|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() آهات الاغتراب في ديوان "حسرة تركمانية" للشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة د. محمود قدوم الدراسة النقديّة بسم الله الرحمن الرحيم مقدِّمة الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أمَّا بعد، فقد ربط النُّقاد بين الشعر والحالات النفسية الموجبة لقوله، أو ما يصلح لهذه الحالات من الأغراض الشعرية، فقالوا: قواعد الشعر أربع: الرغبة والرهبة والطرب والغضب؛ فمع الرغبة يكون المديح والشكر، ومع الرهبة يكون الاعتذار والاستعطاف والاسترحام، ومع الطرب يكون الشوق ورقة النسيب، ومع الغضب يكون الهجاء والتوعد، والعتاب الموجع. ولعل الاغتراب يثير أكثر ما يثير عاطفتَي الرهبة، والغضب، ولا ننفي أنه قد يثير بقية العواطف. ويُعد الاغتراب ظاهرة قديمة قِدَم الإنسان في هذا الوجود؛ فمنذ أن تكوّنت المجتمعات الأولى نشأت معها وفي ظلها الأزمات التي كانت تتمخض -بشكل أو بآخر- عن أنواع من الاغتراب عانى منها الفرد، وواجهها وفق طاقاته، فقد تقوده إلى التمرّد والعصيان، مثلما قد تفضي به إلى الاستسلام والانعزال والانكفاء على الذات، وقد تمرّنه على التفكّر والتصبّر في مواجهة الأزمات. وشِعرُ الاغترابِ ظاهرةٌ بارزةٌ واضحةٌ في شِعْر العرب منذ العصرِ الجاهلي وصولا لقصائد الشعراء العرب المعاصرين؛ فقد غُرِّبَ الشاعر لأنّه هجا، وغُرِّبَ لأنه مدح، وغُرِّبَ لأنه قال شعراً، وغُرِّبَ لأنّه لم يقل، وغُرِّبَ بسبب، وغُرِّبَ بلا سبب إلا لأنّه إنسان ينشد الحياة. وتزاحَمَتْ أشكالُ المُعاناةِ وصُوَرُ التعبيرِ عنها في قصائدِ شعراءِ الغربةِ المعاصرين أمام عينيَّ، ففي شَكواهُم أنِيْنٌ مُسْتَفِز، وفي حَنِيْنِهِم وَتَرٌ مُقْلِق، وفي اسْتِعْطافِهِم وَجَعٌ قاسٍ، وفي عِتابِهِم دُمُوعٌ دَفِيْنَة، وفي وَصْفِهم أوجاعٌ وعِصِيٌّ ورجالٌ غِلاظٌ شداد، وقبورٌ وصلبان، وفي فَخْرهم حَرارةُ الرُّوح، وفي مَدْحِهِم ذلُّ السؤال وكفُّ الرجاء، وفي رِثائِهم مُواسَاةٌ واسْتِرْحَام. وقد أيأست أيام الاغتراب الطويلة التي قضاها الشعراء بعيدا عن أهلهم وأوطانهم كثيرا من الشعراء فأصابَ الوَهْنُ عزائِمَهم، وأَوْهَت طوال الليالي هِمَمَهُم فَصَوَّرُوا حالتَهم هذه بقصائد تمتلئ أنفاسُ قائليها بالكمدِ والكبد والحزن والرجاء، بُنِيَتْ على بحر الشَّكوى، وكُتِبَتْ بأحرفِ الخُضُوعِ، فاقترنَ اليأس فيها بالشَّكوى، وانقلب الصبر والجلد والتصبُّر إلى يأس وقنوط وبكاء وتذلل. وثمة منحى آخر للاغتراب، فيه صفة البطولة والإصرار؛ لأنّ الإنسان يكابد فيه ما يكابد الغريب من حنين وشوق وصبر شديد، وهذا المنحى البطولي هو الذي أضفاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من يتمسك بمبادئ الإسلام وقيمه، حين يفسد الناس، وتختل الموازين، ويصبح المعروف منكرا، والمنكر معروفا[1]. وهو الذي نقصده في هذه الدراسة المعنونة بــ"آهات الاغتراب في ديوان حسرة تركمانيّة" للشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة، ووزّعته وفق الثنائيّات الآتية: 1- الشاعر وثنائيّة الاغتراب/ الحنين. 2- ثنائيّة الآن/ المستقبل. 3- ومضات فنيّة في الديوان. إن مواجهة الشاعر الغربةَ بصبرٍ وشجاعة ليست هي العنوان الوحيد في سجل المواجهات بين الشعراء المعاصرين والغربة، فهناك من الشعراء من قلَّتْ قدرتُه وضَعف تَحمُّله فسالت دموعه، وانسكبت كلماته تتذلل وتستعطف، فقد عيل صبره، وطال في الغربة مكثه، فوهى جسده وأحرقه إلى أهله شوقُه، فشكا وبكى، يقول بدر شاكر السيّاب[2]: واهي الكيان كأنّ خطباً هدّه ![]() ذاوي الشفاه لطول ما يتنهّد ![]() وهو المعطَّلُ من قوامٍ فارعٍ ![]() يسبي العيون ووجنةٍ تتورَّدُ ![]() (1) الشاعر وثنائيّة الاغتراب/ الحنين شاعرنا اسمه منير مصطفى حسن، يُعرف في الوسط الاجتماعي والثقافي والأكاديمي بـ"الشريف الدكتور منير قوشجوزادة أو القوشجي" ينتسب من ناحية الأب إلى السادة أشراف سامراء، ومن ناحية الأم إلى عائلة عماد الدين زنكي (رحمه الله)، وُلد في مدينة كركوك عام (1969). والتحق بمدارس مدينة كركوك لدراسة الابتدائية والمتوسطة والإعداديّة، وفي عام 1987 بدأ دراسة العلوم الإسلامية في كلية الشريعة بجامعة بغداد، وفي عام 1991 عُيِّن مدرّسا في المدارس الثانويّة. ونتيجة لظروف العراق اضطر إلى إكمال دراساته العليا في تركيا، حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة أنقرة في تخصص التفسير وبدرجة امتياز عام 2002. وتابع دراسته للدكتوراة في جامعة أنقرة أيضا، وحصل على الدرجة العلمية في عام 2008 تخصص التفسير. وهو الآن أستاذ مساعد في كليّة العلوم الإسلامية في جامعة بارطِن، ورئيس قسم اللغة العربية وبلاغتها في الكليّة. والدكتور منير كغيره من أبناء بلده عانى من مشاكل جمّة سياسيّة واقتصاديّة...، ولكنّه رغم ذلك حاول الخروج منها دون أن ينال اليأس منه شيئا. ولميوله الأدبيّة حاول صياغة أحاسيسه على شكل أشعار لم تتوقف عند شرح معاناته الشخصيّة بل كانت معبّرة عن معاناة شعب العراق بأجمعه، وجُمعت هذه الأشعار في ديوان نُشر عام 2005 بعنوان "حسرة تركمانيّة". وله غير الشعر من الكفاءات ما يجعله متميّزا بأسلوبه، ومنفتحا على ميادين أخرى من شأنها إثراء المعرفة واتساع الأفق، فهو: • مترجم منذ عام 1999: يجيد الترجمة الفوريّة بين اللغتين العربيّة والتركيّة، ويمتاز بدقة ترجمة الكتب والمقالات من اللغة التركية إلى العربية. • نشر مقالاته الدينية في مجلة "المجلة" اللندنية، والمقالات السياسية في مجلة "الوطن العربي" وصحيفة الشرق الأوسط عام 2000. • حاصل على شهادات تقديريّة في مجال الأدب والسياسة. وقد شغلت ثيمة الاغتراب جانبا كبيرا من ديوانه[3]، حيث كان انعكاس الاغتراب عليه طرديا مع تحوّلات الحياة وتراجع أوضاع المجتمع العراقي السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة... إلخ، فالشاعر أسرع من غيره إلى الإصابة بهذا الداء؛ لأنه يتمتع بقدر عال من الحساسية والتوتر والرهافة، ولهذا فقد عاش في اغتراب مركّب لأنّه "إنسان جمعي يستطيع أن ينقل ويشكل اللاشعور أو الحياة الروحية للنوع البشري" مثلما يقول (يونج). وأكثر ما استفزّني في تجربة الشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة/ القوشجي جدليّة الاغتراب والحنين لوضوحها في شعره؛ إذ إنّها استولت على أغلب أشعار ديوانه "حسرة تركمانيّة" الذي صرّح في تذييله للعنوان قائلا "أشعار كُتِبَت في ديار الغربة"- حيث تبدّى الحنين عنده بلسما لشفاء عوالج الاغتراب وعذاباته وآهاته، ولذلك ظلّ يتأرجح بين الواقع والوهم، وظلت كل غربة في قصائده تثوي بين طياتها بذور فنائها؛ إذ لا يشعر قارئ هذا الديوان بأنّ الشاعر استسلم للضعف أو التخاذل، بل إنّه تسلح بنفس مؤمنة صابرة حنّكتها التجارب، وحلّمتها مواقف الحياة المتواترة. صحيح أنّ الغربة -في كثير من الأحيان- سجن، والشاعر فيها كالغريب مليء بعذابات النفس، يُحييه الأملُ، ويَنْهَشُ جَسَدَهُ اليَأْسُ، فلا تنظر إلى آثار النعمة التي يتظاهر بها الشاعر المغترب بل انظر إلى عينَيه، وابحث فيهما عن خوفه واطمئنانه، وطمعه ورجائه، وغده وماضيه، وتعبه وراحته، ابحث في كلماته ومفرداته وأشعاره... إلخ. يقول الدكتور منير: "كتبتُ الشعر قبل الغربة، لكنّ الغربة حكت مشاعري كثيرا، ففاضت بما بين أيديكم من أشعار ومقطوعات"[4]. ولذلك تجلّت البنية النفسيّة العامّة في قصائده بالاغتراب والحنين، تلك الثنائية التي شكلت عالما قائما بذاته لا تحده حدود معينة، تتداخل أبعاده، وتمتزج ألوانه، وتتشعب دلالاته. ومن هنا بدأت أتحسّس عُمق تجربته الإبداعية التي رَسَمَتهَا مسيرته الحياتية مثلما قادني ذلك إلى فحص منجزه الشعري بحثا عن الثيمات الاغترابيّة فيه، قصدَ الإحاطة بمكوناتها، ومن ثم الوقوف على المناهج التعويضية التي اعتمدها؛ لأن البحث في قضيّة الاغتراب هو بحث في المشاعر قبا البحث عن الصور والرموز والإيقاع والألوان البديعيّة المختلفة... إلخ، يقول[5]: سبعون عاما والعراق يحتضر والدمع ما انفكّ على الخدّين ينتثر والعيش في مقبرة الأحياء قد صار قدرا •••• قدر أن أعيش بين تلال الجماجم وأنهار الدم قدر أن أجد على مائدة فطوري أطباقا من الشظايا والرصاص تُزيّنها آنية زهور تفوح منها رائحة البارود •••• قدر أن أسمع كل يوم سمفونيّة البنادق وأن أرقص طربا على أهزوجة الرشّاشات قدري أن أعيش قدرا ولكن ليت قدري أن أعيش حرا! والحنين فطرة في الإنسان؛ فإذا ابتعد عن المكان الذي فيه سكنه وهدوؤه واطمئنانه، شدّته إليه أواصر قوية، تتمثّل في الحنين إليه، وتكاد تدفعه دفعا إلى العودة إليه، وأن يفديه بكلّ ما يملك، من مال وبنون، وروح وجسد، يقول في قصيدته "لا أبالي بالموت"[6]: لو كنت أعلم أنّك بحاجة إلى روحي لما تردّدتُ في الفداء بها لستُ أبالي بالموت ما دمتُ أقدّم لك الحياة ويقول في قصيدته "أرض وآمال"[7]: يسألوني عن بلادي وعن أرضي وسمائي ليتهم تركوني وحالي ولم ينكأوا الجرح في فؤادي فديْتُ أرضا بالمال والدماء رخّصتُ لها الغالي ولم أبالي والحنين عاطفة إنسانية سامية، فيها الإخلاص، والوفاء والحب، إذ كيف يستطيع الإنسان أن ينسى وطنا عاش تحت سمائه، ودرج فوق أرضه، وشهد آماله وآلامه؟ وكلما عظم هذا التعلق، وكثر ذلك الارتباط كان الإنسان قريبا من السموّ والكمال بمعنى أنّه قريب من تحقيق إنسانيته بمُثُلها العليا. يقول في قصيدته (اسألوا بغداد)[8]: عرفت العراق عراقا شامخا ما لشموخ الجبال بعده شموخ عرفتُه، ليتني ما عرفتُه؛ عرفتُه أرضا وسماء وهواء والأرض التي درج الإنسان على ظهرها، وتنسم هواءها، وتغذى بغذائها، وشرب من مائها؛ منها أجزاؤه التي انبنى بها جسمه، وخواطره التي انعقد عليها فكره، فهو من هذه الأرض بجسمه وفكره وعقله وأمله: بلسانها نطق، وبأرضها سعى، وبهذه الأسباب كانت الأرض وطنا والإنسان مواطنا، أوجبت لكل منهما حقا على الآخر. وترتبط الغربة بالحنين؛ حيث تتواشج المشاعر والأحاسيس، ويصعب الفصل بينهما في أحيان كثيرة؛ فالغربة ألم ومعاناة تفضي بصاحبها إلى الحنين، إذ لا وجود له إلا بها، فهي سابقة عليه، ومشتركة معه، وهي الباعث الرئيس له، لكنّ المشهد السابق الذي رسمه الشاعر عن العراق سرعان ما تحوّل، يقول[9]: شعلة نار أحرقت الأخضر قبل اليابس هول أفزع الموتى في قبورهم فار الفرات من الدموع لبست النخلة السواد واحمرّ القمر خجلا يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() آهات الاغتراب في ديوان "حسرة تركمانية" للشاعر الشريف الدكتور منير قوشجوزادة د. محمود قدوم (2) ثنائيّة الآن/ المستقبل إذا كانت أعظم غربة على المستوى الفرديِّ حينما يقع الإنسان أسيرا في أيدي الأعداء، يُحيطون به من كلِّ جانب، فيحمل هَمَّيْن: همَّ الغربة في المكان، وهم الغربة في الزَّمان، كما حدث عندما وقع أبو فراسٍ الحمدانيّ أسيرا في أيدي الأعداء، فكتب قصيدته التي يُخاطب فيها سيفَ الدولة راجيًا إيَّاه العملَ على فَكِّ قيدِه وفدائه من الأَسْر[10]: يا حَسرَةً ما أَكادُ أَحمِلُها ![]() آخِرُها مُزعِجٌ وَأَوَّلُها ![]() عَليلَةٌ بِالشَآمِ مُفرَدَةٌ ![]() باتَ بِأَيدي العِدى مُعَلِّلُها ![]() تُمسِكُ أَحشاءَها عَلى حُرَقٍ ![]() تُطفِئُها وَالهُمومُ تُشعِلُها ![]() إِذا اِطمَأَنَّت وَأَينَ أَو هَدَأَت ![]() عَنَّت لَها ذُكرَةٌ تُقَلقِلُها ![]() تَسأَلُ عَنّا الرُكبانَ جاهِدَةً ![]() بِأَدمُعٍ ماتَكادُ تُمهِلُها ![]() فإنّ شاعرنا تنبّأ بهذا الأسْر فأعدّ العدّة، يقول في قصيدته "لست أدري"[11]: أنا علّمني الزمان أن أستمر في الطغيان كي لا أُحْصَر بين الجدران أو أُحجم بين القضبان أنا علّمني الزمان أن لا أُهزم أن لا أُقهر أن لا أركع ولهذا حرص شاعرنا على لملمة عواطفه وأشواقه وأشيائه، استعدادا للرحيل، يقول في قصيدته "تداعيات": سأحزم أمتعتي وسأجمع أوراقي لأبدأ الرحيل وتنبّأ شاعرنا بالتحولات التي تحيط بالوطن العربي بما يُعرف "الربيع العربي" الذي لمّا تُعرف نهايته؛ إذ شكلت صرخة محمد البوعزيزي دفقة وَلوداً في اللاوعي الجمعي العربي؛ من حيث التماهي معها أو التبصّر بنتائجها أو الاستضاءة ببريقها، يقول في قصيدة "الموت للشعب"[12]: عاش القائد عاش المجاهد عاش البطل المقدام •••• هتافات ردّدناها سنين وسنين وذات يوم عصيْنا وأبَيْنا وارتأينا فما هي إلا لحظة حتى ارتفع صوت الرصاص الحانق صارخا في وجوهنا "الموت للشعب و... عاش القائد" فالشعر، نبوءة فنية ووجدانية عميقة، ويوم قال الشاعر التونسي:"إذا الشعب يوما أراد الحياة..."، لم يكن يدرك في حياته، أن قصيدته هاته، ستكسر صخرة الواقع العربي الصلبة، قصيدة تغنى بها العرب، ليسقطوا بها العديد من أوجه الاستعمار، وليعيدوا نفحة الحياة من جديد في ظل هذه التحولات العربية الجديدة، وقد عبّر أحمد مطر عن هذا بقوله: فمصرٌ لم تعٌد مصراَ وتونس لم تعد خضرا وبغدادٌ هي الأٌخرى تذوق خيانة العسكر وإن تسأل عن الأقصى فإن جراحهم اقسى بني صهيون تقتلهم ومصرٌ تغلق المعبر وحتى الشام يا ولدي تموت بحسرةٍ أكبر هنالك لوترى حلبا فحق الطفل قد سٌلِبا وعرِض فتاة يغتصبا ونصف الشعب في المهجر صغيري إنني أرجوك لا تكبر فأُمتنا مٌمزّقةٌ وأٌمتنا مقسّمةٌ وكل دقيقةً تخسر وحول الجيد مشنقةٌ وفي أحشائها خنجر (3) ومضات فنيّة في الديوان يظهر من الديوان أن الدكتور منير وظّف التناص القرآني والشعري توظيفا واعيا، فهو في شعره يسترفد النظر بالقرآن الكريم بوصفه مصدرا من مصادر الصورة الشعرية عنده؛ فأثرى شعره بمادة فنية مستوحاة من آيات القرآن الكريم والقصص الديني فيه، يقول في قصيدته "عهد الانتظار"[13]: ملائكة الرحمن لا يعرفون السكون ينزلون صفا صفا فهو يتناصّ مع قوله تعالى في سورة الفجر ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾. ويستذكر في قصيدته "حسرة تركمانيّة" قصة سليمان عليه السلام، مع بلقيس، يقول[14]: يحلمون بملك سليمان وعرش بلقيس فهو يتناصّ مع قوله تعالى في سورة النمل ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 38 - 44]. ويروي بعض الأحداث السياسيّة المؤلمة في قصيدته "عِشق.. وحرب" مشبّها أهوالها بخروج الناس للمحشر يوم القيامة، يقول[15]: فما هي إلا ساعات والناس كأنّهم إلى محشرهم يهرعون إذ يتقاطع مع قوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[يس: 51 - 54]. يقول في قصيدته "اضرب "[16]: اضرب فإنّ جبريل معك والملائكة أجمعين وكذلك صالح المؤمنين الذي يتناص مع قوله تعالى في سورة التحريم: ﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ﴾. فالتَّمسك بالحياة وعدم فقدان الأمل هو نوع من أنواع التحدّي؛ لأن فيه إشارة إلى إصرار الشاعر على الحياة، وإشارة إلى زوال الأسباب التي دفعته للغربة. وقد بشَّرَ شاعرُنا في كثير من قصائده بالفرج بعد الشدة، وبانجلاء الظلمة، وذهاب العتمة، يقول[17]: اضرب.. ولا تيأس، هو ذا النصر لاحت بشائره والظلم قد أسدلت ستائره ويتناصّ في القصيدة عينها مع الحديث النبوي الذي رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُف). يقول[18]: اضرب فإنّ النصر هو من عند الله إن يأتكم ليس بنافعكم من حشد باسمكم الملايين أو بضارّكم لا شارون ولا رابين أما التناص الشعري فلعل أبرز ما ورد عنده، قوله في قصيدة "رسالة"[19]: قدر أن أعيش بين تلال الجماجم وأنهار الدم قدر أن أجد على مائدة فطوري أطباقا من الشظايا والرصاص تُزيّنها آنية زهور تفوح منها رائحة البارود •••• قدر أن أسمع كل يوم سمفونيّة البنادق وأن أرقص طربا على أهزوجة الرشّاشات قدري أن أعيش قدرا ولكن ليت قدري أن أعيش حرا! إذ يذكرني بقصيدة ابن زُرَيق البغداديِّ الَّتي تحدَّث فيها عن غُربته في بلاد الأندلُس بعد أن تركَ بغداد طلبا للرِّزق ومات غريبا بالأندلس بعد أن ترك قصيدة هي من عيون الشِّعر العربي، يقول[20]: أستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً ![]() بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ ![]() وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي ![]() صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ ![]() ومن ذلك قوله في قصيدة "إني راحل"[21]: إني راحل لا تسألوني إلى أين؟ لأنّي لا أدري!! لا أبالي بالشتاء والصيف ولا بالجبال والوديان سوى أني.. راحل.. وهذا يُذكرني بقول أبي تمام[22]: ما اليوم أول تَوْديعي ولا الثاني ![]() البينُ أكثر من شوقي وأحزاني ![]() دَعِ الفراق فإنّ الدهرَ ساعده ![]() فصار أملكَ من رُوحي بجثماني ![]() وإذا كانت الغربةُ على المستوى الفرديِّ تشكِّل كلَّ هذا الهمِّ والحزن؛ فإنَّها على المستوى الجماعيِّ تكون أشدَّ وقْعًا على النَّفْس، وقد عرف في تاريخ الأدب العرب ما سُمِّي بـ"رثاء المدُن"، وهو نوعٌ من الشِّعر عبَّرَ أصحابُه من الشُّعراء عن النكبات التي أصابَت الأُمَّة الإسلامية والمِحَن التي حاقَتْ بها، فأصبح أبناؤها المُخْلِصون يعيشون عيشَ الغُرباء، وينكل بهم وتراق دماؤهم، وتُهتَك أعراض نسائهم، وتُدمَّر البيوت، وتهدم المساجد، وتتكالب النكبات القاسية والشدائد العظيمة على الأُمَّة، وقد استشعر الدكتور منير ذلك في قصيدته "أسفي على وطني" إذ يقول[23]: ألم يحزّ قلبي كلّما وجدت بلدي يُناديني بينما أنا مكتوف اليدين دموعي لا تكاد تجف وأنا أرى أعشاش البلابل تعبث بها الأفاعي أكاد أموت غيظا •••• فلولا تلك "الحفنة" ما امتلأت سماؤنا بأسراب الغربان ولا طافت على أرضنا قطيع الضباع وا أسفا على وطني أن يكون مرتعا للغربان والضباع وا أسفا على شعبي أن يبقى في سكرته بينما أرضه في ضياع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() وفي هذه القصيدة تناص واضح من حيث المعنى العام "رثاء المدينة"، والمكان (العراق) مع أبيات لشمس الدِّين الكوفي بعد سُقوط بغداد في أيدي التَّتار، والَّتي يصف فيها حالَ المسلمين في بغداد وحولها، وما فعل التَّتار من سفك للدِّماء وتحريق للبيوت والمساجد، يَقول[24]: مَا لِي وَلِلأَيَّامِ شَتَّتَ خَطْبُهَا ![]() شَمْلِي وَخَلاَّنِي بِلا خِلاَّنِي ![]() مَا لِلمَنَازِلِ أَصْبَحَتْ لاَ أَهْلُهَا ![]() أَهْلِي وَلا جِيرَانُهَا جِيرَانِي ![]() أَيْنَ الَّذِينَ عَهِدْتُهُمْ وَلِعِزِّهِمْ ![]() ذُلاً تَخِرُّ مَعَاقِدُ التِّيجَانِ ![]() كَانُوا نُجُومَ مَنِ اقْتَدَى فَعَلَيْهِمُ ![]() يَبْكِي الْهُدَى وَشَعَائِرُ الإِيمَانِ ![]() إلى أن يقول: مَا زِلْتُ أَبْكِيهِمْ وَأَلْثِمُ وَحْشَةً ![]() لِجَمَالِهِمْ مُتَهَدِّمِ الأَرْكَانِ ![]() حَتَّى رَثَى لِي كُلُّ مَنْ لاَ وَجْدُهُ ![]() وَجْدِي، وَلاَ أَشْجَانُهُ أَشْجَانِي ![]() ومن ذلك قوله في قصيدة "أرض وآمال"[25]: فإذا بشرذمة من السواد أقوالهم هراء في هراء يريدون أن يدفنوني في الرمال ليس لي جرم سوى أنّي أبيْتُ العيش إلا في العلياء ولأنّي بنيتُ قصرا لي في الخيال نُفيتُ إلى حيثُ أقداري فأصبحتُ نفرا من الغرباء وأصبحتُ حديث "القيل والقال"... فهو يتناص مع الشاعر أبي فراس الحمداني[26]: تَمَنَّيْتُمْ أنْ تَفْقِدُوني، وَإنّما ![]() تَمَنَّيْتُمُ أنْ تُفْقِدُوا العِزَّ أصْيَدَا ![]() أما أنا أعلى منْ تعدونَ همة؟ ![]() وَإنْ كنتُ أدنَى مَن تَعُدّونَ موْلدَا ![]() إلى الله أشكُو عُصْبَة ً من عَشِيرَتي ![]() يسيئونَ لي في القولِ ،غيباً ومشهدا ![]() وإنْ حاربوا كنتُ المجنَّ أمامهم ![]() وَإنْ ضَارَبُوا كنتُ المُهَنّدَ وَاليَدَا ![]() وإنْ نابَ خطبٌ، أوْ ألمتْ ملمة، ![]() جعلتُ لهمْ نفسي، وما ملكتْ فدا ![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() يودونَ أنْ لا يبصروني، سفاهة، ![]() وَلَوْ غِبتُ عن أمرٍ تَرَكتُهُمُ سُدَى ![]() فعالي لهمْ، لوْ أنصفوا في جمالها ![]() وَحَظٌّ لنَفسي اليَوْمَ وهَوَ لهمْ غَدا ![]() فَلا تَعِدوني نِعمَة، فَمَتى غَدَتْ ![]() فَأهلي بهَا أوْلى وَإنْ أصْبَحُوا عِدَا ![]() ومن هذا قوله في قصيدة "وجدتُك ولكن..!"[27]: أنا في غنى عن كلام الناس يكفيني ما أنا فيه من إحساس ••• سأتوارى عن الأنظار لأعيش قدري فهو يتناص مع قول عنترة بن شداد العبسي في إحدى قصائده[28]: لحى الله الفراق ولا رعاه ![]() فكم قد شك قلبي بالنبال ![]() أقاتل كل جبارٍ عنيدٍ ![]() ويقتلني الفراق بلا قتال! ![]() كما يتقاطع مع قول عبد الرحمن الداخل[29]: أيها الراكب الميممُ أرضي ![]() أقرِ من بعضي السّلامَ لبعْضِي ![]() إن جسمي كما تراه بأرضٍ ![]() وفؤادي ومالكيه بأرض ![]() قدر البين بيننا فافترقنا ![]() وطوى البين عن جفوني غمضي ![]() قد قضى الله بالبعاد علينا ![]() فعسى باقترابنا سوف يقضي ![]() (5) وبعد فلله الحمد في الأولى والآخرة، والشكر أجزله لأستاذنا الشريف الدكتور منير قوشجوزادة/ القوشجي الذي منحني شرف قراءة ديوانه الشعري والاحتفاء به، وأدعو له بأصدق الأمنيات سائلا الله العليّ القدير أن يحفظه لأسرته ولأصدقائه وأن يمنّ عليه بالصحة وطول العمر ورغَدِ العيش، قَوِيَتْ سواعِدُ العلمِ منْكَ ومَاشَاكَ نَجمُ اليُمْنِ والسَّعْدِ، وأبقاكَ اللهُ سَيِّدَ الحِلْمِ مُتَرَفِّعًا إنه من وراء القصد. أمّا القصائد التي قرأتها ففيها عاطفة متأجّجة، ومشاعر جيّاشة، وموسيقا عذبة، وفيها غضب وغربة، وطرب ورهبة، وتحدّ وإيمان، وفي ديوان الدكتور منير حياة قلقة، وروح مستفزة وأحزان دائمة، وفيها صبر وتصبّر، وشكوى وتذمّر. وهي قصائدُ خفيفة الظل، تلامس القلب وتلتصق بشغافه، فلا ينفك القلب يعتصر دموعها بفيه، ويقلِّب ألمها بيديه، ويجتر جراحها بما تحمل من ألم وقهر وغضب وفرح وأمل وطرب، فهي قصائد تلح على الألم والحزن والصبر، وتستقي من إرادة الحياة دمها، لا تجد فيها التفافا حول معنى شارد ولا مطاردة وراء محسنات لفظية خارجة عن العاطفة لتزركش بها ألفاظها، هي قصائد تولد من رحم المعاناة، مطبوعة بطابع الشاعر الدكتور وإمضاء الشريف الخاص. [1] انظر البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم 3679. [2] بدر شاكر السيّاب، ديوان قيثارة الريح، ج2، ص337. [3] القارئ للديوان يجد قصائد للقدس، وقصيدة مهداة لأمه وأخرى لزوجته. [4]في مقابلة شخصيّة مع الشاعر. [5] ديوان حسرة تركمانية، ص17. [6] ديوان حسرة تركمانية، ص35. [7] ديوان حسرة تركمانية، ص61. [8] ديوان حسرة تركمانية، ص9. [9] قصيدة اسألوا بغداد، ديوان حسرة تركمانية، ص10. [10] ديوان أبي فراس الحمداني، ص136. [11] ديوان حسرة تركمانية، ص30. [12] ديوان حسرة تركمانية، ص53-54 [13] ديوان حسرة تركمانية، ص13. [14] ديوان حسرة تركمانية، ص17. [15] ديوان حسرة تركمانية، ص17. [16] ديوان حسرة تركمانية، ص59. [17] ديوان حسرة تركمانية، ص33. [18] ديوان حسرة تركمانية، ص59. [19] ديوان حسرة تركمانية، ص15-20. [20] انظر حسين المرصفي، الوسيلة الأدبية، ج2، ص165-166. [21] ديوان حسرة تركمانية، ص25. [22] ديوان أبي تمام، ج2، ص224. [23] ديوان حسرة تركمانية، ص50. [24] انظر فوات الوفيات، ابن شاكر الكتبي، ج 2، ص233. [25] ديوان حسرة تركمانية، ص61-62. [26] ديوان أبي فراس الحمداني، ص185. [27] ديوان حسرة تركمانية، ص45-46. [28] ديوان عنترة العبسي، ص96. [29] ديوان عبدالرحمن الداخل، ص65.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |