المحبة وأنواعها وبعض آثارها الجليلة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         هل قراءة سورة البقرة من المسجل يطرد الشيطان من المنزل؟ (اخر مشاركة : الروقي - عددالردود : 12 - عددالزوار : 6692 )           »          طريقة حذف حساب إنستجرام نهائيًا أو تعطيله مؤقتًا.. الخطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حماية أكبر للأطفال.. آبل تعزز الرقابة الأبوية وتحسن إعدادات حسابات أبنائك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خطوة بخطوة.. إزاى تربط موبايلك بالكمبيوتر وتنقل البيانات بسهولة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          نستجرام يطلق ميزات جديدة لتحسين تجربة المراسلة المباشرة.. تعرف عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ما هو برنامج الفدية؟.. وكيف تحمي هاتفك من الاختراق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قبل ما تبيع موبايلك.. تأكد من مسح بياناتك بالشكل الصحيح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          6 مميزات فى ويندوز 11 غير موجودة بإصدار 10 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          مقارنة هواتف.. أبرز الفروق بين هاتفى iPhone 16e وiPhone 16 pro max ‎ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف تحمى نفسك من تطبيقات التجسس على هاتفك الأندرويد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-10-2025, 06:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,465
الدولة : Egypt
افتراضي المحبة وأنواعها وبعض آثارها الجليلة

المحبة وأنواعها وبعض آثارها الجليلة


الشيخ يوسف الدجوي



(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)
المحبة: ينبئك عنها قلبك أكثر مما تنبئك عنها الحدود والرسوم، والشيء، إنما يحد لخفائه واستتاره كي يظهر ويتبين، فإذا كان الشيء ظاهراً جلياً يعرفه جميع العقلاء لم يحتج إلى حد.
المحبة: سر الله المخزون الذي تشفى به جميع الأدواء القومية، والترياق الذي تذهب به سموم الأمراض الاجتماعية.
المحبة هي أنجع وسيلة لاقتلاع الشرور من النفوس، وإبادة أنواع التفنن فيها من العالم البشري. وإذا تأكدت بين قوم أحلّتهم محل الصفاء، وسارت بهم أسرع ما يكون في طريق الارتقاء، ونقلتهم إلى دائرة الأسرة الواحدة، فكانوا كالجسم الواحد إذا تألم منه عضو تألم له سائر الجسد.
لو تمَّت المحبة بين الناس لما رأيت دماً يسفك، ولا عرضاً يهتك، ولا مالاً يسرق، ولما رأيت المحاكم الأهلية كالأسواق مزدحمة بكل أنواع القضايا، ولا وجدت المحاكم الشرعية مكتظة بدعاوى الأقارب لميراثهم والزوجات لنفقاتهن.
لو تمت المحبة بين الناس لبات كل إنسان بين أسرته على أتم ما يكون من الصفاء وأكبر ما يتصور من النعيم، ولكان عيش الناس في الدنيا أشبه شيء بعيش أهل الجنة في الجنة. وأظنك كثيراً ما تحركت منك الغبطة عندما ترى ما بين الأسرة الفقيرة من المحبة التي جعلتهم يتقلبون في الهناء ولا يحسون بالشقاء.
لو تمت المحبة بين الناس لتمت بينهم الرحمة: فانتفع الضعيف بالقوي، والفقير بالغني، والصغير بالكبير، والصعلوك بالأمير، وامتلأت الأرض خيراً وبركة.
وإجمال القول في المحبة بعد ذلك كله أنه لولا الحب لم يتم نعيم لمتنعم. وكيف ينعم الإنسان بغير ما يحب؟! ولهذا ترى المغنين لا يكادون يغنون إلا بما يكون فيه ذكر الحب والمحبين، ولا يجد الإنسان سلوة لنفسه ولا نعيمًا بقلبه إلا بتلك الذكريات اللذيذة والأوقات السالفة التي قضاها فيما يحب ومع من يحب.
وبالجملة فراحة الإنسان وسرور نفسه وبهجة روحه لا تكون إلا لذكر الحب، وشرح الكامن في الفؤاد المثير للعواطف، مما له سلطان فوق العقل وسرٌّ يدق عن التعبير.
لهذا كله لم يرد في الكتاب والسنة من الحثِّ على شيء مثل ما ورد في المحبة، عِلمًا منه صلى الله عليه وسلم بأنها أساس الخير وجماع الفضائل حتى جعلها شرطًا في الإيمان، قال: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا». رواه مسلم.
فانظر كيف جعلها شرطًا في الإيمان؟! ولم يكتف بذلك حتى أقسم عليه صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في الحثِّ على المحبة والتحذير من التشاحن والتفرق ما لا يكاد يُحصى -وستسمع شيئًا من ذلك- وكأنه مرمى الدِّين الذي لا يريد غيره.
وقد جاء في الصحيح: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا».
وقال تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10} وقال: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا] {آل عمران:103} وقال مُخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم مذكرًا إياه تلك المنة الكبرى: [وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِينَ(62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63) ]. {الأنفال}.
وقد أثنى على قومٍ بقوله عز وجل: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {الحشر:10}
وقال: [لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] {النساء:114}. وقد أُمِرْنا بلين الكلام وإفشاء السلام، ونهينا عن الخصام فوق ثلاثة أيام.
وقد جاء كل ذلك طلبًا للمحبة ومحافظة على مباديها، رجاء أن تنتهي بالناس إلى غايتها فيزول عنهم الشقاء وتتم لهم السعادة. فإن استطعت أن تبيت وليس في قلبك بغض لأحد فافعل. أزل ما في قلبك من الحقد للناس كافة، وتودد إليهم ليصفو عيشك وتطيب حياتك.
تحبب إلى جيرانك وأقاربك بقدر ما يمكنك، وابذل الوسع في ذلك. (وأصل الحب التحابب). وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». أخرجه البخاري ومسلم. «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟! قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه». رواه البخاري ومسلم. وقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت». رواه مسلم.
صالح أعداءك، وأرح نفسك من عناء الفكر، وقلبك من تدبير السوء، واربأ بعمرك العزيز أن تصرفه في طرق العناد وأسباب الفساد.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» رواه البخاري ومسلم.
أسباب المحبة

المحبة: مركوزة في النفوس، ولا نعيم للقلوب إلا بها، حتى إن من ليس له محبوب مخصوص تراه عند سماع الغناء أو هبوب النسيم يئنُّ أنينًا ويَحِنُّ حنينًا، وربما بكى تَلهفًا أو سرورًا إذا كان رفيع الاستعداد رقيق الفؤاد.
وهذا النعيم الذي يجده، وتلك اللذة التي يشعر بها، ليس منشؤها التذاذًا بالأصوات واستحسانًا للنغمات، بل من أجل أن ذلك حرَّك من نفسه ساكنًا وهيج كامنًا، وإن كان لا يدري إلى أي شيء يحن! أو لماذا يئن؟! ولكنه مقتضى الغريزة الإنسانية والحكمة الربانية. وليس بلازم أن نأتي على كل ما في الأمر من سِر. فيمكنك أن تهيج تلك الغريزة من نفسك، فإن أصل الحب التحابب. ولهذا نَدَبنا الدين الحنيف لكل ما عسى أن يكون وسيلة لذلك من زيارة بعضنا بعضًا، ومودة بعضنا بعضًا، وإهداء بعضنا بعضًا، ومصافحة بعضنا بعضًا، إلى غير ذلك مما جاء في السنة.
وقد قالوا: إن العشق في أول أمره يكون اختياريًّا ثم يصير اضطراريًّا، فهو بمنزلة الشراب تستطيع أن تشرب وألا تشرب، ولكن لا تستطيع بعدُ ألا تسكر، ولعلك عاينت من الأسباب التي استعملتها لتحبيب بعض القلوب إليك شيئًا كثيرًا.
وأما الأسباب الطبيعية للمحبة، فأقواها التناسب بين الأرواح، فإنها جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف كما في الحديث. وعلى قدر ذلك التناسب يكون الحب، وما حُشِرَ المرء مع من أحب إلا لكونهما من وادٍ واحد. ولهذا السبب قد تتعجب من محبة بعض الناس لبعض على غير معنى فيه، غافلا عن هذا التشاكل الرُّوحاني الذي هو أقوى الأسباب وإن كان أخفاها، وهو السبب الذي لا يلحقه زوال ولا يعتريه اضمحلال، وصاحبه هو المحبوب لذاته لا لعلة ولا غرض.
وأما من أحبك لإحسانك إليه -والإحسان من أسباب المحبة- فقد تتغير محبته إذا انقطع إحسانك عنه. وربما عاداك وأضرك إذا وجد في ذلك فائدة أكبر وثمرة أعظم متى كان خبيث الطبع لئيم النفس، لأنه ما أحبك إلا لغرضه، فهو مع الغرض حيث كان.
ومحبة الأزواج والأصحاب تارة تكون من قبيل المحبة التي للأغراض وقضاء المآرب وتبادل المنافع وكثرة الفوائد، وهي المحبة التي لا تدوم، وتارة تكون للمناسبة بين النفوس، فلا تزداد على مَرِّ الأيام وكثرة الحوادث إلا قوة ومتانة. وهذا مما ينبغي الالتفات إليه جدًّا فيما بين الزوجين حتى تكون بينهما ألفة طبيعية ومحبة ذاتية، فلا يتطرق إليها انصداع ولا يلحقها انقطاع، وإلا تعاملوا معاملة التجار اللئام، وذهبوا إلى المحاكم بعد قليل من الأيام.
ومما يلتحق بسبب التشاكل الذي شرحناه ما تراه من ميل الصانع إلى الصانع، والزارع إلى الزارع، حتى إن السارق يرتاح للسارق، والفاسق يرتاح إلى الفاسق، لما بينهما من الصفات المشتركة (شبيه الشيء منجذب إليه)، بل ذلك في غير أفراد الإنسان.
وقد قالوا: «إن الطيور على أشكالها تقع» وإن كثيرًا ما يفرِّق بينهما تنازع البقاء، فيوقعهم في الشحناء والبغضاء. وأكثر الأسباب الواقعة بين الناس ما دعا إليه الغرض واقتضته الحاجة حتى قال أبو حيان النحوي:
لا ترجون دوام الخير من أحدٍ فالشر طبع وفيه الخير بالعرض
ولا تظن امرأ أسدى إليك يدًا من أجل ذاتك بل أسداه للغرض
ولهذا لا تكاد ترى محبة صادقة، غاية الأمر أن صاحب النفس الشريفة لا ينسى ودًّا، ولا ينقض عهدًا، ولكنه كثيرًا ما يفعل ذلك بمقتضى إحساسه الشريف، ومروءته الفاضلة، لا بمقتضى الألفة والمحبة.
وأهل تلك المحبة التي غايتها المنفعة الشخصية أكثر المحبين توددًا إليك، وترددًا عليك، ومسارعة إلى امتثال أوامرك، ولو كلفتهم نقل الصخور أو نطل البحور، ما دامت إليك حاجاتهم ولديك غاياتهم، حتى يخيل لك في تلك الأيام أنك ظفرت بأعظم الناس نفعًا وأرقهم طبعًا، فإذا ظفروا بما أرادوه منك ولم يتوهموا لديك شيئًا يعود عليهم، طاروا من حولك طيران الذباب إلى من يبتغون عنده حاجتهم، حتى إذا نالوا منه بغيتهم فعلوا فعلتهم. فعلى من يريد اتخاذ الأصدقاء أن يبحث عن جوهر النفوس وما لها من الصفات الذاتية والاستعدادات الطبيعية، ولا يغتر بتلك الألوان البراقة التي يظهر بها الإنسان على حسب الحاجة، فإنه في ذلك أبرع من الحرباء وأروغ من الثعلب (والإنسان مجمع العجائب والغرائب، ومظهر المتضادات والمتناقضات).
هذا ومن أسباب المحبة الجمال الظاهري أو الباطني، وبهذا السبب قد أحببنا الأزهار والأطيار، والصور الجميلة والنقوش البديعة، فإن الجمال لا يختص بنوع الإنسان أو جنس الحيوان، بل جمال كل شيء في أن يصل إلى كماله الذي يراد منه، وغايته الممكنة له، والجمال محبوب بالطبع لذاته، ولهذا السبب بعينه قد أحببنا الكرماء والفضلاء والعلماء. وإياك أن تكون ممن يقصر الحب على الجمال الحسي والحسن الظاهري، فتنكر محبة الله تعالى حبًّا وجدانيًّا ذوقيًّا، فتكون من العامة لا من الخاصة الذين فهموا قوله تعالى: [يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ] {المائدة:54}. حق الفهم فلم يحتاجوا فيه إلى تجوز ولا تأويل.
على أن ذلك غريزة في الإنسان وإن كانت تحتاج إلى التهييج في بعض الناس الذين لم تفسد إنسانيتهم بالكلية. وإن الذي تجده من محبة العامة لعنترة وغيره من الشجعان، وتفاني بعض الناس في محبة العلماء والعظماء، وارتياح النفس والتذاذها بسماع أخبار سيدنا عمر بن الخطاب في عدله، أو سيدنا علي بن أبي طالب في شجاعته وعلمه وسرعة بديهته وقوة حجته، أو أخبار السموءَل في وفائه، أو حاتم الطائي في سخائه، ليس إلا بمقتضى تلك الغريزة التي تُفضِّل الجمال المعنوي على الجمال الحسي.
هذا وقد رأينا أن نسمعك بعض ما جاء في السنة مما يناسب هذا الموضوع، فنقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يرحم الناس لا يرحمه الله». رواه البخاري ومسلم. وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منَّا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر» رواه أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذلَّ في نفسه من غير مسألة، وأنفق مالا جَمعَه في غير معصية، ورحم أهل الذِّلة والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة». رواه الطبراني.
«لا تنزع الرحمة إلا من شقي». رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسرَّه بذلك، سَرَّه الله عز وجل يوم القيامة» رواه الطبراني في الصغير بإسناد حسن.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تقبلون الصبيان وما نقبلهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك». رواه البخاري ومسلم.
«دخلت امرأة النار في هِرةٍ ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها وعلى البئر كلب يلهث، فرحمه: فنزع أحد خفيه فسقاه، فشكر الله له فأدخله الجنة». رواه ابن حبان في صحيحه.
«من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» رواه مسلم.
«لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة». رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه: لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله».
ونظر ابن عمر يومًا إلى الكعبة فقال: «ما أعظمك وما أعظم حرمتك: والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك». رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضًا لهم. قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: بصلتهم أرحامهم» رواه الحاكم والطبراني بإسناد حسن.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير: أوصاني ألا أنظر إلى من هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مُرًّا، وأوصاني أن أكثر من «لا حول ولا قوة إلا بالله» فإنها كنز من كنوز الجنة». رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسنَ الناس أحسنَّا وإن أساء النَّاس أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا ألا تظلموا» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة: من البغي وقطيعة الرحم». رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، رفعه، قال: «الطابع معلق بقائمة العرش، فإذا اشتكت الرحم، وعمل بالمعاصي، واجترئ على الله، بعث الله الطابع فيطبع على القلب فلا يعقل بعد ذلك شيئًا». رواه البيهقي والبزار واللفظ له.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: «وجبت محبتي للمتحابين فيَّ وللمتجالسين فيَّ وللمتزاورين فيَّ وللمتباذلين فيَّ». رواه مالك بإسناد صحيح. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الله في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه». رواه الطبراني ورواته ثقات.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». رواه مالك والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
وعن أبي موسى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف، أو الخير. قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنه له صدقة». رواه البخاري ومسلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
المصدر : مجلة الأزهر مجلد /6/ محرم 1354هـ الجزء /6/ بتصرف يسير.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-10-2025, 07:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,465
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحبة وأنواعها وبعض آثارها الجليلة

المحبة وأنواعها -2-


الشيخ يوسف الدجوي


ذكرنا لكم شيئًا في المقال السابق عن المحبة وآثارها وفوائدها وما جاء فيها واليوم نذكر لكم أنواع المحبة ونتغلغل بك في حديثها -وأي حديث ألذ من حديث المحبة؟!
ولسنا نقول ما يقول ذلك القائل الذي يؤلمه أنه لا يجد من يطارحه حديث المحبة:
ما بالديار أخو شوق نطارحه=حديث نجد ولا خل نصافيه
ولنعد إلى الموضوع فنقول:
من أنواع المحبة محبة الوالد لولده. وهي تكاد تكون لا لغرض ولا علة، لأنها من قبيل محبة الشخص لنفسه، فإن في بقاء ابنه نوع بقاء له. وقد ينضم إلى ذلك توهم المنفعة من الولد، فهي طبيعية لا يشذ عنها إلا من خرج عن مقتضيات الطبيعة.
ومنها محبة الولد لوالده. وهي تكاد تكون من قبيل محبة العلل والأغراض، حتى إن من الأولاد من يفرح عند موت أبيه أو لا يتألم لما ترك وراءه من ثروة طائلة. ولعل ابن الفقير يحزن على أبيه أكثر من ابن الغني. وأما ما تجده من احترام الأبناء للآباء والقيام بواجبهم فمرجعه في الغالب إلى مزيد أدب، أو حسن تربية،أو دفع معرة وانتقاد، أو توهم منفعة وحصول غاية، لا إلى مودة ومحبة. ولهذا ترى القرآن الشريف قد اعتنى بوصية الأبناء على الآباء شدة الاعتناء، وترك الآباء ينساقون نحو الأبناء بسائق المحبة الطبيعية.
فيجب على الأولاد أن يقووا في نفوسهم محبة آبائهم، وأن يتفكروا فيما كان لهم من إحسان لا يسمح به غيرهم، فيقابلوا المحبة بالمحبة والإحسان بالإحسان، وأن يكرروا على مسامعهم ما جاءت به الآيات والأحاديث، وما رسمته الأخلاق والآداب في ذلك.
