من أخبار الشباب (10) سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كيفية علاج هرمون الحليب المرتفع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الرابط ما بين رائحة الفم والسكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ما هي مخاطر انخفاض ضغط الدم ومضاعفاته؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيفية علاج التهاب الدماغ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ما هي أسباب التهاب الدماغ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ما هي أسباب نقص الهيموجلوبين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيفية علاج التهاب العصب السابع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التسمم الدوائي عند الأطفال، معلومات مهمة للوالدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ما علاقة الزنجبيل وضغط الدم المرتفع أو المنخفض؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 531 - عددالزوار : 23251 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-07-2021, 04:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,638
الدولة : Egypt
افتراضي من أخبار الشباب (10) سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى

من أخبار الشباب (10)

سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرَّحْمَنِ: 2 - 4]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنَارَ الطَّرِيقَ لِلسَّالِكِينَ، وَأَقَامَ حُجَّتَهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النِّسَاءِ: 165]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَعَلَّمُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُكُمْ؛ فَإِنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ أَعْلَى الْعُلُومِ وَأَشْرَفُهَا ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [الْمُجَادَلَةِ: 11].

أَيُّهَا النَّاسُ:
مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فِي الصِّغَرِ صَارَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْكِبَرِ؛ وَلِذَا قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: «الْحِفْظُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ».

وَهَذِهِ لَمَحَاتٌ مِنْ سِيرَةِ إِمَامٍ كَبِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَحُفَّاظِهَا، تَوَجَّهَ لِلْعِلْمِ مُنْذُ صِغَرِهِ، فَكَانَ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَأَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ، ذَلِكُمْ هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْهِلَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي وَصْفِهِ: «وَطَلَبَ الْحَدِيثَ وَهُوَ حَدَثٌ بَلْ غُلَامٌ، وَلَقِيَ الْكِبَارَ، وَحَمَلَ عَنْهُمْ عِلْمًا جَمًّا، وَأَتْقَنَ وَجَوَّدَ وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَعُمِّرَ دَهْرًا، وَازْدَحَمَ الْخَلْقُ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الْإِسْنَادِ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ الْبِلَادِ، وَأَلْحَقَ الْأَحْفَادَ بِالْأَجْدَادِ».

وُلِدَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْهِجْرِيِّ الثَّانِي، وَأَدْرَكَ جُمْلَةً مِنَ التَّابِعِينَ، وَعُمِّرَ حَتَّى جَاوَزَ التِّسْعِينَ، قَضَاهَا فِي الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْعِبَادَةِ، مَعَ زُهْدٍ وَوَرَعٍ.

وَجَّهَهُ أَبُوهُ لِلْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ مُنْذُ طُفُولَتِهِ، ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ فَقَالَ: «حَجَّ بِهِ أَبُوهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ حَجَّةً، حَجَّ بِهِ وَلَهُ سِتُّ سِنِينَ إِلَى أَنْ بَلَغَ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً» ثُمَّ اسْتَمَرَّ يَحُجُّ إِلَى أَنْ وَافَتْهُ الْمَنِيَّةُ، حَتَّى جَاوَزَ سَبْعِينَ حَجَّةً، وَقِيلَ: أَكْمَلَ ثَمَانِينَ حَجَّةً، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ يَقِفُهُ بِعَرَفَةَ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْكَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَقَالَ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كَثْرَةِ مَا سَأَلْتُهُ ذَلِكَ».

ابْتَدَأَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَهُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ، وَطَلَبَ الْحَدِيثَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَذَكَرَ رَغْبَتَهُ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ صَغِيرٌ فَقَالَ: «كَانَ أَبِي صَيْرَفِيًّا بِالْكُوفَةِ، فَرَكِبَهُ الدَّيْنُ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَصِرْتُ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، إِذَا شَيْخٌ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، أَمْسِكْ عَلَيَّ هَذَا الْحِمَارَ حَتَّى أَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَأَرْكَعَ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ أَوْ تُحَدِّثُنِي، قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ أَنْتَ بِالْحَدِيثِ؟ وَاسْتَصْغَرَنِي، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي، فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَحَدَّثَنِي بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيثَ، فَأَمْسَكْتُ حِمَارَهُ، وَجَعَلْتُ أَتَحَفَّظُ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، فَلَمَّا صَلَّى وَخَرَجَ، قَالَ: مَا نَفَعَكَ مَا حَدَّثْتُكَ، حَبَسْتَنِي، فَقُلْتُ: حَدَّثْتَنِي بِكَذَا، وَحَدَّثْتَنِي بِكَذَا، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، تَعَالَ غَدًا إِلَى الْمَجْلِسِ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ». وَقَالَ الْإِمَامُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ غُلَامًا، مَعَهُ أَلْوَاحٌ طَوِيلَةٌ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَفِي أُذُنِهِ قُرْطٌ». وَقَالَ الْإِمَامُ الزُّهْرِيُّ: «مَا رَأَيْتُ طَالِبًا لِهَذَا الْأَمْرِ أَصْغَرَ سِنًّا مِنْهُ». فَهَذَا قَوْلُ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ فِيهِ وَهُوَ لَا يَزَالُ غُلَامًا صَغِيرًا، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي كِبَرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ.


وَكَانَ -وَهُوَ صَغِيرٌ- لَا يَكْتَفِي بِالْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا يَحْفَظُ مَا يَكْتُبُ، وَيَسْأَلُ الشُّيُوخَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَكْتُبَهُ». وَكَانَ شَيْخُهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ يَقُولُ لِأَهْلِ بَلَدِهِ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْغُلَامِ يَسْأَلُنِي وَأَنْتُمْ لَا تَسْأَلُونِي».

وَكَبِرَ الْغُلَامُ حَتَّى احْتَاجَ إِلَى الزَّوَاجِ، فَأَخَذَ الْعِبْرَةَ فِي زَوَاجِهِ مِنْ أَخَوَيْنِ لَهُ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَطَلَبَ ذَاتَ النَّسَبِ فَأُذِلُّ بِسَبَبِهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَطَلَبَ ذَاتَ الْمَالِ فَافْتَقَرَ بِسَبَبِهَا، وَلَمْ تُعْطِهِ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا، وَأَمَّا سُفْيَانُ فَعَمِلَ بِالسُّنَّةِ فَطَلَبَ ذَاتَ الدِّينِ الْقَانِعَةَ، يَقُولُ بَعْدَ أَنْ حَكَى قِصَّةَ أَخَوَيْهِ: «فَاخْتَرْتُ لِنَفْسِي الدِّينَ، وَتَخْفِيفَ الظَّهْرِ؛ اقْتِدَاءً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَ اللَّهُ لِيَ الْعِزَّ وَالْمَالَ مَعَ الدِّينِ». وَهَذَا مِنْ بَرَكَةِ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ وَالْعَمَلِ بِهَا.

وَمِنْ عَجِيبِ مَا وَقَعَ لِسُفْيَانَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ جَمِيعًا؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ شَيْخُهُ، وَمَالِكٌ قَرِينُهُ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ تَلَامِذَتِهِ، وَهَذَا شَرَفٌ قَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لِغَيْرِهِ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «دَخَلْتُ الْكُوفَةَ وَلَمْ يَتِمَّ لِي عِشْرُونَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَصْحَابِهِ وَلِأَهْلِ الْكُوفَةِ: جَاءَكُمْ حَافِظُ عِلْمِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. قَالَ: فَجَاءَ النَّاسُ يَسْأَلُونِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. فَأَوَّلُ مَنْ صَيَّرَنِي مُحَدِّثًا أَبُو حَنِيفَةَ».

وَلَوْلَا أَنَّ سُفْيَانَ أَكَبَّ عَلَى الْعِلْمِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَحَفِظَ الْحَدِيثَ وَضَبَطَهُ وَأَتْقَنَهُ؛ لَمَا تَوَجَّهَتْ هِمَّةُ طُلَّابِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ وَهُوَ لَا يَزَالُ شَابًّا حَدَثًا، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَوَّلُ مَنْ أَسْنَدَنِي إِلَى الْأُسْطُوَانَةِ: مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي حَدَثٌ. قَالَ: إِنَّ عِنْدَكَ الزُّهْرِيَّ وَعَمْرَو بْنَ دِينَارٍ». وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَخْتَبِرُ الْحَدِيثَ إِلَّا وَيُخْطِئُ، إِلَّا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ». وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: «وَكَانَ قَوِيَّ الْحِفْظِ، وَمَا فِي أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ أَصْغَرُ سِنًّا مِنْهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مِنْ أَثْبَتِهِمْ».

وَكَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -وَهُوَ مَنْ هُوَ فِي الْحِفْظِ وَالْفِقْهِ وَالْعِلْمِ- مُعْجَبًا بِشَيْخِهِ سُفْيَانَ أَيَّمَا إِعْجَابٍ، حَتَّى قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فِيهِ مِنْ آلَةِ الْعِلْمِ مَا فِي سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَمَا رَأَيْتُ أَكَفَّ عَنِ الْفُتْيَا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ مِنْهُ»، وَقَالَ: «لَوْلَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لَذَهَبَ عِلْمُ الْحِجَازِ». وَقَالَ: «وَجَدْتُ أَحَادِيثَ الْأَحْكَامِ كُلَّهَا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ سِوَى سِتَّةِ أَحَادِيثَ، وَوَجَدْتُهَا كُلَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ سِوَى ثَلَاثِينَ حَدِيثًا».

وَلَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ مُقْتَصِرًا فِي عِلْمِهِ عَلَى الْحَدِيثِ فَقَطْ، بَلْ لَهُ آرَاءٌ فِي الْفِقْهِ مَتِينَةٌ، وَكَلَامُهُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَكُونُ، فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهْمَ الْقُرْآنِ، وَاسْتِحْضَارَ آيَاتِهِ وَمَعَانِيهِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ».

وَمِنْ أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَيْسَ فِي الْأَرْضِ صَاحِبُ بِدْعَةٍ إِلَّا وَهُوَ يَجِدُ ذِلَّةً تَغْشَاهُ، قَالَ: وَهِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: وَأَيْنَ هِيَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، هَذِهِ لِأَصْحَابِ الْعِجْلِ خَاصَّةً، قَالَ: كَلَّا، اتْلُوا مَا بَعْدَهَا: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الْأَعْرَافِ: 152]، فَهِيَ لِكُلِّ مُفْتَرٍ وَمُبْتَدِعٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَمِنْ أَقْوَالِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَيْسَ الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ الْخَيْرَ فَيَتْبِعُهُ، وَيَعْرِفُ الشَّرَّ فَيَجْتَنِبُهُ» وَقَالَ أَيْضًا: «غَضَبُ اللَّهِ الدَّاءُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللَّهِ تَعَالَى أَحْوَجَ اللَّهُ إِلَيْهِ النَّاسَ».

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ، وَاخْشَوْهُ حَقَّ الْخَشْيَةِ، فَلَا يَخْشَاهُ إِلَّا عَالِمٌ بِهِ سُبْحَانَهُ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فَاطِرٍ: 28].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ أَفْضَلُ الْعُلُومِ وَأَجَلُّهَا، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُطْلَبَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ طَلَبَهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا كَانَ وَبَالًا عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي: رِيحَهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَأَمَّا إِذَا طَلَبَ الْعُلُومَ الدُّنْيَوِيَّةَ كَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ وَغَيْرِهَا لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ؛ إِذْ هِيَ مُبَاحٌ طَلَبُهَا، وَيُبَاحُ التَّكَسُّبُ بِهَا. فَإِنْ نَوَى بِهَا نَفْعَ النَّاسِ فَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى نِيَّتِهِ. قَالَ مَيْمُونٌ: «يَا أَصْحَابَ الْقُرْآنِ، لَا تَتَّخِذُوا الْقُرْآنَ بِضَاعَةً تَلْتَمِسُونَ بِهِ الشَّفَّ؛ يَعْنِي: الرِّبْحَ فِي الدُّنْيَا، وَالْتَمِسُوا الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا، وَالْتَمِسُوا الْآخِرَةَ بِالْآخِرَةِ».

وَقَدْ تَسُوءُ نِيَّةُ الطَّالِبِ فَيَطْلُبُ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ لِلدُّنْيَا، ثُمَّ تُحِيطُ بِهِ بَرَكَةُ الْعِلْمِ فَيُصَحِّحُ نِيَّتَهُ؛ وَلِذَا قَالَ عَدَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: «طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبَى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَّا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى». أَيْ: «دَلَّنَا عَلَى الْإِخْلَاصِ».

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ:
وَهَذَا الْعَامُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْوَامِ عَلَى الطُّلَّابِ وَالْمُدَرِّسِينَ؛ إِذِ اضْطُرُّوا -بِسَبَبِ الْوَبَاءِ- إِلَى الدِّرَاسَةِ مِنَ الْبُيُوتِ عَبْرَ الشَّبَكَةِ الْإِلِكْتِرُونِيَّةِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي تَرَاخِي الْمُدَرِّسِينَ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبِهِمْ تُجَاهَ الطُّلَّابِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي تَعْلِيمِهِمْ مَا أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. وَيَجِبُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إِلَى تَرَاخِي الطُّلَّابِ، وَفَرَحِهِمْ بِالْوَبَاءِ لِأَجْلِ الِابْتِعَادِ عَنِ الْمَدَارِسِ؛ فَإِنَّ الْجَهْلَ قَبِيحٌ بِأَصْحَابِهِ، وَيَكْفِي الْجَهْلَ قُبْحًا أَنَّ الْكُلَّ يَتَبَرَّأُ مِنْهُ حَتَّى الْجُهَلَاءُ، وَيَكْفِي الْعِلْمَ شَرَفًا أَنَّ الْكُلَّ يَنْتَسِبُ لَهُ حَتَّى غَيْرُ الْعُلَمَاءِ. كَمَا يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يُتَابِعُوا أَوْلَادَهُمْ فِي دُرُوسِهِمْ عَنْ بُعْدٍ؛ فَهُمْ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَتَعْلِيمُهُمْ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التَّحْرِيمِ: 6]، وَلَا يُمْكِنُ وِقَايَتُهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا بِتَرْبِيَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ وَتَأْدِيبِهِمْ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِطْعَامِهِمْ وَكِسَائِهِمْ وَرَفَاهِيَتِهِمْ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.28 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]