا أغار .

[ وقوله ] ( فأثرن به نقعا ) يعني : غبارا في [ مكان ] معترك الخيول .

( فوسطن به جمعا ) أي : توسطن ذلك المكان كلهن جمع .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبدة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عبد الله : ( والعاديات ضبحا ) قال : الإبل .

وقال علي : هي الإبل . وقال ابن عباس : هي الخيل . فبلغ عليا قول ابن عباس ، فقال : ما كانت لنا خيل يوم بدر . قال ابن عباس : إنما كان ذلك في سرية بعثت .

قال ابن أبي حاتم وابن جرير : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس حدثه ، قال : بينا أنا في الحجر جالسا ، جاءني رجل فسألني عن : ( والعاديات ضبحا ) فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم . فانفتل عني فذهب إلى علي رضي الله عنه ، وهو عند سقاية زمزم فسأله عن ( والعاديات ضبحا ) فقال : سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت ابن عباس فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله . قال : اذهب فادعه لي . فلما وقف على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك ، والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد ، فكيف تكون العاديات ضبحا ؟ إنما العاديات ضبحا من عرفة [ ص: 466 ] إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى .

قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه .

وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال : قال علي : إنما ( والعاديات ضبحا ) من عرفة إلى المزدلفة ، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : هي الخيل .

وقد قال بقول علي : إنها الإبل جماعة . منهم : إبراهيم وعبيد بن عمير وبقول ابن عباس آخرون ، منهم : مجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك . واختاره ابن جرير .

قال ابن عباس وعطاء : ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب .

وقال ابن جريج ، عن عطاء : سمعت ابن عباس يصف الضبح : أح أح .

وقال أكثر هؤلاء في قوله : ( فالموريات قدحا ) يعني : بحوافرها . وقيل : أسعرن الحرب بين ركبانهن . قاله قتادة .

وعن ابن عباس ومجاهد : ( فالموريات قدحا ) يعني : مكر الرجال .

وقيل : هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل .

وقيل : المراد بذلك : نيران القبائل .

وقال من فسرها بالخيل : هو إيقاد النار بالمزدلفة .

وقال ابن جرير : والصواب الأول ; أنها الخيل حين تقدح بحوافرها .

وقوله ( فالمغيرات صبحا ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني إغارة الخيل صبحا في سبيل الله .

وقال من فسرها بالإبل : هو الدفع صبحا من المزدلفة إلى منى .

وقالوا كلهم في قوله : ( فأثرن به نقعا ) هو : المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار ، إما في حج أو غزو .

وقوله : ( فوسطن به جمعا ) قال العوفي ، عن ابن عباس ، وعطاء ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك : يعني جمع الكفار من العدو .

ويحتمل أن يكون : فوسطن بذلك المكان جميعهن ، ويكون ( جمعا ) منصوبا على الحال المؤكدة .

وقد روى أبو بكر البزار هاهنا حديثا [ غريبا جدا ] فقال : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا حفص بن جميع ، حدثنا سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا [ ص: 467 ] فأشهرت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت : ( والعاديات ضبحا ) ضبحت بأرجلها ( فالموريات قدحا ) قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارا ( فالمغيرات صبحا ) صبحت القوم بغارة ( فأثرن به نقعا ) أثارت بحوافرها التراب ( فوسطن به جمعا ) قال : صبحت القوم جميعا .

وقوله : ( إن الإنسان لربه لكنود ) هذا هو المقسم عليه ، بمعنى : أنه لنعم ربه لجحود كفور .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وأبو الجوزاء ، وأبو العالية ، وأبو الضحى ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن قيس ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وابن زيد : الكنود : الكفور . قال الحسن : هو الذي يعد المصائب ، وينسى نعم ربه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : " الكفور الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده " .

ورواه ابن أبي حاتم ، من طريق جعفر بن الزبير - وهو متروك - فهذا إسناد ضعيف . وقد رواه ابن جرير أيضا من حديث حريز بن عثمان ، عن حمزة بن هانئ ، عن أبي أمامة موقوفا .

وقوله : ( وإنه على ذلك لشهيد ) قال قتادة وسفيان الثوري : وإن الله على ذلك لشهيد . ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان ، قاله محمد بن كعب القرظي ، فيكون تقديره : وإن الإنسان على كونه كنودا لشهيد ، أي : بلسان حاله ، أي : ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله ، كما قال تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ التوبة : 17 ]

وقوله : ( وإنه لحب الخير لشديد ) أي : وإنه لحب الخير - وهو : المال - لشديد . وفيه مذهبان :

أحدهما : أن المعنى : وإنه لشديد المحبة للمال .

والثاني : وإنه لحريص بخيل ; من محبة المال . وكلاهما صحيح .

ثم قال تعالى مزهدا في الدنيا ، ومرغبا في الآخرة ، ومنبها على ما هو كائن بعد هذه الحال ، وما يستقبله الإنسان من الأهوال : ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ) أي : أخرج ما فيها من الأموات ( وحصل ما في الصدور ) قال ابن عباس وغيره : يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير ) أي : لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ، مجازيهم عليه أوفر الجزاء ، ولا يظلم مثقال ذرة . آخر [ تفسير ] سورة " والعاديات " ولله الحمد [ والمنة ، وحسبنا الله ]


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #563  
قديم 10-12-2025, 07:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة القارعة

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (563)


تفسير سورة القارعة وهي مكية .

بسم الله الرحمن الرحيم

( القارعة ( 1 ) ما القارعة ( 2 ) وما أدراك ما القارعة ( 3 ) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( 4 ) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( 5 ) فأما من ثقلت موازينه ( 6 ) فهو في عيشة راضية ( 7 ) وأما من خفت موازينه ( 8 ) فأمه هاوية ( 9 ) وما أدراك ما هيه ( 10 ) نار حامية ( 11 ) )

( القارعة ) من أسماء يوم القيامة ، كالحاقة ، والطامة ، والصاخة ، والغاشية ، وغير ذلك .

ثم قال معظما أمرها ومهولا لشأنها : ( وما أدراك ما القارعة ) ؟ ثم فسر ذلك بقوله : ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) أي : في انتشارهم وتفرقهم ، وذهابهم ومجيئهم ، من حيرتهم مما هم فيه ، كأنهم فراش مبثوث كما قال في الآية الأخرى : ( كأنهم جراد منتشر )

وقوله : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) يعني : قد صارت كأنها الصوف المنفوش ، الذي قد شرع في الذهاب والتمزق .

قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، والضحاك ، والسدي : " العهن " الصوف .

ثم أخبر تعالى عما يئول إليه عمل العاملين ، وما يصيرون إليه من الكرامة أو الإهانة ، بحسب أعمالهم ، فقال : ( فأما من ثقلت موازينه ) أي : رجحت حسناته على سيئاته ( فهو في عيشة راضية ) يعني : في الجنة . ( وأما من خفت موازينه ) أي : رجحت سيئاته على حسناته .

وقوله : ( فأمه هاوية ) قيل : معناه : فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم . وعبر عنه بأمه - يعني دماغه - روي نحو هذا عن ابن عباس ، وعكرمة ، وأبي صالح ، وقتادة - قال قتادة : يهوي في النار على رأسه ، وكذا قال أبو صالح : يهوون في النار على رءوسهم .

وقيل : معناه : ( فأمه ) التي يرجع إليها ، ويصير في المعاد إليها ( هاوية ) وهي اسم من أسماء النار .

قال ابن جرير : وإنما قيل : للهاوية أمه ; لأنه لا مأوى له غيرها .

[ ص: 469 ]

وقال ابن زيد : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها ، وقرأ : ( ومأواهم النار ) [ آل عمران : 151 ] .

قال ابن أبي حاتم : وروي عن قتادة أنه قال : هي النار ، وهي مأواهم . ولهذا قال تعالى مفسرا للهاوية : ( وما أدراك ما هيه نار حامية )

قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين ، فيقولون : روحوا أخاكم ، فإنه كان في غم الدنيا . قال : ويسألونه : وما فعل فلان ؟ فيقول : مات ، أوما جاءكم ؟ فيقولون : ذهب به إلى أمه الهاوية

وقد رواه ابن مردويه من طريق أنس بن مالك مرفوعا ، بأبسط من هذا . وقد أوردناه في كتاب صفة النار ، أجارنا الله منها بمنه وكرمه .

وقوله : ( نار حامية ) أي : حارة شديدة الحر ، قوية اللهيب والسعير .

قال أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . قالوا : يا رسول الله ، إن كانت لكافية . فقال : " إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " .

ورواه البخاري ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك . ورواه مسلم ، عن قتيبة ، عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد به ، وفي بعض ألفاظه : " أنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ، كلهن مثل حرها " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد - وهو ابن سلمة - ، عن محمد بن زياد - سمع أبا هريرة يقول : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : " نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " . فقال رجل : إن كانت لكافية . فقال : " لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا حرا فحرا " .

تفرد به أحمد من هذا الوجه ، وهو على شرط مسلم .

[ ص: 470 ]

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا سفيان ، عن أبي الزياد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وعمرو ، عن يحيى بن جعدة - : " إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد " .

وهذا على شرط الصحة ولم يخرجوه من هذا الوجه ، وقد رواه مسلم في صحيحه من طريق [ ابن أبي الزناد ] .

ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري : " ناركم هذه جزء من سبعين جزءا " .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز - هو ابن محمد الدراوردي - ، عن سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم " .

تفرد به أيضا من هذا الوجه ، وهو على شرط مسلم أيضا .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا معن بن عيسى القزاز ، عن مالك ، عن عمه أبي سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سوادا من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفا " .

وقد رواه أبو مصعب ، عن مالك ولم يرفعه . وروى الترمذي وابن ماجه ، عن عباس الدوري ، عن يحيى ابن أبي بكير : حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة " .

وقد روي هذا من حديث أنس وعمر بن الخطاب .

[ ص: 471 ]

وجاء في الحديث - عند الإمام أحمد - من طريق أبي عثمان النهدي ، عن أنس - وأبي نضرة العبدي ، عن أبي سعيد وعجلان مولى المشمعل ، عن أبي هريرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان يغلي منهما دماغه " .

وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا رب ، أكل بعضي بعضا ، فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف . فأشد ما تجدون في الشتاء من بردها ، وأشد ما تجدون في الصيف من حرها " .

وفي الصحيحين : " إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " .

آخر تفسير سورة " القارعة "

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #564  
قديم 10-12-2025, 07:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة التكاثر

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (564)


تفسير سورة التكاثر وهي مكية .

بسم الله الرحمن الرحيم

( ألهاكم التكاثر ( 1 ) حتى زرتم المقابر ( 2 ) كلا سوف تعلمون ( 3 ) ثم كلا سوف تعلمون ( 4 ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( 5 ) لترون الجحيم ( 6 ) ثم لترونها عين اليقين ( 7 ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( 8 ) )

يقول تعالى : شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها ، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر ، وصرتم من أهلها ؟!

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا زكريا بن يحيى الوقار المصري ، حدثنا خالد بن عبد الدايم ، عن ابن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( ألهاكم التكاثر ) عن الطاعة ( حتى زرتم المقابر ) حتى يأتيكم الموت " .

وقال الحسن البصري : ( ألهاكم التكاثر ) في الأموال والأولاد .

وفي صحيح البخاري في " الرقاق " منه : وقال لنا أبو الوليد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت : ( ألهاكم التكاثر ) يعني : " لو كان لابن آدم واد من ذهب " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة : سمعت قتادة يحدث عن مطرف - يعني ابن عبد الله بن الشخير - عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " ( ألهاكم التكاثر ) يقول ابن آدم : مالي مالي . وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ " .

ورواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق شعبة به .

وقال مسلم في صحيحه : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا حفص بن ميسرة ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول العبد : مالي مالي ؟ وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو تصدق فاقتنى وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " . تفرد به مسلم .

[ ص: 473 ]

وقال البخاري : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، سمع أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتبع الميت ثلاثة ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله " .

وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يهرم ابن آدم وتبقى منه اثنتان : الحرص والأمل " . أخرجاه في الصحيحين .

وذكر الحافظ ابن عساكر ، في ترجمة الأحنف بن قيس - واسمه الضحاك - أنه رأى في يد رجل درهما فقال : لمن هذا الدرهم ؟ فقال الرجل : لي . فقال : إنما هو لك إذا أنفقته في أجر أو ابتغاء شكر . ثم أنشد الأحنف متمثلا قول الشاعر :


أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك


وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة قال : صالح بن حيان ، حدثني عن ابن بريدة في قوله : ( ألهاكم التكاثر ) قال : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث ، تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : فيكم مثل فلان بن فلان ، وفلان ؟ وقال الآخرون مثل ذلك ، تفاخروا بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور . فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان ؟ يشيرون إلى القبر - ومثل فلان ؟ وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل .

وقال قتادة : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) كانوا يقولون نحن أكثر من بني فلان ونحن أعد من بني فلان ، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم .

والصحيح أن المراد بقوله : ( زرتم المقابر ) أي : صرتم إليها ودفنتم فيها ، كما جاء في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده ، فقال : " لا بأس ، طهور إن شاء الله " . فقال : قلت : طهور ؟! بل هي حمى تفور ، على شيخ كبير ، تزيره القبور ! قال : " فنعم إذا " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، أخبرنا حكام بن سلم الرازي ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن الحجاج ، عن المنهال ، عن زر بن حبيش عن علي قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر )

[ ص: 474 ]

ورواه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن حكام بن سلم [ به ] وقال : غريب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سلمة بن داود العرضي ، حدثنا أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز ، فقرأ : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) فلبث هنيهة فقال : يا ميمون ، ما أرى المقابر إلا زيارة ، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله .

قال أبو محمد : يعني أن يرجع إلى منزله - إلى جنة أو نار . وهكذا ذكر أن بعض الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية : ( حتى زرتم المقابر ) فقال : بعث اليوم ورب الكعبة . أي : إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره .

وقوله : ( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ) قال الحسن البصري : هذا وعيد بعد وعيد .

وقال الضحاك : ( كلا سوف تعلمون ) يعني : الكفار ( ثم كلا سوف تعلمون ) يعني : أيها المؤمنون .

وقوله : ( كلا لو تعلمون علم اليقين ) أي : لو علمتم حق العلم ، لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة ، حتى صرتم إلى المقابر .

ثم قال : ( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) هذا تفسير الوعيد المتقدم ، وهو قوله : ( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ) توعدهم بهذا الحال ، وهي رؤية النار التي إذا زفرت زفرة خر كل ملك مقرب ، ونبي مرسل على ركبتيه ، من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال ، على ما جاء به الأثر المروي في ذلك .

وقوله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) أي : ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم ، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك . ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا زكريا بن يحيى الخزاز المقري ، حدثنا عبد الله بن عيسى أبو خالد الخزاز ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة ، فوجد أبا بكر في المسجد فقال : " ما أخرجك هذه الساعة ؟ " قال : أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله . قال : وجاء عمر بن الخطاب فقال : " ما أخرجك يا ابن الخطاب ؟ " قال أخرجني الذي أخرجكما . قال : فقعد عمر وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهما ، ثم قال : " هل بكما من قوة ، تنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعاما وشرابا [ ص: 475 ] وظلا ؟ " قلنا : نعم . قال : " مروا بنا إلى منزل ابن التيهان أبي الهيثم الأنصاري " . قال : فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا ، فسلم واستأذن - ثلاث مرات - وأم الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام ، تريد أن يزيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلام ، فلما أراد أن ينصرف خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم ، فقالت : يا رسول الله ، قد - والله - سمعت تسليمك ، ولكن أردت أن تزيدنا من سلامك . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيرا " . ثم قال : " أين أبو الهيثم ؟ لا أراه " . قالت : يا رسول الله ، هو قريب ذهب يستعذب الماء ، ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء الله ، فبسطت - بساطا تحت شجرة ، فجاء أبو الهيثم ففرح بهم وقرت عيناه بهم ، فصعد على نخلة فصرم لهم أعذاقا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسبك يا أبا الهيثم " . قال : يا رسول الله ، تأكلون من بسره ، ومن رطبه ، ومن تذنوبه ، ثم أتاهم بماء فشربوا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " هذا غريب من هذا الوجه .

وقال ابن جرير : حدثني الحسين بن علي الصدائي ، حدثنا الوليد بن القاسم ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : بينما أبو بكر وعمر جالسان ، إذ جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما أجلسكما هاهنا ؟ " قالا : والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع . قال : " والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره " . فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار فاستقبلتهم المرأة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " أين فلان ؟ " فقالت : ذهب يستعذب لنا ماء . فجاء صاحبهم يحمل قربته فقال : مرحبا ، ما زار العباد شيء أفضل من شيء زارني اليوم . فعلق قربته بكرب نخلة وانطلق فجاءهم بعذق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا كنت اجتنيت " ؟ فقال : أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم . ثم أخذ الشفرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إياك والحلوب ؟ " فذبح لهم يومئذ ، فأكلوا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتسألن عن هذا يوم القيامة . أخرجكم من بيوتكم الجوع ، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا ، فهذا من النعيم " .

ورواه مسلم من حديث يزيد بن كيسان به ، ورواه أبو يعلى ، وابن ماجه من حديث المحاربي ، عن يحيى بن عبيد الله ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بكر الصديق به ، وقد رواه أهل السنن الأربعة ، من حديث عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، بنحو من هذا السياق وهذه القصة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا حشرج ، عن أبي نصرة ، عن أبي عسيب - يعني [ ص: 476 ] مولى رسول الله - قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بي ، فدعاني فخرجت إليه ، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه ، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه ، فانطلق حتى أتى حائطا لبعض الأنصار ، فقال لصاحب الحائط : " أطعمنا " . فجاء بعذق فوضعه ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم دعا بماء بارد فشرب ، وقال : " لتسألن عن هذا يوم القيامة " . قال : فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض ، حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا رسول الله ، إنا لمسئول عن هذا يوم القيامة ؟ قال : " نعم ، إلا من ثلاثة : خرقة لف بها الرجل عورته ، أو كسرة سد بها جوعته ، أو جحر تدخل فيه من الحر والقر " تفرد به أحمد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، حدثنا عمار : سمعت جابر بن عبد الله يقول : أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطبا ، وشربوا ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " .

ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة [ عن عمار بن أبي عمار ، عن جابر ] به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن صفوان بن سليم ، عن محمود بن الربيع قال : لما نزلت : ( ألهاكم التكاثر ) فقرأ حتى بلغ : ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) قالوا : يا رسول الله ، عن أي نعيم نسأل ؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر ، وسيوفنا على رقابنا ، والعدو حاضر ، فعن أي نعيم نسأل ؟ قال أما إن ذلك سيكون " .

وقال أحمد : حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا معاذ بن عبد الله بن خبيب ، عن أبيه ، عن عمه قال : كنا في مجلس فطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء ، فقلنا : يا رسول الله ، نراك طيب النفس . قال : " أجل " . قال : ثم خاض الناس في ذكر الغنى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا بأس بالغنى لمن اتقى الله ، والصحة لمن اتقى الله خير من الغنى ، وطيب النفس من النعيم " .

ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن خالد بن مخلد ، عن عبد الله بن سليمان به .

وقال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا شبابة ، عن عبد الله بن العلاء ، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم الأشعري قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يسأل عنه - يعني يوم القيامة - العبد من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ، ونروك من الماء البارد ؟ " .

[ ص: 477 ]

تفرد به الترمذي . ورواه ابن حبان في صحيحه ، من طريق الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن العلاء بن زير به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا مسدد ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن عمرو ، عن يحيى بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال الزبير : لما نزلت : ( [ ثم ] لتسألن يومئذ عن النعيم ) قالوا : يا رسول الله ، لأي نعيم نسأل عنه ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ؟ قال : " إن ذلك سيكون " . وكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث سفيان - هو ابن عيينة - به ، ورواه أحمد عنه ، وقال الترمذي : حسن .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الظهراني ، حدثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : لما نزلت هذه الآية : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قالت الصحابة : يا رسول الله ، وأي نعيم نحن فيه ، وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير ؟ فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم : أليس تحتذون النعال ، وتشربون الماء البارد ؟ فهذا من النعيم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني ، عن ابن أبي ليلى - أظنه عن عامر - عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( [ ثم ] لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : " الأمن والصحة " .

وقال زيد بن أسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) يعني : شبع البطون ، وبارد الشراب ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق ، ولذة النوم . رواه ابن أبي حاتم بإسناده المتقدم ، عنه في أول السورة .

وقال سعيد بن جبير : حتى عن شربة عسل . وقال مجاهد : عن كل لذة من لذات الدنيا . وقال الحسن البصري : نعيم الغداء والعشاء ، وقال أبو قلابة : من النعيم أكل العسل والسمن بالخبز النقي . وقول مجاهد هذا أشمل هذه الأقوال .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال : النعيم : صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله العباد فيما استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) [ الإسراء : 36 ] .

وثبت في صحيح البخاري ، وسنن الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 478 ] " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .

ومعنى هذا : أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين ، لا يقومون بواجبهما ، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه ، فهو مغبون .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، حدثنا أبو حمزة ، عن ليث ، عن أبي فزارة ، عن يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فوق الإزار ، وظل الحائط ، وخبز ، يحاسب به العبد يوم القيامة ، أو يسأل عنه " ثم قال : لا نعرفه إلا بهذا الإسناد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعفان ، قالا : حدثنا حماد - قال عفان في حديثه : قال إسحاق بن عبد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل - قال عفان : يوم القيامة - : يا ابن آدم ، حملتك على الخيل والإبل ، وزوجتك النساء ، وجعلتك تربع وترأس ، فأين شكر ذلك ؟ " تفرد به من هذا الوجه .

آخر تفسير سورة " التكاثر " [ ولله الحمد والمنة ]


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #565  
قديم 10-12-2025, 07:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة الهمزة

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (565)


تفسير سورة العصر وهي مكية .

ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب [ لعنه الله ] وذلك بعد ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟ قال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة . فقال : وما هي ؟ فقال : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال : وقد أنزل علي مثلها . فقال له عمرو : وما هو ؟ فقال : يا وبر يا وبر ، إنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك حفز نقز . ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب .

وقد رأيت أبا بكر الخرائطي أسند في كتابه المعروف ب " مساوي الأخلاق " ، في الجزء الثاني منه ، شيئا من هذا أو قريبا منه .

والوبر : دويبة تشبه الهر ، أعظم شيء فيه أذناه ، وصدره وباقيه دميم . فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن ، فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان .

وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت عن عبد الله بن حصن [ أبي مدينة ] ، قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا ، لم يتفرقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر " سورة العصر " إلى آخرها ، ثم يسلم أحدهما على الآخر .

وقال الشافعي رحمه الله : لو تدبر الناس هذه السورة ، لوسعتهم . [ ص: 480 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

( والعصر ( 1 ) إن الإنسان لفي خسر ( 2 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( 3 ) )

العصر : الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم ، من خير وشر .

وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : هو العشي ، والمشهور الأول .

فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر ، أي : في خسارة وهلاك ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم ، وعملوا الصالحات بجوارحهم ( وتواصوا بالحق ) وهو أداء الطاعات ، وترك المحرمات ( وتواصوا بالصبر ) على المصائب والأقدار ، وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر .

آخر تفسير سورة " العصر " ولله الحمد والمنة
فسير سورة ويل لكل همزة لمزة وهي مكية .

بسم الله الرحمن الرحيم

( ويل لكل همزة لمزة ( 1 ) الذي جمع مالا وعدده ( 2 ) يحسب أن ماله أخلده ( 3 ) كلا لينبذن في الحطمة ( 4 ) وما أدراك ما الحطمة ( 5 ) نار الله الموقدة ( 6 ) التي تطلع على الأفئدة ( 7 ) إنها عليهم مؤصدة ( 8 ) في عمد ممددة ( 9 ) )

الهماز : بالقول ، واللماز : بالفعل . يعني : يزدري بالناس وينتقص بهم . وقد تقدم بيان ذلك في قوله : ( هماز مشاء بنميم ) [ القلم : 11 ] .

قال ابن عباس : ( همزة لمزة ) طعان معياب . وقال الربيع بن أنس : الهمزة ، يهمزه في وجه ، واللمزة من خلفه . وقال قتادة : يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ، ويأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم .

وقال مجاهد : الهمزة : باليد والعين ، واللمزة : باللسان . وهكذا قال ابن زيد . وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : همزة : لحوم الناس .

ثم قال بعضهم : المراد بذلك الأخنس بن شريق . وقيل غيره . وقال مجاهد : هي عامة .

وقوله : ( الذي جمع مالا وعدده ) أي : جمعه بعضه على بعض ، وأحصى عدده كقوله : ( وجمع فأوعى ) [ المعارج : 18 ] قاله السدي وابن جرير .

وقال محمد بن كعب في قوله : ( جمع مالا وعدده ) ألهاه ماله بالنهار ، هذا إلى هذا ، فإذا كان الليل ، نام كأنه جيفة .

وقوله : ( يحسب أن ماله أخلده ) أي : يظن أن جمعه المال يخلده في هذه الدار ؟ ( كلا ) أي : ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب . ثم قال تعالى : ( لينبذن في الحطمة ) أي : ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم من أسماء النار صفة ; لأنها تحطم من فيها .

ولهذا قال : ( وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) قال ثابت البناني : تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء ، ثم يقول : لقد بلغ منهم العذاب ، ثم يبكي .

[ ص: 482 ]

وقال محمد بن كعب : تأكل كل شيء من جسده ، حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده .

وقوله : ( إنها عليهم مؤصدة ) أي : مطبقة كما تقدم تفسيره في سورة البلد .

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا علي بن سراج ، حدثنا عثمان بن خرزاذ ، حدثنا شجاع بن أشرس ، حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنها عليهم مؤصدة ) قال : " مطبقة " .

وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن أسيد ، عن إسماعيل بن خالد ، عن أبي صالح ، قوله ، ولم يرفعه .

( في عمد ممددة ) قال عطية العوفي : عمد من حديد . وقال السدي : من نار . وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة عن ابن عباس : ( في عمد ممددة ) يعني : الأبواب هي الممدوة .

وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود : إنها عليهم مؤصدة بعمد ممدة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد ، وفي أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب .

وقال قتادة : كنا نحدث أنهم يعذبون بعمد في النار . واختاره ابن جرير .

وقال أبو صالح : ( في عمد ممددة ) يعني القيود الطوال .

آخر تفسير سورة " ويل لكل همزة لمزة "

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #566  
قديم 10-12-2025, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة الفيل

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (566)


تفسير سورة الفيل وهي مكية .

بسم الله الرحمن الرحيم

( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( 1 ) ألم يجعل كيدهم في تضليل ( 2 ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل ( 3 ) ترميهم بحجارة من سجيل ( 4 ) فجعلهم كعصف مأكول ( 5 ) )

هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش ، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل ، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود ، فأبادهم الله ، وأرغم آنافهم ، وخيب سعيهم ، وأضل عملهم ، وردهم بشر خيبة . وكانوا قوما نصارى ، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان . ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال ، ولسان حال القدر يقول : لم ننصركم - يا معشر قريش - على الحبشة لخيريتكم عليهم ، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه ، خاتم الأنبياء .

وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب ، قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس - وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا - هو الذي قتل أصحاب الأخدود ، وكانوا نصارى ، وكانوا قريبا من عشرين ألفا ، فلم يفلت منهم إلادوس ذو ثعلبان ، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام - وكان نصرانيا - فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة ; لكونه أقرب إليهم ، فبعث معه أميرين : أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف ، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار ، واستلبوا الملك من حمير ، وهلك ذو نواس غريقا في البحر . واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران : أرياط وأبرهة فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا ، فقال أحدهما للآخر : إنه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا ، ولكن ابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك . فأجابه إلى ذلك فتبارزا - وخلف كل واحد منهما قناة - فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف ، فشرم أنفه وفمه وشق وجهه ، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله ، ورجع أبرهة جريحا ، فداوى جرحه فبرأ ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن . فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه ، ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته . فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه ، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف ، وبجراب فيها من تراب اليمن ، وجز ناصيته فأرسلها معه ، ويقول في كتابه : ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه [ ص: 484 ] وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك . فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ، ورضي عنه ، وأقره على عمله . وأرسل أبرهة يقول للنجاشي : إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها . فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء ، عالية الفناء ، مزخرفة الأرجاء . سمتها العرب القليس ; لارتفاعها ; لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها . وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ، ونادى بذلك في مملكته ، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك ، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا ، حتى قصدها بعضهم ، وتوصل إلى أن دخلها ليلا . فأحدث فيها وكر راجعا . فلما رأى السدنة ذلك الحدث ، رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة وقالوا له : إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به ، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة ، وليخربنه حجرا حجرا .

وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا ، وكان يوما فيه هواء شديد فأحرقته ، وسقطت إلى الأرض .

فتأهب أبرهة لذلك ، وصار في جيش كثيف عرمرم ; لئلا يصده أحد عنه ، واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله ، يقال له : محمود ، وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لذلك . ويقال : كان معه أيضا ثمانية أفيال . وقيل : اثنا عشر فيلا . وقيل غيره ، والله أعلم . يعني ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان ، وتوضع في عنق الفيل ، ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة . فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا ، ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت ، ورد من أراده بكيد . فخرج إليه رجل [ كان ] من أشراف أهل اليمن وملوكهم ، يقال له " ذو نفر " فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله ، وما يريد من هدمه وخرابه . فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه ، وأسر " ذو نفر " فاستصحبه معه . ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخشعمي في قومه : شهران وناهس فقاتلوه ، فهزمهم أبرهة ، وأسر نفيل بن حبيب ، فأراد قتله ثم عفا عنه ، واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز . فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم ، الذي عندهم ، الذي يسمونه اللات . فأكرمهم وبعثوا معه " أبا رغال " دليلا . فلما انتهى أبرهة إلى المغمس - وهو قريب من مكة - نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها ، فأخذوه . وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب . وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة ، وكان يقال له : " الأسود بن مفصود " فهجاه بعض العرب - فيما ذكره ابن إسحاق - وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش ، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت . فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم ، وبلغه عن أبرهة ما قال ، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته [ ص: 485 ] وحرمه ، وإن يخلي بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه . فقال له حناطة : فاذهب معي إليه . فذهب معه ، فلما رآه أبرهة أجله ، وكان عبد المطلب رجلا جميلا حسن المنظر ، ونزل أبرهة عن سريره ، وجلس معه على البساط ، وقال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال للترجمان : إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فقال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ؟! فقال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال : ما كان ليمتنع مني ! قال : أنت وذاك .

ويقال : إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت ، فأبى عليهم ، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله ، ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رءوس الجبال ، تخوفا عليهم من معرة الجيش . ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، وقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :


لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك


قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب ، ثم خرجوا إلى رءوس الجبال .

وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة ، لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق ، فينتقم الله منه .

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله - وكان اسمه محمودا - وعبأ جيشه ، فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بأذنه وقال ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام " . ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل . وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل . وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم ، فأبى ; فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك . وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان .

مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت . وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق هذا . ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز ، ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة ، وجعل نفيل يقول :

[ ص: 486 ]


أين المفر ؟ والإله الطالب والأشرم المغلوب غير الغالب


قال ابن إسحاق : وقال نفيل في ذلك أيضا :


ألا حييت عنا يا ردينا نعمناكم مع الإصباح عينا
ردينة لو رأيت - ولا تريه لدى جنب المحصب - ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت أمري ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ أبصرت طيرا وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيل كأن علي للحبشان دينا !


وذكر الواقدي بأسانيده أنهم لما تعبئوا لدخول الحرم وهيئوا الفيل ، جعلوا لا يصرفونه إلى جهة من سائر الجهات إلا ذهب [ فيها ] فإذا وجهوه إلى الحرم ربض وصاح . وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ، ليقهر الفيل على دخول الحرم . وطال الفصل في ذلك . هذا وعبد المطلب وجماعة من أشراف مكة ، منهم المطعم بن عدي وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومسعود [ بن عمرو ] الثقفي ، على حراء ينظرون إلى ما الحبشة يصنعون ، وماذا يلقون من أمر الفيل ، وهو العجب العجاب . فبينما هم كذلك ، إذ بعث الله عليهم طيرا أبابيل ، أي قطعا قطعا صفرا دون الحمام ، وأرجلها حمر ، ومع كل طائر ثلاث أحجار ، وجاءت فحلقت عليهم ، وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا .

وقال محمد بن كعب : جاءوا بفيلين فأما محمود فربض ، وأما الآخر فشجع فحصب .

وقال وهب بن منبه : كان معهم فيلة ، فأما محمود - وهو فيل الملك - فربض ، ليقتدي به بقية الفيلة ، وكان فيها فيل تشجع فحصب ، فهربت بقية الفيلة .

وقال عطاء بن يسار ، وغيره : ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة ، بل منهم من هلك سريعا ، ومنهم من جعل يتساقط عضوا عضوا وهم هاربون ، وكان أبرهة ممن يتساقط عضوا عضوا ، حتى مات ببلاد خثعم .

قال ابن إسحاق : فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون .

وذكر مقاتل بن سليمان : أن قريشا أصابوا مالا جزيلا من أسلابهم ، وما كان معهم ، وأن عبد المطلب أصاب يومئذ من الذهب ما ملأ حفرة .

[ ص: 487 ]

وقال ابن إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة : أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤي به مرائر الشجر الحرمل ، والحنظل والعشر ، ذلك العام .

وهكذا روي عن عكرمة من طريق جيد .

قال ابن إسحاق : فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كان فيما يعد به على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة ، لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ) ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) [ سورة قريش ] أي : لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه .

قال ابن هشام : الأبابيل الجماعات ، ولم تتكلم العرب بواحدة . قال : وأما السجيل ، فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب : الشديد الصلب . قال : وذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سنج وجل يعني بالسنج : الحجر ، والجل : الطين . يقول : الحجارة من هذين الجنسين : الحجر والطين . قال : والعصف : ورق الزرع الذي لم يقضب ، واحدته عصفة . انتهى ما ذكره .

وقد قال حماد بن سلمة : عن عاصم ، عن زر عن عبد الله - وأبو سلمة بن عبد الرحمن - : ( طيرا أبابيل ) قال : الفرق .

وقال ابن عباس والضحاك : أبابيل يتبع بعضها بعضا . وقال الحسن البصري وقتادة : الأبابيل : الكثيرة . وقال مجاهد : أبابيل : شتى متتابعة مجتمعة . وقال ابن زيد : الأبابيل : المختلفة ، تأتي من هاهنا ، ومن هاهنا ، أتتهم من كل مكان .

وقال الكسائي : سمعت [ النحويين يقولون : أبول مثل العجول . قال : وقد سمعت ] بعض النحويين يقول : واحد الأبابيل : إبيل .

وقال ابن جرير : [ حدثنا ابن المثنى ] حدثني عبد الأعلى ، حدثني داود عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ; أنه قال في قوله : ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) هي : الأقاطيع ، كالإبل المؤبلة .

[ ص: 488 ]

وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس : ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) قال : لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب .

وحدثنا يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين عن عكرمة في قوله : ( طيرا أبابيل ) قال : كانت طيرا خضرا خرجت من البحر ، لها رءوس كرءوس السباع .

وحدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير : ( طيرا أبابيل ) قال : هي طير سود بحرية ، في منقارها وأظافيرها الحجارة .

وهذه أسانيد صحيحة .

وقال سعيد بن جبير : كانت طيرا خضرا لها مناقير صفر ، تختلف عليهم .

وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء : كانت الطير الأبابيل مثل التي يقال لها عنقاء مغرب . رواه عنهم ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير ، قال : لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل ، بعث عليهم طيرا أنشئت من البحر ، أمثال الخطاطيف . كل طير منها تحمل ثلاثة أحجار مجزعة : حجرين في رجليه وحجرا في منقاره . قال : فجاءت حتى صفت على رءوسهم ، ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها ، فما يقع حجر على رأس رجل إلا خرج من دبره ، ولا يقع على شيء من جسده إلا وخرج من الجانب الآخر . وبعث الله ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادتها شدة فأهلكوا جميعا .

وقال السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( حجارة من سجيل ) قال : طين في حجارة : " سنك - وكل " وقد قدمنا بيان ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا .

وقوله : ( فجعلهم كعصف مأكول ) قال سعيد بن جبير : يعني التبن الذي تسميه العامة : هبورا . وفي رواية عن سعيد : ورق الحنطة . وعنه أيضا : العصف : التبن . والمأكول : القصيل يجز للدواب . وكذلك قال الحسن البصري .

وعن ابن عباس : العصف : القشرة التي على الحبة ، كالغلاف على الحنطة .

وقال ابن زيد : العصف : ورق الزرع ، وورق البقل ، إذا أكلته البهائم فراثته ، فصار درينا .

والمعنى : أن الله ، سبحانه وتعالى ، أهلكهم ودمرهم ، وردهم بكيدهم وغيظهم لم ينالوا خيرا ، وأهلك عامتهم ، ولم يرجع منهم بخير إلا وهو جريح ، كما جرى لملكهم أبرهة ، فإنه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء ، وأخبرهم بها جرى لهم ، ثم مات . فملك بعده ابنه [ ص: 489 ] يكسوم ، ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة ، ثم خرج سيف بن ذي يزن الحميري إلى كسرى فاستغاثه على الحبشة ، فأنفذ معه من جيوشه فقاتلوا معه ، فرد الله إليهم ملكهم ، وما كان في آبائهم من الملك ، وجاءته وفود العرب للتهنئة .

وقد قال محمد بن إسحاق : حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن عائشة قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين ، يستطعمان ورواه الواقدي عن عائشة مثله . ورواه أيضا عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : كانا مقعدين يستطعمان الناس ، عند إساف ونائلة ، حيث يذبح المشركون ذبائحهم .

قلت : كان اسم قائد الفيل : أنيسا .

وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب " دلائل النبوة " من طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل بن خالد ، عن عثمان بن المغيرة قصة أصحاب الفيل ، ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن ، وإنما بعث على الجيش رجلا يقال له : شمر بن مفصود ، وكان الجيش عشرين ألفا ، وذكر أن الطير طرقتهم ليلا فأصبحوا صرعى .

وهذا السياق غريب جدا ، وإن كان أبو نعيم قد قواه ورجحه على غيره . والصحيح أن أبرهة الأشرم الحبشي قدم مكة كما دل على ذلك السياقات والأشعار . وهكذا روى ابن لهيعة ، عن الأسود ، عن عروة : أن أبرهة بعث الأسود بن مفصود على كتيبة معهم الفيل ، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه ، والصحيح قدومه ، ولعل ابن مفصود كان على مقدمة الجيش ، والله أعلم .

ثم ذكر ابن إسحاق شيئا من أشعار العرب ، فيما كان من قصة أصحاب الفيل ، فمن ذلك شعر عبد الله بن الزبعري :


تنكلوا عن بطن مكة إنها كانت قديما لا يرام حريمها
لم تخلق الشعرى ليالي حرمت إذ لا عزيز من الأنام يرومها
سائل أمير الجيش عنها ما رأى ؟ فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ستون ألفا لم يؤوبوا أرضهم بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
كانت بها عاد وجرهم قبلهم والله من فوق العباد يقيمها


وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاري المري :

[ ص: 490 ]


ومن صنعه يوم فيل الحبو ش ، إذ كل ما بعثوه رزم
محاجنهم تحت أقرابه وقد شرموا أنفه فانخرم
وقد جعلوا سوطه مغولا إذا يمموه قفاه كليم
فسول أدبر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا يلفهم مثل لف القزم
تحث على الصبر أحبارهم وقد ثأجوا كثؤاج الغنم


وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي ، ويروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة :


إن آيات ربنا باقيات ما يماري فيهن إلا الكفور
خلق الليل والنهار فكل مستبين حسابه ، مقدور
ثم يجلو النهار رب رحيم بمهاة شعاعها منشور
حبس الفيل بالمغمس حتى صار يحبو ، كأنه معقور
لازما حلقه الجران كما قطر من ظهر كبكب محدور
حوله من ملوك كندة أبطال ملاويث في الحروب صقور
خلفوه ثم ابذعروا جميعا كلهم عظم ساقه مكسور
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور


وقد قدمنا في تفسير " سورة الفتح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أطل يوم الحديبية على الثنية التي تهبط به على قريش ، بركت ناقته ، فزجروها فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء ، أي : حرنت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلأت القصواء ، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل " ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون فيها حرمات الله ، إلا أجبتهم إليها " . ثم زجرها فقامت . والحديث من أفراد البخاري .

وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : " إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب " .

آخر تفسير سورة " الفيل " .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #567  
قديم 10-12-2025, 07:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة قريش

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (567)


تفسير سورة لإيلاف قريش وهي مكية .

ذكر حديث غريب في فضلها : قال البيهقي في كتاب " الخلافيات " : حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو ، حدثنا أحمد بن عبيد الله النرسي ، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل ، حدثني عثمان بن عبد الله [ بن ] أبي عتيق ، عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة ، عن أبيه ، عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فضل الله قريشا بسبع خلال : أني منهم وأن النبوة فيهم ، والحجابة والسقاية فيهم ، وأن الله نصرهم على الفيل ، وأنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن " ثم تلاها رسول الله : بسم الله الرحمن الرحيم " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " .

بسم الله الرحمن الرحيم ( لإيلاف قريش ( 1 ) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( 2 ) فليعبدوا رب هذا البيت ( 3 ) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ( 4 ) )

هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام ، كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، وإن كانت متعلقة بما قبلها . كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ; لأن المعنى عندهما : حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله ( لإيلاف قريش ) أي : لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين .

وقيل : المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك ، ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم ; لعظمتهم عند الناس ، لكونهم سكان حرم الله ، فمن عرفهم احترمهم ، بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم . هذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم . وأما في حال إقامتهم في البلد ، فكما قال الله : ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) [ العنكبوت : 67 ] ولهذا قال : ( لإيلاف قريش ) بدل من الأول ومفسر له . ولهذا قال : ( إيلافهم رحلة الشتاء والصيف )

[ ص: 492 ]

وقال ابن جرير : الصواب أن " اللام " لام التعجب ، كأنه يقول : اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك . قال : وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان .

ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) أي : فليوحدوه بالعبادة ، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما ، كما قال تعالى : ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ) [ النمل : 91 ]

وقوله : ( الذي أطعمهم من جوع ) أي : هو رب البيت ، وهو " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " أي : تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ، ولا يعبدوا من دونه صنما ولا ندا ولا وثنا . ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة ، ومن عصاه سلبهما منه ، كما قال تعالى : ( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ) [ النحل : 112 - 113 ]

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الله بن عمرو العدني ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ويل أمكم قريش ، لإيلاف قريش " ثم قال :

حدثنا أبي ، حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني ، حدثنا عيسى - يعني ابن يونس - ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن شهر بن حوشب ، عن أسامة بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . ويحكم يا معشر قريش ، اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف " .

هكذا رأيته عن أسامة بن زيد ، وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن ، أم سلمة الأنصارية ، رضي الله عنها ، فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية ، والله أعلم .

آخر تفسير سورة " لإيلاف قريش " .

تفسير السورة التي يذكر فيها الماعون وهي مكية .

بسم الله الرحمن الرحيم

( أرأيت الذي يكذب بالدين ( 1 ) فذلك الذي يدع اليتيم ( 2 ) ولا يحض على طعام المسكين ( 3 ) فويل للمصلين ( 4 ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( 5 ) الذين هم يراءون ( 6 ) ويمنعون الماعون ( 7 ) )

يقول تعالى : أرأيت - يا محمد - الذي يكذب بالدين ؟ وهو : المعاد والجزاء والثواب ( فذلك الذي يدع اليتيم ) أي : هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه ، ولا يطعمه ولا يحسن إليه ( ولا يحض على طعام المسكين ) كما قال تعالى : ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ) [ الفجر : 17 ، 18 ] يعني : الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته .

ثم قال : ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال ابن عباس ، وغيره : يعني المنافقين ، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر .

ولهذا قال : ( للمصلين ) أي : الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها ، ثم هم عنها ساهون ، إما عن فعلها بالكلية ، كما قاله ابن عباس ، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا ، فيخرجها عن وقتها بالكلية ، كما قاله مسروق وأبو الضحى .

وقال عطاء بن دينار : والحمد لله الذي قال : ( عن صلاتهم ساهون ) ولم يقل : في صلاتهم ساهون .

وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا . وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به . وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها ، فاللفظ يشمل هذا كله ، ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية . ومن اتصف بجميع ذلك ، فقد تم نصيبه منها ، وكمل له النفاق العملي . كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى ، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها ، وهو وقت كراهة ، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب ، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا ; ولهذا قال : " لا يذكر الله فيها إلا قليلا " . ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس ، لا ابتغاء وجه [ ص: 494 ] الله ، فهو إذا لم يصل بالكلية . قال تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء : 142 ] . وقال هاهنا : ( الذين هم يراءون )

وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن يونس ، عن الحسن ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة ، أعد ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد : لحامل كتاب الله ، وللمصدق في غير ذات الله ، وللحاج إلى بيت الله ، وللخارج في سبيل الله " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة قال : كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء ، فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سمع الناس بعمله ، سمع الله به سامع خلقه ، وحقره وصغره " .

ورواه أيضا عن غندر ، ويحيى القطان ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن رجل ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره .

ومما يتعلق بقوله تعالى : ( الذين هم يراءون ) أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس ، فأعجبه ذلك ، أن هذا لا يعد رياء ، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا مخلد بن يزيد ، حدثنا سعيد بن بشير ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : كنت أصلي ، فدخل علي رجل ، فأعجبني ذلك ، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " كتب لك أجران : أجر السر ، وأجر العلانية " .

قال أبو علي هارون بن معروف : بلغني أن ابن المبارك قال : نعم الحديث للمرائين .

وهذا حديث غريب من هذا الوجه وسعيد بن بشير متوسط ، وروايته عن الأعمش عزيزة ، وقد رواه غيره عنه .

قال أبو يعلى أيضا : حدثنا محمد بن المثنى بن موسى ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو سنان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل يعمل العمل يسره ، فإذا اطلع عليه أعجبه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " له أجران : أجر السر [ ص: 495 ] وأجر العلانية " .

وقد رواه الترمذي ، عن محمد بن المثنى . وابن ماجه ، عن بندار ، كلاهما عن أبي داود الطيالسي ، عن أبي سنان الشيباني - واسمه : ضرار بن مرة . ثم قال الترمذي : غريب ، وقد رواه الأعمش وغيره . عن حبيب عن [ النبي صلى الله عليه وسلم ] مرسلا .

وقد قال أبو جعفر بن جرير : حدثني أبو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن شيبان النحوي ، عن جابر الجعفي ، حدثني رجل ، عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : " الله أكبر ، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا ، هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه " .

فيه جابر الجعفي ، وهو ضعيف ، وشيخه مبهم لم يسم ، والله أعلم .

وقال ابن جرير أيضا : حدثني زكريا بن أبان المصري ، حدثنا عمرو بن طارق ، حدثنا عكرمة بن إبراهيم ، حدثني عبد الملك بن عمير ، عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " .

وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية ، أو صلاتها بعد وقتها شرعا ، أو تأخيرها عن أول الوقت [ سهوا حتى ضاع ] الوقت .

وكذا رواه الحافظ أبو يعلى ، عن شيبان بن فروخ ، عن عكرمة بن إبراهيم به . ثم رواه عن أبي الربيع ، عن جابر ، عن عاصم ، عن مصعب ، عن أبيه موقوفا ، وهذا أصح إسنادا ، وقد ضعف البيهقي رفعه ، وصحح وقفه ، وكذلك الحاكم .

وقوله : ( ويمنعون الماعون ) أي : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم . فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى . وقد قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قال علي : الماعون : الزكاة . وكذا رواه السدي ، عن أبي صالح ، عن علي . وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر . وبه يقول محمد بن الحنفية ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وعطية العوفي ، والزهري ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد .

[ ص: 496 ]

وقال الحسن البصري : إن صلى راءى ، وإن فاتته لم يأس عليها ، ويمنع زكاة ماله وفي لفظ : صدقة ماله .

وقال زيد بن أسلم : هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها ، وضمنت الزكاة فمنعوها .

وقال الأعمش وشعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار : أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون ، فقال : هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر ، [ والدلو ] .

[ وقال المسعودي ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي العبيدين : أنه سئل ابن مسعود عن الماعون ، فقال : هو ما يتعاطاه الناس بينهم ، من الفأس والقدر ] والدلو ، وأشباه ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي العبيدين وسعد بن عياض ، عن عبد الله قال : كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو ، والفأس ، والقدر ، لا يستغنى عنهن .

وحدثنا خلاد بن أسلم ، أخبرنا النضر بن شميل ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

وقال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه سئل عن الماعون ، فقال : ما يتعاوره الناس بينهم : الفأس والدلو وشبهه .

وقال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي الفلاس ، حدثنا أبو داود - هو الطيالسي - ، حدثنا أبو عوانة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول : الماعون : منع الدلو وأشباه ذلك .

وقد رواه أبو داود والنسائي ، عن قتيبة ، عن أبي عوانة بإسناده نحوه ، ولفظ النسائي عن عبد الله قال : كل معروف صدقة ، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : الماعون : العواري : القدر ، والميزان ، والدلو .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس : ( ويمنعون الماعون ) يعني : متاع البيت . وكذا قال مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وأبو مالك ، وغير واحد : إنها العارية للأمتعة .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد عن ابن عباس : ( ويمنعون الماعون ) قال : لم يجئ أهلها بعد .

[ ص: 497 ]

وقال العوفي عن ابن عباس : ( ويمنعون الماعون ) قال : اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : يمنعون الزكاة . ومنهم من قال : يمنعون الطاعة . ومنهم من قال : يمنعون العارية . رواه ابن جرير . ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن علية ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي : الماعون : منع الناس الفأس ، والقدر ، والدلو .

وقال عكرمة : رأس الماعون زكاة المال ، وأدناه المنخل والدلو ، والإبرة . رواه ابن أبى حاتم .

وهذا الذي قاله عكرمة حسن ; فإنه يشمل الأقوال كلها ، وترجع كلها إلى شيء واحد . وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة . ولهذا قال محمد بن كعب : ( ويمنعون الماعون ) قال : المعروف . ولهذا جاء في الحديث : " كل معروف صدقة " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ذئب عن الزهري : ( ويمنعون الماعون ) قال : بلسان قريش : المال .

وروى هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال :

حدثنا أبي وأبو زرعة ، قالا : حدثنا قيس بن حفص الدارمي ، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي ، حدثنا عائذ بن ربيعة النميري ، حدثني قرة بن دعموص النميري : أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، ما تعهد إلينا ؟ قال : " لا تمنعون الماعون " . قالوا : يا رسول الله ، وما الماعون ؟ قال : " في الحجر ، وفي الحديدة ، وفي الماء " . قالوا : فأي حديدة ؟ قال : " قدوركم النحاس ، وحديد الفأس الذي تمتهنون به " . قالوا : وما الحجر ؟ قال : " قدوركم الحجارة " .

غريب جدا ، ورفعه منكر ، وفي إسناده من لا يعرف ، والله أعلم .

وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة " علي النميري " ، فقال : روى ابن قانع بسنده إلى عائذ بن ربيعة بن قيس النميري ، عن علي بن فلان النميري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المسلم أخو المسلم . إذا لقيه حياه بالسلام ، ويرد عليه ما هو خير منه ، لا يمنع الماعون " . قلت : يا رسول الله ، ما الماعون ؟ قال : " الحجر ، والحديد ، وأشباه ذلك " .

آخر تفسير سورة " الماعون " .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #568  
قديم 10-12-2025, 07:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة الكوثر

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (568)


تفسير سورة الكوثر وهي مدنية ، وقيل : مكية .

بسم الله الرحمن الرحيم

( إنا أعطيناك الكوثر ( 1 ) فصل لربك وانحر ( 2 ) إن شانئك هو الأبتر ( 3 ) )

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك قال : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه مبتسما ، إما قال لهم وإما قالوا له : لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه أنزلت علي آنفا سورة " . فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أعطيناك الكوثر ) حتى ختمها ، قال : " هل تدرون ما الكوثر ؟ " ، قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم فأقول : يا رب ، إنه من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " .

هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي ، وهذا السياق .

وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر ، وأن عليه آنية عدد نجوم السماء . وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق محمد بن فضيل وعلي بن مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس . ولفظ مسلم قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد ، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما ، قلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : " أنزلت علي آنفا سورة " ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي . فيقول : إنك لا تدري ما أحدث بعدك " .

وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية ، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة ، وأنها منزلة معها .

فأما قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة . وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى ، عن أنس فقال : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت [ ص: 499 ] عن أنس أنه قرأ هذه الآية ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري ، ولم يشق شقا ، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ ، فضربت بيدي في تربته ، فإذا مسكه ذفرة ، وإذا حصاه اللؤلؤ "

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة فإذا أنا بنهر ، حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر . قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل " .

ورواه البخاري في صحيحه ، ومسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال : " أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر " . وهذا لفظ البخاري رحمه الله .

وقال ابن جرير : حدثنا الربيع ، أخبرنا ابن وهب ، عن سليمان بن هلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، مضى به جبريل في السماء الدنيا ، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فذهب يشم ترابه ، فإذا هو مسك . قال : " يا جبريل ، ما هذا النهر ؟ قال : هو الكوثر الذي خبأ لك ربك " .

وقد تقدم [ في ] حديث الإسراء في سورة " سبحان " ، من طريق شريك ، عن أنس [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ] وهو مخرج في الصحيحين .

وقال سعيد ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف ، فقال الملك الذي معه : أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك الله . وضرب بيده إلى أرضه ، فأخرج من طينه المسك " وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم ، عن قتادة به .

وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن أبي سريج ، حدثنا أبو أيوب العباسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثني محمد بن عبد الله ، ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس قال : سئل رسول [ ص: 500 ] الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فقال : " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ، ترابه مسك ، [ ماؤه ] أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها " .

وقال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عبد الوهاب ، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب ، عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكوثر ؟ قال : " نهر في الجنة أعطانيه ربي ، لهو أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر " . قال عمر : يا رسول الله ، إنها لناعمة ؟ قال : " أكلها أنعم منها يا عمر " .

رواه ابن جرير ، من حديث الزهري ، عن أخيه عبد الله ، عن أنس : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فذكر مثله سواء .

وقال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ، عن عائشة قال : سألتها عن قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قالت : نهر [ عظيم ] أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم ، شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم .

ثم قال البخاري : رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف ، عن أبي إسحاق .

ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة عن عائشة قالت : الكوثر نهر في الجنة ، شاطئاه در مجوف . وقال إسرائيل : نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء .

وحدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية عن شقيق - أو مسروق - قال : قلت لعائشة : يا أم المؤمنين ، حدثيني عن الكوثر . قالت : نهر في بطنان الجنة . قلت : وما بطنان الجنة ؟ قالت : وسطها ، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت ، ترابه المسك ، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت .

وحدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن ابن أبي نجيح عن عائشة [ ص: 501 ] قالت : من أحب أن يسمع خرير الكوثر ، فليجعل أصبعيه في أذنيه .

وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات : " عن رجل ، عنها " . ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك ، لا أنه يسمعه نفسه ، والله أعلم .

قال السهيلي : ورواه الدارقطني مرفوعا ، من طريق مالك بن مغول ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ثم قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ؟ فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .

ورواه أيضا من حديث هشيم ، عن أبي بشر وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير .

[ وقال الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : الخير الكثير ] .

وهذا التفسير يعم النهر وغيره ; لأن الكوثر من الكثرة ، وهو الخير الكثير ، ومن ذلك النهر ، كما قال ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومحارب بن دثار ، والحسن بن أبي الحسن البصري . حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة .

وقال عكرمة : هو النبوة والقرآن ، وثواب الآخرة .

وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا ، فقال ابن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عمر بن عبيد ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل .

وروى العوفي ، عن ابن عباس نحو ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر أنه قال : الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه ذهب وفضة ، يجري على الدر [ ص: 502 ] والياقوت ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل .

وكذا رواه الترمذي ، عن ابن حميد ، عن جرير ، عن عطاء بن السائب به مثله موقوفا . وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن حفص ، حدثنا ورقاء قال . . . وقال عطاء [ بن السائب ] ، عن محارب بن دثار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، والماء يجري على اللؤلؤ ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل " .

وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير ، من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب به مرفوعا ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : حدثنا عن ابن عباس أنه قال : هو الخير الكثير . فقال : صدق والله إنه للخير الكثير . ولكن حدثنا ابن عمر قال : لما نزلت : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت " .

وقال ابن جرير : حدثني ابن البرقي ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانت من بني النجار - فقالت : خرج يا نبي الله آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا ، فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك ; أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : " أجل ، وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان ، وزبرجد ولؤلؤ " .

حرام بن عثمان ضعيف . ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا ، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث ، وكذلك أحاديث الحوض [ ولنذكرها هاهنا ] .

وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة . وقال عطاء : هو حوض في الجنة .

وقوله : ( فصل لربك وانحر ) أي : كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك [ ص: 503 ] النهر الذي تقدم صفته - فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك ، فاعبده وحده لا شريك له ، وانحر على اسمه وحده لا شريك له . كما قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) [ الأنعام : 162 ، 163 ] قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن : يعني بذلك نحر البدن ونحوها . وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخراساني و الحكم وإسماعيل بن أبي خالد ، وغير واحد من السلف . وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله ، والذبح على غير اسمه ، كما قال تعالى : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) الآية [ الأنعام : 121 ] .

وقيل : المراد بقوله : ( وانحر ) وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر . يروى هذا عن علي ، ولا يصح . وعن الشعبي مثله .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #569  
قديم 10-12-2025, 08:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة الكافرون

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (569)


وعن أبي جعفر الباقر : ( وانحر ) يعني : ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة .

وقيل : ( وانحر ) أي : استقبل بنحرك القبلة . ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير .

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا منكرا جدا ، فقال : حدثنا وهب بن إبراهيم الفامي - سنة خمس وخمسين ومائتين - حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي ، حدثنا مقاتل بن حيان ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ) قال رسول الله : " يا جبريل ، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ " فقال : ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة .

وهكذا رواه الحاكم في المستدرك ، من حديث إسرائيل بن حاتم به .

وعن عطاء الخراساني : ( وانحر ) أي : ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل ، وأبرز نحرك ، يعني به الاعتدال . رواه ابن أبي حاتم .

[ كل هذه الأقوال غريبة جدا ] والصحيح القول الأول ، أن المراد بالنحر ذبح المناسك ; ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول : " من صلى صلاتنا ، ونسك نسكنا ، فقد أصاب النسك . ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له " . فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول [ ص: 504 ] الله ، إني نسكت شاتي قبل الصلاة ، وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم . قال : " شاتك شاة لحم " . قال : فإن عندي عناقا هي أحب إلي من شاتين ، أفتجزئ عني ؟ قال : " تجزئك ، ولا تجزئ أحدا بعدك " .

قال أبو جعفر بن جرير : والصواب قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ; شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير ، الذي لا كفاء له ، وخصك به .

وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى : محمد بن كعب القرظي وعطاء .

وقوله : ( إن شانئك هو الأبتر ) أي : إن مبغضك - يا محمد - ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين ، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة : نزلت في العاص بن وائل .

وقال محمد بن إسحاق : عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : دعوه ، فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره . فأنزل الله هذه السورة .

وقال شمر بن عطية : نزلت في عقبة بن أبي معيط .

وقال ابن عباس أيضا وعكرمة : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش .

وقال البزار : حدثنا زياد بن يحيى الحساني ، حدثنا بن أبي عدي ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش : أنت سيدهم ، ألا ترى إلى هذا المصنبر المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السدانة وأهل السقاية ؟ فقال : أنتم خير منه . قال : فنزلت : ( إن شانئك هو الأبتر )

هكذا رواه البزار ، وهو إسناد صحيح .

وعن عطاء : نزلت في أبي لهب ، وذلك حين مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال : بتر محمد الليلة . فأنزل الله في ذلك : ( إن شانئك هو الأبتر )

وعن ابن عباس : نزلت في أبي جهل . وعنه : ( إن شانئك ) يعني : عدوك . وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر ، وغيرهم .

[ ص: 505 ]

وقال عكرمة : الأبتر : الفرد . وقال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا : بتر . فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : بتر محمد . فأنزل الله : ( إن شانئك هو الأبتر )

وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره ، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره ، وحاشا وكلا ، بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد ، وأوجب شرعه على رقاب العباد ، مستمرا على دوام الآباد ، إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد .

آخر تفسير سورة " الكوثر " ، ولله الحمد والمنة .

تفسير سورة قل يا أيها الكافرون

وهي مكية
.

ثبت في صحيح مسلم ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهذه السورة ، وب " قل هو الله أحد " في ركعتي الطواف .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في ركعتي الفجر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب ، بضعا وعشرين مرة - أو : بضع عشرة مرة - " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " .

وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : رمقت النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين - أو : خمسا وعشرين - مرة ، يقرأ في الركعتين قبل الفجر ، والركعتين بعد المغرب ب " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " .

وقال أحمد : حدثنا أبو أحمد - هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري - ، حدثنا سفيان - هو الثوري - ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد عن ابن عمر قال : رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا ، وكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر ب " قل يا أيها الكافرون " و " قل هو الله أحد " .

وكذا رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث أبي أحمد الزبيري ، وأخرجه النسائي من وجه آخر ، عن أبي إسحاق به ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن .

وقد تقدم في الحديث أنها تعدل ربع القرآن ، و " إذا زلزلت " تعدل ربع القرآن .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق عن فروة ابن نوفل - هو ابن معاوية - عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " هل لك في ربيبة لنا تكفلها ؟ " قال : أراها زينب . قال : ثم جاء فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، قال : " ما فعلت الجارية ؟ " قال : تركتها عند أمها . قال : " فمجيء ما جاء بك ؟ " قال : جئت لتعلمني شيئا أقوله عند منامي . قال : " اقرأ : " قل يا أيها الكافرون " ثم نم على خاتمتها ، فإنها براءة من الشرك " . تفرد به أحمد .

[ ص: 507 ]

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عمرو القطراني ، حدثنا محمد بن الطفيل ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن جبلة بن حارثة - وهو أخو زيد بن حارثة - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ : " قل يا أيها الكافرون " حتى تمر بآخرها ، فإنها براءة من الشرك " [ والله أعلم وهو حسبي ونعم الوكيل ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن فروة بن نوفل عن الحارث بن جبلة قال : قلت : يا رسول الله ، علمني شيئا أقوله عند منامي . قال : " إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ : " قل يا أيها الكافرون " فإنها براءة من الشرك " .

وروى الطبراني من طريق شريك ، عن جابر ، عن معقل الزبيدي ، عن [ عباد أبي الأخضر ، عن خباب ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قرأ : " قل يا أيها الكافرون " حتى يختمها .

بسم الله الرحمن الرحيم

( قل يا أيها الكافرون ( 1 ) لا أعبد ما تعبدون ( 2 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( 3 ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( 4 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( 5 ) لكم دينكم ولي دين ( 6 ) )

هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون ، وهي آمرة بالإخلاص فيه ، فقوله : ( قل يا أيها الكافرون ) شمل كل كافر على وجه الأرض ، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش .

وقيل : إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة ، ويعبدون معبوده سنة ، فأنزل الله هذه السورة ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية ، فقال : ( لا أعبد ما تعبدون ) يعني : من الأصنام والأنداد ( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) وهو الله وحده لا شريك له . ف " ما " هاهنا بمعنى " من " .

ثم قال : ( ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد ) أي : ولا أعبد عبادتكم ، أي : لا أسلكها ولا أقتدي بها ، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه ; ولهذا قال : ( ولا أنتم عابدون ما أعبد ) أي : لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته ، بل قد اخترعتم شيئا من تلقاء أنفسكم ، كما قال : ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) [ النجم : 23 ] فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه ، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده ، وعبادة [ ص: 508 ] يسلكها إليه ، فالرسول وأتباعه يعبدون الله بما شرعه ; ولهذا كان كلمة الإسلام " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " أي : لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله ; ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لكم دينكم ولي دين ) كما قال تعالى : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ] وقال : ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) [ القصص : 55 ] .

وقال البخاري : يقال : ( لكم دينكم ) الكفر ( ولي دين ) الإسلام . ولم يقل : " ديني " لأن الآيات بالنون ، فحذف الياء ، كما قال : ( فهو يهدين ) [ الشعراء : 78 ] و ( يشفين ) [ الشعراء : 80 ] وقال غيره : لا أعبد ما تعبدون الآن ، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، وهم الذين قال : ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) [ المائدة : 64 ] .

انتهى ما ذكره .

ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد ، كقوله : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) [ الشرح : 5 ، 6 ] وكقوله : ( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) التكاثر : 6 ، 7 ] وحكاه بعضهم - كابن الجوزي ، وغيره - عن ابن قتيبة ، فالله أعلم . فهذه ثلاثة أقوال : أولها ما ذكرناه أولا . الثاني : ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد : ( لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في الماضي ( ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في المستقبل . الثالث : أن ذلك تأكيد محض .

وثم قول رابع ، نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه ، وهو أن المراد بقوله : ( لا أعبد ما تعبدون ) نفي الفعل لأنها جملة فعلية ( ولا أنا عابد ما عبدتم ) نفي قبوله لذلك بالكلية ; لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل ، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا . وهو قول حسن أيضا ، والله أعلم .

وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة : ( لكم دينكم ولي دين ) على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى ، وبالعكس ; إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به ; لأن الأديان - ما عدا الإسلام - كلها كالشيء الواحد في البطلان . وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس ; لحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " .

آخر تفسير سورة " قل يا أيها الكافرون " ولله الحمد والمنة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #570  
قديم 10-12-2025, 08:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,682
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء (14)

تفسير سورة النصر

من صــ/ الى صــ /
الحلقة (570)


تفسير سورة إذا جاء نصر الله والفتح وهي مدنية .

قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن ، و " إذا زلزلت " تعدل ربع القرآن .

وقال النسائي : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا جعفر ، عن أبي العميس ( ح ) وأخبرنا محمد بن سليمان ، حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس ، عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : قال لي ابن عباس : يا ابن عتبة ، أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ؟ قلت : نعم ، " إذا جاء نصر الله والفتح " قال : صدقت

وروى الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي ، عن صدقة بن يسار ، عن ابن عمر قال : أنزلت هذه السورة : " إذا جاء نصر الله والفتح " على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق ، فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء فرحلت ، ثم قام فخطب الناس ، فذكر خطبته المشهورة

وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا الأسفاطي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : " إذا جاء نصر الله والفتح " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال : " إنه قد نعيت إلي نفسي " ، فبكت ثم ضحكت ، وقالت : أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ، ثم قال : " اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي " فضحكت

وقد رواه النسائي - كما سيأتي - بدون ذكر فاطمة .

بسم الله الرحمن الرحيم

( إذا جاء نصر الله والفتح ( 1 ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( 2 ) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( 3 ) )

قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقال : [ ص: 510 ] لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم ، فما رؤيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قول الله عز وجل : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا . وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت : لا . فقال : ما تقول ؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له ، قال : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فذلك علامة أجلك ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلا ما تقول . تفرد به البخاري

وروى ابن جرير ، عن محمد بن حميد ، عن مهران ، عن الثوري ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، فذكر مثل هذه القصة ، أو نحوها .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعيت إلي نفسي " . . بأنه مقبوض في تلك السنة . تفرد به أحمد .

وروى العوفي ، عن ابن عباس ، مثله . وهكذا قال مجاهد وأبو العالية والضحاك وغير واحد : إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه .

وقال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى ، حدثنا الحسين بن عيسى الحنفي ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال : " الله أكبر ، الله أكبر! جاء نصر الله والفتح ، جاء أهل اليمن " . قيل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية "

ثم رواه عن ابن عبد الأعلى ، عن ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة مرسلا .

وقال الطبراني : حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) حتى ختم السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نزلت ، قال : فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : " جاء الفتح ونصر الله ، وجاء أهل اليمن " . فقال رجل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان " .

[ ص: 511 ]

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نعيت إليه نفسه ، فقيل : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) السورة كلها .

حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين : أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الآية : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قال : لما نزلت نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه

وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي ، حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن عون ، عن أبي العميس ، عن أبي بكر بن أبي الجهم ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : آخر سورة نزلت من القرآن جميعا : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري الطائي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لما نزلت هذه السورة : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها ، فقال : " الناس حيز ، وأنا وأصحابي حيز " . وقال : " لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية " . فقال له مروان : كذبت - وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت ، قاعدان معه على السرير - فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لحدثاك ، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة . فرفع مروان عليه الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق .

تفرد به أحمد ، وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح : " لا هجرة ، ولكن جهاد ونية ، ولكن إذا استنفرتم فانفروا " . أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .

فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين ، من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه ، يعني نصلي ونستغفره - معنى مليح صحيح ، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات ، فقال قائلون : هي صلاة الضحى . وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها ، فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافرا لم ينو الإقامة بمكة ؟ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسعة عشر يوما يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش ، وكانوا نحوا من عشرة آلاف . قال هؤلاء : وإنما كانت صلاة الفتح ، قالوا : فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات . [ ص: 512 ] وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن ، ثم قال بعضهم : يصليها كلها بتسليمة واحدة . والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين ، كما ورد في سنن أبي داود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين . وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله عنهما ، من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة ، واعلم أنك إذا فتحت مكة - وهي قريتك التي أخرجتك - ودخل الناس في دين الله أفواجا ، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا ، فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا ، فالآخرة خير لك من الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك فترضى ، ولهذا قال : ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .

قال النسائي : أخبرنا عمرو بن منصور ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) إلى آخر السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت ، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : " جاء الفتح ، وجاء نصر الله ، وجاء أهل اليمن " . فقال رجل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، والفقه يمان " .

وقال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن .

وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه " . وقال : " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره ، إنه كان توابا ، فقد رأيتها : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )

ورواه مسلم من طريق داود - وهو ابن أبي هند - به .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا حفص ، حدثنا عاصم ، عن الشعبي عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ، ولا يذهب ولا يجيء ، إلا قال : " سبحان الله وبحمده " . فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده ، لا تذهب ولا تجيء ، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت : سبحان الله وبحمده ؟ قال : " إني أمرت بها " ، فقال : [ ص: 513 ] ) إذا جاء نصر الله والفتح ) إلى آخر السورة .

غريب ، وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه في جزء مفرد ، فيكتب هاهنا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) كان يكثر إذا قرأها - وركع - أن يقول : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " ثلاثا .

تفرد به أحمد . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عمرو بن مرة ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق به .

والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي . فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا ، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، ولله الحمد والمنة . وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : دعوه وقومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي . الحديث وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا : السيرة ، فمن أراد فليراجعه هناك ، ولله الحمد والمنة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني جار لجابر بن عبد الله قال : قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا " .

[ آخر تفسير سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " ولله الحمد والمنة ] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 340.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 334.78 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]