تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 66 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما أفضل حمية للمصابات بسكر الحمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          دليلك الشامل لأنواع السرطان! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ما لا تعرفه عن أسباب العقم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العصبية وصحة القلب: هل الغضب يدمّر صحتك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أعراض مرض الزهري: كل ما تحتاج معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أطعمة غنية بسكر الفركتوز: هل هي ضارة أم مفيدة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          7 نصائح ذكية حول كيفية الوقاية من داء القطط للحامل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أسباب وعوامل خطر الإصابة بسوء التغذية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أطعمة تحتوي على الكربوهيدرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          إنقاص الوزن بعد الولادة: طرق آمنة وفعالة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #651  
قديم 16-07-2025, 12:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (651)
صــ 241 إلى صــ 250





14181- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، اليهود والنصارى يُخاف أن تقوله قريش.
14182- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، قال: اليهود والنصارى. قال: أن تقول قريش.
14183- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، وهم اليهود والنصارى.
14184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، أما الطائفتان: فاليهود والنصارى.
* * *
وأما (وإن كنا عن دِرَاستهم لغافلين) ، فإنه يعني: أن تقولوا: وقد كنا عن تلاوة الطائفتين الكتابَ الذي أنزلتُ عليهم (1) = "غافلين" ، لا ندري ما هي، (2) ولا نعلم ما يقرؤون وما يقولون، وما أنزل إليهم في كتابهم، لأنهم كانوا أهله دوننا، ولم نعن به ولم نؤمر بما فيه، ولا هو بلساننا، فيتخذوا ذلك حجة. فقطع الله بإنزاله القرآنَ على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حجتهم تلك. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14185- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
انظر تفسير (( الدراسة )) فيما سلف 6: 546 / 12: 25 - 31.

(2)
في المخطوطة: (( ما هم )) ، ويؤيد ما في المطبوعة، ما سيأتي بعد في رقم: 14188.

(3)
انظر تفسير (( الغفلة )) فيما سلف من فهارس اللغة (( غفل )) .

معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، يقول: وإن كنا عن تلاوتهم لغافلين.
14186- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، أي: عن قراءتهم.
14187- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، قال: "الدراسة" ، القراءة والعلم. وقرأ: (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) ، [سورة الأعراف: 169] . قال: علموا ما فيه، لم يأتوه بجهالة.
14188- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، يقول: وإن كنا عن قراءتهم لغافلين، لا نعلم ما هي.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك" ، لئلا يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريش: "إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" ، أو: لئلا يقولوا: لو أنّا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه ونُهِينا، وبُيِّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه = (لكنا أهدى منهم) ، أي: لكنا أشدَّ استقامة على طريق الحق، واتباعًا للكتاب،
وأحسن عملا بما فيه، من الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا. (1) يقول الله: (فقد جاءكم بينة من ربكم) ، يقول: فقد جاءكم كتابٌ بلسانكم عربيٌ مبين، حجة عليكم واضحة بيّنة من ربكم (2) = (وهدى) ، يقول: وبيان للحق، وفُرْقانٌ بين الصواب والخطأ =، (ورحمة) لمن عمل به واتّبعه، كما:-
14189- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم) ، يقول: قد جاءكم بينة، لسانٌ عربي مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم.
14190- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) ، فهذا قول كفار العرب = (فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) .
* * *
القول في تأويل قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فمن أخطأ فعلا وأشدّ عدوانًا منكم، أيها المشركون، المكذبون بحجج الله وأدلته = وهي آياته (3) = (وصدف عنها) ، يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن بها، ولم يصدِّق بحقيقتها.
(1)
انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

(2)
انظر تفسير (( البينة )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(3)
انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم)

= وتفسير (( الآية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) .
وأخرج جل ثناؤه الخبر بقوله: (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله) ، مخرج الخبر عن الغائب، والمعنيّ به المخاطبون به من مشركي قريش.
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (وصدف عنها) ، قال أهل التأويل. (1)
* ذكر من قال ذلك:
14191- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وصدف عنها) ، يقول: أعرض عنها.
14192- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يصدفون عن آياتنا) ، يعرضون عنها، و "الصدف" ، الإعراض.
14193- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وصدف عنها) ، أعرض عنها، (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) ، أي: يعرضون.
14194- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وصدف عنها) ، فصدَّ عنها.
* * *
وقوله: (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب) ، يقول: سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها، (2) ولا يتعرفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله، وحقيقة نبوة نبيه، (3) وصدق ما جاءهم به من عند
(1)
انظر تفسير (( صدف )) فيما سلف 11: 366.

(2)
انظر تفسير (( الجزاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) .

(3)
في المطبوعة: (( وحقية نبوة نبيه )) ، فعل بها ما فعل بأخواتها من قبل. انظر ما سلف 11: 475 تعليق: 3، والمراجع هناك. و (( حقيقة )) مصدر بمعنى (( حق )) .

ربهم = (سوء العذاب) ، يقول: شديد العقاب، وذلك عذاب النار التي أعدَّها الله لكفرة خلقه به = (بما كانوا يصدفون) ، يقول: يفعل الله ذلك بهم جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا، فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: هل ينتظر هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام (1) إلا أن تأتيهم الملائكة "، بالموت فتقبض أرواحهم = أو أن يأتيهم ربك، يا محمد، بين خلقه في موقف القيامة =" أو يأتي بعض آيات ربك "، يقول: أو أن يأتيهم بعضُ آيات ربك. وذلك فيما قال أهل التأويل: طلوعُ الشمس من مغربها."
* ذكر من قال من أهل التأويل ذلك:
14195- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إلا أن تأتيهم الملائكة} ، يقول: عند الموت حين توفَّاهم = "أو يأتي ربك" ، ذلك
(1)
انظر تفسير (نظر فيما سلف 1: 467 - 469/8: 437، 438)

يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" ، طلوع الشمس من مغربها.
14196- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: {إلا أن تأتيهم الملائكة} ، بالموت = "أو يأتي ربك" ، يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" ، قال: آية موجبة، طلوع الشمس من مغربها، أو ما شاء الله.
14197- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة" ، يقول: بالموت = "أو يأتي ربك" ، وذلك يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" .
14198- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة" ، عند الموت = "أو يأتي ربك" = "أو يأتي بعض آيات ربك" ، يقول: طلوع الشمس من مغربها.
14199- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال، قال عبد الله في قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك" ، قال: يصبحون والشمس والقمر من هاهنا من قبل المغرب، كالبعيرين القَرينين = زاد ابن حميد في حديثه: "فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قَبْل أو كسبت في إيمانها خيرًا" ، وقال: "كالبعيرين المقترنين" . . (1)
14200- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة" ، تقبض الأنفس بالموت = "أو يأتي ربك" ، يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" .
(1)
= "الأثر: 14199 - خبر عبد الله بن مسعود، لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وهذا إسناد صحيح. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 22 وقال: (( رواه الطبراني من طريقين، إحداهما هذه، وفيها عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيف. والأخرى مختصرة، ورجالها ثقات )) ، قلت: كأنه يعني هذه الطريق، أو غيرها من الطرق الآتية بعد."

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 57، ونسبة إلى سعيد بن منصور، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والطبراني. وأغفل ما أخرجه ابن جرير.
ثم انظر خبر ابن مسعود من طرق كثيرة أخرى من رقم: 14227 - 14236.
القول في تأويل قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "يوم يأتي بعض آيات ربك" ، لا ينفع من كان قبل ذلك مشركًا بالله، أن يؤمن بعد مجيء تلك الآية.
* * *
وقيل: إن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه أن الكافر لا ينفعه إيمانه عند مجيئها: طلوعُ الشمس من مغربها.
* ذكر من قال ذلك، وما ذكر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
14201- حدثني عيسى بن عثمان الرملي قال، حدثنا يحيى بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها" ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1)
(1)
الأثران: 14201، 14202 - حديث الخدري، مروي من طريقين، هذا والذي يليه.

(( عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي )) ، شيخ الطبري، صالح الحديث، مضى برقم: 300.
و (( يحيى بن عيسى التميمي )) ، عم (( عيسى بن عثمان )) ، وهو ثقة. مضى برقم: 300، 6317، 9035.
و (( ابن أ [ي ليلى )) ، هو (( محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى )) ، كان فقيهًا صدوقًا، غير أنه كان سيئ الحفظ مضطرب الحديث. تركه أحمد. مضى برقم: 32، 33، 631، 3914، 5434.
و (( عطية )) ، هو (( عطية بن سعد بن جنادة العوفي )) ، مضى تضعيفه في رقم: 305.
وكان لعطية عن سعيد الخدري أحاديث عدة، قال ابن حبان: سمع من أبي سعيد (( الخدري )) ، أحاديث، فلما مات، جعل يجالس الكلبي ... فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ... فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه. فإن قيل له من حدثك بهذا فيقول: (( حدثني أبو سعيد )) ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي. قال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3: 31، بالإسناد الثاني، ورواه به أيضًا الترمذي في كتاب التفسير وقال: (( هذا حديث غريب. ورواه بعضهم ولم يرفعه )) . وهو خبر ضعيف الإسناد.
14202- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.
14203- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، وجرير عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. قال: فإذا رآها الناس آمن من عليها، فتلك، "حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" .' (1)
14204- حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري وإسحاق بن شاهين قالا
(1)
الأثر: 14203 - خبر أبي هريرة، رواه أبو جعفر من طرق.

الأولى: من طريق: عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، برقم 14203، 14209.
الثانية: من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، برقم: 14210، 14236.
الثالثة: من طريق: ابن عون، عن أبي سيرين، عن أبي هريرة برقم: 14211.
الرابعة: من طريق: أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: 14220.
الخامسة: من طريق جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن ابي هريرة برقم: 14219.
السادسة: من طريق ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة برقم: 14225.
السابعة: من طريق أبي حازم، عن ابي هريرة، رقم 14247، وهو بغير هذا اللفظ.
ولتفرق هذه الآثار، سأجمع كل متشابهين في التخريج في مكان واحد. فهذا الأثر رقم: 14203، 14209 رواه البخاري من هذه الطريق نفسها (الفتح 8: 223 / 11: 304) ، ورواه مسلم في صحيحه 2: 194، ورواه أحمد رقم: 7161، وأبو دادود في سننه 4: 163، وابن ماجه ص: 1352، وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 433، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وعبد الرزاق، والنسائي، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، والطبراني أبي عدي.
و (( عمارة )) هو (( عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي )) ، روى له الجماعة، ثقة. مترجم في التهذيب.
و (( أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي )) ، مضى برقم: 4841، 8155، 9161.
وهذا حديث صحيح الإسناد.
أخبرنا خالد بن عبد الله الطحان، عن يونس، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يومًا: أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: إنها تذهب إلى مستقرِّها تحت العرش، فتخرُّ ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: "ارتفعي من حيث شئت" ، فتصبح طالعة من مطلعها. ثم تجري إلى أن تنتهي إلى مستقرٍّ لها تحت العرش، فتخرّ ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: "ارتفعي من حيث شئت" ، فتصبح طالعةً من مطلعها. ثم تجري لا ينكر الناسُ منها شيئًا، حتى تنتهي فتخرّ ساجدة في مستقر لها تحت العرش، فيصبح الناسُ لا ينكرون منها شيئًا، فيقال لها: "اطلعي من مغربك" فتصبح طالعة من مغربها. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتدرون أيّ يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: ذاك يومَ "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (1)
14205- حدثنا مؤمل بن هشام ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا ابن علية،
(1)
الأثر: 14204، 14205 - حديث أبي ذر الغفاري، رواه من طرق مطولا ومختصرًا، هذان، ثم من رقم 14221 - 14223، وسأذكرها مفرقة.

(( عبد الحميد بن بيان السكري، القناد )) ، شيخ الطبري، مضى مرارًا، آخرها 10154، وكان في المطبوعة هنا (( اليشكري )) ، وهو خطأ، صوابه ما في المخطوطة.
و (( إسحاق بن شاهين الواسطي )) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 7211، 9788.
و (( خالد بن عبد الله الطحان )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11504.
و (( يونس )) ، هو (( يونس بن عبيد بن دينار العبدي )) ، مضى أيضًا بأرقام آخرها: 10574.
و (( إبراهيم التيمي )) ، هو (( إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي )) تابعي، ثقة. مضى بأرقام آخرها: 10284.
وأبو (( يزيد بن شريك التيمي )) ، تابعي ثقة، مضى برقم: 2998.
وهو خبر صحيح الإسناد. رواه البخاري (الفتح 6: 214 / 8: 416) ، ورواه مسلم 2: 195، 196، والطيالسي: 62، والترمذي في التفسير، وفي الفتن. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 4334، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي داود، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي. وقد استوفى شرحه في الفتح (8: 416) .
عن يونس، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (1)
14206- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عاصم، عن زر، عن صفوان بن عسّال قال، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ من قِبَل مغرب الشمس بابًا مفتوحًا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه. فإذا طلعت الشمس من نحوه، لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا. . (2)
14207- حدثنا المفضل بن إسحاق قال، حدثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الإياميّ، عن أبيه، عن زبيد، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي قال: ذكرت التوبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: للتوبة بابٌ بالمغرب مسيرة سبعين عامًا = أو: أربعين عامًا = فلا يزال كذلك حتى يأتي بعض آيات ربك. . (3)
(1)
الأثر: 14205 - إسناده صحيح، مكرر الذي قبله

(2)
الأثر: 14206 - حديث (صفوان بن عسال المرادي ) ) صاحب رسول الله، رواه أبو جعفر من طريقين:

الأول: من طريق عاصم بن أبي النجود (عاصم ابن بهدلة) ، عن زر، عن صفوان، رقم 14206، 14208، 142016 - 14218، 14242.
الثاني: من طريق زبيد الإيامي، عن زر، عن صفوان رقم: 14207.
والخبر، رواه أحمد في المسند 4: 240، والطاليسي: 160، وابن ماجه ص: 1353، والترمذي، والنسائي. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 435، والسيوطي في الدر المنثور 3: 59، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والطبراني، وابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقي، وابن مردويه. وقال ابن كثير: (( صححه النسائي )) .
ورواه البخاري في التاريخ الكبير 2 / 2 / 305، من طريق عبد الرحمن بن مرزوق، عن زر حبيش، عن صفوان بن عسال، ثم قال: (( لا يعف سماع عبد الرحمن، من زر ))
(3)
الأثر: 14207 - (( المفضل بن إسحاق )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة. (( أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الإيامي )) ، ويقال:، (( اليامي )) أيضًا. ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، وقال أبو حاتم: (( محله صدق )) ، أما النسائي فقال: (( ليس بثقة، ولا يكتب حديثه )) قال ابن عدي: (( أفرط النسائي في أمره، وقد تبحرت حديثه، فلم أر له حديثًا منكرًا )) .

وكان في المطبوعة (( اليامى )) ، وأثبت ما في المخطوطة.
وأبوه: (( عبد الرحمن بن زبيد الإيامي )) ، روى عنه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار. قال البخاري: (( منكر الحديث )) وقيل: (( النكارة هي من يحيى )) ، نقل عن البخاري أيضًا. قال الحافظ في لسان الميزان: (( وهذا إنما قاله البخاري الراوي عنه. وأما (( عبد الرحمن )) ، فذكره ابن حبان في الثقات.
وأما أبوه (( زبيد بن الحارث الإيامي )) ، فهو ثقة، مضى برقم: 180، 2521، 5420. و (( زر بن حبيش )) ، مضى مرارًا.
ولم أجد من الخبر من هذه الطريق، في شيء مما بين يدي من الكتب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #652  
قديم 16-07-2025, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (652)
صــ 251 إلى صــ 260




14208- حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا سهل بن عامر قال، حدثنا مالك، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال أنه قال: إن بالمغرب بابًا مفتوحًا للتوبة مسيرة سبعين عامًا، فإذا طلعت الشمس من مغربها، لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا. (1)
14209- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت ورآها الناس، آمن مَنْ عليها، فذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل" . (2)
14210- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلعَ الشمس من مغربها، فيومئذ يؤمن
(1)
الأثر: 14208 - (( محمد بن عمارة الأسدي )) ، شيخ الطبري، مضى مرارًا. (( سهل بن عامرالبجلي )) ، ضعيف جدًا، منكر الحديث. مضى برقم: 1971، 5431، 6313.

و (( مالك )) هو (( مالك بن مغول بن عاصم البجلي )) ، ثقة، مضى برقم: 5431، 10872. وهذا خبر ضعيف الإسناد، لضعف (( سهل بن عامر البجلي )) .
(2)
الأثر: 14209 - مكرر الذي سلف برقم: 14203.

الناس كلهم أجمعون، وذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (1)
14211- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال، التوبة مقبولة، ما لم تطلع الشمس من مغربها. (2)
14212- حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال، حدثنا ابن عياش قال، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن مالك بن يخامر، عن معاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا تزل التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت طُبِع على كل قلب بما فيه، وكُفي الناسُ العمل. (3)
14213- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة وجعفر بن عون، بنحوه.
(1)
الأثر: 14210 - هذه هي الطريق الثانية لأثر أبي هريرة، كما سلف في صدر التعليق على رقم: 14203.

(( خالد بن مخلد القطواني )) ، ثقة من شيوخ البخاري، مضى برقم: 2606، 4577، 8166، 8397.
و (( محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري )) ، ثقة معروف، مضى برقم: 2606، 8397.
و (( العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة )) ، تابعي ثقة، مضى برقم: 221. وأبوه (( عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة )) ، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب.
وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 2: 194، من طريق يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر (أخو محمد بن جعفر رواى هذا الخبر) ، عن العلاء بن عبد الرحمن. وهو حديث صحيح الإسناد.
(2)
الأثر: 14211 - هذه هي الطريق الثالثة من طرق حديث أبي هريرة، كما سلف في رقم: 14203. (( ابن عون )) ، هو (( عبد الله بن عون المزني )) الفقيه، مضى مرارًا، آخرها رقم: 10559. وكان في المطبوعة: (( عن أبي عون )) ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وهذا إسناد صحيح أيضًا، لم أجد في غير التفسير.

(3)
الأثر: 14212 - (( أحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي )) ، الحافظ، شيخ الطبري، مضى برقم: 7489.

و (( سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى التميمي الدمشقي )) ، قال ابن معين: (( ثقة، إذا روى عن المعروفين )) ، وقال ابن حبان: (( يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات المشاهير، فأما إذا روى عن المجاهيل، ففيها منكر )) . مترجم في التهذيب.
و (( ابن عياش )) ، هو (( إسماعيل بن عياش بن مسلم العنسي )) ، ثقة، متكلم فيه، مضى برقم: 5445، 8164، 10375، 10730، 11108.
و (( ضمضم بن زرعة بن ثوب الحميري )) ، ثقة، وضعفه بعضهم مضى برقم: 5445.
و (( شريج بن عبيد بن شريح الحضرمي )) ، تابعي ثقة، مضى برقم: 5445، 12194.
و (( مالك بن يخامر السكسكى )) ، تابعي. مترجم في التهذيب.
وهذا خبر صحيح الإسناد، مختصر رواه أحمد في مسنده رقم: 1671، من طريق الحكم ابن نافع: (( عن إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، يرده إلى مالك بن يخامر، عن ابن السعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل. فقال معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة ... )) إلى آخر الخبر. وهو في حديث معاوية من المسند 5: 270 من غير هذه الطريق، بغير هذا اللفظ. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 5: 250، وانظر تخريج أخي السيد أحمد في المسند: 1671. وسيأتي أخي السيد أحمد في المسند: 1671.
14214- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي حيان التيمي، عن أبي زرعة قال، جلس ثلاثة من المسلمين إلى مروان بن الحكم بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات: أن أولها خروجا الدجالُ، فانصرف القوم إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بذلك، فقال: لم يقل مروان شيئًا! قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا لم أنسَه، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أوّل الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، أو خروج الدابة على الناس ضُحًى، أيَّتهما ما كانت قبل صاحبتها، (1) فالأخرى على أثرها قريبًا. ثم قال عبد الله بن عمرو، وكان يقرأ الكتب: أظن أولهما خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فيؤذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها، فعلت
(1)
في المطبوعة: (( أيتها كانت )) بغير (( ما )) ، وهي ثابتة في المخطوطة، ومسند أحمد.

كما كانت تفعل، أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم يردَّ عليها شيئًا، (1) فتفعل ذلك ثلاث مرات، لا يردّ عليها بشيء. حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أن لو أذن لها لم تدرك المشرق، قالت: "ما أبعدَ المشرق! ربِّ، منْ لي بالناس" ! حتى إذا صار الأفق كأنه طَوْق، استأذنت في الرجوع، فقيل لها: "أطلعي من مكانك" ، فتطلع من مغربها. ثم قرأ: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها" ، إلى آخر الآية. (2)
14215- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو ربيعة فهد قال، حدثنا حماد، عن يحيى بن سعيد أبي حيان، عن الشعبي، أن ثلاثة نفر دخلوا على مروان بن الحكم، فذكر نحوه، عن عبد الله بن عمرو. (3)
(1)
في المخطوطة: (( وذلك دانها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم يرد عليها شيئًا )) ، أسقط ما بين الكلام، وأثبته ناشر المطبوعة الأولى من الدر المنثور فيما أرجح، ومثله في مسند أحمد. وكان في المخطوطة: (( وذلك دانها )) غير منقوطة، صواب قراءتها ما في المطبوعة والمسند.

(2)
الأثر: 14214 - حديث عبد الله بن عمرو، رواه مطولا من طريقين، هذا والذي يليه، ورواهمختصرًا برقم 14226 - 14243.

(( أبو حيان التمي )) هو (( يحيى بن سعيد بن حيان التيمي )) ، ثقة، مضى مرارًا آخرها رقم: 10883.
و (( أبو زرعة بن عمرو بن جرير )) ، ثقة، مضى قريبًا رقم: 14203.
وهذا الخبر رواه أحمد في المسند رقم: 6881، من هذه الطريق نفسها، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 8، 9، وقال: (( في الصحيح طرف من أوله، رواه أحمد، والبزار، والطبراني، في الكبير، ورجاله رجال الصحيح )) .
ورواه الحاكم في المستدرك 4: 547، 548، بنحوه، من طريق جعفر بن عون العمري، عن أبي حيان التيمى، وقال: (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي غير مصرح بالموافقة.
ورةى الحاكم أيضًا في المستدرك 4: 500، 501، حديث عن عبد الله بن عمرو هذا بزيادة واختلاف، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن إسحاق بن وهب، عن جابر الخيواني، قال: (( كنت عند عبد الله بن عمرو، فقدم عليه قهرمان من الشام، وقد بقيت ليلتان من رمضان ... )) وساق الخبر، ثم قال: (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي.
وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 436، والسيوطي في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، ومسلم، وأبي داود، وابن ماجه، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي. والذي رواه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه، هو المختصر، لا هذا المطول.
(3)
الأثر: 14215 - هذه طريق أخرى للخبر السالف، وهو ضعيف إسناده. (( أبو ربيعة )) ، لقبه (( فهد )) ، واسمه (( زيد بن عوف القطعي )) ، متروك، قال البخاري: (( سكتوا عنه )) ، واتهمه أبو زرعة بسرقة حديثين، كما هو مفصل في ابن أبي حاتم. مترجم في الكبير 2 / 1 / 369، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 570، وميزان الاعتدال 1: 364، ولسان الميزان 2: 509.

14216- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، سمعت عاصم بن أبي النجود، يحدث عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بالمغرب بابًا مفتوحًا للتوبة مسيرة سبعين عامًا، لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه. (1)
14217- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال قال: إذا طلعت الشمس من مغربها، فيومئذ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. (2)
14218- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو ربيعة فهد قال، حدثنا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: غَدَوْتُ إلى صفوان بن عسال فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن باب التوبة مفتوح من قبل المغرب، عرضه مسيرة سبعين عامًا، فلا يزال مفتوحًا حتى تطلع من قبله الشمس. ثم قرأ: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك" ، إلى: "خيرًا" . (3)
14219- حدثني الربيع بن سليمان قال، حدثنا شعيب بن الليث قال،
(1)
الأثر: 14216، 14217 - طريقان من طرق حديث صفوان، السالف تخريجه رقم: 14206 - 14208. ورواه أحمد في المسند 4: 240، 241، في حديث طويل.

(2)
الأثر: 14216، 14217 - طريقان من طرق حديث صفوان، السالف تخريجه رقم: 14206 - 14208. ورواه أحمد في المسند 4: 240، 241، في حديث طويل.

(3)
الأثر: 14218 - طريق من طرق حديث صفوان السالف تخريجه رقم: 14206 - 14208، ولكن هذا الإسناد ضعيف، لضعف (( أبي ربيعة، فهد )) ، وقد مضى في رقم: 14215.

حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز: أنه قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من المغرب. قال: فإذا طلعت الشمس من المغرب آمن الناس كلهم، وذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (1)
14220- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها قُبِل منه. (2)
14221- حدثني المثنى قال، حدثنا فهد قال، حدثنا حماد، عن يونس بن عبيد، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشمس إذا غربت أتت تحت العرش فسجدت، فيقال لها: "أطلعي من حيث غربت" ، ثم قرأ هذه الآية: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) ، إلى آخر الآية (3) .
(1)
الأثر: 14219 -

هذه هي الطريق الخامسة لحديث أبي هريرة المذكورة في رقم: 14203.
(( شعيب بن الليث بن سعد المصري )) ، ثقة معروف، مضى برقم: 3034، 5314. و (( الليث بن سعد المصري )) ، الإمام المشهور، مضى مرارًا.
و (( جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي )) المصري، ثقة، مضى برقم 5005، 6897.
و (( عبد الرحمن بن هرمز )) الأعرج، مضى مرارًا. وهذا الخبر رواه البخاري (الفتح 11: 303 /13: 72) ، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
(2)
الأثر: 14220 - هذه هي الطريق الرابعة لخبر أبي هريرة، المذكور في رقم: 14203. رواه أحمد في المسند برقم 7697، ورواه مسلم في صحيحه من هذه الطريق، وخرجه أخي السيد أحمد هناك.

(3)
الأثر: 14221 - هذه إحدى الطرق الخمس، لحديث أبي ذر التي ذكرتها في تخريج الخبر رقم: 14204.وفي إسناد هذا الخبر انقطاع، فإن إبراهيم التيمي لم يرو عن أبي ذر. قال أحمد: "لم يلق أبا ذر" ، ولعل هذا المنقطع هو سبب قول مسلم في رواية هذا الحديث 2: 195: "يونس، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، سمعه فيما أعلم، عن أبيه عن أبي ذر" . فهذا إسناد ضعيف لانقطاعه. وهو أيضا إسناد ضعيف؛ لضعف "فهد" وهو "أبو ربيعة" ، "زيد بن عوف" مضت ترجمته في رقم 14215، 14218، وكان في المخطوطة: "يوسف بن عبيد" والصواب ما في المطبوعة.

14222- حدثني المثنى قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على حمارٍ، فنظر إلى الشمس حين غربت فقال: إنها تغرب في عين حامية، (1) تنطلق حتى تخرّ لربها ساجدة تحت العرش، حتى يأذن لها، فإذا أراد أن يطلعها من مغربها حبسها، فتقول: يا ربِّ، إن مسيري بعيد! فيقول لها: اطلعي من حيث غربت! فذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل" . (2)
14223- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة، عن موسى بن المسيب، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم يومًا إلى الشمس فقال: يوشك أن تجيء حتى تقف بين يدي الله، فيقول: "ارجعي من حيث جئت" ! فعند ذلك: "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (3)
(1)
في المطبوعة: (( في عين حمئة )) ، وأثبت ما في المخطوطة. و (( الحمئة )) : ذات الحمأة، وهي الطين الأسود المنتن. و (( الحامية )) الحارة، وآية سورة الكهف 86: (( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة )) ، قرئت أيضًا (( حامية )) ، قال أبو جعفر في تفسيره 16: 10 (بولاق) : أنهما: (( قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، ولكل واحدة منهما وجه صحيح، ومعنى مفهوم )) .

(2)
الأثر: 14222 - هذه إحدى الطرق الخمس المذكورة في رقم: 14204. (( سفيان بن حسين الواسطي )) ، ثقة، تكلموا في حديثه عن الزهري. مضى مرارًا، آخرها رقم: 11285.

و (( الحكم )) ، هو (( الحكم بن عتيبة الكندي )) ، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11085.
(3)
الأثر: 14223 - هذه آخر طرق حديث أبي ذر المذكورة في رقم: 14204. (( عبدة )) ، هو (( عبدة بن سليمان الكلابي )) ، ثقة من شيوخ أحمد. مضى مرارًا، آخرها: 8315.

و (( موسى بن المسيب الثقفي )) ويقال: (( موسى بن السائب )) ، لم يذكر البخاري فيه جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: (( ما أعلم إلا خيرًا )) ، وضعفه الأزدي. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 294، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 161.
14224- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، فهو أنه لا ينفع مشركًا إيمانه عند الآيات، وينفع أهل الإيمان عند الآيات إن كانوا اكتسبوا خيرًا قبل ذلك. قال ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيةً من العشيّات فقال لهم: يا عباد الله، توبوا إلى الله، فإنكم توشكون أن تروا الشمس من قِبَل المغرب، فإذا فعلت ذلك، حُبِست التوبة، وطُوِي العمل، وخُتم الإيمان. (1) فقال الناس: هل لذلك من آية يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن آية تلكم الليلة، أن تطول كقدر ثلاث ليال، فيستيقظ الذين يخشون رَبهم، فيصلُّون له، ثم يقضون صلاتهم والليل مكانه لم ينقض، ثم يأتون مضاجعهم فينامون. حتى إذا استيقظوا والليل مكانه، فإذا رأوا ذلك خافوا أن يكون بين يدي أمرٍ عظيم. (2) فإذا أصبحوا وطال عليهم طلوع الشمس، فبينا هم ينتظرونها إذ طلعت عليهم من قبل المغرب، فإذا فعلت ذلك لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. (3)
14225- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، أنه سمعه يقول: قال
(1)
في المخطوطة: (( وطوى العمل، وختم العمل )) ، وصححه الناشر الأول من الدر المنثور.

(2)
في المطبوعة، والدر المنثور: (( خافوا أن يكون ذلك بين يدي أمر عظيم )) ، وما في المخطوطة مستقيم.

(3)
الأثر: 14224 - (( محمد بن سعد العوفي )) ، وسلسة إسناده، شرحها أخي السيد أحمد في التعليق على الأثر رقم: 305، وكل رواته ضعفاء.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون، فيومئذ "لا ينفع نفسًا إيمانها" ، الآية. (1)
14226- وبه قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني ابن أبي عتيق، أنه سمع عبيد بن عمير يتلو: (يوم يأتي بعض آياته ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال، يقول: [كنّا] نُحدَّث، والله أعلم، أنها الشمس تطلع من مغربها = قال ابن جريج، وأخبرني عمرو بن دينار: أنه سمع عبيد بن عمير يقول ذلك = قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن أبي مليكة: أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن الآية التي لا ينفع نفسًا إيمانها، إذا طلعت الشمس من مغربها. = قال ابن جريج: وقال مجاهد ذلك أيضًا. (2)
14227- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (3)
(1)
الأثر: 14225 - هذه هي الطريق السادسة من طرق حديث أبي هريرة، التي ذكرتها في صدر التعليق على رقم: 14203.

(( صالح مولى التوأمة )) هو (( صالح بن نبهان )) . مضى برقم: 1020، 3959، ثقة، ولكنهم تكلموا فيه من قبل خرف أصابه فاختلط، فقال أحمد: (( من سمع منه قديمًا فذاك )) ، وابن جريج أحد القدماء الذين رووا عنه، فحديثه هذا لا بأس به. ولم أجد الخبر في مكان آخر.
(2)
الأثر: 14226 - هذه طريق أخرى لخبر عبد الله بن عمرو بن العاص، مختصر الخبر السالف رقم: 14212، وهو من طريق ابن جريج، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، وهو إسناد صحيح.

(3)
الأثر: 14227، 14228 - خبر عبد الله بن مسعود، رواه الطبري آنفًا من طريق رقم: 14199، ثم رواه هنا من طرق، من رقم 14227 - 14234، 14239، وهذا بيان طرقه.

الأولى: من طريق أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، برقم: 14199، ثم 14230، 14232، 14233.
الثانية: من طريق قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن مسعود، برقم: 14227، 14228، 14231.
الثالثة: من طريق ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود، برقم: 14229.
الرابعة: من طريق أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبي الشعثاء، عن أبي مسعود، برقم: 14234، 14239.
وهذا الخبر من الطريق الثانية.
(( زرارة أوفى الحرشي )) القاضي، ثقة، روى له أصحاب الكتب الستة. ولكنه لم يسمع من ابن مسعود، كما قال أبو داود الطيالسي، فهذا إسناد ضعيف لانقطاعه.
وانظر تخريج الأثر السالف رقم: 14199.
14228- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت قتادة يحدث عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها.
14229- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب، عن عوف، عن ابن سيرين قال، حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: ما ذكر من الآيات فقد مضَين غير أربع: طلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، والدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، والآية التي تختم بها الأعمال: طلوع الشمس من مغربها. ألم تر أن الله قال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، قال: فهي طلوع الشمس من مغربها. (1)
(1)
الأثر: 14229 - هذه هي الطريق الثالثة لخبر ابن مسعود، كما ذكرت في التعليق على الأثرين السالفين.

و (( عبد الوهاب )) هو (( عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي )) ، ثقة، مضى مرارًا، آخرها: 10729.
و (( عوف )) هو (( عوف بن أبي جميلة العبدي )) ، (( عوف الأعرابي )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 5473 - 5477. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( عبد الوهاب بن عوف، عن ابن سيرين )) ، وهو لا يصح، خطأ محض، وسيتبين ذلك فيما بعد.
(( ابن سيرين )) هو (( أنس بن سيرين الأنصاري )) ، كما يتبين من إسناد الحاكم في المستدرك، ولكن ابن كثير في تفسيره صرح بأنه (( عن محمد بن سيرين )) ، وكلاهما روى عنه عوف الأعرابي، والأرجح أن هذا الحديث من حديث (( محمد بن سيرين )) .
و (( أنس بن سيرين الأنصاري )) ، كان ثقة قليل الحديث، وهو أخو (( محمد بن سيرين )) ، وأنس دون أخيه محمد، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 33، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 287
و (( أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 10355، وقد سلف مرارًا أنه لم يدرك أن يروي عن أبيه بن مسعود.
فهذا إسناد منقطع.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 4: 545، من طريق سفيان، عن عوف، عن أنس ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود. قال الحاكم: (( هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه )) وقال الذهبي: (( صحيح )) . ولكن علته انقطاعه كما ثبت.
وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 437، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 59، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد. وابن مردويه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #653  
قديم 16-07-2025, 01:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (653)
صــ 261 إلى صــ 270




14230- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال عبد الله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كأنهما بعيران مقرونان. (1)
14231-. . . . قال شعبة: وحدثنا قتادة، عن زرارة، عن عبد الله بن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (2)
14232- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كالبعيرين المقترنين. (3)
14233- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كالبعيرين القرينين. (4)
(1)
الأثر: 14230 - هذه رواية الطريق الأولى لحديث ابن مسعود التي سلف بيانها في تخريج الخبر رقم: 14227، وسلف تخريجها في رقم: 14199.

(2)
الأثر: 14231 - هذه رواية الطريق الثانية لحديث ابن مسعود، وسلف تخريجه وبيان انقطاع إسناده فيها سلف رقم 14227.

(3)
الأثر: 14232، 14233 - هاتان روايتان من الطريق الأولى لحديث ابن مسعود كما بينته في رقم 14227، وهو صحيح الإسناد كما سلف في رقم: 14199.

(4)
14232، 14233 - هاتان روايتان من الطريق الأولى لحديث ابن مسعود كما بينته في رقم 14227، وهو صحيح الإسناد كما سلف في رقم: 14199.

14234-. . . وقال، حدثنا أبي، عن إسرائيل وأبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن عبد الله قال: التوبة مبسوطةٌ ما لم تطلع الشمس من مغربها. (1)
14235- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن ابن أمِّ عبد كان يقول: لا يزال باب التوبة مفتوحًا حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رأى الناس ذلك آمنوا، وذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (2)
14236- حدثنا بشر قال، حدثنا عبد الله بن جعفر قال، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت آمن الناس كلهم، فيومئذ "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (3)
14237- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها.
(1)
الأثر: 14234 - هذه الطريق الرابعة لحديث ابن مسعود، وسيأتي أيضًا برقم: 14239.

(( أشعث بن أبي الشعثاء )) ، هو (( أشعث بن أسود المحاربي )) ، ثقة مضى برقم: 10331، 10333.
وأبوه: (( سليم بن أسود حنظلة المحاربي )) ، (( أبو الشعثاء )) ، ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب
وهذا إسناد صحيح، لم أجده في شيء مما بين يدي من الكتب.
(2)
الأثر: 14235 - (( ابن أم عبد )) هو (( عبد الله بن مسعود )) .

وهذا خبر لم يذكر قتادة إسناده إلى ابن مسعود، وقد مر خبر قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن مسعود، بغير هذا للفظ برقم: 14227، 14228، 14231 مختصرًا.
(3)
الأثر: 14236 - هذه رواية خبر أبي هريرة، من الطريق الثانية التي ذكرتها في تخريج الأثر رقم 14203. وقد سلف تخريج هذه الطريق في التعليق على الأثر رقم: 14210.

14238-. . . وقال، حدثنا أبي، عن الحسن بن عقبة، أبي كيران، عن الضحاك: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1)
14239- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل قال، أخبرني أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن ابن مسعود في قوله: (لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) ، قال: لا تزال التوبة مبسوطة ما لم تطلع الشمس من مغربها. (2)
14240- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها.
14241- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني أبو صخر، عن القرظي: أنه كان يقول في هذه الآية: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) ، يقول: إذا جاءت الآيات لم ينفع نفسًا إيمانها. يقول: طلوع الشمس من مغربها. (3)
14242- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (4)
(1)
الأثر: 14238 - (( الحسن بن عقية المرادي )) (( أبو كيران )) (بالياء) ، ثقة روى عن عبد خير، والشعبي، والضحاك. روى عنه وكيع، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم. مترجم في الكبير 1 / 2 / 299، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 28، وكان في المطبوعة: (( أبي كبران )) بالباء، ومعها علامة شك.

(2)
الأثر: 14238 - هذه رواية الطريق الرابعة لحديث ابن مسعود، كما فصلتها في رقم: 14227. وسلف شرح هذا الإسناد برقم: 14234.

(3)
14241 - (( أبو صخر )) ، هو (( حميد بن زياد الخراط )) ، ونزل مصر. مضى برقم: 4325، 5386، 8391.

و (( القرظي )) ، هو (( محمد بن كعب القرظي )) ، مضى مرارًا، ومنها في مثل هذا الإسناد رقم: 8391.
(4)
الأثر: 14242 - هذه رواية حديث صفوان بن عسال، من الطريق الأولى، كما فسرتها في التعليق على رقم: 14206، وسلف الكلام فيه هناك.

14243- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1)
* * *
وقال آخرون: بل ذلك بعض الآيات الثلاثة: الدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها.
* ذكر من قال ذلك:
14244- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون، عن المسعودي، عن القاسم قال، قال عبد الله: التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها، ما لم تخرج إحدى ثلاث: ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو الدابة، أو فتح يأجوج ومأجوج. (2)
14245- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال، قال عبد الله: التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها، ما لم تخرج إحدى ثلاث: الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج يأجوج ومأجوج.
(1)
الأثر: 14243 - (( أبو إسحاق الهمداني )) ، هو: (( أبو إسحاق السبيعي )) ، مضى مرارًا.

و (( وهب بن جابر الخيواني الهمداني )) ، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، لقيه ببيت المقدس. روى عنه (( أبو إسحاق الهمداني )) وحده. تابعي ثقة. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قصة يأجوج ومأجوج، و (( كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت )) ، ولم يرو غير ذين. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 163، 164، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 23.
وهذا الخبران المذكوران في ترجمته، رواهما أبو داود الطيالسي في مسنده ص 301 رقم: 2281، 2282.
(2)
الأثران: 14244، 14245 - (( جعفر بن عون جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي )) ، (( أبو عون )) ثقة، مضى برقم: 9506.

و (( المسعودي )) هو: (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود )) ، مضى مرارًا برقم: 2156، 2937، 5563.
و (( القاسم )) ، هو (( القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود )) ، روى عن أبيه وجده عبد الله بن مسعود، مرسلا. ثقة قليل الحديث. مضى برقم: 9519.
وذكر أخي السيد أحمد في التعليق على الأثر: 9515، أن (( المسعودي، عن القاسم )) هو (( معن بن عبد الرحمن )) ، وأن القاسم فيما استظهر، هو أخوه: (( القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود )) ، والصواب أن (( المسعودي )) الراوي عن (( القاسم بن عبد الرحمن )) ، هو (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة )) . كما أسلفت. وإسناد هذا الخبر، ضعيف لانقطاعه.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 59، ونسبة إلى عبد بن حميد، والطبراني.
14246- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن عامر، عن عائشة قالت: إذا خرج أول الآيات، طُرِحت الأقلام، وحُبِست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال. (1)
14247- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث إذا خرجت "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" : طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض. (2)
14248- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا معاوية بن عبد الكريم قال: حدثنا الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال ستًّا: طلوعَ الشمس من مغربها، والدجال، والدخَان، ودابة الأرض، وخُوَيِّصة أحدكم، وأمرَ العامة.
(1)
الأثر: 14246 - (( منصور )) هو: (( المنصور بن المعتمر )) . و (( عامر )) هو الشعبي.

وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 3: 437، وإسناده صحيح. ولم أجده في شيء من الكتب التي بين يدي.
(2)
الأثر: 14247 - هذه هي الطريق السابعة من طرق خبر أبي هريرة التي ذكرتها في التعليق على الأثر: 14203.

(( محمد بن فضيل بن غزوان الضبي )) . روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 8395.
وأبوه: (( فضيل بن غزوان الضبي )) ثقة، روى له الجماعة. و (( أبو حازم )) هو الأشجعي، واسمه (( سلمان )) . ثقة، روى له الجماعة.
وهذا إسناد صحيح. رواه مسلم في صحيحه 2: 195، والترمذي في التفسير، وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 434، وقال: (( رواه أحمد عن وكيع، عن فضيل بن غزوان )) ، وذكر سائر طرقه. وخرجه السيوطي، في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن مردوبه، والبيهقي.
14249- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، فذكر نحوه. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ذلك حين تطلع الشمس من مغربها" .
* * *
وأما قوله: (أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، فإنه يعني: أو عملت في تصديقها بالله خيرًا، (2) من عمل صالح يصدِّق قِيلَه ويُحققه، من قبل طلوع الشمس من مغربها. لا ينفع كافرًا لم يكن آمن بالله قبل طلوعها كذلك، (3) إيمانه بالله إن آمن وصدق بالله ورسله، لأنها حالة لا تمتنع نفسٌ من الإقرار بالله، لعظيم الهول الوارد عليهم من أمر الله، فحكم إيمانهم، كحكم إيمانهم عند قيام الساعة، وتلك حال لا يمتنع الخلق من الإقرار بوحدانية الله، لمعاينتهم من أهوال ذلك اليوم ما ترتفع معه حاجتهم إلى الفكر والاستدلال والبحث والاعتبار، ولا ينفع مَنْ كان بالله وبرسله مصدِّقًا، ولفرائض الله مضيعًا، غير مكتسب بجوارحه لله طاعة، إذا
(1)
الأثران: 14248، 14249 - (( معاوية بن عبد الكريم الثقفي )) ، (( الضال )) ، لأنه ضل في طريق مكة. روى عن الحسن. ثقة أحمد وغيره، وتكلموا فيه. وأخشى أن يكون سقط من الإسناد رجل بينه وبين (( بشر بن معاذ )) .

وأما الإسناد الثاني ففيه (( بشر )) = يعني (( بشر بن معاذ )) = عن (( يزيد )) ، يعني (( يزيد بن زريع )) عن (( سعيد )) = يعني (( سعيد بن أبي عروبة )) .
ولكن روى هذا الأثر بهذا اللفظ مسلم في صحيحه 17: 87 مرفوعًا، من طريق أمية بن بسطام العيشي، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن زياد بن رياح، عن أبي هريرة.
(2)
انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف ص: 120، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: (( لا ينفع كافرًا )) بغير واو، والسياق يقتضي إثباتها.

هي طلعت من مغربها = أعمالُه إن عمل، وكسبُه إن اكتسب، لتفريطه الذي سلف قبل طلوعها في ذلك، كما:-
14250- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، يقول: كسبت في تصديقها خيرًا، عملا صالحًا، فهؤلاء أهل القبلة. وإن كانت مصدقة ولم تعمل قبل ذلك خيرًا، فعملت بعد أن رأت الآية، لم يقبل منها. وإن عملت قبل الآية خيرًا، ثم عملت بعد الآية خيرًا، قُبل منها.
14251- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: مَنْ أدركه بعضُ الآيات وهو على عمل صالح مع إيمانه، قَبِلَ الله منه العمل بعدَ نزول الآية، كما قَبِلَ منه قبل ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام: انتظروا أن تأتيكم الملائكة بالموت فتقبض أرواحكم، أو أن يأتي ربكم لفصل القضاء بيننا وبينكم في موقف القيامة، أو أن يأتيكم طلوع الشمس من مغربها، فتطوى صحف الأعمال، ولا ينفعكم إيمانكم حينئذ إن آمنتم، حتى تعلموا حينئذ المحقَّ منا من المبطل، والمسيءَ من المحسن، والصادقَ من الكاذب، وتتبينوا عند ذلك بمن يحيق عذاب الله وأليم نكاله، ومَنْ الناجي منا ومنكم ومَنْ الهالك - إنا منتظرو ذلك، ليجزل الله لنا ثوابه على طاعتنا إياه، وإخلاصنا العبادة له، وإفرادناه بالربوبية دون ما سواه، ويفصل بيننا وبينكم بالحق، وهو خير الفاصلين.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) }
قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة قوله: (فرقوا) .
فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما:
14252- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن دينار، أن عليًّا رضي الله عنه قرأ: "إنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ" .
14253- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير قال، قال حمزة الزيات: قرأها علي رضي الله عنه: "فَارَقُوا دِينَهُمْ" .
14254-. . . وقال، حدثنا الحسن بن علي، عن سفيان، عن قتادة: "فَارَقُوا دِينَهُمْ" .
* * *
وكأن عليًّا ذهب بقوله: "فارقوا دينهم" ، خرجوا فارتدوا عنه، من "المفارقة" .
* * *
وقرأ ذلك عبد الله بن مسعود، كما:-
14255- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن رافع، عن زهير قال، حدثنا أبو إسحاق أن عبد الله كان يقرؤها: (فَرَّقوا دِينَهُمْ) .
* * *
وعلى هذه القراءة = أعني قراءة عبد الله = قرأة المدينة والبصرة وعامة قرأة الكوفيين. وكأنّ عبد الله تأوّل بقراءته ذلك كذلك: أن دين الله واحد، وهو دين إبراهيم الحنيفية المسلمة، ففرّق ذلك اليهود والنصارى، فتهوّد قومٌ وتنصَّر آخرون، فجعلوه شيعًا متفرقة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القرأة، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه. وذلك
أن كل ضالّ فلدينه مفارق، وقد فرَّق الأحزابُ دينَ الله الذي ارتضاه لعباده، فتهود بعض وتنصر آخرون، وتمجس بعض. وذلك هو "التفريق" بعينه، ومصير أهله شيعًا متفرقين غير مجتمعين، فهم لدين الله الحقِّ مفارقون، وله مفرِّقون. (1) فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فهو للحق مصيب، غير أني أختار القراءة بالذي عليه عُظْم القرأة، وذلك تشديد "الراء" من "فرقوا" .
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: (إن الذين فرّقوا دينهم) .
فقال بعضهم: عنى بذلك اليهود والنصارى.
* ذكر من قال ذلك:
14256- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وكانوا شيعًا) ، قال: يهود.
14257- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
14258- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فرقوا دينهم) ، قال: هم اليهود والنصارى.
14259- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إن الذين فرقوادينهم وكانوا شيعًا) ، من اليهود والنصارى.
14260- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ، هؤلاء اليهود والنصارى. وأما قوله: (فارقوا دينهم) ، فيقول: تركوا دينهم وكانوا شيعًا. (2)
14261- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
(1)
انظر تفسير (( الشيع )) فيما سلف 11: 419.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: (( فرقوا )) في الموضعين، والتفسير في الأثر، يوجب أن تكون (( فارقوا )) كما أثبتها.

قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد، فتفرقوا. فلما بعث محمد أنزل الله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) .
14262- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، يعني اليهود والنصارى.
14263- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين بن علي، عن شيبان، عن قتادة: "فارقوا دينهم" ، قال: هم اليهود والنصارى.
* * *
وقال آخرون: عنى بذلك أهلَ البدع من هذه الأمة، الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه.
* ذكر من قال ذلك:
14264- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: (إن الذين فرقوا دينهم) ، قال: نزلت هذه الآية في هذه الأمة. (1)
14265- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، قال: هم أهل الصلاة. (2)
14266- حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد قال: كتب إليّ عباد بن كثير قال، حدثني ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة
(1)
الأثران: 14264، 14265 - إسنادهما صحيح إلى أبي هريرة، موقوفًا، وانظر التعليق على الأثر التالي.

(2)
كان في المطبوعة: (( هم أهل الضلالة )) ، كما سيأتي في الأثر التالي، غير أن المخطوطة واضحة هنا (( أهل الصلاة )) ، فأثبتها كما هي، لأنها صحيحة المعنى، أي أنها نزلت في المؤمنين من أهل القبلة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #654  
قديم 16-07-2025, 01:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (654)
صــ 271 إلى صــ 280





قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الآية: "(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ، وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة من هذه الأمة. (1) "
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه، وكانوا فرقًا فيه وأحزابًا شيعًا، وأنه ليس منهم. ولا هم منه، لأن دينه الذي بعثه الله به هو الإسلام، دين إبراهيم الحنيفية، كما قال له ربه وأمره أن يقول: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة الأنعام: 161] .
فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك ووثنيّ يهودي ونصرانيّ ومتحنِّف، مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضلّ به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة إبراهيم المسلم، فهو بريء من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد منه بريء، وهو داخل في عموم قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) .
* * *
(1)
الأثر: 14266 - (( سعيد بن عمرو السكوني )) شيخ الطبري، مضى برقم: 5563، 6521.

و (( بقية بن الوليد الحمصي )) ، ثقة، نعوا عليه بالتدليس، مضى برقم: 152، 5563، 6521، 6899، 9224.
و (( عباد بن كثير الرملي الفلسطيني )) ، ضعيف الحديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 85.
وهذا الخبر مرفوعًا لا يصح، وهو ضعيف الإسناد. قال ابن كثير في تفسيره 3: 438: (( لكن هذا إسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث. ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وهم في رفعه، فإنه رواه سفيان الثوري عن ليث = وهو ابن أبي سليم = عن طاوس، عن ابي هريرة في هذه الآية أنه قال: نزلت في هذه الأمة )) .
ولكن خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 22، 23، ثم قال: (( رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، غير معلل بن نفيل، وهو ثقة )) . وهكذا في مجمع الزوائد (( معلل بن نفيل )) ، وهو محرف بلا شك.
وأما قوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: نزلت هذه الآية على نبيّ الله بالأمر بترك قتال المشركين قبل وُجوب فرض قتالهم، ثم نسخها الأمر بقتالهم في "سورة براءة" ، وذلك قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) . [سورة التوبة: 5] .
* ذكر من قال ذلك:
14267- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) ، لم يؤمر بقتالهم، ثم نسخت، فأمر بقتالهم في "سورة براءة" .
* * *
وقال آخرون: بل نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم إعلامًا من الله له أنَّ من أمته من يُحْدث بعده في دينه. وليست بمنسوخة، لأنها خبرٌ لا أمر، والنسخ إنما يكون في الأمر والنهي.
* ذكر من قال ذلك:
14268- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا مالك بن مغول، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، أنه تلا هذه الآية: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ، ثم يقول: بريء نبيكم صلى الله عليه وسلم منهم. (1)
14269- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وابن إدريس وأبو أسامة ويحيى بن آدم، عن مالك بن مغول، بنحوه.
14270- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا شجاع أبو
(1)
الأثر: 14268 - (( مالك بن مغول البجلي) ، ثقة: مضى برقم: 5431، 10872 و (( علي بن الأقمر الهمداني )) ، روى له الجماعة، مضى برقم 11941. وهو إسناد صحيح.

بدر، عن عمرو بن قيس الملائي قال، قالت أم سلمة: ليتّق امرؤ أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء! ثم قرأت: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) = قال عمرو بن قيس: قالها مُرَّة الطيِّب، وتلا هذه الآية. (1)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قوله: (لست منهم في شيء) ، إعلام من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه من مبتدعة أمته الملحدة في دينه بريء، ومن الأحزاب من مشركي قومه، ومن اليهود والنصارى. وليس في إعلامه ذلك ما يوجب أن يكون نهاه عن قتالهم، لأنه غير محال أن في الكلام: "لست من دين اليهود والنصارى في شيء فقاتلهم. فإن أمرهم إلى الله في أن يتفضل على من شاء منهم فيتوب عليه، ويهلك من أراد إهلاكه منهم كافرًا فيقبض روحه، أو يقتله بيدك على كفره، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون عند مقدَمهم عليه" . وإذ كان غير مستحيل اجتماع الأمر بقتالهم، وقوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) ، ولم يكن في الآية دليلٌ واضح على أنها منسوخة، ولا ورد بأنها منسوخة عن الرسول خبرٌ = كان غير جائز أن يُقْضَى عليها بأنها منسوخة، حتى تقوم حجةٌ موجبةٌ صحةَ القول بذلك، لما قد بينا من أن المنسوخ هو ما لم يجز اجتماعه وناسخه في حال واحدة، في كتابنا كتاب: "اللطيف عن أصول الأحكام" . (2)
* * *
(1)
الأثر: 14270 - (( شجاع، أبو بدر )) ، هو (( شجاع بن الوليد بن قيس السكوبي )) ثقة صدوق. روى عنه أحمد. مترجم في التهذيب.

(( عمرو بن قيس الملائي )) . ثقة مضى مرارًا آخرها: 9646.
وهذا إسناد منقطع، (( عمرو بن قيس )) لم يدرك أم سلمة.
أما خبر (( مرة الطيب )) فهو (( مرة بن سراحيل الهمداني )) ، مضى مرارًا. آخرها: 7539 وروايته هذه أيضًا منقطعة. لأنه لم يدرك.
وخرج السيوطي في الدر المنثور 3: 63، خبر أم سلمة. ونسبة إلى ابن منيع في مسنده وأبي الشيخ، وخرج خبر مرة الطيب، ونسبه إلى ابن أبي حاتم.
(2)
انظر ما سلف في (( الناسخ والمنسوخ )) 10: 333 تعليق: 1 والمراجع هناك واسم كتاب أبي جعفر هو ما أثبت، ما ورد في 5: 414، وكان هنا في المخطوطة والمطبوعة (( اللطيف عن أصول الأحكام )) ، وهو لا يستقيم.

وأما قوله: (إنما أمرهم إلى الله) ، فإنه يقول: أنا الذي إليَّ أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك، دونك ودون كل أحد. إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم وفُرْقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم = (ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) ، (1) يقول: ثم أخبرهم في الآخرة عند ورودهم عليَّ يوم القيامة بما كانوا يفعلون، فأجازي كلا منهم بما كانوا في الدنيا يفعلون، المحسنَ منهم بالإحسان، والمسيء بالإساءة. ثم أخبر جل ثناؤه ما مبلغ جزائه من جازى منهم بالإحسان أو بالإساءة فقال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) .
* * *
القول في تأويل قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: من وافَى ربَّه يوم القيامة في موقف الحساب، من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا، بالتوبة والإيمان والإقلاع عما هو عليه مقيم من ضلالته، وذلك هو الحسنة التي ذكرها الله فقال: من جاء بها فله عشر أمثالها. (2)
ويعني بقوله: (فله عشر أمثالها) ، فله عشر حسنات أمثال حسنته التي
(1)
انظر تفسير (( النبأ )) فيما سلف ص: 37، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( الحسنة )) فيما سلف 4: 203 - 206 / 8: 555 - 556، وفهارس اللغة (حسن) .

جاء بها = (ومن جاء بالسيئة) ، يقول: ومن وافى يوم القيامة منهم بفراق الدِّين الحقّ والكفر بالله، فلا يجزى إلا ما ساءه من الجزاء، كما وافى الله به من عمله السيئ (1) = (وهم لا يظلمون) ، يقول: ولا يظلم الله الفريقين، لا فريق الإحسان، ولا فريق الإساءة، بأن يجازي المحسن بالإساءة والمسيء بالإحسان، ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له، لأنه جل ثناؤه حكيمٌ لا يضع شيئًا إلا في موضعه الذي يستحق أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدًا إلا بما يستحقّ من الجزاء.
* * *
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى "الظلم" ، وضع الشيء في غير موضعه، بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. (2)
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما ذكرت، من أن معنى "الحسنة" في هذا الموضع: الإيمان بالله، والإقرار بوحدانيته، والتصديق برسوله = "والسيئة" فيه: الشرك به، والتكذيب لرسوله = أفللإيمان أمثال فيجازى بها المؤمن؟ (3) وإن كان له مثل، فكيف يجازى به، و "الإيمان" ، إنما هو عندك قول وعمل، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة، والإنعام عليه بما أعدّ لأهل كرامته من النعيم في دار الخلود، وذلك أعيان ترى وتعاين وتحسّ ويلتذّ بها، لا قول يسمع، ولا كسبُ جوارح؟
قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبتَ إليه، وإنما معناه: من جاء بالحسنة فوافَى الله بها له مطيعًا، فإن له من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها.
فإن قال: قلت فهل لقول "لا إله إلا الله" من الحسنات مثل؟
(1)
انظر تفسير (( السيئة )) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) .

(2)
انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

(3)
في المطبوعة: (( فللإيمان )) بغير همزة الاستفهام، والصواب ما في المخطوطة.

قيل: له مثل هو غيره، [ولكن له مثل هو قول لا إله إلا الله] ، (1) وذلك هو الذي وعد الله جل ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه قائله. وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك، إلا أنه لا يجازى صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14271- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال رجل من القوم: فإنّ "لا إله إلا الله" حسنة؟ قال: نعم، أفضل الحسنات.
14272- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: (من جاء بالحسنة) ، لا إله إلا الله.
14273- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا حفص قال، حدثنا الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله قال: (من جاء بالحسنة) ، قال: من جاء بلا إله إلا الله. قال: (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك.
14274- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: (من
(1)
هذه العبارة التي بين القوسين، هكذا جاءت في المخطوطة، وغيرها ناشر المطبوعة الأولى فكتب: (( وليس له مثل هو قول لا إله إلا الله )) ، ولا أدري ما معنى هذا التعبير. وعبارة المخطوطة غير مفهومة، وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء، فأودعتها بين القوسين لكي يتوقف عندها قارئها، عسى أن يتبين له ما لم يتبين لي.

جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14275- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا معاوية بن عمرو المعنَّى، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. (1)
14276- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد= وعن عثمان بن الأسود، عن مجاهد والقاسم بن أبي بزة: (من جاء بالحسنة) ، قالوا: لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قالوا: بالشرك وبالكفر.
14277- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك.
14278- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال: لا إله إلا الله.
14279- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. (2)
14280- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، مثله.
14281- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم، مثله.
(1)
الأثر: 14275 - (( معاوية بن عمرو المعنى، الأزدي )) ، ثقة مضى برقم: 4074.

(2)
الآثار: 14279 - 14282 - (( أبو المحجل )) ، هكذا في المطبوعة، وهو في المخطوطة غير منقوط، لم أعرف من يكون، ولم أجد له ذكرًا، ولا تبين لي وجه في تحريفه!!

14282- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أبي المحجل، عن أبي معشر قال: كان إبراهيم يحلف بالله ما يستثني: أنّ (من جاء بالحسنة) ، لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، من جاء بالشرك.
14283- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، في قوله: (من جاء بالحسنة) ، قال: كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) قال: بالشرك.
14284- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو نعيم = جميعًا، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالح: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك.
14285- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن عثمان بن الأسود، عن القاسم بن أبي بزة: (من جاء بالحسنة) ، قال: كلمة الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الكفر.
14286- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14287- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن أشعث، عن الحسن: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14288- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله.
14289- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
14290- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (من جاء بالحسنة) ،
يقول: من جاء بلا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك.
14291- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) ، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الأعمال ستة: مُوجِبة ومُوجِبة، ومُضْعِفة ومُضْعِفة، ومِثْل ومِثْل. فأما الموجبتان: فمن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقي الله مشركًا به دخل النار. وأما المضعف والمضعف: فنفقة المؤمن في سبيل الله سبعمئة ضعف، ونفقته على أهل بيته عشر أمثالها. وأما مثل ومثل: فإذا همّ العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت عليه سيئة.
14292- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شيخ من التيم، عن أبي ذرّ قال: قلت: يا رسول الله، علمني عملا يقرِّبني إلى الجنة ويباعدني من النار. قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها. قال: قلت: يا رسول الله، "لا إله إلا الله" من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات. (1)
* * *
وقال قوم: عني بهذه الآية الأعراب، فأما المهاجرون فإن حسناتهم سبعمئة ضعف أو أكثر.
* ذكر من قال ذلك:
14293- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري في قوله:
(1)
الأثر: 14292 - (( شمر بن عطية الأسدي الكاهلي )) ، ثقة، مضى برقم 11545. وهذا خبر ضعيف، لجهالة (( شيخ من التيم )) .

وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 64، ونسبة إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. ولم ينسبه إلى الطبري.
(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال: هذه للأعراب، وللمهاجرين سبعمئة. (1)
14294- حدثنا محمد أبو نشيط بن هارون الحربي قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال: قال رجل: فما للمهاجرين؟ قال: ما هو أعظم من ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) ، [سورة النساء: 40] وإذا قال الله لشيء: "عظيم" ، فهو عظيم. (2)
14295- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع قال: نزلت هذه الآية: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر، ويؤدّون عشر أموالهم. ثم نزلت الفرائض بعد ذلك: صوم رمضان والزكاة.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل "عشر أمثالها" ، فأضيف "العشر" إلى "الأمثال" ، وهي "الأمثال" ؟ وهل يضاف الشيء إلى نفسه؟
(1)
الأثر: 14293 - (( أبو الصديق الناجي )) هو (( بكر بن عمرو )) وقيل: (( بكر ابن قيس )) ، ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب. وهذا إسناد صحيح.

(2)
الأثر: 14294 - (( محمد بن هارون الحربي )) ، (( أبو نشيط )) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 9511، 10371، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (( محمد بن نشيط بن هارون الحربي )) ، وهو خطأ محض تبين من رواية الأثر فيما سلف.

و (( يحيى بن أبي بكير الأسدي )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 7544، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا (( يحيى بن أبي بكر )) ، وهو خطأ.
وقد سلف هذا الخبر وتخريجه برقم: 9511، وأنه إسناد ضعيف من أجل (( عطية العوفي )) .ووقع في إسناد الخبر هناك خطأ: (( عن عبد الله بن عمير )) ، وهو خطأ في الطباعة صوابه (( عن عبد الله بن عمر )) ، فليصح.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #655  
قديم 16-07-2025, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (655)
صــ 281 إلى صــ 290





قيل: أضيفت إليها لأنه مرادٌ بها: فله عشر حسنات أمثالها، فـ "الأمثال" حلّت محل المفسّر، وأضيف "العشر" إليها، كما يقال: "عندي عشر نسوة" ، فلأنه أريد بالأمثال مقامها، فقيل: "عشر أمثالها" ، فأخرج "العشر" مخرج عدد الحسنات، (1) و "المثل" مذكر لا مؤنث، ولكنها لما وضعت موضع الحسنات، (2) وكان "المثل" يقع للمذكر والمؤنث، فجعلت خلفًا منها، فعل بها ما ذكرت. ومَنْ قال: "عندي عشر أمثالها" ، لم يقل: "عندي عشر صالحات" ، لأن "الصالحات" فعل لا يعدّ، وإنما تعدّ الأسماء. و "المثل" اسم، ولذلك جاز العدد به.
* * *
وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: "فَلَهُ عَشْرٌ" بالتنوين، "أَمْثَالُهَا" بالرفع. وذلك على وجه صحيح في العربية، غير أن القرأة في الأمصار على خلافها، فلا نستجيز خلافها فيما هي عليه مُجْمِعة. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنامَ = (إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، يقول: قل لهم إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم، هو دين الله الذي
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( عدد الآيات )) ، وبين أنه (( عدد الحسنات )) ، ولا ذكر للآيات في هذا الموضع.

(2)
وكان هنا أيضًا في المخطوطة والمطبوعة: (( موضع الآيات )) ، والصواب ما أثبت.

(3)
في المطبوعة: (( مجتمعة )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

ابتعثه به، وذلك الحنيفية المسلمة، فوفقني له (1) = (دينًا قيمًا) ، يقول: مستقيمًا = (ملة إبراهيم) ، يقول: دين إبراهيم (2) = (حنيفًا) يقول: مستقيمًا = (وما كان من المشركين) ، يقول: وما كان من المشركين بالله، يعني إبراهيم صلوات الله عليه، لأنه لم يكن ممن يعبد الأصنام.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (دينًا قيمًا) .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض البصريين: "دِينًا قَيِّمًا" بفتح "القاف" وتشديد "الياء" ، إلحاقًا منهم ذلك بقول الله: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [سورة التوبة: 36 / سورة يوسف: 40 / سورة الروم: 30] . وبقوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [سورة البينة: 5] .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (دِينًا قِيَمًا) بكسر "القاف" وفتح "الياء" وتخفيفها. وقالوا: "القيِّم" و "القِيَم" بمعنى واحد، وهم لغتان معناهما: الدين المستقيم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب مصيبٌ، غير أن فتح "القاف" وتشديد "الياء" أعجب إليّ، لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما.
* * *
ونصب قوله: (دينًا) على المصدر من معنى قوله: (إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، وذلك أن المعنى: هداني ربي إلى دين قويم، فاهتديت له "دينا قيما" = فالدين منصوب من المحذوف الذي هو "اهتديت" ، الذي ناب عنه قوله: (إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) .
* * *
(1)
انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . = وتفسير (( صراط مستقيم )) فيما سلف ص: 288، تعليق 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( الملة )) فيما سلف 2: 563 / 3: 104 / 9: 250.

وقال بعض نحويي البصرة: إنما نصب ذلك، لأنه لما قال: (هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، قد أخبر أنه عرف شيئًا، فقال: "دينًا قيمًا" ، كأنه قال: عرفت دينًا قيما ملّة إبراهيم.
* * *
وأما معنى الحنيف، فقد بينته في مكانه في "سورة البقرة" بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة والأوثان = (إن صلاتي ونسكي) ، يقول: وذبحي (2) = (ومحياي) ، يقول: وحياتي = (ومماتي) يقول: ووفاتي = (لله رب العالمين) ، يعني: أن ذلك كله له خالصًا دون ما أشركتم به، أيها المشركون، من الأوثان = (لا شريك له) في شيء من ذلك من خلقه، ولا لشيء منهم فيه نصيب، لأنه لا ينبغي أن يكون ذلك إلا له خالصًا = (وبذلك أمرت) ، يقول: وبذلك أمرني ربي = (وأنا أول المسلمين) ، يقول: وأنا أوّل من أقرَّ وأذْعن وخضع من هذه الأمة لربه بأن ذلك كذلك. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير (( الحنيف )) فيما سلف 3: 104 - 108 / 6: 494 / 9: 250، 251 / 11: 487.

(2)
انظر تفسير (( النسك )) فيما سلف 3: 77 - 80 / 4: 86، 195.

(3)
انظر تفسير (( الإسلام )) فيما سلف من فهارس اللغة (سلم) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال: "النسك" ، في هذا الموضع، الذبح.
14296- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (إن صلاتي ونسكي) ، قال: "النسك" ، الذبائح في الحج والعمرة.
14297- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ونسكي) ، ذبحي في الحج والعمرة. (1)
14298- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ونسكي) ، ذبيحتي في الحج والعمرة.
14299- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، وليس بابن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله: (صلاتي ونسكي) ، قال: ذبحي.
14300- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير في قوله: (صلاتي ونسكي) ، قال: ذبحي. (2)
14301- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير= قال ابن مهدي: لا أدري من "إسماعيل" هذا! = (صلاتي ونسكي) ، قال: صلاتي وذبيحتي.
14302- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله:
(1)
في المطبوعة: (( ذبيحتي )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
في المطبوعة: (( ذبيحتي )) ، غير ما في المخطوطة.

(صلاتي ونسكي) ، قال: وذبيحتي. (1)
14303- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ونسكي) ، قال: ذبحي.
14304- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (ونسكي) ، قال: ذبيحتي.
14305- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (صلاتي ونسكي) ، قال: "الصلاة" ، الصلاة، و "النسك" ، الذبح.
* * *
وأما قوله: (وأنا أوّل المسلمين) ، فإن:-
14306- محمد بن عبد الأعلى حدثنا قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأنا أول المسلمين) ، قال: أول المسلمين من هذه الأمة.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، الداعيك إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان = (أغير الله أبغي ربًّا) ، يقول: أسوى الله أطلب سيدًا يسودني؟ (2) = (وهو
(1)
الآثار: 14299 - 14302 - (( إسماعيل )) ، الذي روى عنه (( سفيان الثوري )) ، وروى هو (( سعيد بن جبير )) ، والذي جاء في الخبر الأول أنه (( ليس بابن أبي خالد )) ، وفي رقم: 14302 (( إسماعيل بن أبي خالد )) مصرحًا به، والذي جهله (( ابن مهدي )) في رقم: 14301، لم أجد من أشار إليه، إلا أني وجدت في أسماء الرواة عن (( سعيد بن جبير )) :

(( إسماعيل بن مسلم )) ، مولى بني مخزوم، سمع منه وكيع، وابن المبارك وعمرو العنقزي، مترجم في الكبير 1 / 1 / 372، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 197، فلا أدري أهو هو، أم هو غيره.
(2)
انظر تفسير (( بغي )) فيما سلف 11: 337، تعليق: 2، والمراجع هناك.

رب كل شيء) ، يقول: وهو سيد كل شيء دونه ومدبّره ومصلحه (1) = (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) ، يقول: ولا تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة، سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه (2) = (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه تعاقب، دون إثم أخرى غيرها.
وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لهم. يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا. وهذا كما أمره الله جل ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة الكافرون:6] ، وذلك كما:-
14307- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كان في ذلك الزمان، لا مخرج للعلماء العابدين إلا إحدى خَلَّتين: إحداهما أفضل من صاحبتها. إمَّا أمرٌ ودعاء إلى الحق، أو الاعتزال = فلا تشارك أهل الباطل في عملهم، وتؤدي الفرائض فيما بينك وبين ربك، وتحبّ لله وتبغض لله، ولا تشارك أحدًا في إثم. قال: وقد أنزل في ذلك آية محكمة: (قل أغير الله أبغي ربًا وهو رب كل شيء) ، إلى قوله: (فيه تختلفون) ، وفي ذلك قال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [سورة البينة: 4] .
* * *
يقال من "الوزر" "وزَر يَزِر" ، "و" وزَرَ يَوْزَر "، و" وُزِرَ يُؤزر، فهو موزور ". (3) "
* * *
(1)
انظر تفسير (( الرب )) فيما سلف 1: 142.

(2)
انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف صلى الله عليه وسلم: 266، تعليق 2، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: (( وزر يوزر فهو وزير، ووزر يوزر فهو موزور )) ، غير ما في المخطوطة، وحذف وزاد من عند نفسه، وعذره في ذلك سوء كتابة ناسخ المخطوطة، وصواب قراءة ما فيها ما أثبت. وهو المطابق لنص كتب اللغة.

القول في تأويل قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان: كل عامل منا ومنكم فله ثواب عمله، وعليه وزره، فاعملوا ما أنتم عاملوه - (ثم إلى ربكم) ، أيها الناس = (مرجعكم) ، يقول: ثم إليه مصيركم ومنقلبكم (1) = (فينبئكم بما كنتم فيه) ، في الدنيا، (تختلفون) من الأديان والملل، (2) إذ كان بعضكم يدين باليهودية، وبعضٌ بالنصرانية، وبعض بالمجوسية، وبعض بعبادة الأصنام وادِّعاء الشركاء مع الله والأنداد، ثم يجازي جميعَكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو شر، فتعلموا حينئذ من المحسنُ منَّا والمسيء.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته: والله الذي جعلكم، أيها الناس، (خلائفَ الأرض) ، بأن أهلك مَنْ كان قبلكم من القرون والأمم الخالية، واستخلفكم، فجعلكم خلائف منهم في الأرض،
(1)
انظر تفسير (( المرجع )) فيما سلف ص: 37، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( النبأ )) فيما سلف ص: 274، تعليق: 1، والمراجع هناك.

تخلفونهم فيها، وتعمرُونها بعدَهم.
* * *
و "الخلائف" جمع "خليفة" ، كما "الوصائف" جمع "وصيفة" ، وهي من قول القائل: "خَلَف فلان فلانًا في داره يخلُفه خِلافة، فهو خليفة فيها" ، (1) كما قال الشماخ:
تُصِيبُهُمُ وَتُخْطِئُنِي المَنَايا ... وَأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ (2)
وذلك كما:-
14308- حدثني الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) ، قال: أما "خلائف الأرض" ، فأهلك القرون واستخلفنا فيها بعدهم.
* * *
وأما قوله: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) ، فإنه يقول: وخالف بين أحوالكم، فجعل بعضكم فوق بعض، بأن رفع هذا على هذا، بما بسط لهذا من الرزق ففضّله بما أعطاه من المال والغِنى، على هذا الفقير فيما خوَّله من أسباب الدنيا، وهذا على هذا بما أعطاه من الأيْد والقوة على هذا الضعيف الواهن القُوى، فخالف
(1)
انظر تفسير (( الخليفة )) فيما سلف 1: 449 - 453.

(2)
ديوانه 58، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 209، واللسان (ربع) ، من قصيدته التي قالها لامرأته عائشة، وكانت تلومه على طول تعهده ماله، أولها: أَعَائِشَ، مَا لِقَوْمِكِ لا أَرَاهُمْ ... يُضِيعُونَ الهِجَانَ مَعَ المُضِيعِ

يقول: لها تلوميني على إصلاح مالي، فمالي أرى قومك يقترون على أنفسهم، ولا يهلكون أموالهم في الكرم والسخاء؟ ثم يقول لها بعد أبيات: لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ، أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ
و (( القنوع )) ، السؤال. وقوله: (( وأخلف في ربوع ... )) ، (( الربوع )) جمع (( ربع وهو جماعة الناس الذين ينزلون (( ربعا )) يسكنونه، يقول: أبقي في قوم بعد قوم. وعندي أن هذا البيت قلق في قصيدة الشماخ، سقط قبله شيء من شعره.
بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا، وخفض من درجة هذا عن درجة هذا. (1) وذلك كالذي:-
14309- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) ، يقول: في الرزق.
* * *
وأما قوله: (ليبلوكم فيما آتاكم) ، فإنه يعني: ليختبركم فيما خوَّلكم من فضله ومنحكم من رزقه، (2) فيعلم المطيع له منكم فيما أمره به ونهاه عنه، والعاصي؛ ومن المؤدِّي مما آتاه الحق الذي أمره بأدائه منه، والمفرِّط في أدائه.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "إن ربك" ، يا محمد، لسريع العقاب لمن أسخطه بارتكابه معاصيه، وخلافه أمره فيما أمره به ونهاه، ولمن ابتلى منه فيما منحه من فضله وطَوْله، تولِّيًا وإدبارًا عنه، مع إنعامه عليه، وتمكينه إياه في الأرض، كما فعل بالقرون السالفة = (وإنه لغفور) ، يقول: وإنه لساتر ذنوبَ مَنْ ابتلى منه إقبالا إليه بالطاعة عند ابتلائه إياه بنعمة، واختباره إياه بأمره ونهيه، فمغطٍّ عليه فيها، وتارك فضيحته بها في موقف الحساب
(1)
انظر تفسير (( الدرجة )) فيما سلف ص: 25، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( الابتلاء )) فيما سلف 10: 582، تعليق: 1 والمراجع هناك.

= تفسير (( الإيتاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) .



= (رحيم) بتركه عقوبته على سالف ذنوبه التي سلفت بينه وبينه، إذ تاب وأناب إليه قبل لقائه ومصيره إليه. (1)
* * *
آخر تفسير سورة الأنعام
* * *
(1)
انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة. * * *

عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلته عنه نسختنا، وفيها ما نصه:
(( آخر تفسير سورة الأنعام والحمد لله كما هو أهله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله يتلوه تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف )) .
ثم يتلوه ما نصه:
(( بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف ))




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #656  
قديم 16-07-2025, 01:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (656)
صــ 291 إلى صــ 300





تفسير سورة الأعراف
تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدَّست أسماؤه {المص (1) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قول الله تعالى ذكره: (المص) .
فقال بعضهم: معناه: أنا الله أفضل.
* ذكر من قال ذلك:
14310- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: (المص) ، أنا الله أفضل.
14311- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عمار بن محمد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله: (المص) ، أنا الله أفضل.
* * *
وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم الله تبارك وتعالى الذي هو "المصوّر" .
* ذكر من قال ذلك:
14312- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (المص) ، قال: هي هجاء "المصوّر" .
* * *
وقال آخرون: هي اسم من أسماء الله، أقسم ربنا به.
* ذكر من قال ذلك:
14313- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (المص) ، قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
* * *
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن.
ذكر من قال ذلك:
14314- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (المص) ، قال: اسم من أسماء القرآن.
14315- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
* * *
وقال آخرون: هي حروف هجاء مقطّعة.
* * *
وقال آخرون: هي من حساب الجمَّل.
* * *
وقال آخرون: هي حروف تحوي معاني كثيرة، دلّ الله بها خلقه على مراده من ذلك.
* * *
وقال آخرون: هي حروف اسم الله الأعظم.
* * *
وقد ذكرنا كل ذلك بالرواية فيه، وتعليل كلّ فريق قال فيه قولا. وما الصواب من القول عندنا في ذلك، بشواهده وأدلته فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
(1)
انظر ما سلف 1: 205 - 224. وانظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1: 368 - 370.

القول في تأويل قول الله تعالى ذكره {كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: هذا القرآن، يا محمد، كتاب أنزله الله إليك.
* * *
ورفع "الكتاب" بتأويل: هذا كتابٌ.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يضق صدرك، يا محمد، من الإنذار به مَنْ أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه مَنْ أمرتك بإبلاغه إياه، ولا تشك في أنه من عندي، واصبر للمضيّ لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحملك من عبء أثقال النبوة، (1) كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك.
* * *
و "الحرج" ، هو الضيق، في كلام العرب، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله: (ضَيِّقًا حَرَجًا) [سورة الأنعام: 125] ، بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
وقال أهل التأويل في ذلك ما:-
14316- حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: لا تكن في شك منه.
(1)
في المطبوعة: (( واصبر بالمضي لأمر الله )) ، وغير ما في المخطوطة بلا طائل.

(2)
انظر ما سلف ص: 103 - 107.

14317- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: شك.
14318- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14319- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، شك منه.
14320- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله.
14321- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: أما "الحرج" ، فشك.
14322- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: شك من القرآن.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل، هو معنى ما قلنا في "الحرج" ، لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به، وقلة الاتساع لتوجيهه وجهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى "الضيق" ، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيناه قبل.
* * *
القول في تأويل قوله: {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك، يا محمد، لتنذر به من أمرتك بإنذاره، (وذكرى للمؤمنين) = وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. ومعناه: "كتاب أنزل إليك لتنذر به" ، و "ذكرى للمؤمنين" ، "فلا يكن في صدرك حرج منه" .
وإذا كان ذلك معناه، كان موضع قوله: (وذكرى) نصبًا، بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكر به المؤمنين.
* * *
ولو قيل معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، أن تنذر به، وتذكّر به المؤمنين = كان قولا غير مدفوعة صحته.
وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى هذا الوجه، كان في قوله: (وذكرى) من الإعراب وجهان:
أحدهما: النصب بالردّ على موضع "لتنذر به" .
والآخر: الرفع، عطفًا على "الكتاب" ، كأنه قيل: "المص كتاب أنزل إليك" ، و "ذكرى للمؤمنين" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتبعوا، أيها
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 370.

الناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربكم، ولا تتبعوا شيئًا من دونه = يعني: شيئًا غير ما أنزل إليكم ربكم. يقول: لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قلت: "معنى الكلام: قل اتبعوا" ، وليس في الكلام موجودًا ذكرُ القول؟
قيل: إنه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا، فإن في الكلام دلالة عليه، وذلك قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به) ، ففي قوله: "لتنذر به" ، الأمر بالإنذار، وفي الأمر بالإنذار، الأمرُ بالقول، لأن الإنذار قول. فكأن معنى الكلام: أنذر القومَ وقل لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم.
ولو قيل معناه: لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم = كان غير مدفوع.
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يقول: قوله: (اتبعوا) ، خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعناه: كتاب أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرج منه، اتبع ما أنزل إليك من ربك = ويرى أن ذلك نظير قول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق: 1] ، إذ ابتدأ خطابَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر الله نبيه بأمرٍ، أمرًا منه لجميع أمته، كما يقال للرجل يُفْرَد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته: "أما تتقون الله، أما تستحيون من الله!" ، ونحو ذلك من الكلام. (1)
وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع، فالقولُ الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام،
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 371، فهذه مقالته.

لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه.
* * *
وقوله: (قليلا ما تذكرون) ، يقول: قليلا ما تتعظون وتعتبرون فتراجعون الحق. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: حذّر هؤلاء العابدين غيري، والعادلين بي الآلهة والأوثان، سَخَطي لا أُحِلّ بهم عقوبتي فأهلكهم، (2) كما أهلكت من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، فكثيرًا ما أهلكت قبلهم من أهل قرى عصوني وكذَّبوا رسلي وعبدوا غيري (3) = (فجاءها بأسنا بياتًا) ، يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلا قبل أن يصبحوا (4) = أو جاءتهم "قائلين" ، يعني: نهارًا في وقت القائلة.
* * *
وقيل: "وكم" لأن المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السالفة من المَثُلاث، بتكذيبهم رسلَه وخلافهم عليه. وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق:
(1)
انظر تفسير (( التذكر )) فيما سلف 11: 489، تعليق 3، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: (( لأحل بهم عقوبتي )) ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(3)
انظر تفسير (( كم )) فيما سلف 5: 352:

= تفسير (( القرية )) فيما سلف 8: 543.
= وتفسير (( الإهلاك )) فيما سلف: 11: 316، تعليق: 1، والمراجع هناك.
= وتفسير (( البأس )) فيما سلف ص: 207، تعليق 2، والمراجع هناك.
(4)
انظر تفسير (( البيات )) فيما سلف 8: 562، 563 /9: 191، 192.

كَمْ عَمةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وَخَالَةٍ ... فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي (1)
* * *
فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر أنه "أهلك قرًى" ، فما في خبره عن إهلاكه "القرى" من الدليل على إهلاكه أهلها؟
قيل: إن "القرى" لا تسمى "قرى" ولا "القرية" "قرية" ، إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم، ففي إهلاكها إهلاك مَنْ فيها من أهلها.
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر عن "القرية" ، والمراد به أهلها.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بالحق، لموافقته ظاهر التنزيل المتلوّ.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون) ؟ وهل هلكت قرية إلا بمجيء بأس الله وحلول نقمته وسَخَطه بها؟ فكيف قيل: "أهلكناها فجاءها" ؟ وإن كان مجيء بأس الله إياها بعد هلاكها، فما وجه مجيء ذلك قومًا قد هلكوا وبادوا، ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم؟
قيل: إن لذلك من التأويل وجهين، كلاهما صحيح واضح منهجه:
أحدهما: أن يكون معناه: "وكم من قرية أهلكناها" ، بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا إليها من البينات والهدى، واختيارها اتباع أمر أوليائها المُغْوِيتِهَا عن طاعة ربها (2) = "فجاءها بأسنا" إذ فعلت ذلك = "بياتا أو هم قائلون" ، فيكون "إهلاك الله إياها" ، خذلانه لها عن طاعته، ويكون "مجيء بأس الله إياهم" ، جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم.
(1)
ديوانه: 451، والنقائض: 332، وقد سلف هذا البيت وشرحه في تخريج بيت آخر من القصيدة 9: 495، 496، تعليق: 1.

(2)
في المطبوعة: (( المغويها )) ، وأثبت ما في المخطوطة.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #657  
قديم 16-07-2025, 01:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (657)
صــ 301 إلى صــ 310





والآخر منهما: أن يكون "الإهلاك" هو "البأس" بعينه، فيكون في ذكر "الإهلاك" الدلالةُ على ذكر "مجيء البأس" ، وفي ذكر "مجيء البأس" الدلالة على ذكر "الإهلاك" .
وإذا كان ذلك كذلك، كان سواء عند العرب، بُدئ بالإهلاك ثم عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثم عطف عليه بالإهلاك. وذلك كقولهم: "زرتني فأكرمتني" ، إذ كانت "الزيارة" هي "الكرامة" ، فسواء عندهم قدم "الزيارة" وأخر "الكرامة" ، أو قدم "الكرامة" وأخر "الزيارة" فقال: "أكرمتني فزرتني" . (1)
* * *
وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحًا = وأن معنى ذلك: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء بأسنا إياها قبل إهلاكنا. (2) وهذا قول لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل، ولا من خبر يجب التسليم له. وإذا خلا القولُ من دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجبُ التسليم لها، كان بيّنًا فساده.
* * *
وقال آخر منهم أيضًا: معنى "الفاء" في هذا الموضع معنى "الواو" . وقال: تأويل الكلام: وكم من قرية أهلكناها، وجاءها بأسنا بياتًا. وهذا قول لا معنى له، إذ كان لـ "الفاء" عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم، ما وجد إلى ذلك سبيل، أولى من صرفها إلى غيره.
* * *
فإن قال: وكيف قيل: (فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون) ، وقد علمت أن الأغلب من شأن "أو" في الكلام، اجتلابُ الشك، وغير جائز أن يكون في خبر الله شك؟
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 371.

(2)
هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 371، قال: (( وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان. )) .


قيل: إن تأويل ذلك خلافُ ما إليه ذهبتَ. وإنما معنى الكلام: وكم من قرية أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتًا، وبعضها وهم قائلون. ولو جعل مكان "أو" في هذا الموضع "الواو" ، لكان الكلام كالمحال، ولصار الأغلب من معنى الكلام: أن القرية التي أهلكها الله جاءها بأسه بياتًا وفي وقت القائلة. وذلك خبرٌ عن البأس أنه أهلك من قد هلك، وأفنى من قد فني. وذلك من الكلام خَلْفٌ. (1) ولكن الصحيح من الكلام هو ما جاء به التنزيل، إذ لم يفصل القرى التي جاءها البأس بياتًا، من القرى التي جاءها ذلك قائلةً. ولو فُصلت، لم يخبر عنها إلا بالواو.
وقيل: "فجاءها بأسنا" خبرًا عن "القرية" أن البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أول الآية. ولو قيل: "فجاءهم بأسنا بياتًا" ، لكان صحيحًا فصيحًا، ردًّا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنما قصد به سكان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب، نحوٌ من الذي نال سكانها. وقد رجع في قوله: (أو هم قائلون) ، إلى خصوص الخبر عن سكانها دون مساكنها، لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان، وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. (2)
ولو قيل: "أو هي قائلة" ، كان صحيحًا، إذ كان السامعون قد فهموا المراد من الكلام.
* * *
فإن قال قائل: أو ليس قوله: (أو هم قائلون) ، خبرًا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار؟
قيل: بلى!
(1)
(( خلف )) (بفتح فسكون) . يقال: (( هذا خلف من القول )) ، أي: رديء ساقط ومنه المثل: (( سكت ألفًا، ونطق خلفًا )) .

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 371.

فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدالِّ على الوقت؟
قيل: إن ذلك، وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع، استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان "أو" عندهم من حروف العطف، (1) وكذلك "الواو" ، فيقولون: "لقيتني مملقًا أو أنا مسافر" ، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون "الواو" وهم مريدوها في الكلام، لما وصفت. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها، إذ جاءهم بأسنا وسطوتُنا بياتًا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين، وبربهم آثمين، ولأمره ونهيه مخالفين. (3)
* * *
وعنى بقوله جل ثناؤه: (دعواهم) ، في هذا الموضع دعاءَهم.
* * *
ولـ "الدعوى" ، في كلام العرب، وجهان: أحدهما: الدعاء، والآخر: الادعاء للحق.
ومن "الدعوى" التي معناها الدعاء، قول الله تبارك وتعالى: (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ) [سورة الأنبياء: 15] ، ومنه قول الشاعر: (4)
(1)
في المخطوطة: (( إذ كان وعندهم من حروف العطف )) بياض، وفوق البياض (كذا) ، وفي الهامش حرف (ط) . والذي في المطبوعة شبيه بالصواب.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 372.

(3)
انظر بيان قول (( بربهم آثمين )) فيما سلف ص: 171، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
كثير عزة.

وَإِنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أَشْتَفِي ... بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَيَهُونُ (1)
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن "البأس" و "البأساء" الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم" .
* * *
وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم.
14323- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزرَّاد قال، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله: ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم - قال قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا) ، الآية (3) .
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) ؟ وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك، وقد جاءهم بأس الله بالهلاك؟ أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل
(1)
ديوانه 2: 245، في باب الزيادات، نهاية الأرب 2: 125، واللسان (مذل) .

(( مذلت رجله (بفتح وسكون) ومذلا (بفتحتين) : خدرت، كانوا يزعمون أن المرء إذا خدرت رجله ثم دعا باسم مَنْ أحب، زال خدرها.
(2)
انظر تفسير (( البأس )) فيما سلف ص: 299، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 14323 - (( عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 503، 504، 1326، مات في العشر الثاني من المئة الثانية. لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من الصحابة. فإسناده منقطع.

وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 448، عن الطبري ولم يخرجه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 67، ولم ينسبه إلى غير ابن أبي حاتم.
(( أعذر من نفسه )) ، إذا أمكن معاقبة بذنبه منها. يعني: أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيعذروا من أنفسهم، ويستوجبوا العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر في إلحاق العذاب بهم.
مجيء البأس، والله يخبر عنهم أنهم قالوه حين جاءهم، لا قبل ذلك؟ أو قالوه بعد ما جاءهم، فتلك حالة قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله، وحقيقة ما كانت الرسل تَعِدهم من سطوة الله؟. (1)
قيل: ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله وآخره مَهَلٌ، بل كان منهم من غرق بالطوفان. فكان بين أوّل ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون، وبين آخره الذي عمَّ جميعهم هلاكُه، المدة التي لا خفاء بها على ذي عقل. ومنهم من مُتِّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيامًا ثلاثة، كقوم صالح وأشباههم. فحينئذ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به، وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم، دعوا: (يا ويلنا إنا كنا ظالمين) ، فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجيء وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم. فحذّر ربنا جل ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حلَّ بمن كان قبلهم من الأمم إذ عصوا رُسله، واتبعوا أمر كل جبار عنيد.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي: ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي؟ هل عملوا بما أمرتهم به، وانتهوا عما نهيتهم عنه، وأطاعوا أمري، أم عصوني فخالفوا ذلك؟ = (ولنسألن
(1)
في المخطوطة وصل الكلام هكذا: (( وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله وليس كل الأمم )) ، بالواو، وليس فيها (( قيل )) ، وقد أحسن الناشر الأول فيما فعل، وإن كنت أظن أن في الكلام سقطًا.

المرسلين) ، يقول: ولنسألن الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم: هل بلغتهم رسالاتي، وأدَّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليهم، أم قصّروا في ذلك ففرَّطوا ولم يبلغوهم؟.
* * *
وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه.
* ذكر من قال ذلك:
14324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) ، قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
14325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) إلى قوله: (غائبين) ، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.
14326- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) ، يقول فلنسألن الأمم: ما عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ولنسألن الرسل: هل بلغوا ما أرسلوا به؟
14327- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) ، الأمم = ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه: هل بلغوا؟ (1)
* * *
(1)
الأثر: 14327 - (( أبو سعد المدني )) ، مضى في الأثر رقم: 14322، ولم أعرف من هو، ولم أجد له ترجمة.

القول في تأويل قوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلنخبرن الرسل ومَنْ أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه (1) = "وما كنا غائبين" ، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسلَ، والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقصّ عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟
قيل: إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد، ولا مسألة تعرّف منهم ما هو به غير عالم، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل: "ألم أحسن إليك فأسأت؟" ، و "ألم أصلك فقطعت؟" . فكذلك مسألة الله المرسلَ إليهم، بأن يقول لهم: "ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري" ؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) ،
[سورة يس: 60-61] ، ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة، ومعناه الخبر والقصص، وهو بعدُ توبيخ وتقرير.
وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: (ألم يأتكم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم) ؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا: "ما جاءنا من بشير ولا نذير" . فقيل للرسل: "هل بلغتم ما أرسلتم به" ؟ أو قيل لهم: "ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟" ، كما جاء الخبر
(1)
انظر تفسير (( القصص )) فيما سلف 9: 402 /12: 120

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال جل ثناؤه لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) ، [سورة البقرة: 143] . فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم، وللمرسَل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر.
فأما الذي هو عن الله منفيٌّ من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قِبَله، فذلك غير جائز أن يوصف الله به، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ، [سورة الرحمن: 39] ، وبقوله: (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، [سورة القصص: 78] ، يعني: لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم مستثبت، (1) ليعلم علم ذلك من قبل مَنْ سأل منه، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره.
* * *
وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (2)
* * *
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: (فلنقصن عليهم بعلم) ، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم.
هذا قولٌ غيرُ بعيد من الحق، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه تَرْجُمان، فيقول له: "أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا" ؟ حتى
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم علم مستثبت ) ) وهو غير مستقيم، والصواب ما أثبت.

(2)
انظر ما سلف 3: 145 - 154.

يذكره ما فعل في الدنيا (1) = والتسليم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من التسليم لغيره.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) }
قال أبو جعفر: "الوزن" مصدر من قول القائل: "وزنت كذا وكذا أزِنه وَزْنًا وزِنَةً" ، مثل: "وَعدته أعده وعدًا وعدة" .
وهو مرفوع بـ "الحق" ، و "الحق" به. (2)
* * *
ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين، الحق = ويعني بـ "الحق" ، العدلَ.
* * *
وكان مجاهد يقول: "الوزن" ، في هذا الموضع، القضاء.
14328- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "والوزن يومئذ" ، القضاء.
* * *
(1)
هذا الخبر الذي صححه الطبري، لم أجده بتمامه، ووجدت صدره من رواية ابن خزيمة، عن أبي خالد عبد العزيز بن أبان القرشي، قال: حدثنا بشير بن المهاجر، عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان )) (حادي الأرواح 2: 108، 109) ، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد: 346، بلفظ: (ليس منكم من أحد إلا سيكلمه الله عز وجل ... ) ) ، ثم قال: (( رواه البزار، وفيه عبد العزيز بن أبان، وهو متروك )) . وسيأتي في التعليق على رقم: 14333.

وأما الأخبار بمعنى هذا الخبر، فقد جاءت بالأسانيد الصحاح. رواه الترمذي بهذا اللفظ في أبواب صفة القيامة، من حديث عدي بن حاتم، وقال: (( هذا حديث حسن صحيح )) .
(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 373.

وكان يقول أيضًا: معنى "الحق" ، هاهنا، العدل.
* ذكر الرواية بذلك:
14329- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: العدل.
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، وزن الأعمال.
* ذكر من قال ذلك:
14330- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، توزن الأعمال.
14331- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشَّروب، فلا يزن جناح بَعُوضة.
14332- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل الطويل العظيم فلا يزن جناح بعوضة.
14333- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يوسف بن صهيب، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، قال: يا جبريل، زِن بينهم! فردَّ من بعضٍ على بعض. قال: وليس ثم ذهبٌ ولا فضة. قال: فإن كان للظالم حسنات، أخذ من حسناته فترد على المظلوم، (1) وإن لم يكن له حسنات حُمِل عليه من
(1)
في المطبوعة أسقط من الكلام ما لا يستقيم إلا به، فرددتها إلى أصلها من المخطوطة. كان في المطبوعة: (( يا جبريل زن بينهم، فرد على المظلوم ... )) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #658  
قديم 16-07-2025, 01:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (658)
صــ 311 إلى صــ 320





سيئات صاحبه، فيرجع الرجل عليه مثل الجبال، فذلك قوله: (والوزن يومئذ الحق) . (1)
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فمن ثقلت موازينه) .
فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته.
* ذكر من قال ذلك:
14334- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (فمن ثقلت موازينه) ، قال: حسناته.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه التي توزن بها حسناته وسيئاته. قالوا: وذلك هو "الميزان" الذي يعرفه الناس، له لسان وكِفَّتان.
* ذكر من قال ذلك:
14335- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال لي عمرو بن دينار قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: إنا نرى ميزانًا وكفتين، سمعت عبيد بن عمير يقول: يُجْعَل الرجل العظيم الطويل في الميزان، ثم لا يقوم بجناح ذباب.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار، من أن ذلك هو "الميزان" المعروف الذي يوزن به،
(1)
الأثر: 14333 - (( الحارث )) ، هو (( الحارث بن أبي أسامة )) ، ثقة مضى مرارًا.

و (( عبد العزيز )) ، هو (( عبد العزيز بن أبان الأموي )) ، كذاب خبيث يضع الأحاديث، مضى ذكره مرارًا، رقم: 10295، 10315، 10360، 10553.
(( يوسف بن صهيب الكندي )) ، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 /380، وابن أبي حاتم 4 /2 /224. و (( موسى )) كثير، ولم أستطع أن أعينه.
و (( بلال بن يحي العبسي )) ، يروي عن حذيفة. ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 /2 /108، وابن أبي حاتم 1 /1 / 396.
وأن الله جل ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات، كما قال جل ثناؤه: (فمن ثقلت موازينه) ، موازين عمله الصالح = (فأولئك هم المفلحون) ، يقول: فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح، وأدركوا الفوز بالطلبات، والخلود والبقاء في الجنات، (1) لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما وُضِع في الميزان شيء أثقل من حسن الخُلق" ، (2) ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق أن ذلك ميزانٌ يوزن به الأعمال، على ما وصفت.
* * *
فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله عن الميزان وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عنه، وِجْهَته، وقال: أوَ بالله حاجة إلى وزن الأشياء، وهو العالم بمقدار كل شيء قبل خلقه إياه وبعده، وفي كل حال؟ = أو قال: وكيف توزن الأعمال، والأعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة، وإنما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفتها، وكثرتها من قلتها، وذلك لا يجوز إلا على الأشياء التي توصف بالثقل والخفة، والكثرة والقلة؟
قيل له في قوله: "وما وجه وزن الله الأعمالَ، وهو العالم بمقاديرها قبل كونها" : وزن ذلك، نظيرُ إثباته إياه في أمِّ الكتاب واستنساخه ذلك في الكتب، من غير حاجة به إليه، ومن غير خوف من نسيانه، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده، بل ليكون ذلك حجة على خلقه، كما قال جل ثناؤه في تنزيله: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) [سورة الجاثية: 28-29] الآية. فكذلك
(1)
انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف ص: 130 تعليق: 2 والمراجع هناك.

(2)
روى الترمذي في سننه في كتاب (( البر والصلة )) باب (( ما جاء في حسن الخلق )) ، عن أبي الدرداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق خسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء )) ، ثم قال: (( وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وأسامة بن شريك. هذا حديث حسن صحيح )) . وقال السيوطي في الدر المنثور 3: 71 (( وأخرجه أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان واللالكائي، عن أبي الدرداء )) .

وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان، حجة عليهم ولهم، إما بالتقصير في طاعته والتضييع، وإما بالتكميل والتتميم. (1)
* * *
وأمّا وجه جواز ذلك، فإنه كما:
14336- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا جعفر بن عون قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: يُؤْتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكِفّة، فيخرج له تسعة وتسعون سِجِلا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثم يخرج له كتاب مثل الأنْمُلة، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: فتوضع في الكِفّة، فترجح بخطاياه وذنوبه. (2)
* * *
(1)
هذه إحدى حجج أبي جعفر، التي تدل على لطف نظره، ودقة حكمه، وصفاء بيانه، وقدرته على ضبط المعاني ضبطًا لا يختل. فجزاه الله عن كتابه ودينه أحسن الجزاء، يوم توفى كل نفس ما كسبت.

(2)
الأثر: 14336 - (( موسى بن عبد الرحمن المسروق )) شيخ أبي جعفر، مضى مرارًا، آخرها رقم: 8906.

و (( جعفر بن عون بن عمرو بن حريث المخزومي )) ، ثقة، مضى برقم: 9506، 14244.
و (( عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي المعافري )) ، هو (( ابن أنعم )) ، ثقة. مضى برقم: 2195، 10180، 11337.
و (( عبد الله بن يزيد المعافري )) أبو عبد الرحمن الحبلي المصري، ثقة، مضى برقم: 6657، 9483، 11917.
وكان في المطبوعة: (( عن عبد الله بن عمر )) ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وهذا خبر صحيح الإسناد.
ورواه أحمد في مسنده بغير هذا اللفظ مطولا، في مسند عبد الله بن عمرو رقم: 6994 من طريق الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلى = ثم رواه أيضًا رقم: 7066 من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى (عامر بن يحيى) ، عن أبي عبد الرحمن الحبلى. ورواه من الطريق الأولي عند أحمد ابن ماجه في سننه ص: 1437.
ورواه الحاكم في المستدرك 1: 6 من طريق يونس بن محمد، عن الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن المعافري وقال: (( هذا حديث صحيح، لم يخرج في الصحيحين، وهو صحيح على شرط مسلم )) ، ووافقه الذهبي. ثم عاد فرواه في المستدرك أيضًا 1: 529 من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، مثل إسناده وقال: (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ووافقه الذهبي.
فكذلك وزن الله أعمال خلقه، بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان، وكتب سيئاته في الكفة الأخرى، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلا وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى، احتجاجًا من الله بذلك على خلقه، كفعله بكثير منهم: من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادًا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه.
ويُسأل مَن أنكر ذلك فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة، ويخفف موازين آخرين، وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق ذلك، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته، الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل تُبْعِد أن يُنال وجه صحته من جهة العقل؟ (1) وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقَه وكتبَ أعمالهم لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان، خروجٌ من حكمة، ولا دخول في جور في قضية، فما الذي أحال ذلك عندك من حجةِ عقلٍ أو خبر؟ (2) إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرتُ، ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين، وضوحُ فساد قوله، وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك.
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته، إذ كان قصدُنا في هذا الكتاب: البيانَ عن تأويل القرآن دون غيره. ولولا ذلك لقرنَّا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وُفِّق لفهمه إن شاء الله.
(1)
في المطبوعة: أحجة عقل فقد يقال وجه صحته ... وهو كلام غير مستقيم. وفي المخطوطة. (( أحجة عقل بعدان ننال وجه صحته ... )) ، وكأن الصواب ما قرأته وأثبته.

(2)
في المطبوعة: (( فما الذي أحال عندك من حجة أعقل أو خبر )) ، وهو فاسد، وفي المخطوطة: (( ... من حجة أو عقل أو خبر )) ، بزيادة (( أو )) ، وبحذفها يستقيم الكلام.

القول في تأويل قوله: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله الصالحة، فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله، والإيمان به وبرسوله، واتباع أمره ونهيه، فأولئك الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته (1) = (بما كانوا بآياتنا يظلمون) ، يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرّون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها، (2) كالذي:-
14337- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (ومن خفت موازينه) ، قال: حسناته.
* * *
وقيل: "فأولئك" ، و "من" في لفظ الواحد، لأن معناه الجمع. ولو جاء موحَدًا كان صوابًا فصيحًا. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد وطَّأْنا لكم، أيها الناس، في الأرض، (4) وجعلناها لكم قرارًا تستقرُّون فيها، ومهادًا تمتهدونها، وفراشًا تفترشونها (5) = (
(1)
انظر تفسير (( الخسارة )) فيما سلف ص: 153، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 373.

(4)
في المطبوعة: (( ولقد وطنا لكم أيها الناس )) ، والصواب من المخطوطة.

(5)
انظر تفسير (( مكن )) فيما سلف 11: 263.

وجعلنا لكم فيها معايش) ، تعيشون بها أيام حياتكم، من مطاعم ومشارب، نعمة مني عليكم، وإحسانًا مني إليكم = (قليلا ما تشكرون) ، يقول: وأنتم قليل شكركم على هذه النعم التي أنعمتها عليكم لعبادتكم غيري، واتخاذكم إلهًا سواي.
* *
والمعايش: جمع "معيشة" .
* * *
واختلفت القرأة في قراءتها.
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (مَعَايِشَ) بغير همز.
* * *
وقرأه عبد الرحمن الأعرج: "مَعَائِشَ" بالهمز.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (مَعَايِشَ) بغير همز، لأنها "مفاعل" من قول القائل "عشتَ تعيش" ، فالميم فيها زائدة، والياء في الحكم متحركة، لأن واحدها "مَفْعلة" ، "مَعْيشة" ، متحركة الياء، نقلت حركة الياء منها إلى "العين" في واحدها. فلما جُمعت، رُدّت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحركها. وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكن ما قبلهما وتحركتا، في نظائر ما وصفنا من الجمع الذي يأتي على مثال "مفاعل" ، وذلك مخالف لما جاء من الجمع على مثال "فعائل" التي تكون الياء فيها زائدة ليست بأصل. فإن ما جاء من الجمع على هذا المثال، فالعرب تهمزه، كقولهم: "هذه مدائن" و "صحائف" ونظائرهما، (1) لأن "مدائن" جمع "مدينة" ، و "المدينة" ، "فعيلة" من قولهم: "مدنت المدينة" ، وكذلك، "صحائف" جمع "صحيفة" ، و "الصحيفة" ، "فعيلة" من قولك: "صحفت الصحيفة" ، فالياء في واحدها زائدة ساكنة، فإذا جمعت همزت، لخلافها في الجمع الياء التي كانت في واحدها، وذلك أنها كانت
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( ونظائر )) والسياق ما أثبت.

في واحدها ساكنة، وهي في الجمع متحركة. ولو جعلت "مدينة" "مَفْعلة" من: "دان يدين" ، وجمعت على "مفاعل" ، كان الفصيح ترك الهمز فيها. وتحريك الياء. وربما همزت العرب جمع "مفعلة" في ذوات الياء والواو = وإن كان الفصيح من كلامها ترك الهمز فيها. إذا جاءت على "مفاعل" = تشبيهًا منهم جمعها بجمع "فعيلة" ، كما تشبه "مَفْعلا" "بفعيل" فتقول: "مَسِيل الماء" ، من: "سال يسيل" ، ثم تجمعها جمع "فعيل" ، فتقول: "هي أمسلة" ، في الجمع، تشبيهًا منهم لها بجمع "بعير" وهو "فعيل" ، إذ تجمعه "أبعرة" . وكذلك يجمع "المصير" وهو "مَفْعل" ، "مُصْران" تشبيهًا له بجمع: "بعير" وهو "فعيل" ، إذ تجمعه "بُعْران" ، (1) وعلى هذا همز الأعرج "معايش" . وذلك ليس بالفصيح في كلامها، وأولى ما قرئ به كتاب الله من الألسن أفصحها وأعرفها، دون أنكرها وأشذِّها.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويل ذلك: (ولقد خلقناكم) ، في ظهر آدم، أيها الناس = (ثم صورناكم) ، في أرحام النساء. خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 373، 374

14338- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قوله: (خلقناكم) ، يعني آدم = وأما "صورناكم" ، فذريّته.
14339- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) الآية، قال: أمّا "خلقناكم" ، فآدم. وأمّا "صورناكم" ، فذرية آدم من بعده.
14340- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: (ولقد خلقناكم) ، يعني: آدم = (ثم صورناكم) ، يعني: في الأرحام.
14341- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، يقول: خلقناكم خلق آدم، ثم صَوَّرناكم في بطون أمهاتكم.
14342- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، يقول: خلقنا آدم، ثم صورنا الذرية في الأرحام.
14343- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلق الله آدم من طين = "ثم صورناكم" ، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق: علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا، ثم أنشأناه خلقًا آخر. (1)
14344- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(1)
الأثر: 14343 - (( بشر بن معاذ العقدي )) ، مضى مرارًا، وهذا إسناد يدور في التفسير دورانًا، ولكنه جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة: (( بشر بن آدم )) ، وهو خطأ. لا شك في ذلك.

معمر، عن قتادة قال: خلق الله آدم، ثم صوّر ذريته من بعده.
14345- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مُشارس، عن الضحاك: (خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: ذريته. (1)
14346- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: (ولقد خلقناكم) ، يعني آدم = (ثم صورناكم) ، يعني: ذريته.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: "ولقد خلقناكم" ، في أصلاب آبائكم = "ثم صورناكم" ، في بطون أمهاتكم.
* ذكر من قال ذلك:
14347- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، وصوّرناكم في أرحام النساء.
14348- حدثني المثنى قال، حدثنا الحمانى قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، مثله.
14349- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان قال، سمعت الأعمش يقرأ: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صورناكم في أرحام النساء.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (خلقناكم) ، يعني آدم = (ثم صورناكم) ، يعني = في ظهره.
(1)
الأثر: 14345 - (( عمر بن هارون بن يزيد البلخي )) ، متكلم فيه وجرح، مضى برقم: 12389.

و (( نصر بن مشاري )) أو (( نصر بن مشيرس )) ، هو (( أبو مصلح الخراساني )) مشهور بكنيته، وكذلك مضى في الأثر رقم: 12389.
وكان في المطبوعة: (( مشاوش )) ، وفي المخطوطة: (( مشاوس )) والصواب ما أثبته.
* ذكر من قال ذلك:
14350- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ولقد خلقناكم) ، قال: آدم = (ثم صورناكم) ، قال: في ظهر آدم.
14351- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، في ظهر آدم.
14352- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: صورناكم في ظهر آدم.
14353- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: في ظهر آدم، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: "ولقد خلقناكم" ، في بطون أمهاتكم = "ثم صورناكم" ، فيها.
* ذكر من قال ذلك:
14354- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره قال: (خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلق الله الإنسان في الرحم، ثم صوّره، فشقَّ سمعه وبصره وأصابعه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: (ولقد خلقناكم) ، ولقد خلقنا آدم = (ثم صورناكم) ، بتصويرنا آدم، كما قد بينا




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #659  
قديم 16-07-2025, 01:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (659)
صــ 321 إلى صــ 330





فيما مضى من خطاب العرب الرجلَ بالأفعال تضيفها إليه، والمعنيُّ في ذلك سلفه، (1) وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) ، [سورة البقرة: 63] . وما أشبه ذلك من الخطاب الموجَّه إلى الحيّ الموجود، والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صوَّرناه.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصوِّر ذريته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلُق أمهاتهم.
و "ثم" في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، (2) وذلك كقول القائل: "قمت ثم قعدت" ، لا يكون "القعود" إذ عطف به بـ "ثم" على قوله: "قمت" إلا بعد القيام، (3) وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل: "قمت وقعدت" ، فجائز أن يكون "القعود" في هذا الكلام قد كان قبل "القيام" ، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين، أيهما
(1)
انظر هذا من خطاب العرب فيما سلف 2: 38، 39 ثم ص: 164، 165، ومواضع أخرى بعد ذلك في فهرس مباحث العربية والنحو وغيرها.

(2)
انظر القول في (( ثم )) فيما سلف ص: 233.

(3)
كان في هذه الجملة في المخطوطة تكرار، ووضع الناسخ في الهامش (كذا) ، والصواب ما في المطبوعة.

المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إنّ قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا.
فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت بـ "ثم" في موضع "الواو" في ضرورة شعره، كما قال بعضهم:
سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَا ... أَبًا ثُمَّ أُمًّا? فَقَالَتْ: لِمَهْ? (1)
بمعنى: أبًا وأمًّا، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف.
* * *
وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل "ثم" في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام، (2) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم: "قام ثم عبد الله عمرو" ، فأما إذا قيل: "قام عبد الله ثم قعد عمرو" ، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقًا، فقول الله تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا) ، نظير قول القائل: "قام عبد الله ثم قعد عمرو" ، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل.
* * *
وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم) ، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
في المخطوطة: (( وإن كان يعبر فنرنها في الكلام )) ، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه، فتركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله.

آدم وجعلناه خلقًا سويًّا، ونفخنا فيه من روحنا، قلنا للملائكة: "اسجدوا لآدم" ، ابتلاء منا واختبارًا لهم بالأمر، ليعلم الطائع منهم من العاصي، = (فسجدوا) ، يقول: فسجد الملائكة، إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين لآدم، حين أمره الله مع مَنْ أمرَ من سائر الملائكة غيره بالسجود.
* * *
وقد بينا فيما مضى، المعنى الذي من أجله امتحن جَلّ جلاله ملائكته بالسجود لآدم، وأمْرَ إبليس وقصصه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
(1)
انظر ما سلف 1: 501 - 512.

القول في تأويل قوله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس، إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له. يقول: قال الله لإبليس: = (ما منعك) ، أيّ شيء منعك = (ألا تسجد) ، أن تدع السجود لآدم = (إذ أمرتك) ، أن تسجد = "قال أنا خير منه" ، يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم = "خلقتني من نار وخلقته من طين" .
* * *
فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس، ألحقته الملامة على السجود، أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود، فكيف قيل له: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ؟ وإن كان النكير على السجود، فذلك خلافُ ما جاء به التنزيل في سائر القرآن، وخلاف ما يعرفه المسلمون!
قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له.
غير أن في تأويل قوله: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) ، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا، ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب.
فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد = و "لا" ها هنا زائدة، كما قال الشاعر: (1)
أبَى جُودُهُ لا البُخْلَ، وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ ... نَعَمْ، مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قَاتِلهْ (2)
وقال: فسرته العرب: "أبى جوده البخل" ، وجعلوا "لا" زائدةً حشوًا ها هنا، وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر "البخل" ، ويجعل "لا" مضافة إليه، أراد: أبى جوده "لا" التي هي للبخل، ويجعل "لا" مضافة، لأن "لا" قد تكون للجود والبخل، لأنه لو قال له: "امنع الحق ولا تعط المسكين" فقال: "لا" كان هذا جودًا منه.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله، غير أنه زعم أن العلة في دخول "لا" في قوله: (أن لا تسجد) ، أن في أول الكلام جحدا = يعني بذلك قوله: (لم يكن من الساجدين) ، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ، كالاستيثاق والتوكيد له. قال: وذلك كقولهم: (3)
(1)
لا يعرف قائله.

(2)
اللسان (نعم) ، أمالي ابن الشجري 2: 228، 231، شرح شواهد المغنى 217، وكان في المخطوطة والمطبوعة: (( لا يمنع الجوع )) ، كما أثبته، وكذلك ورد عن الفارسي في اللسان. وأما في المراجع الأخرى فروايته: (( لا يمنع الجود )) .

(3)
لم يعرف قائله.

مَا إنْ رَأَيْنَا مِثْلَهُنَّ لِمَعْشَرٍ ... سُودِ الرُّؤُوسِ، فَوَالِجٌ وَفُيُولُ (1)
فأعاد على الجحد الذي هو "ما" جحدًا، وهو قوله "إن" ، فجمعهما للتوكيد.
* * *
وقال آخر منهم: ليست "لا" ، بحشو في هذا الموضع ولا صلة، (2) ولكن "المنع" هاهنا بمعنى "القول" ، وإنما تأويل الكلام: مَنْ قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسجود = ولكن دخل في الكلام "أن" ، إذ كان "المنع" بمعنى "القول" ، لا في لفظه، كما يُفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول، وهو له في اللفظ مخالف، كقولهم: "ناديت أن لا تقم" ، و "حلفت أن لا تجلس" ، وما أشبه ذلك من الكلام. وقال: خفض "البخل" من روى: "أبى جوده لا البخل" ، (3) بمعنى: كلمة البخل، لأن "لا" هي كلمة البخل، فكأنه قال: كلمة البخل.
* * *
وقال بعضهم: معنى "المنع" ، الحول بين المرء وما يريده. قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه، فيوثر أحدهما على الآخر فيفعله. قال: فلما كانت صفة "المنع" ذلك، فخوطب إبليس بالمنع فقيل له: (ما منعك ألا تسجد) ، كان معناه كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرك إلى أن لا تسجد؟
* * *
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود
(1)
معاني القرآن للفراء 1: 176، 374 و (( الفوالج )) جمع (( فالج )) ، وهو جمل ذو سنامين كان يجلب من السند للفحلة. و (( الفيول) ، جمع (( فيل )) .

(2)
(( الصلة )) : الزيادة، كما سلف، انظر فهارس المصطلحات.

(3)
في المطبوعة: (( وقال بعض من روى: أبي جود لا البخل )) ، فغير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام إفسادًا.

فأحوجك أن لا تسجد = فترك ذكر "أحوجك" ، استغناء بمعرفة السامعين قوله: (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) ، أن ذلك معنى الكلام، من ذكره. (1) ثم عمل قوله: (ما منعك) ، في "أن" ما كان عاملا فيه قبل "أحوجك" لو ظهر، إذ كان قد ناب عنه.
وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا، فتبين بذلك فسادُ قول من قال: "لا" في الكلام حشو لا معنى لها.
وأما قول من قال: معنى "المنع" ههنا "القول" ، فلذلك دخلت "لا" مع "أن" = فإن "المنعَ" وإن كان قد يكون قولا وفعلا فليس المعروف في الناس استعمالُ "المنع" ، في الأمر بترك الشيء، لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله، لا يقال: "فعله" ، وهو ممنوع من فعله، إلا على استكراه للكلام. وذلك أن المنع من الفعل حَوْلٌ بينه وبينه، فغير جائز أن يكون وهو مَحُولٌ بينه وبينه فاعلا له، لأنه إن جاز ذلك، وجب أن يكون مَحُولا بينه وبينه لا محولا وممنوعًا لا ممنوعًا. (2)
وبعدُ، فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى ذكره بالسجود لآدم كبرًا، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم، فيجوز أن يقال له: "أي شيء قال لك: لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت:" ما منعك من السجود له فأحوجك، أو: فأخرجك، أو: فاضطرك إلى أن لا تسجد له "، على ما بيَّنت."
* * *
وأما قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ، فإنه خبرٌ من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم،
(1)
السياق: (( استغناء بمعرفة السامعين ... من ذكره )) .

(2)
يعني أنه يجمع الصفتين معًا (( محول بينه وبينه، وغير محول = وممنوع، وغير ممنوع )) ، وهو تناقض.

فأحوجه إلى أن لا يسجد له، واضطره إلى خلافه أمرَه به، وتركه طاعته = أنّ المانعَ كان له من السجود، والداعيَ له إلى خلافه أمر ربه في ذلك: أنه أشد منه أيْدًا، (1) وأقوى منه قوة، وأفضل منه فضلا لفضل الجنس الذي منه خلق، وهو النارُ، على الذي خلق منه آدم، (2) وهو الطين. فجهل عدوّ الله وجه الحق، وأخطأ سبيل الصواب. إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوًّا، والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الاستكبار عن السجود لآدم، والاستخفاف بأمر ربه، فأورثه العطبَ والهلاكَ. وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت، وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، (3) كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته، ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة. ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: "أول مَنْ قاسَ إبليس" ، يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ، وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه: من خلقه إياه بيده، ونفخه فيه من روحه، وإسجاده له الملائكة، وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته. فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا، وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين!! (4) وهو في ذلك أيضًا له غير كفء، لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره، فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟
14355- حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (5)
14356- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن الحسن قوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين) ، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14357- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات: "اسجدوا لآدم" ، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر، لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره، فقال: "لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا، خلقتني من نار وخلقته من طين!" يقول: إنّ النار أقوى من الطين.
14358- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (خلقتني من نار) ، قال: ثم جعل ذريته من ماء.
* * *
(1)
في المطبوعة: (( أشد منه يدا )) ، والصواب من المخطوطة، و (( الأيد )) ، القوة.

(2)
في المطبوعة: (( من الذي خلق منه آدم )) ، زاد (( من )) ، والمخطوطة سقط منها حرف الجر المتعلق بفضل الجنس، والصواب ما أُبت.

(3)
في المطبوعة: (( وذلك الذي في جوهره ... )) حذف (( هو )) ، وفي المخطوطة: (( وذلك الذي هو من جوهره من ذلك )) ، وصوابها (( في جوهره )) ، وإنما هو خطأ من الناسخ.

(4)
في المطبوعة: (( بأنه خلقه من نار )) ، واليد ما في المخطوطة.

(5)
الأثر: 14355 - (( عمرو بن مالك الراسبي الغبري )) ، أبو عثمان البصري، شيخ الطبري. قال ابن عدي: (( منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث )) ، وقال ابن أبي حاتم: (( ترك أبي التحديث عنه )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 /1 / 259.

و (( يحيى بن سليم الطائفي )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 4894، 7831.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله عدوّ الله ليس لما سأله عنه بجواب. وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود أنه خُلِقَ من نار وخلق آدم من طين، (1) ولكنه ابتدأ خبرًا عن نفسه، فيه دليل على موضع الجواب فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: (فاهبط منها) .
وقد بيَّنا معنى "الهبوط" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
= (فما يكون لك أن تتكبر فيها) ، يقول تعالى ذكره: فقال الله له: "اهبط منها" ، يعني: من الجنة = "فما يكون لك" ، يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري.
* * *
فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة، فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، فأما غيرها، فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله، والمستكين لطاعته.
* * *
(1)
في المطبوعة: (( أنه خلقه من نار )) ، والجيد في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير (( الهبوط )) فيما سلف 1: 534، 548 /2: 132، 239.

وقوله: (فاخرج إنك من الصاغرين) ، يقول: فاخرج من الجنة، إنك من الذين قد نالهم من الله الصَّغَار والذلّ والمَهانة.
* * *
يقال منه: "صَغِرَ يَصْغَرُ صَغَرًا وصَغارًا وصُغْرَانًا" ، وقد قيل: "صغُرَ يَصْغُرُ صَغارًا وصَغارَة" . (1)
* * *
وبنحو ذلك قال السدي. (2)
14359- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فاخرج إنك من الصاغرين) ، و "الصغار" ، هو الذل.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) }
قال أبو جعفر: وهذه أيضًا جَهْلة أخرى من جَهَلاته الخبيثة. سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه. وذلك أنه سأل النَّظِرة إلى قيام الساعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق. ولو أعطي ما سأل من النَّظِرة، كان قد أعطي الخلودَ وبقاءً لا فناء معه، وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: 37-38 / سورة ص: 80، 81] ، وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى، غير ربِّنا الحيِّ الذي لا يموت. يقول الله تعالى
(1)
انظر تفسير (( الصغار )) فيما سلف ص: 96.

(2)
في المطبوعة: (( وبنحو الذي قلنا قال السدي )) ، وأثبت ما في المخطوطة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #660  
قديم 16-07-2025, 01:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (660)
صــ 331 إلى صــ 340








ذكره: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، [سورة آل عمران: 185 / سورة الأنبياء: 35 / سورة العنكبوت: 57] .
* * *
و "الإنظار" في كلام العرب، التأخير. يقال منه: "أنظرته بحقي عليه أنظره به إنظارًا. (1) "
* * *
فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون: (إنك من المنظرين) في هذا الموضع، فقد أجابه إلى ما سأل؟
قيل له: ليس الأمر كذلك، وإنما كان مجيبًا له إلى ما سأل لو كان قال له: "إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت = أو: إلى يوم البعث = أو إلى يوم يبعثون" ، أو ما أشبه ذلك، مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: (إنك من المنظرين) ، فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بيَّن فيها مدة إنظاره إياه إليها، وذلك قوله: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) ، [سورة الحجر: 37، 38 / سورة ص: 80، 81] ، كم المدة التي أنظره إليها، (2) لأنه إذا أنظره يومًا واحدًا أو أقل منه أو أكثر، فقد دخل في عداد المنظرين، وتمَّ فيه وعد الله الصادق، ولكنه قد بيَّن قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه، فعلم بذلك الوقت الذي أُنظِر إليه.
* * *
وبنحو ذلك كان السدي يقول.
14360- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: 36-38 / سورة ص: 80، 81] ، فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ
(1)
انظر تفسير (( الإنظار )) فيما سلف 2: 467، 468 /3: 264 / 6: 577 /11: 267.

(2)
في المطبوعة: (( على المدة )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

في الصور النفخة الأولى، فصعق مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض، فمات. (1)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: قال إبليس لربه: "أنظرني" ، أي أخّرني وأجّلني، وأنسئْ في أجلي، ولا تمتني = "إلى يوم يبعثون" ، يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: (إنك من المنظرين) ، إلى يوم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله.
* * *
فإن قال قائل: فهل أحَدٌ مُنْظرٌ إلى ذلك اليوم سوى إبليس، فيقال له: "إنك منهم" ؟
قيل: نعم، مَنْ لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم، ممن تقوم عليه الساعة، فهم من المنظرين بآجالهم إليه. ولذلك قيل لإبليس: (إنك من المنظرين) ، بمعنى: إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: (فبما أغويتني) ، يقول: فبما أضللتني، كما:-
14361- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فبما أغويتني) ، يقول: أضللتني.
14362- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
(1)
الأثر: 14360 - (( موسى بن هارون الهمداني )) ، مضى مرارًا، وكان في المخطوطة والمطبوعة: (( يونس بن هارون )) ، وهو خطأ محض، فهذا إسناد دائر في التفسير.

قوله: (فبما أغويتني) ، قال: فبما أضللتني.
* * *
وكان بعضهم يتأول قوله: (فبما أغويتني) ، بما أهلكتني، من قولهم: "غَوِيَ الفصيل يَغوَى غَوًى" ، وذلك إذا فقد اللبن فمات، من قول الشاعر: (1)
مُعَطَّفَةُ الأَثْنَاءِ لَيْسَ فَصِيلُهَا ... بِرَازِئِهَا دَرًّا وَلا مَيِّتٍ غَوَى (2)
* * *
وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسّنه عنده، غارًّا له. (3)
وقد حكي عن بعض قبائل طيئ، أنها تقول: "أصبح فلان غاويًا" ، أي: أصبح مريضًا. (4)
* * *
وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم، كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي، لأقعدن لهم صراطك المستقيم، كما يقال: "بالله لأفعلن كذا" .
* * *
وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة، كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني = أو: فبأنك أغويتني = لأقعدن لهم صراطك المستقيم.
* * *
(1)
هو (( مدرج الريح الجرمي )) ، واسمه (( عامر بن المجنون )) كما في الشعر والشعراء: 713، وفي الوحشيات رقم: 380، والأغاني 3: 115، وجاء في المعاني الكبير: 1047 (( عامر المجنون )) ، صوابه ما أثبت.

(2)
المعاني الكبير: 1047، المخصص 7: 41، 180، تهذيب إصلاح المنطق 2: 54، اللسان (غوى) . يصف قوسًا. قال التبريزي في شرحه: (( أثناؤها )) ، أطرفها المتلئبة. و (( فصيلها )) ، السهم، و (( رزائها )) أي: أخذ منها شيئًا. يقول: ليس فصيل هذه القوس يشرب إذا فقد اللبن.

(3)
انظر تفسير (( الغي )) و (( الإغواء )) فيما سلف 5: 416.

(4)
هذا النص ينبغي إثباته في كتب اللغة، فلم يذكر فيها فيما علمت.

قال أبو جعفر: وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية، (1) من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسبابَ ذلك إليه، (2) وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان، هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر. وذلك أنّ ذلك لو كان كما قالوا: لكان الخبيث قد قال بقوله: (فبما أغويتني) ، "فبما أصلحتني" ، إذ كان سبب "الإغواء" هو سبب "الإصلاح" ، وكان في إخباره عن الإغواء إخبارٌ عن الإصلاح، ولكن لما كان سبباهما مختلفين، وكان السبب الذي به غوَى وهلك من عند الله. أضاف ذلك إليه فقال: (فبما أغويتني) .
* * *
وكذلك قال محمد بن كعب القرظي، فيما:-
14363- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا أبو مودود، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدريّة، لإبليس أعلمُ بالله منهم!
* * *
وأما قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم "صراطك المستقيم" ، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الإسلام وشرائعه. (3) وإنما معنى الكلام: لأصدَّن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني.
وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه:- (4)
14364- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم
(1)
(( القدرية )) هم نفاة القدر الكافرون به، وأما المؤمنون بالقدر، وهم أهل الحق، فيقال لهم (( أهل الإثبات )) ، وانظر فهارس المصطلحات والفرق فيما سلف.

(2)
(( التفويض )) ، رد الأسباب إليه، وانظر بيان ذلك فيما سلف 1: 162، تعليق: 3 /11: 340، /12: 92، وهو مقالة المعتزلة وأشباههم.

(3)
انظر تفسير (( الصراط المستقيم )) ، فيما سلف ص: 282، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
في المطبوعة: (( سبرة بن الفاكه )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. انظر التعليق التالي ص 335، تعليق: 2:

بأطْرِقَةٍ، (1) فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذرُ دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطِّوَل؟ (2) فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جَهْدُ النفس والمال، فقال: أتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد. (3)
* * *
وروي عن عون بن عبد الله في ذلك ما:-
14365- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حَبّويه أبو يزيد، عن عبد الله بن بكير، عن محمد بن سوقة، عن عون بن عبد الله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، قال: طريق مكة. (4)
* * *
(1)
(( أطرقة )) جمع (( طريق )) ، مثل (( رغيف )) و (( أرغفة )) ، وهو جمعه مع تذكير (( طريق )) ، ويجمع أيضًا على (( أطرق )) (بضم الراء) ، وهو جمع (( طريق )) إذا أنثتها، نحو (( يمين )) ، و (( أيمن )) . وبهذه الأخيرة ضبط في أكثر الكتب.

(2)
(( الطول )) (بكسر الطاء وفتح الواو) : وهو الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو في غيره، والآخر في يد الفرس، فيدور فيه ويرعى، ولا يذهب لوجهه. ويعني بذلك: أن الهجرة تحبسه عن التصرف والضرب في الأرض، والعودة إلى أرضه وسمائه، والهجرة أمرها شديد كما تعلم.

(3)
الأثر: 14364 - هذا خبر رواه الأئمة، ذكره أبو جعفر بغير إسناده. و (( سبرة بن أبي الفاكهة )) ، و (( سبرة بن أبي الفاكهة )) ، صحابي نزل الكوفة. مترجم في التهذيب، وأسد الغابة 2: 260، والإصابة، في اسمه والكبير للبخاري 2 /2 / 188، وابن أبي حاتم 2 /1 / 295.

وهذا الخبر، رواه أحمد في مسنده مطولا 3: 483، والنسائي 6: 21، 22، والبخاري في التاريخ 2 /2 / 188، 189، وابن الأثير في أسد الغابة 2: 260، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته: (( له حديث عند النسائي، بإسناد حسن، إلا أن في إسناده اختلافًا )) ، ثم قال: (( وصححه ابن حبان )) .
(4)
الأثر: 14365 - (( حبويه أبو يزيد )) هكذا في المخطوطة، ولكنه غير منقوط، وكان في المطبوعة: (( حيوة أبو يزيد )) ، تغير بلا دليل.

و (( حبويه )) ، أبو يزيد، هو: (( إسحاق بن إسماعيل الرازي )) ، روى عن نافع بن عمر الجمحي، وعمرو بن أبي قيس، ونعيم بن ميسرة. روى عنه محمد بن سعيد الأصفهاني، وعثمان وأبو بكر ابنا شيبة، وإبراهيم بن موسى. قال يحيى بن معين: (( أرجو أن يكون صدوقًا )) . مترجم في الجرح والتعديل 1 /1 / 212، وعبد الغني بن سعيد في المؤتلف والمختلف: 43، (( حبويه )) بالباء المشددة بعد الحاء.
وسيأتي أيضًا في الإسناد رقم: 14550.
و (( عبد الله بن بكير الغنوي الكوفي )) ، روى عن (( محمد بن سوقة )) ، وهو ليس بقوي، وإن كان من أهل الصدق، وذكر له ابن عدي مناكير. مترجم في لسان الميزان، وابن أبي حاتم 2 /2 / 16، وميزان الاعتدال 2: 26.
والذي قاله عون، وإن كان من صراط الله المستقيم، فليس هو الصراط كله. وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم، ولم يخصص منه شيئًا دون شيء. فالذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشبهُ بظاهر التنزيل، وأولى بالتأويل، لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدَّ عن كل ما كان لهم قربة إلى الله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى "المستقيم" ، في هذا الموضع.
* ذكر من قال ذلك:
14366- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (صراطك المستقيم) ، قال: الحق.
14367- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14368- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول: (لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم) ، قال: سبيل الحق، فلأضلنَّهم إلا قليلا.
* * *
قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم، كما
يقال: "توجَّه مكة" ، أي إلى مكة، وكما قال الشاعر: (1)
كَأَنِّي إذْ أَسْعَى لأظْفَرَ طَائِرًا ... مَعَ النَّجْمِ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ (2)
بمعنى: لأظفر بطائر، فألقى "الباء" ، وكما قال: (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) ، [سورة الأعراف: 150] ، بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة، المعنى، والله أعلم: لأقعدن لهم على طريقهم، وفي طريقهم. قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز، (3) كما تقول: "قعدت لك وجهَ الطريق" و "على وجه الطريق" ، لأن الطريق صفة في المعنى، (4) فاحتمل ما يحتمله "اليوم" و "الليلة" و "العام" ، (5) إذا قيل: "آتيك غدًا" ، و "آتيك في غد" .
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب، لأن "القعود" مقتضٍ مكانًا يقعد فيه، فكما يقال: "قعدت في مكانك" ، يقال: "قعدت على صراطك" ، و "في صراطك" ، كما قال الشاعر: (6)
لَدْنٌ بِهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ ... فِيهِ، كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ (7)
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
لم أجد البيت في غير هذا المكان.

(3)
(( الصفة )) هنا حرف الجر، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف، ستأتي بعد قليل بمعنى (( الظرف )) . انظر التعليق التالي.

(4)
(( الصفة )) هنا، هي (( الظرف )) ، وكذلك يسميه الكوفيون.

(5)
في المطبوعة: (( يحتمل ما يحتمله )) ، وفي المخطوطة سقط، كتب: (( في المعنى ما يحتمله )) ولكني أثبت ما في معاني القرآن للفراء 1: 375، فهذا نص كلامه.

(6)
هو ساعدة بن جؤية الهذلي.

(7)
ديوان الهذليين 1: 190، سيبويه 1: 16، 109، الخزانة 1: 474، وغيرها كثير من قصيدة طويلة، وصف في آخرها رمحه، وهذا البيت في صفة رمح من الرماح الخطية. ورواية الديوان (( لذا )) ، أي تلذ الكف بهزه. و (( يعسل )) ، أي يضطرب. وقوله. (( فيه )) : أي في الهز. وقوله: (( عسل الطريق الثعلب )) ، أي: عسل في الطريق الثعلب واضطربت مشيته. شبه اهتزاز الرمح في يد الذي يهزه ليضرب به، باهتزاز الثعلب في عدوه في الطريق.

فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان، لا يكادون يقولون: "جلست مكة" ، و "قمت بغداد" .
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى قوله: (لآتينهم من بين أيديهم) ، من قبل الآخرة = (ومن خلفهم) ، من قبل الدنيا = (وعن أيمانهم) ، من قِبَل الحق = (وعن شمائلهم) ، من قبل الباطل.
* ذكر من قال ذلك:
14369- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) ، يقول: أشككهم في آخرتهم = (ومن خلفهم) ، أرغبهم في دنياهم = (وعن أيمانهم) ، أشبِّه عليهم أمرَ دينهم = (وعن شمائلهم) ، أشَهِّي لهم المعاصي.
* * *
وقد روي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل، وذلك ما:-
14370- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) ،
يعني من الدنيا = (ومن خلفهم) ، من الآخرة = (وعن أيمانهم) ، من قبل حسناتهم = (وعن شمائلهم) ، من قبل سيئاتهم.
* * *
وتحقق هذه الرواية، الأخرى التي:
14371- حدثني بها محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، قال: أما بين "أيديهم" ، فمن قبلهم، وأما "من خلفهم" ، فأمر آخرتهم، وأما "عن أيمانهم" ، فمن قبل حسناتهم، وأما "عن شمائلهم" ، فمن قبل سيئاتهم.
14372- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار= "ومن خلفهم" ، من أمر الدنيا، فزيَّنها لهم ودعاهم إليها = "وعن أيمانهم" ، من قبل حسناتهم بطَّأهم عنها = "وعن شمائلهم" ، زين لهم السيئات والمعاصي، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله!
* * *
وقال آخرون: بل معنى قوله: (من بين أيديهم) ، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم) ، من قبل آخرتهم.
* ذكر من قال ذلك:
14373- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم) ، قال: (من بين أيديهم) ، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم) ، من قبل آخرتهم = (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم = (وعن شمائلهم) ، من قبل سيئاتهم.
14374- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور،
عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، قال: (من بين أيديهم) ، من دنياهم = (ومن خلفهم) ، من آخرتهم = (وعن أيمانهم) ، من حسناتهم = (وعن شمائلهم) ، من قِبَل سيئاتهم.
14375- حدثنا سفيان قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) ، قال: من قبل الدنيا يزيِّنها لهم = (ومن خلفهم) من قبل الآخرة يبطّئهم عنها = (وعن أيمانهم) ، من قبل الحق يصدّهم عنه = (وعن شمائلهم) ، من قبل الباطل يرغّبهم فيه ويزينه لهم.
14376- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، أما (من بين أيديهم) ، فالدنيا، أدعوهم إليها وأرغبهم فيها = (ومن خلفهم) ، فمن الآخرة أشككهم فيها وأباعدها عليهم (1) = (وعن أيمانهم) ، يعني الحق فأشككهم فيه = (وعن شمائلهم) ، يعني الباطل أخفّفه عليهم وأرغّبهم فيه.
14377- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من بين أيديهم) ، من دنياهم، أرغّبهم فيها = (ومن خلفهم) ، آخرتهم، أكفّرهم بها وأزهِّدهم فيها = (وعن أيمانهم) ، حسناتهم أزهدهم فيها = (وعن شمائلهم) ، مساوئ أعمالهم، أحسِّنها إليهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون.
* ذكر من قال ذلك:
14378- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قول الله: (من بين أيديهم وعن
(1)
في المطبوعة: (( وأبعدها )) ، وأثبت ما في المخطوطة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 16 ( الأعضاء 0 والزوار 16)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 421.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 415.38 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]