|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#891
|
||||
|
||||
![]() عذاب القبر ونعيمه غيب يجب التسليم به إن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، ويوسع له في قبره مد بصره، أي: فيكون في سعة، وهذا من أمور الغيب، لأن القبور كما هو مشاهد تختلف عما جاء في هذا، ولكن أمور الغيب يجب التصديق بها سواء عرف الكنه والحقيقة أو لم تعرف، ومعلوم أن هذه الأمور لا تعرف، لكن الإنسان لا يجعل إيمانه مبنياً على مشاهدة ومعاينة، فيقول: ما رأيته صدقت به وما لم أره لا أصدق به! فهذا لا يجوز؛ لأن المؤمن من شأنه أن يكون مصدقاً لكل ما جاء الخبر به عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، أدركه عقله أو لم يدركه، والإسلام لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه يأتي بما تحار فيه العقول ولا تدركه، فتلك أمور خفية وأمور واقعة وحاصلة والناس لا يشاهدونها ولا يعاينونها، ولو فتح الإنسان القبر ما رأى نعيماً يأتي من الجنة، ولكن لا ينفي ذلك، لأن الخبر جاء بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب التصديق به. وقد وجد مما يوضح ذلك في الحياة الدنيا أن الجسد والروح تتنعمان، وكذلك يحصل لهما العذاب في الحياة الدنيا، ويكون الأشخاص متقاربين ومن حولهم لا يدرك ما حصل لهذا من العذاب ولهذا من النعيم، وذلك عندما يكونوا نائمين، ثم يحصل لهذا في نومه نعيم وراحة وأنس وسرور، والآخر بجواره يحصل له عذاب في نومه، ويحصل له حزن وخوف وذعر، وكل واحد لا يعلم ما بصاحبه، والناس الذين يكونون بجوارهما أيضاً لا يدركون الشيء الذي قد حصل لكل منهما، فهذه أمور مشاهدة في الحياة الدنيا تحصل للروح وللجسد، والنوم أخو الموت؛ لأنه يحصل للإنسان في نومه من هذه الأمور مثل ما يحصل له في موته وفي قبره من نعيم أو عذاب، فهذا مثال يوضح ما يجري في القبور، والناس لا يدركون كنهه وحقيقته في هذه الحياة الدنيا. قوله: [ (قال: ويفتح له فيها مد بصره) ]. أي: أن قبره يوسع ويكون حيث ينتهي بصره، ومعلوم أن القبور بالنسبة لما يعقله الناس متجاورة ومتلاصقة، لكن أمور الآخرة غيب كما عرفنا، فهذا يفتح له باب إلى الجنة، وهذا يفتح له باب إلى النار، وهذا يوسع له في قبره، وهذا يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه، والله على كل شيء قدير، والواجب التصديق، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله أهله، والغيب هو كل ما غاب عن الأبصار مما لا يعرف إلا بالشرع، قال تعالى في مدح أهله والثناء عليهم: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3]، فجعل من أول صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب، وليس إيمانهم مبنياً على مشاهدة ومعاينة. سؤال الكافر في القبر وعذابه فيه قوله: [ (قال: وإن الكافر -فذكر موته- قال: وتعاد روحه في جسده) ] الروح تعاد إلى الجسد عند السؤال، ولها اتصال بالجسد وانفصال منه، وتكون على صورة طير كما جاء في الحديث: (أن نسمة المؤمن على صورة طير تعلق بالجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر)، وهذا يدلنا على أن الروح تنعم وحدها، وأيضاً تنعم متصلة بالجسد، والعذاب والنعيم للروح والجسد كما عرفنا. قوله: [ (ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري) ]. أي أنه يسأل عن ربه فيخبر بأنه ليس عنده جواب، وأنه لا يدري ماذا يقول. قوله: [ (فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار، وألبسوه من النار) ]. كذب لأنه بلغته الرسالة، وبلغه العلم عن الرب والدين والنبي، ومع ذلك بقي على كفره، فيكون كاذباً أنه لا يدري، بل كان عالماً في الحياة الدنيا، ولكن الاستكبار والخذلان الذي حصلا له منعاه من الإيمان بالله عز وجل، والدخول في الدين، والشهادة بالألوهية لله عز وجل، والنبوة للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كاذب فيما يقول، وإلا فقد وصله العلم والخبر عن الله وعن الدين وعن النبي. ولهذا يؤتى له بالفراش من النار، والفراش هو الذي يكون تحته، ويلبس من النار، أي يكون له لباس من النار. قوله: [ (وافتحوا له باباً إلى النار) ]. فيأتيه من حرها وسمومها، فيكون معذباً فيها وهو في قبره، كما قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]. قوله: [ (ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) ]. وهذا مقابل المؤمن الذي وسع له في قبره حتى صار مد بصره، فهذا أفرش من الجنة، وهذا أفرش من النار، وهذا ألبس من الجنة وهذا ألبس من النار، وهذا فتح له باب من الجنة وهذا فتح له باب إلى النار، وهذا يوسع له قبره حتى يكون مد بصره، وهذا يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله! قوله: [ (زاد في حديث جرير قال: ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار تراباً) ]. ومن تعذيبه أيضاً أنه يضرب بهذه المرزبة التي لو ضرب بها الجبل لكان هذا حاله، ولذلك قال: (فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، قال: ثم تعاد فيه الروح). تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في أسئلة القبر للمؤمن والكافر قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظ هناد عن الأعمش ]. و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المنهال ]. منهال بن عمرو ، وهو صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن زاذان ]. وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث البراء في سؤال القبر من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش حدثنا المنهال عن أبي عمر زاذان قال: سمعت البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه ]. ثم ذكر الحديث من طريق أخرى، وأحال على ما سبق وأنه نحوه. قوله: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبد الله بن نمير ]. عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش حدثنا المنهال عن أبي عمر زاذان قال: سمعت البراء ]. وقد مر ذكرهم. الأسئلة عذاب القبر غير خاص بهذه الأمة السؤال: هل السؤال في القبر خاص بهذه الأمة؟ الجواب: الأحاديث وردت بأنه يسأل عن هذا الرجل، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27] يدل على أن الناس في قبورهم يسألون ويفتنون، وهي ليست خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذه الأمة هي التي تسأل عن نبيها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي رسالته عامة إلى الثقلين؛ لكن الآية بعمومها تدل على أن التثبيت يحصل في الدنيا وفي الآخرة، ومعلوم أن ذلك لمن حصل منه الإيمان، سواء كان من هذه الأمة أو من غيرها. حكم من ينكر عذاب القبر السؤال: ما حكم من ينكر عذاب القبر؟ الجواب: معلوم أن إنكار عذاب القبر إنكار لشيء معلوم بالأحاديث الكثيرة المتواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالذي يكون عالماً به يخشى عليه أن يكون كافراً؛ لأن هذا مما تواترت به الأحاديث وجاءت وجاء به القرآن في قوله عز وجل: (( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ))، فعذاب القبر ثابت في هذه الآية الكريمة في حق آل فرعون : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]. فالذي ينكر عذاب القبر فهو منكر لما جاء في القرآن، فتقام عليه الحجة ويبين له ما جاء في القرآن وما جاء في السنة، وإذا أصر على ذلك فالذي يظهر أنه يكون كافراً، لأنه مكذب بما جاء في القرآن، ومكذب بما جاء في السنن المتواترة. حصول العذاب لغير المقبورين السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث: (إن المسلم إذا سئل في القبر) هل له مفهوم؟ الجواب: ذكر القبر هنا ليس له مفهوم من ناحية أنه لا يسأل إلا من كان مقبوراً، بل كل واحد يسأل، ولكن ذُكر القبر لأن الغالب على الناس أنهم يقبرون، والحالات الأخرى التي هي غير الدفن في القبور ليست بشيء بالنسبة لمن يدفن، وذلك كمن تأكله السباع، أو يغرق في البحر، أو تأكله الحيتان، أو يحترق بالنار ولا يبقى له رفات، فلا يقال إن هذا يسلم من عذاب القبر، فإن عذاب القبر سيصل إلى من يستحقه وإلى من هو أهل له، سواء قبر أو لم يقبر، والله عز وجل على كل شيء قدير، فهو قادر أن يوصل العذاب إلى من يستحقه وإن لم يقبر. وأمور البرزخ تختلف عن أمور الدنيا، فعلى الإنسان أن يؤمن بما جاء به الوحي ويؤمن بالغيب وإن لم يدرك الكنه والحقيقة، ولا يكون الإنسان مؤمناً بالمشاهدة والمعاينة فقط، بل عليه الإيمان بالغيب، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما يجري في القبور من العذاب تسمعه البهائم، وقد سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخفى الله ذلك عن الجن والإنس، ولو ظهر لهم ذلك وأدركوا ما يجري في القبور من الأهوال لما تدافنوا. وأيضاً: شاء أن يكون من الناس من يؤمن بالغيب، ومنهم من لا يؤمن إلا بالمشاهدة والمعاينة ولا يؤمن بالغيب، فشاء الله أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن يكون ما يجري في القبر غيباً، حتى يتميز من يكون موفقاً ومن يكون مخذولاً، ولو حصل للناس ما يجري في الآخرة لما صار الناس إلى هذا الانقسام الذي شاءه الله من شقي وسعيد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، كما ثبت في صحيح مسلم ، ولو سمعوا ما يجري في القبور لأصابهم الذعر والخوف وقد يحصل لهم الموت ولا يدفن بعضهم بعضاً لكثرة من يموت بسبب ذلك، فالله عز وجل شاء أن يخفى هذا على الناس وأن يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ولهذا فإن البهائم والحيوانات تسمع بما يجري في القبور من العذاب، والجن والإنس لا يسمعون، كما جاء في بعض الأحاديث. فالحاصل أن العذاب يصل إلى كل من يستحقه سواء قبر أو لم يقبر، ولا يقال: كيف يصل إليه وقد تفرقت أجزاؤه في البحر أو في البر؟ فإن الله على كل شيء قدير، وأمور الآخرة تختلف عن الدنيا، والواجب التصديق بكل ما جاء به القرآن والسنة من كل غيب، وعدم التردد في ذلك. ومعلوم أيضاً أن من دفن فإن الأرض تأكله وتذهب أجزاؤه فيها، والله يعيد تلك الأجزاء من التراب: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:2-3]، وقال الله عز وجل: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4]، يعني: فنحن نستخرجهم من الأرض، فجميع الذرات التي اختلطت بالتراب يستخرجها الله تعالى، ويعود الجسم كما كان، كما جاء في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه وقال لأولاده: (إذا أنا مت فأحرقوني وذروا نصف الرماد في البر ونصفه في البحر، فأخشى إن قدر الله علي أن يعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، ففعلوا، فأمر الله عز وجل البحر بأن أخرج ما فيه، والبر أخرج ما فيه، حتى عادت كل ذرة إلى مكانها). ثم أيضاً لو فتح القبر لم نر جنة ولا ناراً، مع أن الجنة والنار موجودتان، وقد أري رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاة الكسوف، ورأى العناقيد المتدلية، ومد يده، ورأى الصحابة يده تمتد ولم يروا ما مدت إليه؛ لأنهم ما رأوا الجنة، ولما عرضت عليه النار تكعكع ورجع القهقرى، ولما فرغ من صلاته سألوه فقال: (عرضت علي الجنة فرأيت عناقيد العنب متدلية، ومددت يدي لآخذ عنقوداً منها ثم تركته، ولو أخذت منه لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)، ولكن الله شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً ولا تكون علانية؛ ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن، ومن يكون من أهل الشقاء ومن يكون من أهل السعادة. انقطاع عذاب القبر ودوامه السؤال: هل عذاب القبر دائم أم على حسب عمل الإنسان في الدنيا؟ الجواب: منه ما هو دائم ومنه ما هو غير دائم، فالدائم كما جاء في القرآن في الكفار: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] أي: فهم في عذاب مستمر، وإذا بعثوا انتقلوا من عذاب شديد إلى عذاب أشد، وأما في حق العصاة فلا يقال إنه دائم، فقد يمكن أن يحصل للإنسان نصيبه من العذاب في القبر وبعد ذلك يسلم، ولهذا فإن من مكفرات الذنوب ومن الأشياء التي يحصل بها التخلص من عذاب جهنم: عذاب القبر، فالإنسان يعذب في قبره فيكون ذلك هو نصيبه من العذاب، ثم بعد ذلك يدخل الجنة، وأيضاً: ورد ما يدل على التخفيف، كما جاء في قصة القبرين اللذين مر بهما الرسول صلى الله عليه وسلم وهما يعذبان في ذنبين: فأحدهما كان لا يستبرئ من البول، والثاني كان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة وشقها نصفين، ووضع على كل قبر جريدة وقال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). وهذا الذي جاء في الحديث من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد بعده أن يضع زهوراً أو أن يضع شيئاً من الأشياء الرطبة أو النبات على قبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم العذاب في القبر وعلم سبب العذاب، وغيره لا يعلم من يعذب ومن ينعم. عذاب القبر ونعيمه جزء من نعيم الجنة أو عذاب النار السؤال: هل نعيم القبر وعذابه جزء من نعيم الجنة وعذاب النار؟ الجواب: نعم، فقد جاء في الحديث أنه يفتح للمؤمن باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، والكافر يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها. فتنة القبر للموحد العاصي السؤال: هل يمكن أن يجيب المسلم عن أسئلة القبر مع كونه كان مقصراً في الدنيا مع سلامة توحيده؟ الجواب: نعم، فالجواب يوفق له من كان مؤمناً، وأما من كان كافراً أو منافقاً فهذا لا يجيب بالجواب الحسن أبداً. والذين ليس لهم إلا النار وليس لهم إلا العذاب هم المنافقون والكفار، وأما غيرهم من العصاة فيدخلون تحت مشيئة الله، فقد يتجاوز عن العاصي من عذاب القبر ومن عذاب النار، والله تعالى أعلم. والذي يعذب في القبر بالنميمة هو مسلم ولم يكن كافراً؛ لأنه لو كان كافراً لعذاب بعذاب الكفر، والتخفيف إنما يكون لمن يعذب بسبب ذنب، والجواب في القبر يرجى أن يحصل من كل مسلم؛ لكن لا يقال إن من أجاب بالجواب السديد يسلم من عذاب النار، وأن كل المسلمين الذين ليسوا منافقين ولا كفاراً لا يعذبون في القبر، بل يمكن أن يتجاوز الله عنهم فلا يعذبون في القبر ولا في النار، ويمكن أن يعذبوا بعذاب القبر ويكفيهم عن عذاب النار، ويمكن أن يحصل لهم عذاب القبر وعذاب النار، مثل أصحاب الكبائر الذين يدخلون في النار ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين، وبعفو أرحم الراحمين. لا يسأل الأنبياء في قبورهم السؤال: هل يسأل الأنبياء في القبر؟ الجواب: الأنبياء -كما هو معلوم- هم الذين يسأل المكلف عنهم في القبور. الحكمة من كون الملك الذي يعذب الكافر في القبر أعمى أبكم السؤال: ما الحكمة من كون الملك الذي يعذب الكافر في قبره أعمى أبكم؟ الجواب: قالوا: يكون أعمى أبكم حتى لا يرحمه؛ لأنه إذا كان يرى أو يسمع فقد يكون فيه شيء من الرحمة، ولكنه إذا كان لا يرى ولا يسمع فإنه يحصل منه العذاب، وليس عنده مجال للرحمة. مدى صحة القول بأن عذاب القبر يستمر أربعين ليلة السؤال: نجد في بعض الكتب: أن عذاب القبر يستمر أربعين ليلة، فهل يصح هذا؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على هذا، فهذه أمور غيبية لا يجوز الكلام فيها إلا بدليل. الدعاء للميت بعد دفنه جماعياً السؤال: عندنا في البلاد إذا مات شخص يقوم أحد العلماء بعد دفنه ويدعو له والباقون يؤمنون، فهل هذه الطريقة صحيحة أم لا؟ الجواب: الطريقة الصحيحة أن يدعو كل واحد للميت بأن يثبته الله عز وجل وأن يغفر له؛ هذا هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يأتي واحد ليدعو والناس يؤمنون فلا. حكم تلقين الميت في القبر السؤال: في بعض البلاد بعد أن يدعو الناس للميت يخاطبه أحدهم: يا فلان! إذا سئلت عن كذا فأجب بكذا؟ الجواب: هذا شيء مع كونه غير صحيح لا فائدة من ورائه، لأن الإجابة عن أسئلة القبر لا تنبني على التلقين وأنه يقال له: اعمل كذا ولا تعمل كذا، فهذا أمر قد انتهى، والجواب إنما يكون سديداً بتثبيت الله عز وجل. كشف عذاب القبر لبعض الناس السؤال: ما قولكم فيما يروى عمن كشف له عن بعض عذاب القبر، كمن رأى قبراً يعذب صاحبه بعذاب معين، ومثل هذا موجود في كتب ابن القيم وغيره؟ الجواب: إذا صح ذلك أو ثبت فإنه ممكن، وهو شيء موجود يمكن أن يطلع عليه، لكن ليس كل خبر يذكر يصدق، فقد تروى أخبار وليس لها أساس. حكم التقليد في الاعتقاد السؤال: استدل بعض أهل العلم بحديث فتنة القبر وعدم إجابته على أنه لا يجوز التقليد في الأمور العقدية، والشاهد منه قوله: (سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته)، فهل هذا صحيح؟ الجواب: هذا وارد في التقليد في الشر، فالذي يجيب بأنه سمع الناس يقولون شيئاً فقاله إنما هو فيما يتعلق بالكفر: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22] فهذه هي الطريقة التي كانوا عليها. الدفن في البقيع لا يشفع للإنسان السؤال: من كان مستحقاً للعذاب في القبر لكنه دفن في جنة البقيع، فهل يسلم لبركة المكان؟ الجواب: جاء عن أحد الصحابة أن البلاد لا تقدس أهلها، وإنما يقدس الإنسان عمله. ولو دفن في البقيع شخص كافر أو منافق فهل ينفعه كونه دفن في البقيع؟ الجواب: لا ينفعه ذلك، وإنما ينفع الإنسان إيمانه وعمله الصالح، والمهم في الأمر أن يقدم الإنسان لنفسه عملاً صالحاً يلقاه، وسواء دفن في البقيع أو في غير البقيع، وأما أن يبتعد عن الله ثم يقول إن البقيع يشفع له، فهذه أماني كاذبة، وهذا من تلاعب الشيطان بالإنسان. وقول السائل: (جنة البقيع) هذه من تعبير بعض عوام العجم، فهم يقولون: هذه جنة البقيع. تخفيف العذاب عن الميت بالصدقة عنه السؤال: هل الصدقة عن الميت تؤثر في تخفيف العذاب عنه في قبره مثلاً؟ الجواب: يرجى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة). وضع الميت في صندوق في السواحل السؤال: في بلادنا يوجد بعض الأماكن التي تقع في ساحل البحر إذا حفروا قبراً وجدوا الماء قريباً جداً، فلجئوا إلى إدخال الميت في صندوق ثم يضعونه في قبره، فما الحكم؟ الجواب: الذي ينبغي أن يدفن في مكان بعيد من البحر إن أمكن ذلك، وأما إذا كانت الأرض كلها كذلك، وكان الأمر يقتضي ذلك، فلا بأس. معنى صلاة الميت في قبره السؤال: جاء عند ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله (أن الشمس تمثل للمسئول عند الغروب في قبره، فيقول للملكين: دعاني أصلي! فيقولان: ستفعل) فما المراد بالصلاة هنا؟ الجواب: الله تعالى أعلم، لكن الصلاة هنا قد تكون بمعنى الدعاء، كما جاء في الحديث أن موسى عليه السلام يصلي في قبره كما ثبت في الصحيح، فإذا ثبت ما ذكره السائل فيمكن أن يكون من هذا القبيل. تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضيلة السؤال: هل توجد فضيلة لليلة النصف من شعبان ويومها؟ الجواب: ليلة النصف من شعبان لم يرد فيها شيء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان عليه أن يكون دائماً وأبداً على صلة بالله وأن يعبد الله عز وجل دائماً، فلا يخص شيئاً من الليالي والأيام إلا وفقاً للدليل، وإذا لم يأت دليل يدل على تخصيص بعض الليالي وبعض الأيام فإن على الإنسان أن يتقيد بما جاء في النصوص، فلا يحدث شيئاً ولا يعمل شيئاً لم تأت به النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت في ليلة النصف من شعبان شيء. ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة اشتملت على أربع رسائل: رسالة الاحتفال بالنصف من شعبان، والاحتفال بالإسراء والمعراج، والاحتفال بالمولد النبوي، ورؤيا خادم الحجرة، وهي الرؤيا المكذوبة التي تروج بين حين وآخر، وهي مشتملة على الباطل والكذب. فهذه الرسائل الأربع طبعت تحت عنوان التحذير من البدع، وقد ذكر أن ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والإنسان عليه أن يكون متبعاً وألا يكون مبتدعاً، فالشيء الذي ورد يأخذ به، والذي لم يرد يمسك عنه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). من الذي ينفخ في الصور السؤال: ذكرتم أنه لم يرد نص في أن إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور، وقد بحثت فيما بين يدي من المصادر فوقفت على ما يلي: أولاً: في حديث الصور الطويل تسمية الذي ينفخ في الصور بأنه إسرافيل. ثانياً: روى الطبراني في الأوسط تسميته أيضاً بإسرافيل، وقال الهيثمي: إسناده حسن. ثالثاً: في كتاب العظمة لأبي الشيخ بن حيان رويت آثار عن بعض السلف بأنه إسرافيل. رابعاً: قال الطبري في تفسيره: تظاهرت الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه إسرافيل؟ الجواب: قال ابن كثير في التفسير عند تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:73] إنه لا يعلم وجوده في الصحيح، وأما حديث الصور فمعلوم أن فيه كلاماً، وأما هذا الذي ذكره عند الطبراني في الأوسط فنحتاج إلى معرفة مكانه منه؛ حتى يُعرف هل هو ثابت أو غير ثابت، فأنا لا أعلم شيئاً فيما يتعلق بأن إسرافيل ينفخ في الصور، وهو معروف مشهور عند الناس، ومشهور في كتب أهل العلم أنه إسرافيل. وأيضاً كما قلت في التعليل في توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله جبريل وميكائيل وإسرافيل يذكر بعض أهل العلم أنهم موكلون بأنواع الحياة الثلاث، وأن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور، ولكن الشأن في الحديث الذي يثبت في ذلك."
__________________
|
#892
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [540] الحلقة (570) شرح سنن أبي داود [540] الميزان من أمور يوم القيامة الثابتة بالكتاب السنة، فقد وردت الآيات والسنن بوزن الأعمال؛ لإقامة الحجة على الناس، وإظهار عدل الله، ولذا فلا ينكره إلا الضلال التاركين للسنة. والدجال من علامات الساعة الكبرى ويكون خروجه آخر الزمان لورود الأحاديث الصحيحة بذلك، وما من نبي إلا حذر قومه منه، وقد ذكر فيه نبينا عليه الصلاة والسلام ما لم يذكره نبي قبله. ذكر الميزان شرح حديث عائشة في ذكر الميزان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ذكر الميزان. حدثنا يعقوب بن إبراهيم و حميد بن مسعدة أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال: أخبرنا يونس عن الحسن عن عائشة (أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل، وعند الكتاب حين يقال: هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19] حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم). قال يعقوب : عن يونس ، وهذا لفظ حديثه ]. أورد أبو داود باب في الميزان، والميزان هو الذي توزن به أعمال العباد، وتعرف به مقاديرها من حيث الرجحان وعدمه، والميزان له كفتان كما جاء في حديث البطاقة والسجلات. والوزن إنما هو لإظهار عدل الله عز وجل، وأن كلاً يجازى بما يستحقه، وأنه لا يظلم بحيث ينقص من حسناته أو يزاد في سيئاته، وليس الوزن من أجل أن يعلم الله الراجح من المرجوح، فإن الله تعالى عالم بكل شيء. وبعض الفرق الضالة أنكرت الميزان من جهة العقل فقالوا: إن الميزان يحتاج إليه البقال، والناس هم الذين يحتاجون إلى معرفة الراجح والمرجوح، والله عز وجل لا يحتاج إلى ذلك، لعلمه بكل شيء، وهذا هو البلاء الذي حصل لمن ابتلي من المبتدعة، بأن قاس الله على خلقه، ففر من إثبات شيء ثابت بحجة أن ذلك يكون فيه مشابهة، مع أن الله عز وجل لا يشبه شيئاً من خلقه، وما يضاف إلى الله عز وجل فإنه على ما يليق به، وما يضاف إلى المخلوقين فعلى ما يليق بهم، والوزن إنما هو من أجل العباد، وليس من أجل شيء يرجع إلى الله سبحانه وتعالى. وقد جاءت الآيات في كتاب الله والأحاديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثبتة لذلك، ومن ذلك حديث البطاقة والسجلات الذي يدل على أن له كفتين، ومن ذلك قول الله عز وجل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]. وفي آخر حديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة : (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري : (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماء والأرض). وعلى هذا فالوزن ثابت في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها (أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة)؟ والحديث من رواية الحسن عن عائشة بالعنعنة وهو مدلس، ولا أدري هل روايته عن عائشة متصلة أو غير متصلة، لكن سواء روى عنها أم لم يرو فما دام أن ذلك بالعنعنة وهو مدلس فإن ذلك يقدح في الرواية. وأيضاً من ناحية المعنى وأنهم لا يذكرون أهليهم، فهم من حين يخرجون من قبورهم وهم في أمر يذهل بعضهم عن بعض، ولهذا جاء في الحشر أنهم يخرجون حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: (الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) يعني: أنهم لا يفكرون بالشهوات واللذات وما كان يجري في الدنيا من فتنة الرجال بالنساء والنساء بالرجال؛ لأنهم في حال أكبر من أن يفكروا بهذا الأمر، فهذا كما هو معلوم مما ينسيهم أهليهم، فكل مشغول بنفسه وكل يقول: نفسي نفسي! وأيضاً أولو العزم من الرسل كل واحد منهم يقول في ذلك الموقف: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، ولا يشفع! فقصْرُه نسيان الأهل على هذه المواقف الثلاثة مع أن الذهول موجود من حين الموقف يدل على أن في المتن نكارة، والإسناد فيه تدليس. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في ذكر الميزان قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكذلك هو ومحمد بن بشار و محمد بن المثنى من صغار شيوخ البخاري ، وهم من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وقد مات الثلاثة في سنة واحدة، وهي سنة مائتين واثنتين وخمسين، أي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات. [ و حميد بن مسعدة ]. صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أن إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يونس ]. يونس بن عبيد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال يعقوب : عن يونس ، وهذا لفظ حديثه ]. أي أن يعقوب عندما ساق الإسناد ذكر أن ابن علية عنعن عن يونس ، أي: أن لفظ الإخبار إنما هو لحميد بن مسعدة ، وأما لفظ المتن فليعقوب . الأسئلة ذكر ما يوزن يوم القيامة السؤال: ما هو الذي يوزن يوم القيامة؟ الجواب: توزن الأعمال وتوزن الصحائف، وقيل أيضاً: إنه يوزن الإنسان نفسه، كما جاء في قصة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن ساقه أثقل من جبل أحد. هل تتعدد الموازين السؤال: هل هو ميزان واحد أم أنها موازين متعددة؟ الجواب: الله أعلم، لكن كما هو معلوم أن الله على كل شيء قدير، والمهم أن الوزن يحصل سواء كان الميزان واحداً أو متعدداً، وكونه واحداً أيضاً ليس فيه إشكال، كما أن الله عز وجل يسأل الناس واحداً واحداً، ومعلوم أن أمور الآخرة تختلف عن أمور الدنيا. وقوله تعالى: (( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ )) وقوله: (( خَفَّتْ مَوَازِينُهُ )) لا تعني أنه لا بد وأن تكون الموازين جمعاً؛ لأنه من الممكن أن يكون واحداً ممكن، فليس ذلك بمستحيل من ناحية العقل. كيف توزن الأعمال السؤال: كيف يوزن العمل مع أنه أمر معنوي؟ الجواب: تقلب الأعراض أعياناً فتوزن، وهذا مثل الكلام الذي هو صفة للإنسان وليس له جرم، ولكن الله تعالى يقلب الأعراض ويجعلها أعياناً تقبل الوزن. وزن أعمال الكفار السؤال: هل توزن أعمال الكفار مع العلم بأنهم من أهل النار، أم أنها توزن فقط لإقامة الحجة عليهم؟ الجواب: معلوم أن الكفار ليس لهم حسنات حتى توضع في كفة والسيئات في كفة، والذي يحصل لهم هو الحساب، وذلك أنهم يقررون عليها ويقال: عملت كذا وحصل منك كذا وكذا، وفي ذلك زيادة تبكيت وتقريع لهم. وقد جاء في القرآن: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103]، والكفار هم الذين يخلدون في النار، وأما من ناحية الوزن والمقابلة بين كفة وكفة فليس عندهم حسنات حتى تكون في الكفة الثانية. الترتيب بين الصراط والميزان والحوض السؤال: ما هو الترتيب الصحيح بين الصراط والميزان والحوض؟ الجواب: الذي يبدو أن الحوض في عرصات القيامة قبل الميزان، والميزان يكون بعد الحساب، والحساب يكون في إنهاء الموقف الذي يموج فيه الناس بعضهم في بعض ويستشفعون، ويأتي الله عز وجل لفصل القضاء بينهم بالحساب، وعندما يثبت العمل ويكون جاهزاً فعند ذلك يأتي الوزن من أجل أن يوقف العباد على عدل الله عز وجل، وبعد الميزان الصراط؛ لأن الصراط ليس بعده إلا النار أو الجنة، وهو فوق النار، ومن جاء على ظهره يريد العبور إلى الجنة فإنه يقع في النار إذا كان من أهلها، وإذا كان ممن وفقه الله فإنه يتجاوز الصراط على الكيفية التي يتفاوت الناس فيها بالسير على الصراط، وذلك حسب أعمالهم، وعلى هذا فالحوض أولاً، والميزان بعده، والصراط بعد ذلك، وذكر بعضهم لترتيبها لفظ: (حمص). للميزان كفتان لا لسان السؤال: هل للميزان كفتان ولسان؟ الشيخ: أما أن له لساناً فلا أعلم ذلك؛ لأن الإنسان لا يعرف عن ذلك شيئاً، وإنما له كفتان كما جاء في حديث البطاقة والسجلات. الدجال شرح حديث أبي عبيدة في ذكر الدجال قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الدجال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن سراقة عن أبي عبيدة بن الجراح قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه، فوصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لعله سيدركه من قد رآني وسمع كلامي! قالوا: يا رسول الله! كيف قلوبنا يومئذ أمثلها اليوم؟ قال: أو خير) ]. أورد بعد ذلك أبو داود باباً في الدجال، والدجال: هو إنسان من بني آدم يخرج في آخر الزمان، ويكون ذلك قرب قيام الساعة في زمن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ويكون موجوداً قبل أن ينزل عيسى، ويكون أيضاً في زمن المهدي ، فقد جاء في الحديث أن عيسى بن مريم يصلي وراء إمام المسلمين، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه المهدي ، ثم بعد ذلك يخرج الدجال ويقتله عيسى بباب لد، فهو من علامات الساعة التي تكون في آخر الزمان، وهو فتنة عظيمة، ويأتي الناس بأمور عجيبة غريبة فيفتنون به، وقد أعطي القدرة على الانتقال، فجاء أن سيره في الأرض كالغيث استدبرته الريح، ويطوف المدن ولا يمنع من شيء منها إلا من مكة والمدينة، ويأتي الناس بجنة ونار، وناره جنة وجنته نار، ولا يستطيع دخول المدينة بل تمنعه الملائكة من دخولها، وجاء في الحديث أنها ترجف ثلاث رجفات فيخرج إليه كل كافر وكافرة وكل منافق ومنافقة، ويتبعونه. وقد جاء فيه أحاديث كثيرة متواترة في الصحيحين وفي غير الصحيحين، وقد جاء أن الأنبياء حذروا أممهم منه، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه، وجاء عنه أحاديث تدل على أنه قريب جداً، وقد جاء أنه قال: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإلا فكل امرئ حجيج نفسه)، ولعل هذا كان قبل أن يعلم أن وقته متأخر؛ لأنه جاء عنه عليه الصلاة والسلام نصوص تدل على تأخر وقته، وعلى وجود أمور تقع قبل وقته، فما جاء من الأحاديث يحمل على أنه لم يكن قد أوحي إليه بالوقت الذي يخرج فيه بالتحديد، ولكنه قريب، فقد أخبر عليه السلام أنه بعث والساعة كهاتين، والدجال من علامات الساعة، ولكن جاء في بعض الأحاديث ما يدل على قربه، وأنه قد يخرج وهو فيهم، وقد يخرج وهو ليس فيهم، وجاءت بعد ذلك نصوص تدل على أنه لا يخرج وهو فيهم، وإنما يكون في وقت متأخر، وأن عيسى هو الذي يتولى قتله، ويكون ذلك في أمور ليست متصلة بزمانه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأورد أبو داود حديث أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله تعالى عنه. قوله: [ (إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر الدجال قومه) ]. يعني: أنذرهم فتنة الدجال. قوله: [ (وإني أنذركموه، فوصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لعله سيدركه من قد رآني وسمع كلامي) ]. معناه: أنه قد يخرج في زمن قريب، وأن الذين رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبوه قد يدركونه ويرونه، وهذا يشبه الحديث الذي قال: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإلا فكل امرئ حجيج نفسه). قوله: [ (قالوا: يا رسول الله! كيف قلوبنا يومئذ، أمثلها اليوم؟ قال: أو خير) ]. أي: كيف تكون قلوبنا يوم خروج الدجال من ناحية الثبات؛ لأنه إذا جاء بالفتنة فإن بعض الناس سيتأثر ويتغير ما في نفسه، لأنه يرى أموراً مذهلة. وهنا أشار إلى أن قلوبهم مثل الآن أو خير، أي: أنهم سيثبتون ولا يحصل لهم الافتتان به، فلا يصدقونه ويتبعونه، وقد أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أخباره، وأن جنته نار وناره جنة. والحديث ضعفه الألباني ؛ ففي إسناده عبد الله بن سراقة قال البخاري : إنه لم يسمع من أبي عبيدة . تراجم رجال إسناد حديث أبي عبيدة في ذكر الدجال قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن خالد الحذاء ]. خالد بن مهران الحذاء ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شقيق ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن سراقة ]. عبد الله بن سراقة وثقه العجلي ، وقال البخاري : إنه لم يسمع من أبي عبيدة ، أخرج له أبو داود و الترمذي . الملقي: [ عن أبي عبيدة بن الجراح ]. أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عمر في ذكر الدجال قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، فذكر الدجال فقال: إني لأنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس وحذرهم من فتنة الدجال، وذكر لهم أنه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه، وأنه صلى الله عليه وسلم سيقول فيه قولاً ما قاله نبي قبله، ومعنى ذلك أن الله تعالى قد أعطاه من العلم ما لم يعطه أحداً قبله من الأنبياء الذين أنذروا أقوامهم إياه، فإنه قد وصفه لهم في حديثه هذا أنه أعور والله عز وجل ليس بأعور، وهو يدعي الألوهية، ومع ذلك فهو يحمل شاهداً يدل على كذبه، وهو أنه لا يستطيع أن يغير هذا الأمر الذي فيه من التشويه والهيئة القبيحة. والحديث يدل على أن هذا الكلام الذي جاء في آخر الحديث والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه به ليس مما كان عند الأنبياء السابقين، وإنما أطلعه الله عز وجل عليه. وهو يدل أيضاً على وصف الله عز وجل بأن لله عينين، وهو من الأدلة التي يستدل بها أهل السنة والجماعة على إثبات العينين لله عز وجل، لأنه قال: (إن ربكم ليس بأعور)، والعور هو ألا يكون معه إلا عين واحدة، والله عز وجل له عينان. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في ذكر الدجال قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد الشعيري ، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة إذا أدرك الصحابة الدجال فإنهم لن ينخدعوا به السؤال: هل يفهم من قول الصحابة رضي الله عنهم في حديث الدجال: (كيف قلوبنا يومئذ أمثلها اليوم؟) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أو خير) أن من يدرك الدجال من المؤمنين فقلوبهم خير من قلوب الصحابة؟ الجواب: لا؛ لأن الكلام والخطاب للصحابة، ومعناه: أنكم إذا أدركتموه فأنتم تسلمون منه وقلوبكم يكون فيها من الثبات ومن اليقين ما يجعلكم لا تنخدعون به ولا تتبعونه. بناء المقابر في البلاد التي يقرب الماء فيها من السطح السؤال: المقابر في بلادنا في وسط المزارع، ولذلك فإن مستوى الماء بعد متر من الحفر فيقوم الناس ببناء القبور بالطوب وبعضهم يجعلونها أعلى من الأرض بمتر أو مترين، فهل يجوز مثل هذا؟ الجواب: المناسب أن تكون القبور في أماكن ليس فيها ماء، وعلى الناس أن يبحثوا عن أماكن بعيدة من الماء فيدفنوا الموتى فيها، فإن عسر ذلك واقتضى الأمر جعل الميت في شيء من أجل ألا يذهب في الماء فلا بأس به، وأما كونه يرفع البنيان كمثل المقصورة ويدفن الميت كذلك فإن هذا من أسباب الفتن التي تجعل الناس يفتنون بالموتى ويعظمونهم. تزاور الأرواح في القبور السؤال: هذا يسأل عن أحاديث تزاور الأرواح، فيذكر أن الشيخ الألباني صحح أو حسن حديث تزاور الأرواح، وأثبت ابن تيمية رحمه الله حديث تزاور الأرواح في القبور في الفتاوى الكبرى، فما رأيكم؟ الجواب: أنا لا أعلم عن ذلك شيئاً. ضمة القبر للمؤمن ليست من قبيل العذاب السؤال: ماذا تقولون في ضمة القبر التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو نجا منها أحد لنجا منها سعد) هل هذه الضمة تساوي ضمة الكافر أم لا؟ الجواب: لا يمكن أن يكون كذلك؛ لأن سعد بن معاذ قد اهتز لموته عرش الرحمن، ومع ذلك ينجو منها، ولذا فالذي يبدو -والله أعلم- أنها ليست بعذاب في حق مثله. فالكافر يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه ويعذب بذلك، وأما المؤمن الذي هو دون سعد بن معاذ وغيره من الصحابة فيفسح له في قبره. وصف ملكي القبر بالسواد والزرقة السؤال: ورد في حديث ثابت: (أن من صفات في القبر أنهما أسودان أزرقان)؟ الجواب: لا أعلم ثبوت هذا، ولكن أقول: إذا ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم قلنا به، فالناس لا يعرفون ولا يعتقدون إلا ما تثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه أمور غيبية، فنقتصر فيها على ما جاء في الوحي. سؤال الشهيد والمرابط في القبر السؤال: ورد أن الشهداء لا يفتنون في القبور، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (كفى ببارقة السيوف فوق رأسه فتنة)، وكذا ورد في المرابط أنه: (يؤمن الفتان)؟ الجواب: هذا لا يدل على أنهم لا يسألون، ويمكن أنه يؤمن من فتن أخرى غير أمر السؤال، وأما السؤال فهو كما ذكر عن ابن تيمية أن المكلفين يسألون في قبورهم ولا يستثنى من ذلك إلا الأنبياء، وفيهم خلاف كما قال. حكم إعطاء مدير المؤسسة للموظف مالاً دون إذن المالك السؤال: أنا أعمل لدى إحدى المؤسسات وأستلم راتباً شهرياً، وكان في المحل مدير يعطيني كل يوم عشرة ريالات دون أن يعلم صاحب المحل، فهل هذه العشرة الريالات حلال أم حرام علماً بأن هذه الفلوس بلغت ثلاثة آلاف وستمائة خلال عامين؟ الجواب: يرجع السائل إلى الذي كان يعطيه الفلوس ويسأله: هل يعطيه بإذن من المالك أم بغير إذن؟ فإن كان بإذن فهو يستحقها، وإن كان بغير إذن فهو لا يستحقها، وعليه إرجاعها إلى مال صاحب المحل أو التحلل منه. العقيقة عن المولود بعد ست سنوات من ولادته السؤال: لي طفلة عمرها ست سنوات ولم أعق عنها، فهل يجوز لي أن أتصدق الآن بذبيحة في مكة؛ علماً أني جئت هنا للعمرة؟ الجواب: نعم. يعق عنها الآن، وله أن يتصدق بهذه الذبيحة في مكة وإن كان من غير أهل مكة. حكم السعي بين الصفا والمروة على مركوب السؤال: أنا مصاب بمرض الدوالي في ساقي وأخاف من المضاعفات وأنا ذاهب للعمرة ولا أستطيع أن أسعى بين الصفا والمروة على رجلي، فهل يجوز لي أن أستخدم عجلة؟ وهل تلزمني الفدية إن فعلت ذلك؟ الجواب: له أن يركب العربيات التي تستخدم للسعي بين الصفا والمروة إذا كان يتضرر من المشي، وليس عليه فدية إذا فعل ذلك، قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. إغلاق باب الاجتهاد السؤال: القول بأن باب الاجتهاد مغلق، هل قاله أحد من السلف؟ وماذا يلزم على هذا القول؟ الجواب: هو مغلق عن الذين ليس عندهم علم، وأما من عنده قدرة فليس مغلقاً دونه. أول ما خلق الله السؤال: ما الراجح في الأولية: خلق العرش أم القلم؟ الجواب: بعض أهل العلم يقول: إن القلم هو الأول؛ لحديث: (أول ما خلق الله القلم). ومنهم من يقول: إن العرش أول مخلوق، وإن قوله: (إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) معناه أنه أول ما خلقه قال له: اكتب، أي فلم تبق فترة بين خلقه وأمره بالكتابة. وقد ذكر ابن القيم الخلاف في النونية، ورجح أن العرش متقدم، قال: والناس مختلفون في القلم الذي كتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش أو هو بعده قولان لاهل العلم مشهوران والحق أن العرش قبل لأنه قبل الكتابة كان ذا أركان"
__________________
|
#893
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [541] الحلقة (571) شرح سنن أبي داود [541] جاء الإسلام لجمع كلمة المسلمين وتوحيدهم تحت ظل إمام يحكمهم ويقيم دين الله فيهم، وقد أمر الله ورسوله بطاعته والصبر على أذاه، ونهيا عن عصيانه والخروج عليه ما صلى، بل جاء الأمر بقتل من يفرق كلمة المسلمين. وعلى المسلم إذا رأى من أميره منكراً أن ينكره عليه بالطريقة المشروعة التي تحقق المصلحة ولا تؤدي إلى ضرر أو مفسدة. قتل الخوارج شرح حديث ذم مفارقة الجماعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الخوارج. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير و أبو بكر بن عياش و مندل عن مطرف عن أبي جهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في قتل الخوارج ]. والخوارج: هم فرقة من فرق الضلال خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه لما حصل التحكيم بين أهل العراق وأهل الشام، وقالوا: لا حكم إلا لله، وانحازوا إلى مكان معين يقال له: حروراء، فأرسل إليهم علي رضي الله عنه ابن عباس فناظرهم، ورجع من رجع منهم وبقي من بقي منهم، وبعد ذلك حصل قتالهم من علي رضي الله عنه؛ لأنهم خرجوا عليه، وصاروا منحازين، وتكلموا في علي وفي غيره من الصحابة بسبب التحكيم. وقد جاءت الأحاديث في قتالهم وفي فضل ذلك، وجاء في بعض الأحاديث أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق). وقد حصل ذلك من علي رضي الله عنه، فإنه قاتلهم وصار بهذا الحديث هو الأولى بالحق من معاوية ، و معاوية رضي الله عنه مجتهد، والمجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وكلهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب محبة الجميع، وتوليهم، والدعاء لهم، وذكرهم بما يليق بهم، وحفظ الألسنة والقلوب من أن يكون فيها شيء لا يليق في حقهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه). ومعناه: أن من فارق جماعة المسلمين وخرج عليهم فإنه يكون بذلك قد ضل وتاه؛ والربقة قيل: هي ما يوضع في رقبة البعير من أجل حفظه وربطه به، أو تربط الدابة به حتى لا تذهب وتضيع، وإذا انفلتت تلك الربقة التي ربطت بها فإنها تضيع وتذهب عن صاحبها، فيكون الذي خرج من الجماعة بمثابة تلك الدابة التي كانت محاطة بسياج الجماعة، ولما خرجت صارت عرضة للضياع وللتلف. وهذا لا يدل على الكفر؛ ولكن يدل على أن من خرج وقاتل فإنه يستحق أن يقاتل، أما من شذ أو خرج عن جماعة المسلمين بتكوينه جماعة أو حزباً، فإنها تعمل الاحتياطات التي تمنع من شره. تراجم رجال إسناد حديث ذم مفارقة الجماعة قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. زهير بن معاوية ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو بكر بن عياش ]. وهو ثقة أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ و مندل ]. وهو مندل بن علي العنزي ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن مطرف ]. مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جهم ]. سليمان بن الجهم ، ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن خالد بن وهبان ]. وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي ذر ]. جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث في إسناده رجل مجهول، وله شواهد تدل على ما دل عليه من التحذير من الخروج عن الجماعة. شرح حديث الصبر على الولاة إذا استأثروا بالفيء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك، قال: أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء)، يعني: ما حالكم معهم وما موقفكم منهم؟ ومعلوم أنه قد جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر عند الأثرة، وأن الإنسان لا يقدم على شيء فيه مضرة من أجل حظ فاته من حظوظ الدنيا، أو أنه استؤثر عليه بشيء من أمور الدنيا، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى الأنصار رضي الله عنهم بأن يصبروا، (وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالسمع والطاعة، فكان أصحابه يبايعونه على الطاعة في عسرهم ويسرهم، ومنشطهم ومكرههم، وعلى أثره عليهم). أي أن يستأثر بالمال دونهم فلا يدعوهم ذلك إلى الخروج وإحداث فتن تترتب عليها أضرار لا حد لها، فإن الأمن والاطمئنان خير من فوات شيء يريد بعض الناس أن يكون له. فالواجب السمع والطاعة وعدم الخروج وعدم إيجاد أي شيء يحدث الفتن والقلاقل ويفرق الجمع، ويخل بالأمن، ولو فات الإنسان شيء من حظوظ الدنيا. قوله: (يستأثرون بهذا الفيء). والفيء: هو ما يؤخذ من الكفار بدون قتال، وحكمه أن يصرف في مصالح المسلمين، وإذا حصل بقتال فإنه غنيمة، والغنيمة تقسم أخماساً: أربعة أخماس منها تكون للغانمين، وخمس يكون للمصارف التي ذكرها الله عز وجل بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ.. [الأنفال:41] الآية. قوله: [ (تصبر حتى تلقاني) ]. أي: تصبر حتى الموت، وهذا لا يدل على أن الأموات يتلاقون في البرزخ، ولكن كما جاء في الأنصار: (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض). قوله: [ (قلت: إذن والذي بعثك بالحق! أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحقك)]. معناه: أي أنه سيقاتل من حصل منه ذلك، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ما هو خير من ذلك، وهو ما يكون فيه السلامة، وعدم حصول الشيء الذي فيه مضرة، فقال له: (أولا أدلك على خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني) يعني: أن الإنسان يصبر ولو حصل له ما حصل من المضرة، أو فاته ما فاته من المصالح، وذلك حتى ينتقل من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ولم تحصل منه فتن وأمور يترتب عليها إضرار بالعامة، وحصول اختلال الأمن الذي لا يقر للناس معه قرار، ولا يهدأ لهم بال، ولا يطيب لهم عيش، ولا يأمنون على أنفسهم، ولا يستريحون في بيوتهم. ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة في الصبر على جور الولاة وتحريم الخروج عليهم ولو كانوا جائرين، لما يترتب على الخروج من أضرار تفوق جورهم، وذلك بما يحصل بسبب ذلك من الفتن واختلال الأمن، وأن الناس لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم ولا على أعراضهم. وقد يقال: هل قوله: (أولا أدلك على خير من ذلك؟) فيه إرشاد إلى ما هو أفضل مع جواز الخروج؟ والجواب: لا يدل على ذلك؛ لأن النصوص واضحة في النهي عن الخروج، وهذا أخذ بالمشتبهات، والواجب هو الأخذ بالأمور الواضحة الجلية التي فيها تحريم الخروج على الولاة ولو كانوا جائرين، أو استأثروا بالمال، ولكن هذا فيه الإرشاد إلى ما فيه السلامة وإلى ما هو خير للإسلام والمسلمين، وهو الصبر وعدم الخروج. تراجم رجال إسناد حديث الصبر على الولاة إذا استأثروا بالفيء قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير حدثنا مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن خالد بن وهبان عن أبي ذر ]. وقد مر ذكر هذا الإسناد. والحديث ضعفه الألباني ، ولعله من جهة خالد بن وهبان ، وهذا الحديث ليس له شواهد من ناحية ذكر الخروج والإرشاد إلى ما هو خير منه، بخلاف الحديث الذي قبله. ومعنى هذا الحديث مشتبه من حيث المقارنة بين الصبر والخروج بالتفضيل، وهذا مخالف لما جاء في النصوص الأخرى الواضحة الجلية التي فيها أن الصبر هو المطلوب، وأنه ليس هناك مفاضلة بين شيئين أحدهما أولى من الآخر، وينبغي لو صح هذا الحديث أن يحمل على الواضح. شرح حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد وسليمان بن داود المعنى، قالا: حدثنا حماد بن زيد عن معلى بن زياد و هشام بن حسان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر -قال أبو داود قال هشام : بلسانه- فقد برىء، ومن كره بقلبه فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. فقيل: يا رسول الله! أفلا نقتلهم؟ -قال ابن داود : أفلا نقاتلهم؟- قال: لا، ما صلوا)]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ستكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون). يعني: ترون أموراً معروفة حسنة وأموراً منكرة، فعندهم خير وشر، وأمور محمودة وأمور مذمومة، وأمور هي حق وأمور هي باطل. قوله: [ (فمن أنكر -قال أبو داود قال هشام : بلسانه- فقد برئ)]. الإنكار يكون على الأمر المنكر، وأما الأمر المحمود فليس فيه إشكال، وإنما الكلام في المنكر الذي يحصل منهم، فمن أنكر بلسانه، يعني: وذلك بالطريقة المشروعة التي تترتب عليها مصلحة ولا تترتب عليها مضرة، فلا يكون ذلك الإنكار على المنابر، أو بطريقة التشهير، أو الكلام في المجامع مما يترتب عليه تهييج الغوغاء وحصول الفتن، فإن هذا ليس من النصح ولا من الصواب. والإنسان لا يرضى لنفسه بهذا الشيء، فلو حصل منه أخطاء فإنه لا يحب أن تعلن وأن تذكر على المنابر أو في المجامع، فإذا كان عند الإنسان خطأ فإنه يحب أن ينصح سراً، وأن ينكر عليه سراً، ولا يحب أن ينكر عليه علانية. وإذا كان الأمر كذلك فعلى الإنسان أن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به؛ للحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في حديث طويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ثم قال: وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه). وجاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنهم كلموه في شأن عثمان رضي الله عنه فقال لهم: أترون أني لا أكلمه إلا وأنتم تسمعون؟ لقد كلمته. يعني: أنه كلمه على وجه لا يترتب عليه ضرر ولا مفسدة. والحاصل أن المنكر ينكر بالطريقة التي تفيد، لا بالطريقة التي تزيد الطين بلة، وتسبب الفتن والقلاقل وتهيج الغوغاء. قوله: [ (فقد برئ)]. يعني: أنه أدى ما عليه. قوله: [ (ومن كره بقلبه فقد سلم)]. وذلك حيث لم يتمكن من التنبيه والإنكار باللسان، ولم يذكر الإنكار باليد في هذا الحديث. قوله: [ (ولكن من رضي وتابع)]. أي: فهذا هو الذي يأثم؛ لكونه تابع على المنكر وأقره وحصل منه الرضا بالمنكر، فهذا يأثم ويصير شريكاً للحاكم في الإثم. قوله: [ (فقيل: يا رسول الله أفلا نقتلهم؟ -قال ابن داود : أفلا نقاتلهم؟- قال: لا، ما صلوا)]. أي أن سليمان بن داود قال: (أفلا نقاتلهم؟) ، و قال مسدد : (أفلا نقتلهم؟). فالقتل قد يحصل من الإنسان في الخفاء، وأما القتال فتكون فيه مناصبة وبروز وإظهار. والمعنى أنه لا يجوز أن يحصل القتل الذي هو الاغتيال أو الإتيان بالخفاء، ولا يجوز أن تحصل المقاتلة بأن يظهر وينصب نفسه ويقاتل الوالي أو الإمام؛ فإن كل ذلك لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا ما صلوا)، أي: إذا كانوا يصلون فلا يجوز الخروج عليهم، ولا يجوز قتلهم ولا مقاتلتهم. وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على كفر تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، وهنا قال: (لا، ما صلوا)، فدل على أن ترك الصلاة من الكفر الواضح الذي عند الناس فيه من الله برهان؛ لأنه جعل ذلك في مقابل قوله: (إلا أن تروا كفراً بواحاً)، فكأنه هنا ذكر مثالاً للكفر البواح الذي فيه من الله برهان، وهو كونهم لا يصلون، فإذا كانوا يصلون فإنه لا يخرج عليهم، وإذا كانوا يصلون لا فإنه يجوز الخروج عليهم. ولكن كما قلت: إذا وجد الكفر فلا يجوز الإقدام على الخروج إلا إذا عرف بأنه ستترتب عليه مصلحة، ولا تحصل مفسدة أكبر وأعظم من تلك المفسدة التي يراد التخلص منها؛ لأنه قد يترتب على ذلك إزالة الخارجين، ويترتب على ذلك فتن وأمور لا تحمد، فلا تكون هناك فائدة ولا مصلحة. وقد يقال: هل يصح تفسير: (ما صلوا) بإبقائهم على شعيرة الصلاة بين المسلمين وإقامة المساجد، أي: ما لم يمنعوا الناس من الصلاة؟ فنقول: ليس هذا معناه؛ لأن كلمة (صلوا) ترجع إلى فعلهم، أي: ما كانوا من المصلين، وليس معنى ذلك أنهم تركوا الناس ولم يمنعوهم وإن كانوا في أنفسهم لا يصلون. وفي رواية أخرى: (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، ومعلوم أن الأمير إذا حضر فهو الذي يصلي بالناس، ويكون من شأنه أن يكون هو الإمام، وقد كان الأمراء والولاة هم الذين يصلون بالرعية كما كان أبو بكر و عمر و عثمان وغيرهم من الصحابة هم الذين يتولون الصلاة، ويقومون بها. تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و سليمان بن داود ]. سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معلى بن زياد ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و هشام بن حسان ]. هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ضبة بن محصن ]. وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [ عن أم سلمة ]. هند بنت أبي أمية رضي الله عنها وأرضاها، وهي أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا الحسن عن ضبة بن محصن العنزي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: (فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم). قال قتادة : يعني: من أنكر بقلبه ومن كره بقلبه ]. وهذا كما هو معلوم عند من لا يتمكن من الإنكار باللسان، وإلا فإنه إذا حصل الإنكار باللسان على الوجه المشروع، والذي لا تترتب عليه مضرة فإن هذا هو المطلوب، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)، فإنه إذا تمكن من الإنكار باللسان لم يكف الإنكار بالقلب، ولا بد من الإنكار بالقلب لمن لا يتمكن من الإنكار باللسان. تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مقاتلة الولاة ما صلوا من طريق أخرى قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار الملقب بندار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحسن عن ضبة بن محصن العنزى عن أم سلمة ]. وقد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث الأمر بقتل من يفرق أمر المسلمين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن زياد بن علاقة عن عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون في أمتي هنات وهنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان)]. أورد أبو داود حديث عرفجة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون في أمتي هنات وهنات وهنات) أي: أمور منكرة وفتن. قوله: [ (فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربو بالسيف كائناً من كان) يعني: أن الخارج على الأئمة يدفع ولو قضي عليه؛ لأنه لو ترك لأخل بالأمن ولأضر بالمسلمين، فإذا كان لا يندفع إلا بالمقاتلة فإنه يقاتل، وإذا كان يندفع بغير ذلك فإنه يفعل معه الشيء الذي يكف شره وأذاه. وهذا يدلنا على حرص الإسلام على جمع الكلمة، ووحدة الصف، وعدم الفوضى، وعلى أن الأمن فيه مصلحة عظيمة والناس بحاجة إليه، وأن كل من يسعى للإخلال به فإنه يوقع به العقاب الذي يستحقه ولو كان ذلك بالقتل أو القتال. تراجم رجال إسناد حديث الأمر بقتل من يفرق أمر المسلمين قوله: [ حدثنا مسدد عن يحيى ]. يحيى هو ابن سعيد القطان البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن علاقة ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عرفجة ]. عرفجة بن شريح ، وهو صحابي، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . الأسئلة الإنكار على ولي الأمر السؤال: هل لكل أحد أن ينكر على ولي الأمر؟ الجواب: نعم إذا تمكن بالطريقة المشروعة له، ولكن من الواضح الجلي أنه ليس كل واحد يتمكن من ذلك، ولكن الإنسان إذا أمكنه أن يصل إلى ولي الأمر وينصحه بالطريقة المشروعة، أو يكتب له، أو يتصل به أو بمن يوصل إليه النصح، فله ذلك. حكم الخوارج والفرق بين الخوارج والبغاة السؤال: هل الخوارج كفار؟ وما الفرق بين البغاة والخوارج؟ الجواب: جاء عن علي رضي الله عنه: أنه لما سئل عن الخوارج أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. والفرق بين البغاة والخوارج: أن البغاة قد يكون عندهم هدف الحصول على السلطة والخروج على الإمام، وأما الخوارج فعندهم معتقدات أخرى غير هدف الخروج على الولاة، كالتكفير بالكبيرة والتخليد لصاحبها في النار، وأن شأنه شأن الكفار الذين يبقون فيها أبد الآباد. وجود الخوارج في عصرنا السؤال: هل للخوارج في عصرنا وجود؟ الجواب: نعم الخوارج موجودون، ولكل قوم وارث، فكل فرق الضلال المختلفة موجودة، فالحق له وراث والباطل له وراث. لا يجوز الخروج على الولاة إلا مع الكفر البواح وعدم الضرر السؤال: ذكر بعض أهل العلم أنه لا يستحق اسم الإمام أو الحاكم أو ولي الأمر إلا من كان محكماً للشرع، وأما الحاكم بالقوانين الوضعية فلا يسمى حاكماً، فهل هذا التقسيم ينافي قوله في الحديث: (كيف أنتم وأئمة من بعدي)؟ وأيضاً: هناك من يخرج على الحكام بحجة أنهم لا يحكمون الشريعة، ويقول: يجوز الخروج عليهم ولا تنطبق فيهم هذه الأحاديث؟ الجواب: أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة بأنه لا يخرج إلا في حال الكفر البواح الذي عند الناس فيه من الله برهان، فهذا هو الذي يسوغ الخروج، وأما غيره فلا خروج معه، وهذا الشرط مذكور في قوله: [ (لا إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، فهذا هو الحد الفاصل الذي يميز بين جواز الخروج وحرمته. وحتى إذا وجد الكفر البواح الذي عند الناس فيه من الله برهان فلا يجوز الخروج إلا إذا علم بأن المصلحة ستحقق بدون أن تحصل مضرة أكبر، أي: أن الكافر لو تسلط على الناس فقد أذن بالخروج عليه والتخلص منه، لكن إذا كان الخروج عليه سيؤدي إلى مفسدة أكبر وإلى ضرر أكبر على المسلمين فإن تركه حتى يتمكن المسلمون ويصير عندهم القدرة على التخلص منه بدون ضرر أمر مطلوب، فالأمر ينظر فيه إلى عدم وجود ضرر أكبر من ضرر الصبر عليه، وإذا ترتب عليه ضرر أكبر فإنه يرتكب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما. قوله: [ (يستأثرون بهذا الفيء) ]. وهناك أحاديث تأتي فيها صيغة التفضيل لشيء على شيء مع أنه لا مقارنة بين المفضل والمفضل عليه، وذلك مثل: الصلاة خير من النوم، فإنه لا مقارنة بين الصلاة والنوم، ولكن النوم لما كان عند هؤلاء لذيذاً قيل لهم: ما تدعون إليه وفيه مشقة عليكم خير مما تستأنسون به وترتاحون له من الإخلاد إلى النوم وإلى الفراش الوثير، وليس المقصود أن هذا جائز وهذا جائز، فإنه لا يجوز للإنسان أن يبقى في منامه بدون صلاة، بل عليه أن يقوم وأن يهب من فراشه. ومما جاء من صيغ المفاضلة ولا يقصد معناه قوله تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان:24]. ومن ذلك قول الشاعر: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا"
__________________
|
#894
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [542] الحلقة (572) شرح سنن أبي داود [542] جاء الإسلام بجمع الكلمة على إمام، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أقوام يأتون بعده، يخرجون على إمام المسلمين بالسيف، ووصفهم بالاجتهاد في العبادة، والفساد في العقيدة، حيث يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان، ويكثرون من الصلاة والصيام، وقراءة القرآن، وأن فيهم رجلاً مثدون اليد هو علامة عليهم. وقد توعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب وذمهم، وأمر بقتالهم، وذكر الفضل العظيم في ذلك، مما جعل علياً رضي الله عنه يقدم قتالهم على قتال أهل الشام. قتال الخوارج شرح حديث أن من علامة الخوارج مودن اليد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتال الخوارج. حدثنا محمد بن عبيد و محمد بن عيسى المعنى، قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن عبيدة : أن علياً ذكر أهل النهروان فقال (فيهم رجل مودن اليد أو مخدج اليد أو مثدون اليد، لولا أن تبطروا لنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قال: قلت: أنت سمعت هذا منه؟ قال: إي ورب الكعبة!)]. أورد أبو داود باباً في قتال الخوارج، وكان الباب الماضي في قتل الخوارج، والقتل كما هو معلوم يكون بدون قتال، وأما القتال فإنه على الذين برزوا وسلوا السيوف وأرادوا المقاتلة. فالقتال يكون من الجانبين، والقتل يكون من جانب واحد عندما يقتضي الأمر ذلك، ولا يندفع الشر إلا به. وهنا أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث في قتال الخوارج أولها حديث علي رضي الله عنه أنه ذكر أهل النهروان فقال: (فيهم رجل مودن اليد أو مخدج اليد أو مثدون اليد) ]. والنهروان: هو محل الموقعة التي حصلت بينه وبين الخوارج، والتي قتل فيها الكثير منهم. والمودن اليد: قصيرها، أي: أن يده قصيرة، وفي طرفها قطعة من اللحم لها حلمة كلحمة ثدي المرأة، فهذه صفة لرجل منهم. قوله: [ (لولا أن تبطروا لنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)]. أي: أنه خاف عليهم البطر، وهو أن يحصل منهم تجاوز للحد في قتالهم من أجل أن يستأصلوهم ولا يبقوا على أحد منهم؛ لأنه ورد وعد عظيم في قتالهم، ولكن إذا حصل منهم أن تركوا وكفوا واستسلموا فإنه يمسك عنهم، فلعلهم أن يرجعوا. قوله: [ (قلت: أنت سمعت هذا منه؟ قال: إي ورب الكعبة)]. أراد عبيدة السلماني أن يتحقق من علي أنه سمع هذا منه، فأقسم علي رضي الله عنه برب الكعبة على أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث أن من علامة الخوارج مودن اليد قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا حماد ]. وهو حماد بن زيد ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. محمد بن سيرين ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيدة ]. عبيدة بن عمرو السلماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن علياً ]. علي رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أبي سعيد في قتال الخوارج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: (بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها، فقسمها بين أربعة: بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي ، وبين عيينة بن بدر الفزاري ، وبين زيد الخيل الطائي ، ثم أحد بني نبهان، وبين علقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب، قال: فغضبت قريش والأنصار وقالت: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا؟! فقال: إنما أتألفهم. قال: فأقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية، محلوق، قال: اتق الله يا محمد! فقال: من يطيع الله إذا عصيته؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ قال: فسأل رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد ، قال: فمنعه، قال: فلما ولى قال: إن من ضئضىء هذا أو في عقب هذا قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم قتلتهم قتل عاد) ]. أورد بعد ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (بعث علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها). يعني: في ترابها ما نقيت ولا صفيت. قوله: [ (فقسمها بين أربعة) ] يعني ممن أسلموا حديثاً يريد أن يتألفهم على الإسلام، ويريد أن يثبت الإيمان في قلوبهم وأن يقوى إيمانهم؛ حتى يسلم بإسلامهم الفئام الكثيرة من الناس الذين يتبعونهم على ما هم عليه من الحق أو الباطل. فيريد أن يحسن إسلامهم، حتى يسلم أولئك الذين يتبعونهم في الشر، فيكونون تابعين في الخير، فحصل في نفوس القرشيين والأنصار من ذلك شيء وقالوا: يعطي هؤلاء ويدعنا، فبين صلى الله عليه وسلم السبب الذي أعطاهم من أجله؛ وهو أنه يتألفهم على الإسلام حتى يتبعهم الفئام الكثيرة من الناس. وهذا من حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الناس، وعلى خروجهم من الظلمات إلى النور؛ فإنه أعطى هؤلاء المتبوعين من أجل أن يحسن إسلامهم، ومن أجل أن يتبعهم أتباعهم في الخير كما كانوا يتبعونهم من قبل بالشر. ثم أنه جاء رجل غائر العينين، ناتئ الوجنتين، كث اللحية، محلوق الرأس، وقال: اتق الله يا محمد! فرد عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: (من يطيع الله إذا عصيته؟!) أي: إذا لم أتقه أنا فمن يطيعه؟! ومعلوم أن الناس الذين يطيعون الله إنما حصلت لهم هذه الفائدة من اتباعهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرهم على منهاجه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقوله: [ (أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟!) ]. يعني: يأمنني الله بأن بعثني إليهم، وجعلني أدعوهم إلى الهدى، وإلى الخروج من الظلمات إلى النور، ولا تأمنوني أنتم فيما يكون بين يدي أقسمه على حسب المصلحة، وعلى حسب الفائدة التي ترجع للإسلام والمسلمين؟! قوله: [ (محلوق) ] ومن أوصاف الخوارج أنهم يتميزون بحلق الرءوس، ومعلوم أن حلق الرءوس يمكن أن يكون من غيرهم، ولا يلزم أن يكون كل من حلق رأسه خارجياً، ولكن هذا شأنهم وهذه طريقتهم، أنهم يلتزمون التحليق، ولكن الحلق يمكن أن يحصل من غيرهم ولا يقال الفاعل ذلك: إنه خارجي؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل عليه؛ وهو أنه رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فقال: (احلقه كله أو دعه كله)، فيدل هذا على جواز الحلق، وعلى أنه سائغ. قوله: [ (قال: فسأل رجل قتله، أحسبه خالد بن الوليد) ]. أي: سأل خالد قتل هذا الرجل الذي قال هذا الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك. قوله: [ (فلما ولى قال: إن من ضئضىء هذا أو في عقب هذا قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم) ]. أي: إن من نسله قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ومعناه أن عندهم عبادة، وعندهم قراءة للقرآن، ولكنه لا يجاوز تراقيهم؛ لما ابتلوا به من الانحراف عن الجادة والخروج عن المنهج القويم والصراط المستقيم، والمراد بذلك: الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. قوله: [ (يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)]. أي: هذا شأنهم، قد خرجوا على الإمام وقاتلوه؛ لأنه رأى التحكيم، وقالوا: لا حكم إلا لله، وهي كما قال علي : كلمة حق أريد بها باطل! فيكون شأنهم أنهم يتجهون بالقتل إلى أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان. قوله: [ (فإن أنا أدركتهم قتلتهم قتل عاد)]. ومعلوم أن الله أهلك عاداً بالريح، والمقصود من ذلك أن يستأصلهم ويقضي عليهم إذا أدركهم، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، وقد قتلهم علي رضي الله عنه. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في قتال الخوارج قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي نعم ]. وهو عبد الرحمن بن أبي نعم ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. سعد بن مالك بن سنان الخدري ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أنس وأبي سعيد في قتال الخوارج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا الوليد و مبشر -يعني ابن إسماعيل الحلبي - بإسناده عن أبي عمرو قال: -يعني الوليد - حدثنا أبو عمرو قال: حدثني قتادة عن أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقة، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله تعالى منهم. قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: التحليق)]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك و أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بالخوارج وقتالهم. قوله: [ (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة) ]. وهذا الافتراق والاختلاف قد حصل بين أهل العراق وأهل الشام، فأهل العراق مع علي رضي الله عنه وهو خليفة المسلمين، وأهل الشام مع معاوية رضي الله عنه الذي أراد أن يقتص من قتلة عثمان أولاً، وكان علي رضي الله عنه رأى أن المصلحة، أن يتم اتفاق الكلمة أولاً، ثم بعد ذلك يتصرف بالتصرف المطلوب أو الذي ينبغي، وكل وقف عند رأيه، وحصلت الفرقة واستمر الأمر على ذلك حتى حصل الاتفاق بجمع الكلمة على يد الحسن بن علي رضي الله عنه، الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنه سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين). وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق). قوله: [ (قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل) ]. أي: يحسنون القول ويسيئون الفعل، فالقول مثل القراءة، ولكن يسيئون الفعل، بكونهم خرجوا على الإمام ونابذوا المسلمين وتصدوا لهم وقاتلوهم. قوله: [ (يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقة)]. الفوق بضم الفاء موضع الوتر من السهم. وهذا تعليق بالمحال فإن ارتداد السهم على الفوق محال، ورجوعهم إلى الدين أيضاً محال. وهذه إشارة إلى شدة تمسكهم بالباطل وإصرارهم عليه، وتمكنه من نفوسهم حيث يعتقدون أنهم على حق وهم على باطل كما قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]. قوله: [ (هم شر الخلق والخليقة)]. ومعلوم أن الكفار الذين يقاتلون المسلمين قد وصفهم الله بقوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22]. ولاشك أنهم شر الخليقة باتفاق المسلمين وأنه لا نصيب لهم في الإسلام؛ أما الخوارج فأمرهم مشكوك فيه، ولكن هذا كله يدل على خبثهم وعلى منتهى قبحهم، وعلى حصول الضرر الكبير منهم للمسلمين؛ وذلك أنهم يشغلون الناس عن قتال الكفار وعن الجهاد في سبيل الله، مثلما حصل بالنسبة لأبي بكر رضي الله عنه حين شغله قتال مانعي الزكاة عن الفتوحات، فلما قضى عليهم، اتجه إلى تجهيز الجيوش للفرس وللروم. قوله: [ (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)]. يعني: هذا يدل على فضل قتالهم وعلى فضل من قتلوه. قوله: [ (يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء)]. كانوا يقولون: لا حكم إلا لله، وقوله: [ (يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء) ] يوضح الجملة التي سبق أن مرت: (يحسنون القيل ويسيئون الفعل)، لأنه قال هنا: (يدعون إلى كتاب الله)، وهذا من أحسن القول، ولكن حقيقتهم أنهم (ليسوا منه في شيء)، يعني: أنهم من حيث التطبيق ومن حيث التنفيذ ليسوا منه في شيء. فهم يسيئون العمل، وذلك بالخروج على الأئمة وافتتانهم بآرائهم الفاسدة، وأفكارهم المنحرفة الشاذة. قوله: [ (من قاتلهم كان أولى بالله منهم)]. وهذا من جنس الأمثلة التي مر ذكرها قريباً، أي أنهم يظنون أنهم على حق، ومن قاتلهم فهو أولى بالله منهم. قوله: [ (قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: التحليق)]. يعني: علامتهم حلق الرءوس، أي: التزام ذلك، وكونهم يعرفون بذلك. لكن كما عرفنا أنه ليس معناه أن من حلق رأسه فهو منهم، بل قد يكون من غيرهم، وذلك سائغ شرعاً. تراجم رجال إسناد حديث أنس وأبي سعيد في قتال الخوارج قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث أخرج له أبو داود . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مبشر - يعني ابن إسماعيل - ]. مبشر بن إسماعيل ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمرو ]. أبو عمرو الأوزاعي وهو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي ، مر ذكره. [ عن أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، مر ذكره. و أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أنس في ذكر التسبيد من سيما الخوارج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم). قال أبو داود : التسبيد: استئصال الشعر ]. هذا الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله يتعلق بالحديث الذي قبله، وقد أحال في هذه الرواية على ما مضى وقال: [ نحوه ] أي: نحو الحديث المتقدم فيما يتعلق بالمتن، وأشار إلى أنه يوجد هنا اختلاف عما تقدم، وذلك في قوله: (سيماهم التحليق والتسبيد) فقوله: (سيماهم التحليق)، مر فيما مضى، يعني: أن هذه علامتهم التي يعرفون ويتميزون بها، وأنهم يحلقون رءوسهم ويستأصلون حلقها. وقد مر أن هذه العلامة لا تعني أنه لا يجوز حلق الرأس، بل يجوز حلقه ويجوز تركه، وقد دل على ذلك الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لما رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعضه قال: احلقوه كله أو دعوه كله). والتسبيد: هو استئصال الشعر. وقوله: [ (فإذا لقيتموهم فأنيموهم) ]. الإنامة المقصود بها: القتل؛ لأن الإنسان إذا قتل فإنه يقع على الأرض كالنائم، وذلك ليسلم الناس من شرهم، ومعلوم أن النوم هو أخو الموت، وقد جاء في الحديث: (النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون)، وقد جاء في القرآن: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: والتي لم تمت يتوفاها في منامها. قال أبو داود : [ التسبيد: استئصال الشعر ]. أي: هذا هو تفسير التسبيد الذي جاء معطوفاً على التحليق. تراجم رجال إسناد حديث أنس في ذكر التسبيد من سيما الخوارج قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث علي في فضل قتال الخوارج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنما الحرب خدعة. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. قوله: [ قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه ]. يعني: أنه يتحرز في حديثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتاط ويتوقى أن يزل بذكر شيء لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يحافظ على نصه ويأتي به كما تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. معنى الخدعة في الحرب قوله: [ فإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنما الحرب خدعة ]. (خدعة) فيها عدة لغات: فهي بفتح الخاء وإسكان الدال، ويقال: بضم الخاء وفتح الدال. وفيها غير ذلك. والمعنى: أن الإنسان قد يوري في أمور تحتاج الحرب فيها إلى تورية، بأن يظهر للأعداء أشياء غير مطابقة للواقع من ناحية ما عند الناس من القوة، سواء كانت حسية أو معنوية، ولكنه يأتي بكلام لا يكون واضحاً جلياً في أنه مخالف للواقع وغير مطابق له. ومعلوم أن التورية يكون الإنسان فيها صادقاً؛ لأنه يقول كلاماً يريد به شيئاً وغيره يفهم غير ذلك. وهذا مما يحصل في الحرب من إظهار القوة وإن كان هناك شيء من الضعف، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، حين جلس الكفار في الجهة التي هي خلف الحجر ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون، فكان بعضهم يقول لبعض: يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، يعني: أنهم هزال ضعاف، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأول، حتى إذا كانوا بين الركن والحجر الأسود لم يرملوا، بل يمشون ليحصل لهم شيء من الراحة بعد هذا الرمل، والمقصود من ذلك إظهار قوتهم لأعدائهم الذين قالوا تلك المقالة، حتى عاد بعضهم يحدث بعضاً ويقول: هذا الكلام الذي قلتموه غير صحيح، وذلك بعدما رأوهم يرملون. وكان هذا أول مشروعية الرمل، ثم إنه بعد ذلك شرع للناس حتى يتذكروا أن المسلمين كان فيهم ضعف ثم إن الله تعالى أعز الإسلام وأهله؛ ولهذا رمل الرسول صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع من الحجر إلى الحجر، في الأشواط الثلاثة. فمعنى كون الحرب خدعة: أن الإنسان يأتي بكلام أو بفعل يفهم منه الأعداء خلاف ما يحبونه وما يريدونه من ضعف المسلمين ومن عدم قوتهم. والتورية أيضاً تجوز في غير الحرب، وذلك في الأمور التي يُحَتاجُ فيها إلى التورية.
__________________
|
#895
|
||||
|
||||
![]() الخوارج حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام قوله: [ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام) ]. ما تقدم عنه رضي الله عنه كان تمهيداً لبيان حرصه على رواية ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصه على أدائه كما سمعه، وأن سقوطه من السماء أهون عليه من أن يكذب على رسول صلى الله عليه وسلم، بل هو يتحرز ويتحرى ويحتاط، ويأتي بالكلام الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحسن وجه، وعلى أتم وجه، احتراماً لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصاً على أدائه كما سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبين بعد ذلك هذا الكلام الذي سمعه في الخوارج. وحدثاء الأسنان هم صغار الأعمار، أي أنهم شبان، ووصفهم بأنهم حدثاء الأسنان معناه أنهم ما تقدمت بهم السن حتى يجربوا الأمور كما جربها وعرفها من تقدم به العمر، فإن الشباب يحصل في بعضهم شيء من التسرع أو الإقدام على أشياء تكون عاقبتها غير محمودة؛ وذلك لأنه ما حصل عندهم الثبات في الرأي، والثبات في الحق. ووصفهم أيضاً بأنهم سفهاء الأحلام، وذلك مأخوذ من السفه، والأحلام هي العقول، قال تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور:32]. قوله: [ (يقولون من قول خير البرية)]. هذا يوضح معنى ما سبق فيما تقدم من الأحاديث: (يحسنون القيل ويسيئون الفعل)، فهم يتكلمون كلاماً حسناً أو كلاماً جميلاً, وهو أن عندهم اشتغالاً بالقرآن، وعناية بالقرآن، ولكن حصل لهم الانحراف عن فهم القرآن، فصاروا بلاء على أهل الإسلام وحرباً لأهل الإسلام؛ ولهذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منهم وبين فضل قتالهم، وأن قتلهم فيه أجر عظيم وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى. وخير البرية هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يقولون من قوله، وكذلك يقرءون القرآن، ويشتغلون بقراءته. وقوله: [ (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ]. قد مر معناه. قوله: [ (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)]. الخطاب هنا للصحابة ومن يأتي بعدهم، وهذا فيه بيان فضيلة قتلهم، وأن من قتلهم يؤجر على ذلك لأنه ساعد في القضاء على فتنة قامت على الإسلام والمسلمين. تراجم رجال إسناد حديث علي في فضل قتال الخوارج قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد الثوري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خيثمة ]. خيثمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سويد بن غفلة ]. وهو مخضرم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و سويد بن غفلة كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه قدم إلى المدينة في اليوم الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يصدق عليه أن يقال: كاد أن يكون صحابياً، فليس ما بينه وبين الصحبة إلا شيئاً يسيراً؛ لأنه قدم المدينة والناس ينفضون أيديهم بعد دفن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان معمراً، وقد ذكر في ترجمته أنه كان يصلي بالناس التراويح في رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، وذكر مثل هذا في ترجمة المعرور بن سويد ، قالوا: إنه بلغ مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية، وهما -أي: سويد بن غفلة و المعرور بن سويد - قد أدركا الجاهلية والإسلام ولم يلقيا النبي عليه الصلاة والسلام. وقريب منها ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة في تعريف الصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام. قال: وهل يلحق به من رآه بعد أن توفي وقبل أن يدفن، كما ذُكِر أن أبا ذؤيب الهذلي الشاعر حصل له ذلك؟ قال: هذا محل خلاف، وإن صح- يعني هذا الخبر- فالأوجه أنه لا يعتبر صحابياً؛ لأنه إنما يعتبر صحابياً من رآه في حياته عليه الصلاة والسلام. [ قال علي ]. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة. فإن قيل: هل يجوز قتل الخوارج بدون إذن الإمام؟ فالجواب: لا يجوز القتل بدون إذن الإمام؛ لأن القتل يسبب القتل، ولكن القتل بطريقة مشروعة هو المشروع، أما القتل باغتيالات وبأمور فيها تعد وتجاوز، هذا يؤدي إلى اختلاط الأمور، وليس كل إنسان يفهم الخارجي ويميزه عن غيره، فقد يتهم شخص شخصاً أو جماعة ويزعم أنهم خوارج، فلذلك إنما يكون الأمر بالقتل من الإمام حيث يرى المصلحة في القتل والقتال. شرح حديث زيد بن وهب في قتال الخوارج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل قال: أخبرني زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي عليه السلام الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي عليه السلام: أيها الناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. لو يعلم الجيش يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم، لنكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض)! أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذارريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله. قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً حتى مر بنا على قنطرة، قال: فلما التقينا، وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم: ألقوا الرماح وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء. قال: فوحشوا برماحهم، واستلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم، قال: وقتلوا بعضهم على بعضهم، قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي عليه السلام: التمسوا فيهم المخدج ، فلم يجدوا. قال فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض، فقال: أخرجوهم. فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر وقال: صدق الله وبلغ رسوله. فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو! حتى استحلفه ثلاثاً وهو يحلف ]. اجتهاد الخوارج في العبادة وانحرافهم عن الجادة أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يتعلق بقتال الخوراج أيضاً، وفيه أن زيد بن وهب الجهني كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، وقد كان يحدث بذلك سلمة بن كهيل ، فذكر أن علياً رضي الله عنه خطب الناس وقال: أيها الناس! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً). وهذا من جنس ما جاء في بعض الروايات: (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم عند قراءتهم)، ومعناه أن هذا الذي يعمله المسلمون الذين هم على السنة، وعلى طريقة صحيحة من العبادة قليل إذا قورن بما عند الخوارج من اجتهاد في العبادة، ولذلك يحقر الناس صلاتهم إلى صلاة الخوارج، وصيامهم إلى صيامهم، وأعمالهم إلى أعمالهم، ومعناه: أنهم مجتهدون في العبادة، ولكنهم منحرفون عن الجادة، بعقائدهم الفاسدة، وبشبههم الباطلة، وفهمهم للقرآن على غير حقيقته، وخروجهم على جماعة المسلمين وقتالهم، وكونهم يحسنون القول ويسيئون الفعل، ولذلك خطب علي رضي الله عنه وأرضاه بالناس وبين لهم أحوال هؤلاء وقال: إنه يرجو أن يكون هؤلاء هم الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هو الذي وفق لقتالهم. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه هو الذي وفق لقتالهم، حيث قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وقد قاتلهم علي رضي الله عنه وأرضاه، وهذا الحديث فيه بيان قتلهم وانتصاره عليهم، فقد قتل الكثيرين منهم حتى صاروا أكواماً بعضهم فوق بعض، ولم يُصَب من المسلمين إلا رجلان. قوله: [ (يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم) ]. أي: أنهم يفهمونه على غير وجهه، فهم كما قال الله عز وجل: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، فهم يظنون أنهم على شيء وهم بخلاف ما ظنوا؛ يظنون أنهم على حق وهم على باطل؛ للشبه التي عرضت لهم، وللباطل الذي أشربته قلوبهم. قوله: (لا تجاوز صلاتهم تراقيهم) ] تقدم في الأحاديث السابقة: (لا تجاوز قراءتهم) وتقدم: (لا يجاوز إيمانهم) وذكر هنا الصلاة، والصلاة من الإيمان، والمراد أنهم يعملون أعمال الجوارح ولكن الاعتقاد فاسد؛ وهذا يوضح معنى قول الله عز وجل في سورة الغاشية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:2-4]؛ لأنهم أهل عبادة، وأهل نصب، وأهل تعب، ولكنهم والعياذ بالله ليسوا على هدى، وإنما هم على ضلالة، ولذلك جاء في الحديث أنهم كلاب النار. عظيم الأجر لمن قاتل الخوارج قوله: [ لو يعلم الجيش يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل ]. أي: لنكلوا عن الأعمال الأخرى، وصار اشتغالهم بهم، وفي بعض النسخ: (لاتكلوا على العمل) أي لاتكلوا على هذا العمل، وهو قتال الخوارج؛ لأنهم حصلوا الأجر العظيم بذلك فيتكلون عليه، وهذا مثلما جاء في بعض الأحاديث من التحذير من إخبار الناس ببعض الأمور التي قد تجعلهم يتركون العمل، ومن ذلك ما جاء في حديث معاذ الذي ذكر فيه حق الله على العباد، وحق العباد على الله، قال: أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا تبشرهم فيتكلوا). وهذا فيه بيان أن على الإنسان ألا يغتر بكونه عمل شيئاً مما يتعلق بالوعد، ويغفل جانب الوعيد، وإنما عليه أن يُعمل أحاديث الوعد وأحاديث الوعيد، فيكون خائفاً راجياً؛ لأن بعض الناس يتجه إلى أحاديث الوعد -كما فعلت المرجئة- ويهمل جانب الوعيد، وبعض الناس يتجه إلى أحاديث الوعيد -كما فعلت المعتزلة والخوارج- ويهمل جانب الوعد، والواجب هو الاعتدال والتوسط، فأهل السنة والجماعة يأخذون بأحاديث الوعد والوعيد، فيعملون بجميع النصوص. صفة الرجل الذي هو علامة على الخوارج قوله: [ وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، على عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض ]. يعني: علامة هؤلاء الخوارج الذين يقاتلون ويقتلون أن فيهم رجلاً له عضد وليست له ذراع، أي أن ذراعه غير موجودة، ولكن له عضد في رأس عضده لحمة كحلمة ثدي المرأة، وعليه شعرات بيض. فلما وقع قتالهم وقتلهم علي رضي الله عنه أمر أن يبحث عن هذا الشخص الذي هو علامة على الخوارج، وأنهم هم الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فبحثوا عنه فلم يجدوا، فقام بنفسه وصار يبحث حتى وجد كوماً من القتلى بعضهم فوق بعض، فأمر بأن يزاح بعضهم عن بعض حتى وجدوه أسفلهم مما يلي الأرض، فكبر عند ذلك فرحاً وسروراً. وهذا يدل على مشروعية التكبير في حال الفرح لا التصفيق مثلما يفعله بعض الناس، فالتكبير هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلما فعل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن قال: (أني أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة. فكبروا! قال: نصف أهل الجنة. فكبروا!) أي قالوا: الله أكبر، فرحاً وسروراً. ولما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وكان عمر في مزرعة له، جاء وبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى وجده في مكان مرتفع معتزلاً نساءه، فدخل عليه وسأله: (أطلقت نساءك يا رسول الله؟! فقال: لا، فكبر عمر) أي قال: الله أكبر؛ فرحاً وسروراً؛ لأن هذه الإشاعة التي أشيعت غير صحيحة. وهنا كبَّر علي رضي الله عنه ثم قال: (صدق الله وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم) وهذا يدلنا على أن ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله، وأن السنة من عند الله، وليست من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه وحي غير متعبد بتلاوته كالقرآن، وإلا فإن القرآن من الله، وهو كلامه، والسنة هي من الله عز وجل معنى، واللفظ هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مبلغ عن الله سبحانه وتعالى، كما قال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. فقول علي رضي الله عنه: (صدق الله وبلغ رسوله)؛ لأن ما ذكره عن الرجل المخدج ليس موجوداً في القرآن، وإنما جاء في السنة، أي فالرسول صلى الله عليه وسلم بلغ ما أوحى إليه من عند الله عز وجل. ومما يوضح ذلك أيضاً الحديث الذي جاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم إنه قال: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) يعني أن هذا الاستثناء جاء به جبريل وساره به، معنى ذلك أنه من عند الله وليس من عنده عليه الصلاة والسلام. تقديم علي قتال الخوارج على قتال معاوية وأهل الشام قوله: [ أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذارريكم وأموالكم؟ ]. يريد من ذلك أن هؤلاء هم الذين يقاتلون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم ما قال، وأيضاً: لو ذهب الناس إلى الشام لقتال معاوية وتركوا هؤلاء لخلفهم هؤلاء في ذارريهم وفي أهليهم ولأفسدوا. قوله: [ والله! إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ]. يعني الذي قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال، فهو يرجو أن يكونوا هم هؤلاء الذي هو بصدد قتالهم. قوله: [ فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس ]. أي: من إساءة العمل أنهم يسفكون الدم الحرم، ويغيرون في سرح الناس، والسرح هي البهائم التي تذهب في الصباح مع الرعاة، يعني: أنهم يغيرون على الإبل أو الغنم التي تسرح فيأخذونها. قوله: [ فسيروا على اسم الله ]. يعني على بركة الله، مستعينين بالله ومتوكلين عليه، وهذا يدل على ابتداء الأعمال بذكر الله، وأن العامل يستحضر الله عز وجل ويذكر ربه سبحانه وتعالى؛ ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله وقال: (اغزوا باسم الله، قاتلوا من كفر بالله) كما في الحديث الطويل الذي رواه مسلم عن بريدة بن حصيب . وصف المعركة التي وقعت بين علي والخوارج قوله: [ قال سلمة بن كهيل : فنزلني زيد بن وهب منزلاً منزلاً ]. يعني: بعدما ذكر كلام علي رضي الله عنه وخطبته وما حصل منه، قص عليه القصة من حين خرجوا إلى أن وصلوا إلى الخوارج وقاتلوهم. قوله: [ حتى مر بنا على قنطرة ]. يعني: وهم في طريقهم إلى الخوارج. قوله: [ قال: فلما التقينا، وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي ]. يعني: فلما التقى علي رضي الله عنه بجيشه مع الخوارج، وكان أميرهم عبد الله بن وهب الراسبي. قوله: [ قال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا السيوف من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، قال: فوحشوا رماحهم ]. هذه وصية من رئيس الخوارج لأصحابه بأن يلقوا الرماح -أي: يرموها- ويسلوا السيوف لقتال المسلمين؛ لأنه يخاف أن يكون هناك تفاهم من غير قتال كما وقع يوم حروراء، فهو يريد من أصحابه أن يسلوا السيوف حتى تكون في متناول أيديهم ولا يشتغلوا بالرماح، وإنما يمشون بالسيوف حتى يصلوا إلى المسلمين. فألقوا رماحهم، وسلوا سيوفهم أخذاً بوصيته، فرماهم أصحاب علي رضي الله عنهم وأرضاهم بالرماح قبل أن يصلوا إليهم، ثم التحموا معهم وقتلوا منهم المقتلة العظيمة، ولم يصب من المسلمين إلا اثنان كما ذكر في هذا الحديث. ومعنى: (وحشوا برماحهم) أي: أنهم تركوها وأخذوا السيوف، فاستعمل المسلمون الرماح، فأصابوهم قبل أن يصلوا إليهم، ولما وصلوا إليهم التحموا معهم واستأصلوهم، ولذلك قال: (وشجرهم الناس برماحهم). أي: أصابهم الناس برماحهم. قوله: [ وقتلوا بعضهم على بعضهم ]. أي: حتى ركب بعضهم فوق بعض لكثرة القتلى، فصاروا أكواماً. قوله: [ قال: وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ]. أي: من أصحاب علي رضي الله عنه. قوله: [ فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج ]. أي: لما انتهى الأمر ووضعت الحرب أوزارها، وانتصر علي رضي الله عنه ومن معه عليهم، أمر بأن يبحث عن هذا المخدج الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب العضد الذي ليس له ذراع، وفيه تلك اللحمة التي في طرفها حلمة كلحمة ثدي المرأة، وعليها شعيرات بيض. فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض فقال: أخرجوهم. فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر، وقال: صدق الله وبلغ رسوله. قوله: [ فقام إليه عبيدة السلماني فقال: يا أمير المؤمنين! والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو! حتى استحلفه ثلاثاً، وهو يحلف ]. وعبيدة السلماني من أصحابه، وهو من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحلف علياً قال: والله الذي لا إله إلا هو إنك سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى كرر ذلك ثلاثاً، يريد من ذلك أن يسمع الناس بهذا الخبر، وأن عملهم هذا على صواب، وأنهم الجيش الذين ورد الوعد له بالأجر العظيم من الله، وأن هذا الشخص الذي رأوه بالكيفية التي وصفها علي قبل أن يروه، قد وجد طبقاً لما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمقصود من استحلاف عبيدة علياً وتكرار ذلك ثلاثاً أن يسمع الناس، وحتى يتحقق الأمر لكثير من الناس بهذا التكرار. تراجم رجال إسناد حديث زيد بن وهب في قتال الخوارج قوله: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق ]. الحسن بن علي و عبد الرزاق مر ذكرهما. [ عن عبد الملك بن أبي سليمان ]. صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سلمة بن كهيل ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني زيد بن وهب الجهني ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال علي عليه السلام ]. علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره. شرح حديث أبي الوضيء في قتال الخوارج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن جميل بن مرة قال: حدثنا أبو الوضيء قال: قال علي عليه السلام: اطلبوا المخدج -فذكر الحديث- فاستخرجوه من تحت القتلى في طين. قال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق، له إحدى يدين مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل شعيرات التي تكون على ذنب اليربوع ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وفيه أن علياً طلب المخدج فوجدوه تحت القتلى في طين، ومعناه أن الأرض فيها رطوبة، وأن هذا في الأسفل، وغيره فوقه. قوله: [ قال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه حبشي ]. أي أنه كان معهم. قوله: [ عليه قريطق ]. القريطق هو القباء، وهو نوع من اللباس. قوله: [ له إحدى يدين مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل شعيرات التي تكون على ذنب اليربوع ]. في الطريق الأول قال: (عليه شعيرات بيض) وهنا قال: (شعيرات مثل الشعيرات التي تكون على ذنب اليربوع) يعني أنها طويلة، مثل التي تكون في ذنب اليربوع، وهو من دواب البر، وهو قصير اليدين طويل الرجلين، يشبه الفأر ولكنه صيد وحلال، وأيضاً: طريقته في حفر الجحر تختلف عن غيره من الحيوانات؛ ولهذا يقولون في تعريف النفاق إنه مأخوذ من نافقاء اليربوع؛ لأنه يكون في جحر له بابان، باب واضح، وباب خفي تكون عليه قشرة من تراب، وإذا جاءه عدو من جهة الباب المفتوح خرج من الباب الثاني، بأن ينفض التراب الذي في الجهة الثانية ويهرب. فالذين يصيدونه يعرفون طريقة جحره؛ ولهذا يبحثون عن النافقاء أولاً، ثم يأتونه من الجحر، ويدخلون عليه شيئاً يحركه، فإذا خرج أمسكوا به. تراجم رجال إسناد حديث أبي الوضيء في قتال الخوارج قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد بن درهم البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جميل بن مرة ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو الوضيء ]. وهو عباد بن أسيد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة. [ قال علي عليه السلام ]. علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره. شرح أثر أبي مريم في صفات الرجل المخدج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بشر بن خالد حدثنا شبابة بن سوار عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم قال: إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيراً، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي رضي الله عنه مع الناس، وقد كسوته برنساً لي. قال أبو مريم : وكان المخدج يسمى نافعاً ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات مثل سبالة السنور. قال أبو داود : وهو عند الناس اسمه حرقوس ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن أبي مريم وهو قيس المدائني الثقفي ، وهذا الأثر يبين فيه أنه رأى ذلك الشخص وأنه كان يعرفه، وأنه كان يجلس معهم في المسجد، وأنه كان فقيراً يحضر طعام علي رضي الله عنه فيأكل مع الناس، وأنه كساه برنساً، ثم وصف يده وذراعه، وأن فيه اللحمة التي عليها شعيرات مثل سبال السنور: أي: القط، وهي شعرات طويلة تكون في وجهه. وهذا أثر يقال له مقطوع؛ لأنه ينتهي إلى أبي مريم ، والمقطوع: هو ما انتهى متنه إلى من دون الصحابي؛ لأن المتن إذا انتهى إلى الصحابي فهو موقوف، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وإذا انتهى إلى من دون الصحابي فهو مقطوع، وهذا وصف للمتن، وهو غير المنقطع؛ لأن المنقطع من صفات الإسناد، وأما المقطوع فهو من صفات المتن. تراجم رجال إسناد أثر أبي مريم في صفات الرجل المخدج قوله: [ حدثنا بشر بن خالد ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شبابة بن سوار ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نعيم بن حكيم ]. وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي في خصائص علي . [ عن أبي مريم ]. وهو قيس المدائني الثقفي ، وهو مجهول، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي في الخصائص. وهذا الأثر ضعيف، من جهة أن الشخص الذي ينتهي إليه الإسناد مجهول."
__________________
|
#896
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [543] الحلقة (573) شرح سنن أبي داود [543] إن أحكام الشريعة الإسلامية بنيت على مراعاة مصالح العباد في العاجل والآجل، من ذلك أنها أجازت لمن هجم عليه اللصوص أو قطاع الطرق أن يقاتل دون ماله، إذا كان اللصوص لا يندفعون إلا بالقتال. قتال اللصوص شرح حديث عبد الله بن عمرو في قتال اللصوص قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قتال اللصوص. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني عبد الله بن حسن قال حدثني: عمي إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في قتال اللصوص ]، واللصوص هم السراق الذين يسطون على الناس ويهجمون عليهم، ويبتزون أموالهم منهم، فهؤلاء يمنعون من أخذ الأموال، وإذا كانوا لا يندفعون إلا بالقتل فإنهم يقتلون، وإذا اعتصموا وصاروا يقاتلون فإنهم يقاتلون حتى يقتلوا ويتخلص منهم، وذلك إذا لم يمكن القبض عليهم ومنعهم من الاعتداء على الناس، وتطبيق الأحكام الشرعية عليهم. وإذا هجموا على أحد فإنه يدافعهم، فإذا قتل أحداً منهم فإنه قتل بحق، وإن قتل فهو شهيد، أي: في ثواب الآخرة، ولكنه في أحكام الدنيا لا يعامل معاملة الشهيد، وإنما يعامل معاملة غيره من المسلمين، بمعنى أنه يغسل ويصلى عليه، بخلاف الشهداء فإنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم؛ ولهذا أورد النووي رحمه الله في رياض الصالحين باباً ذكر فيه جماعة من الأحاديث التي تتعلق بالشهداء غير شهداء المعركة، فقال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد). يعني: من سطا عليه لصوص وأرادوا أن يأخذوا ماله فله أن يدفعهم بالأخف فالأخف، فإن لم يندفعوا إلا بالقتل فله ذلك، وإذا قتل فقتله بحق، وإن قتلوه فهو شهيد؛ لأنه يقاتل بحق، وأولئك قتلوا بالباطل، وإن قتلوا فهم مقتولون بفعلهم المنكر، وفاعلون الشيء الذي به يستحقون القتل. تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في قتال اللصوص قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان الثوري ، وقد مر ذكره. [ حدثني عبد الله بن حسن ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثني عمي إبراهيم بن محمد بن طلحة ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث سعيد بن زيد في قتال اللصوص قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو داود الطيالسي و سليمان بن داود -يعني أبا أيوب الهاشمي - عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد) ]. أورد أبو داود حديث سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد) وهذا مثل الذي قبله. قوله: [ (ومن قتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه، فهو شهيد) ]. يعني إذا أراد أحد أن يعتدي على أهله، فمنع من ذلك، أو حال بين المعتدين وبين ما يريدون فقتلوه، فإنه يكون شهيداً؛ لأنه قتل وهو يدافع على عرض أهله، ودون الوقوع في أهله، سواء زوجته أو قريبته، وكذلك إذا قتل دون دينه، أي: لأمر يتعلق بدينه مثل قتال الخوارج؛ لأنه قتل دفاعاً عن الدين. تراجم رجال إسناد حديث سعيد بن زيد في قتال اللصوص قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو داود الطيالسي ]. وهو سليمان بن داود الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و سليمان بن داود يعني أبا أيوب الهاشمي ]. سليمان بن داود الهاشمي ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن. [ عن إبراهيم بن سعد ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. و هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ]. وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن طلحة بن عبد الله بن عوف ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ عن سعيد بن زيد ]. سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. الأسئلة الجمع بين حديث (من قتل دون ماله) وحديث (كن كخير ابني آدم) السؤال: كيف يجمع بين حديث: (من قتل دون ماله فهو شهيد)، وحديث: (كن كخير ابني آدم)؟ الجواب: أنا لا أعرف مدى صحة هذا الحديث: (كن كخير ابني آدم) فلا أعرف عنه شيئاً، لكن الإنسان إذا دافع عن ماله أو عن أهله فهي مدافعة بحق، فإن قَتَل فهو على حق، وإن قُتِل فهو على حق ويكون شهيداً. حكم قصة التحكيم بين علي ومعاوية السؤال: هل خبر القصة المطولة التي نقلها صاحب العون في قضية التحكيم بين علي و معاوية رضي الله عنهما صحيحة؛ حيث ذكر أنه حصلت مكيدة من عمرو بن العاص ؟ الجواب: قضية المكيدة أو الذي قيل إنه حصل بين أبي موسى الأشعري وهو من جانب علي رضي الله عنه، وبين عمرو بن العاص وهو من جانب معاوية رضي الله تعالى عنه، وأنهما اتفقا على أن كلاً منهما يخلع صاحبه، وأن عمرو بن العاص طلب من أبي موسى أن يبدأ، فبدأ فخلع علياً ، ثم إن عمرو بن العاص لم يخلع معاوية ، هذا كلام غير صحيح، وقد ذكر ابن العربي بطلانه في العواصم من القواصم، وهو لا يليق بالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، إذ كيف يتفقان على شيء فيتقدم أحدهما لتنفيذ ما اتفقا عليه ويغدر الآخر فلا يفعل ذلك؟! حكم التفجيرات التي يقوم بها بعض الشباب باسم الدين السؤال: بعض الشباب يقاتلون الحكام ويقومون بالتفجيرات في البلاد الإسلامية وغيرها، وقد رأيت الناس فيهم على قسمين: قسم يقول: هؤلاء خوارج، مع أنهم ليس عندهم عقائد الخوارج الأخرى، وقسم يقول: هؤلاء أبطال مجاهدون صدعوا بالحق، مع أن فعلهم هذا على خلاف ما عند علماء السنة، فنرجو منكم القول الفصل فيهم؟ الجواب: حصول الفتن، وإيجاد القلاقل، وإخلال الأمن، وحصول الاضطرابات والفوضى، هذا ليس من الإسلام في شيء، ومعلوم أن مثل هذه الأعمال هي من هذا القبيل، ولا يحصل من ورائها إلا المضرة للمسلمين. وأهل السنة والجماعة طريقتهم ومنهجهم أن الوالي إذا كان عنده أخطاء وأمور محرمة فإنه لا يعمل معه مثل هذه الأعمال التي تخل بالأمن، وإنما يصبر على ما يحصل منه من الجور، وعلى ما يحصل منه من الأمور غير المحمودة، ومن قواعد الشريعة: ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، ومعلوم أن بقاء الناس على ما هم عليه مع وجود الجور ومع وجود الخلل والنقص أخف ضرراً من الفوضى والاضطرابات التي يحصل معها فساد الأمور، ويحصل معها أن الناس لا يأمنون على أرواحهم، بل ينتظرون الموت بين لحظة وأخرى، فمعلوم أن هذه ليست من الإسلام في شيء، وليست مما جاء به الإسلام، وإنما جاء الإسلام بمنع من مثل هذه الأعمال السيئة. حكم قتل الشرطة للخارجين على النظام الحكومي السؤال: في بلدنا حرب وقتال بين النظام الحاكم والخوارج الذين خرجوا على الحاكم، فإذا حدث اشتباك بين رجال الأمن وهؤلاء الذين خرجوا على الحاكم هل يكون في قتلهم أجر، أم أن هذه فتنة وشر؟ الجواب: هذه لاشك أنها فتنة وشر، والقتل لا يكون إلا إذا لم يندفع المعتدون إلا بالقتل، وأما إذا أمكن القبض عليهم وإيداعهم السجون، ومنعهم من الاعتداء على الناس، فهذا هو المطلوب؛ لأنه أخف الضررين، ولكن إذا لم يندفع إلا بالقتل فإنه يجوز القتل، ومن قتلهم وقد قاموا بالفتن فهو محق. حكم خروج ابن الأشعث على الأمويين السؤال: هل يصح أن يقال: إن عبد الرحمن بن الأشعث الخارج في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان داعية فتنة؟ وماذا تقولون إذا كان الأمر كذلك لمن يعتبره تابعياً جليلاً وصادعاً بالحق؟ الجواب: لاشك أن الخروج على الإمام والوالي لا يحصل منه إلا الفتن والضرر، وليس في مصلحة ولا فائدة. حكم المظاهرات الشعبية السؤال: ما حكم المظاهرات التي هي من أجل تحقيق مصالح الأمة؟ وهل هي نوع من الخروج؟ الجواب: هي نوع من السفه والفوضى. حكم الكلام على مخالفات الحكام في المنابر السؤال: هل يعتبر الكلام على المنابر ببعض المخالفات التي تصدر من الحكام خروجاً عليهم، لا سيما ما يتعلق بالإخلال بالعقيدة كالسماح للمنصرين بالعمل، وتشييد الكنائس، والدعوة إلى تقارب الأديان؛ علماً بأن الخطيب يذكر ذلك لئلا يغتر الجهال والعوام بفعل السلطان، فهل يعد ذلك خروجاً عن الحاكم؟ الجواب: العوام لا يقدمون ولا يؤخرون، والتقديم والتأخير إنما هو عند السلطان، والمصلحة بمراجعة السلطان والاتصال به، وأما بالنسبة للعوام فإنهم لا يستفيدون شيئاً من هذا ولا يقدمون ولا يؤخرون. حكم الانقلاب الأبيض على الحاكم السؤال: هل أحاديث النهي عن الخروج تشمل ما يعرف الآن بالانقلاب الأبيض، أي: خلع الحاكم بالقوة دون إراقة دماء؟ الجواب: بين الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم الشرعي في ذلك وأنه لا يكون إلا مع الكفر البواح الذي عند الناس فيه من الله برهان، وأما غير ذلك فإنه غير سائغ. حكم عزل الحاكم السؤال: إذا عزل الحاكم وامتنع عن تسليم الحكم فما الحكم؟ وكيف يتعامل معه؟ الجواب: لا يسوغ عزل الحاكم، وليس للناس إلا أن يسمعوا ويطيعوا إذا لم يحصل منه الكفر، وعليهم أن يناصحوه، وأما كونهم يعزلونه ثم يمتنع فتحصل فوضى، فهذا لا يصلح، فإذا كان العزل ضرورياً وأمكن القيام به بدون أضرار ومفاسد فهذا شيء آخر، ولكن كونه يقف في صف وهم يقفون في صف ويحدث قتال وفتن، فهذا ليس بطريق صحيح. حكم من لم يقر بطاعة الولاة السؤال: هل يقال: من خرج على حكام هذه البلاد، بمعنى أنه رفض أن يسمع لهم فيما يأمرون به في غير معصية الله؛ هل يقال إنه من الخوارج، لاسيما أنه أبعد من هذه البلاد؟ الجواب: لاشك أن الإنسان الذي تحصل منه فتن، وتحصل منه الرغبة في التخلص من الولاة، أنه قد سلك طريقة الخوراج، فهذا هو منهج الخوارج، فهم يريدون التخلص من الولاة وأن تكون الولاية لهم، أو تكون لغيرهم ولو كانت بأسوأ وبأشد وأبعد عن الحق والهدى. فالذي يحصل منه الفتن والتأليب على الولاة، ونشر الفوضى, لاشك أنه يعمل عمل الخوارج. وما أكثر من يحصل منه ذلك، ثم يظهر اسمه يوماً من الأيام، أو أسبوعاً أو أسبوعين أو شهراً أو شهرين ثم يكون بعد ذلك في سلة المهملات. حكم الدعوة للخروج على الحكّام بالقوانين الوضعية السؤال: ما قولكم في الحركات المعاصرة التي تتبنى الخروج على الأنظمة التي تحكم بالقوانين الوضعية، مع أن الأصل في حكامهم الإسلام، فهل هؤلاء خوارج أم أنهم أنهم متأولون، أم أنهم على الحق لأنهم خرجوا لإقامة شرع الله؟ الجواب: الواجب عليهم أن ينصاحوا من كان ولياً للأمر، وأن يسعوا في نصحه ما دام أنه ليس بكافر، وأنه إنما حكم القوانين مع علمه بأنه مخطئ، وأن هذا العمل غير سائغ، ولكنه قد يكون ابتلي بتركة ورثها وهو مغلوب على أمره في كونه لا يستطيع التغيير، فلا يخرج على وال حصل بوجوده أمن الناس واطمئنانهم، ثم أيضاً ماذا سيحقق هؤلاء الذين سيخرجون؟! وهل عندهم السلامة في معتقداتهم وأفكارهم وآرائهم؟ نصيحة للشباب الذين يسبون الحكام السؤال: يوجد شباب في الجامعة يوزعون أشرطة فيها السبُّ للحكام، والتهييج عليهم والتعريض بهم، فما هي نصيحتكم؟ الجواب: إذا كان هذا صحيحاً فعلى هؤلاء الشباب أن يتقوا الله عز وجل، وأيضاًَ على من يعلم أعيانهم وأشخاصهم ألا يسكت عليهم، وإنما يبلغ أمرهم إلى المسئولين حتى يوقفوهم عند حدودهم. نصيحة للدعاة الذين يتهمون العلماء بالمداهنة، ويهيجون الناس على الحكام السؤال: هل من نصيحة توجهونها إلى الدعاة الذين يهيجون الناس على ولاتهم، ويتهمون العلماء بالمداهنة وأنهم لا علم لهم بالواقع؟ الجواب: هذا الأمر من الفتن، وهو من الغرور ومن البلاء الذي يحصل للناس، أعني: أنهم يشغلون أنفسهم بمتابعة الإذاعات والصحف والمجلات، وليس عندهم وقت ليشتغلوا بالعلم النافع والعمل الصالح، ثم بعد ذلك يتكلمون في حق من بذل نفسه لنفع الناس وتعليمهم وهدايتهم، وإفتاء الناس في أمور دينهم، فيتكلمون عليه لكونه ما اشتغل في الشيء الذي شغلهم، فهؤلاء لو اشتغلوا في الذي اشتغلوا فيه بقي الناس بدون هداة وبدون مراجع يرجعون إليهم في معرفة أمور الدين. فعلى هؤلاء أن يتقوا الله، وأن يشتغلوا بالعلم النافع الذي يقربهم إلى الله عز وجل، والأعمال الصالحة التي تنفعهم عند الله عز وجل، وألا يشغلوا أنفسهم بمتابعة الإذاعات المختلفة، وإشغال أنفسهم بالتحليلات التي قد تكون في كثير من الأحيان خاطئة، ثم بعد ذلك يصفون من لا يشغل نفسه بذلك بأنه لا يفقه للواقع، ولا شك أن هذا من مكر الشيطان بهم، ومن جنايتهم على أنفسهم، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق."
__________________
|
#897
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [544] الحلقة (574) شرح سنن أبي داود [544] مكارم الأخلاق من الأمور التي حض عليها الدين الإسلامي، ومن الأوصاف التي دعت الشريعة إلى التحلي بها، فمن أوتي الخلق الحسن فقد أوتي الخير كله. ولا تذكر مكارم الأخلاق إلا واقترن بها اسم النبي صلى الله عليه وسلم، أحسن الناس خلقاً، من أدبه الإله ورباه، وبكل خلق حسن حباه، من جالسه سعد بمجالسته، ومن رافقه نعم بمرافقته، ومن صحبه ارتاح لصحبته، ثبت الله قلبه وسدد كلامه، وحفظ له عينه ولسانه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ما جاء في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم شرح حديث (كان رسول الله من أحسن الناس خلقاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الأدب. باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم. [ حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة -يعني: ابن عمار - قال: حدثني إسحاق -يعني: ابن عبد الله بن أبي طلحة - قال: قال أنس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله! لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس : والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: كتاب الأدب، والأدب المراد به: الأخلاق المحمودة التي يرغب فيها، والمذمومة التي يحذر منها، وكثير من المؤلفين للكتب الجامعة يجعلون من جملة ما تشتمل عليه كتبهم هذا الكتاب الذي هو كتاب الأدب، والإمام البخاري رحمه الله له كتاب في كتابه الجامع الصحيح باسم كتاب الأدب، وله كتاب مستقل اسمه كتاب الأدب المفرد، وأتى بكلمة المفرد ليميز عن الكتاب الذي في داخل الصحيح، فإذا قيل: أخرجه البخاري في كتاب الأدب بدون التقييد بالمفرد فإنه ينصرف إلى الكتاب الذي هو ضمن الصحيح التي تبلغ كتبه سبعة وتسعين كتاباً، وهو كتاب الأدب، وله كتاب مستقل مؤلف خاص باسم كتاب الأدب المفرد، وهو كتاب مستقل بالتأليف ومفرد عن غيره، وليس داخل كتاب كما هو الشأن في كتاب الأدب الذي هو أحد كتب الجامع الصحيح. ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ]. الحلم كما هو معلوم هو: ضبط النفس وعدم الغضب، فيكون الإنسان عنده التحمل والصبر بحيث لا يحصل منه الغضب الذي قد يترتب عليه أمور غير محمودة، ولهذا فالحلم محمود، وهو من الخصال المحمودة، ومن الآداب الحميدة. قوله: [ وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ]. هو من عطف العام على الخاص؛ لأن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها الحلم فهو حليم عليه الصلاة والسلام. وقد أورد أبو داود في ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد خدمه عشر سنين، وجاء في هذه الرواية سبع أو تسع سنين، والمعتبرة هي رواية التسع، ولا تنافي بينها وبين رواية العشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان قدومه إليها في ربيع الأول، وكانت وفاته أيضاً في ربيع الأول عليه الصلاة والسلام، فمدة بقائه في المدينة عشر سنوات صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وفي أثناء السنة التي قدم فيها عرضت أم سليم على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخدمه ابنها أنس رضي الله عنه، فصار خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وخدمه قريباً من عشر سنوات، فمن قال: تسع سنوات فقد حذف الكسر، ومن قال: عشر سنوات فقد جبر الكسر، أي: أن المدة فوق التسع ودون العشر؛ لأنه لم يستكمل عشر سنوات، فمدة بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنوات من حين قدمها إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم، و أنس رضي الله عنه لم يكن خادمه من أول يوم، وإنما بدأت خدمته له بعد فترة من تلك السنة، وعلى هذا فالأمر دائر بين التسع والعشر، فمن قال: عشراً جبر الكسر، ومن قال: تسعاً حذف الكسر. وقد ذكر أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله في حاجة فقال -يعني في نفسه-: والله لن أفعل، وفي نفسه أنه يريد أن يفعل، وذلك أنه كان صغيراً غير مكلف، فلم يكن قوله ذاك معصية للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه غير مكلف وكان صغيراً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم أيضاً في القصة ما يشعر بذلك، فقد وجد الصبيان ووقف معهم، وكان قد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فما شعر إلا والرسول صلى الله عليه وسلم آخذ به من ورائه، فالتفت إليه فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا أنيس ! اذهب حيث أمرتك)، فذهب رضي الله تعالى عنه، فكونه وجد الصبيان فانشغل بالنظر إليهم والوقوف معهم هذا يوضح الحالة التي كان عليها، وأنه كان صغيراً، وعلى هذا فكونه قال: إنه لا يذهب يدل أن السبب في ذلك هو صغره. ثم قال أنس : (لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعت: لما فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا). قوله: [ (فما علمت قال لشيء فعلته: لما فعلت كذا وكذا؟) ] يعني: أنه ما أنكر عليه الفعل، ولا أنكر عليه عدم الفعل بأن قال: (هلا فعلت كذا وكذا)، وهذا من كمال أخلاقه ورفقه ولينه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهذا الكلام يقوله من باشر خدمته صلى الله عليه وسلم، وتشرف بخدمته مدةً تبلغ عشر سنوات تقريباً وهو صغير، فكان يخبر عن حاله مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه مع كونه صغيراً وقد يحصل منه أمور لا ترتضى من ناحية أنه قد يتأخر أو قد يحصل منه شيء لا ينبغي، فما كان يعاتبه عليه الصلاة والسلام، وما كان يقول له في أي أمر: لم فعلت كذا وكذا؟ يعني: منكراً عليه، ولا قال لشيء لم يفعله: هلا فعلت كذا وكذا. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله من أحسن الناس خلقاً...) قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد الشعيري ]. مخلد بن خالد الشعيري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا عمر بن يونس ]. عمر بن يونس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عكرمة يعني: ابن عمار ]. هو عكرمة بن عمار ، وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إسحاق يعني: ابن عبد الله بن أبي طلحة ]. هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أنس ]. أنس هو عمه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة هو أخو أنس من أمه، وهذا ابن أخيه من أمه، و إسحاق يروي عن عمه لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة هو ابن أم سليم ، و أم سليم هي أم أنس ، فهو أخوه لأمه. و أنس بن مالك رضي الله عنه خادم الرسول عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (خدمت النبي سنين بالمدينة وأنا غلام...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان يعني: ابن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بالمدينة، وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن أكون عليه، ما قال لي فيها: أف قط، وما قال لي: لم فعلت هذا؟ أو ألا فعلت هذا) ]. أورد المصنف حديث أنس رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين في المدينة، وأنه ما قال له يوماً: أف، ومعناه: أنه لم يتضجر من شيء فعله وهو لا يريد أن يفعله، أو شيء لم يفعله وهو يريد أن يفعله. قال أنس : (وما قال لي: لم فعلت هذا؟) لأمر فعله يعاتبه ويؤنبه، ولا قال: (ألا فعلت هذا) لأمر لم يفعله. تراجم رجال إسناد حديث (خدمت النبي سنين بالمدينة وأنا غلام...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا سليمان يعني: ابن المغيرة ]. هو سليمان بن المغيرة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وجملة (يعني: ابن المغيرة) جاء بها من دون التلميذ، وذلك إما من أبي داود أو من دون أبي داود ، وأما عبد الله بن مسلمة القعنبي فإنه لما روى عن شيخه اكتفى بكلمة سليمان ولم يزد عليها، ولكن دون التلميذ وهو أبو داود أو من دون أبي داود أراد أن يبين من هو هذا الشخص الذي المهمل، فكون الشخص لا ينسب وإنما يذكر بدون نسبه هذا يقال: مهمل، وهو من أنواع علوم الحديث، فأراد من دون التلميذ أن يبين من هو هذا المهمل فجاء بكلمة (يعني)، وزادها حتى لا يظن أن هذا كلام التلميذ، ولو قيل: حدثنا سليمان بن المغيرة فسيفهم أن هذا لفظ التلميذ، لكن لما جاء بكلمة (يعني) عرف أن التلميذ ما قال: ابن المغيرة ، وإنما قالها من دون التلميذ وأراد بذلك أن يوضح من هو هذا الشيخ الذي ذكر مهملاً غير منسوب، ولهذا فكلمة (يعني) فعل مضارع لها قائل وفاعل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وهو عبد الله بن مسلمة القعنبي الذي قال: سليمان ، وأما قائل: ابن المغيرة فهو من دون التلميذ، هو قائل (يعني)، وأما فاعل (يعني) فهو ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود ، وهي الرباعيات، فبين أبي داود وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فيها أربعة أشخاص: عبد الله بن مسلمة ، سليمان بن المغيرة ، و ثابت البناني ، و أنس بن مالك . شرح حديث الأعرابي الذي جبذ النبي بردائه فحمر رقبته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو عامر حدثنا محمد بن هلال أنه سمع أباه يحدث قال: قال أبو هريرة وهو يحدثنا: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المجلس يحدثنا، فإذا قام قمنا قياماً حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يوماً فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته -قال أبو هريرة : وكان رداءً خشناً-، فالتفت فقال له الأعرابي: احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله! لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني، فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لا أقيدكها فذكر الحديث، قال: ثم دعا رجلاً فقال له: احمل له على بعيريه هذين: على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً، ثم التفت إلينا فقال: انصرفوا على بركة الله) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي جاء ومعه بعيران، وأراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه حمل بعيريه من الطعام، وكان عليه صلى الله عليه وسلم رداء خشن فجبذه -أي: جره- حتى أثرت جذبته في جسد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أحمر المكان الذي حصلت الجبذة فيه، فالتفت إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم فقال له: احمل لي على بعيري فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك وإنما من مال المسلمين، يعني: يريد أنه يحمل هذا من بيت المال، وأنه لا يريد منه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا من الجفاء سواء في القول أو الفعل، فالجبذ فيه جفاء، والقول فيه جفاء. قوله: [ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله! لا، وأستغفر الله!) ]. يعني: أنه لا يحمل له من ماله ولا من مال أبيه، وإنما الحمل هو من بيت المال. والرسول دائماً يستغفر الله عز وجل ويطلب منه المغفرة، وهذا هو المشرع للناس من أمته الذين هم تبع له ويقتدون به عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (لا أحمل لك حتى تقيدني من جبذتك التي جبذتني) ]. أي: طلب أن يقيده من تلك الجبذة التي جبذه بها وأثرت فيه، وهذا من كمال أخلاقه عليه الصلاة والسلام، فقد أسيء إليه ومع ذلك يداعبه ويقول له: مثل هذا الكلام. والأعرابي يأبى أن يقيده، وهذا لا شك أنه من الجفاء أيضاً. والحديث فيه ضعف من جهة أن بعض رواته متكلم فيه، لكن قصة الجبذة وكونه صلى الله عليه وسلم حصل له الجفاء من بعض الأعراب فهذا ثابت، وثبت تبسمه وضحكه صلى الله عليه وسلم وإحسانه إلى من حصل منه ذلك، واغتفاره له، وأما هذه القصة ففي إسنادها من هو متكلم فيه. وفي أول الحديث: (أنهم كانوا يجلسون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قام وذهب قاموا)، يعني: انفض المجلس، وليس المقصود من ذلك أنهم يقومون له صلى الله عليه وسلم لا في حال دخوله وإقباله ولا في حال قيامه، وإنما كانوا يستقبلونه وكانوا يحترمونه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يقوموا له، وقد جاء أنهم كانوا لا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من كراهيته صلى الله عليه وسلم لذلك، والقيام للرجل كما هو معلوم جاء ما يدل على منعه، وأما القيام إلى الرجل من أجل استقباله أو معانقته أو إكرامه ومصافحته، فهذا لا بأس به ولا مانع منه، وإنما الممنوع كونه يقوم ويجلس فقط احتراماً وتوقيراً لمن دخل أو لمن يريد أن يخرج، وأما إذا كان هناك استقبال أو مصافحة أو معانقة فإنه يكون قائماً. قوله: [ (فكل ذلك يقول له الأعرابي: والله لا أقيدكها، فذكر الحديث قال: ثم دعا رجلاً فقال له: احمل له على بعيريه هذين: على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً) ]. يعني: حقق له ما يريد بأن تمل على بعير شعيراً وعلى الآخر تمراً. قوله: [ (ثم التفت إلينا فقال: انصرفوا على بركة الله تعالى) ]. يعني: كانوا واقفين وكانوا يرونه ويرون الأعرابي الذي حصل منه ذلك الفعل، فقال صلى الله عليه وسلم: (انصرفوا على بركة الله). تراجم رجال إسناد حديث الأعرابي الذي جبذ النبي بردائه فحمر رقبته قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو عامر ]. أبو عامر العقدي ، وهو عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن هلال ]. محمد بن هلال صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أنه سمع أباه ]. أبوه هو هلال بن أبي هلال المدني مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: قال أبو هريرة ]. أبو هريرة ، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. ما جاء في الوقار شرح حديث (إن الهدي الصالح جزء من النبوة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوقار. حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه قال: حدثنا عبد الله بن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة) ]. أورد أبو داود (باب في الوقار)، والوقار هو: الثبات وعدم العجلة والتسرع، وأنلمرء يكون له هيبة ويكون له سمت حسن، فهذا هو الوقار؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) أي: يأتون وعليهم الهدوء والسكينة والوقار، ولا يكون عندهم تسرع، فالوقار صفة حسنة وخلق كريم، ويقابله العجلة والتسرع وعدم الثبات والرزانة. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة). أي: أن هذه الخصال من الأخلاق الكريمة التي هي من أخلاق وصفات الأنبياء وآداب الأنبياء، وأتباع الأنبياء مطلوب منهم أن يقتدوا بالأنبياء، وأن يأخذوا بالصفات الكريمة التي تأتي عن الأنبياء، وكل صفات الأنبياء كريمة، وكل ما يأتي عنهم فهو كريم، ولكن المقصود أنهم يتبعونهم، ويسيرون على منهاجهم ومنوالهم، ويقتدون بهم في أخلاقهم وأفعالهم وسمتهم وهديهم ووقارهم عليهم الصلاة والسلام، فالهدي الصالح هو الطريقة الصالحة. ويقال: هدي الرجل: حاله ومذهبه، أي: الحالة والطريقة التي هو عليها. والسمت: الهيئة الحسنة, والوقار والسكينة الذي يكون فيه. قوله: [ (والاقتصاد) ]. الاقتصاد: هو التوسط في الأمور والاعتدال، وعدم الإفراط والتفريط، فالاقتصاد يكون في العمل، ويكون في المطعم والمشرب، وكل ذلك من الأمور المطلوبة، والإنسان عليه أن يكون وسطاً بين الإفراط والتفريط، فلا يكون مفرِّطاً ولا مفرِطاً، وكذلك في العمل لا يكون مفرطاً بحيث يكثر من العمل حتى يمل، ولا مهملاً بحيث لا يكون منه عمل، وإنما يكون متوسطاً معتدلاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، ولهذا قيل: اقتصاد في عبادة خير من اجتهاد في بدعة، إذ إن العبادة وإن كان العمل فيها قليلاً فإنه ينفع صاحبه، والاجتهاد في البدعة يضر صاحبه ولو كان قليلاً أو كثيراً. قوله: [ (جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة) ] يعني: أنه من أخلاق وصفات الأنبياء. وأما ذكر هذا العدد على وجه التخصيص فلا أدري ما وجهه. تراجم رجال إسناد حديث (إن الهدي الصالح جزء من النبوة) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهوثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قابوس بن أبي ظبيان ]. قابوس بن أبي ظبيان فيه لين، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أن أباه حدثه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه قابوس وفيه لين، ومعلوم أن كلمة (فيه لين) أخف من كلمة (لين)، والحديث صححه الألباني فلا أدري هل له شواهد، أو أن وصفه بأن فيه ليناً لا يؤثر. ما جاء فيمن كظم غيظاً شرح حديث (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من كظم غيظاً. حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن سعيد -يعني: ابن أبي أيوب- عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة؛ حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء). قال أبو داود : اسم أبي مرحوم : عبد الرحمن بن ميمون ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب من كظم غيظاً ] أي: في فضل من كظم غيظاً، وكظم الغيظ هو الصبر وحبس الغيظ بحيث لا يظهره فيحصل منه الغضب، بل يتحمل ويصبر ويخفي ذلك الشيء فلا يظهره، والغضب يترتب عليه أمور خطيرة وأمور غير حسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الغضب لما يترتب عليه من الأمور الضارة والسيئة. وأورد أبو داود حديث معاذ بن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة؛ حتى يخيره من الحور العين ما شاء)، وهذا يدل على فضل من كظم غيظاً، وذلك أنه يدعى على رءوس الخلائق فيعرفون حصول هذه الخصلة الطيبة التي بها حصل هذا الأمر الطيب وهو كونه يختار من الحور العين ما شاء؛ إكراماً وجزاءاً له على كظم غيظه، وكظم الغيظ يحصل معه السلامة من الشرور التي تنشأ عن الغضب، وهي أمور محذورة، وكظم الغيظ يحول ويمنع دون الوقوع في تلك الأمور المحذورة، فهذا دال على فضل من كظم غيظاً. تراجم رجال إسناد حديث (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق...) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد يعني: ابن أبي أيوب ]. سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مرحوم ]. قال أبو داود : اسمه عبد الرحمن بن ميمون وفي طبعة محمد عوامة أنه في بعض النسخ عبد الرحمن ، وفي بعض النسخ الأخرى عبد الرحيم، وهو الصواب. قال في التقريب: [ عبد الرحيم بن ميمون المدني أبو مرحوم ، نزيل مصر، صدوق زاهد من السادسة، مات سنة ثلاث وأربعين وقيل: اسمه يحيى . أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ عن سهل بن معاذ ]. سهل بن معاذ لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
__________________
|
#898
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي عن بشر -يعني: ابن منصور - عن محمد بن عجلان عن سويد بن وهب عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، قال: (ملأه الله أمناً وإيماناً) لم يذكر قصة: (دعاه الله)، زاد: (ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه -قال بشر : أحسبه قال:- تواضعاً كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج لله تعالى توجه الله تاج الملك) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم لا هو ولا ابنه الراوي عنه، وهو نحو الذي قبله، ولكن فيه (ملأه الله أمناً وإيماناً) يعني: أنه قال: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً) بدل: (دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء) ، وهذا لأنه كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه فهذا هو العمل في الدنيا، والجزاء في الآخرة في الحديث الأول: (دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين) وهنا قال: (ملأه الله أمناً وإيماناً). قوله: [ زاد: (ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه -قال بشر : أحسبه قال:- تواضعاً، كساه الله حلة الكرامة) ]. وهذا الذي ورد هنا إن كان المقصود (بالجمال) الشهرة أو الشيء الذي فيه تكلف وزيادة وإسراف فهذا مذموم، وإن كان المراد به أنه جمال متوسط ليس فيه تجاوز، وليس فيه إسراف فإن ذلك أمر محمود ومطلوب، وقد ثبت في صحيح مسلم : (إن الله جميل يحب الجمال)، وجاء في ذلك أحاديث عديدة، ولكن كما هو معلوم أن الاعتدال والتوسط في الأمور هو المطلوب. قوله: [ (ومن زوج لله تعالى توجه الله تاج الملك) ]. يعني: زوج شخصاً من أجل صلاحه وتقواه، وفعل ذلك من أجل الله عز وجل: (توجه الله تاج الملك) يعني: جزاءً في الآخرة. والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده ذلك الرجل المبهم وهو ابن ذلك الصحابي، وفيه أيضاً الراوي عن ابن الصحابي فيه كلام. تراجم رجال إسناد حديث (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً...) قوله: [ حدثنا عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشر يعني: ابن منصور ]. بشر بن منصور صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن محمد بن عجلان ]. محمد بن عجلان صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سويد بن وهب ]. سويد بن وهب مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن رجل من أبناء الصحابة ]. وهو مبهم لم يسم، فالمبهم هو الذي يأتي في سند الحديث ويقال: رجل أو امرأة، وأما إذا قيل: فلان، دون أن يقال: ابن فلان، فهذا يقال له: مهمل، مثل: سليمان بن المغيرة الذي مر بنا، ومثل: عبد الرحمن بن مهدي هنا، حيث قال: عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ، فالتلميذ لم ينسبه، فيقال له: مهمل، وأما إذا ذكر بوصف كونه رجلاً أو امرأة فإن هذا يقال له: مبهم، وهو غير معروف العين. [ عن أبيه ]. وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ما تعدون الصرعة فيكم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: لا، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالو: الذي لا يصرعه الرجال) يعني: الذي يصرع الرجال ولا يصرعه الرجال، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب) يعني: هذا هو الصرعة في الحقيقة، وإن كان فيما يتعلق بقوة الجسم والنشاط والغلبة وكونه يغلب غيره هو صرعة أيضاً، ولكن الصرعة في الحقيقة الذي يملك نفسه عند الغضب، وقد جاء في بعض الروايات: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) يعني: الذي يقدر على أن يملك نفسه وهو الذي يكظم غيظه كما مر قريباً، فيتحمل ويصبر ولا يندفع عند الغضب فيسترسل ويحصل منه أمور لا تحمد عقباها سواءً كانت قولية أو فعلية. فالصحابة رضي الله عنهم لما سألهم قالوا: الذي يصرع الرجال، يعني: أنه قوي، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الصرعة على الحقيقة -وإن كان ذاك صرعة-: (الذي يملك نفسه عند الغضب)؛ ولذلك جاء في بعض الروايات: (ليس الشديد بالصرعة) يعني: ليس الشديد بالصرعة في الحقيقة، وإن كان هو صرعة، (ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، فهذا هو الصرعة في الحقيقة. وهذا من جنس بعض الألفاظ التي تأتي والمقصود بها بيان من هو المتصف بهذا الوصف على الحقيقة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه) يعني: هذا هو المسكين حقاً؛ لأن الذي يمد يده هذا وإن كان مسكيناً إلا أنه حصل شيئاً عن طريق مد اليد، لكن المسكين على الحقيقة الذي ليس عنده شيء يأكله، ولا يمد يده للناس، ولا يفطن الناس له فيتصدقون عليه، فيبقى في قلة ذات يد، ويبقى غير واجد لما يحتاج إليه، هذا هو المسكين حقاً، فهذا من جنسه. وكذلك قوله: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس عندنا الذي لا درهم له ولا متاع) ، فهذا هو مفلس في الدنيا فليس عنده درهم ولا متاع، ولكن المفلس في الحقيقة هو المفلس في الآخرة، ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)، وكذلك ما جاء في الحديث: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها). تراجم رجال إسناد حديث (ما تعدون الصرعة فيكم...) قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ]. هو عبد الله بن محمد ، وهو أخو عثمان بن أبي شيبة الذي يأتي ذكره كثيراً عند أبي داود ، وأما أبو بكر فوجوده في رواة أبي داود بالنسبة لأخيه قليل. و أبو بكر بن أبي شيبة هو الشخص الذي لم يرو مسلم في صحيحه أكثر مما روى عنه، إذ روى عنه أكثر من ألف وخمسمائة حديث، وهو أعلى رقم ذكر أن الإمام مسلم رواه عن شيخ من شيوخه، ويليه أبو خيثمة زهير بن حرب ، فإنه روى عنه أكثر من ألف ومائتين حديث، و أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ،وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم التيمي ]. هو إبراهيم بن يزيد التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويوافقه في الاسم واسم الأب إبراهيم النخعي ، فاسمه إبراهيم بن يزيد النخعي ، وهذا إبراهيم بن يزيد التيمي ، و إبراهيم النخعي هو الذي يأتي ذكره كثيراً في الروايات، وإذا جاء إبراهيم غير منسوب سواءًَ كان في كتب الفقه أو في كتب الحديث فإنه يراد به النخعي ، كما جاء في بعض الروايات: قال إبراهيم : [ كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار ]، فإذا جاء إبراهيم في كتب الفقه أو في كتب الحديث مهملاً فإن المراد به إبراهيم النخعي . [ عن الحارث بن سويد ]. الحارث بن سويد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما يقال عند الغضب شرح حديث (...إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقال عند الغضب. حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: (استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب، فقال: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم! إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، قال: فجعل معاذ يأمره، فأبى ومحك، وجعل يزداد غضباً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب ما يقال عند الغضب]، أي: ما يقال من أجل أن يمنع الغضب أو يخفف الغضب أو ينهي الغضب، وذلك هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فهناك أقوال، وهناك أفعال تكون عند الغضب، فالأقوال: هي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والأفعال: هي أن يتوضأ الإنسان، وإذا كان قائماً أن يجلس، وإذا كان جالساً أن يضطجع، أو يقوم ويخرج ويترك المكان الذي وقع فيه الخصام والنزاع الذي حصل بسببه الغضب، فكل هذه الأمور تفعل عند الغضب وهي تخلص من الأمور السيئة التي تترتب على الغضب، فالإنسان قد يخرج عن شعوره ويتكلم بكلام شديد وقاس، وقد يخرج منه شيء وهو لا يشعر بسبب إفراطه في الغضب. فالمقصود من الترجمة أنه عند الغضب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويفعل أيضاً أفعالاً أخرى تخفف من وطأة الغضب وشدته أو تنهيه. وأورد أبو داود حديث معاذ رضي الله عنه أن رجلين استبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد يسب الآخر، فجعل أحدهما يشتد غضبه حتى كاد أنفه يتقطع من الغضب، يعني: أنه أحمر وجهه وانتفخ وصار على هيئة سيئة جداً حتى كان أنفه أن يتمزق أو يتقطع من شدة الغضب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد، قالوا: ما هي يا رسول الله؟! قال: يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم) لأن الغضب من الشيطان فكون الإنسان يسترسل مع الغضب فإنه يحصل منه كلام أو فعل لا تحمد عاقبته؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل قال: (أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب) وذلك لما يترتب على الغضب من الأمور الخطيرة والأمور السيئة التي لا تحمد عقباها سواءً كانت قولية أو فعلية، وقد يهذي بشيء لا يعقله بسبب تمكن الغضب منه واستيلائه عليه، وقد يصل به الحال إلى أنه لا يعقل ما يقول والعياذ بالله، فجعل معاذ يأمره بأن يقولها، وهو مصر ومشتد في غضبه، ولم يحصل منه فعل ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وأنه لو قاله لذهب عنه ما يجد. والحديث في إسناده انقطاع، ولكنه صحيح من حيث الجملة؛ لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن ذلك ينفعه، وهو من الأسباب التي تخفف وطأة الغضب على الإنسان. تراجم رجال إسناد حديث (...إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده من الغضب...) قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير بن عبد الحميد ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن عمير ]. عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحديث فيه انقطاع بين عبد الرحمن و بين معاذ رضي الله تعالى عنه، ولكن جاءت أحاديث أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معناه، وهو كون الإنسان يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيكون ذلك من أسباب انتفاء غضبه، وطرد الشيطان عنه، وسلامته من الغضب. شرح حديث (...إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن سليمان بن صرد قال: (استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الرجل: هل ترى بي من جنون؟) ]. أورد أبو داود حديث سليمان بن صرد وهو مثل قصة الرجل الذي قبله، وهو أنه غضب وأحمرت عيناه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه الذي يجد) فقيل له فيها: هل ترى بي من جنون، يعني: حتى أقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فاستولى عليه الغضب وتمكن منه حتى صار لا يأخذ بما يقال له، ولا يدري ما يقول، وهذا بمعنى الحديث الذي قبله، والحديث الذي قبله فيه انقطاع، وحديث سليمان بن صرد هذا شاهد له؛ لأنه بمعناه وهو صحيح. تراجم رجال إسناد حديث (...إني لأعرف كلمة لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد...) قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت ]. في بعض الطبعات جاء في السند (حدثنا معاوية) بدل (حدثنا أبو معاوية) وهو خطأ، والصحيح ما أثبتناه هنا. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن صرد ]. سليمان بن صرد رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (...إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبي ذر أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) ]. أورد أبو داود حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع) ، لأنه إذا كان قائماً فقد يؤدي ذلك إلى أن يتصرف بالانتقال والحركة والتقدم والتأخر؛ بسبب الهيجان، ولكنه إذا كان جالساً فإنه يكون أخف مما إذا كان قائماً، ولكنه أيضاً إذا اشتد به الغضب وهو جالس فيضطجع؛ لأن هيئة اضطجاعه أخف من هيئة جلوسه؛ لأن هيئة الجلوس يكون معها القدرة والنشاط والتمكن من الفتك، أو القيام بأفعال غير محمودة، ولكنه إذا اضطجع فإن ذلك يخف في حقه، وهذه من الطرق الفعلية التي يكون بها التخلص من شدة الغضب، وعدم الوقوع فيما لا تحمد عاقبته بسبب الغضب. تراجم رجال إسناد حديث (...إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه. [ حدثنا أبو معاوية حدثنا داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي حرب بن أبي الأسود ]. أبو حرب بن أبي الأسود ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ذر ]. هو أبو ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن داود عن بكر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا ذر بهذا الحديث). قال أبو داود : هذا أصح الحديثين ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى مرسلة؛ لأن بكر بن عبد الله المزني تابعي وهو الذي أسند الحديث إلى رسول الله وأرسله، ولم يذكر الصحابي، وقال أبو داود : إن هذا الطريق أصح من الطريق السابق، ولكن الحديث صحيح بالمرسلة وبالمتصلة. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود عن بكر ]. داود مر ذكره. و بكر بن عبد الله المزني تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في (تهذيب التهذيب) كلمة عظيمة حيث قال: إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظن بأخيك. أي: إن أصبت لم تحصل الأجر على كونك ظننت بأخيك شيئاً، ولكنك إن أخطأت فإنك تأثم؛ لأنك ظننت به شيئاً ليس فيه، فتكون آثماً لظنك الذي ظننته فيه وهو ليس فيه. شرح حديث (إن الغضب من الشيطان...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بكر بن خلف و الحسن بن علي المعنى، قالا: حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أبو وائل القاص قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه، فقام فتوضأ، ثم رجع وقد توضأ، فقال حدثني أبي عن جدي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) ]. أورد أبو داود حديث عطية بن عروة السعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ). معناه: أن هذا من الوسائل التي يكون بها تخفيف الغضب؛ لأن الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من نار، والنار يطفئها الماء، فكون الإنسان يتوضأ فإنه يخفف من وطأة الغضب عليه. فهناك جملة من الأشياء التي تمنع من الغضب، كالجلوس لمن كان قائماً، والاضطجاع لمن كان جالساً، والوضوء، وكذلك كون الإنسان يخرج ويترك المكان الذي فيه المخاصمة والمشادة والمنازعة. تراجم رجال إسناد حديث (إن الغضب من الشيطان...) قوله: [ حدثنا بكر بن خلف ]. بكر بن خلف صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و ابن ماجة . [ و الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا إبراهيم بن خالد ]. إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو وائل القاص ]. أبو وائل القاص وثقه ابن معين ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ دخلنا على عروة بن محمد السعدي ]. عروة بن محمد السعدي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثني أبي ]. أبوه هو محمد بن عطية ، صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن جدي عطية ]. عطية صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . والحديث في إسناده هذا الرجل المقبول، ولكن معناه صحيح. الأسئلة الجمع بين قوله (اذهب حيث أمرتك) وقوله (ما قال لي لشيء لم أفعله لم لم تفعل كذا؟) السؤال: قوله في الحديث الأول: (يا أنيس ! اذهب حيث أمرتك) ألا يعارض قول: أنس في آخره: (ما قال لي لشيء لم أفعله: لم لم تفعل كذا؟ أو لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟) ؟ الجواب: هذا بيان أن هذا هو الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم، ولكنه هنا أمره بأمر وأكده عليه فقال: (اذهب حيث أمرتك) فهو أولاً أمره، ثم قال: (اذهب حيث أمرتك)، فهو تأكيد للأمر السابق، فقد كان صغيراً وشاهد الصبيان يلعبون فوقف عندهم. النهي عن تذكير الغضبان بالله إذا خشي منه التمادي السؤال: في بعض الأحيان عندما يغضب بعض الناس فيقول له أخوه: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو أي دعاء آخر، أو يذكره بالله، ربما سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم. فهل الأولى عدم قول ذلك للشخص الغاضب حتى لا يتسبب بما هو أعظم؟ الجواب: نعم، إذا كان هذا معروفاً عنه فإنه لا يقال له ذلك؛ لأن هذا يؤدي إلى ما هو أخطر، فعندما يؤمر بالمعروف يأتي بأنكر المنكر، وهو كونه يسب الله، فإذا كان هذا شأنه فإنه لا يقال له شيء، وإذا كان هذا يزيد الطين بلة، ويزيد الشر شراً فإنه لا يقال له شيء من ذلك، والله تعالى يقول: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] ، فسب آلهة المشركين هو من أحق الحق، ولكنه إذا كان يؤدي إلى أبطل الباطل وهو سب الله فإنهم لا يسبون؛ لئلا يسب الله. جزاء المرأة في الآخرة عند كظمها لغيظها السؤال: إذا كانت الكاظمة للغيظ امرأة فهل تخير من الحور العين كما جاء في حق الرجل؟ الجواب: الحور العين هن أصلاً نساء، ولكنها لا شك أنها إذا دخلت الجنة فهي تنسى كل شيء في الدنيا، كما جاء في الحديث: (أنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مر بك خير؟ فيقول: ما مر بي خير قط) أي: أنه ينسى كل النعيم الذي جاءه في الدنيا، وعكسه من حصل له البؤس والفقر والفاقة، فإنه يغمس في الجنة غمسة حتى ينسى كل شيء، فهي إذا دخلت الجنة فإنها تكون في خير عظيم، وتكون زوجة لزوجها إذا كانت حالهما في الدنيا حسنة، وقد جاء في الحديث أن الزوجة إذا كان لها عدة أزواج في الدنيا فإنها تكون لآخرهم. حقيقة التفاضل بين الحور العين السؤال: هل هناك تفاضل بين الحور العين، حيث قال: (يخيره من الحور العين)؟ الجواب: الحديث يشعر بأن بينهن تفاضل، والمفضول فيهن فاضل، فكونه يخيره لا شك من وجود تفاضل، ولهذا فإن الله لما ذكر في سورة الرحمن صفات الحور العين والزوجات التي تكون في الآخرة، ذكر كذلك حصول التفاوت بين الجماعة الأولى والجماعة الثانية، فقال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] وجاء في وصف هاتين الجنتين: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، وبعدها قال: فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ [الرحمن:70] حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72]، وكل ما يكون في الجنتين الأخيرتين هو دون ما في الجنتين السابقتين."
__________________
|
#899
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [545] الحلقة (575) شرح سنن أبي داود [545] إن النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين جاء بالرحمة والخير والتيسير فندب أمته إلى اختيار أيسر الأمور في كثير من مجالات الحياة، فدعاهم إلى العفو والصفح بدل الانتقام، وإلى الحلم على العبيد والخدم والنساء، بل الشدة والغلظة، كما دعاهم إلى الرفق بالآخرين وعدم التشهير بهم إذا كان منهم خطأ، وأن يختار الناصح أحسن الألفاظ حتى لا يثير المنصوح أو يشهر به، ثم جعل صلى الله عليه وسلم الحياء هو أساس الخير وروح الأخلاق. التجاوز في الأمر شرح حديث (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التجاوز في الأمر. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في التجاوز في الأمر ]. معنى ذلك الأخذ بالأيسر، والتسامح فيه، وعدم الأخذ بما هو شاق، وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، وما انتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله عز وجل). ففيه: أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما عرض له أمران أحدهما فيه مشقة والآخر فيه سهولة ويسر إلا اختار الأيسر والأسهل، إلا إذا كان ذلك الأيسر فيه إثم فإنه أبعد الناس عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك ما انتقم لنفسه، بمعنى أنه يسيء إليه من يسيء فيصفح ويتجاوز، ولا يقابل الإساءة بأن يعاقب عليها، بل يعفو ويصفح صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو لا ينتقم لنفسه، ولكنه ينتقم إذا كان ذلك الشيء يتعلق بالله عز وجل، وهذا يدلنا على كمال خلقه صلى الله عليه وسلم، وعلى شفقته على أمته وحرصه عليها، وعلى ابتعاده عن كل شيء يكون فيه مشقة وضرر عليها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يختار الأيسر في الأمرين الحاصلين اللذين لا بد من أخذ واحد منهما. وقد ذكر صاحب عون المعبود معنى ذلك حيث قال: (قال القاضي: ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هاهنا من الله تعالى فيخيره فيما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية، أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة، أو الاقتصاد). كان صلى الله عليه وسلم يخير بين القتال وبين أخذ الجزية، وأخذ الجزية أيسر من القتال؛ لأن أخذ الجزية فيه مصلحة؛ وهي أنهم يبقون تحت حكم الإسلام، وتطبق أحكام الإسلام بينهم، فيكون في مشاهدتهم لأحوال المسلمين، وفي تطبيق أحكام الإسلام ما يكون سبباً في دخولهم في الإسلام، بخلاف كونه يقاتلهم ويستأصلهم، فإن ذلك فيه مضرة وقد تفوت هذه المصلحة التي تحصل بأخذ الجزية، وهي أسهل من القتال لما يترتب عليها من التمكن من الدخول في الإسلام بعد مشاهدة حسنها وفائدتها ومصلحتها. وكذلك يخير بين عقوبتين فإنه يختار أيسرهما وهي الأخف. وكذلك في حق أمته في المجاهدة في العبادة أو الاقتصاد، أي: الاجتهاد في العبادة والإكثار منها، أو الاقتصاد والتوسط وعدم الإكثار، ومعلوم أن الإكثار الذي يحصل معه الملل ثم الانقطاع ليس بمحمود، ولكن القليل الذي يدوم ويتمكن من الإتيان به والمداومة عليه هو الذي فيه المصلحة؛ ولهذا ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)؛ لأن قليلاً تداوم عليه، خير من كثير تنقطع عنه، والإنسان إذا اجتهد في وقت من الأوقات، ثم كسل وحصل له الملل وترك العمل نهائياً فهذا سيئ، ولكن كونه يأتي بشي قليل ويداوم ويستمر عليه على مدى الأيام فإن هذا أولى، كأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فهذا أفضل من أن يصوم شهراً أو شهرين ثم يتعب ويترك، وكذلك كونه يكثر من العبادة فيمل ويترك فهذا سيئ، وخير منه أن يحافظ على شيء قليل محدد يداوم عليه. قوله: [ (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) ]. (ما لم يكن إثماً) هذا يكون فيما بينه وبين الناس، يعني: التخيير في أمور تجري بينه وبين الناس. قوله: [ (فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها) ]. يعني: أنه يتجاوز عن حقه ويصفح، ولا ينتقم لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله فإنه ينتقم لله عز وجل وليس لنفسه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ما ضرب رسول الله خادماً ولا امرأة قط) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة عليها السلام قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً ولا امرأةً قط) ]. أورد المصنف حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب خادماً ولا امرأةً قط) وذلك لكرم أخلاقه ولسماحته ولحسن معاشرته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإنه لم يحصل منه أن ضرب خادماً من الخدم الذين يخدمونه، ولم يضرب أحداً من زوجاته عليه الصلاة والسلام، بل كان رفيقاً رحيماً سمحاً يحب الرفق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهذا يدل على كمال أخلاقه عليه الصلاة والسلام، مع أنه قد يحصل من الخدم مخالفات وأمور يستحق بعضهم أن يعاقب عليها، ولكن شأنه وطريقته الرفق والتسامح والتجاوز في الأمور صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (ما ضرب رسول الله خادماً ولا امرأة قط) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. [ عن عروة عن عائشة ]. عروة و عائشة مر ذكرهما. شرح حديث (...أمر نبي الله أن يأخذ العفو من أخلاق الناس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله يعني: ابن الزبير في قوله: خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف:199] قال: (أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس) ]. أورد أبو داود أثر عبد الله بن الزبير في قول الله عز وجل: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وفسره بأن يأخذ العفو من أخلاق الناس، يعني: ما كان حسناً من أخلاق الناس فإنه يؤخذ، وما كان سيئاً فإنه يتجاوز عنه ويصفح عنه. تراجم رجال إسناد حديث (...أمر نبي الله أن يأخذ العفو من أخلاق الناس) قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ]. محمد بن عبد الرحمن الطفاوي صدوق يهم، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن عبد الله يعني: ابن الزبير ]. أبوه هو عروة بن الزبير وقد مر ذكره. وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وحديث عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في حسن العشرة شرح حديث (كان النبي إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل ما بال فلان يقول؟...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حسن العشرة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الحميد يعني: الحماني حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟) ]. أورد المصنف هذه الترجمة: [ باب في حسن العشرة ] أي: المعاشرة والمعاملة للناس، وكان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقاً. وقد أورد أبو داود حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حصل من الشخص شيء يحتاج إلى أن ينبه عليه فإنه لا ينبه عليه على الملأ، ويقول: ما بال فلان يقول كذا وكذا؟ فهو يمكن أن يكلمه فيما بينه وبينه، ولكنه من أجل أن يبين للناس الطريقة الصحيحة في مثل هذا الحادث أو في مثل هذا الأمر الذي عرض، دون أن يعرفوا الشخص الذي حصل منه ذلك الشيء الذي هو السبب في إيراد الكلام، فما كان يقول: ما بال فلان يقول كذا وكذا؟ والناس يسمعون، وإنما يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟) ولا يسمي الشخص. وفي هذا مصلحة للشخص نفسه؛ لأنه داخل في الخطاب وهو يعرف أنه حصل منه هذا المحذور، وغيره يعلم أن ذلك لا يصلح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكره. والمقصود من ذلك تعميم الفائدة ومعرفة الجميع للحكم الشرعي في هذه المسألة التي حصل فيها ذلك الشيء الذي لا يسوغ ولا يجوز، مثلما جاء في قصة بريرة وأسيادها الذين قالوا: إنهم يبيعونها ولكن بشرط أن يكون لهم الولاء، حيث كاتبوها وأرادت عائشة أن تدفع لهم الشيء الذي تحملته لهم، وتكون هي التي تعتقها، فشرطوا هذا الشرط فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، إنما الولاء لمن أعتق). تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل ما بال فلان يقول؟...) [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و إلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا عبد الحميد يعني: الحماني ]. هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم ]. هو مسلم بن صبيح أبو الضحى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها مر ذكرها. حكم التصريح باسم الشخص إذا كان شره شائعاً والحديث فيه دلالة على عدم مشروعية ذكر اسم المردود عليه، وتشهيره عند الناس، لكن إذا كان قد حصل منه أمور منكرة، وقد كتبها ودونها، وانتشر كتابه وظهر منه ذلك، فإنه يذكر اسمه ويذكر كتابه حتى يعرف الكتاب الذي فيه السوء فيحذر. شرح حديث (أن رجلاً دخل على رسول الله وعليه أثر صفرة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا حماد بن زيد حدثنا سلم العلوي عن أنس : (أن رجلاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه). قال أبو داود : سلم ليس هو علوياً، كان يبصر في النجوم وشهد عند عدي بن أرطاة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته ]. ثم أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة، يعني: زعفران، وسواء كان ذلك في جسده أو في ثوبه، ومعلوم أن التزعفر لا يصلح للرجال، كما سبق أن مر ذلك في أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قلما يواجه شخصاً بشيء يكرهه، فلما خرج طلب ممن حوله أن يأمروه أن يزيل هذا الخلوق، أو يزيل هذه الصفرة عنه. والمقصود أنه قلما يواجه شخصاً بشيء يكرهه، وأنه أمرهم أن يخبروه بذلك الأمر الذي أراد أن يخبره به. والحديث في سنده سلم العلوي هذا، وهو ضعيف، لذا فالحديث ليس بثابت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً دخل على رسول الله وعليه أثر صفرة...) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سلم العلوي ]. سلم العلوي ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي في عمل اليوم والليلة. قال أبو داود : سلم لم يكن علوياً كما هو المتبادر من النسبة؛ لأنه إذا قيل علوي فمعناه أنه ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأنه من ذريته، كما ينسب العباسي إلى العباس ، فالمشهور فيمن ينتسب إلى علي أن يقال عنه: علوي، وبين أن هذه النسبة ليست كما يتبادر إلى الذهن، وإنما يقال له: العلوي ؛ لأنه كان ينظر للعلو، يعني: في النجوم، ومثل هذا يقال له: نسبة إلى أدنى مناسبة، إذ هي ليست نسبة واضحة؛ لأن النسبة منها ما يكون واضحاً ويتبارد إلى الذهن، ومنها ما يكون بعيداً ولا يتبادر إلى الذهن، مثل هذا الذي قيل له: العلوي ؛ لأنه ينظر إلى العلو، وهذا شيء غير متبادر إلى الذهن. ومثل ذلك: خالد الحذاء تلقيبه بالحذاء لم يكن لكونه يصنع الأحذية أو يبيعها، وإنما لأنه كان، يجلس عند الحذائين فقيل له: الحذاء ، وهي نسبة غير متبادرة إلى الذهن. وكذلك يزيد بن صهيب الفقير فلقب الفقير يتبادر إلى الذهن أنه لكونه فقيراً، ولكنه سمي بذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره، وهي نسبة ليست مما يتبادر إلى الذهن، فكذلك العلوي هنا هو من هذا القبيل. قوله: [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : سلم ليس هو علوياً كان يبصر في النجوم، وشهد عند عدي بن أرطأة على رؤية الهلال فلم يجز شهادته ]. هو نفسه ضعيف لا يحتج بحديثه وقد ردت شهادته بسبب شيء فيه، ولكن عموماً هو ضعيف، والضعيف كما هو معلوم حديثه غير معتمد. كلام محمد عوامة في نسبة سلم العلوي وسبب رد شهادته وهناك معنىً آخر ذكره محمد عوامة في حاشيته وهو أنه كان حاد البصر، ويرى الهلال قبل الناس، ولذلك ردت شهادته. فيقول: على حاشية نسخة حاء بخط الحافظ يوسف بن خليل ، وإملاء الملك المحسن قال أحمد بن يوسف : سلم العلوي ليس هو من ولد علي بن أبي طالب كما قال أبو داود وأما هو فمنسوب إلى بني علي بن سود، وهو معروف بهم، وقول أبي داود : يبصر في النجوم سهو منه. وذكر صاحب عون المعبود أنه كان يسبق الناس، وكونه يسبق الناس إذا كان المقصود بأنه يرى الهلال ليلة ترائي الهلال والناس ما رأوه فهذا ممكن، وهو المشاهد والواقع؛ لأنه ما كل يرى الهلال أول ليلة، فبعض الناس لا يراه إلا بعد ليلتين، مما يعني أن الناس ليسوا على حد سواء. قال محمد عوامة : كان يبصر الهلال قبل الناس بيوم لشدة بصره، وهو معروف بذلك، وقيل: إنه كان يبصر النجوم كالدلاء لحدة بصره. ولقد قال له أنس بن مالك : يا سلم خل بين الناس وبين هلالهم حتى يروه. وهو ضعيف. فهو حديد يبصر النجوم، لا يبصر في النجوم، بمعنى أنه كان منجماً. انتهى. بينما أبو داود يقول: ويبصر في النجوم. فكونه يبصر النجوم، المقصود: أنه يرى النجوم في العلو، ولهذا قالوا: علوي نسبة إلى العلو. شرح حديث (المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد حدثنا سفيان عن الحجاج بن فرافصة عن رجل عن أبي سلمة عن أبي هريرة ح وحدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعاه جميعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم). ويجوز في (خب) فتح أوله وكسره. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن غر) أي أنه لا يشغل نفسه بتتبع الأمور التي يكون فيها مضرة، أو الأمور التي ليست حسنة فيشغل نفسه بها. وقوله: (كريم)؛ لأن كرمه هو الذي يدفعه إلى أنه لا يشغل نفسه بمثل هذه الأمور بعكس الفاجر فإنه خَب أو خِب، بمعنى أنه يقدم على أشياء فيها فساد وفيها مضرة؛ لأن نفسه تشتهي ذلك وتميل إليه، فيكون لؤمه هو الذي دفعه إلى أن يقدم على شغل نفسه بأمور محذورة فيها فساد ومضرة، وقد يكون معنى قوله: (خب) أنه يجتهد في الشيء الذي فيه مضرة مثلما يقال: خَبَّ، بمعنى: أقدم وأسرع، أو من التخبيب الذي هو الإفساد، مثل: تخبيب المرأة على زوجها، فيكون المؤمن عنده غفلة عن الأمور التي لا حاجة إليها، وينشغل بما هو أهم منها، والفاجر بعكس ذلك. تراجم رجال إسناد حديث (المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي الجهضمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو أحمد ]. أبو أحمد الزبيري هو محمد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن فرافصة ]. الحجاج بن فرافصة صدوق يهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن رجل عن أبي سلمة ]. هذا الرجل مبهم، ولكن جاء في الرواية الثانية أنه يحيى بن أبي كثير فيكون قد عرف. و أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق. [ ح وحدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. ثم قال: ح وهي للتحول من إسناد إلى إسناد. و محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا بشر بن رافع ]. بشر بن رافع ضعيف الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو الذي يروي عن أبي سلمة، وقد مر ذكره. [ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. أبو سلمة و أبو هريرة مر ذكرهما. [ رفعاه جميعاً ]. يعني: ذكراه مرفوعاً. شرح حديث (...إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس لاتقاء فحشه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن ابن المنكدر عن عروة عن عائشة قالت: (استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بئس ابن العشيرة، أو بئس رجل العشيرة! ثم قال: ائذنوا له، فلما دخل ألان له القول، فقالت عائشة : يا رسول الله! ألنت له القول وقد قلت له ما قلت؟! قال: إن شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة من ودعه -أو تركه- الناس لاتقاء فحشه) ]. أرود أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع صلى الله عليه وسلم باسمه قال: (بئس رجل العشيرة، أو بئس ابن العشيرة). وهذا فيه ذم له، ولما دخل ألان له القول، فلما خرج قالت عائشة : يا رسول الله، إن فلاناً قلت فيه كذا وكذا، ثم ألنت له القول، تعني: أنه ما حصل منه شيء يطابق الذي قاله عنه في الأول، وإنما ألان له القول، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن شر الناس منزلةً عند الله من ودعه الناس اتقاء فحشه) أي: تركه الناس اتقاء فحشه، أو اتقاء شره، وذلك كإنسان يكون عند بذاءة في اللسان وعنده تطاول على الناس، فالناس يحرصون على أن يتخلصوا منه، ولا يدخلون معه في مصادمات؛ لأنه يؤذيهم، وقد بذل نفسه للإيذاء فما يكون من الناس إلا أن يلينوا له القول لاتقاء شره، فبدلاً من أن يحصل منهم أمر يدفعه إلى أن يتطاول عليهم ويؤذيهم ويسبهم ويفحش في القول فيهم، يلينوا له القول من أجل أن يتقوا شره؛ لأن سلامة الناس من شره أمر مقصود. تراجم رجال إسناد حديث (...إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس لاتقاء فحشه) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن المنكدر ]. هو محمد بن المنكدر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة عن عائشة ]. عروة و عائشة مر ذكرهما.
__________________
|
#900
|
||||
|
||||
![]() كلام المنذري في اسم الرجل الذي استأذن على النبي قوله: [ (استأذن رجل) ]. هذا الرجل مبهم غير معين، لكن جاء عن بعض أهل العلم أنه واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال المنذري : هذا الرجل هو عيينة بن حصن الفزاري ، وقيل: هو مخرمة بن نوفل الزهري والد المسور . و عيينة بن حصن مر ذكره قريباً، وجاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه ليتألفه على الإسلام، وكان حديث عهد بالإسلام، وقيل: مخرمة والد المسور بن مخرمة ، وكان عنده شيء من الشدة، وقد سبق ذكره في بعض الأحاديث، حين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوزع أقبية، فجاء مخرمة يريد أن يكون له نصيب منها هو وابنه، فقال لابنه المسور: ادخل فادعه ليخرج إلي، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قباء يقلبه فقال له: إنا خبأنا هذا لك، أو ادخرنا هذا لك. جواز غيبة الرجل من أجل التحذير من شره والحديث فيه دلالة على أن ذكر الإنسان بما فيه من فحش من أجل أن يحذر لا بأس به، وهذا مما هو سائغ، فهو قال هذا الكلام من أجل أن يعرف الناس حاله، وأن يكونوا على علم به، والغيبة كما هو معلوم محرمة، ولكنها تجوز في أمور معينة ذكرها العلماء. الفرق بين المداراة والمداهنة وفعل النبي مع هذا الرجل فيه شيء من المداراة. وهناك فرق بين المداراة والمداهنة، فالمدارة كما هو معلوم لا يترتب عليها ترك حق، أو إيجاد باطل، أما المداهنة فيمكن أن يكون فيها سكوت عن باطل أو عن أمر منكر أو إقرار لأمر غير سائغ. شرح حديث (أن رجلاً استأذن على النبي فقال النبي بئس أخو العشيرة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بئس أخو العشيرة! فلما دخل انبسط إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه، فلما خرج قلت: يا رسول الله، لما استأذن قلت: بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسطت إليه!! فقال: يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش المتفحش) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه: (إن الله لا يحب الفاحش المتفحش) يعني: الذي يأتي بالفاحش من القول، أو الفحش من الكلام ويواجه به. تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً استأذن على النبي فقال النبي بئس أخو العشيرة...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ عن محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة عن عائشة ]. أبو سلمة و عائشة مر ذكرهما. شرح حديث (...إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس العنبري حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة في هذه القصة قالت: (فقال: - تعني النبي صلى الله عليه سلم- يا عائشة! إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم) ]. أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى وفيه: (إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم). يعني: لا يكون الإكرام من القلب، أو لأن هذا يستحقه، وإنما من أجل السلامة من شره، وكما يقولون: (قطع لسانه) بحيث لا يتكلم بأمر منكر، كأن يكون معروفاً بالهجو وبالإقذاع في القول وفي الكلام، وإذا حصل منهم أن تهاونوا في أمره أنشأ فيهم قصيدة إذا كان شاعراً مقذعاً، أو تكلم فيهم بكلام بذيء. تراجم رجال إسناد حديث (...إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم) قوله: [ حدثنا عباس العنبري ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهوثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أسود بن عامر ]. أسود بن عامر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الأعمش ]. الأعمش مر ذكره. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة مر ذكرها. شرح حديث (ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول الله فينحي رأسه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو قطن أخبرنا مبارك عن ثابت عن أنس قال: (ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه، وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت رجلاً التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم) معناه: أنه يسر في أذنه بكلام، أي: يقرب فمه من أذنه للمسارة والكلام الذي لا يراد أن يسمعه الحاضرون. فيقول أنس : إنه ما رأى أحداً التقم أذن النبي صلى الله عليه وسلم فيؤخر رأسه حتى يكون ذلك هو الذي يؤخر فمه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرب رأسه والرجل يقرب فمه إلى أذنه فيبقى النبي على هذه الحال حتى ينهي المتكلم حاجته وبغيته، ثم يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هيئته من الانتصاب الذي كان قبل إمالة الرأس من أجل المسارة، وهذا من كمال أخلاقه عليه الصلاة والسلام. وهو يدل أيضاً على جواز المسارة فيما إذا كان الإنسان في مجلس، وكان أحدهم يريد أن يتحدث معه ولا يتمكن من أن ينفرد به أو يذهب به إلى مكان آخر. قوله: (وما رأيت رجلاً أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده). معناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يسحب يده، وإنما يبقي يده حتى يكون ذاك الرجل هو الذي ينتهي، وهذا من كمال أخلاقه عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رجلاً التقم أذن رسول الله فينحي رأسه...) قوله: [ حدثنا أحمد بن منيع ]. أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو قطن ]. أبو قطن هو عمرو بن الهيثم ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا مبارك ]. هو مبارك بن فضالة ، وهو صدوق يدلس ويسوي، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره. قول الألباني في صحة حديث أنس وحديث عائشة حديث أنس صحيح. ولا يضر تدليس مبارك بن فضالة ، وقد صححه الشيخ الألباني ، لكن لا أدري هل صححه بسبب وجود شواهد أو لشيء آخر. والشيخ الألباني ضعف إسناد الحديث الذي قبله: (يا عائشة إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم)، حيث قيل: إن مجاهداً لم يسمع من عائشة ، لكن المحشي يذكر أن رواية مجاهد عن عائشة موجودة في الصحيحين. وسند الحديث فيه شريك عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة ، وكلهم لا بأس بهم ما عدا شريكاً ففيه كلام. ما جاء في الحياء شرح حديث (أن النبي مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحياء. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في الحياء ]. والحياء خصلة كريمة تدفع إلى البعد عن الرذائل وإلى فعل الخصال الحميدة، وهذا هو الحياء المحمود. أما الحياء الذي هو خجل وضعف، فهو غير محمود، مثل الحياء الذي يمنع الإنسان من طلب العلم، فهذا ضعف وليس حياء، وهو غير محمود، وإنما المحمود هو الذي يدفع إلى ترك الأشياء المنكرة والمستكرهة حياء من الله عز وجل، وهو الذي يعد من الإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للذي كان يعظ أخاه في الحياء: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، والحياء شعبة من شعب الإيمان كما جاء في الحديث الآخر: (الإيمان بضع وستون شعبة -أو بضع وسبعون شعبة- أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء...) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ]. مر ذكر الثلاثة الأولين، وأما سالم فهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (الحياء خير كله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن إسحاق بن سويد عن أبي قتادة قال: كنا مع عمران بن حصين رضي الله عنهما وثم بشير بن كعب فحدث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحياء خير كله، أو قال: الحياء كله خير) فقال بشير بن كعب : إنا نجد في بعض الكتب أن منه سكينة ووقاراً، ومنه ضعفاً، فأعاد عمران الحديث، وأعاد بشير الكلام، قال: فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن كتبك، قال: قلنا: يا أبا نجيد إيه إيه! ]. أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما: أنه كان في مجلس وفيه بشير بن كعب ، فحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الحياء كله خير) أو (الحياء خير كله) يعني: الحياء المحمود، والحياء الشرعي الذي يمنع من الوقوع في المحرمات، ويبعث على الإتيان بالأمور المشروعة، والأمور المطلوبة، فقال بشير : إنا نجد في الكتب أن منه سكينة ووقاراً، وأن منه ضعفاً، فأعاد عمران بن حصين الحديث قال: (الحياء خير كله) يعني: أنه كله خير لا يستثنى منه شيء، فأعاد بشير الكلام الذي قاله، وهو تقسيم الحياء إلى قسمين كما ينسبه إلى بعض الكتب، فقال عمران : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن كتبك؟! قيل: إن إنكاره لكونه يقابل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بكلام آخر من أخبار الأولين ومن أخبار بني إسرائيل، أو من الكتب المتقدمة التي تحكي مثل هذه الأمور، فأنكر عليه ذلك. وقيل: إنه أنكره من أجل أنه قال: إن فيه ضعفاً، وقد قال: (الحياء خير كله) وهذا يدل على أنه لا استثناء فيه، وأنه كله خير، بينما بشير قسمه إلى ما يكون سكينة ووقاراً، وما يكون ضعفاً. ويمكن أن يكون إنكاره عليه من أجل الاثنين؛ لأن الضعف ليس من الحياء الشرعي، فالحياء الذي يحول بين صاحبه وبين تحصيل أمر مقصود يعود عليه بالمنفعة والفائدة الكبيرة، ليس من الحياء الشرعي، وإنما هذا من الخور ومن الضعف وعدم الشجاعة. قوله: [ يا أبا نجيد إيه إيه ]. يعني: يكفي، وقد أبلغت وأديت ما عليك بكونك نبهته. وقيل: إنهم قالوا: إنا ما نعلم عنه إلا خيراً، يعنون بشير بن كعب. تراجم رجال إسناد حديث (الحياء خير كله) [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن سويد ]. إسحاق بن سويد صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي قتادة ]. هو تميم بن نذير العدوي ، وهو ثقة، وقيل: له صحبة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. [ كنا مع عمران بن حصين ]. هو عمران بن حصين رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته: أبو نجيد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (...إذا لم تستح فافعل ما شئت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فافعل ما شئت) ]. أورد أبو داود حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فافعل ما شئت). ومعناه: أن الإنسان إذا لم يكن عنده حياء فإنه يفعل ما يشاء؛ لأنه ما عنده وازع، ولا عنده شيء يمنعه، والإنسان إذا كان عنده حياء فإنه يمنعه من أن يقدم على أمور محرمة وأمور لا تنبغي. قوله: [ (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى) ] يعني: أن هذا الكلام مما جاء عند الأنبياء السابقين، وأن الحياء مما جاء عند الرسل وعند الأمم، وأن الحياء محمود، وأنه كان موجوداً في الأمم السابقة، فهو مما أدركه الناس من كلام النبوة الأولى. قوله: [ (فاصنع ما شئت) ] إما: أن يكون معناه: افعل ما شئت؛ لأنك ليس عندك مانع، وليس عندك رادع من الحياء. وقيل: إنه على سبيل التهكم، وليس المقصود أنه يفعل. وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا أورده النووي في الأربعين النووية، واختاره من بين الأحاديث التي اختارها، وهي من جوامع كلم الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (...إذا لم تستح فافعل ما شئت) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن شعبة ]. شعبة هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي بن حراش ]. ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسعود ]. هو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة الاعتماد على حديث (ما خير النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما) في تتبع الرخص في الفتاوى السؤال: في حديث عائشة : (ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما) هل إذا اختلف العلماء في حكم فإن للإنسان أن يأخذ بالأيسر عملاً بهذا الحديث؟ الجواب: لا، ليس هذا مما يدخل تحت الحديث، والإنسان لا يبحث في كلام العلماء ويختار الذي تميل إليه نفسه ويشتهيه، وإنما عليه إذا كان عنده علم ومعرفة أن يبحث حتى يصل إلى الراجح، وإذا لم يكن عنده علم ومعرفة فإنه يسأل شخصاً يثق بعلمه ودينه، ثم يأخذ بكلامه، ولا يستفتي أناساً متعددين من أجل أن يتخير في الفتاوى التي يحصلها من هذا وهذا، فيبحث عن الشيء الذي يعتبر أيسر. حكم مداراة أهل الانحراف إذا خشي الإنسان شرهم السؤال: إذا كان الإنسان يعيش بين بعض الناس ولهم انحرافات منهجية، وإذا باشرهم وضحك في وجوههم، وقلبه يبغضهم، وعند الناس يذمهم، فهل هذا الفعل من باب حديث: (بئس أخو العشيرة) ؟ الجواب: نعم، إذا كانوا عندهم بذاءة، وشر وكان يخشى منهم فيمكن، ولكن إذا كانوا ليسوا بهذه الصورة، وليسوا بهذه الصفة، وكانوا مأموني الجانب، فعليه أن يناصحهم فيما يرى أنهم مخطئون فيه. ضرورة معرفة حال من وقع في بدعة قبل المبادرة في الرد عليه والتشهير به السؤال: هل يصح أن أطلق لساني في المبتدع أم أكتفي بذكر أنه مبتدع وأبين الدليل على ذلك؛ لأن الغيبة تقدر بقدرها؟ الجواب: الإنسان فيما يتعلق بالمتقدمين والذين سلفوا ليس عنده إلا كلام العلماء فيهم، وأما فيمن تأخر فهذا يتوقف على ما يكتبه هذا الشخص من أنواع الفحش وأنواع البدع، والتفنن فيها، والإكثار منها، فكل شيء بحسبه، وكل شيء بقدره، فإذا كان عنده أمور من هذا فهو يبين حاله، وأنه عنده بدع في كذا وفي كذا، وأنه عنده ضلال في كذا وفي كذا، ويعدد البدع من أجل أن تحذر وتعلم. وأما إذا كان من أهل السنة وحصل منه أخطاء فإن الذي ينبغي مناصحته ليرجع عن خطئه، ويبين له وجه الصواب في ذلك، ولا ينابذ أو يبالغ في النكير عليه، بل الواجب العدل والتوسط في الأمور، والإنسان الذي عنده نقص وهو من أهل السنة يسدد ويبين له نقصه، ويطلب منه الرجوع عن ذلك، وقد يكون قال شيئاً من هذه الأشياء بسبق لسان، أو حصل منه وهو ذاهل عنه، ولو نبه عليه لتنبه. وأحوال الناس عند الكلام تختلف كما هو معلوم؛ لأن الإنسان قد يصدر منه كلام -لاسيما إذا كان يتكلم وليس الكلام محرراً- لم يكن على باله، ويكون مخطئا فيه غير مصيب، ولكنه لو نبه عليه لتنبه، ولو ذكر لتذكر بأن هذا غلط، وبادر إلى تلافيه وتداركه. ترك عمل المنكر لمجرد خشية اطلاع الناس عليه ليس من الإيمان السؤال: إذا ترك أحد الشر حياء من الناس، فهل يعد هذا من الإيمان؟ الجواب: لا، كون الإنسان يريد الشر ولا يفعله حتى لا يذمه الناس معناه أن عنده طوية خبيثه، وأنه إذا تمكن من أن يصل إلى الشر والناس لا يرونه فلن يقصر عنه؛ لأنه يخشى الناس، وعليه أن يخشى الله سبحانه وتعالى الذي هو مطلع عليه ورقيب عليه، والذي بيده كل شيء، وهو الذي بيده الثواب والعقاب، ولا شك إن الإنسان لابد أن يكون عنده حياء من الله وحياء من الناس، ولا يكون شأنه أنه إذا سلم من كلام الناس لا يبالي، بل هناك شيء أعظم من هذا وهو اطلاع الله عز وجل عليه، ومراقبته له، فعليه أن يكون متقياً لله عز وجل في جميع أحواله، وأن يترك الشر من أجل أنه شر، طاعة لله عز وجل ورغبة في الثواب من الله سبحانه وتعالى. الحياء يمنع من الكلام الفاحش السؤال: هل يعد الكلام الفاحش من عدم الحياء؟ الجواب: لا شك أن الحياء يمنع من الكلام الفاحش. النهي عن الزعفران والعصفر للرجال في اللباس والطيب السؤال: النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على ذاك الرجل الذي عليه أثر صفرة، فهل كل لون أصفر يدخل في ذلك؟ الجواب: جاء النهي عن التزعفر والتعصفر، أي: استعمال الزعفران والعصفر فيما يتعلق باللباس أو الطيب. حكم أداء العمرة عمن مات وهو تارك للصلاة السؤال: زوجة فقدت زوجها منذ ستة عشر عاماً، حيث كان هذا الزوج يعمل في بلاد الكفر، فمات عندما سقط به مصعد البناء، وهي قد نذرت أن تؤدي عنه عمرة، مع أنه كان لا يصلي، فهل يجوز لها أن تقوم بأداء هذه العمرة؟ الجواب: إذا كان تاركاً للصلاة ولا يصلي أبداً، فلا تعتمر عنه؛ لأن من لا يصلي كافر كما قال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) وقال: (بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة) وقال في حق الأمراء الذين سئل صلى الله عليه وسلم عن الخروج عليهم فقال: (لا، ما صلوا). إطلاق لقب الإمام على من عنده أخطاء عقدية السؤال: هل يجوز إطلاق لقب الإمام على من كان لديه بعض الأخطاء العقدية؟ الجواب: إذا كان من أهل السنة، وقد اشتهر بهذا اللقب، وعلمه عظيم، ونفعه كثير، فلا بأس بإطلاقه؛ لأنه من أئمة أهل السنة، وأخطاؤه تكون مغمورة في جنب صوابه وخيره وعظيم نفعه. الحكم على الحديث الضعيف الذي له شواهد تقويه السؤال: إذا وجدنا حديثاً إسناده ضعيف، ولكن له شواهد تقويه، فهل نقول: إن هذا الحديث صحيح، أو نقول: سنده ضعيف ومعناه صحيح؟ الجواب: إذا كان الضعف يسيراً محتملاً يتقوى، فالشواهد إذا كانت قريبة منه فإنه يشد بعضها بعضاً، ويكون الحديث حسناً لغيره، هذا إذا كان متوقفاً فيه، أما إذا كان حسناً لذاته، ثم جاءت أسانيد أخرى تقويه، فإنه ينتقل من كونه حسناً لذاته إلى كونه صحيحاً لغيره، لأنه ثابت بالطريق التي هو منها حسن، ورجاله لا يقل الواحد منهم عن أن يكون صدوقاً، وأما إذا كان الضعف فيه بسبب جهالة أحد رواته أو كونه مستور الحال أو سيئ الحفظ، ثم جاء شيء مثله يقويه، فهذا يضم بعضه إلى بعض فيكون حسناً لغيره؛ لأنه متوقف فيه، ولا يعول عليه بمجرد المجيء به من طريق واحد، ولكن جاءت طرق متعددة يشد بعضها بعضاً، فيرتفع من كونه متوقفاً فيه إلى كونه حسناً لغيره. حكم قول: فال الله ولا فالك السؤال: اشتهر على ألسنة العامة قولهم: فال الله ولا فالك، فما حكم ذلك؟ الجواب: إذا كان المقصود به أن الفأل من الله، فلا بأس. حكم أخذ علوم النحو والبلاغة وغيرها ممن يعتقد عقائد الأشاعرة السؤال: هل يجوز أن نتلقى العلم عن مشايخ يعتقدون عقائد الأشاعرة، علماً بأنهم علماء في علوم كثيرة مثل النحو والبلاغة والفقه، وقد جرت العادة في بلدنا أن تتلقى هذه العلوم في الصغر؟ الجواب: إذا وجد الإنسان غيرهم ممن هو من أهل السنة فلا يعدل عنه إليهم، وأما إذا لم يجد إلا هؤلاء ويؤمن عليه فيما يتعلق بالعقيدة، وإنما يكون أخذه عنهم في الأمور التي يتقنونها، ولا يخشى عليه الضرر في العقيدة، ولا يتكلمون في العقيدة، ولا مجال للكلام فيها ودعت الحال إلى ذلك، فلا بأس. حكم افتتاح جلسات تعليم القرآن وختمها بالدعاء السؤال: امرأة تعلم القرآن فتفتتح الحلقة بالدعاء وتؤمن الطالبات، وتنهي الحلقة كذلك بالدعاء وتؤمن الطالبات، فهل هذا جائز؟ الجواب: الانتهاء بالدعاء ممكن؛ فالناس عندما يجتمعون في مجلس أو في قراءة قرآن ويدعون في الآخر لا بأس بذلك، لكن كونهم يبدءون المجلس بالدعاء ثم يقرءون فما أعلم شيئاً في هذا، ولكن كون الدعاء يصير في النهاية هو المناسب. كيفية قضاء الصلوات الفائتة السؤال: امرأة احترقت في بعض أعضائها فمنعها الطبيب من استعمال الماء، فلجهلها مكثت عشرة أيام لم تصل، فماذا يجب عليها الآن؟ الجواب: عليها أن تصلي هذه الأيام التي تركتها، ولكن ليس كما يفعله بعض الناس إذا كان عليه صلوات فائته يذهب يقضي العصر مع العصر، والمغرب مع المغرب، والعشاء مع العشاء، والفجر مع الفجر وهكذا، وإنما يقضيها متصلة كل يوم بصلواته، ثم ينتقل إلى اليوم الثاني بصلواته، ثم اليوم الثالث بصلواته ما لم يجد تعباً ومشقة، فإذا احتاج إلى راحة فيستريح ولا بأس، وأما أن يؤخر القضاء فيصلي الصلاة مع الصلاة فهذا غير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك). مفارقة أهل السنة للمخالفين في العقائد السؤال: هل يصح أن يقال: إنه ليس كل خلاف يفرقنا، سواء كان الخلاف في الفروع أو في العقيدة؟ الجواب: ليس هذا على إطلاقه، نعم الخلاف في الفروع والأمور التي هي محل اجتهاد موجود من قديم الزمان، فقد اختلف الصحابة واختلف من بعدهم، واختلافهم لا يترتب عليه شيء من التباغض أو التنافر، وإنما هي مسألة تتبع الدليل وتتبع الفهم في الدليل، ووضوح الدليل وعدم وضوحه، أو صحته وعدم صحته، أو ثبوته وعدم ثبوته. وأما فيما يتعلق بالعقائد فلا يقال: الخلاف فيها لا يفرقنا، وإلا فما الفرق بين أهل السنة والمبتدعة؟ ما الفرق بين الفرقة الناجية التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: (هي الجماعة) وقال: (من كان على ما أنا عليه وأصحابي) والفرق الأخرى التي أخبر النبي أنها من أهل النار، وأخبر أنهم كلهم سواء لا فرق بين هذا وهذا؟ إن هناك فرقاً شاسعاً بين أهل السنة وغيرهم، وأهل الفرق أيضاً متفاوتون، ففيهم القريب وفيهم البعيد، وفيهم من هو أشد سوءاً، وفيهم من هو أخف، والكل مخالفون لأهل السنة. حكم الزيارة مع وجود بعض المعاصي عن المزور السؤال: عندما أزور بعض أرحامي وأقاربي أجد عندهم التلفاز، وفي بعض الأحيان يحتوي هذا الجهاز على موسيقى، فإذا أمرتهم بإغلاقه لا يرضون، فماذا أفعل معهم؟ الجواب: اذهب إليهم في الأوقات التي لا يستعملون فيها التلفاز، إذا كان هناك أوقات لا يستعملون فيها التلفاز. وهم أيضاً ينبغي عليهم من حسن المعاشرة ومن الأدب ألا يواجهوا الإنسان بما يكره أو يجعلوا عنده الشيء الذي يكرهه، وعليه أن يناصحهم إذا كانوا قد ابتلوا به، أو على الأقل ألا يستعملوه إلا فيما ينفع."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |