نار الآخرة (10) سجر النار وتسعيرها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عمل تفضل به غيرك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ماذا يسرق منك الإدمان؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أخلاقيات الحرب في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5119 - عددالزوار : 2403545 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 502 - عددالزوار : 22355 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4708 - عددالزوار : 1710757 )           »          9 استخدامات لنشا الذرة غير الطبخ أبرزها إزالة البقع وتلميع الخشب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          4 خيارات صحية ولذيذة لإفطار الأطفال قبل اليوم الدراسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          6 حيل لإنقاص الوزن دون ممارسة الرياضة.. منها النوم الكافى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          لو ابنك معتمد عليك فى كل حاجة.. 4 نصائح لتعزيز استقلاليته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2025, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,547
الدولة : Egypt
افتراضي نار الآخرة (10) سجر النار وتسعيرها

نار الآخرة (10)

سجر النار وتسعيرها

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ؛ جَعَلَ نَارَ الدُّنْيَا ﴿ تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا ‌لِلْمُقْوِينَ ﴾ [الْوَاقِعَةِ: 73]، وَتَخْوِيفًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَ نَارَ الْآخِرَةِ دَارًا لِلْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ شَدِيدُ الْمِحَالِ، عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ، لَا طَاقَةَ لِأَحَدٍ بِعَذَابِهِ، وَلَا رَادَّ لِبَطْشِهِ وَانْتِقَامِهِ، وَهُوَ الْقَوِيُّ الْقَهَّارُ، الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَذَّرَ أُمَّتَهُ عَذَابَ النَّارِ، وَكَشَفَ مَا فِيهَا مِنْ أَهْوَالٍ، وَقَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، ‌لَضَحِكْتُمْ ‌قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا»، صَلَى اللَّهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمَلُوا فِي دُنْيَاكُمْ لِأُخْرَاكُمْ، وَخُذُوا مِنْ صِحَّتِكُمْ لِمَرَضِكُمْ، وَمِنْ فَرَاغِكُمْ لِشُغْلِكُمْ، وَمِنْ حَيَاتِكُمْ لِمَوْتِكُمْ؛ فَإِنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ عَسِيرٌ؛ ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ‌ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 8-9].

أَيُّهَا النَّاسُ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى النَّارَ بِقُدْرَتِهِ، وَوَصَفَهَا لَنَا بِعِلْمِهِ، وَجَعَلَهَا دَارَ عَذَابِهِ؛ فَيَتَّعِظُ بِذِكْرِهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُوقِنُونَ، وَيَسْتَهِينُ بِهَا الْغَافِلُونَ وَالْمُعْرِضُونَ، وَيَسْخَرُ مِنْهَا الْمُكَذِّبُونَ. وَأَهْوَالُ النَّارِ عَظِيمَةٌ، وَأَنْوَاعُ الْعَذَابِ فِيهَا كَثِيرَةٌ، أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا وَوَالِدِينَا وَأَهْلَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَأَحْبَابَنَا وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ.

وَمِنَ الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَنَّهَا تُسَعَّرُ وَتُسَجَّرُ؛ أَمَّا تَسْجِيرُ النَّارِ فَفِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُكَذِّبِينَ: ﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ ‌يُسْجَرُونَ ﴾ [غَافِرٍ: 70-73]؛ «أَيْ: يُطْرَحُونَ فِيهَا فَيَكُونُونَ وَقُودًا لَهَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُقَالُ: سَجَرْتُ التَّنُّورَ؛ أَيْ: أَوْقَدْتُهُ، وَسَجَرْتُهُ مَلَأْتُهُ»، وَكَوْنُهُمْ يَكُونُونَ وَقُودًا لِلنَّارِ جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي ‌وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 24]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ‌وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التَّحْرِيمِ: 6].

وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تُسَجَّرُ الْبِحَارُ فَتَتَوَقَّدُ نَارًا؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ ‌سُجِّرَتْ ﴾ [التَّكْوِيرِ: 6]؛ «أَيْ: أُوقِدَتْ فَصَارَتْ -عَلَى عِظَمِهَا- نَارًا تَتَوَقَّدُ»، «رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ الْبِحَارَ كُلَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا ‌فَيُزَادُ ‌بِهَا ‌فِي ‌نَارِ جَهَنَّمَ»، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَعْنَاهَا.

وَنَارُ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ كُلَّ يَوْمٍ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ قُبَيْلَ الزَّوَالِ؛ وَلِذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ ‌تُسْجَرُ ‌جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، «وَمَعْنَى ‌تُسْجَرُ ‌جَهَنَّمُ: تُوقَدُ عَلَيْهَا إِيقَادًا بَلِيغًا» قَالَ ابْنُ الْمَلِكِ الْحَنَفِيُّ: «أَيْ: تُمْلَأُ نِيرَانًا وَتُوقَدُ، وَلَعَلَّ تَسْجِيرَهَا حِينَئِذٍ لِمُقَارَنَةِ الشَّيْطَانِ الشَّمْسَ، وَتَهْيِئَةِ عُبَّادِ الشَّمْسِ أَنْ يَسْجُدُوا لَهَا».

وَأَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْ تَسْعِيرِ النَّارِ فَجَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ ‌سُعِّرَتْ ﴾ [التَّكْوِيرِ: 12]؛ «أَيْ ‌أُوقِدَتْ ‌فَأُضْرِمَتْ لِلْكُفَّارِ وَزِيدَ فِي إِحْمَائِهَا»، وَوُصِفَتِ النَّارُ بِأَنَّهَا سَعِيرٌ؛ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ النَّاسِ بِأَنَّهُمْ فَرِيقَانِ؛ ﴿ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ‌السَّعِيرِ ﴾ [الشُّورَى: 7]، «وَالسَّعِيرُ: النَّارُ الْمُسَعَّرَةُ أَيِ: الْمُلْتَهِبَةُ»، وَمِنْ شَدِيدِ آيَاتِ الْوَعِيدِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ ‌سَعِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 55]؛ أَيْ «وَحَسْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ...بِنَارِ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ عَلَيْكُمْ؛ أَيْ: تُوقَدُ عَلَيْكُمْ»، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ ‌سَعِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 97]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «خُبُوُّهَا أَنَّهَا تُسَعَّرُ بِهِمْ حَطَبًا، فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَيْءٌ صَارَتْ جَمْرًا تَتَوَهَّجُ، فَإِذَا بُدِّلُوا خَلْقًا جَدِيدًا عَاوَدَتْهُمْ» «فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمُ النَّارُ زَالَ اللَّهَبُ الَّذِي كَانَ مُتَصَاعِدًا مِنْ أَجْسَامِهِمْ فَلَا يَلْبَثُونَ أَنْ يُعَادُوا كَمَا كَانُوا، فَيَعُودَ الِالْتِهَابُ لَهُمْ».

وَوَعَظَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ فَذَكَّرَهُمْ نَارَ السَّعِيرِ فِي جُمْلَةٍ مِنَ الْآيَاتِ؛ لِيُحَذِّرَهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي أَعْظَمُهَا الْكُفْرُ وَالتَّكْذِيبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ ‌سَعِيرًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 11]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ ‌سَعِيرًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 64]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ ‌سَعِيرًا ﴾ [الْفَتْحِ: 13]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا ‌وَسَعِيرًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 4]، وَيُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشِمَالِهِمْ مِنْ وَرَاءِ ظُهُورِهِمْ؛ ﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى ‌سَعِيرًا ﴾ [الِانْشِقَاقِ: 10-12]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ ‌وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾ [الْقَمَرِ: 47-48]، وَالْمَعْنَى: «أَنَّهُمْ ‌فِي ‌ضَلَالٍ ‌وَسُعُرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَسُعُرٌ جَمْعُ سَعِيرٍ، وَهُوَ النَّارُ، وَجُمِعَ السَّعِيرُ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدٌ». وَتَوَعَّدَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَكَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى بِالسَّعِيرِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ ‌سَعِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 10].

وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَنْدَمُونَ أَشَدَّ النَّدَمِ حِينَ صَارُوا إِلَى نَارِ السَّعِيرِ؛ ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ ‌السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الْمُلْكِ: 10-11]؛ «أَيْ: بُعْدًا لَهُمْ وَخَسَارَةً وَشَقَاءً، فَمَا أَشْقَاهُمْ وَأَرْدَاهُمْ، حَيْثُ فَاتَهُمْ ثَوَابُ اللَّهِ، وَكَانُوا مُلَازِمِينَ لِلسَّعِيرِ، الَّتِي تَسْتَعِرُ فِي أَبْدَانِهِمْ، وَتَطَّلِعُ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ!».

وَحَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ يَقُودُ إِلَى نَارِ السَّعِيرِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ‌وَيَهْدِيهِ ‌إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الْحَجِّ: 3-4]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ ‌السَّعِيرِ ﴾ [لُقْمَانَ: 21]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ ‌السَّعِيرِ ﴾ [فَاطِرٍ: 6].

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُنَجِّيَنَا وَوَالِدِينَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَأَهْلَنَا وَأَحْبَابَنَا مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْخُلْدَ فِي الْجِنَانِ؛ ﴿ رَبَّنَا ‌اصْرِفْ ‌عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 65-66].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 131-132].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إِذَا تَوَسَّطَتِ الشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، وَاشْتَدَّتْ حَرَارَتُهَا، وَمُنِعَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ أَنْ يَتَذَكَّرَ تَسْجِيرَ جَهَنَّمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ فَيَعْتَبِرَ وَيَتَّعِظَ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُنْجِيَهُ مِنْ عَذَابِهَا إِلَّا إِيمَانُهُ وَعَمَلُهُ الصَّالِحُ بَعْدَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ.

وَشُرِعَ الْإِبْرَادُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ بِتَأْخِيرِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ الشَّمْسُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ ‌مِنْ ‌فَيْحِ ‌جَهَنَّمَ، وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ: «فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ فَإِنَّ حِينَئِذٍ ‌تُسَعَّرُ ‌جَهَنَّمُ، ‌وَشِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»؛ «أَيْ: سُطُوعِ حَرِّهَا وَانْتِشَارِهِ وَغَلَيَانِهَا».

وَحِينَ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ رَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَازِنَ جَهَنَّمَ، وَفِيهِ قَالَ: «فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ، كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ ‌يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟» وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْمَلَكَانِ لَهُ: «وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ ‌يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

هَذَا؛ وَذِكْرُ عَذَابِ السَّعِيرِ قَدْ نَغَّصَ عَلَى الصَّالِحِينَ عَيْشَهُمْ، وَأَسْهَرَ لَيْلَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَظْمَأَ هَوَاجِرَهُمْ بِالصِّيَامِ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ مَاتَ حِينَ تَذَكَّرَ النَّارَ خَوْفًا مِنْهَا، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ: «الْآيَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْفُضَيْلِ فِي الْأَنْعَامِ: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 27]، مَعَ هَذَا الْمَوْضِعِ مَاتَ، وَكُنْتُ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ»، «وَلَمَّا مَاتَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، صَاحَتْ أُمُّهُ: وَاقَتِيلَ جَهَنَّمَاهْ، مَا قَتَلَ ابْنِي إِلَّا خَوْفُ جَهَنَّمَ». وَإِذَا تَذَكَّرَ الْعَبْدُ نَارَ السَّعِيرِ خَافَ مِنْهَا، وَالْخَوْفُ يَقُودُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَلْنَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى وَلْنَعْتَبِرْ كَمَا اعْتَبَرَ أَسْلَافُنَا.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ؛ كَمَا صَحَّ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا سِيَّمَا صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، فَصُومُوهُ وَصُومُوا التَّاسِعَ مَعَهُ مُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.29 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]