ويلزمنا أن نكتفي منهم بهذا الحب التكلفي، حيث لم نظفر منهم بالحب الطبيعي، وهو كافل للراحة وكاف في الصفاء.
ولنذكر هنا ما ذكره كثير من المفسرين عند تفسير قوله تعالى:[وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا] {الإسراء:24} ، فنقول: روى ابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رضا الله تعالى في رضا الوالدين، وسخط الله تعالى في سخط الوالدين».
وقد صح أن رجلا جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد معه، فقال: «أحيٌ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد». وما أحسن ما قال بعضهم:
غذوتك مولودًا وَمُنْتك يافعًا=تعل بما أجني عليك وتنهلُ
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت=لسقمك إلا ساهرًا أتململُ
كأني أنا المطروق دونك بالذي=طرقت به دوني فعيني تهملُ
تخاف الردى نفسي عليها وإنها=لتعلم أن الموت وقت مؤجلُ
فلما بلغت السن والغاية التي=إليها مدى ما كانت فيها أؤمِّلُ
جعلت جزائي غلظة وفظاظة=كأنك أنت المنعم المتفضلُ
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي=فعلت كما الجار المجاور يفعلُ
تراه محبا للخلاف كأنه=برد على أهل الصواب موكلُ
وكان ذلك فيما يروى بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: للولد: «أنت ومالك لأبيك». كذا رواه البيهقي في الدلائل، والطبراني في الأوسط والصغير في قصة طويلة. وروى مسلم عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه» في قصة جرت له مع أعرابي كان أبوه يود عمر بن الخطاب.
محبة الأصدقاء:

ومنها محبة الأصدقاء ولا بد للإنسان من صديق يأنس به، ويلقي عليه بعض همومه، وقد خلق الإنسان ضعيفًا، حتى إنه لا يستطيع أن يكتم ما في صدره من فرح أو ترح، وهو على نفسه أشق من الأثقال الحسية، فإن هذه على جسمه وتلك على قلبه:
ولا بد من شكوى إلى ذي صداقة=يسليك أو ينسيك أو يتوجع
وقد قيل لبعض الحكماء: أخوك أحب إليك أم صديقك؟ فقال: إني لا أحب أخي إلا لكونه صديقي.
وكثيرًا ما تسمعهم يقولون: إن الصديق محال الوجود. حتى إذا أردت أن تبالغ في أمر قلت: هو من رابع المستحيلات، وأما الثلاثة فهي مقررة معروفة لا نزاع فيها:
أيقنت أن المستحيل ثلاثة=الغول والعنقاء والخل الوفي
ويقول غيره:
سمعنا بالصديق ولا نراه=على التحقيق يوجد في الأنام
وأحسبه محالا نمقوه=على وجه المجاز من الكلام
وهاك شيئًا مما قالوه في هذا الموضوع، نورده لك تفكهة أو تبصرة:
تغير إخوان هذا الزمان=فكل خليل عراه الخلل
وكانوا قديمًا على صحة=وقد داخلتهم صروف العلل
قضيت التعجب من أمرهم=فصرت أطالع باب البدل

خذ من دنا وتجاف من بعدا=لا تكرهن على الهوى أحدا
قد أكثرت حواء ما ولدت=فإذا جفا ولد فخذ ولدا

وزهّدني في الناس معرفتي بهم=وطول اختباري صاحبا بعد صاحب
فلم تُرِنِي الأيام خِلاًّ تسرني=مباديه إلا ساءني في العواقب
إني لأفتح عيني حين أفتحها=على كثير ولكن لا أرى أحدا

إذا ما ضاع منك اليوم خِل=فلا تحزن عليه الدهر وافرح
فإن الخل عبء أي عبء=فمهما اسطعت أن تلقيه فاطرح
إذا قيل في الدنيا خليل فقل نعم=خليل اسم شخص لا خليل وفاء
وإن قيل في الدنيا جواد فقل نعم=جواد ركوب لا جواد عطاء
إلى غير ذلك وهو كثير. وسر ذلك أن الإنسان يطلب صديقًا لا يتغير بحال، ولا يتصف بعيب، يقدمك على نفسه، ويتحملك في كل ما تأتي به، كما قال قائلهم:
إن أخا الإنسان من كان معه=ومن يضر نفسه لينفعه
ومن إذا ريب الزمان صدعه=شتَّت فيه شمله ليجمعه
ومن الغريب أنه يوجب ذلك على صديقه له ولا يوجبه على نفسه لصديقه. ولكن إذا كانت الصداقة مبنية على تشاكل في الأرواح، وصادفت مع هذا استعدادًا حسنًا، كانت الأمنية المطلوبة، والبغية المرغوبة. وإذا تكمل إيمان المرء وجدت فيه كل ما تحب من صفات الخير وسجايا الفضل، حتى يقدمك على نفسه كما تحب، فإنه إذا وصل إلى درجة الكمال كان من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
ولا شيء يعلي الهمة ويعظم المروءة ويورث الرحمة ويغرس في القلوب المحبة مثل الإيمان الكامل. فإذا اشتاقت نفسك إلى ذلك الصديق فاطلبه بين المؤمنين، فعسى أن تجده فيهم، فهم مظان وجوده.
على أنه يلزمك أن تكتفي من صديقك بفضيلة من الفضائل، وتغتفر له في جانب ذلك ما يكون منه، فإن الحسنات يذهبن السيئات:
ولستَ بمستبْق أخا لا تلمه=على شعَثٍ أيُّ الرجال المهذَّب
ولا تطلب أن يكون جامعًا لكل فضل، مبرأً من كل نقص (وإذا كان مَن هذه صفاته ممن يدخل في عالم الوجود فاجتهد أن تكون أنت ذلك الإنسان).
فالخلاصة: أنه يلزمك أن تعرف الطبائع البشرية ومقتضياتها، ولا تطلب ما ليس في طبع الإنسان، وأن تكتفي ممن يكون صديقك بجهة من جهات الخير، ثم تقبله بعد ذلك على ما فيه من عيب، وتتحرز منه في الجهة الأخرى (جهة الشر الذي فيه). فإذا ظفرت بمن يغلب خيره على شره، فقد ظفرت بالخير كله.
محبة الوطن:

حب الوطن يكاد يكون ألصق شيء بالنفوس، حتى إنه ليلتحق بغرائزها المجبولة عليها. وقد قرن الله الخروج من الأوطان بالقتل فقال: [وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ] {النساء:66}. فلولا أن حب الوطن متأصل في النفوس ما جعل الخروج من الأوطان قرين القتل. وقال في آية أخرى حكاية عن بني إسرائيل: [وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا] {البقرة:246}. ولا شك أن كل إنسان يجد من نفسه حنينًا إلى وطنه الذي نشأ فيه، وشوقًا إلى تلك المعاهد التي ربي فيها، وميلا طبيعيًّا إلى ذلك الصفاء الذي أخذ من قلبه محلا لا تعفيه الدهور:
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمو=عهودًا مضت فيها فحنوا لذلكا
ومحبة بلادك التي غمرتك بخيراتها، ومحبة أمتك التي تسعد بسعادتها وتشقى بشقائها ليست في الحقيقة إلا محبة لنفسك.
وإن الأمة لا تكون أمة تتمتع بحقوق الأمم الحية، وتأمن على نفسها من الانحلال والفناء في الأمم الأخرى، إلا إذا رسخت فيها محبة الوطن.
وقد ندبك الدين الحنيف إلى محبة الناس كلهم والرحمة بهم، ولكن على درجات مخصوصة وحدود محدودة. والإنسان الكامل هو من لا تختلط عليه الأمور ولا تشتبه لديه الخيرات بالشرور، فيعرف مراتب المخلوقات ونسبتها إليه، ومقدار قربها وبعدها من خالقها، فيعطي كل مرتبة حقها، وكل درجة قسطها، ملاحظًا معاملة الله لهم ورحمته بهم، وأنهم مخلوقاته، فلا يجهل نسبتهم، ولا يظلم رتبتهم، ومن أحب الصانع واعتقد كماله، أحب الصنعة لا محالة.
وللأشياء جهات وحيثيات يجب أن تراعى كلها في نظر الحكيم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «تخلقوا بأخلاق الله» فمن شاركك في الإنسانية كان له عليك حق واحد وهو حق الإنسانية، ومن شاركك في الإيمان أيضًا فله عليك حق الإنسانية وحق الإيمان. فإن كان مع هذا أحد من ينتمي إليك بالقرابة، كان له عليك حق القرابة أيضًا. فإن انضم إلى ذلك كونه جارًا لك انضم إلى تلك الحقوق حق رابع ، وهكذا.
وأهل تلك الدرجات متفاوتون أيضًا، فمن كان أقرب إليك كان أعظم حقًّا عليك، ومن كان ألصق بك من جيرانك كان أوجب مراعاة من غيره، ومن صنع معك خيرًا من أولئك الأقارب أو الجيران كان حقه عليك آكد ممن سواه: « من صنع معكم معروفًا فكافئوه [هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ] {الرَّحمن:60}. فإذًا أهل وطنك لهم عليك حقوق كثيرة، وواجبات عديدة، على حسب ما شرحنا. ولعلك من أوسع الناس علمًا بهذا الموضوع (موضوع محبة الوطن) فلنقتصر منه على هذا.
ولكن لا بأس بعد ما تقدم أن نسوق إليك فائدة أخرى: وهي أن الإنسان إذا لم يكن بين من يميل إليهم من أشكاله فهو غريب وإن كان في وطنه، فإن معاشرة من ليس بينك وبينه مناسبة أثقل على الأرواح من كل شيء، وقد قالوا: إن حُمَّى الروح مجالسة الثقيل الذي يباينك وتباينه، وأنشدوا في ذلك:
وما غُرْبة الإنسان في البعد والنوى=ولكنها في قرب من ليس من شكلي
وإني غريب بين بست (1) وأهلها=وإن كان فيها موطني وبها أهلي
محبة الله عز وجل:

قد سبق لك أسباب المحبة، وأن كل سبب منها يوجب المحبة على انفراده، وإن كان بعضها أقوى من بعض. فإذا أمكن أن تجتمع هذه الأسباب كلها في شيء واحد، وجب أن تكون محبته أتم أنواع المحبة وآكدها وأشدها، ولا يتصور ذلك على الحقيقة إلا في الله تعالى، كما ستعلم: [وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ] {البقرة:165}. فإذا نظرت بعين التحقيق وصادفك نور التوفيق، وجدت كل سبب من الأسباب المتقدمة يقضي عليك بحب الله تعالى، بل إذا دققت النظر وأمعنت الفكر، ورقَّت كثافة حجابك وعلوت عن أرض طبيعتك، وترقيت عن درجة المحسوسات التي يشاركك فيها جميع الحيوانات، إلى أفق قلبك، وأشرقت عليك شمس بصيرتك، وجدت المستحق للمحبة على الحقيقة إنما هو الله تعالى دون غيره.
فإذا كان الإحسان يقتضي محبة المحسن، فلا إحسان كإحسانه تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا] {إبراهيم:34}. فإحسانه عليك في إفاضة وجودك، وإعطائك ضرورياتك وحاجياتك وكمالياتك: من عقلك، وسمعك، وبصرك، وذوقك، وجميع حواسك، وصفاتك الظاهرة والباطنة، وأنواع النعم الخارجة عن ذاتك، مما تندفع به ضرورتك، أو تزول حاجتك، أو تتم به لذتك - هذه الإحسانات الفائضة، والمنن المتواترة، لا تكاد تحصى أصنافها فضلا عن جزئياتها. ولو نظرت إلى نعمه المودعة في الهواء أو الماء، أو نور الشمس والقمر، وخلق الليل والنهار، لانقطعت أثناء سيرك ولم تفز إلا بقدر يسير منها، بل لا إحسان في الحقيقة إلا له تعالى، فإن من أنعم عليك من الخلق بشيء فإنما يقصد نفع نفسه بارتفاع الصيت وجميل الثناء أو حسن الجزاء، فهو في الحقيقة بائع أخرج من يده شيئًا ليعتاض عنه ما هو أعز منه عنده عاجلا أو آجلا.
ولا يتصور الإحسان الحقيقي الذي لا يقصد به عوض إلا من الله تعالى. على أنه هو الذي سخر لك قلب ذلك المحسن، وأودع فيه محبتك، أو الشفقة عليك، أو رجاء الخير من الله، أو من الناس بمساعدته إياك. ولو شاء لعكس كل ذلك وصرف قلبه عنك، وألقى في روعه ما ينفره منك (والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن).
فإن كنت تحب أحدًا لأجل إحسانه فاعرف المحسن الحقيقي، ولا يكن نظرك كنظر الحيوان يحب سائسه الذي يقدم له العلف، ولا يحب مالكه الذي أمر السائس وأعطاه على ذلك أجرًا.
وإن كنت تحب وجود نفسك وبقاءها وكمالها، فأحب من أعطاك ذلك كله من غير أن تسأله. بل كان في تدبيرك من قبل وجودك، وقد أعطاك من كمال الخلقة الظاهرية والباطنية ما لا يمكنك أن تهتدي إليه حتى تطلبه منه.
وإن كنت تحب أحدًا من أجل صفاته الجليلة ونعوته الجميلة كما تحب الملوك العاملين أو الفضلاء الكاملين وإن لم ترج خيرهم والانتفاع بهم، فأحب خالق الكمال والجمال الذي تنزه عن كل نقص، واتصف بكل صفات الكمال، والتي لا يصل إليها العلم، ولا يحيط بها العقل، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».
وإن كل من تحبه لهذا السبب فإنما تحبه لصفات معدودة وكمالات محدودة. فلتكن واسع النظر، نافذ البصيرة، عالي الهمة، عظيم العلم، كبير الفهم، حتى تحب من لا تعد صفاته، ولا تنتهي كمالاته. ولا تكن كالصبيان لا يمكنهم أن يحبوا من طبقات الناس إلا أسفلها وأدناها، دون أشرفها وأعلاها. وأنت مستعد لإدراك الجمال المعنوي والكمال الإلهي، وهي خاصتك التي امتزت بها عن سائر الحيوان. وعلى قدر ذلك تلتحق بالملائكة ويتحقق فيك روح الإنسانية.
وكل من بطلت فيه خاصة نوعه فليس في الحقيقة من ذلك النوع، لأن النوع لا يوجد بدون خاصته على الحقيقة، فهيج من نفسك الشوق إلى تلك المعارف التي هو ألذ من كُلِّ شيء، ولا تُمت تلك الحاسة الباطنية التي هي أعلى حواسك وأشرف مزاياك.
فلذة العلم عند ذويها فوق اللذائذ كلها، لأنها لا توجد إلا في سماء الإنسانية دون أرض الحيوانية. واللذائذ مرتبة على حسب درجات العوالم، ولذة العلم بعد ذلك على قدر ما تدرك من شرف المعلوم. فليس علمك بأسرار الملِك وشؤونه في مملكته كعلمك بأحوال رجل من السوقة. فإذًا يكون العلم بأشرف المعلومات ألذ العلوم، وليس هناك أجل من الله تعالى الذي لا يثني عليه حق ثنائه غيره، ولا يحيط بكماله سواه.
فطهر قلبك من أدناس الرذائل كلها، وهيئه لغرس تلك المحبة التي هي أتم اللذات وأكبر السعادات، وهي مطلب قلبك لو كان باقياً على صحته، ومأرب روحك لو لم تتشعب بها الطرق وتظلها الأهواء:[ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85} . وإلا فأنت المخاطب بقول القائل:
لديك جمال الجمادات فهِمْ بها=إذا كنت ميالا إلى الصور الخرس
هذا ويجمل بك ها هنا أن تعرف أن المحبة أنجع وسيلة إلى تهذيب الأخلاق وتكميل النفوس، بل إن شئت فقل إنها تقلب الطباع وتغير الحقائق: فتجعل الشحيح من أسخى الأسخياء، والجبان من أشجع الشجعان. فإذا اتفق لك أنك وصلت إلى حد الكمال في محبة الله تعالى ومحبة رسوله ومحبة الكاملين من أمته، سارعتْ إليك الكمالات، وترادفت عليك الخيرات، وانطبعت في مرآة قلبك صفاتهم، فتبدلت منك الرذائل بالفضائل. وعلى قدر المحبة يكون انطباع صفات المحبوب في نفس المحب. وقد عرَّفوا المحبة بأنها استهلاك الصفات في الصفات، وفناء الإرادات في الإرادات:
فلم تهوني ما لم تكن فيَّ فانيا=ولم تفن ما لم تجتلِ فيك صورتي
وقد عُرِّفت أيضًا بأنها نار تحرق من قلب المحب الميل إلى ما سوى المحبوب:
وحَّدَ القلبُ حبه فالتفاني=لك شرك ولا أرى الإشراكا
وناهيك بمن وصل إلى تلك الدرجة من محبة الله تعالى ومحبة رسوله: كيف تترادف عليه البركات، وتغمره الفيوضات، فيستحق من الكرامة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
واذكر هنا قوله صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب». واعرف شرف تلك المعية وما لذويها من الدرجة العلية. فالحب أكبر وسيلة من وسائل الخير والكمال.
كما أنه أعظم ذرائع الفساد إن تعلق بغير ذلك. فهو ترياق نافع، وسم ناقع، على حسب ما يتعلق به من المحبوبات. ويكفيك هذا التلميح. والله يتولى هداك.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
المصدر: مجلة الأزهر المجلد 6 محرم 1354 هـ الجزء /6/ بتصرف يسير
( ) بست بالفتح : واد بأرض أربل ، وبالضم : بلد بسجستان كذا في القاموس








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 90.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 88.42 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]