|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#131
|
||||
|
||||
![]() الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن(132) - { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} استحضار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم، أو عذاب أليم يجعل المسلم يسعى بما وسعه من جهد ومال ليبلغ مرضاة ربه، فينجو من عذابه، ويفوز بجنته، إلا أن السابقين في الخيرات لهم وراء ذلك مقاصد وغايات، فيطمعون برحمة الله تعالى وأن ينالوا من الجنة أعلى الدرجات، وأن يصاحبوا أفضل الخلائق من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجاوروا رب العالمين في الفردوس الأعلى، وأن ينعموا برؤيته، ويتلذذوا بمشاهدته. فتلك الغاية كما يقول ابن القيم: «التي شمر إليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، وتسابق إليها المتسابقون، ولمثلها فليعمل العاملون.إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم، وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم أشد عليهم من عذاب الجحيم، اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، وجميع الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام على تتابع القرون، وأنكرها أهل البدع المارقون، والجهمية المتهوكون، والفرعونية المعطلون». وهذه المسألة العقدية مما وقع فيها خلاف بين أهل السنة ومخالفيهم كما قال النووي: «اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلاً، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين، وزعمت طائفة من أهل البدع ـ المعتزلة والخوارج وبعض المرجئةـ أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة «وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم في الآخرة ».فمن الأدلة على ذلك قال تعالى:{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26). قال ابن كثير:«يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الحسنى في الدار الآخرة كما قال تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}(الرحمن:60). وقوله ![]() وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم عن أبي بكر الصديق، وحذيفة ابن اليمان، وعبد الله بن عباس وأبو موسى وعبادة بن الصامت، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، وغيرهم من السلف والخلف . وعن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}. قال:«النظر إلى وجه الرحمن عز وجل». وعن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: «الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل». وقال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}(ق:35). قال الطبري: «قال علي بن أبي طالب، وأنس: هو النظر إلى وجه الله عز وجل». وقال ابن كثير: «قوله:{ولدينا مزيد}كقوله تعالى:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}. وفي صحيح مسلم عن صهيب: أنها النظر إلى وجه الله الكريم. وعن أنس قال:« يظهر لهم الرب، عز وجل في كل جمعة». وقال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة}. قال ابن كثير: «من النضارة، أي: حسنة بهية مشرقة مسرورة، {إلى ربها ناظرة} أي: تراه عيانا، كما رواه البخاري:«إنكم سترون ربكم عيانا». وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح، من طرق متواترة عند أئمة الحديث ، لا يمكن دفعها ولا منعها.وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام. وهداة الأنام ». ونقل الطبري عن عكرمة أنه قال: «تنظر إلى ربها نظرا». وذكرعن الحسن في قوله :{وجوه يومئذ ناضرة} قال: حسنة {إلى ربها ناظرة} قال: «تنظر إلى الخالق، وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق». وقال تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}. قال الربيع بن سليمان: حضرت الشافعي وقد جاءته رقعة فيها: ما تقول في قوله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}؟ فقال الشافعي: «لما أن حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا». ونقل الطبري عن الحسن في قوله:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال:«يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية». ثم قال الطبري: «فالصواب أن يقال: هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته، إذ كان الخبر عاما، لا دلالة على خصوصه». وعن أبي هريرة أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟« قالوا: لا، يا رسول الله، قال: «هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟«قالوا: لا، يا رسول الله، قال: « فإنكم ترونه كذلك» رواه مسلم . ومعنى «تضارون» أي لا يزاحم بعضكم بعضا، أو يلحق بعضكم الضرر ببعض بسبب الرؤية، وتشبية رؤية الباري برؤية الشمس والقمر، ليس تشبيها للمرئي بالمرئي، وإنما تشبيه الرؤية في وضوحها وجلائها برؤية العباد الشمس والقمر إذ يرونهما من غير مزاحمة ولا ضرر وعن جرير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنكم سترون ربكم عيانا» رواه البخاري . وعن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم، فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} رواه مسلم . وسبيل تحقيق هذه الغاية الشريفة إنما يكون بالإحسان كما قال تعالى:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}، فبسبب إحسانهم في الدنيا أكرمهم الله تعالى في الآخرة بالجنة ورؤية وجهه الكريم. ومن الإحسان المحافظة على الصلاة في أوقاتها، لاسيما صلاتي الفجر والعصر كما جاء في الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال:«إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا». نسأل الله تعالى أن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه العظيم، في جنات النعيم، ورفقة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#132
|
||||
|
||||
![]() الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (133) - أيـن اللـه؟ أمرنا الله -تعالى- أن نتعرف عليه، ونتعلم من هو الله العظيم الذي خلق الكون وما فيه؟ وخلقنا لعبادته فقال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }(الطلاق: 12). قال الطاهر بن عاشور: «والمعنى: أن مما أراده الله من خلقه السموات والأرض، أن يعلم الناس قدرة الله على كل شيء وإحاطة علمه بكل شيء؛ لأن خلق تلك المخلوقات العظيمة وتسخيرها وتدبير نظامها في طول الدهر يرشد أفكار المتأملين إلى أن مبدعها يقدر على أمثالها فيستدلون بذلك على أنه قدير على كل شيء؛ لأن دلالتها على إبداع ما هو دونها ظاهرة، ودلالتها على ما هو أعظم منها وإن كانت غير مشاهدة، فقياس الغائب على الشاهد يدل على أن خالق أمثالها قادر على ما هو أعظم. وأيضا فإن تدبير تلك المخلوقات بمثل ذلك الإتقان المشاهد في نظامها، دليل على سعة علم مبدعها وإحاطته بدقائق ما هو دونها، وأن من كان علمه بتلك المثابة لا يظن بعلمه إلا الإحاطة بجميع الأشياء».وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة: 98)، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ}(محمد: 19). ومن العلم بالله -تعالى- العلم بأنه سبحانه وتعالى في العلو المطلق، فقد تضافرت الأدلة من القرآن والسنة على إثبات صفة العلو لله تعالى، فالله -تعالى- له علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. قال الشيخ ابن سعدي: «فجميع معاني العلو ثابتة لله من كل وجه، فله علو الذات: فإنه فوق المخلوقات، وعلى عرشه استوى، أي علا وارتفع، وله علو القدر: وهو علو صفاته وعظمتها، فلا يماثله صفة مخلوق، بل لا تقدر الخلائق كلها أن تحيط ببعض معاني صفة واحدة من صفاته، وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته، وله علو القهر: فإنه الواحد القهار، الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم، فنواصيهم بيده، وما شاء كان لا يمانعه فيه مانع، وما لم يشأ لم يكن». فمن الأدلة على إثبات صفة العلو لله تعالى: أولاً: التصريح بالاستواء على العرش فمن ذلك: ورد في سبع آيات من القرآن ذكر استواء الرحمن على العرش، قال تعالى في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ}(الأعراف: 54)، وقال سبحانه في سورة طه: {الرحمن على العرش استوى}. ثانياً: ما جاء من أسماء الله الحسنى التي تدل على ثبوت جميع معاني العلو لله تعالى: قال تعالى: {وهو العلي العظيم}، وقال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وقال تعالى: {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال}، وقال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} وجاء في مسلم قوله صلى الله عليه وسلم : «وأنت الظاهر فليس فوقك شيء». ثالثاً: التصريح بالفوقية: كقوله تعالى عن الملائكة: {يخافون ربهم من فوقهم}، وقوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده}. ثالثاً: التصريح بالعروج إليه نحو قوله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه}،وقولـه:{يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}. رابعاً: التصريح بالرفع إليه كما قال تعالى لعيسى: {إني متوفيك ورافعك إلي}، وقال تعالى: {بل رفعه الله إليه}. خامساً: التصريح بالصعود إليه كقولـه تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}(فاطر: 10). سادساً: التصريح بأنه في السماء كقولـه سبحانه: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ} والمراد بالسماء هنا العلو المطلق، وليس المقصود أن السماء تحويه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. سابعاً: التصريح بتنزيل الكتاب منه سبحانه: فمن ذلك قولـه تعالى:{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}(غافر: 2)، وقولـه سبحانه: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}(فصلت: 2)، وقولـه تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت: 42). ثامنا: إخباره عن فرعون أنه أراد الصعود إلى السماء ليطّلع إلى إله موسى فيكذبه فيما أخبره من أنه سبحانه فوق السماوات قال تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}(غافر: 36 - 37). والأدلة من السنة أيضاً كثيرة جداً منها: 1- قال صلى الله عليه وسلم : «ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء؟» متفق عليه. 2-وعن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: كانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَـلَ أحد والجوانية، فاطّـلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكّـة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها. فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها، فإنها مؤمنة. رواه مسلم 3- حديث عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في ليلة الإسراء وفرض الصلاة. 4- وقد روى البخاري عن أنس أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: «زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات». 5 - عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل, وملائكةٌ بالنهار, ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر. ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلمُ بهم فيقول: كيف تركتم عبادي فيقولون: تركناهم وهم يصلون , وأتيناهم وهم يصلون». أخرجه البخاري. 6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه, فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي» رواه البخاري. 7 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها, فتأبي عليه, إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها, حتى يرضى عنها» رواه مسلم. 8- وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». أخرجه أبو داود. ودليل الفطرة يدل على علوه سبحانه، فكل إنسان يتجه بقلبه ويرفع يديه إلى الأعلى عند الدعاء أو التماس النجاة أو النصرة. وأما احتجاج بعضهم بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}(الزخرف: 84)، على نفي صفة العلو، فالجواب أن معنى الإله: المعبود، قال قتادة: «يعبد في السماء وفي الأرض، لا إله إلا هو». وقال ابن كثير: «أي: هو إله من في السماء، وإله من في الأرض، يعبده أهلهما، وكلهم خاضعون له، أذلاء بين يديه. وهذه الآية كقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ}(الأنعام: 3)، أي: هو المدعو الله في السموات والأرض». وقال القرطبي: «فيه أجوبة: أحدها: أي: وهو الله المعظم أو المعبود في السماوات وفي الأرض؛ كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب أي: حكمه. ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض; كما تقول: هو في حاجات الناس وفي الصلاة». اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#133
|
||||
|
||||
![]() الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (134) - {قل لله الشفاعة جميعا} (1-2) من الحقائق الشرعية الثابتة أن الشفاعة للكفار بالنجاة من النار، والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم يقرأ المسلم في القرآن الكريم آيات تنفي الشفاعة والشافعين كقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } (غافر:18)، وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ } (البقرة:254)، وقوله سبحانه: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (المدثر:48)، وقوله تعالى عن أصحاب النار أنهم يقولون: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} (الشعراء:100). ويقرأ آيات أخرى تثبت الشفاعة كقوله تعالى: {منْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة:255)، وقوله سبحانه: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ} (الأنبياء:28)، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ} (النجم:26).ولبيان وجه التوفيق بين الآيات المذكورة وغيرها لابد من وقفات: الوقفة الأولى: تعريف الشفاعة: - الشفاعة في اللغة: انضمام شيء إلى شيء آخر. قال الشيخ ابن عثيمين: «الشفاعة مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً، مثل أن نجعل الواحد اثنين، والثلاثة أربعة وما أشبهها. - أما معناها فهي: التوسط للآخر بجلب منفعة أو دفع مضرة، يعني أن يقوم الشافع بين المشفوع إليه والمشفوع له واسطة، ليجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة». فالشفاعة تكون في الدنيا والآخرة، والمقصود هنا الشفاعة في الأخرة، وهي طلب الرسول صلى الله عليه وسلم –أو غيره– من الله تعالى في الدار الآخرة حصول منفعة لأحد من الخلق، بأن يدخله الله تعالى الجنة أو ينقذه من النارمثلا. الوقفة الثانية: الشفاعة ملك لله سبحانه وحده: قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (الزمر:44)، قال ابن عاشور: «ولما نفى أن يكون لأصنامهم شيء من الشفاعة في عموم نفي ملك شيء من الموجودات عن الأصنام، قوبل بقوله: { لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ} أي الشفاعة كلها لله. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول ذلك لهم ليعلموا أن لا يملك الشفاعة إلا الله، أي هو مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحق. وتقديم الخبر المجرور وهو لله على المبتدأ لإفادة الحصر. واللام للملك، أي قصر ملك الشفاعة على الله تعالى لا يملك أحد الشفاعة عنده. و(جميعا) حال من الشفاعة مفيدة للاستغراق، أي لا يشذ جزئي من جزئيات حقيقة الشفاعة عن كونه ملكا لله، وجملة {له ملك السماوات والأرض} لتعميم انفراد الله بالتصرف في السماوات والأرض الشامل للتصرف في مؤاخذة المخلوقات وتسيير أمورهم». وبناء عليه فلا تطلب الشفاعة إلا من الله تعالى، كما لا يسأل الرزق والشفاء إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأنه سبحانه مالك كل شيء ومليكه، فلا يسأل إلا هو ولا يدعى أحد سواه. الوقفة الثالثة: لا شفاعة لغير المسلمين: من الحقائق الشرعية الثابتة أن الشفاعة للكفار بالنجاة من النار، والاستغفار لهم مع موتهم على الكفر لا تنفعهم، فقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأبي طالب اقتداءً بإبراهيم، وأراد بعض المسلمين أن يستغفر لبعض أقاربه فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (التوبة:113). وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب أنت وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله عز وجل: إني حرّمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: انظر ما تحت رجليك فينظر، فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار». وفي مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي». الوقفة الرابعة: الشفاعة لأصحاب الكبائر يوم القيامة: وهذا الموضع افترق الناس فيه ثلاث فرق: طرفان، ووسط. فذهبت طائفة إلى أثبات الشفاعة التي نفاها القرآن، وهي الشفاعة الشركية. وذهب الخوارج والمعتزلة: إلى إنكار شفاعة نبيناصلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} (البقرة:254)، وبقوله تعالى: {{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (غافر:18). وأما سلف الأمة وأئمتها، ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة، فأثبتوا ما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من شفاعته لأهل الكبائر من أمته، وغير ذلك من أنواع شفاعاته، وشفاعة غيره من النبيين والملائكة. قال الشيخ ابن عثيمين: «والشفاعة نوعان: شفاعة ثابتة وصحيحة، وشفاعة باطلة لا تنفع أصحابها. أما الشفاعة الثابتة الصحيحة: فهي التي أثبتها الله تعالى في كتابه، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه». وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة: الشرط الأول: رضا الله عن الشافع. والشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له. والشرط الثالث: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع. وهذه الشروط مجموعة في قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ} (النجم:26)، ومفصلة في قوله تعالى: {منْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة:255)، وفي قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا } (طه:109)، وقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ} (الأنبياء:28)، فلابد من هذه الشروط حتى تتحقق الشفاعة. وبناء على ذلك نعرف النوع الثاني، وهي الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (المدثر:48)؛ وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم؛ لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله -عز وجل- والله عز وجل لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم التي يعبدونها ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بعداً. ثم إن الشفاعة الثابتة النافعة، ذكر العلماء رحمهم الله أنها تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة. ومعنى العموم: أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم. والخاصة: التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمها: الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب مالا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم، فيذهبون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، وكلهم لا يشفع، حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويشفع عند الله عز وجل أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم، فيجيب الله دعاءه ويقبل شفاعته وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (الاسراء:79). اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#134
|
||||
|
||||
![]() الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (135) - {قل لله الشفاعة جميعا} (2-2) على المسلم أن يجتهد في طاعة الله تعالى، وأن يسأل الله أن يرزقه شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشفاعة الشافعين بإذنه سبحانه، وأن يحقق التوحيد علما وعملا تقدم أن الشفاعة لله جميعا، لا يملك أحد منها شيئا، وأن الله -تعالى- يأذن لمن يشاء من عباده أن يشفع لمن رضي الله -تعالى- أن يشفع فيه، فليس الأمر فوضى، ولا فتوة، بل الشفاعة إكرام من الله -تعالى- للشافع، ورحمة للمشفوع فيه، والأمر كله بيده سبحانه وتعالى. وتقدم أيضا أن الشفاعة عامة وخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فمن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم: - الأولى: (الشفاعة العظمى) يوم القيامة، وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}(الإسراء: 79).عن جابر أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلمقال: «أُعطيتُ خمساً لم يُعْطَهنَّ أَحَدٌ قبلي: نُصِرْتُ بالرُّعب مسيرة شهر، وجعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأَيَّما رجلٍ من أُمَّتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيتُ الشفاعة، وكان النبيُّ يُبْعَثُ إلى قومه خاصَّةً وبعثت إلى الناس عامة» متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لكلِّ نبيّ دعوةٌ مستجابة، فتعجَّل كل نبيٍّ دعوته، وإِنِّي اختبأتُ دعوتي شفاعة لأُمَّتي يوم القيامة فهي نائلةٌ إِنْ شاء الله -تعالى- من مات من أُمَّتي لا يشرك بالله شيئاً». وعن جابرأَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يسمع النداء: اللَّهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة». - الشفاعة الثانية في استفتاح باب الجنة، عن أَنس قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنا أَوَّل الناس يشفع في الجنة، وأَنا أكثر الأنبياء تبعاً» أخرجه مسلم. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتي باب الجنة يومَ القيامةِ فأستفتح، فيقول الخازن، مَنْ أَنْتَ؟ فأقول محمد، فيقول بك أمرت لا أفتح لأَحَدٍ قبلك» أخرجه مسلم. - الثالثة: شفاعته في بعض من استحق النار من عصاة الموحدين ألا يدخلها كما جاء في الحديث: «أمرّ بقوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار فيقولون: يا محمد ننشدك الشفاعة، قال: فآمر الملائكة أن يقفوا بهم، قال: فأنطلق وأستأذن على الرب -عز وجل- فيأذن لي فأسجد وأقول: يا رب قوم من أمتي قد أمر بهم على النار، فيقول لي: انطلق فأخرج منهم، قال: فأنطلق وأخرج منهم من شاء الله أن أخرج». - الرابعة:إخراج بعض الموحدين من أصحاب الكبائر من النار: ففي الحديث الطويل: «ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فأوتي فأقول: أنا لها, فأنطلق فأستأذن على ربِّي, فيؤذن لي، فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن، يُلهمنيه الله، ثم أَخرُّ له ساجداً فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع. فأقول: ربِّ أُمَّتِي أُمَّتي، فيقال: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبةٍ من بُرَّةٍ أو شعيرة من إيمان فأخْرجه منها، (في رواية البخاري: فأرفع رأسي فأثني على ربِّي بثناءٍ وتحميدٍ يُعلمنيه، ثم أشفع فيحدُّ لي حدّاً فأخرج فأدخلهم الجنة) فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد، ثم أَخِرُّ له ساجداً له، فيقال لي يا محمَّدُ ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول، أُمَّتي أُمَّتي، فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقالُ حبّةٍ من خردل من إيمان فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثم أعود إلى ربي -عز وجل- فأحمده تلك المحامد، ثم أَخِرُّ له ساجداً، فيقال لي يا محمَّدُ ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب أُمَّتي، فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى من مثقال حبةٍ من خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل». ومنها شفاعته في رفع درجات بعض أهل الجنة، كما دعا لبعض أصحابه فقال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس». ومنها شفاعته في دخول بعض المؤمنين الجنة بلا حساب ولا عذاب كما قال صلى الله عليه وسلم: «وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بلا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا، وثلاث حثيات من حثيات ربي». ومن الشفاعات الثابتة التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلمشفاعته لمن سكن في المدينة المنورة ومات بها،ولمن سكن بها صابراً على لأوائها مفضلاً لها على غيرها، فعن أبي سعيد مولى المهدي أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء عن المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره ألَّا صبر له على جهد المدينة ولأوائها. فقال له: ويحك لا آمرك بذلك: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: «لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً» أخرجه مسلم. وممن يشفع بإذن الله -تعالى- يوم القيامة النبيون -عليهم السلام- كما جاء في الصحيحين من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه قوله[: «فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة, وشفع النبيون, وشفع المؤمنون. ولم يبق إلا أرحم الراحمين. فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً». وليس معنى هذا أن الله يخرجهم من النار وهم كفار؛ بل المعنى أنهم لم يعملوا خيراً سوى الشهادتين ولولاهما لما خرجوا؛ شأنهم شأن غيرهم من الكفار. وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال: «يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار. قال: فينجي الله -تعالى- برحمته من يشاء, قال: ثم يؤذن للملائكة, والنبيين, والشهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون, فيشفعون ويخرجون, فيشفعون ويخرجون»، وزاد عفان مرة فقال أيضاً: «ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان». ومن الشفعاء كذلك الملائكة عليهم السلام،كما قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ}(النجم: 26)، وقوله تعالى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}(الأنبياء: 28). ومن الشفعاء القرآن والصيام فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار». أخرجه ابن حبان وهو صحيح. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة, يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان». وثبت أن الصالحين من المؤمنين يشفعون في إخوانهم كما جاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعا في حديث طويل: «ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم. قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء، تكون بنجد، يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالطرف, وكالبرق, وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم, وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحباً، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق - قد تبين لكم- من المؤمنين يومئذ للجبار- وإذا رأوا أنهم قد نجوا- في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا». ومن الشفعاء الشهداء، فعن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته» أخرجه أبو داود وهو صحيح. وفي الختام على المسلم أن يجتهد في طاعة الله تعالى، وأن يسأل الله أن يرزقه شفاعة نبيينا محمد صلى الله عليه وسلم وشفاعة الشافعين بإذنه سبحانه، وأن يحقق التوحيد علما وعملا، ويعمل بالصالحات، ولا يتكل على الشفاعة وحدها، فالله -تعالى- أرحم الراحمين ومع ذلك قال: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه». اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |