يوميات أسرة قرآنية في رمضان

[ابوالوليد المسلم]

يوميات أسرة قرآنية في رمضان



قرر الزوجان في هذا الشهر الفضيل أن يقرآ جزءاً مع بعضهما يومياً فضلا عن الاطلاع على معانيه

اعتاد أبو فراس ومنذ أن بنى عش الأسرة الصغير قبل ثلاثين عاماً برفقة شريكة حياته أم فراس، أن يبتكرنمطاً جديداً يبث روح القرآن في الأسرة مع حلول كل شهر فضيل من كل عام، كبرت عائلة أبو فراس، وأصبحت فيها الابن والابنة والحفيد والحفيدة والعديد من الأصهار، تغيرت الكثير من تفاصيلها الحياتية، لكن التفاصيل القرآنية ظلت تنير البيت وأهله وذكرياتهم وأيامهم.

عندما تزوجا، لم يكونا يحفظا سوى عدد من السور القرآنية الكريمة، كانا يتوقان ليكونا حفظة علهما يحظيان بالأجر العظيم لحافظ القرآن، تعاهدا أن يحفظا سوياً كل عام جزءاً واحداً بحسب الاستطاعة التي جبلا عليها، وها هما في هذا الشهر الكريم ينهيان حفظ كتاب الله -عز وجل- كاملاً، أرأيتم، قليل دائم خير من كثير منقطع.
أرهقها ثقل الحمل، دوار وآلام لا تفارقها في الظهر والساقين، فضلا عما يسببه الصوم من إرهاق، كان القرآن الكريم رفيقاً لها ولجنينها؛ حيث كانت تقرأ الآيات بصوت مسموع، وترددها آملة أن تكون بداية خير لهذا الجنين، تعقد من خلالها صداقته مع القرآن الكريم؛ حيث أثبتت العديد من الدراسات المختصة أن الطفل يتمكن من الاستماع لما يدور حوله وهو في بطن أمه.
في ثالث رمضان مر عليهما وهما زوجان، كان فراس بين أحضانهما، أجواء صائفة وطفل رضيع، لكنهما كانا يسعدان باصطحابه لصلاة التراويح كل ليلة، ينظر لحركات المصلين المعجمة بالنسبة إليه، ويصمت عندما يبدأ الإمام بقراءة القرآن، كانت هذه أجمل الليالي بالنسبة إليهما، بالرغم مما فيها من مصاعب اصطحاب طفل لم يبلغ العام الأول من عمره بعد، الا أن النتيجة كانت بعد ثلاثين عاماً بأن تذهب العائلة كلها بسعادة لمشاركة المسلمين في صلاة التراويح، أليس من شب على شيء شاب عليه؟
أحياناً يعاني المرء فتور الهمة، وإحساساً بالحاجة لتجديد العهد مع القرآن، بعد حضورهما لمحاضرة حث الداعي فيها للتمسك بالقرآن قرر الزوجان في هذا الشهر الفضيل أن يقرأا جزءاً مع بعضهما يومياً فضلا عن الاطلاع على معانيه من التفسير الميسر ليحيطا بما يجهلانه منها، كم منا لا يعرف معاني كثير من الكلمات التي ذكرت في القرآن؟
مرت خمس سنوات منذ أن بدأ الزوجان مشروعهما مرور البرق، أثمرت حفظهما لخمسة أجزاء، تحتاج منهما لتثبيت ومراجعة، وبما أن رمضان شهر القرآن لا شهر النوم والارتياح، عاهدا نفسيهما أن يلتحقا بدورة تثبيت في رمضان بمراكز جمعية المحافظة على القرآن الكريم بغية المراجعة والتثبيت؛ وذلك أيضا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان يعرض القرآن الكريم على جبريل عليه السلام في رمضان من كل عام.
بلغ فراس الرابعة من عمره، أراد الوالدان أن يكون مشروعهما الرمضاني لهذا العام هو إلحاق فراس بركبهما القرآني، فراس كان يحفظ العديد من السور القصيرة، في هذا العام صام صومة العصفورة ليعتاد على معاني الصيام، وحفظ آيات الصيام المذكورة في القرآن، وطيلة الشهر الكريم كان والداه يسألانه: متى أنزل القرآن؟ فيجيبهم في رمضان؛ متى وقعت معركة بدر؟ في رمضان؛ متى سيأتي العيد ويأخذ فراس مكافأة على صومه وحفظه؟ فيجيب: بعد رمضان! كانا سعيدين وفخورين جداً.
والحديث لفراس الآن: لدي مصحف أجزاء لا أتذكر تفاصيل اليوم الذي أهديانيه فيه أمي وأبي، لكني أتذكر بالرغم من صغري أن والدي قال لي؛ لا أريد أن تحتفظ بهذا المصحف في رفوف مكتبتك فقط، بل أريدك أن تسعى لحفظه في صدرك وجوارحك، في كل ليلة كانت الأسرة تذهب للتراويح، ويوقظنا أبي لنصلي القيام قبل السحور سوياً؛ ونقرأ جزءاً يوميا مع معانيه، حفظت القرآن وعمري 18 سنة، من ذات المصحف الذي كان في صغري هدية من والداي، ومازلت أحتفظ به حتى اليوم.
ورزق أبو فراس بأولاد وبنات؛ كانوا يطلبون منه في كل يوم أن يحكي لهم قصة قبل الغروب؛ فكان يحضر في كل يوم لهم قصة قرآنية، ويطلع على تفاصيلها، ويستنبط الصحيح من الروايات، ويقصها عليهم بأسلوب جميل جذاب مبسط الى أن تنتهي أم فراس من تحضير مائدة الإفطار.
مهمة تحفيظ عدد من الأطفال تبدو شاقة، لكن الباحث عن الهدف يذلل الخطوات له بكل وسيلة، بعد صلاة العصر من كل يوم يشغل أبو فراس القرآن الكريم بصوت ندي على السورة المقرر حفظها في رمضان فيسمعها أطفاله وهم يلعبون، بعد أيام يبدأ بمطالبتهم بحفظها فلا يجدون صعوبة بذلك؛ لأنهم استمعوا لها عشرات المرات قبل ذلك.
صلاة المغرب كانت في البيت، في كل يوم يؤم الأسرة أحد الأبناء، وعليه أن يؤمهم بآيات حفظها حديثاً، كان يسعد أبو فراس عندما يرى التوتر في عيون الإمام وهو يحضر الآيات قبل الإفطار لكي لا يخطئ فيها أثناء الإمامة، ويثني عليه بالخير عندما يحسن الأداء.
كبر أولاده البالغ عددهم 7 هم ثلاث أولاد وأربع بنات، تمكنوا جلهم من ختم أجزاء كثيرة من القرآن، شاب أبو فراس، لكن روحه لا تزال في شبابها وعزمها، في كل يوم وبعد الإفطار يخفي كيسا مليئاً بالشوكولاته الفاخرة، ويوزعها لمن يفوز في مسابقة : في أي سورة وردت هذه الآية؟.



اعداد: مؤمنة معالي