|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#401
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [227] الحلقة (258) شرح سنن أبي داود [227] يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وذلك لأنه تجتمع فيه أكثر أعمال الحج والتي هي: الرمي والنحر والحلق والطواف، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ومن لم يدرك الوقوف بعرفة فقد فاته الحج. يوم الحج الأكبر شرح حديث: (هذا يوم الحج الأكبر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: يوم الحج الأكبر. حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا هشام -يعني: ابن الغاز - حدثنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر) ]. قوله: [ باب يوم الحج الأكبر ]. أي: يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وهو يوم عيد الأضحى، وهو العاشر من شهر ذي الحجة، هذا هو يوم الحج الأكبر. ومن أهل العلم من يقول: إنه يوم عرفة، ولكن الأحاديث واضحة الدلالة على أن المراد به يوم النحر الذي هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة. وقيل له: الحج الأكبر؛ لأنه يجتمع فيه عدة أعمال من أعمال الحج التي هي الرمي والنحر والحلق والطواف والسعي لمن كان عليه سعي بعد طواف، فهذه الأعمال إنما تكون يوم النحر يوم الحج الأكبر. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر) ] هذا دليل على تعيين هذا اليوم، فقد سبق أن مر بنا الحديث الذي هو: (خير الأيام يوم الحج الأكبر ثم يوم القر) الذي هو اليوم الحادي عشر، فهذا فيه دلالة على أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر وأن هذا أرجح ما قيل في ذلك؛ بدلالة الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها كذلك المناداة التي حصلت في ذلك اليوم يوم الحج الأكبر بـ: (ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان). فالحاصل أن الأدلة دلت على أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر. تراجم رجال إسناد حديث: (هذا يوم الحج الأكبر) قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. هو مؤمل بن الفضل الحراني وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي. [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام يعني: ابن الغاز ]. هشام بن الغاز ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ حدثنا نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أبي هريرة: (بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن الحكم بن نافع حدثهم حدثنا شعيب عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج ]. قوله: (بعثني أبو بكر) هذا كان في السنة التاسعة عندما حج بالناس أبو بكر رضي الله عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فيمن يؤذن يوم النحر: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) ] كان أهل الجاهلية والكفار يحجون، فجاء النهي ألا يحج بعد ذلك العام الذي هو في السنة التاسعة التي جاءوا فيها مشرك وألا يطوف بالبيت عريان، كما كان يفعله بعض الناس في الجاهلية، فقد كانوا يطوفون بالبيت عراة، فهذا كذلك يمنع؛ حتى تأتي السنة التي بعدها ولا يحصل شيء من ذلك، وهي السنة التي حج فيها النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون عندما يأتي إلى الحج وقد طهرت مكة من الكفار الذين يأتون إلى الحج، وكذلك من الذين كانوا يتعرون وهم يطوفون، وهذه من أعمال الجاهلية فبعد هذا العام لا تُفْعَل، وتكون حجة النبي صلى الله عليه وسلم سليمة من أن يجد شيئاً من ذلك فيها. قوله: [ (ويوم الحج الأكبر يوم النحر) ] هذا فيه دلالة لما ترجم له المصنف من أن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر. قوله: [ (والحج الأكبر الحج) ]. قيل: إن هذا في مقابل العمرة؛ لأنها الحج الأصغر، وكون الحج الأكبر في ذلك اليوم فهذا يعني تمامه وكماله، وأن الإنسان في ذلك اليوم يأتي بالأمور المتعددة التي منها ما هو ركن ومنها ما هو واجب، الركن الذي هو الطواف والسعي بعده لمن كان عليه سعي، والأمور الأخرى التي هي الرمي والحلق فهذه من الأمور الواجبة، أما النحر فإنه واجب على المتمتعين والقارنين، وأما المفردون فإنه لا هدي عليهم، وعلى هذا فإن الأربعة الأعمال التي هي: الرمي والنحر والحلق والطواف ثلاثة منها لازمة على جميع الحجاج، وهي: الرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي لمن كان عليه سعي كالمتمتعين أو القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم. وأما النحر فليس على الحجاج جميعاً؛ لأن من الحجاج من لا نحر عليهم وهم المفردون، وأما القارنون والمتمتعون فإنه يجب عليهم الهدي وهي شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أن الحكم بن نافع ]. الحكم بن نافع هو أبو اليمان وهو مشهور بكنيته ويذكر بكنيته دون اسمه، وهنا ذكر باسمه بدون كنيته وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حميد بن عبد الرحمن ]. هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الأشهر الحرم شرح حديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأشهر الحرم. حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن محمد عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في حجته فقال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) ]. قوله: [ باب الأشهر الحرم]. الأشهر الحرم هي أربعة من أشهر السنة: ثلاثة متوالية وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد منفرد في أثناء السنة وهو رجب، أما الثلاثة فإنها متوالية واحد منها شهر الحج وواحد قبله وواحد بعده، وكان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيها ويستعظمونه، وكانوا إذا أرادوا أن يقاتلوا في شهر حرام أخروا حرمة ذلك الشهر إلى غيره، فمثلاً: يستحلون القتال في شهر محرم ويحرمون صفر مكانه، وهذا الفعل كانوا يسمونه النسيء، يقول عز وجل: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37] فكانوا يعظمون الأشهر الحرم، ولكنهم كان يحتالون فيها بتأخير حرمتها إلى غيرها، وقيل: إنه عند تغيرهم لها اختلطت عليهم الشهور، فصاروا لا يميزون بعضها من بعض؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) يعني: رجع ترتيب الشهور إلى ما كان عليه الترتيب الذي كان موجوداً قبل أن يحصل النسيء وكما كانت يوم خلق الله السماوات والأرض، وهذا الرجوع كان في السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم. والخطأ الذي كان موجوداً بسبب النسيء والاختلاط الذي حصل من أهل الجاهلية قد زال بإخبار النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) وهذا قد يحصل لبعض الناس فتختلط عليهم الأيام، ففي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه قصة عجيبة فيها اختلاط الأيام على الناس، وهو أن جماعة من أهل قرية التبست عليهم الأيام فصلوا الجمعة يوم الخميس يظنون أنها الجمعة، ولما جاء الغد كان هناك أناس يأتون عادة من الأطراف ليصلوا الجمعة، فلما جاءوا إليهم يوم الجمعة قال الذين صلوا الجمعة يوم الخميس: بل الجمعة أمس، وقال هؤلاء: بل الجمعة اليوم وليست أمس، فكتبوا للشيخ يستفتونه، فأفتاهم بأن يعيدوا الصلاة التي صلوها يوم الخميس جمعة وأن يعيدوها ظهراً. الحاصل: أن اختلاط الأيام واختلاط الشهور قد يحصل، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر) سمي رجب مضر لأن مضر كانوا يعظمونه. قوله: ((الذي بين جمادى وشعبان) بعد إضافته إلى مضر ذكر أيضاً أنه الشهر الذي يكون بين جمادى وشعبان، هذه هي الأشهر الحرم. وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن القتال الذي كان محرماً فيها قد نسخ، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يزال تعظيم القتال في أشهر الحرم محكماً غير منسوخ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام معلوم أنه غزا الطائف وحنيناً في أشهر الحرم؛ لأنه بعد الفتح وكان ذلك في شهر ذي القعدة وهو أول أشهر الحرم. أما علاقة الأشهر الحرم بأشهر الحج: فإن أشهر الحج تتداخل مع الأشهر الحرم في بعضها؛ لأن أشهر الحج سبعون يوماً شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، هذه أشهر الحج، وأما الأشهر الحرم فهي الثلاثة التي هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الفرد، فشهر ذي القعدة من الأشهر الحرم ومن أشهر الحج، والعشر الأول من ذي الحجة هي من أشهر الحرم ومن أشهر الحج، وأما شوال فهو من أشهر الحج وليس من أشهر الحرم، ومحرم وبقية شهر ذي الحجة هي من الأشهر الحرم وليست من أشهر الحج. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكرة ]. هو نفيع بن الحارث رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. طريق أخرى لحديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته...) وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فياض حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ]. أورد المصنف رحمه الله حديث أبي بكرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وأحال على الذي قبله وهو أنه متفق بالمعنى، وإن كان يختلف معه في الألفاظ. قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فياض ]. محمد بن يحيى بن فياض ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي . [ حدثنا عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين ]. قد مر ذكر الاثنين. [ عن ابن أبي بكرة ]. هو عبد الرحمن بن أبي بكرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة ]. أبو بكرة رضي الله عنه مر ذكره. [ قال أبو داود : وسماه ابن عون فقال: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة في هذا الحديث ]. يعني: أنه جاء تسميته في سند آخر وأنه عبد الرحمن ؛ لأنه كان في الحديث الأول مبهماً وهنا مسمى. [ وسماه ابن عون ]. هو عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. حكم من لم يدرك عرفة شرح حديث: (... الحج يوم عرفة من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من لم يدرك عرفة. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه، أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه, قال: ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك). قال أبو داود : وكذلك رواه مهران عن سفيان قال: (الحج الحج) مرتين، ورواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: (الحج) مرة ]. قوله: [ باب من لم يدرك عرفة ]. يعني: من لم يدرك الوقوف بعرفة فقد فاته الحج, والوقوف فيها يستمر إلى طلوع الفجر من ليلة العيد, فإذا طلع الفجر والإنسان لم يصل إلى عرفة فإنه قد فاته الحج هذا العام، ويتحول إلى عمرة, ويتحلل. والحج له زمان ومكان, له مكان هو عرفة, فلا بد من الوقوف فيها, وله زمان هو يوم عرفة, وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فمن لم يصل إلى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة العيد, فإنه قد فاته الحج؛ لأن له نهاية وله غاية. وأما الأركان الأخرى مثل: طواف الإفاضة، فإنه ليس له وقت محدد فلا يفوت بوقت من الأوقات، بل يمكن أن يفعل في أي وقت. ولو أن إنساناً نسي طواف الإفاضة ومضى عليه أشهر، فإنه يمكن أن يأتي به، وأما الوقوف بعرفة فإن له أمداً ينتهي عنده وهو طلوع الفجر. كذلك هناك مكان للوقوف بعرفة, فلا يجوز للإنسان أن يقف خلف عرفة, ولو وقف خارج عرفة لم يحصل منه وقوف, وكذلك الزمان وهو يوم عرفة وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فإذا طلع الفجر ولم يصل إلى عرفة -ولو جاء من أقصى الدنيا- فاته الحج. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: [ (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة) ]. يعني: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينادي حتى يسمع الناس ويرفع صوته: الحج الحج يوم عرفة. ومعنى ذلك: أن أهم أعمال الحج أو الشيء الذي له أمد ينتهي ولا يمكن أن يتدارك هو يوم عرفة، أما غيرها من الأمور الأخرى مثل الطواف والسعي فإنها تتدارك أو فاتت ولو نسيت، ولكن الوقوف لو ذهب زمانه فإنه لا مجال لتداركه. قوله: (الحج الحج يوم عرفة) فيه إشارة إلى أهميته وعظم شأنه؛ لأنه الركن الذي لا بد منه, حيث إنه الركن الذي يفوت الحج بفواته؛ لأن له أمداً محدداً وزمناً محدداً. قوله: (من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه). يعني: من جاء إلى عرفة قبل صلاة الصبح من ليلة مزدلفة فقد تم حجه، وذلك قبل طلوع الفجر, ويسقط عنه المبيت بمزدلفة، ومن جاء بعد ذلك فقد فاته الحج ويتحول إلى عمرة، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل. قوله: [ (أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) ]. يعني: أيام منى ثلاثة أيام وهي أيام التشريق, وليس منها يوم العيد؛ لأن يوم العيد ليس من أيام منى الثلاثة المعدودة، التي من تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. والأيام الثلاثة هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، هذه أيام منى التي قال الله تعالى عنها: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] يعني: الحادي عشر والثاني عشر، فإذا رمى الجمار بعد الزوال من اليوم الثاني، وأراد أن يتعجل فله أن يتعجل، ومن أراد أن يتأخر إلى اليوم الثالث عشر فله ذلك، والتأخر إلى اليوم الثالث عشر أكمل وأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله, وفيه زيادة مبيت ليلة وفيه رمي الجمار من الغد، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك, ولكن التعجل سائغ وجائز. فهذه هي أيام منى التي قال الله تعالى عنها: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] وليس يوم العيد من الثلاثة الأيام، ولذلك بعض الناس ينفرون يوم الحادي عشر, وهذا لا يجوز؛ لأن الأيام الأربعة هي: يوم النحر، ويوم القر، وهو يوم الحادي عشر، وسمي بيوم القر لأن الناس مستقرون في منى، لا يخرج أحد من منى، بل لا بد من المبيت ليلة الثاني عشر في منى، أما اليوم الثاني عشر فهو يوم النفر الأول، من أراد أن ينفر فيه بعد الزوال والرمي فله ذلك، أما اليوم الثالث عشر فهو يوم النفر الثاني. فقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203 ] المراد بذلك الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويوم العيد ليس معها. قوله: (ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك) ]. يعني: جعل ينادي بهذا الذي قاله صلى الله عليه وسلم: [ (من جاء إلى عرفة قبل صلاة الفجر ليلة جمع فتم حجه، وأيام منى ثلاثة) ]. تراجم رجال إسناد حديث: (..الحج يوم عرفة من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع ..) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني بكير بن عطاء ]. بكير بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي ]. عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب السنن. [ قال أبو داود : وكذلك رواه مهران عن سفيان قال: (الحج الحج) مرتين ]. هو مهران بن أبي عمر العطار، وهو صدوق له أوهام سيء الحفظ، أخرج له أبو داود في المراسيل وابن ماجه . قوله: [ ورواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: (الحج) مرة ]. يعني: يحيى بن سعيد القطان روى عن سفيان الثوري وقال: (الحج) يعني: مرة واحدة الحج عرفة. شرح حديث: (...من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا عامر أخبرني عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف -يعني: بجمع- قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ]. أورد أبو داود حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وكان قد جاء من طيء، وجاء متأخراً، ولكنه كان يقف في الأماكن كلها، يعني: ما ترك حبلاً من الحبال إلا وقف عليه، والحبل هو التل من الرمل وعرفة فيها شيء من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه). يعني: أن من أدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، ويبقى الشيء الذي لا يفوت، مثل الطواف والسعي والأعمال الأخرى. يقول بعض أهل العلم: إن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج، ويستدلون على ذلك بحديث عروة بن مضرس هذا، حيث قال فيه: (من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) لكن الحديث الذي سبق أن مر: (من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه) فهذا يدل على أن الركن هو عرفة، لكن أمر مزدلفة لا يستهان به؛ لأن بعض أهل العلم قال بركنيته، والركن لا يتم الحج إلا به، لكن القول الصحيح أنه ليس بركن وإنما هو واجب. قوله: (وقضى تفثه)، يعني: قضى الأشياء التي يطلب منه أن يأتي بها، كتقليم الأظفار وحلق الرأس، وما إلى ذلك من الأشياء التي يباح للإنسان أن يأتي بها بعدما يكون قد أدى ما هو مطلوب منه، ولكن كما هو معلوم إنما يكون ذلك بعد الرمي. تراجم رجال إسناد حديث: (...من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. هو إسماعيل بن أبي خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عروة بن مضرس ]. هو عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن."
__________________
|
#402
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [228] الحلقة (259) شرح سنن أبي داود [228] يجب على جميع الحجاج أن يبيتوا بمنى أيام التشريق، يومين للمتعجل وثلاثة أيام للمتأخر، ومن كان به عذر ولا يستطيع المبيت بمنى فله أن يبيت خارجها، ويلحق بأهل السقاية والرعاة، ويستحب للإمام أن يخطب بمنى خطبة يبين فيها أحكام الحج ويبين للحجاج ما يلزم بيانه لهم. النزول بمنى شرح حديث: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم…) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النزول بمنى. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى، ونزلهم منازلهم، فقال: لينزل المهاجرون هاهنا، وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا، وأشار إلى ميسرة القبلة، ثم لينزل الناس حولهم) ]. قوله: [ باب النزول بمنى ]. يعني: بعدما يأتي الحجاج من عرفة ومن مزدلفة ينزلون بمنى ويستقرون فيها، ويكون ذلك في يوم العيد وأيام التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن أراد أن يتأخر. وأبو داود رحمه الله أورد حديث رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس بمنى، ونزلهم منازلهم، وأمر بأن يكون المهاجرون عن ميمنة القبلة، والأنصار عن ميسرتها، وسائر الناس تبعاً لهم، وذلك في مسجد الخيف، وجاء في رواية: أن المهاجرين كانوا أمام القبلة وعلى ميمنتها، والأنصار على ميسرة القبلة وراء المسجد. ومعنى ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين للناس هذه المنازل، وأمر عليه الصلاة والسلام الناس أن ينزلوا بمنى وأن يبيتوا ليالي التشريق بمنى. والنزول بمعنى في النهار مطلوب، ولكن في النهار يمكن للإنسان أن يذهب ويأتي ولا يترتب على عدم بقائه في النهار شيء، وأما في الليل فإنه يجب المبيت؛ لأنه يترتب على عدم مبيته لزوم الفدية. أما عن الحكمة من هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم: فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكون المهاجرون على حدة، ويكون الأنصار على حدة، بحيث تعرف مساكن المهاجرين وتعرف مساكن الأنصار. تراجم رجال إسناد حديث: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم…) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الأعرج ]. حميد الأعرج ليس به بأس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم التيمي ]. محمد بن إبراهيم التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن معاذ ]. عبد الرحمن بن معاذ صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي . [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. المجهول في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثقة؛ لأن جهالة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لا تؤثر. اليوم الذي يخطب فيه بمنى شرح حديث: (رأينا رسول الله يخطب بين أوسط أيام التشريق...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أي يوم يخطب بمنى. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن المبارك عن إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى) ]. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، وخطبهم في أوسط أيام التشريق كما جاء هنا، وأوسط أيام التشريق هو اليوم الثاني عشر. قوله: [ عن رجلين من بني بكر قالا: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى) ]. هذان الرجلان من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، رأيا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهم عند راحلته قريبون منه، وكان ذلك في أوسط أيام التشريق. تراجم رجال إسناد حديث: (رأينا رسول الله يخطب بين أوسط أيام التشريق...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن نافع ]. إبراهيم بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو يسار المكي ، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن رجلين من بني بكر ]. يعني: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن حدثتني جدتي سراء بنت نبهان رضي الله عنها، وكانت ربة بيت في الجاهلية قالت: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال: أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس أوسط أيام التشريق؟). قال أبو داود : وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي : (إنه خطب أوسط أيام التشريق) ]. ذكر المصنف رحمه الله حديث سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت: [ (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال: أي يوم هذا ؟) ] سمي يوم الرءوس لأنهم كانوا يأكلون رءوس الأضاحي فيه. فالنبي صلى الله عليه وسلم خطبهم في أوسط أيام التشريق الذي هو يوم الرءوس. تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس...) قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب ببندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن ]. ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود . [ حدثتني جدتي سراء بنت نبهان ]. سراء بنت نبهان أخرج حديثها البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود . [ قال عم أبي حرة الرقاشي ]. أبو حرة مشهور بكنيته، واسمه حنيفة ، وقيل: اسمه حكيم ، وهو ثقة أخرج له أبو داود . وعمه اسمه حذيم بن حنيفة السعدي ، صحابي أخرج له النسائي وحده. وأبو حرة هذا هو ابن أخيه، ذكر في التقريب لكن في المبهمات. خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر شرح حديث: (رأيت النبي يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: خطب يوم النحر. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا عكرمة حدثني الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) ]. قوله: [ باب من قال: خطب يوم النحر ]. وأورد فيه حديث الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه قال: [ (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) ]. فيه إثبات الخطبة في يوم النحر. قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هشام بن عبد الملك ]. هو أبو الوليد الطيالسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو داود يروي عنه بواسطة وبغير واسطة، وهنا روى عنه بواسطة، لكن كثيراً ما يروي عنه أبو داود بدون واسطة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني الهرماس بن زياد الباهلي ]. الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . شرح حديث: (سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل -يعني ابن الفضل الحراني - حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا سليم بن عامر الكلاعي قال: سمعت أبا أمامة يقول: (سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) ]. أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه قال: [ (سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) ] وهذا يدل على أنه خطب يوم النحر صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا مؤمل يعني ابن الفضل الحراني حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر ]. هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليم بن عامر الكلاعي ]. سليم بن عامر الكلاعي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ سمعت أبا أمامة ]. هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. خطب الحج الخطب في الحج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي اليوم الثاني عشر أوسط أيام التشريق، لكن المعروف الآن والمشهور خطبة عرفة فقط؛ فهي التي فيها الصلاة بالناس والخطبة، لكن في هذا الزمان يوجد في مسجد الخيف كلمات كثيرة وخطب فيها توجيهات وبيان للمناسك وما إلى ذلك. وقت الخطبة في يوم النحر شرح حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أي وقت يخطب يوم النحر؟ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي حدثنا مروان عن هلال بن عامر المزني حدثني رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي رضي الله عنه يعبر عنه، والناس بين قاعد وقائم) ]. قوله: [ باب أي وقت يخطب يوم النحر ]. ذكر فيما مضى يوم النحر، كما في حديث أبي أمامة وغيره، وهنا أراد أن يبين وقت الخطبة من النهار، فأورد حديث رافع بن عمرو المزني قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حيث ارتفع الضحى على بغلة شهباء) ]. أي: في الساعة التي يصلي فيها الضحى، وكان على بغلة شهباء. قوله: [ (وعلي رضي الله عنه يعبر عنه) ]. أي: كان رضي الله عنه يبلغ كلام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يصل إلى الناس البعيدين؛ وذلك لكثرتهم. قوله: [ (والناس بين قاعد وقائم) ]. يعني: كان بعضهم قائمين وبعضهم قاعدين يستمعون الخطبة. تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى...) قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي ]. عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا مروان ]. هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن عامر المزني ]. هلال بن عامر المزني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي . [ حدثني رافع بن عمرو المزني ]. رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . ما يذكر الإمام في خطبته بمنى شرح حديث: (خطبنا رسول الله ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى. حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى، فَفُتِحَتْ أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار، فوضع أصبعيه السبابتين، ثم قال: بحصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك) ]. قوله: [ باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى ]. لما ذكر فيما مضى الأيام التي يخطب فيها أتى بهذه الترجمة لبيان المواضيع التي جاءت في الخطب. وقد أورد حديث عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه قال: [ (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا) ] يعني: أن الله تعالى فتح أسماعهم حتى بلغهم صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أماكن بعيدة، بل كان منهم من يكون في رحله، وهذه من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى يبلغ صوته للناس عن بعد، وهذا -كما هو معلوم- يحصل في بعض الخطب، وفي بعضها لا يحصل؛ لأن الحديث الذي مر سابقاً أن علياً رضي الله عنه كان يبلغ الناس، وهنا الصوت يصل إلى الناس جميعاً، حتى الذين في رحالهم ولم يأتوا ليصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ويحضروا خطبته وصل إليهم صوت النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فطفق يعلمهم مناسكهم) ] يعني: جعل يعلمهم المناسك وما هو مطلوب منهم. قوله: [ (حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال: بحصى الخذف) ] يعني: حتى بلغ في الخطبة إلى ذكر ما يتعلق بحصى الجمار، فأشار أنها مثل حصى الخذف، وأنها تكون حين يرمي بها بين الأصابع. وحصى الخذف: هو حجر صغير فوق الحمص ودون البندق، أي: مثل نواة التمر تقريباً. وليس معنى ذلك أن حصى الخذف ترمى بين السبابتين وإنما ترمى بيد واحدة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين حصى الخذف الذي يكون بالأصابع؛ لأن الحجر الكبير لا يرمى بالأصابع وإنما يرمى بها الحجارة الصغيرة، وهذا ليس بياناً لكيفية الرمي وإنما هو بيان لحصى الخذف. قوله: [ (ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك) ]. وهذا لا ينافي ما تقدم من كون هؤلاء كانوا عن ميمنة القبلة وهؤلاء عن مسيرتها، فإن معناه: أن المهاجرين في مقدمة القبلة مع الميمنة وأولئك في ميسرتها مع المؤخرة. تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا رسول الله ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي ]. هؤلاء مر ذكرهم. حكم المبيت بمكة ليالي منى شرح حديث ابن عمر: (أما رسول الله فبات بمنى وظل) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب يبيت بمكة ليالي منى. حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثني حريز -أو أبو حريز الشك من يحيى - أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل) ]. قوله: [ باب يبيت بمكة ليالي منى ]. يعني: ما حكم المبيت بمكة ليالي منى؟ والجواب عن هذا: أن من كان معذوراً كالذين يسقون الحجاج ومن كان في حكمهم كالرعاة فلهم أن يتركوا المبيت بمنى، وأما غيرهم فعليهم أن يبيتوا بمنى، والنبي صلى الله عليه وسلم بات بمنى، وأذن للرعاة والسقاة وغيرهم أن يبيتوا خارج منى، أما من ليس في حكمهم فليس له أن يبيت خارج منى. وعلى هذا فإن المبيت بمكة ليالي منى لا يسوغ إلا لمن كان معذوراً، ولمن رخص له مثل الترخيص للسقاة؛ لأن هؤلاء وأمثالهم هم الذين يمكن أن يبيتوا بمكة، وأما غيرهم من الحجاج فإن الأصل في المبيت أن يكون بمنى، ويجب أن يكون الحاج أغلب الليل في منى، كأن يكون في مكة في أول الليل ثم يأتي إلى منى ويكون فيها أكثر الليل، المهم أن يكون في منى أكثر الليل وأغلب الليل؛ لأن المبيت واجب، ولو كان غير واجب لما احتيج إلى أن يُستَأذن في تركه للسقاة والرعاة، فهذا الاستئذان يدل على أنه واجب. قوله: [ سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل). ] أخبر ابن عمر لما سئل أنهم كانوا يتبايعون ويجلسون في مكة من أجل المال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليلاً ومكث بها نهاراً، فكلمة (بات) تدل على الليل، وكلمة (ظل) تدل على النهار. فمعنى ذلك أن مكان مكثه في الليل والنهار عليه الصلاة والسلام إنما هو منى. لكن كما عرفنا أن النهار لو ذهب والإنسان ليس في منى فلا يترتب عليه شيء، وأما المبيت لو ذهب وليس هو في منى، فإنه يترتب عليه شيء، إلا من أذن له كالسقاة والرعاة، وكذلك من في حكمهم، مثل المسئولين عن الشئون الصحية وما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس فيها إليهم. والحديث في إسناده رجل مجهول، لكن كما عرفنا أن المبيت بمنى مطلوب، وأن الإنسان إذا تركه وهو غير معذور فإنه يكون عليه فدية، وأما من كان معذوراً بالأعذار التي جاء ذكرها في السنة فليس عليه شيء. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أما رسول الله فبات بمنى وظل) قوله: [ حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ]. أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا يحيى عن ابن جريج ]. يحيى مر ذكره، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حريز أو أبو حريز ]. حريز أو أبو حريز رجل مجهول، أخرج له أبو داود . [ الشك من يحيى ]. يعني: الذي قال: حريز أو أبو حريز هو يحيى شيخ شيخ أبي داود . [ يسأل ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره. شرح حديث: (استأذن العباس رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (استأذن العباس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له) ]. أورد المصنف رحمه الله حديث ابن عمر قال: [ (استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) ] وهذا يدل على أن بعض الحجاج يمكن أن يرخص لهم في ترك المبيت بمنى، كالذين هم بحاجة إلى خدمة الحجاج في أماكن أخرى؛ كرعاية الإبل، أو الشرط الذين يحتاج إليهم في الأعمال الأخرى، وكذلك أهل الطب الحجاج الذين يحتاج لهم في أماكن أخرى، فإنهم في حكم هؤلاء. والاستئذان في ترك المبيت بمنى يدل على وجوب المبيت لغير أصحاب الأعذار. تراجم رجال إسناد حديث: (استأذن العباس رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. مر ذكره.
__________________
|
#403
|
||||
|
||||
![]() الأسئلة حكم من ترك المبيت في ليالي منى السؤال: من ترك المبيت في منى في الثلاث الليالي فهل تجب عليه فدية واحدة أو ثلاث؟ الجواب: تجب عليه فدية واحدة، سواء ترك المبيت في الليالي الثلاث أو ليلة واحدة، وكذلك الجمرات من ترك واحدة فعليه فدية، ومن تركها كلها فعليه فدية. وجه الارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي السؤال: هل هناك ارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي؟ وهل الزائر يمكث أياماً معلومة؟ الجواب: ليس هناك ارتباط، فيمكن أن يسافر الإنسان من بلده للحج ويرجع إلى بلده دون أن يأتي إلى المدينة، ويمكن أن يأتي الإنسان من بلده للمدينة وزيارة هذا المسجد ويرجع دون أن يحج، فلا ارتباط بين هذا وهذا، بل يمكن أن ينشئ لهذا سفراً مستقلاً ولهذا سفراً مستقلاً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). أما بالنسبة للزائر فليس هناك أيام معلومة يمكث فيها في المدينة، بل الأمر في ذلك واسع، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فكلما زاد فهو خير، ولكنه ليس مقيداً بأيام ولا بصلوات معلومة، والحديث الذي ورد أنه (يصلي أربعين صلاة) أي: ثمانية أيام، غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أن الصلاة فيه بألف صلاة، أي: أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، وإذا كان الإنسان سيذهب من المدينة إلى مكة، فسينتقل من مكان الصلاة فيه بألف إلى مكان الصلاة فيه بمائة ألف صلاة. متى يسعى المفرد والقارن السؤال: الحاج المفرد إذا عاد من عرفة في يوم النحر، هل يطوف طواف الإفاضة ويسعى أم يطوف فقط؟ الجواب: إذا كان قد سعى مع القدوم فإنه لا يسعى مع الإفاضة، وإن كان لم يدخل مكة إلا بعد الحج فلا بد بعد الطواف من السعي؛ لأن المفرد عليه سعي واحد، وعليه طواف واحد وهو طواف الإفاضة، وكذلك القارن إذا دخل مكة قبل الحج وطاف طواف القدوم فله أن يسعى مع القدوم. إذاً: القارنون والمفردون إذا سعوا مع القدوم فلا يسعون مع الإفاضة، أما إذا لم يكونوا دخلوا مكة إلا بعد الحج فيتعين عليهم أن يسعوا بعد طواف الإفاضة. حكم تأخير طواف الإفاضة والسعي مع طواف الوداع السؤال: هل يصح أن يؤخر المرء طواف الإفاضة مع طواف الوداع وكذلك السعي؟ الجواب: لا بأس، له ذلك، لكن ينوي الإفاضة ويسافر بعده؛ لأن المقصود بالوداع أن يكون آخر عهده بالبيت. أما السعي فإن كان متمتعاً فعليه سعي بعد طواف الإفاضة، وإن كان قارناً أو مفرداً فإن كان سعى مع القدوم فليس عليه سعي، وإن كان لم يدخل مكة إلا بعد الحج أو أنه طاف القدوم ولم يسع للإفاضة، فإنه يسعى بعد الحج، فإذا طاف وسعى وغادر بعد ذلك فإنه يكون آخر عهده بالبيت؛ لأن السعي تابع للطواف. حكم من نوى الإفراد ثم تحول بعد الإحرام إلى التمتع السؤال: شخص نوى أن يحج مفرداً عند الميقات، وبعد قدومه مكة نصحه أحد أقرانه أن يحول حجه إلى حجة تمتع، فسعى وطاف وتحلل، ثم عندما جاء يوم التروية أحرم بالحج من مقامه بمكة، فهل فعله هذا صحيح؟ الجواب: نعم، هذا هو العمل الصحيح، إذا دخل الإنسان في القران أو الإفراد ولم يسق هدياً فإن الأولى في حقه أن يتحول إلى عمرة ويكون متمتعاً، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وفي اليوم الثامن يحرم بالحج من منزله بمكة، أو من منى إن كان نازلاً بمنى، وعليه هدي تمتع. حكم لبس الساعة والحزام والخاتم والنظارات للمحرم السؤال: ما حكم لبس الساعة والحزام للمحرم؟ الجواب: لا بأس بهما، الساعة والخاتم والحزام والنظارات، كل هذه لا بأس بها. خطأ القول بأن الإفراد في الحج خاص بأهل مكة السؤال: ما مدى صحة القول بأن الإفراد خاص بأهل مكة؟ الجواب: هذا ليس بصحيح, بل أهل مكة لهم أن يتمتعوا ولهم أن يقرنوا، ولهم أن يفردوا، وليس الإفراد خاصاً بأهل مكة, بل الإفراد والقران والتمتع كلها لهم ولغيرهم. حكم الإحرام بالحج من جدة لمن جاء إليها للعمل السؤال: رجل جاء من بلده للعمل في جدة, وسيسمح له في وقت الحج بأداء فريضة الحج, فهل يلزمه الإحرام من الميقات, أم يجوز له الإحرام من جدة؟ الجواب: إذا جاء في أشهر الحج وهو عالم بأنه سيمكن من الحج, فمعنى هذا أنه لا يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم. بمعنى: أنه إذا قدم من بلده إلى جدة وهو يعلم أنه سيمكن من الحج، فإنه يحرم بعمرة من الميقات ويدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ويرجع إلى جدة ويعمل بها, فإذا جاء وقت الحج يحرم بالحج ويكون متمتعاً, وإن كان لا يدري هل سيسمح له أو لا, وهو لا يريد عمرة في هذا السفر، فله أن يذهب إلى جدة, وبعد ذلك إن سمح له بالحج أحرم في وقت الحج، وإن لم يسمح له فإنه يبقى دون أن يحرم. سبب طواف بعض أهل الجاهلية عراة السؤال: لماذا يطوف أهل الجاهلية وهم عراة؟ الجواب: هكذا شأن بعض أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك, ولا أدري ما وجه ذلك, لكنه ثابت كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعلن هذا الإعلان: (ألا يحج بعد العام مشرك, ولا يطوف بالبيت عريان). مقدار الوقوف المجزئ بعرفة السؤال: ما مقدار الوقوف المجزئ بعرفة؟ الجواب: أقل شيء ولو لحظة في عرفة فإنه يجزئ. حكم الاستراحة في الطواف للمريض ومن يرافقه السؤال: أنا شخص لا أقدر على الطواف بسبب المرض, فهل يجوز لي أن أطوف وأجلس قليلاً ثم بعد ذلك أكمل؟ وهل يجوز أن تجلس معي زوجتي التي ترافقني في الطواف؟ الجواب: يجوز للإنسان إذا تعب في الطواف أن يجلس ويستريح, وله أن يركب، وله أن يطوف محمولاً, له هذا وله هذا, وزوجته التي معه لا بأس أن تبقى معه. حكم من نام أثناء الوقوف بعرفة السؤال: إذا نام الحاج وقت الوقوف بعرفة، فهل عليه شيء؟ الجواب: الإنسان في عرفة يحرص على أن يكون متنبهاً وأن يكون يقظاً، وأن يحذر من أن يضيع ذلك الوقت عليه في نوم أو في غفلة أو سهو, ولهذا شرع للحجاج أن يكونوا في عرفة مفطرين لا أن يكونوا صائمين؛ وذلك ليكون أنشط لهم, وأبعد عن الكسل، ومعلوم أن كون الإنسان ينام أربعاً وعشرين ساعة في يوم عرفة وليلة عرفة وليلة مزدلفة، فهذا يعتبر ما وجد منه الحج, لكن كونه يكون مستيقظاً ولو لحظة واحدة في وقت الوقوف فإنه يعتبر قد وقف. حكم تمتع من أتى بعمرة في أشهر الحج ثم خرج من الحرم السؤال: إذا أتى رجل بعمرة في أشهر الحج فهل يكون متمتعاً؟ الجواب: إذا جاء الإنسان من بلده وأتى بعمرة في أشهر الحج، ومكث في مكة أو مكث في أماكن أخرى ولم يرجع إلى بلده فإنه يكون متمتعاً, أما إذا رجع إلى بلده فقد انقطع تمتعه, وإذا أراد أن يتمتع فعليه أن يأتي بعمرة أخرى عندما يسافر من بلده إلى الحج. إذاً: الإنسان إذا رجع إلى بلده الذي هو قاطن فيه ومستقر فيه فإنه ينقطع التمتع، أما لو جاء من بلده إلى مكة ثم ذهب إلى الرياض أو ذهب إلى الطائف أو ذهب إلى المدينة، فلا يعتبر خروجه من الحرم قاطعاً لتمتعه بل هو متمتع؛ لأنه جاء إلى الحج وسفره واحد، ولكنه إذا أراد أن يمر بالميقات فعليه أن يدخل محرماً ولا يجوز أن يدخل بدون إحرام، فإن أحرم بالحج فهو على تمتعه، وإن أحرم بعمرة فيطوف ويسعى ويتحلل ثم يحرم بالحج يوم الثامن، وهذا أفضل، فيكون معه عمرتان وحج، وليس عليه إلا هدي واحد الذي هو هدي التمتع. حكم المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة السؤال: إذا حاضت في الحج وهي لم تطف طواف الإفاضة، ويصعب عليها الانتظار حتى تطهر، فهل لها أن تطوف وهي حائض؟ الجواب: ليس لها أن تطوف وهي حائض بل عليها أن تنتظر، وإذا كان يصعب عليها الانتظار ومن السهل أن تسافر ثم ترجع، فإنها تسافر وترجع وهي باقية على إحرامها، لكن لا يجامعها زوجها إذا كان لها زوج، وإذا طهرت فترجع وتأتي بطواف الإفاضة، والسعي إذا كان عليها سعي. حكم حديث (من حج فلم يزرني فقد جفاني) وعلاقة الزيارة بالحج السؤال: (من حج فلم يزرني فقد جفاني) هل هذا صحيح؟ الجواب: لم يصح شيء من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن الحج لا علاقة له بالزيارة؛ لأنه يمكن للإنسان أن يحج ولا يزور ويمكن للإنسان أن يزور المدينة ولا يحج؛ لأن كلاً من البلدين يمكن أن ينشئ المرء لها سفراً، فيمكن أن يسافر للحج ويرجع إلى بلده، ويمكن أن يسافر من بلده للمدينة ويرجع إلى بلده، ويمكن أن يجمع بين الحج والزيارة في سفرة واحدة، لكن حديث: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) وغيره من الأحاديث التي تتعلق بالزيارة لقبره صلى الله عليه وسلم، خاصة التي فيها أن من زاره فله كذا وأن من لم يزره فعليه كذا، كل هذه لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي إما باطلة وموضوعة وإما ضعيفة جداً، كما بين ذلك أهل العلم. حكم تكرار السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة من الزائر السؤال: هل يستحب لمن زار المسجد النبوي أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة؟ الجواب: ليس لمن زار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكرر السلام بعد كل صلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام)، فالإنسان إذا صلى وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الملائكة تبلغه، كما ثبت في هذين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتكرار الزيارة يدخل تحت مخالفة هذا الحديث حيث قال: (لا تتخذوا قبري عيداً)، والعيد هو ما يتكرر، ومعنى ذلك أنهم يكررون الزيارة، ولهذا قال بعدها: (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) فليس معناه: أن الفائدة لا تحصل إلا إذا كنتم عند القبر، بل تحصل من أي مكان كنتم فيه. حكم من جامع زوجته ليلة مزدلفة السؤال: رجل جامع زوجته ليلة مزدلفة فما حكم حجه؟ الجواب: يفسد حجه ويكمله فاسداً، ويلزمه أن يحج من السنة القادمة ويذبح بدنة. حكم رمي الزوج عن زوجته الحامل السؤال: رجل معه زوجته وهي حامل، فهل يمكن أن يرمي عنها؟ الجواب: نعم، يمكن أن يرمي عنها إذا كانت حاملاً، خاصة إذا كان ذهابها إلى الجمرة فيه مشقة عليها. حكم المرور بمزدلفة وعدم المبيت بها السؤال: بعض البعثات الحكومية لا يقفون بمزدلفة بل يمرون عليها مروراً فهل هذا سائغ؟ الجواب: ليس هذا بسائغ بل، الواجب هو المبيت بمزدلفة أكثر الليل، هذا الواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص للضعفة في آخر الليل، وهو صلى الله عليه وسلم بقي حتى صلى الفجر في أول الوقت، ومكث يدعو حتى أسفر جداً، فدل هذا على أن المبيت واجب. بيان أفضل الأنساك السؤال: أي النسك أفضل؟ الجواب: التمتع أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين كانوا قارنين ومفردين أن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة، وأن يكونوا ممتعين، وتمناه بقوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي)وقوله: (لولا أن معي الهدي لأحللت ولجعلتها عمرة)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يرشد إلى الانتقال من مفضول إلى فاضل، ولا يرشد إلى الانتقال من فاضل إلى مفضول؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الناس للناس. حكم الحج والعمرة عن الأبوين المتوفيين وكيفيتهما السؤال: ما حكم الحج والعمرة عن الأبوين المتوفيين؟ وإذا كانت عمرة فمتى تكون قبل الحج أو بعده؟ الجواب: الميت يحج عنه ويعتمر، بل العمرة المشروعة هي عمرة التمتع، يحرم الإنسان بعمرة من الميقات ثم يدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج، فهذا هو المتمتع، وهذه هي العمرة المشروعة والمستحبة، والإنسان يحج لنفسه ولغيره بهذه الطريقة، ولكنه لا يجمع لأبويه حجة واحدة، وإنما يحج عن أبيه مرة وعن أمه مرة، أما أن يجعل الحج لهما جميعاً، أو العمرة لهما جميعاً فلا يصح ذلك، لكن يمكن أن يعتمر عن شخص ويحج عن شخص إذا كان متمتعاً. الحكمة من تقبيل الحجر الأسود السؤال: ما الهدف من تقبيل الحجر الأسود؟ الجواب: اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال حين وقف أمام الحجر: (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). إذاً: المعول عليه والمعتمد عليه في ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، سواء عرفت الحكمة أو لم تعرف؛ لأنه لا يلزم من الاتباع أن الإنسان لا يفعل الشيء المشروع إلا إذا عرف الحكمة، وإنما يقدم الإنسان على ما أمر به عرف الحكمة أو لم يعرفها. حكم من حجت ورجعت إلى أهلها دون أن تعتمر السؤال: أتت امرأة مع زوجها إلى الحج فحجت معه، ثم توفي فرجعت إلى أهلها دون أن تعتمر فما الحكم؟ الجواب: إن كانت أحرمت بالحج فقط ولم تعتمر، فإن عمرة الإسلام باقية عليها، وإذا كان قد سبق أن اعتمرت في حياتها، وأدت عمرة الإسلام، فليس عليها شيء. حكم طواف القدوم السؤال: هل طواف القدوم واجب؟ الجواب: ليس بواجب وإنما هو مستحب، ولهذا يمكن للإنسان لو جاء متأخراً أن يأتي إلى عرفة رأساً ولا يدخل مكة إلا بعد الحج. أيام رمي الجمرات السؤال: ما حكم من وقف بعرفة ثم ذهب إلى مزدلفة، لكنه لم يرم الجمرات إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة؟ الجواب: الجمرة لا ترمى إلا في يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، واليوم الثامن يذهب الناس إلى منى ويبيتون بها ليلة التاسع، وفي صباح اليوم التاسع بعد طلوع الشمس يذهب الناس إلى عرفة، وإذا غربت الشمس جاءوا إلى مزدلفة، وإذا صلوا الفجر ودعوا بعد صلاة الفجر حتى يسفر جداً فإنهم يأتون إلى منى ويرمون الجمرة، فيكون أول الرمي يوم العيد، فعندما يصل الإنسان إلى منى فأول شيء يعمله هو رمي الجمرة، وفي اليوم الحادي عشر يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، وفي اليوم الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، وإن تأخر إلى اليوم الثالث عشر فإنه يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال. أما اليوم الثامن فليس فيه رمي، ويوم عرفة ليس فيه رمي، إنما يبدأ الرمي من يوم العيد، وبجمرة واحدة وهي جمرة العقبة. حكم صلاة المغرب والعشاء يوم عرفة بعرفة السؤال: ما حكم من صلى المغرب والعشاء بعرفة بعد غروب الشمس من يوم عرفة، فقيل له: خالفت السنة، فقال: إذا لم أصل المغرب والعشاء بعرفة فلن أستطيع أن أصليهما إلا بعد منتصف الليل؛ لأن السيارات لا تقف ولا يسمحون بالوقوف وهذا معلوم ومجرب؟ الجواب: هذا ليس بصحيح؛ لأن كل الحجاج يذهبون بعد الغروب ويصلون بمزدلفة المغرب والعشاء، وفيهم الذي يَصِلُ في وقت العشاء، والإنسان لو صلى بعرفة صحت صلاته ولا يقال: إن صلاته باطلة، ولكنه خالف السنة؛ لأن السنة أن تصلى المغرب والعشاء بمزدلفة وليس بعرفة، وكثير من الحجاج يصلون بمزدلفة، وفيهم من يصلي في وقت المغرب؛ لأنه وصل مبكراً، ومنهم من يصلي في وقت العشاء؛ لأنه جاء متأخراً، ولكن إذا انتصف الليل وهو في الطريق فله أن يصلي في الطريق؛ لأن الصلاة لا تؤخر عن وقتها، أما أن يقول من أول الوقت: أنا لا أستطيع، فما يدريك أنك لن تصل قبل نصف الليل؟ فيمكن أن تصل بعد ساعة أو أقل أو أكثر. حكم توكيل البنوك والمؤسسات لذبح الهدي وتوزيعه السؤال: هل يجوز توكيل المؤسسات والبنوك لذبح الهدي وتوزيعه؟ الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يقوم بذلك بنفسه، أو يوكل البنك الإسلامي للتنمية الذي رخص له من جهة الدولة أن يقوم بهذه المهمة، وهو يقوم بها ويوزع اللحوم في مكة وفي غير مكة، وترسل إلى كثير من البلاد في خارج المملكة المحتاجة إلى ذلك، أما كونه يوكل مطوفين أو يوكل مؤسسات أو ما إلى ذلك فلا ينبغي له ذلك؛ لأنه قد لا تكون هذه الجهات مأمونة، ولأنها غير مرخص لها في هذه المهمة، لكن كونه يوكل واحداً من الناس يثق به ويأمنه بأن يذهب هذا الوكيل إلى المجزرة ويشتري ذبيحة ويذبحها فلا بأس. إذاً: كونه يوكل الناس قد يأخذون الأموال ولا يصرفونها ولا يؤدون الأمانة، فإما أن يقوم بذلك بنفسه أو يوكل شخصاً يثق به، أو يوكل البنك الإسلامي للتنمية الذي رخص له من جهة الدولة، والذي يقوم بهذه المهمة، ويوزع اللحوم في داخل المملكة وخارجها. الحكمة من رمي الجمار السؤال: ما الحكمة من رمي الجمار، لأننا نسمع من بعض الناس أنها لرجم الشيطان؟ الجواب: لا يصلح أن يقول المسلم: إنه يرمي الشيطان، وإن الجمار هي الشياطين، وبعضهم عندما يرمي الجمرة يتكلم بكلام ساقط ويسب الشيطان ويتكلم عليه ويخاطبه، وقد يرمي بحصى كبار أو بنعال، فكل هذا من الجهل، ولكن على الإنسان أن يتبع السنة،وسواء عرف الحكمة أو لم يعرفها، وكذلك عند تقبيل الحجر الأسود يتبع المسلم السنة سواء عرف الحكمة أو لم يعرفها. حكم من حج متمتعاً وصام ثلاثة أيام في الحج ولم يصم السبعة الأيام من مدة طويلة السؤال: حضرت قبل سبعة عشر عاماً لأداء فريضة الحج، وحججت متمتعاً وصمت ثلاثة أيام بمكة، ولكن عند رجوعي إلى بلدي لم أصم السبعة الباقية، والآن حضرت وأنا مقيم بالمملكة وأنوي أن أحج هذا العام فهل هذا ممكن؟ وما حكم تلك الحجة؟ الجواب: الواجب عليه أن يصوم السبعة الباقية؛ لأنها في ذمته، فعليه أن يتدارك ويصوم السبعة الأيام؛ لتكمل العشرة التي قال الله عز وجل عنها: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [ البقرة:196 ]، فهي دين في ذمته، والواجب عليه المبادرة إلى الإتيان بها. حكم السعي مع الطواف في يوم العيد السؤال: هل هناك سعي مع الطواف في يوم العيد؟ الجواب: يوم العيد فيه طواف الإفاضة، والمتمتعون عليهم سعي؛ لأن كل متمتع عليه طواف وسعي للعمرة، ثم طواف وسعي للحج؛ لأن طواف العمرة وسعيها مستقل، وطواف الحج وسعيه مستقل، فمن كان متمتعاً فعليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة، ومن كان قارناً أو مفرداً، فإن كان قد سعى مع طواف القدوم فليس عليه سعي بعد الإفاضة، وإن كان لم يدخل مكة إلا بعد الحج، أو طاف للقدوم ولم يسع، فعليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة؛ لأن القارن والمفرد عليهما سعي واحد، وله محلان: بعد القدوم، وبعد الإفاضة، فإن فعله في المحل الأول فلا يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول تعين فعله في المحل الثاني. حكم الذكر والدعاء الجماعي مع الإمام بعد الصلاة السؤال: ما حكم الذكر والدعاء الجماعي مع الإمام بعد الصلاة؟ الجواب: هذا من الأمور المحدثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يذكر الله وهم يرددون وراءه، وإنما كان يذكر الله عز وجل وحده، وهم يذكرون الله ويرفعون أصواتهم كل لوحده، فلم يكن كل واحد منهم مرتبطاً بالآخر، فيمكن أن يقول أحدهم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، والآخر يقول: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، فكل يذكر الله على حدة ويرفع صوته رفعاً خفيفاً، وأما الذكر بأن يستمع الناس للإمام ويرددون وراءه، فهذا من الأمور المحدثة. التحلل الأول والتحلل الثاني السؤال: للحج تحللان، هل هما بالحلق؟ الجواب: هناك تحلل أول وتحلل ثان. التحلل الأول: يكون بالحلق أو التقصير والرمي أو الطواف، أي: طواف الإفاضة، فإذا فعل اثنين من ثلاثة وجد التحلل الأول، وإذا أكمل الثلاثة وجد التحلل الثاني، والتحلل الأول يحل له كل شيء إلا النساء، والتحلل الثاني يحل له كل شيء حتى النساء، فإذا رمى وحلق أو قصر ثم طاف وسعى إن كان عليه سعي، فإنه يحل له كل شيء حتى النساء. مكان إحرام المتمتع للعمرة عن والدته السؤال: نويت الحج متمتعاً وأريد أن أقوم بعمرة عن والدتي، فمن أين أحرم بالعمرة؟ الجواب: إذا جئت من المدينة بعد الحج وأردت أن تذهب إلى مكة فأحرم بعمرة من المدينة واجعل ذلك لوالدتك، هذه هي العمرة المشروعة التي يؤتى بها من المواقيت من خارج الحرم. حكم قراءة القرآن عند القبور السؤال: هل قراءة القرآن الكريم عند القبور جائزة؟ الجواب: ليست بجائزة، فلا يجوز أن يقرأ القرآن في المقابر، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون للبيوت نصيب من الصلاة، وألا تكون مثل المقابر. أما المقابر إذا زارها المسلم فإنه يسلم على أهلها ويدعو لهم، أما أن يجلس ويقرأ القرآن فهذا ليس من السنة. حكم تنفيذ وصية الأهل بقراءة الفاتحة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: أوصاني أهلي أن أقرأ الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم عليه بدلاً عنهم، فهل يلزمني طاعتهم؟ الجواب: لا تفعل، وإذا قالوا لك هذا الكلام مرة أخرى فقل لهم: صلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الصلاة والسلام عليه من مكانكم، فإن الملائكة تبلغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) والقرآن لا يقرأ ويُهدي لأحد، لا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره. حكم تأبط الزوج ذراع زوجته أثناء الإحرام السؤال: ما حكم تأبط الزوج ذراع زوجته أثناء الإحرام؟ الجواب: كونه يمسك بيدها من أجل أن يحافظ عليها حتى لا تنفلت منه، لا بأس بذلك، وأما إذا كان هناك شيء يتعلق بالشهوة ويتعلق بالميل إلى النساء فهذا لا يجوز. والله تعالى أعلم."
__________________
|
#404
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [229] الحلقة (260) شرح سنن أبي داود [229] من أحكام منى: قصر الصلاة فيها، ورمي الجمار، والمبيت فيها ليال التشريق، وقد جاءت السنة النبوية مبينة لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة عندما حجوا. صفة الصلاة بمنى شرح حديث إتمام عثمان رضي الله عنه الصلاة بمنى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة بمنى. حدثنا مسدد أن أبا معاوية و حفص بن غياث حدثاه -وحديث أبي معاوية أتم- عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (صلى عثمان رضي الله عنه بمنى أربعاً، فقال عبد الله رضي الله عنه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر رضي الله عنه ركعتين، ومع عمر ركعتين، زاد عن حفص : ومع عثمان صدراً من إمارته ثم أتمها، زاد من هاهنا عن أبي معاوية : ثم تفرقت بكم الطرق، فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، قال الأعمش : فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر) ]. قوله: [ باب الصلاة بمنى ]. الصلاة بمنى سواء كانت قبل يوم عرفة أو بعد يوم عرفة، فإنه يشرع للحاج أن يقصر الرباعية ولا يجمع؛ بل يصلي كل صلاة في وقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى يوم التروية الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثاً في وقتها كما هي، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها ركعتين كما هي، ثم انطلق إلى عرفة ثم إلى مزدلفة، ثم رجع إلى منى فكان يصلي بها في يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة كل صلاة في وقتها مقصورة وبدون جمع، وهذا هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان في صدر من خلافته، ولكنه بعد ذلك أتم رضي الله عنه، والناس يصلون وراءه، ومعلوم أن هذا العمل الذي عمله عثمان يدل على أن الإتمام في حق المسافر جائز، والأولى هو القصر، لكن الإتمام سائغ وجائز. وقد ذكر العلماء عدة أوجه لفعل عثمان رضي الله عنه، منها: أنه رأى أن الأعراب كثروا، وأن الناس إذا جاءوا إلى الموسم والجهل فيهم كثير، فقد يظنون أن هذه كيفية الصلاة، وأن الصلاة ركعتان وليست أربعاً، فأراد أن يعلمهم. وقيل غير ذلك، ولكن الذي يمكن أن يقال: هو أن القصر هو الأفضل والأولى، والإتمام سائغ وجائز، وعثمان رضي الله عنه فعل ما هو سائغ وجائز، وسيأتي ذكر هذه الأوجه التي قيلت في وجه إتمام عثمان رضي الله عنه وأرضاه. وابن مسعود رضي الله عنه أنكر هذا؛ وذلك لأن القصر هو السنة وهو الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في أسفاره فإنه كان يقصر عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما ذكر له أنه أنكر على عثمان وقد صلى وراءه، قال: (الخلاف شر) يعني: أنه لا يترك الصلاة وراء الإمام من أجل أنه فعل فعلاً يرى عبد الله بن مسعود أن غيره أولى منه. فهو رضي الله عنه لم يتخلف عن الصلاة وراءه؛ لأن عثمان رضي الله عنه فعل أمراً سائغاً وليس أمراً محرماً، ولكن الشيء الذي كان يريده عبد الله رضي الله عنه هو أن تصلى الظهر والعصر والعشاء ركعتين ولا تصلى أربعاً. إذاً: هذا يدل على أن الإتمام جائز، وأن القصر هو الأولى والأفضل، وكونه يترك ما هو الأولى والأفضل ويصلي وراء الإمام الذي عمل باجتهاد منه، هذا فيه ترك للخلاف، وفيه عدم اختلاف الناس، واتفاقهم مع إمامهم وصلاتهم وراء إمامهم، وقد بين عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الخلاف شر، يعني: كون الناس يختلفون فهذا يصلي كذا، وهذا يصلي كذا، ويخالفون الإمام، والإمام فعل أمراً سائغاً جائزاً، فهذا ليس بجيد، وفيه شيء من الضرر، واجتماع القلوب واتفاقها ومتابعة الإمام في أمر هو سائغ وجائز وغير محرم أمر مطلوب، وهذا نظير ما حصل من أبي سعيد الخدري مع مروان بن الحكم لما قدم الخطبة يوم العيد قبل الصلاة، فإنه أنكر عليه، ولكنه لما صعد جلس ولم يترك المكان، وقال: (إن هذا خلاف السنة)، فدل على أن هذا العمل الذي عمله مروان ليس فيه اختلال شرط، وإنما ترك الأولى والأفضل، وصلاة العيد وجدت والخطبة وجدت ولكن السنة هي تقديم الصلاة على الخطبة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جلس من أجل ترك الخلاف، وأن مثل ذلك أمر يمكن أن يتابع فيه الإمام، وألا تترك الصلاة وراءه من أجل هذه المخالفة. قوله: [ (فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين) ] يعني: لو أن لي من الأربع الركعات التي فعلتها -وهي خلاف الأولى- ركعتين متقبلتين. قوله: [ (قال الأعمش : فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر) ]. وهذا -كما أشرنا إليه- أنه تابع عثمان لأنه رأى أن الخلاف شر. أقسام الخلاف مسائل الخلاف منها ما هو اختلاف تنوع، ومنها ما هو اختلاف تضاد، واختلاف التضاد الذي يكون مبنياً على الاجتهاد يتابع فيه كل واحد الآخر ولو كان يرى خلافه، فمثلاً: هناك أمور اختلف فيها العلماء تتعلق بنقض الوضوء مثل الوضوء من لحم الإبل، فبعض العلماء يرى أن من أكل لحم إبل فإنه ينتقض وضوءه وعليه أن يتوضأ، وبعضهم يرى خلاف ذلك، ولكن لم يترك واحد منهم الصلاة خلف الآخر لأنه يرى خلاف رأيه. والمجتهدون يصلي بعضهم وراء بعض، ولم يقل أحدهم: أنا لا أصلي وراء فلان؛ لأنني أرى كذا وهو يرى كذا؛ لأن هذا من الخلاف الذي هو شر، ومعلوم أن العلماء يختلفون وكل يرى رأيه في المسألة، لكن لا يبتعد أحدهم عن الآخر؛ فمثل ذلك من الأمور الاجتهادية التي يتبع الناس فيها بعضهم بعضاً، وأما إذا كان الكل جائزاً ولكن أحد الوجهين أولى وأفضل كما هو موجود في مسألتنا، وهي أن الإتمام سائغ وجائز، بحيث لو صلى الإنسان متماً صحت صلاته ولكنه خالف الأولى، فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى أن السنة هي ركعتان، وأن الإنسان لا يتم في السفر، وعثمان رضي الله عنه لما أتم لم يخالفه عبد الله رضي الله عنه ولم يتخلف عن الصلاة وراءه، وعلل ذلك بأن الخلاف شر. إذاً: هذا من قبيل ما هو سائغ؛ لأنه ترك أمراً مفضولاً غيره أولى منه، لكن متابعة للإمام صلى خلفه متماً. تراجم رجال إسناد حديث إتمام عثمان رضي الله عنه الصلاة بمنى قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أن أبا معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حفص بن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحديث أبي معاوية أتم عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن يزيد ]. هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال الأعمش فحدثني معاوية بن قرة ]. معاوية بن قرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أشياخه عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. شرح أثر الزهري في سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري : أن عثمان رضي الله عنه إنما صلى بمنى أربعاً لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج ]. أورد المصنف رحمه الله أثراً عن الزهري أن عثمان إنما أتم لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج، وهذا التعليل غير واضح من جهة أن عثمان رضي الله عنه كان مقره في المدينة، والمهاجرون لا يبقون في مكة أكثر من ثلاثة أيام، بل يعودون إلى دار هجرتهم، فقوله: أجمع على الإقامة بمكة هذا غير مستقيم. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح أثر إبراهيم النخعي في سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن المغيرة عن إبراهيم قال: إن عثمان صلى أربعاً لأنه اتخذها وطناً ]. وهذا شبيه بالذي قبله، وهو لم يتخذها وطناً، ولم يبق بها، وإنما رجع إلى المدينة. قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة ]. هو المغيرة بن مقسم الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي وقد مر ذكره. يقول الحافظ في ترجمة المغيرة : ثقة متقن يدلس لا سيما عن إبراهيم ، وهنا يقول: عن إبراهيم ، فيكون الإسناد إلى إبراهيم فيه انقطاع، أو احتمال انقطاع. شرح أثر الزهري في سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال: لما اتخذ عثمان رضي الله عنه الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعاً، قال: ثم أخذ به الأئمة بعده ]. وهذا أيضاً غير مستقيم؛ لأنه كما هو معلوم أن الخليفة إنما يقيم بالمدينة، وأن المهاجر لابد أن يرجع بعد هجرته إلى المدينة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري قد مر ذكره. شرح أثر الزهري في ذكر سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن الزهري : أن عثمان بن عفان أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعاً ليعلمهم أن الصلاة أربع ]. وهذا أيضاً فيه أن الزهري علل أن عثمان رضي الله عنه إنما أتم ليعلم الأعراب الصلاة وأنها أربع، وأنهم لو رأوا الناس يصلون ثنتين لظنوا أن الصلاة الرباعية ركعتان، وأنها ليست أربعاً، وهذا هو أحسن ما قيل في التعليل؛ لأنه لا يتعلق بإقامة، ولا يتعلق بشيء فيه خلاف الواقع، ولكن كون التعليل به صحيحاً هذا لا يعرف إلا عن طريق تنصيص منه، ولكن الذي يظهر -كما أشرت- أن عثمان رضي الله عنه فعل أمراً سائغاً وأمراً جائزاً، ألا وهو الإتمام. وكذلك ما يذكره بعض العلماء: أنه تزوج زوجة من أهل مكة، فهذا أيضاً غير مستقيم؛ لأن الرسول كان معه أزواجه لما حج حجة الوداع وكان يقصر. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري قد مر ذكره. والشيخ الألباني رحمه الله لما ذكر هذه الآثار ضعفها كلها إلا هذا؛ وقال: إنه حسن. وهي كلها كما هو معلوم تنتهي إلى الزهري أو إلى إبراهيم ، وأسانيدها صحيحة إلا التدليس الذي من المغيرة عن إبراهيم . وهذه الآثار كلها إنما تتحدث عن تعليل فعل عثمان ، وكونه فعل ذلك من أجل الأعراب أقرب من التعليلات الأخرى، لكن كان بإمكانه أن يعلم الأعراب عن طريق الكلام وعن طريق التنبيه، وأن السنة القصر للمسافر، وأنهم في الحضر يتمون، فقد كان يمكن أن يبين ذلك من غير عمل. حكم القصر لأهل مكة شرح حديث: (صليت مع رسول الله بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القصر لأهل مكة. حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق حدثني حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه، وكانت أمه تحت عمر رضي الله عنه، فولدت له عبيد الله بن عمر ، قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع)، قال أبو داود : حارثة من خزاعة، ودارهم بمكة ]. قوله: [ باب القصر لأهل مكة ]. يعني: أهل مكة في حجهم هل يقصرون أو لا يقصرون، بعض أهل العلم قال: إنهم يقصرون؟ فلأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى معه الحجاج، ولم يقل لأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، إنما قال ذلك بمكة عام الفتح، حيث أهل مكة بمكة، وأما هذا فكان في الحج، فبعض أهل العلم يرى أن أهل مكة إذا حجوا يقصرون ويصلون مع الناس في صلاتهم، وأنه لا يلزمهم الإتمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج معه الخلق الكثير، ولم يقل لأهل مكة: أتموا، وبعض أهل العلم قال: إن ذهاب أهل مكة للحج ليس بسفر، فعليهم أن يتموا ولا يقصروا، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم على ما بيناه. وقد أورد أبو داود حديث حارثة بن وهب الخزاعي أنه قال: [ (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع) ] يعني: أنهم بلغوا من الكثرة ما بلغوا، وأنه صلى بهم ركعتين، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أتموا، ومن أهل العلم من قال: إن هذا الحديث لا يدل على أن أهل مكة يتمون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر؛ لأنه مسافر، وهو الذي صلى بالناس، لكن أهل مكة يمكن أنهم كانوا يصلون بغير قصر، وبعضهم يقول: إنه لو كان أهل مكة لا يقصرون وأن عليهم أن يتموا لبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن تأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة، وهذا مثلما مر في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين) ولم يقل: ليقطعهما، فهنا لم يبين القطع، وقد سبق أن بينه فيما مضى، قالوا: إن الفعل الآخر يكون ناسخاً للفعل الأول، وهنا لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن عليهم أن يتموا. إذاً: لهم أن يصلوا كما يصلي الناس، وذلك ليس لأجل السفر، وإنما هو لأجل النسك، وإلا فإن أهل مكة إذا ذهبوا إلى منى أو ذهبوا إلى عرفة في غير وقت الحج فإنهم يتمون؛ لأن القصر هنا للنسك، وليس ذلك سفراً؛ لأن المسافة قريبة جداً. تراجم رجال إسناد حديث: (صليت مع رسول الله بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حارثة بن وهب الخزاعي ]. حارثة بن وهب الخزاعي صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وكانت أمه تحت عمر فولدت له عبيد الله بن عمر ]. هذا زيادة تعريف به، وأن عبيد الله بن عمر أخوه لأمه. [ قال أبو داود : حارثة من خزاعة ودارهم بمكة ]. يعني: أنه من أهل مكة، ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتموا يا أهل مكة. ما جاء في رمي الجمار شرح حديث: (رأيت رسول الله يرمي الجمرة من بطن الوادي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في رمي الجمار. حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف). ]. قوله: [ باب في رمي الجمار ]، رمي الجمار يكون في يوم العيد والثلاثة الأيام التي بعده، فيوم العيد يرمي الحاج فيه جمرة واحدة وهي جمرة العقبة، وهي أقربهن إلى مكة، بل جمرة العقبة نهاية منى من جهة مكة، فما كان من بعد جمرة العقبة إلى مكة كل هذا ليس من منى، فجمرة العقبة هي نهايتها من جهة مكة، والرمي يوم النحر مقصور على هذه الجمرة، ووقت رميها من بعد طلوع الشمس إلى غروبها، والذين رخص لهم أن ينصرفوا آخر الليل لهم أن يرموا قبل الفجر، كما مر بنا بعض الأحاديث عن أم سلمة وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما. وأما في أيام التشريق الثلاثة فالرمي يكون بعد الزوال، في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين ويتحرى الزوال، فإذا زالت الشمس رمى قبل أن يصلي، ثم يصلي الظهر صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الرمي في الأيام الثلاثة إنما يكون بعد الزوال، ومن لم يستطع أن يرمي قبل غروب الشمس بسبب شدة الزحام وكثرة الناس فله أن يؤخر الرمي إلى الليل، ولكن الرمي لا يقدم عن وقته، أي: قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام الثلاثة كلها: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر كان موجوداً بمنى، وكان ينتظر زوال الشمس، فإذا زالت رمى الجمرات الثلاث، وبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، وهي الجمرة التي رماها يوم العيد وحدها، في الأيام الثلاثة آخر الجمرات. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم جندب الصحابية رضي الله عنها أنها قالت: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة) ]. يعني: أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد وهو راكب. ثم قالت: [ (ورجل خلفه يستره) ] وقد مر في الحديث: (أنه كان يظلل بثوب حين رمى جمرة العقبة صلى الله عليه وسلم). ثم قالت: [ (وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً) ]، يعني: لا يقتل بعضكم بعضاً بسبب الزحام، أو بسبب الحصى التي يرمى بها، خاصة إذا كانت كبيرة فتكون سبباً في قتلهم، وحتى لو كانت الحصى صغيرة فعلى الحاج ألا يرمي بها من مكان بعيد فتقع على رءوس الناس ولا تقع في المرمى، وإنما ينبغي أن يرمي بحصى صغيرة مثل حصى الخذف، ولا بد أن تكون في المرمى، وأما لو رمى من مكان بعيد فقد تقع على رءوس الناس، فيكون بذلك لم يرم الجمرة، وفي نفس الوقت ألحق الضرر بغيره، ولهذا فعلى المسلم أن يحرص أن يصل حصى الرمي إلى الحوض، أو يكون قريباً من الحوض، فيقع في المرمى، وينبغي ألا تكون الحصى كبيرة، بل بمقدار حصى الخذف، فوق الحمص ودون البندق، مثل نوى التمر تقريباً. ثم قالت: [ (فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس) ]. وسبق أن مر بنا أنه أسامة بن زيد أو بلال بن رباح رضي الله تعالى عنهم أجمعين. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يرمي الجمرة من بطن الوادي قوله: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي ]. إبراهيم بن مهدي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن مسهر ]. علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص ]. سليمان بن عمرو بن الأحوص مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أمه ]. أمه هي أم جندب وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و ابن ماجة . هذا الحديث في إسناده مقبولان وضعيف، ولكنه صحيح من جهة أنه قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي، أي: جعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ولو لم يأت إلا من هذا الطريق لما صح الحديث، لكن الحديث جاء من طرق أخرى صحيحة، فيكون صحيحاً. شرح حديث أم جندب في رمي جمرة العقبة من طريق ثانية وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد و وهب بن بيان قالا: حدثنا عبيدة عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند جمرة العقبة راكباً، ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى ورمى الناس) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم جندب من طريق أخرى، وأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم راكباً عند جمرة العقبة، وفي يده حجر، أي: حصى الجمار التي هي فوق الحمص ودون البندق، فكان يرمي والناس يرمون معه صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ]. أبو ثور إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ و وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبيدة ]. هو عبيدة بن حميد، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه ]. قد مر ذكرهم. شرح حديث أم جندب في رمي جمرة العقبة من طريق ثالثة وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس حدثنا يزيد بن أبي زياد بإسناده في مثل هذا الحديث زاد: (ولم يقم عندها). ]. قوله: [ (ولم يقم عندها) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف عند الأولى والثانية ولا يقف عند الثالثة التي هي جمرة العقبة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء مر ذكره. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد بإسناده ]. وقد مر ذكره. شرح حديث ابن عمر أنه كان يأتي الجمار أيام التشريق ماشياً ذاهباً وراجعاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا عبد الله -يعني ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً وراجعاً، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً وراجعاً ويخبر أن النبي صلى الله عليه كان يفعل ذلك) ]، وهذا يحمل على غير يوم العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يوم العيد وهو على راحلته من مزدلفة، واستمر حتى وصل إلى الجمرة ورمى، وأما في الأيام الأخرى فكان يذهب ماشياً عليه الصلاة والسلام ويرجع ماشياً؛ لأن المنازل كانت عند مسجد الخيف، ومسجد الخيف قريب من الجمرات. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر أنه كان يأتي الجمار أيام التشريق ماشياً ذاهباً وراجعاً قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله يعني ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر العمري المصغر وهو ضعيف، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولكن معناه ثابت في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب ماشياً في غير أيام العيد. شرح حديث: (رأيت رسول الله يرمي على راحلته يوم النحر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، يقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه حيث يقول: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر) ]، يعني: يوم العيد؛ لأنه جاء من مزدلفة إلى الجمرة رأساً ورماها وهو راكب. قوله: [ (لتأخذوا عني مناسككم) ] هذا من الكلمات الجامعة والألفاظ العامة، وهو من جنس قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي). قوله: [ (فلعلي لا أحج بعد حجتي هذه) ]، ولهذا سميت حجته حجة الوداع؛ لأنه ودع فيها الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
__________________
|
#405
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يرمي على راحلته يوم النحر...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (رأيت رسول الله يرمي على راحلته يوم النحر من طريق ثانية وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) ]. هذه طريق أخرى لحديث جابر رضي الله عنه وفيه: (أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يرمي يوم النحر على راحلته ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) ]، أي: بعد أيام النحر في الأيام الثلاثة، التي هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر فإنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يرمي بعد زوال الشمس. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله ]. قد مر ذكر هذا الإسناد. شرح حديث ابن عمر: (كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت الشمس رمينا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان عن مسعر عن وبرة قال: (سألت ابن عمر رضي الله عنهما: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم، فأعدت عليه المسألة فقال: كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت الشمس رمينا) ]. أورد أبو داود حديث وبرة بن عبد الرحمن أنه سأل ابن عمر قال: [ (متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم) ]. يعني: إنما يكون الرمي بعد الزوال، والمقصود بذلك الإمام الذي يقتدى به، والذي يكون على علم بالسنة وهو يطبق السنة، وأما إذا وجد من يخالف السنة ومن يرمي قبل الزوال فإنه لا يرمى معه، وإنما يرمى بعد الزوال؛ لأن الرمي قبل الزوال لا يجوز ولا يصح، فمن رمى قبل الزوال يجب عليه أن يعيده بعد الزوال، وإن لم يعده فإنه لم يرم، وهو كالذي يصلي الظهر قبل الزوال لا تصح صلاته، فكذلك الذي يرمي قبل الزوال لا يصح رميه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في منى ثلاثة أيام متوالية وفي كلها ينتظر الشمس حتى تزول ثم يرمي، حتى في اليوم الثالث عشر انتظر حتى زالت الشمس ثم رمى، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم في يوم واحد من الأيام الثلاثة، حتى يبين أنه جائز، لكن كونه يتحرى الزوال في أيام ثلاثة متوالية فإنه يدل على أن الرمي قبل الزوال لا يجوز، وأن من رمى قبله فعليه أن يعيد، وإن لم يعد فإنه لم يرم وعليه فدية، وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم إن استطاع، وإلا صام عشرة أيام مكانها. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت الشمس رمينا قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ]. هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. هو مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وبرة ]. هو وبرة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ قال: سألت ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. شرح حديث: (ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن بحر و عبد الله بن سعيد المعنى قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية، ويطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها). ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت:[ (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه -يعني: يوم النحر- حين صلى الظهر) ] وهذا غير محفوظ وغير ثابت؛ لأن المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفاض ضحى، وإنما هل صلى بمكة الظهر أو صلى بمنى بعد رجوعه؟ هذا الذي فيه الخلاف، وأما كونه لم يذهب إلى مكة إلا بعد الظهر فهذا منكر وغير ثابت، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة أنه صلى الله عليه وسلم أفاض ضحى بعدما رمى وحلق وتحلل وطيبته عائشة رضي الله عنها. قولها: [ (ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق) ]. أي: ليالي وأيام التشريق كان يبيت ويقيم بها. قولهها: [ (يرمي الجمرة إذا زالت الشمس) ]. أي: في الأيام التي بعد يوم العيد كان يرمي الجمرة فيها إذا زالت الشمس، وهذا جاء في أحاديث كثيرة أنه كان يرمي بعد الزوال في الأيام الثلاثة. قولها: [ (كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة) ]. أي: أن كل جمرة ترمى بسبع حصيات، وأنه يكبر مع كل حصاة. قولها: [ (ويقف عند الأولى والثانية فيطيل ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها) ]. أي: أنه عندما يرمي الأولى يقف ويدعو ويتضرع، وعندما يرمي الثانية كذلك، وأما الثالثة فإنه لا يقف عندها. إذاً: الوقوف ورفع اليدين والسؤال والدعاء إنما يكون بعد الأولى والثانية، وأما الثالثة فلا يقف بعدها، وكان بعض العلماء يعلل ذلك لضيق المكان، ولكن العمل هو اتباع السنة حتى وإن اتسع المكان وصارت جمرة العقبة مثل غيرها من ناحية سعة المكان، فإنه لا يفعل ذلك عند جمرة العقبة؛ لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، فيقتصر على ما وردت به السنة، وهو الدعاء عند الأولى والثانية. تراجم رجال إسناد حديث: (ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة ...) قوله: [ حدثنا علي بن بحر ]. علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و أبو داود و الترمذي . [ و عبد الله بن سعيد ]. عبد الله بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو خالد الأحمر ]. هو سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو القاسم بن محمد وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها، أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم المعنى قالا: حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه: [ (أنه لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات)]. فهذا مثلما جاء في حديث أم جندب الذي سبق أن مر من طريق ضعيفة، وفيه أنه رماها من بطن الوادي، والرامي من بطن الوادي يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه. قوله: [ (هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) ] خص سورة البقرة لأن كثيراً من أعمال الحج ومسائله جاءت فيها. تراجم رجال إسناد حديث: (لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ...) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود ]. قد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث: (أن رسول الله رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك (ح) وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ]. أورد أبو داود حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ]. يعني: رخص لهم أن يذهبوا مع إبلهم، ولكنهم إذا جاءوا يرمون عن اليوم الحاضر ويوم آخر معه، سواء قبله أو بعده، وهذا يدل على أن رمي الجمار واجب؛ لأنه لو كان غير واجب لما احتاج إلى الترخيص فيه لرعاء الإبل. إذاً: يجب على كل حاج أن يرمي الجمار، ورميها ليس من الأمور المستحبة التي لو تركها الإنسان لا يكون عليه شيء، بل هو من الأمور الواجبة التي من تركها عمداً أثم، ويكون عليه فدية وهي شاة يذبحها بمكة ويوزعها على فقراء الحرم. قوله: [ (يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ثم من بعد الغد بيومين) ] قوله: [ (من بعد الغد بيومين) ] يتفق مع قوله: [ (يرمون يوم النفر) ] وهو يوم النفر الثاني؛ لأن النفر الثاني بعد الغد بيومين؛ لأن يوم الغد الذي هو يوم الحادي عشر الذي هو يوم القر بعده يومان، أحدهما يوم النفر الأول والثاني يوم النفر الثاني، فقوله: [ (ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ] ليس بمستقيم، إلا إذا كان المراد باليومين بعد العيد، ولكنه قال: (وبعد الغد بيومين)، وقد جاء في بعض الأحاديث أنهم يرمون يوماً ويتركون يوماً، فمعنى هذا: أنهم يرمون يوم العيد، ثم يتركون يوم الحادي عشر، ثم يرمون يوم الثاني عشر وهو يوم النفر الأول، وإن تعجلوا تعجلوا، وإن أرادوا أن يتأخروا رموا في اليوم الثالث العشر الذي هو يوم النفر الثاني. وبعض أهل العلم يقول: إن لهم أن يقدموا وأن يؤخروا. أي: لهم أن يقدموا الرمي في اليوم الحادي عشر ثم يرمون عن اليوم الثاني عشر، وبعضهم يقول: يرمي في اليوم الأخير عن اليوم الذي رخص له أن يتخلف من أجله، وسيأتي في حديث أنهم يرمون يوماً ويتركون يوماً، ومعنى هذا: أنهم يرمون يوم العيد، ثم يوم الثاني عشر، ويتركون الرمي يوم النفر الثاني لمن أراد أن يتأخر. قوله: [ (رخص لرعاء الإبل في البيتوتة) ]. يعني: أنهم يتركون المبيت، والرمي يمكن أن يجمع بعضه إلى بعض، وكذلك يدخل في الرخصة مثل الشرطة والقائمين على الخدمات الطبية وغيرها في البيتوتة وجمع الرمي إذا كان الأمر يتطلب بقاءهم، مثل الرعاة تماماً. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك ]. القعنبي مر ذكره، و مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ]. عبد الله بن أبي بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي البداح بن عاصم ]. أبو البداح بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو عاصم بن عدي وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن. شرح حديث الترخيص في الرمي لرعاء الإبل من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عبد الله و محمد ابني أبي بكر عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً) ]. أورد أبو داود حديث عاصم بن عدي من طريق أخرى، وفيه: [ (أنه رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً) ] يعني: أنهم يقضون ذلك الذي تركوه ولا يتركونه نهائياً، ولكنهم يجمعونه مع اليوم الذي جاءوا فيه. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان ]. مسدد وقد مر ذكره، و سفيان هو ابن عيينة مر ذكره. [ عن عبد الله و محمد ابني أبي بكر ]. عبد الله و محمد ابنا أبي بكر كل منهما ثقة، أخرج لهما أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه ]. هؤلاء مر ذكرهم، وأبو البداح بن عاصم بن عدي في الحديث الأول نسبه إلى أبيه، وفي الثاني نسبه إلى جده. شرح حديث ابن عباس: ( ... ما أدري أرماها رسول الله بست أو بسبع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا مجلز يقول: (سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن شيء من أمر رمي الجمار، قال: ما أدري أرماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بست أو بسبع) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أنه سئل عن شيء من أمر الجمار، فقال: ما أدري أرماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع) ] شك هل رماها بست أو سبع، ولكن جاء اليقين عن بعض الصحابة ومنهم جابر و ابن عمر وغيرهما أنه رماها بسبع، فجزم الجازم مقدم على شك الشاك. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: ( ... ما أدري أرماها رسول الله بست أو بسبع) قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ]. عبد الرحمن بن المبارك ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا خالد بن الحارث ]. خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبا مجلز ]. هو لاحق بن حميد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سألت ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الحجاج عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء)، قال أبو داود : هذا حديث ضعيف، p=1001306>الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه. ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) ] يعني: قد تحلل التحلل الأول الذي يحل معه كل شيء إلا النساء، والحديث كما قال أبو داود : ضعيف؛ لأنه من طريق الحجاج بن أرطأة وروايته عن الزهري منقطعة، ولكن الحديث جاء من طرق أخرى وله شواهد، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض رواياته: (إذا رميتم وحلقتم)، ولكن الرواية التي فيها ذكر الحلق ضعيفة، وبعض أهل العلم يرى أنه إذا حصل رمي جمرة العقبة فإنه يحصل التحلل كما جاء في هذا الحديث، وبعضهم يرى أنه لا يتحلل إلا إذا فعل اثنين من ثلاثة، وهي: الرمي والحلق والطواف والسعي لمن كان عليه سعي مع الطواف، فإذا فعل اثنين من ثلاثة فإنه يحصل بذلك التحلل الأول، وإذا فعل الثالث حصل التحلل الأخير، الذي يحل معه كل شيء حتى النساء، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرمي والحلق؛ حيث قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) والنبي صلى الله عليه وسلم رمى ونحر وحلق، ثم إنه ذهب للطواف صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإن التحلل يكون برمي جمرة العقبة كما جاء في هذا الحديث، والأولى للإنسان أنه بعد أن يرمي الجمرة أن يحلق أو يطوف؛ لأنه قد جاء عن عائشة -كما أسلفت- أنها كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت بعد الرمي والحلق، لكن لهذا الحديث فإن من تحلل بعد الرمي فإن عمله صحيح، وإن كان لم يحلق، ولكن الأولى أن يكون مع الحلق كما جاء عن عائشة رضي الله عنها. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحجاج ]. هو الحجاج بن أرطأة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن ]. الزهري مر ذكره، وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ثقة كثيرة الرواية عن عائشة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. قد مر ذكرها. الأسئلة حكم رمي الجمار حال الركوب السؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمي وهو راكب أم كان ينزل ثم يرمي؟ الجواب: كان صلى الله عليه وسلم يرمي وهو راكب وسبق أن مر بنا الحديث في هذا، وأنه يجوز أن ترمى الجمار عن ركوب ومن غير ركوب. حكم إعادة الرمي إذا سقطت الحصاة خارج المرمى السؤال: لو سقطت حصاة واحدة خارج المرمى، فهل عليه أن يعيد الرمي؟ الجواب: عليه أن يعيد، لكن يأخذ حصاة واحدة فقط ليست من محل الرمي فيرمي بها، وإذا كانت الحصاة قد رمي بها فلا يرمي بها؛ لأن بعض أهل العلم يقول: ولا يرمى بشيء قد رمي به، لكن إذا كانت الحصى ليست عند الحوض، وإنما هي في مكان متأخر عن الحوض، وغالباً أن الحصى الذي لم يرم به رمياً شرعياً ولا أجزأ عن صاحبه هو الذي يقع على رءوس الناس، فإذا أخذ من ذلك ورمى به فلا بأس. حكم من رمى الجمرة بست حصيات وسافر إلى أهله السؤال: ما حكم من رجع إلى أهله وبقيت عليه حصاة واحدة؟ الجواب: يقول بعض العلماء: إذا بقيت حصاة واحدة لم تقع في المرمى فلا بأس؛ لأنه جاء أثر عن السلف أنهم رموا بست، وأنهم قالوا: لا بأس، لكن إذا سقطت الحصاة ولم تقع في المرمى، فإنه يأخذ من الإخوة عند المرمى، أو يأخذ من الأماكن البعيدة عن المرمى، بحيث تكون الحصى لم يحصل الرمي بها رمياً شرعياً. حكم تحية المسجد بعد صلاة العصر السؤال: ما حكم تأدية تحية المسجد بعد صلاة العصر؟ الجواب: إذا دخل الإنسان المسجد بعد صلاة العصر فهل يصلي تحية المسجد أو لا؟ هناك خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إنه يصلي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، ومنهم من قال: إنه لا يصلي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس)، والذي يبدو أن الأمر في ذلك واسع، وأن من دخل وصلى فلا ينكر عليه، ومن دخل وجلس فلا ينكر عليه. حكم لبس الخاتم والساعة والحزام للمحرم السؤال: ما حكم لبس المحرم للخاتم والساعة والحزام؟ الجواب: كون المحرم يلبس خاتماً، أو يلبس ساعة، أو يستعمل النظارة، أو يستعمل حزاماً، كل ذلك لا بأس به. حكم ملامسة الرجل للمرأة أثناء الطواف بسبب الزحام السؤال: بالنسبة للاختلاط الذي يقع في الطواف، فبسبب الازدحام قد يلامس الرجال النساء، فهل في ذلك شيء؟ الجواب: على الإنسان أن يبتعد عن ملامسة المرأة، والمرأة عليها أن تبتعد عن ملامسة الرجل، وإن حصل شيء من غير اختيار الإنسان فلا يؤثر عليه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله ما استطاع. حكم تأخر الحاج بعرفات حتى الساعة الثانية ليلاً لعدم وجود الحافلات السؤال: شخص لم يخرج من عرفات إلا بعد الساعة الثانية ليلاً، لعدم وجود الحافلات، مع العلم أن الحجاج مقيدون بهذه الحافلات، ولا يعرفون التحرك في المشاعر، وإذا فعلوا ذلك قد يتيهون، فما حكم ذلك؟ الجواب: الواجب على المسئولين عن الحافلات أن يوفروا السيارات التي تكفي للناس، حتى لا يبقى الناس في عرفات إلى آخر الليل، وإنما يذهبون بهم في أول الليل، وتأخرهم إلى الساعة الثانية من الليل أو الساعة الثالثة غلط لا يصلح، بل عليهم أن يطالبوا من يكون سبباً في ذلك ومن يحصل منه ذلك ألا يفعل ذلك، وأن يرفعوا أمره إلى الجهات المسئولة، حتى يزيدوا في السيارات، ويزيدوا في الحافلات. حكم رمي جمرة العقبة قبل الفجر لمن دفع مع النساء بعد منتصف الليل من مزدلفة السؤال: هل يجوز لمن دفع مع النساء ليلة النحر بعد منتصف الليل من مزدلفة أن يرمي جمرة العقبة فوراً عند وصوله إلى منى قبل صلاة الفجر؟ الجواب: إذا كان مع النساء فله أن يرمي، وإن أخر ذلك إلى بعد طلوع الشمس فهو الأولى، وإن رمى فرميه صحيح. حكم هدي التمتع على أهل مكة السؤال: إذا حج أهل مكة متمتعين فهل عليهم هدي؟ الجواب: ليس عليهم هدي؛ لأن الله تعالى قال: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]. حكم حلق اللحية وشرب الدخان السؤال: هل حلق اللحية وشرب الدخان من الفسوق، خاصة أننا نرى بعض الحجاج في يوم عرفة يدخن؟ الجواب: حلق اللحية لا شك أنه من المعاصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى وأمر بتوفيرها، ونهى عن تشبه الرجال بالنساء، وكل ذلك موجود في حلق اللحى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، وكان لا يأخذ من لحيته، وكذلك أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعفون لحاهم، وقد اجتمع في إعفاء اللحى أوجه ثبوت السنة الثلاثة التي هي: القول والفعل والتقرير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بإعفاء اللحى وهذا قول، وكان معفياً للحيته وهذا فعل، وكان يرى أصحابه وهم ذوو لحى موفرة ويقرهم على ذلك، وهذه أوجه ثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: القول والفعل والتقرير، وكلها مجتمعة في مسألة اللحية وإعفائها، فلا يجوز حلقها، وحلقها لا شك أن فيه إثماً، وهو معصية لله عز وجل. أما شرب الدخان فهو من الأمور المحرمة، وهو محرم من وجوه متعددة: محرم من جهة أن فيه إضاعة للمال، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه يقول: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وكذلك أيضاً من جهة أن فيه إتلافاً للنفس وجلباً للأمراض، والله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]. وأيضاً من جهة أن فيه إيذاء للناس بالرائحة الكريهة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) مع أن هذه الأشياء من الطيبات؛ ولكن للرائحة الخبيثة قال ما قال فيها، فكيف بالدخان الذي يؤذي صاحبه به الناس ويؤذي به الملائكة، ثم أيضاً الدخان ليس من الطيبات وإنما هو من الخبائث، والله تعالى بعث نبيه ليحل الطيبات ويحرم الخبائث، فكل هذه الأمور تدل على أنه محرم، وأن الإنسان لا يجوز له أن يتعاطاه، وأن تعاطيه فيه أضرار كثيرة كما أشرت إلى جملة منها، ويمكن للإنسان أن يتصور مدى سوء عمل صاحب الدخان وأن عمله عمل سيئ لو أن إنساناً معه نقود يمزقها ويرميها في الهواء، ماذا سيقول الناس لمن رأوه يفعل ذلك؟ سيقولون: إنه سفيه، ومع ذلك فهو أحسن حالاً ممن يصرف النقود في شرب الدخان؛ لأن ذاك ضيع نقوده وصحته باقية لم يأت بما يضرها، وأما هذا فأضاع نقوده في إتلاف نفسه، وإهلاكها، وأضاع نقوده في إيذاء الناس. فهذا يدل على فظاعة هذا العمل المنكر، وأن الإنسان الذي ابتلي به عليه أن يتوب إلى الله عز وجل منه، وأن يبقي على ماله، وأن يصرف هذه الأموال التي يصرفها في هذا الأمر المحرم يصرفها في وجوه البر، فيحصل أجرها وثوابها، في الوقت الذي إذا صرفها في شرب الدخان يحصل إثمها وعقابها، ولكنه إذا صرفها في أمور تنفع فإنه يسلم من الدخان ويحصل على الأجر والثواب من الله عز وجل. حكم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مراراً السؤال: زرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، فهل أكون بذلك قد ارتكبت إثماً؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبلغه الصلاة والسلام عليه بواسطة الملائكة ولو لم يأت الإنسان إلى القبر، فلهذا قال: (لا تتخذوا قبري عيداً فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) فتكرار الزيارة داخل تحت قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً) يعني: أنه منهي عنه. حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم السؤال: هل يجوز لنا معاشر الحجاج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسؤالنا إياه قضاء حوائجنا وطلب مغفرة الذنوب، مع العلم أننا نعلم أن الله عز وجل هو الذي يغفر الذنوب، ولكننا نتخذه وسيلة؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أموراً لا تطلب إلا من الله عز وجل، ثم أيضاً على الإنسان أن يعمل الأعمال الصالحة ويتوسل بها إلى الله عز وجل؛ لأنها هي التي تقربه إلى الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى بابه مفتوح للعباد، ليس بينه وبينهم وسائط، بل الإنسان يسأل الله عز وجل والله تعالى يجيبه، يقول عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، وقال عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]."
__________________
|
#406
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [230] الحلقة (261) شرح سنن أبي داود [230] الحلق والتقصير من الأمور الواجبة في الحج والعمرة، والحلق والتقصير يكونان للرجال، والحلق في حقهم أفضل، وأما النساء فليس في حقهن سوى التقصير ولا يجوز لهن الحلق، ويكون الحلق بعد النحر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، وإن قُدِّم أو أُخر شيء من ذلك فلا حرج كما جاء في الأحاديث، والعمرة واجبة في العمر مرة، ويجوز للحائض التي لم تتمكن من الطواف أن تنقض عمرتها وتدخلها في الحج بحيث تصبح قارنة بعد أن كانت متمتعة. ما جاء في الحلق والتقصير، وحكمهما في الحج والعمرة شرح حديث: (اللهم ارحم المحلقين...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحلق والتقصير. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم ارحم المحلقين! قالوا: يا رسول الله والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين! قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: والمقصرين) ]. قال أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: الحلق والتقصير، والحلق والتقصير من الأمور الواجبة في الحج والعمرة، فالمعتمر عندما يدخل مكة فإنه يطوف ويسعى ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل من التقصير، وكذلك الحاج عندما يأتي من مزدلفة ويرمي الجمرة فإنه يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل من التقصير. وإذا كانت العمرة قريبة من الحج بحيث لا يكون هناك مدة ينبت فيها الشعر فإن المناسب أن يقصر الإنسان حتى يحلق يوم العيد، وذلك كأن يأتي في وقت متأخر، فعندما ينتهي من العمرة من كان متمتعاً يقصر من شعر رأسه كله، وإذا جاء اليوم العاشر فإنه يحلق رأسه كله، وأما بالنسبة للنساء فإن الواجب في حقهن التقصير فقط. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: والمقصرين) ]. فهذا الدعاء بالرحمة وتكراره من النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين يدل على أن الحلق أفضل من التقصير، ويدل على أن أي واحد منهما يحصل به أداء الواجب، ولكن الحلق أفضل وأعظم أجراً من التقصير؛ وذلك أن الإنسان عندما يكون محباً للشعر فقد يقدم على التقصير ويحتفظ بالشعر، ولكنه إذا أزاله كله بالحلق تقرباً إلى الله، فإنه يكون أكمل وأفضل. قوله صلى الله عليه وسلم: [ (اللهم ارحم المحلقين) ] يدل على جواز الدعاء بالرحمة للأحياء، فهي ليست مقصورة على الأموات، بل تكون للأحياء والأموات، وقد شاع عند الناس أن الترحم إنما يكون للأموات، فإذا سمع شخصاً يقول: فلان رحمه الله، فإنه يظن أنه قد مات، فهذا الحديث يدل على الدعاء بالرحمة للأحياء وللأموات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اللهم ارحم الملحقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله!) ] وهذا يسمى عطف التلقين، فهم يطلبون منه أن يضيف المقصرين ويلحقهم بالمحلقين، فكرر عليه الصلاة والسلام الدعاء للمحلقين، ثم قال: [ (والمقصرين) ]، فدل على أن الحلق أفضل من التقصير. وقد بينت الأحوال التي يكون فيها الحلق والتقصير، فالحلق أفضل في العمرة إذا كانت بعيدة عن الحج، وفي الحج يوم العيد، وأما إذا كان الحج قريباً فإن التقصير أولى وأنسب من أجل أن يحصل الحلق يوم العيد، وأما النساء فليس في حقهن إلا التقصير من شعورهن. وقد سبق أن مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة هو وأصحابه طافوا وسعوا وقصروا؛ وذلك لأن الحج قريب، فلم يبق عليه إلا خمسة أيام، فقد دخل عليه الصلاة والسلام مكة في اليوم الرابع، والحلق يكون في اليوم العاشر فقصر وقصروا. إذاً: فالحلق يكون أفضل من التقصير إذا كان في عمرة بعيدة من الحج، أو كان في الحج في يوم العيد، وكذلك كون الحاج يزيل شعره كله تقرباً إلى الله عز وجل فإنه أكمل وأفضل، بخلاف الذي يقصر فإنه أبقى لنفسه شيئاً من الشعر؛ فهو يحبذه ويعجبه ذلك. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم ارحم المحلقين...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات. شرح حديث (أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني - عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلق رأسه في حجة الوداع) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع) ] يعني: يوم العيد بعد أن رمى ونحر حلق، وقد فعل عليه الصلاة والسلام الأكمل والأفضل، وقد سبق الحديث أنه دعا للمحلقين ثلاث مرات، والمقصرين مرة واحدة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني - ]. هو يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني القاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن موسى بن عقبة ]. هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر قد مر ذكرهما. شرح حديث: (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة رضي الله عنه) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى ودعا بذبح فذبح، ودعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر، ثم قال: هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة) ]. وهذا يدلنا على ما ترجم له المصنف من الحلق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حلق في حجته، ويدل على أنه رمى ثم نحر ثم حلق. قوله: [ (بذبح) ] سبق أن مر أنه نحر بيده صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بدنة، ووكل علياً بنحر الباقي وهو تمام المائة. والحديث يدل على تبرك الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وبعرقه وبفضل وضوئه وغير ذلك مما مسه جسده صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم فلا يفعل ذلك مع غيره من الناس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا هذا مع الخلفاء الراشدين، ولا مع كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم خير وأفضل الناس، وعلى هذا فما يقوله بعض العلماء: من أن التبرك بآثار الصالحين جائز، يعتبر غلطاً؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا هذا مع خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أبو بكر و عمر و عثمان و علي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وهم أولى الناس بأن يتبرك بهم لو كان التبرك سائغاً، وأما أن يتعدى ذلك إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك ليس بصحيح، وقد نقل الشاطبي اتفاق الصحابة على ذلك، وأنهم لم يحصل منهم ذلك مع أحد إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يتعداه إلى غيره. قوله: [ (ثم قال: هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي طلحة) ]، يعني: أنه أعطاه قسماً كبيراً من شعره من أجل أن يتولى توزيعه وقسمته. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزلة بمنى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حفص ]. هو حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن سيرين ]. هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر...) من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي و عمرو بن عثمان المعنى، قالا: حدثنا سفيان عن هشام بن حسان بإسناده بهذا قال فيه: (قال للحالق: ابدأ بشقي الأيمن فاحلقه). ]. وهذا مثل الذي قبله، إلا أنه قال للحالق: [(ابدأ بشقي الأيمن)]، وهناك بدأ بالشق الأيمن ثم بالأيسر، وهذا يدل على البدء بالشق الأيمن عند الحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الشق الأيسر. قوله: [ حدثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي ]. عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي صدوق، أخرج له أبو داود . [ و عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن حسان ]. هشام بن حسان قد مر ذكره. شرح حديث: (... فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسأل يوم منى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، قال: إني أمسيت ولم أرم، قال: ارم ولا حرج) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم منى فيقول: لا حرج) ] أي: أنه كان يسأل عن التقديم والتأخير، فكان يقول: [ (لا حرج) ]، وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال في يوم النحر على النحو التالي: رمي، ثم نحر، ثم حلق، ثم طواف، فبعض الناس قدم وأخر، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ترتيبهم ليس كترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما سئل قال: [ (لا حرج) ] فجاءه رجل وقال: [ (حلقت قبل أن أنحر) ]، والنبي صلى الله عليه وسلم نحر ثم حلق، فقال: [ (اذبح ولا حرج) ] أي: لا حرج عليك في تقديم وتأخير النحر لا حرج عليك، وهذا يدل على أن الترتيب ليس بلازم وليس بواجب، وأنه يجوز التقديم والتأخير، ولكن الإتيان بها وترتيبها كما رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل، لكن لو قدم بعضها على بعض وخالف هذا الترتيب فإنه سائغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: [ (لا حرج) ]. قوله: [ (قال: إنس أمسيت ولم أرم) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ضحى، فهذا جاء المساء وهو لم يرم في الصباح، فقال: [ (ارم ولا حرج) ] فدل هذا على أن النهار كله وقت للرمي يوم العيد، وأنه يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، وأن من رخص له في الانصراف من مزدلفة آخر الليل، فإن له أن يرمي كما فعل ذلك بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم سلمة رضي الله عنها، وكذلك أيضاً أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما. لم يتمكن من الرمي في النهار له أن يرمي في الليل الذي بعده، وليس ذلك مقصوراً على نصف الليل، بل إلى الفجر، ولكنه عن شيء سابق، ليس عن شيء قادم، لا يقدم مثلاً رمي يوم الثاني عشر ليلة إحدى عشرة، ولكنه يمكن أن يرمي عن يوم العيد في الليل، ويمكن أن يرمي عن يوم الحادي عشر ليلة اثني عشرة، إذا لم يتمكن من الرمي قبل الغروب. تراجم رجال إسناد حديث: (... فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج...) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن مهران، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الحسن العتكي حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان رضي الله عنها قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان رضي الله عنها أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) ] يعني: أن النساء يقصرن من شعورهن ولا يحلقنها، فالحلق والتقصير للرجال، والحلق أفضل كما عرفنا، وأما النساء فإن الواجب في حقهن هو التقصير فقط، ولا يحلقن رءوسهن؛ لأن النساء بحاجة إلى شعر الرأس للتجمل به، وهن يختلفن عن الرجال. تراجم رجال إسناد حديث (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) قوله: [ حدثنا محمد بن حسن العتكي ]. محمد بن الحسن العتكي صدوق يغرب، أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان ]. صفية بنت شيبة صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. [ عن أم عثمان بنت أبي سفيان ]. أم عثمان بنت أبي سفيان صحابية أخرج لها أبو داود . [ أن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. وهنا يقول ابن جريج: [ بلغني ] ففيه انقطاع إذاً، وستأتي له طريق أخرى يتقوى بها فيكون الحديث حجة. شرح حديث: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة، حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان رضي الله عنها أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) ]. قوله: [ (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) ] وهو مثل الذي قبله، ولكن ينبغي أن يعلم أن النساء لهن أن يقصرن عن أنفسهن بأنفسهن، ولا يلزم أن يقصر للمحرم غيره أو يحلقه غيره، فالمرأة تقصر عن نفسها، والرجل يقصر عن نفسه، ويحلق عن نفسه إذا تمكن من ذلك، فهذا ليس فيه ارتكاب محظور وإنما هو فعل نسك من الناسك وبعض الناس قد يتساءل كثيراً هل يحلق المحرم لنفسه أو يقصر لنفسه، وهل المرأة تقصر لنفسها؟ والجواب: أنها يجوز لها أن تقصر لنفسها، والرجل يقصر ويحلق لنفسه، فهذا الفعل ليس فيه ارتكاب محظور، وإنما هو فعل النسك الذي يكون به التحلل، فهو سائغ وجائز ولا بأس به. ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في (السلسلة الصحيحة) في الجزء الثاني رقم (157) أن ابن جريج صرح بالتحديث في رواية المخلص في جزء المنتقى من (الجزء الرابع)، وقد توبع على ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة ]. هو إسحاق بن أبي إسرائيل صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة ]. ابن جريج مر ذكره، و عبد الحميد بن جبير بن شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن ابن عباس ]. مر ذكرهم. وهذا الحديث يفسر الحديث السابق، والواسطة التي بلغت عن صفية هو عبد الحميد بن جبير بن شيبة ، والحديثان يشد بعضهما بعضاً. حكم العمرة شرح حديث: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: العمرة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا مخلد بن يزيد و يحيى بن زكريا عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (اعتمر رسول الله صلى الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يحج) ]. قوله: [ باب: العمرة ]، العمرة واجبة كالحج، والمسلم عليه في عمره حجة واحدة وعمرة واحدة، سواء أتى بالعمرة وحدها والحج وحده، أو أتى بالعمرة مع الحج، وسواء كان تمتعاً أو قراناً، فالعمرة والحج لا زمان للمسلم في عمره مرة واحدة، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج ثلاث عمر وهي: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة الجعرانة، هذه الثلاث كانت قبل حجته، فعمرة الحديبية في السنة السادسة، والقضاء أو القضية في السنة السابعة، والجعرانة في السنة الثامنة، فحجته صلى الله عليه وسلم كانت في السنة العاشرة، وقد قرن فيها بين الحج والعمرة، فكانت عمره صلى الله عليه وسلم أربعاً، ثلاث مستقلات وواحدة مقرونة مع حجته صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالإنسان له أن يحج قبل أن يعتمر، وله أن يعتمر قبل أن يحج، وله أن يأتي بهما جميعاً بالقران. تراجم رجال إسناد حديث: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا مخلد بن يزيد ]. مخلد بن يزيد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و يحيى بن زكريا ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد ]. ابن جريج مر ذكره، و عكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره. شرح حديث (والله ما أعمر رسول الله عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن ابن أبي زائدة حدثنا ابن جريج و محمد بن إسحاق عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (والله! ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك؛ فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون: إذا عفا الوبر وبرأ الدبر ودخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فكانوا يحرِّمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما أعمر عائشة بعد الحج ليقطع بذلك أمر أهل الشرك الذين كانوا لا يأتون بالعمرة في أشهر الحج ولا في الأشهر الحرم، وإنما يأتون بها بعدما ينتهي المحرّم وهو آخر الأشهر الحرم، وذلك إذا دخل صفر، فعند ذلك يأتون بالعمرة، لكن كما هو معلوم أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها ما أعمرها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد إلحاحها وطلبها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعمرها ابتداء ليقطع دابر أهل الجاهلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه إنما فعل عمره كلها في ذي القعدة، وفي ذلك إبطالاً لأمر الجاهلية الذين يقولون: إن العمرة لا تكون في أشهر الحج ولا في الأشهر الحرم، وإنما كانوا يؤخرون العمرة إلى أن تنتهي الأشهر الحرم، فكانت عمره كلها في ذي القعدة، وذو القعدة من أشهر الحج ومن الأشهر الحرم، وكذلك أمهات المؤمنين كن متمتعات وعمرتهن كانت في ذي الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: فإعمار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بعد الحج كان بعد إلحاح منها، ولا شك أن أمر الجاهلية هو عدم الإتيان بالعمرة في الأشهر الحرم، ولكن قد جاء ما يدل على ذلك غير هذا الحديث، ومن ذلك أن أمهات المؤمنين اللاتي دخلن في اليوم الرابع عمرهن في شهر ذي الحجة، وقد طفن وسعين وقصرن وتحللن. إذاً: فلا شك أن هذه العمرة وغيرها مما وقع في أشهر الحج في ذي العقدة وذي الحجة أن في ذلك مخالفة للمشركين، وقد خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بالعمر كلها قبل حجه في السنة السادسة والسابعة والثامنة في ذي القعدة. قوله: [ (كانوا يقولون: إذا عفا الوبر) ] يعني: كثر الوبر على ظهور الإبل. قوله: [ (وبرئ الدبر) ] الدبر هو الذي يكون في ظهر الإبل من الجروح بسبب الركاب وكثرة السير عليها، فإنهم لا يقاتلون في الأشهر الحرم، بل يتركون الإبل تستريح حتى يبرأ الدبر، وكذلك لا يعتمرون عليها في الأشهر الحرم. قوله: [ (ودخل صفر) ] ذهب بالأشهر الحرم. تراجم رجال إسناد حديث: (والله ما أعمر رسول الله عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك...) قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد)، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أبي زائدة حدثنا ابن جريج ]. ابن أبي زائدة و ابن جريج قد مر ذكرهما. [ و محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن طاوس ]. عبد الله بن طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. شرح حديث أم معقل: (... إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم المهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل رضي الله عنها قالت: (كان أبو معقل رضي الله عنه حاجاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قدم قالت أم معقل : قد علمت أن علي حجة، فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه، فقالت: يا رسول الله! إن علي حجة وإن لأبي معقل بكراً، قال أبو معقل : صدقت، جعلته في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها فلتحج عليه فإنه في سبيل الله، فأعطاها البكر، فقالت: يا رسول الله! إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟ قال: عمرة في رمضان تجزئ حجة) ]. أورد أبو داود حديث أم معقل رضي الله عنها، أن أبا معقل حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بعدما جاء من الحج قالت أم معقل : إن عليها حجة وأنها لم تحج، وأن أبا معقل عنده بكر -والبكر هو الفتى من الإبل- فقال: إني قد حبسته في سبيل الله، فقال: أعطها إياه لتحج عليه؛ فإن الحج في سبيل الله، ثم قالت: إنني قد كبرت وضعفت فهل هناك شيء يجزئ عن حجتي؟ فقال: عمرة في رمضان تعدل حجة. والحديث يدل على فضل العمرة في رمضان، ولكنه لا يدل على أن العمرة تغني عن الحج وتجزئ عنه؛ لأن العمرة واجبة والحج واجب، ولا يغني أحدهما عن الآخر، والإنسان مطالب بأن يعتمر ومطالب بأن يحج، ولكن الحديث يدل على فضل العمرة في رمضان، وأنها تعدل حجة، أي: من ناحية الأجر والثواب، فأجرها عظيم وثوابها عظيم عند الله سبحانه وتعالى. وهل ذلك خاص بها أو عام لها ولغيرها؟ الذي يبدو أنه عام وليس خاصاً، فالعمرة في رمضان تعدل حجة من حيث الأجر والثواب، وهذا من جنس ما جاء في الحديث: (أن الإنسان إذا جلس في مصلاه فجعل يذكر الله، ثم صلى ركعتين، فهي تعدل حجة وعمرة تامة تامة تامة) يعني: في الأجر والثواب. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كانت تعدل عمرة)، وهذا يدل على عظم هذا العمل، ففيه ذلك الثواب العظيم من الله عز وجل، وأما كون العمرة تغني عن الحج فلا. تراجم رجال إسناد حديث أم معقل: (... إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو الفضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن مهاجر ]. إبراهيم بن مهاجر صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي بكر بن عبد الرحمن ]. هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني رسول مروان ]. رسول مروان مجهول ومبهم، ولكن الحديث له طرق كما سيأتي ذكر بعضها، وهو صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ أرسل إلى أم معقل ]. أم معقل صحابية، أخرج حديثها أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث أم معقل من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي أسد خزيمة، حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما عن جدته أم معقل رضي الله عنها قالت: (لما حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل رضي الله عنه في سبيل الله، وأصابنا مرض وهلك أبو معقل ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فرغ من حجه جئته فقال: يا أم معقل ! ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل ، وكان لنا جمل وهو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله، فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان فإنها كحجة، فكانت تقول: الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أدري ألي خاصة) ]. أورد أبو داود حديث أم معقل رضي الله عنها أنهم كانوا تهيئوا للحج فأصابهم مرض وتوفي أبو معقل ، وأنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج فقال لها: [ (يا أم معقل ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: إنه حصل كذا وكذا، فقال: فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) ]. وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه أن أبا معقل قد توفي، وفي الحديث الأول أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يوفق بينهما بأنه حج مات بعد الحج، وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بالسبب الذي منعها من الحج فقال مواسياً لها: [ (فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) ] يعني: في الأجر، وأما حجة الإسلام فإنها لازمة؛ لأنه كما قالت: [(الحج حجة والعمرة عمرة) ]، أي: أنه لا يغني الحج عن العمرة، ولا العمرة عن الحج. قولها: [ (ما أدري إلي خاصة) ] والمقصود من ذلك أن هذا الذي فاتها من الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنها إذا اعتمرت في رمضان فإنها تحصل فيه على أجر تلك الحجة، ولكن حجة الإسلام لازمة عليها وباقية في ذمتها، وعليها أن تحج بعد ذلك.
__________________
|
#407
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث أم معقل من طريق أخرى [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ]. أحمد بن خالد الوهبي صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة)، وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي ]. محمد بن إسحاق مر ذكره، وعيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا يوسف بن عبد الله بن سلام ]. يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، وأصحاب السنن. [ عن جدته أم معقل ]. أم معقل قد مر ذكرها. قوله: [ قوله عن جدته ]. هي جدة عيسى بن معقل . وفيه أن سبب تأخرها عن الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه مات الزوج وأوصى بالجمل في سبيل الله، والتوفيق بينهما يكون بأنهما جاءا يمشيان بعد الحج، لكن فيه اختلاف من ناحية أنه كان معها كما في الرواية الأولى، وهنا جاءت وحدها كما في هذه الرواية التي معنا، وأخبرت بأنه قد هلك، فالذي يبدو والله أعلم أن هذه الرواية التي فيها: أنها جاءت وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) أنها أولى، فهي متصلة وفيها مبهم، وهذه فيها عيسى بن معقل وهو مقبول، لكن كل هذه الروايات يشهد بعضها لبعض. وهذا الحديث في قصة أم معقل أخرجه النسائي في الحج، باب: العمرة في رمضان مختصراً، و ابن ماجة . شرح حديث أم معقل من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عامر الأحول عن بكر بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وإنها سألتني الحج معك، قالت: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت: أحجني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته، وأخبرها أنها تعدل حجة معي يعني عمرة في رمضان) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو يتعلق بهذه القصة، وحكايتها وطريقتها هي نفس طريقة قصة أم معقل و أبي معقل ، وهي دالة على ما دلت عليه. تراجم رجال إسناد حديث أم معقل من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . و عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر الأحول ]. عامر الأحول صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (جزء القراءة)، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بكر بن عبد الله ]. هو بكر بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. وهذا الحديث أخرج النسائي نحوه مختصراً من رواية أبي معقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن ماجة مختصراً كذلك بلفظ: (عمرة في رمضان تعدل حجة) عن أبي معقل . شرح حديث: (أن رسول الله اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) ]. أورد أبو داود حديث عائشة : [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) ]، والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم اعتمر أربع عمر، فلعلها تقصد بذلك العمر التي أتى بها مستقلة تامة، وذلك إنما هو في عمرة القضية وفي عمرة الجعرانة، وأما عمرة الحديبية فإنه صُدَّ عنها ولم يدخل مكة، وأما العمرة التي مع الحج فهي مقرونة مع الحج، وأما العمرتان المستقلتان التامتان فهما: عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، فالقضية في السنة السابعة، والجعرانة في السنة الثامنة. قوله: [ (وعمرة في شوال) ] قال بعض أهل العلم: إن هذا يحمل على أنه حصل البدء في شوال، ولكن التنفيذ كان في ذي القعدة، وبذلك تتفق النصوص على أن عُمُرَ النبي صلى الله عليه وسلم كانت كلها في ذي القعدة، أي: في نهايتها، وكانت العمرة التي مع الحجة في شهر ذي الحجة، والإحرام للحج والعمرة إنما كان في شهر ذي العقدة، وقيل: إن عمره كلها كانت في شهر ذي القعدة، باعتبار أن عمرته التي مع حجته كانت بدايتها في ذي القعدة، والإتيان بها وتنفيذها كان في ذي الحجة؛ لأنها مقرونة مع الحج. إذاً: فيحمل قولها: [ (وعمرة في شوال) ] على أن العمرة بدئ بها في شوال وأتما في ذي القعدة، ومن العلماء من يقول: إن هذا وهم، وأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم كلها كانت في ذي القعدة، وليس منها شيء في شوال، ولا في غيره من الشهور. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال) قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد ]. عبد الأعلى بن حماد لا بأس به بمعنى صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا داود بن عبد الرحمن ]. داود بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ] هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (لقد علم ابن عمر أن رسول الله قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن مجاهد قال: (سئل ابن عمر رضي الله عنهما : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: مرتين، فقالت عائشة رضي الله عنها: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً سوى عمرته التي قرنها بحجة الوداع، وابن عمر قال: اثنتين، ولعله يقصد بالاثنتين المستقلتين، وهما: عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، وأما الباقيات: فالأولى صُدّ عنها هي عمرة الحديبية، والثانية هي العمرة التي قرنها مع الحج. والحديث ضعفه الألباني ولا أدري ما وجه التضعيف، فالحديث مطابق للأحاديث الأخرى من جهة أن عُمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أربع، وأن واحدة منهن مع حجته، والإسناد ليس فيه شيء، وحتى لو كان فيه كلام فالأحاديث الأخرى تشهد له وتدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (لقد علم ابن عمر أن رسول الله قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ] هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ] هو مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سئل ابن عمر فقالت عائشة ]. ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قد مر ذكرهما. شرح حديث: (اعتمر رسول الله أربع عمر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي وقتيبة قالا: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية حين تواطئوا على عمرة من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وفيه بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنها أربع: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة المقرونة مع حجته. تراجم رجال إسناد حديث: (اعتمر رسول الله أربع عمر...) قوله: [ حدثنا النفيلي و قتيبة ]. مر ذكرهما . [ حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن عمرو بن دينار ]. داود بن عبد الرحمن مر ذكره، وعمرو بن دينار ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث (أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته) [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و هدبة بن خالد قالا: حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته) ]. أورد أبو داود حديث أنس [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة إلا العمرة التي مع حجته) ] وهذا مثل ما تقدم إلا أن قوله: [ (إلا التي مع حجته) ] لا ينافي ما تقدم؛ لأن العمرة التي مع الحجة حصل الإحرام لها في ذي القعدة، ولكن أداؤها كان في ذي الحجة، فالقول بأنها عمرة في ذي القعدة، لا ينافي ما جاء هنا من استثناء، فالبداية في ذي القعدة بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في آخر ذي القعدة، وأحرم بالحج والعمرة من الميقات قارناً، ولكن التنفيذ وهو الطواف والسعي للحج والعمرة إنما كان في شهر ذي الحجة، فلا تنافي بين ما تقدم وبين هذا؛ لأن المعتبر البداية بالنسبة للإحرام، وأما التنفيذ فكان في ذي الحجة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهدبة بن خالد ]. هدبة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . وهدبة بن خالد هذا هو الذي يقال له: هداب ، وكثيراً ما يأتي في صحيح مسلم هداب، وقيل: إن هدبة اسمه، وهداباً لقبه، و البخاري لا يذكره إلا بهدبة ، وأما مسلم فيذكره كثيراً بهداب، وأحدهما اسم والثاني لقب، واللقب يؤخذ من الاسم أحياناً، فلعل: هداب مأخوذ من هدبة . [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ] أنس قد مر ذكره. بيان ما أتقنه المصنف من هدبة في تفصيل عمر النبي صلى الله عليه وسلم [ قال أبو داود : أتقنت من هاهنا من هدبة ، وسمعته من أبي الوليد ولم أضبطه: (عمرة زمن الحديبية، أو من الحديبية، وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته) ]. قال: أبو داود أتقنت من هاهنا عن هدبة ولم أتقنه من أبي الوليد ، ثم ذكر ذلك التفصيل الذي أتقنه، حيث قال: (عمرة زمن الحديبية)وذلك عندما صده المشركون عنها، فتحلل صلى الله عليه وسلم بحلق رأسه ونحر هديه. قوله: [ (وعمرة من الجعرانة) ] وهي في السنة الثامنة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته صلى الله عليه وسلم. حكم نقض العمرة للحائض ورفض أعمالها شرح حديث: (أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المُهلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وآله وسلم قال لعبد الرحمن : يا عبد الرحمن! أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم، فإنها عمرة متقبلة) ]. قوله: [ باب: المُهلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها -وفي بعضها: فترفض عمرتها- وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟ ] سبق أن مر بنا الكلام في هذه المسألة، وأن عائشة رضي الله عنها لم ترفض العمرة بمعنى أنها ترفض نيتها وترفض إحرامها بها، وإنما رفضت أعمالها ككونها تطوف وتسعى؛ لأنها لم تتمكن من الطواف بسبب الحيض، فأمرها بأن ترفض أعمال العمرة وأن تدخل الحج على العمرة، وبهذا صارت قارنة، وقال لها صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لما أرادت أن تعتمر: (يكفيك طوافك وسعيك عن حجك وعمرتك)؛ وذلك لأن القارن يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته، وسعي واحد عن حجه وعمرته، وقد كانت عائشة رضي الله عنها من القارنين ولم تكن من المتمتعين؛ لأنها لم يتم لها ما أرادت بسبب الحيض، وأما أمهات المؤمنين فتم لهن ما أردن؛ لأنه لم يأتهن الحيض، فأتممن عمرتهن ثم أحرمن بالحج، وأرادت رضي الله عنها وأرضاها أن يكون عندها طواف وسعي مستقل كما حصل لأمهات المؤمنين، وكما أرادت في أول الأمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يكفيك طوافك وسعيك عن حجك وعمرتك)، ولما ألحت عليه أمر أخاها بأن يذهب بها إلى التنعيم وأن تحرم من هناك، وهو لم يأذن لها إلا بعد إلحاحها عليه، فهي عمرة ثانية، وليست بديلة عن العمرة السابقة؛ لأن العمرة السابقة موجودة مقرونة مع الحج، كما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العمرة والحج، وقد قرنت عائشة بين العمرة والحج، حيث أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، وهذه ليست عوضاً عنها، بل هي عمرة ثانية، ولهذا استدل بهذا أهل العلم على أنه يجوز الإتيان بعمرتين في السنة أو في الشهر، لأن عائشة رضي الله عنها حصل لها العمرة المقرونة مع الحج، وحصلت لها هذه العمرة التي بعد ذلك. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن : يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم ، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم؛ فإنها عمرة متقبلة) ]. الأكمة هي مكان في التنعيم. قوله: [ (فلتحرم فإنها عمرة متقبلة) ]. يعني: أنها عمرة صحيحة مقبولة عند الله عز وجل، لكن لا يعني هذا أن الناس يترددون بين الكعبة والتنعيم، فإن هذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وإنما جاء في قصة عائشة بعد إلحاح، وبعد ظرف خاص حصل لها، وعمر النبي صلى الله عليه وسلم كلها وهو داخل إلى مكة، ولم يخرج من مكة من أجل أن يأتي بعمرة. تراجم رجال إسناد حديث: (أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم...) قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم ]. عبد الله بن عثمان بن خثيم هو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يوسف بن ماهك ] يوسف بن ماهك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ] حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ثقة، أخرج لها مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيها ]. هو عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (دخل النبي الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ، عن محرش الكعبي رضي الله عنه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم، ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق المدينة، فأصبح بمكة كبائتٍ) ]. أورد أبو داود حديث محرش الكعبي رضي الله عنه، وهو يتعلق بعمرة الجعرانة، والحديث فيه تقديم وتأخير، والصحيح فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء الجعرانة وأحرم منها، ودخل مكة وطاف وسعى، ثم رجع إليها وصار فيها كبائت، ولهذا خفيت هذه العمرة؛ لأنها حصلت في الليل، فقد كان في الجعرانة في الليل، ثم ذهب إلى مكة ورجع فأصبح فيها كبائت، أي: بالجعرانة وليس بمكة، وبعدما أصبح اتجه إلى المدينة حتى التقى بطريق المدينة بمكان يقال له: سرف، وذهب إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، فاللفظ هذا فيه إيهام، والصواب كما جاء في بعض الروايات أنه أحرم من الجعرانة في أول الليل، ثم ذهب واعتمر، ثم رجع فأصبح فيها كبائت، وبعد زوال الشمس من الغد ذهب إلى المدينة فالتقى بالطريق بسرف. قوله: (جاء إلى المسجد) هذا منكر، يقول الألباني : غير ثابت، يعني: ذكر المسجد والصلاة فيه، وإنما فيه أنه أحرم منها ورجع إليها، ثم سافر إلى المدينة. قوله: [ (فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم) ] كأنه مسجد في الجعرانة، وليس المقصود الكعبة. قوله: [ (ثم استوى على راحلته) ] يعني: حين ذهب إلى سرف، وهذا كان في الضحى بعد الزوال من الغد. وهذه الرواية أخرجها الترمذي و النسائي . تراجم رجال إسناد حديث: (دخل النبي الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله، ثم أحرم...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. مر ذكره. [ حدثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم ]. سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم هو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي مزاحم ]. مزاحم مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ]. عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن محرش الكعبي ] محرش الكعبي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . مدة المقام في عمرة القضاء شرح حديث: (أن رسول الله أقام في عمرة القضاء ثلاثاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المقام في العمرة. حدثنا داود بن رشيد حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام في عمرة القضاء ثلاثاً) ]. أورد أبو داود [ باب المقام في العمرة ]، والمقصود بذلك عمرة القضاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام في عمرة القضاء بمكة ثلاثة أيام، وذلك للاتفاق الذي كان بينه وبين كفار قريش، وأنه يبقى ثلاثة أيام. وهذا بيان لما قد حصل، وللإنسان أن يقيم ما تيسر له دون تحديد بثلاث أو بأقل أو أكثر، وهذا التحديد ورد بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأما المهاجرون فإنهم لا يبقون أكثر من ثلاثة أيام، حتى يرجعوا إلى دارهم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أقام في عمرة القضاء ثلاثاً) قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح ]. أبان بن صالح ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ وعن ابن أبي نجيح ] هو عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر وقد مر ذكره. [ عن ابن عباس ] ابن عباس مر ذكره. الأسئلة صفة التقصير الشرعي عند التحلل من الإحرام السؤال: هل يكفي في صفة التقصير الأخذ بالمقص من جهة اليمين والشمال والخلف؟ الجواب: لا بد من تقصير الرأس كله ولا يكفي تقصير بعضه، كما أنه لا يكفي حلق بعضه، فيحلق كله أو يقصر كله، سواء كان ذلك بالمقص أو بالمكائن الكهربائية التي تأخذ الأطراف وتترك الأصول. صفة تقصير شعر المرأة عند التحلل من الإحرام السؤال: كيف تقصر المرأة المحرمة؟ الجواب: تأخذ من أطراف ضفائرها مقدار الأنملة. حكم إدخال (الدش) إلى البيوت السؤال: هل يجوز إدخال (الدش) إلى البيت من أجل مشاهدة قناة اقرأ التي تنقل دروساً علمية، وكذلك لرؤية صلاة الجمعة بمكة وبالمدينة، وكذلك لرؤية الأخبار المتعلقة بالمسلمين؟ الجواب: لا يجوز إدخال (الدشوش) في البيت مطلقاً؛ وذلك لما فيها من الشر الكثير، والواجب هو الحذر منها والابتعاد عنها؛ لأن أوساخ وقاذورات العالم كلها تأتي عن طريق هذه (الدشوش). حكم التبرك بمكان سجود النبي صلى الله عليه وسلم في المحراب السؤال: هل يجوز التبرك بموضع سجوده صلى الله عليه وسلم في المحراب؟ وهل ذلك هو مكان سجوده حقاً؟ الجواب: لا ندري هل هذا مكان سجوده، أو لا، فالله أعلم بذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له محراب، وإنما كان يصلي بين منبره وبيته، ويمين الصف من وراء المنبر من جهة الغرب، ولا نعلم مكاناً معيناً صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يصلي في أي مكان من المسجد، وإذا تيسر له أن يصلي في الروضة من دون أن يؤذي أحداً من الناس ويتنفل بها فإن ذلك حسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة). حكم التمسح بالمنبر والمحراب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: ما حكم ما يفعله بعض الزوار من مسح المنبر والمحراب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: هذا كله من الأمور المنكرة، وعلى الإنسان عندما يأتي إلى هذا المسجد ألا يشغل نفسه بالتمسح والمسح، وإنما يصلي ويقرأ القرآن ويذكر الله عز وجل، فهذا هو الأمر المشروع، وأما كون الإنسان يمسح الجدران ويقبل الشبابيك وما إلى ذلك، فإن هذا من الأمور المحدثة والمنكرة، وقد عرفنا فيما مضى أن الله عز وجل لم يشرع للناس أن يقبلوا حجارة ولا جدراناً، وإنما شرع لهم أن يقبلوا الحجر الأسود فقط، ولو لم يقبله النبي صلى الله عليه وسلم ما قبله الناس، كما قال عمر : (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ثم إن محبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم، أعظم من محبته لنفسه وأبيه وأمه وأولاده، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، ويقول الله عز وجل مبيناً علامة المحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فعلامة المحبة هي الاتباع وليس الابتداع، وبعض أهل العلم يسمي هذه الآية: آية الامتحان؛ لأن من ادعى محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذه هي علامات المحبة الصادقة، وأما التمسح بالجدران والشبابيك فليس من علامات المحبة، بل هو خلاف السنة وخلاف ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وسلف هذه الأمة، فهو من محدثات الأمور، فمحبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة كل محبوب من الخلق؛ وذلك أن النعمة التي ساقها الله للناس على يديه هي أعظم نعمة على المسلم، وهي نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، فهذا هو السبب في كون محبته يجب أن تفوق محبة كل محبوب من الخلق عليه الصلاة والسلام. إذاً: فمحبته عليه الصلاة والسلام لا تكون بالتمسح بالجدران و الشبابيك، وإنما تكون باتباعه والسير على منهاجه، والله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. بيان ما يقال عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال: هل هناك أوراد شرعية تقال عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: ليس هناك شيء، وإذا جاء الإنسان إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يسلم عليه ويدعو له، ولا يدعوه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله، يقول عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة)، وقد سبق أن مر بنا الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاء غير الله شرك بالله، وصرف لحق الله إلى غير الله. حكم لبس الجوارب المقطوعة دون الكعبين للمحرم للحاجة، وكذلك غير المقطوعة السؤال: أنا مريض بمرض في قدميّ، ولا أستطيع الطواف والسعي حافي القدمين، وأريد أن ألبس جوربين دون الكعبين، بحيث لا يغطيان الكعبين؛ لتخفيف الآلام، فهل يجوز لي ذلك؟ الجواب: إذا كانت الجوارب دون الكعبين فلا بأس بها، مثل الخفاف التي تكون مقطوعة دون الكعبين، ولو أراد أن يبقي الجوارب دون قطع فلا بأس بذلك ما دام أنه بحاجة إليها، لكن عليه أن يطعم ستة مساكين أو يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، وأما إن قطع الجوارب وكانت دون الكعبين فإنه ليس عليه شيء. حكم التضحية عن النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: ما توجيهكم لرجل يريد الحج وهو يريد أن يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: إذا أراد الإنسان أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء عن طريقه فما عليه إلا أن يعمل صالحاً لنفسه، فإن الله يعطي نبيه مثل ما أعطاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دل الناس على الخير، ومن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). إذاً: فإذا أردت أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء بسببك، فما عليك إلا أن تعمل لنفسك عملاً صالحاً، كالصلاة والصيام والزكاة والحج وكل عمل تتقرب به إلى الله عز وجل، والله تعالى سيثيب نبيه مثل ما أثابك، ولهذا فالنبي عليه الصلاة والسلام له من الأجر مثل أجور أمته من حين بعثه الله إلى قيام الساعة؛ لأنه هو الذي دل الناس على هذا الحق والهدى، كما في الحديث: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، فلا تشغل نفسك بأن تضحي للنبي صلى الله عليه وسلم، بل ضح عن نفسك والله تعالى سيثيبك على فعلك، ويثيب نبيه مثل ما أثابك. حكم السؤال بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل به السؤال: هل يجوز أن يسأل الإنسان بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ الجواب: لا، لا يسأل بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقول: أسألك بوجه الرسول، أو أتوسل إليك بالرسول، فكل هذا لا يجوز وهو من الأمور المنكرة. حكم الحلق للعمرة قبل الحج بثلاثة أسابيع مع إرادة الحج ذلك العام السؤال: أريد أن أقوم بعمرة ولم يبق إلا أيام على الحج فهل الأفضل لي الآن التقصير أو الحلق؟ الجواب: بقي على الحج تقريباً خمسة وعشرون يوماً، فيمكن أن يخرج الشعر وينبت، وبالتالي يمكن أن يحلق الشعر يوم العيد."
__________________
|
#408
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [231] الحلقة (262) شرح سنن أبي داود [231] طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولو رجع الإنسان إلى بلده ولم يطف طواف الإفاضة لم يتم حجه، وعليه أن يرجع من بلده ليطوف طواف الإفاضة، والنبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف وكان ذلك ضحىً من يوم النحر، لكن من قدم بعض هذه الأعمال على بعض فلا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل يوم النحر عن شيء قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج)، وهذا تيسير منه عليه الصلاة والسلام على الأمة. حكم طواف الإفاضة في الحج شرح حديث (أفاض النبي يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإفاضة في الحج. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفاض يوم النحر، ثم صلى الظهر بمنى، يعني راجعاً). ]. قوله: باب: الإفاضة في الحج، أي: طواف الإفاضة، فعلى الحاج بعدما يرمي الجمرة وينحر هديه ويحلق رأسه أن يذهب إلى مكة، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث رتب أعمال يوم النحر بهذه الترتيب: رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، ولكنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: (لا حرج). وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، ولا يجبر بشيء وإنما لا بد من الإتيان به، ولو رجع الإنسان إلى بلده دون أن يطوف لم يتم حجه، وعليه أن يرجع من بلده ليطوف هذا الطواف؛ لأنه ركن لا يتم الحج إلا به. والنبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق، ثم طاف، وكان ذلك ضحى، ولكن هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بمكة أو صلى الظهر بمنى؟ جاءت الأحاديث الصحيحة مختلفة في ذلك، فمنها حديث ابن عمر هذا الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أفاض يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى يعني: راجعاً) يعني: عندما رجع من مكة، وجاء عن جابر وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة) واختلف العلماء في ترجيح ما جاء في هذين الحديثين، فمن أهل العلم من رجح أنه صلى الظهر بمكة؛ وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى ضحى وقد ظلل عليه بثوب، من شدة حرارة الشمس، ثم ذهب إلى المنحر ونحر ثلاثاً وستين من الإبل، وطبخ منها وأكل منها وشرب من مرقها، وحلق رأسه، ثم ذهب إلى مكة فطاف طواف الإفاضة، فكونه يرجع إلى منى مع هذه الأعمال فالوقت فيه ضيق، فيكون الراجح أنه صلى الظهر بمكة، كما جاء في حديث جابر . ومن أهل العلم من رجح ما جاء في حديث ابن عمر وأنه صلى الظهر بمنى، ومما يدل على هذا أو يقويه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أناب أحداً أن يصلي بالناس بمنى، ولو كان ذلك حاصلاً لنقل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين، وهو الذي يصلي بهم، ونيابة غيره معروفة، فلما صلى عبد الرحمن بن عوف في إحدى السفرات إماماً، نقل ذلك. ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف أناب أبا بكر ليصلي بالناس إذا تأخر، وكذلك في مرض موته، فلو أنه صلى بمكة لأناب من يصلي عنه بمنى ولنقل ذلك. وعلى كل فالأحاديث كلها صحيحة، والله تعالى أعلم بالواقع، هل صلى الظهر بمنى أو صلى الظهر بمكة؟ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض ضحىً. تراجم رجال إسناد حديث (أفاض النبي يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ] هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عبيد الله ] هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ] هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أم سلمة في عدم الحل الكامل قبل طواف الإفاضة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين المعنى واحد ، قالا: حدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه رضي الله عنه، وعن أمه زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما عن أم سلمة رضي الله عنها يحدثانه جميعاً ذاك عنها قالت: (كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مساء يوم النحر، فصار إلي ودخل علي وهب بن زمعة ، ومعه رجل من آل أبي أمية متقمصين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوهب : هل أفضت أبا عبد الله ؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: انزع عنك القميص، قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولم يا رسول الله؟ قال: إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا -يعني: من كل ما حرمتم منه إلا النساء-، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها في مساء يوم النحر، أي ليلة الحادي عشر، وأنه جاء وهب بن زمعة ومعه رجل آخر، وكانا قد لبسا قمصاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لوهب [ (هل أفضت أبا عبد الله؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال: انزع عنك القميص، قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولم يا رسول الله؟) ] يعني: لماذا أنزع القميص؟ فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إن هذا اليوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا -يعني: من كل ما حرمتم منه إلا النساء-، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) ]. هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا جاء المساء من يوم النحر، وهو لم يطف بالبيت أنه يبقى محرماً كهيئته التي كان عليها قبل أن يرمي الجمرة، ويستمر في ذلك حتى يطوف بالبيت، هذا هو الذي يدل عليه هذا الحديث، والحديث صححه بعض أهل العلم، وبعضهم تكلموا في متنه وفي العمل به، وفي إسناده من هو متكلم فيه، حيث قال الحافظ فيه: مقبول، والمقبول هو الذي يقبل حديثه عند المتابعة، ولأهل العلم فيه كلام لم أتمكن اليوم من الوقوف عليه، وقد اطلعت عليه سابقاً، فأنا أرجئ الكلام على ذلك فيما يتعلق بهذا الحديث من جهة كون العلماء لم يعملوا به، حتى أقف على تلك الأقوال التي سبق أن اطلعت عليها. هناك حديث وعدنا بأن نذكر الشيء الذي نقف عليه حوله، وهو حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي فيه أن الإنسان إذا لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس يوم النحر، فإنه يعود إلى إحرامه وهيئته كما كان عليه قبل رمي الجمرة حتى يطوف بالبيت. أولاً: عرفنا فيما مضى أن الحديث فيه رجل متكلم فيه وهو مقبول، والمقبول هو الذي يقبل حديثه بعد المتابعة، وذكر جماعة من أهل العلم أنه لم يقل به أحد من الفقهاء. قال البيهقي في كتابه السنن: إنه لا يعلم أحد من الفقهاء قال بهذا الحديث. قال النووي : فيكون دل الإجماع على نسخه. والحافظ ابن رجب في كتابه العلل ذكره ضمن الأحاديث التي لم يعمل بها أحد من أهل العلم، وقال بعد ذلك: ويذكر أن عروة بن الزبير قال به. وذكر السخاوي نقلاً عن البلقيني أنه قال: هذا مثال لما دل الإجماع على نسخه من الأحاديث. فهذا ما وقفت عليه مما ذكره أهل العلم حول هذا الحديث. ثم إنه من حيث المعنى يترتب عليه أن الإنسان إذا كان سيعود إلى ما كان عليه قبل الرمي فمعنى ذلك أنه سيرجع إلى التلبية، وسيرجع إلى ما كان عليه قبل رمي جمرة العقبة، ويترتب على ذلك لو أن إنساناً جامع في ذلك الوقت فكأنه جامع قبل التحلل الأول، وإذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه، ويلزمه أن يتمه فاسداً، ويلزمه بدنه، ويحج من قابل. والشيخ ناصر رحمه الله في كتاب مناسك الحج والعمرة قال: إن الحديث صحيح، وابن القيم يفهم من كلامه أنه محفوظ كما في تهذيب السنن، لكن هذا الذي قاله البيهقي قال في السنن: إنه لا يُعلَم أحد من الفقهاء قال بهذا الحديث، وأيضاً يترتب عليه هذه الأمور التي أشرت إليها، وأيضاً فيه هذا الشخص المقبول، وإن كان له طريق أخرى يتقوى بها، والذين قالوا بنسخه فذلك على فرض ثبوته، أما إذا كان غير ثابت فوجوده مثل عدمه. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في عدم الحل الكامل قبل طواف الإفاضة قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل و يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ] هو محمد بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ] هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة ] أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة مقبول ، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ] وهو عبد الله بن زمعة صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ وعن أمه زينب بنت أبي سلمة ]. زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ] هي أم المؤمنين هند بنت أمية رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقد سبق أن مر بنا حديث قبل هذا فيه الدلالة على أن ليلتها كانت ليلة العيد، وليست ليلة الحادي عشر، وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، ورمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندها). فلا أدري هل المقصود اليوم الذي سيأتي مع الليلة الآتية أو أن المقصود أن ذلك اليوم الذي هو يوم العيد، مع الليلة التي قبله؛ لأن التعجيل من أجل ذلك، ويفهم منه أن ليلة العيد كان عندها صلى الله عليه وسلم، وأنها ليلتها، وهو يختلف عما جاء في هذا الحديث الذي فيه أن ليلة إحدى عشرة كان عند أم سلمة. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل) ]. أورد أبو داود حديث عائشة و ابن عباس[ (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف ذلك اليوم إلى الليل، وهذا يخالف ما تقدم من أنه أفاض في النهار، وأنه صلى الظهر بمنى أو بمكة على اختلاف في الأحاديث الصحيحة في ذلك، والحديث إذا صح فإنه يحمل على أنه أذن لأصحابه أن يؤخروا الطواف إلى الليل، ولهذا نظائر في كونه يأتي ذكر العمل مضافاً إليه والمراد أصحابه؛ لأن ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم وبإرشاده وتوجيهه، ومن العلماء من قال: إن هذا الذي أخره إلى الليل إنما هو الذهاب إلى مكة في غير يوم العيد في الليالي الأخرى وهو طواف تطوع، وأنه كان يزور البيت، لكن هذا غير واضح؛ لأن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما دخل البيت إلا ثلاث مرات: مرة عند طواف القدوم، أول ما قدم مكة، ومرة عند طواف الإفاضة يوم العيد، ومرة عند طواف الوداع ليلة الرابع عشر، لما انصرف من منى وبات بالمحصب، ومشى آخر الليل وطاف طواف الوداع، وذهب من مكة إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، ومن العلماء من ضعف الحديث من جهة أن أبا الزبير مدلس، وقد رواه بالعنعنة عن عائشة وعن ابن عباس ، وعلى كل فالمحفوظ والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء في حديث جابر وحديث ابن عمر وغيرهما، وهناك أحاديث صحيحة تدل على أنه أفاض ضحى يوم النحر. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي أخر طواف يوم النحر إلى الليل) قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ] محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن ] هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان] هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ] عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ وابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب حدثني ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس[ (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) يعني: أنه لم يحصل منه الرمل وهو الإسراع الخفيف مع مقاربة الخطا في الأشواط الثلاثة الأول، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه الرمل في طواف العمرة، وفي طواف القدوم في حجته صلى الله عليه وسلم، وعرفنا أنه طاف على بعير، وأن المقصود بذلك أمره لأصحابه وأذنه لهم بأن يرملوا الأشواط الثلاثة الأول، ويمشوا في الأربعة الباقية، فابن عباس رضي الله عنه يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) ومعنى ذلك أن الرمل إنما يكون في أول طواف يكون فيه القدوم إلى مكة، سواء كان الإنسان حاجاً أو معتمراً. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود ]. سليمان بن داود المهري أبو الربيع المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبر ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن جريج ] هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن أبي رباح ] هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره. حكم طواف الوداع شرح حديث: (... لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الوداع. حدثنا نصر بن علي حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) ]. قوله: باب الوداع أي: على الحاج أن يودع البيت إذا انتهى من أعمال الحج، ولم يبق إلا السفر والعودة إلى بلاده، أو الخروج من مكة إلى أي بلدة أخرى بالطواف سبعة أشواط، بحيث لا يخرج من مكة إلا وقد ودع البيت بأن يطوف به سبعة أشواط، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وفعل ذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام نزل المحصب، ومشى سحراً إلى مكة وطاف طواف الوداع وسافر في ليلة الرابع عشر. أورد أبو داود حديث ابن عباس: (كان الناس ينصرفون في كل وجه) ] يعني: كانوا يذهبون إلى كل جهة منصرفين إلى ديارهم بعد أداء الحج، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت). يعني: لا ينفرن أحدكم من مكة ومن الحج متجهاً إلى بلده أو إلى أي بلد آخر، حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت. وهذا يدلنا على أن طواف الوداع واجب، ولهذا رخص فيه للحائض والنفساء، والترخيص للحائض والنفساء يدل على أن غيرهما لم يخرص له، وإنما عليه أن يطوف، وألا يترك الطواف بل عليه أن يأتي به. تراجم رجال إسناد حديث (.. لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ] هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ] هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان الأحول ] سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ] هو طاوس بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] ابن عباس قد مر ذكره. حكم طواف الوداع للعمرة طواف الوداع يشرع في الحج، وأما في العمرة فالأولى للإنسان أن يودع، ولكن إن خرج غير مودع لا شيء عليه؛ لأنه ما جاء شيء يدل على العمرة بخصوصها، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك في الحج، فدل على أن طواف الوداع في الحج واجب، وأن الإنسان لا ينفر من مكة إلا وقد ودع البيت، وأما طواف الوداع للعمرة فلم يأت شيء يخصها، ولكن الأولى للإنسان ألا يخرج إلا وقد ودع، فإن خرج غير مودع فلا شيء عليه. حكم الحائض تخرج بعد الإفاضة من مكة شرح حديث احتباس الحائض حتى تطوف بعد الطهر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الحائض تخرج بعد الإفاضة. حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر صفية بنت حيي رضي الله عنها، فقيل: إنها قد حاضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لعلها حابستنا، قالوا: يا رسول الله! إنها قد أفاضت، فقال: فلا إذاً). قوله: باب: الحائض تخرج بعد الإفاضة يعني: للحائض أن تخرج من مكة بعد الإفاضة غير مودعة، ولا يلزمها أن تنتظر حتى تطهر وتطوف طواف الوداع، فقد رخص لها أن تخرج بلا وداع ولا بأس بذلك، وهذا إنما هو للحائض والنفساء، فقد رخص لهن بترك طواف الوداع، وأما طواف الإفاضة، فإنه لازم في حق الجميع، ولا بد للحائض أن تبقى حتى تطهر وتطوف، وإذا كان بقاؤها لا يتيسر، وتمكنت من أن تذهب وترجع فإنها تذهب وترجع لأداء طواف الإفاضة؛ لأنه ركن لا يتم الحج إلا به، وطواف الوداع هو الذي يسقط عن الحائض والنفساء. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صفية ، فقيل: إنها قد حاضت، فقال: لعلها حابستنا) يعني: أنه كان يظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، وأنه سيترتب على ذلك حبس الناس بسببها حتى تطهر لتطوف، فلما أخبر بأنها قد أفاضت يوم النحر قال: (فلا إذاً) يعني: لن نحبس ولن ننتظر حتى تظهر فتطوف؛ لأن طواف الوداع يسقط عنها، وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء، أما من عداهم فإنه لا يسقط عنه طواف الوداع، بل يجب عليه أن يأتي به ولكنه لو تركه يكون عليه فدية، أما طواف الإفاضة فإنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولو خرج الإنسان من مكة ولم يطف بالبيت طواف الإفاضة، فإنه يتعين عليه أن يرجع إلى مكة وأن يأتي بهذا الطواف؛ لأنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلها حابستنا) ] وذلك عندما أخبر بأنها حاضت، وكان قال ذلك على اعتبار أنه كان يظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، فهذا فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ لأنه لو كان يعلم الغيب لما خفي عليه أمر صفية وأنها طافت طواف الإفاضة، فدل هذا على أنه لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وأن هناك أموراً تكون موجودة وتكون خفية خفيت عليه صلى الله عليه وسلم، كما خفي عليه كون صفية أتاها الحيض بعد الإفاضة، وكما جاء في قضية الإفك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم مكث مدة متألماً متأثراً مما رميت به عائشة ، ولا يعلم الحقيقة حتى نزلت براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وكذلك العقد الذي فقد في سفر من الأسفار، وكان تحت الجمل الذي كانت تركبه عائشة ، وقد بقي الناس يبحثون عن العقد، ولما جاء الصباح ليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، ثم بعد ذلك أثاروا الإبل، وإذا العقد تحت الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما علم بذلك العقد، وقد كانوا مكثوا بالليل يبحثون عن ذلك العقد، فهذا من الأدلة الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأن علم الغيب على الإطلاق إنما هو من خصائص الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما أطلعه الله عليه من الغيوب، وقد أطلعه الله على غيوب كثيرة، وخفي عليه غيوب كثيرة. تراجم رجال إسناد حديث احتباس الحائض حتى تطوف بعد الطهر قوله: [ حدثنا القعنبي ] هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ] هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ] هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ] عائشة مر ذكرها. شرح حديث (أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: (أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال: ليكن آخر عهدها بالبيت، قال: فقال الحارث : كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقال عمر : أربت عن يديك، سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكيما أخالف!) ]. أورد أبو داود حديث الحارث بن عبد الله بن أوس رضي الله عنه: (أنه جاء إلى عمر وسأله عن الحائض تطوف يوم النحر، ثم تحيض، فقال عمر : ليكن آخر عهدها بالبيت، قال: فقال الحارث : كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أربت عن يديك). يعني: دعا عمر رضي الله عنه عليه؛ لكونه سأله عن شيء قد سأل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قد يجيب بشيء يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاده وعدم اطلاعه. وفيه أن من بلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أن يسأل غيره عما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الحديث بلغ هذا الرجل عن النبي عليه الصلاة والسلام فلا يحتاج أن يسأل غيره عن ذلك. وهنا قال: (ليكن آخر عهدها البيت) وهذا إنما يكون لو طهرت قبل أن تسافر، أما إذا كان الحيض مستمراً معها وأرادوا السفر، فقد جاءت الأحاديث الأخرى كما في حديث صفية وغيره أنها تنفر ولا شيء عليها. وهذا الحديث مخالف للأحاديث الأخرى الصحيحة، فيكون صحيحاً محفوظاً باعتبار أنها إذا طهرت فإنها تطوف، أما إذا كان الحيض مستمراً معها، فإنها لا تحبس الناس، وإنما تنفر، كما جاء في الحديث: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت، إلا أنه خفف عن الحائض) وحديث عائشة الذي تقدم في قصة صفية : (فقيل: إنها قد أفاضت، فقال: فلا إذاً) يعني: أن طواف الوداع يسقط عنها. هذه فائدة: يقول الحافظ في الفتح (3/587): واستدل الطحاوي بحديث عائشة وحديث أم سلمة على نسخ حديث الحارث في حق الحائض. يعني: أن العمل بحديث الحارث منسوخ. وهذا يشكل مع حديث قصة صفية ؛ لأنه هناك ليس فيه انتظار، وأما هنا فإنه قد يفهم منه الانتظار، فيكون بذلك منسوخاً، لكن لو كان الحيض قد ذهب عنها أو كانت باقية لأمر من الأمور، أو أرادت أن تجلس، فلابد أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت؛ لأن سقوط ذلك عنها كان بسبب الحيض، أما وقد ذهب الحيض فلابد أن تطوف. يقول الخطابي : قلت: وهذا على سبيل الاختيار في الحائض، إذا كان في الزمان نفس، وفي الوقت مهلة، فأما إذا أعجلها السير كان لها أن تنفر من غير وداع بدليل خبر صفية . إذاً: لا شك أنها لو طهرت فلا يجوز لها أن تخرج إلا وقد ودعت؛ لأنها لو طهرت فليس هناك مانع يمنعها من الطواف، وإنما الكلام في قضية الاستعجال إذا أرادت أن تسافر وتنفر، فيسقط عنها الوداع كما جاء في حديث صفية وغيره: (أنه خفف عن الحائض) يعني: في حال حيضها، وأما إذا طهرت فإنه يتعين عليها أن تطوف ولا يجوز لها أن تخرج، ولو خرجت غير مودعة لزمها دم؛ لأنها خرجت وهي طاهرة. تراجم رجال إسناد حديث (أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعلى بن عطاء ]. يعلى بن عطاء وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الوليد بن عبد الرحمن ]. هو الوليد بن عبد الرحمن الجرشي وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الحارث بن عبد الله بن أوس ] الحارث بن عبد الله بن أوس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . والعجيب أن الحافظ في التقريب يقول: إنه مختلف في صحبته، لكن هذا الحديث يدل على صحبته؛ لأنه قال: (كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم). ويقول الحافظ أيضاً: وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. طواف الوداع شرح حديث عائشة في طواف الوداع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: طواف الوداع. حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأبطح حتى فرغت، وأمر الناس بالرحيل، قالت: وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت فطاف به ثم خرج) ]. قوله: باب: طواف الوداع هذا الباب لا يختلف عن الباب الذي قبله الذي هو باب: الوداع، وكأن هذا التفريق المقصود منه أن الإنسان يودع قبل مغادرة مكة، وتلك الترجمة أورد لزوم طواف الوداع، وهنا ذكر صفة طواف الوداع، وأنه يطاف بالبيت سبعة أشواط عند مغادرة مكة، ويقال لذلك: طواف الوداع، وليس بين الترجمتين فرق، وكلها تتعلق بطواف الوداع، وأن الإنسان لا يغادر مكة إذا كان حاجاً إلا وقد ودع البيت، إلا الحائض والنفساء فإنهما قد رخص لهما في ذلك. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعمرها من التنعيم، كان بالأبطح ينتظرها، فلما كان في السحر في آخر الليل، نزل إلى مكة وطاف طواف الوداع، ثم خرج قافلاً إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن طواف الوداع من فعله عليه الصلاة والسلام، والأحاديث التي مرت تدل على طواف الوداع من قوله صلى الله عليه وسلم، فطواف الوداع ثابت من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في طواف الوداع قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ] هو وهب بن بقية الواسطي وهو ثقة، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ] هو خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أفلح ] هو أفلح بن حميد وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن القاسم ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. قد مر ذكرها. شرح حديث عائشة في طواف الوداع من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر -يعني: الحنفي - حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجت معه -تعني مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم- في النفر الآخر، فنزل المحصب) قال أبو داود : ولم يذكر ابن بشار قصة بعثها إلى التنعيم في هذا الحديث، قالت: (ثم جئته بسحر، فأذَّن في أصحابه بالرحيل، فارتحل، فمر بالبيت قبل صلاة الصبح، فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجهاً إلى المدينة) ]. أورد المصنف حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله. قول عائشة : (فنزل المحصب). يعني: أن عائشة رضي الله عنها كانت معه في النفر الآخر الذي هو اليوم الثالث عشر؛ لأن النفر نفران: النفر الأول في اليوم الثاني عشر لمن أراد أن يتعجل، والنفر الثاني في اليوم الثالث عشر بعد رمي الجمار بعد الزوال لمن أراد أن يتأخر، والنبي صلى الله عليه وسلم قد تأخر في منى إلى اليوم الثالث عشر حتى رمى الجمار، وانصرف من منى عليه الصلاة والسلام، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المحصب، ثم إنه انطلق آخر الليل في السحر وطاف طواف الوداع صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ] محمد بن بشار مر ذكره . [ حدثنا أبو بكر يعني الحنفي ] هو عبد الكبير بن عبد المجيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة ]. وقد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث: (كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى استقبل البيت فدعا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد : أن عبد الرحمن بن طارق أخبره عن أمه رضي الله عنها: (أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى -نسيه عبيد الله - استقبل البيت فدعا) ]. أورد أبو داود حديث أم عبد الرحمن بن طارق : [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى -نسيه عبيد الله - استقبل القبلة فدعا) ]. هذا الحديث ليس فيه شيء يدل على طواف الوداع، ومعناه غير واضح، وما أعرف ما هي دار يعلى هذه، وأيضاً ذلك المكان الذي نسيه عبيد الله أنه كان يستقبل البيت ويدعو، والحديث فيه عبد الرحمن بن طارق متكلم فيه فهو مقبول، يعني: أنه يقبل حديثه عند المتابعة. تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى استقبل البيت فدعا) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين مر ذكره. [ حدثنا هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن جريج أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد ]. عبيد الله بن أبي يزيد ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الرحمن بن طارق ]. عبد الرحمن بن طارق مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن أمه ] يقول الحافظ : لم أقف على اسمها وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و النسائي . حكم النزول بالمحصب
__________________
|
#409
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: التحصيب. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة، فمن شاء نزله، ومن شاء لم ينزل) . ]. قوله: باب: التحصيب، التحصيب هو النزول بالمحصب، والمحصب هو الذي يقال له: الأبطح والبطحاء، وهو بين مكة ومنى. أورد أبو داود حديث عائشة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما نزل المحصب؛ لأنه أسمح لخروجه) ] يعني: أنه نزل في ذلك المكان؛ لأنه متوسط بين مكة ومنى، فقبل الحج جاء ونزل فيه، ودخل وطاف وصلى فيه أربعة أيام يقصر الصلاة، وفي اليوم الثامن قبل الزوال ذهب إلى منى من المحصب وصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وبعد أن رمى الجمار في اليوم الثالث عشر، انصرف إلى الأبطح وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي آخر ليلة الرابع عشر نزل منه إلى الكعبة وطاف طواف الوداع ثم اتجه إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، فعائشة رضي الله عنها تقول: إنه نزل المحصب؛ لأنه أسمح لطريقه. قولها: (وليس بسنة) يعني: ليس بسنة من سنن الحج ولا من المشاعر ولا من الأماكن التي تقصد مثل منى وعرفة ومزدلفة، وإنما كان أسمح لطريقه وليس فيه سنة، فمن شاء نزل ومن شاء لم ينزل. وبعض أهل العلم قال: إنه يستحب أن ينزل الحاج في المحصب اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد نزله، ولكن عائشة رضي الله عنه تبين السبب في نزوله وأنه كان أسمح للطريق، لأنه جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وذهب منه إلى مكة، ثم رجع إليه وذهب منه إلى منى، ثم بعد الحج نزل به، وذهب منه في آخر الليل إلى مكة وطاف طواف الوداع، وخرج إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. والمحصب الآن هو المنطقة التي تقع قريبة من منى، التي يسمونها العدل الآن، فتلك المنطقة هي منقطة البطحاء أو الأبطح، وقد كان الناس إلى عهد قريب -لما كان الحجاج قليلين- يأتون وينزلون بالأبطح، وإذا جاء يوم ثمانية ارتحلوا إلى منى، ومنى ينزلون فيها كيف شاءوا، ليس فيها ازدحام. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن أبيه عن عائشة ]. قد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث: (لم يأمرني رسول الله أن أنزله يعني المحصب ولكن ضربت قبته فنزل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة المعنى ح وحدثنا مسدد قالوا: حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال: قال أبو رافع رضي الله عنه: (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزله، قال مسدد : وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عثمان: يعني في الأبطح) ]. أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه: أنه قال: [ (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزله) ] يعني: أنه هو الذي سبق واختار له المكان في المحصب فضرب القبة فيه، فنزل فيه صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أنه ليس هناك أمر بأن ينزل في المكان الفلاني فيكون سنة، وإنما عندما كان أبو رافع رضي الله عنه على متاعه وعلى شئونه صلى الله عليه وسلم، فكان أن ضرب القبة له في الأبطح -أي: المحصب- فنزله النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لم يأمرني رسول الله أن أنزله يعني المحصب...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل و عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود ، والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ وحدثنا مسدد ] هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صالح بن كيسان ]. صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو رافع ]. أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أسامة: (... نحن نازلون بخيف بني كنانة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (قلت: يا رسول الله! أين تنزل غداً؟ -في حجته - قال: هل ترك لنا عقيل منزلاً؟ ثم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة، حيث قاسمت قريش على الكفر، يعني: المحصب، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم). قال الزهري : والخيف الوادي ]. أورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نزوله بمكة، وجاء في بعض الأحاديث: (أين تنزل بدارك بمكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل ترك لنا عقيل من دور، أو هل ترك لنا عقيل من رباع) أي: دور. و عقيل هو ابن أبي طالب ، وذلك أن أبا طالب ورثه ابناه الكافران وهما طالب و عقيل ، و طالب قتل يوم بدر كافراً، فبقي عقيل هو الذي حاز الدار التي كان يسكنها أبو طالب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسكن مع أبي طالب فيها، ثم بعد ذلك حازها عقيل ، ولم يكن لعلي و جعفر شيء؛ لأنهما أسلما، ومن المعلوم كما في الحديث: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) وبعد ذلك أسلم عقيل رضي الله عنه، ولكنه كان قد ورث الدار في حال كفره، وتصرف في تلك الدار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وهل ترك لنا عقيل من دار) أي: أنه حازها وتصرف فيها وباعها. قوله: (نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر). خيف بني كنانة هو الأبطح، وفيه تقاسم بنو كنانة مع قريش على محاصرة بني هاشم. والمقصود أن نزوله عليه الصلاة والسلام في ذلك المكان الذي حصل فيه إظهار الكفر وإعلان الكفر ومعاداة أهله هو من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك إظهار قوة المسلمين كما قاله بعض أهل العلم، ولهذا قال بعضهم: إنه يستحب نزول المحصب؛ وذلك لكون النبي صلى الله عليه وسلم نزله. قوله: قال الزهري : والخيف الوادي. يعني: الخيف هو الوادي، وهو مكان منبسط في الأبطح، أما مسجد الخيف فهو في منى، وأما الخيف المذكور هنا فهو بين مكة ومنى، وهو خيف بني كنانة وهو الأبطح. تراجم رجال إسناد حديث أسامة: (... نحن نازلون بخيف بني كنانة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ] هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن حسين ] هو علي بن حسين بن علي بن أبي طالب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن عثمان ] هو عمرو بن عثمان بن عفان وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أسامة بن زيد ] أسامة بن زيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أبي هريرة: (أن رسول الله قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً...) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر حدثنا أبو عمرو -يعني الأوزاعي - عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً) فذكر نحوه ولم يذكر أوله، ولا ذكر الخيف: الوادي. ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، وهو قريب من الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ] هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عمر ]. هو عمر بن عبد الواحد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عمرو يعني الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن أبي سلمة ] الزهري مر ذكره. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى أبو سلمة حدثنا حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله و أيوب عن نافع : (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يهجع هجعة بالبطحاء، ثم يدخل مكة، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك.) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أنه كان يهجع هجعة) يعني: كان ينام في أول الليل. قوله: (ثم يدخل مكة ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) ] يعني: يخبر؛ لأن الزعم هنا يراد به الخبر المحقق، وهذا يدل على نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالمحصب، وأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان ينزل بالمحصب قسطاً من الليل، ثم ينصرف منه للوداع. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء قوله: [ حدثنا موسى أبو سلمة ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ] هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن عبد الله ] هو بكر بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأيوب ] هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع أن ابن عمر ]. نافع مولى ابن عمر و ابن عمر قد مر ذكرهما. الفرق بين مكث الرسول صلى الله عليه وسلم ومكث ابن عمر بالمحصب إن الذي فعله ابن عمر هو بعد الحج؛ لأنه قال: (أن ابن عمر كان يهجع هجعة بالبطحاء ثم يدخل مكة)، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يبيت بالمحصب ليلة الرابع عشر، بل إنه جاءه بعد أن رمى الجمار بعد الزوال وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أربعة أوقات صلاها عليه الصلاة والسلام في خيف بني كنانة الذي هو المحصب. شرح حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع بها هجعة، ثم دخل مكة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله). أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو توضيح للذي قبله، وأنه كان ذلك عند الانصراف من منى. وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع أو نام بالبطحاء ثم ذهب لطواف الوداع، وكان ابن عمر يفعل ذلك. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عفان ]. عفان بن مسلم الصفار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر ، وأيوب عن نافع عن ابن عمر]. قد مر ذكرهم جميعاً. حكم من قدم شيئاً قبل شيء في حجه شرح حديث: (اذبح ولا حرج...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (وقف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع بمنى يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله! إني لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذبح ولا حرج، وجاء رجل آخر فقال: يا رسول الله! لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج ، قال: فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: اصنع ولا حرج) ]. قوله: باب: فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه، والمقصود من ذلك ما يحصل يوم النحر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام رتب ترتيباً معيناً: رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، ولكن بعض أصحابه فعلوا يوم العيد فعلاً لا يتفق مع ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، مما جعلهم يستفتونه، فقال بعضهم: (حلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج، وقال آخر: نحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: اصنع ولا حرج) يعني: افعل الشيء الذي بقي عليك، ولا حرج عليك في كونك قدمت غيره عليه، والسبب في السؤال هو كون فعلهم اختلف عن فعله صلى الله عليه وسلم، لأنه رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، فلما علموا ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم حصل من بعضهم أنه سأل: هل يترتب على مخالفتهم لترتيب النبي صلى الله عليه وسلم إثم أو فدية أو كفارة، فكان الجواب منه عليه الصلاة والسلام ألا حرج عليهم. وهذا يدل على أن التقديم والتأخير جائز؛ لأنه لو كان غير جائز لبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الفعل لا يجوز، وكونه أخبر بأن التقديم والتأخير سائغ، يدل على أن هذا حكم مستمر وليس مقصوراً على ذلك الزمان، حتى لو قدم ما حقه التأخير وهو عالم لا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (اذبح ولا حرج) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله ]. عيسى بن طلحة بن عبيد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حرج) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً، فكان يقول: لا حرج، لا حرج، إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك)]. أورد أبو داود حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً، فكان يقول: لا حرج)، قال بعض أهل العلم: إن السعي هو الذي يكون مع طواف القدوم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حرج)، لكن الذي يبدو والله أعلم أن هذا إنما يقصد به السعي هنا الذي يكون يوم النحر، فلو سعى الإنسان قبل أن يطوف، فإنه لا يلزمه أن يعيد السعي بعد الطواف؛ لأنه طاف بعده، بل عمله صحيح، ولكن السنة كون الإنسان يأتي بالطواف أولاً ثم يأتي بالسعي ثانياً، فيكون هذا في حق المتمتعين الذين عليهم طواف وسعي، وكذلك في حق القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم، فيكون عليهم بعد طواف الإفاضة السعي بين الصفا والمروة، فالذي يبدو أن هذا كله في أعمال يوم النحر؛ لأن التقديم والتأخير حصل في ذلك اليوم، واحد قدم وأخر، وأما ما قاله بعض أهل العلم: إن المقصود من ذلك أنه قدم السعي مع طواف القدوم، فهذا غير واضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه سعى مع طواف القدوم، ولكن الذي يبدو ويظهر أن المقصود به هو طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة في حق المتمتعين، وكذلك في حق القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم؛ لأنه يتعين عليهم أن يسعوا بعد طواف الإفاضة. قوله: (فكان يقول: لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض مسلم). يعني: لا حرج في جواب الأسئلة المتعددة التي ذكرها. قوله: (إلا على رجل اقترض عرض مسلم وهو ظالم، فذلك هو الذي حرج وهلك) يعني: المقصود به من نال من عرض أخيه وهو ظالم له، والاقتراض هو القطع، يعني: تكلم في عرض أخيه وهو ظالم له، فالتقيد بقوله: (وهو ظالم له) يدل على أن الكلام في عرضه إذا كان لأمر سائغ ولأمر مشروع ، كجرح الرواة وتعديل الشهود، وكذلك في النصيحة والمشورة، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية : (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأبو جهم لا يضع العصاة عن عاتقه) وأمثال ذلك فإن هذا ليس بظلم، وإنما هو حق، وهذا الذي نال من عرض أخيه وهو ظالم هذا هو الذي أصابه الحرج وحصل له الحرج، وحصل له الهلاك، وذلك بحصول الإثم له. تراجم رجال إسناد حديث (سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حرج) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ] هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن علاقة ] زياد بن علاقة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسامة بن شريك ] أسامة بن شريك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. حكم السترة في مكة شرح حديث المطلب بن أبي وداعة في المرور بين يدي المصلي في الحرم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في مكة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة، قال سفيان : ليس بينه وبين الكعبة سترة) قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه، قال: فسألته، فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي. ]. قوله: باب: في مكة، يعني: هل مكة تتميز على غيرها في أنه لا يتخذ فيها السترة، وأنه يمر فيها بين المصلين ولا يحتاجون إلى سترة، أو أنها كغيرها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى عنزة في الأبطح، يعني: أنه اتخذ سترة في مكة. أورد أبو داود حديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه وفيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم) يعني: في جهة من جهات الكعبة. قوله: (والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة) يعني: لم يتخذ سترة. [ وقال سفيان : (ليس بينه وبين الكعبة سترة) قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه، فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي ]. الإسناد فيه من هو مبهم؛ ولهذا ضعف الحديث بهذا المبهم، فالحديث غير صحيح، ومكة كغيرها، وعلى الإنسان ألا يمر بين يدي المصلين، ويحرص على أن يبتعد، لكن في شدة الزحام الذي لا يمكن معه إلا المرور فإنه يمر، والإنسان يتقي الله ما استطاع، لكن لا يقال: إن الإنسان يمشي في أي مكان من الحرم، بحيث إذا رأى إنساناً يصلي مشى بينه وبين سترته، بحجة أن مكة لا يتخذ فيها سترة! فلم يثبت أن مكة لا يتخذ المصلي فيها سترة، بل النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ سترة في الأبطح. تراجم رجال إسناد حديث المطلب بن أبي وداعة في المرور بين يدي المصلي في الحرم قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ]. كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن بعض أهله عن جده ] جده هو المطلب بن أبي وداعة وهو صحابي، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه، قال: أخبرنا كثير عن أبيه قال: فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي ]. يعني: اتفق مع الذي قبله على أنه من بعض أهله. وجاء في رواية عند النسائي: قال: عن أبي عن جدي، وأبوه الذي هو كثير بن المطلب مقبول، لكن هذا فيه أنه قال: إني لم أسمعه من أبي، وإنما سمعته عن بعض أهلي، وهذا يدل على أن السماع من أبيه غير صحيح.
__________________
|
#410
|
||||
|
||||
![]() الأسئلة حكم لبس المحرم للشراب الذي يكون دون الكعبين قياساً على النعلين السؤال: لقد أفتيتم أن المحرم الذي يلبس الشراب دون الكعبين لأجل الألم الذي في قدميه لا حرج عليه ولا فدية، بخلاف إذا كان يلبس الشراب كاملة، لكن القطع للخفين لمن لم يجد النعلين قد نسخ في يوم عرفة؟ الجواب: نعم الخفان إذا قطعا وصارا دون الكعبين، صار شأنهما شأن النعلين، ومعنى ذلك أن الإنسان له أن يلبسهما، وأما فيما يتعلق بالخفين اللذين يغطيان الكعبين فعندما يحتاج الإنسان إليهما فإنه لا يقطعهما؛ لأنه جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) ولم يذكر القطع، فدل هذا على أن من عدم النعلين ولم يمكنه الحصول عليهما، فله أن يلبس الخفين ولو كان مغطياً للكعبين ولا يلزمه قطعهما، وأما إذا كان الخف موجوداً، وهو دون الكعبين، فإنه يصير حكمه حكم النعل، مثل ما لو قطع الخف وصار دون الكعبين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أذن في استعماله؛ لأنه يصير مثل النعلين، وكذلك الشراب الذي يكون دون الكعبين. حكم طلب الحاجات من الأموات السؤال: ما حكم من يذهب من الحجاج إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الحاجات، وكذا لقبر البدوي وقبر زينب وغير ذلك من القبور؟ الجواب: لا تطلب الحاجات إلا من الله عز وجل، قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، فالله تعالى هو الذي يدعى، وهو الذي يرجى، والأموات يأتي الإنسان إليهم ليدعو لهم، لا يدعوهم، ويسأل الله لهم ولا يسأل منهم أشياء. والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى أهل البقيع دعا لهم وقال: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم سلفنا ونحن بالأثر، نسأل الله لنا ولكم العافية) وهذا دعاء. فكذلك إذا زار المسلم قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر الصاحبين الكريمين رضي الله عنهما، أو زار أي قبر من القبور فإنه يدعو للأموات ولا يدعوهم؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله عز وجل، كما قال عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]. وقال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة). فدلنا هذا على أن صاحب القبر عندما يزار لا يطلب منه شيء ولا يسأل منه شيء، وإنما يسأل الله له ويطلب من الله له. والنبي صلى الله عليه وسلم عندما يزوره الإنسان يسلم عليه ويدعو له، فيقول: صلى الله وسلم وبارك عليك، وجزاك أفضل ما جازى نبياً عن أمته، هذا دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا نقول: يا رسول الله المدد، يا رسول الله أغثني، يا رسول الله أنا أريد زوجة، يا رسول الله أنا أريد ولداً، يا رسول الله أنا أريد كذا؛ لأن هذه أمور تطلب من الله عز وجل، وحتى الشفاعة لا يطلبها الإنسان من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يطلبها من الله فيقول: اللهم شفع فيَّ نبيك، اللهم اجعلني من الفائزين بشفاعة نبيك، اللهم اجعلني من أتباعه السائرين على نهجه، وهكذا يسأل الله عز وجل أن يوفقه لفعل الخيرات، وأن يجنبه المنكرات التي هي من محدثات الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان. حكم طواف الوداع السؤال: ما حكم طواف الوداع إذا سافر الحاج بدونه؟ الجواب: يلزمه فدية، وهي شاة يذبحها بمكة ويوزعها على فقراء الحرم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج. حكم ترك المرأة لطواف الإفاضة بسبب الحيض السؤال: طواف الإفاضة إذا تركته المرأة بسبب الحيض؟ الجواب: لا تعتبر حجت حتى ترجع وتطوف طواف الإفاضة، ولو كانت في أقصى الدنيا؛ لأنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولا يصح أن يطوف أحد عن أحد، ولا يجبر بشيء لا بقليل ولا بكثير، وإنما لابد من الإتيان به، وإذا كانت قد سافرت قبل أن تأتي به فتعتبر ما حجت حتى ترجع وتأتي به. حكم الإتيان بطواف الإفاضة في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة السؤال: هل تصح الإفاضة في اليوم الرابع عشر؟ الجواب: نعم تصح الإفاضة في اليوم الرابع عشر وبعده وقبله، لكن كون الإنسان يبادر إلى أن يأتي بهذا الركن أولى له، وإن أخر إلى حين السفر وطاف طواف الإفاضة وسافر بعده فإنه يغني عن الوداع ويجزئ عنه. حكم طواف الحامل والمحمول السؤال: إذا كان الحاج عنده طفل ولبى عنه، فهل الطواف يكون للحامل والمحمول أو لواحد؟ الجواب: إذا نوى أنه طائف هو وأن هذا المحمول معه طائف، فيكونان طافا معاً. حكم ترديد الأمي للأدعية والأذكار خلف من يأتي بها السؤال: أمي امرأة أمية فهل يجوز أن تقول ورائي الكلمات الضرورية في الطواف، مثل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158]، وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]رََبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ [البقرة:201]؟ الجواب: لا يصلح مثل هذا الشيء؛ لأنها تردد شيئاً لا تفهمه، ولكن تدعو بالأدعية والأسئلة التي كانت تسأل الله عز وجل إياها، وتذكر الله تعالى في طوافها وفي سعيها؛ لأن الطواف ليس له ذكر يخصه، وإنما ينبغي أن يعلمها بعض الأذكار وبعض الأدعية، ويمكن أن يقول لها: ادعي بما شئت واقرئي ما تحفظين من القرآن، ولو كانت لا تحفظ إلا الشيء اليسير القليل منه. حكم حلق أو تقصير المحرم لنفسه عند التحلل السؤال: يقول: إذا حلقت رأسي بيدي هل خالفت السنة؟ الجواب: لا، ليس هناك شيء يدل على خلاف السنة، فالإنسان إذا كان يستطيع أن يحلق رأسه بيده يفعل، وإذا حلقه غيره له يفعل، والمرأة كذلك تقصر لنفسها، وإن قصرت لها امرأة أخرى فلا بأس بذلك. حكم من توفي وصلت عليه النساء في بيته ولم يصل عليه الرجال السؤال: توفي رجل فصلى عليه النساء فقط في بيته ولم يصل عليه الرجال، هل يسقط فرض الكفاية بهن؟ الجواب: كيف يصلى عليه في بيته ولا يخرجونه من بيته؟! فالرجل يجهزه الرجال، وكيف جهزته النساء؟! المرأة لا تجهز الرجل، اللهم إلا إذا كانت الزوجة فإن لها أن تجهز زوجها، أما غير الزوجة فلا تجهز الرجل ولو كان أباها، وكذلك الرجل لا يجهز ابنته، وإنما تجهز المرأة المرأة ويجهز الرجال الرجل، ويمكن للزوج أن يجهز زوجته، والزوجة أن تجهز زوجها. والحاصل أن صلاة الجنازة فرض على الرجال، والنساء ليس من شأنهن الجماعة، وإذا كان هذا قد وقع فإنه يمكن أن يذهب بعض الرجال ويصلون عليه وهو في قبره. حكم استئذان أصحاب الديون في حج الفريضة السؤال: رجل عليه دين كبير ومتفرق لعدة أشخاص، ولا يستطيع أن يستأذنهم في أن يحج الفريضة، فهل يحج دون استئذان؟ الجواب: معلوم أن الذي يؤدى به الحج قليل بالنسبة للديون الكثيرة المتفرقة، ولا يحج إلا وقد استأذنهم، والأولى له ألا يحج، وأن يوفي بالمال الذي يريد أن يحج به بعضهم، حتى يقل دينه، وبدل أن يكون مديناً لعدة أشخاص فإنه يصير مديناً لشخص أو شخصين، وما دام ليست عنده القدرة المالية فليس عليه أن يحج، اللهم إلا إذا كانت هذه الديون مؤجلة ولم تحل، وهو يتمكن أن يوفي عند وقت الأجل، فلا بأس أن يحج. حكم الإحرام من جدة لمن جاء إليها زائراً للأقارب السؤال: هل يجوز للشخص أن يذهب من المدينة إلى جدة لزيارة الأقارب ثم يحرم من الحج منها؟ الجواب: إذا كانت نية الحج موجودة عنده وهو في المدينة فيجب عليه أن يحرم من ميقات المدينة، وأما إن كان ذاهباً إلى جدة وليس عنده عزم الحج، ولا يدري هل يحج أو لا، فإنه يذهب إلى جدة، وإذا جاء وقت الحج وحصل منه عزم على الحج فإنه يحرم من جده. وإذا كان سيمكث في جدة مدة طويلة، وهو عازم على الحج، فعليه أن يذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ويكون متمتعاً، ثم يذهب إلى جدة، ويمكث فيها ما شاء الله أن يمكث، ثم بعد ذلك يذهب إلى مكة إذا جاء وقت الحج. حكم من أعطي مبلغاً ليحج عن غيره وبقي منه شيء فصرفه على أهله السؤال: رجل طلب منه أن يحج عن رجل قد توفي بعد أن أدى فريضة الحج، وأعطي مبلغاً من المال لأداء هذه الفريضة، فهو يريد أن يحج عن هذا الميت بنية خالصة لله عز وجل، مع ما يجد في نفسه من احتياجه إلى ما يزيد على هذا المال ليقوم به على مصالح أهله، فهل عمله هذا صحيح؟ الجواب: الشيء الذي يعطاه الإنسان ليحج عن غيره هو له، سواء كان على قدر كفايته أو زاد على ذلك، مادام أنه أتى بالحج على التمام والكمال، اللهم إلا إذا قالوا: حج من هذا المال وما بقي فأرجعه، فإنه يرجع لهم الباقي، ولكن الإنسان إذا كان قادراً على أن يحج بماله فالذي ينبغي له أن يحج بماله، وإن كان غير قادر على أن يحج بماله، وأراد أن يأخذ شيئاً ليحج به عن غيره من أجل أن يحج فإن هذا سائغ، وإنما الذي لا يسوغ كون الباعث له على الحج المال، وأما إذا كان لا يستطيع أن يحج بماله، ولكن أراد أن يحج ولو بمال غيره عن غيره فإن ذلك سائغ ومحمود، أما من حج ليأخذ فهذا مذموم؛ لأنه جعل الحج وسيلة إلى الدنيا والعكس هو الصحيح. حكم من أتى بعمرة التمتع من المدينة وليس من أهلها ثم رجع إليها لكونه يدرس بها السؤال: نويت أن أحج متمتعاً، فهل لي أن أذهب إلى مكة لأداء العمرة وأرجع بعد ذلك إلى المدينة، مع العلم أن المدينة ليست مدينتي ولكني أدرس بها؟ الجواب: إذا كان الإنسان مقيماً في المدينة فحكمه حكم أهل المدينة، وكون الإنسان يذهب من المدينة إلى مكة ليعتمر ثم يرجع إلى المدينة؛ ينقطع عنه التمتع، فإذا أراد أن يتمتع في الحج فعليه أن يأتي بعمرة ثانية، ويكون بذلك متمتعاً، فمن اعتمر ثم رجع إلى بلده الأصلي أو بلد إقامته الذي هو قاطن فيه، فإنه ينقطع عنه التمتع، فإذا أراد أن يحج متمتعاً فإنه يأتي بعمرة أخرى ثم يحج. واجب المسلم تجاه إخوانه في أيام الحج السؤال: ما واجبنا نحن معاشر طلاب العلم تجاه حجاج بيت الله إذا رأينا بعض المنكرات منهم، ونحن لا نستطيع التفاهم معهم بلغتهم؟ الجواب: الإنسان يحرص على أن يكون داعية إلى الله على بصيرة وعلى هدى، ويحرص على نفع إخوانه وتوجيههم وإرشادهم إلى الخير، وهذا أعظم شيء يحصلون عليه، وأنفس شيء يظفرون به أن يدلوا على الخير ويأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، والإنسان إذا كان يعرف لغة قوم ورأى منهم شيئاً يعرف أنه منكر وأنه غير جائز فإن عليه أن ينبههم وأن يفيدهم بلغتهم التي يتخاطبون بها، فيبلغهم ويبين لهم أن هذا منكر لا يجوز، وأن الواجب هو كذا وكذا، فالإنسان يحرص على نفع إخوانه، وأما إذا كان لا يفهم لغتهم وأمكن أن يتفاهم معهم بالإشارة فعل، وإلا رأى أحداً يفهم لغتهم وأرشده إلى أن ينبه هؤلاء الذين حصل منهم هذا الخطأ. الأمور المشروعة عند زيارة المدينة النبوية السؤال: ما هو المشروع فعله عند زيارة المدينة النبوية؟ الجواب: المدينة النبوية عندما يزورها الإنسان يشرع له خمسة أمور فقط: الأمر الأول: أن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. الأمر الثاني: أن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما. الأمر الثالث: أن يزور أهل البقيع ويدعو لهم. الأمر الرابع: أن يزور شهداء أحد ويدعو لهم. الأمر الخامس: أن يذهب إلى مسجد قباء ويصلي فيه. هذه أمور خمسة مشروعة في هذه المدينة زيارة مسجدين: وهما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء، وزيارة ثلاثة مقابر: قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصاحبين الكريمين، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وما سوى ذلك فإنه لا يزار، وليس في المدينة أماكن تزار شرعاً إلا هذه الأماكن الخمسة التي أشرت إليها. حكم من ترك المبيت والرمي عمداً بحجة قدرته على دفع الفدية السؤال: رجل يمتلك المال الكثير فوقف بعرفة وترك الرمي والمبيت عمداً بحجة أنه يستطيع دفع الفدية؟ الجواب: هذا من التلاعب في الحج، والإنسان عندما يأتي للحج يأتي به كما هو مطلوب منه، ومعلوم أن الحج مدته وجيزة جداً لا تبلغ أسبوعاً كاملاً، بل أقل من أسبوع؛ لأن الحج يبدأ من يوم ثمانية، ويمكن أيضاً لو بدأ حجة يوم عرفة ويوم العيد ويوم الحادي عشر والثاني عشر فتكون مدته أربعة أيام فقط، وإذا تعجل بعد الزوال من اليوم الثاني عشر فإنه يرمي ويودع ويمشي، أما كونه يقف بعرفة ثم يترك الرمي ويترك المبيت فهذا من التلاعب بالحج، والإنسان يأثم لكونه ترك هذه الواجبات تعمداً، وتجب عليه الفدية مع حصول الإثم؛ لأنه تعمد فعل الأمر الذي لا يسوغ ولا يجوز. حكم من انتقض وضوءه أثناء الطواف والسعي السؤال: ما حكم من يطوف بالبيت فانتقض وضوءه، هل إذا جدد الوضوء يبدأ من أول الطواف أو يبني على ما سبق، وكذلك لو انتقض وضوءه أثناء السعي؟ الجواب: الذي يبدو ويظهر أنه إذا حصل نقض الوضوء للطائف أنه يخرج ويتوضأ ثم يرجع ويستأنف من جديد؛ لأن الطواف مثل الصلاة، والإنسان إذا حصل له شيء في الصلاة وانتقض وضوءه فيها فإنه يتوضأ ويستأنفها، فكذلك الطواف. أما السعي فلا يشترط فيه الطهارة فيمكن أن يبني، وكذلك إذا قيمت الصلاة والإنسان يطوف أو وهو يسعى فإنه يصلي في مكانه ثم يواصل الطواف والسعي. حكم أخذ الأموال من زوار القبور السؤال: عندنا قبر يزوره الناس كثيراً، ولصاحب القبر أبناء وذرية يأخذون الأموال من زوار القبر، فما حكم هذه الأموال؟ الجواب: هذه الأموال التي يأخذونها هي من السحت المحرم، والواجب عليهم أن يتركوا ذلك، وأن يبحثوا عن مصادر رزق حلال، وهذا مصدر رزق حرام لا يجوز لهم ذلك، ولا يجوز لهم أن يدعوا الناس إلى الافتتان بالقبور؛ لأن كثيراً من البلاء الذي يحصل عند القبور إنما يحصل بسبب الذين يدعون الناس إلى أنفسهم من أجل أن يحصلوا على المال، ومن أجل أن يبتزوا أموال الناس، فهذا لا يسوغ ولا يجوز، بل عليهم أن يبحثوا عن رزق حلال يستفيدون منه في دينهم ودنياهم. الفرق بين الحكم بغير ما أنزل في القليل والكثير ومع الاستحلال وعدمه السؤال: هل استبدال الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية كفر في ذاته أم يحتاج إلى الاستحلال القلبي والاعتقاد بجواز ذلك؟ وهل هناك فرق بين الحكم مرة بغير ما أنزل الله وبين جعل القوانين تشريعاً عاماً مع اعتقاد عدم جواز ذلك؟ الجواب: يبدو أنه لا فرق بين الحكم في مسألة أو عشر أو مائة أو ألف أو أقل أو أكثر، فما دام الإنسان يعتبر نفسه أنه مخطئ وأنه فعل أمراً منكراً وأنه فعل معصية وهو خائف من الذنب فهذا كفر دون كفر، وأما مع الاستحلال ولو كان في مسألة واحدة وهو يستحل فيها الحكم بغير ما أنزل الله، ويعتبر ذلك حلالاً فإنه يكون كفراً أكبر."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |