أسماء القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التأمل: دليل للمبتدئين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1146 - عددالزوار : 130257 )           »          الصلاة مع المنفرد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أصول العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الإسلام يبيح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم وحمايتهم من أي اعتداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3097 - عددالزوار : 370084 )           »          وليس من الضروري كذلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-03-2021, 04:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي أسماء القرآن

أسماء القرآن (1)











الفرقان





د. محمود بن أحمد الدوسري




إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:



معنى «الفرقان» في اللغة:



جاءت لفظة: «الفرقان» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود:



الفرقان: يقوم على ثلاثة حروفٍ أصول، هي الفاء والراء والقاف، وهو كما يقول ابن فارس: «أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييزٍ وتنزيلٍ بين شيئين. مِنْ ذلك الفَرْق: فَرْقُ الشَّعَر، يُقال: فَرَقْتُه فَرْقًا... والفُرْقان: الصُّبْح، سُمِّي بذلك؛ لأنه به يُفْرق بين اللَّيل والنَّهار، ويُقال: لأَنَّ الظُّلْمة تتفرَّق عنه» [1]. و«فَارَقَ فلان امرأَته مُفَارقةً وفِراقًا: بَايَنَها»[2].







والفَرْقُ يُقارب الفَلْقَ في المعنى، لكن الفَلْقُ يقالُ اعتبارًا بالانْشقاق، بينما الفرقُ يقالُ اعتبارًا بالانفصال، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ ﴾ [البقرة: 50].







والفُرقان أبلغ من الفَرْقِ؛ لأنه يُستعمل في الفرق بين الحق والباطل فَرْقًا جليًا بغير شبهة، بينما الفَرْقُ يستعمل في هذا المعنى وفي غيره [3].







«والفرقان في الأصل مصدر فرَق؛ كالشُكران والكُفران والبُهتان، ثم أُطلق على ما يُفرق به بين الحق والباطل، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ [الأنفال: 41]. وهو يوم بدر»[4].







معنى «الفرقان» اسمًا للقرآن:



سمَّى الله تعالى القرآنَ فرقانًا في أربع آيات من كتابه المبارك، وهي:



1- قوله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].



2- قوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران: 4].



3- قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].



4- قوله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].







قال الشَّوكاني رحمه الله: «قرأ عليٌّ وابن عباس وابن مسعود وأُبيُّ بن كعب وقتادة والشَّعبي ﴿ فَرَّقْنَاهُ ﴾ بالتَّشديد؛ أي: أنزلناه شيئًا بعد شيء لا جملةً واحدة.







وقرأ الجمهور ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ بالتخفيف؛ أي: بَيَّناه وأوضحناه، وفَرَقْنا فيه بين الحق والباطل»[5].







واختلف المفسِّرون في سبب تسمية القرآن بالفرقان على أقوال [6]:



1- سُمِّي بذلك؛ لأن نزوله كان مُتَفَرِّقًا أنزله تعالى في نَيِّفٍ وعشرين سنة، في حِين أَنَّ سائر الكتب نزلت جملة واحدة [7]. وتَشْهَدُ له قِراءةُ التَّشديد: ﴿ فَرَّقْنَاهُ ﴾.







2- سُمِّي بذلك؛ لأنه يَفْرُقُ بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والمجمل والمبين، والخير والشَّر، والهدى والضَّلال، والغي والرَّشاد، والسَّعادة والشَّقاوة، والمؤمنين والكافرين، والصَّادقين والكاذبين، والعادلين والظَّالمين، وبه سُمِّي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفاروق. وتشهد له قراءة الجمهور: ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾ بالتَّخفيف.







وقد بَيَّن ابن عاشور رحمه الله سبب تسمية القرآن بالفرقان بقوله: «ووجه تسميته الفرقان أنه امتاز عن بقية الكتب السَّماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل، فإنَّ القرآن يعضد هديه بالدلائل والأمثال ونحوها، وَحَسْبُك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله مما لا تجد مِثْلَه في التوراة والإنجيل كقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]» [8].







والقرآن العظيم فارِقٌ بين نهجٍ في الحياة ونهج، وبين عهدٍ للبشرية وعهد، فهو يُقرر منهجًا واضحًا لا يختلط بأي منهج آخر مما عرفته البشرية قبله. فهو فرقان بهذا المعنى الواسع الكبير. فرقان ينتهي به عهد الخوارق المادية ويبدأ به عهد المعجزات العقلية، وينتهي به عهد الرِّسالات المحلِّية الموقوتة ويبدأ به عهد الرسالة العامة ﴿ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].







3- قيل: الفرقان هو النَّجاة، وهو قول عكرمة والسُّدِّي، سُمِّي بذلك؛ لأن الخلق في ظلمات الضلالات، وبالقرآن وَجَدوا النَّجاة. وعليه حَمَلَ المفسِّرون قولَه تعالى: ﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 53] [9].







وسواءٌ كانت سببُ تسمية القرآن العظيم بالفرقان؛ لأنَّ نزوله كان متفرِّقًا في نَيِّفٍ وعشرين سنة، بينما سائر كتب الله تعالى نزلت جملةً واحدة، أم سُمِّي بذلك؛ لأنه يَفْرُقُ بين الحقِّ والباطل؛ أو لأنَّ فيه نجاةً من ظلمات الضَّلالات. فهذا الاختلاف في التَّنوُّع يدلُّ دلالةً صريحة على عظمة القرآن، ورفعة منزلته عند الله تعالى، وعلوِّ شأنه.







[1] معجم مقاييس اللغة (2/ 350)، مادة: «فرق». وانظر: مختار الصحاح (ص209)، مادة: «ف ر ق».




[2] لسان العرب (10/ 300)، مادة: «فرق».




[3] انظر: المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني (ص379، 380)، مادة: «فرق».




[4] التحرير والتنوير (3/ 11).




[5] فتح القدير (3/ 377).




[6] انظر: التفسير الكبير، للرازي (24/ 40)، تفسير ابن كثير (3/ 309)، تفسير السمعاني (4/ 5)، معاني القرآن، للنحاس (5/ 8)، فتح القدير (1/ 312)، كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير (13/ 7-10)، أضواء البيان، للشنقيطي (6/ 5، 6)، تفسير السعدي (1/ 577)، البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1/ 279)، الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1/ 145)، الهدى والبيان في أسماء القرآن، للبليهي (2/ 37-40).




[7] وقد ذَكَرَ الرازي في: «التفسير الكبير» (24/ 69)، أَوْجُهَ الحكمة في نزول القرآن مُنجَّمًا ومُفرَّقًا خلافًا للكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة، ذَكَرَ ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [الفرقان: 32]. فَلْيُراجَعْ، فهو كلامٌ نَفِيس ومن الأهمية بمكان.




[8] التحرير والتنوير (1/ 71).





[9] انظر: التفسير الكبير، للرازي (2/ 14).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-03-2021, 04:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن


أسماء القرآن (2)



د. محمود بن أحمد الدوسري




البرهان








إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

معنى «البرهان» في اللغة:



جاءت لفظة: «البرهان» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا وهي: «البُرْهان: الحُجَّةُ الفاصلة البيِّنة، يقال: بَرْهَنَ يُبَرْهِنُ بَرْهَنَةً، إِذا جاء بِحُجَّةٍ قاطعةٍ لِلَدَدَ الخَصم، فهو مُبَرْهِنٌ» [1].



والبرهان: مصْدَرُ بَرَهَ يَبْرَهُ إذا ابْيَضَّ، وَرَجُلٌ أَبْرَهُ، وامْرأَةٌ بَرْهَاءُ، وَقَوْمٌ بُرْهٌ، وبَرَهْرَهَةٌ: شابَّةٌ بَيْضَاءُ[2]. ومن هنا جاء التشبيه ببياض الحجة وإشراقها كبياض الحق وإشراقه.



«وقد بَرْهَنَ عليه: أَقَامَ الحُجَّة» [3]. و«البُرْهَانُ أَوْكَدُ الأدِلَّةِ، وهو الذي يَقْتَضِي الصِّدْقَ أبداً، لا مَحَالَةَ» [4].




معنى «البرهان» اسماً للقرآن:



سمَّى اللهُ القرآنَ برهاناً في آية واحدة من كتابه العزيز، وهي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [النساء: 174].



فهذا خطابٌ لكلِّ أصحاب الملل؛ اليهودِ والنصارى والمشركين وغيرهم أن الله تعالى أقام بهذا القرآن الحُجَّةَ عليهم تُبرهن لهم بطلان ما هم عليه من الدِّين المنسوخ، وهذه الحُجَّة تشمل الأدلة العقلية والنَّقلية والآيات الآفاقيَّة كما قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53]. بل كفى بالقرآن العظيم - وحده - برهاناً على صِدْقِ الرسول صلّى الله عليه وسلّم في دعوى الرِّسالة [5].



فالقرآن العظيم برهان من الله تعالى لعباده، أقام به الحُجَّة عليهم، وأظهر من خلاله أوضح الدَّلالات وأقواها، على موضوعاته ومعانيه وحقائقه في العقيدة والحياة، وكلُّ مَنْ تعامل مع أدلة القرآن في يُسرها ووضوحها وتَأثَّرَ قلبُه وعقلُه بها، وقارَنَها بالأدلة والبراهين والأقيسة التي أوجدتها العقول البشرية وقررتها وبيَّنتها، كل مَنْ فعل ذلك يُدركُ طرفاً من البرهان القرآني ويُسْره ووضوحه.



ولمَّا كان البرهان هو أوكد الأدلَّة، ويقتضي الصِّدق لا محالة، فلم يحتج إلى أن يتكرَّر ذكره في القرآن؛ بل ورد مرَّة واحدة فقط؛ لتكون فصل الخطاب الموجَّه من الله تعالى إلى البشر على أنَّ هذا الكتاب دليل كافٍ على صدق النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وصدق نبوَّته.



وتتجلَّى عظمةُ القرآن الكريم ومنزلتُه العالية من خلال تسميته بالبرهان؛ ذلك لأنَّ الله تعالى أقام به الحُجَّة على عباده، تُبرهن لهم بطلان ما هم فيه من الدِّين المنسوخ، وهي حُجَّة متنوِّعة في الاستدلال؛ لتستوعِبَها عقولُ البشر على اختلاف فهومهم وثقافاتهم، وهذا من رحمة الله تعالى وحكمته.





[1] لسان العرب (13/ 51)، مادة: «برهن».




[2] انظر: المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني (ص55)، مادة: «بره».




[3] لسان العرب (13/ 51)، مادة: «برهن».




[4] لسان العرب (13/ 51)، مادة: «برهن».




[5] انظر: فتح القدير (1/ 542)، أضواء البيان (7/ 79، 80)، تفسير السعدي (1/ 217).











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-03-2021, 04:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن

أسماء القرآن (3)



د. محمود بن أحمد الدوسري



الـحـقّ


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

معنى «الحق» في اللغة:
جاءت لفظة: «الحق» في اللُّغة بمعانٍ عدة نأخذ منها ما يدل على المقصود: عَرَّفها ابن فارس بقوله: «الحاء والقاف أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على إحكام الشيءِ وصحَّته» [1].

و«أصلُ الحقِّ: المطابقةُ والموافقة» [2]. و«الحقُّ ضِدُّ الباطل» [3]. والحقُّ من أسماءِ الله عزّ وجل، وقيل: من صفاته.

قال ابن الأثير: هو الموجود حقيقةً المُتَحَقِّقُ وُجودُه وإِلهِيَّتُه. قال تعالى: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمْ الْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 62]. وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾ [المؤمنون: 71]. قال ثعلب: الحقُّ – هنا - اللهُ عزّ وجل، وقال الزَّجاج: ويجوز أن يكون الحقُّ – هنا - التنزيلُ؛ أي: لو كان القرآن بما يُحِبُّونه لفَسَدَتِ السماواتُ والأرضُ.

وقال صلّى الله عليه وسلّم لِمُعاذٍ: «هَلْ تَدْرِي ما حَقُّ العِبَادِ على اللهِ» [4]؛ أي: ثوابُهم الذي وَعَدَهم به فهو واجبُ الإِنجازِ ثابتٌ بوعدِه الحقِّ [5].

«والأَحَقُّ من الخيل: الذي لا يَعْرَقُ، وهو من الباب؛ لأنَّ ذلك يكون لصلابَتِه وقُوَّتِه وإحكامِه» [6].

معنى «الحق» اسمًا للقرآن:
سَمَّى اللهُ تعالى القرآنَ حقًّا في مواضع عِدَّة من كتابه، نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا وهي:
1- قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ﴾ [الحاقة: 51]. «أي: وإنَّ القرآن - لكونه من عند الله - حقٌّ، فلا يحولُ حوله ريب ولا يتطرَّقُ إليه شك» [7]. وهذا القرآن العظيم عميقٌ في الحق، عميقٌ في اليقين، وإنه لَيَكْشِف عن الحقِّ الخالص في كلِّ آية من آياته ما ينبئ بأن مصدره هو الحقُّ الأوحد والأصيل.

2- قوله تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]. قال الواحدي رحمه الله: «نُلقي بالقرآن على باطلهم» [8]. و« القذف: الرَّمي؛ أي: نرمي بالحقِّ على الباطل. ﴿ فَيَدْمَغُهُ ﴾؛ أي: يقهره ويهلكه.


وأصل الدَّمغ: شَجُّ الرأس حتى يبلغ الدِّماغ، ومنه الدَّامِغَةُ [9]. والحقُّ - هنا - القرآن، والباطل الشيطان - في قول مجاهد» [10].

3- قوله تعالى: ﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66]. قال الثَّعالبي رحمه الله: «الضَّمير في ﴿ بِهِ ﴾ عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات، قاله السُّدِّي، وهذا هو الظاهر» [11].

وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ جملة اعتراضية تتضمن شهادة الله بأن هذا القرآن المنزل على هذا النبيِّ الكريم صلّى الله عليه وسلّم هو الحقُّ من الله [12].

والمعنى: «﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ ﴾؛ أي: بالقرآن الذي جئتهم به، والهدى والبيان. ﴿ قَوْمُكَ ﴾، يعني: قريشًا. ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾؛ أي: الذي ليس وراءه حق. ﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾؛ أي: لَسْتُ عليكم بحفيظ، ولست بموكل بكم» [13].

4- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [هود: 17].

قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ ﴾؛ أي: بالقرآن ولم يُصَدِّقْ بتلك الشَّواهد الحقَّة. وقوله: ﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ﴾؛ أي: في شكٍّ من أمر القرآن وكونه من عند الله عزّ وجل [14]. «وفيه تعريضٌ بغيره صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه معصومٌ عن الشَّك في القرآن» [15].

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾؛ أي: القرآن حَقٌّ من الله تعالى لا مرية ولا شكَّ فيه، كما قال تعالى: ﴿ الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [السجدة: 1، 2]. وقال تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 1، 2] [16].

«وتعريف ﴿ الْحَقّ ﴾؛ لإفادة قَصْرِ جنسِ الحقِّ على القرآن. وهو قَصْرُ مبالغةٍ لكمال جنس الحقِّ فيه حتى كأنه لا يوجد حق غيره، مثل قولك: حاتم الجواد»[17].

وقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ «إمَّا جَهْلًا منهم وضَلالًا، وإِمَّا ظُلمًا وعِنادًا وبغيًا. وإلاَّ فَمَنْ كان قَصْدُه حَسَنًا، وفهمُه مستقيمًا، فلا بد أن يؤمن به؛ لأنه يرى ما يدعوه إلى الإيمان مِنْ كلِّ وَجْه» [18].

5- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 48، 49]. والقذف: الرَّمي بالسَّهم والحصى والكلام، ومعناه: أتى بالحقِّ وبالوحي ينزله من السَّماء فيقذفه إلى الأنبياء [19]. وقوله تعالى: ﴿ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ ﴾ «وهو الإسلام والقرآن» [20].

فهذا القرآن العظيم الذي جاء به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هو الحق: الحقُّ القويُّ الذي يقذف به الله تعالى. وكأنَّما الحقُّ قذيفةٌ تصدع وتخرق وتنفذ ولا يقف لها أحد في طريق، يقذف بها الله تعالى علاَّمُ الغيوب، فهو تعالى يقذف بها عن عِلم، ويوجهها علاَّم الغيوب، فلا يخفى عليه هدف، ولا تغيب عنه غاية، فالطريق أمامه تعالى مكشوف ليس فيه ستور، فمَنْ ذا يقف للحقِّ الذي يقذف به الله تعالى؟

ومن خلال تسمية القرآن الكريم باسم (الحقِّ) تبرز عظمتُه ومنزلتُه العالية، فلا بدَّ أن يؤمن النَّاس بهذا الحقِّ الأوحد ويستجيبوا له؛ لأنَّ مصدره هو الإله الأوحد جلَّ جلالُه، ولا يوجد حقٌّ غيره، ففيه تعريضٌ بغيره من الكتب المُحَرَّفة؛ لاختلاط الحقِّ بالباطل فيها.

[1] معجم مقاييس اللغة (1/ 269)، مادة: «حقَّ».

[2] المفردات في غريب القرآن (ص132)، مادة: «حق».

[3] مختار الصحاح (1/ 62)، مادة: «حقق».

[4] رواه البخاري، (4/ 1973)، (ح6267)؛ ومسلم، (1/ 58)، (ح30).

[5] انظر: لسان العرب (10/ 50)، مادة: «حقق».

[6] معجم مقاييس اللغة (1/ 270).

[7] فتح القدير، للشوكاني (15/ 401).

[8] تفسير الواحدي (2/ 713).

[9] «الدَّامِغَةُ منَ الشِّجَاج: إِحْدَى الشِّجاجِ العَشْرِ، وهي التي تَبْلُغُ الدِّماغَ، فَتَقْتُلُ لِوَقْتِهَا». انظر: المعجم الوسيط (ص297)، مادة: «دمغ».

[10] تفسير القرطبي (11/ 295).

[11] تفسير الثعالبي (1/ 529).

[12] انظر: أضواء البيان (7/ 246).

[13] تفسير ابن كثير (3/ 315).

[14] انظر: تفسير أبي السعود (4/ 195).

[15] فتح القدير، للشوكاني (2/ 488).

[16] انظر: تفسير ابن كثير (2/ 441).

[17] التحرير والتنوير (11/ 227).

[18] تفسير السعدي (2/ 359).

[19] انظر: تفسير البغوي (3/ 562، 563).

[20] زاد المسير (6/ 466).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-03-2021, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن

أسماء القرآن (4)



د. محمود بن أحمد الدوسري




النبأ العظيم




إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا, وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:



معنى «النَّبأ» في اللغة:

جاءت لفظة: «النَّبأ» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود:

فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: «النون والباء والهمزة قياسه الإتيانُ من مكانٍ إلى مكان. يقال للذي يَنْبأ من أرضٍ إلى أرضٍ: نابئٌ، وسَيلٌ نابئ: أَتَى من بلدٍ إلى بلد، ورجل نابئ مثله، ومن هذا القياس النبأ: الخبر؛ لأنَّه يأتي من مكانٍ إلى مكان، والمُنبئ: المُخْبِر» [1]. وَجَمْعُ النَّبَأ: أَنْباءٌ، وَإِنَّ لفلان نَبَأً؛ أي: خَبَراً. واسْتَنْبَأَ النَّبأَ: بَحَثَ عنه [2].



و«النَّبَأُ: خَبَرٌ ذُو فائِدةٍ عظيمة يَحْصُلُ به عِلْمٌ أو غَلَبَةُ ظَنٍّ، ولا يقالُ للخَبرِ في الأصلِ نَبَأٌ حتى يَتَضَمَّنَ هذه الأَشْيَاء الثَّلاثة، وحَقُّ الخَبَرِ الذي يُقالُ فيه: نَبَأ أنْ يَتَعَرَّى عن الكَذِب؛ كالتَّواتُرِ وخَبَرِ اللهِ تعالى وخَبَرِ النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام» [3].



معنى «النبأ» اسماً للقرآن:

سَمَّى اللهُ تعالى القرآنَ نبأ عظيماً في موضعين: في سورة «ص»، وفي سورة «النبأ»، ولا شكَّ بأن القرآن نبأ عظيم، فمنذ إيجاد البشرية وتكوينها، ما رأت ولا سمعت بمثل هذا القرآن العظيم، فهو عظيم في أسلوبه، وعظيم في روعته، وعظيم في معناه، وعظيم في جمال تركيبه، وعظيم في وعده ووعيده، وعظيم في أحكامه، وعظيم في أمره ونهيه، وعظيم في أخباره وقصصه وأمثاله.




وَحِكْمَةُ الله تعالى تقتضي ذلك؛ لأنه الكتاب الذي جاء مُصدِّقاً ومهيمناً على كل كتاب قبله؛ ولأنه آخر الكتب السَّماوية. ولأنه نزل تشريعاً عاماً لكل أمة ولكل جيل من أجيال العالم، وناسخاً لكل ما خالفه من الكتب قبله، فاقتضت حكمة الله أن يكون نبأً عظيماً، جاء بالصَّلاح والإصلاح، وبالخير والسَّعادة.



يُنبئ القرآن عن الله وعظمته وكبريائه، ينبئ القرآن عن وجوب توحيد الله وإفراده بالعبادة، ينبئ عن أحكام العبادات، وعن أحكام المعاملات، ينبئ عن كل ما يحتاجه البشر في الدِّين والدنيا.



يُنبئ القرآن عن الأمم التي تقادم عهدها وما جرى عليها من عذاب ونكال، بسبب تكذيبها وفسقها وطغيانها، ينبئ عن البعث والنشور، والحساب والعقاب، والنعيم والعذاب.



ينبئ النَّبأ العظيم عن كل شيء، من البداية إلى النهاية، من بداية خلق هذا الكون، حتى يستقر أهل الجنة في النعيم، وأهل النار في الجحيم [4].



فالقرآن الكريم سُمِّي نبأ؛ حيث إنَّه من ناحية المعنى اللُّغوي لمادَّة نبأ، يتجاوز حدود المكان والزَّمان، فينتقل من مكانٍ إلى مكان، ومن زمانٍ إلى زمان، ومن ناحيةٍ إلى أخرى، فإنَّ ما أخبر به لا يحتمل الشَّك فضلاً عن التَّكذيب؛ لأنَّ جميع ما أخبر به هو الصِّدق، وهو اليقين المحض، والنَّبأ لا يُطلق إلاَّ على الأخبار الثَّابتة الصَّادقة.



قال الله تعالى - عن القرآن العظيم: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾ [ص: 67، 68]. «أي: خبر عظيم وشأن بليغ، وهو إرسال الله إيَّايَ إليكم، ﴿ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾؛ أي: غافلون. قال مجاهد، وشريح القاضي، والسُّدِّي - في قوله عزّ وجل: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾، يعني: القرآن» [5].



قال السَّمرقندي رحمه الله: «قوله عزّ وجل: ﴿ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ﴾ يقول القرآن: حديث عظيم؛ لأنه كلام ربِّ العالمين ﴿ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ﴾، يعني: تاركون فلا تُؤمنون به» [6].



وقال ابن الجوزي رحمه الله: «وفي المُشَار إليه قولان: أحدهما: أنه القرآن. قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور. والثاني: أنه البعث بعد الموت» [7].



ولقد جاء هذا النَّبأ العظيم ليتجاوز قريشاً في مكة، والعربَ في الجزيرة؛ ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان، ويؤثِّر في مستقبل أهل الأرض كلهم, ويُكَيِّفَ مصائرَهم منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.



ولقد حَوَّلَ هذا النبأ العظيم خَطَّ سير الناس إلى الطَّريق الأقوم, ولم يمر بالتاريخ كلِّه حادِثٌ أو نبأٌ تَرَكَ من الآثار ما تركه هذا النَّبأ العظيم، وفيه إبرازٌ لعظمته، وعلوِّ شأنه، ومنزلته وتأثيره.



ولقد أنشأ من القِيَمِ والتَّصورات، وأرسى من القواعد والنُّظُم في هذه الأرض كلِّها، وفي الأجيال جميعها، ما لم يخطر للعرب على بال, وما كانوا يُدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ العظيم إنما جاء لِيُغَيِّر وجهَ الأرض من شركٍ إلى توحيد، ومن ظلمٍ إلى عدل.





[1] معجم مقاييس اللغة (2/ 539)، مادة: «نبأ».




[2] انظر: لسان العرب (1/ 162)، مادة: «نبأ».




[3] المفردات في غريب القرآن (ص482)، مادة: «نبأ».




[4]انظر: الهدى والبيان في أسماء القرآن (2/ 34 ـ 36).




[5] تفسير ابن كثير (4/ 43).




[6] تفسير السمرقندي (3/ 165).




[7] زاد المسير (7/ 154).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11-03-2021, 04:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن

أسماء القرآن (5)



د. محمود بن أحمد الدوسري

البلاغ











إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا, وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:



معنى «البلاغ» في اللغة:

جاءت لفظة: «البلاغ» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما له صلة بموضوعنا:

عرَّفها ابن فارس بقوله: «الباء واللام والغين أصلٌ واحد، وهو الوُصول إلى الشيء: تقول بَلَغْتُ المكانَ، إذا وصَلْتَ إليه» [1].



و«بَلَغَ الشيءُ يَبْلُغُ بُلُوغاً وبَلاغاً: وصَلَ وانْتَهَى» [2]. و«البلوغُ والبلاغُ: الانتهاءُ إِلى أَقْصى المَقْصِد وَالمُنتهى؛ مكاناً كانَ أو زَماناً أو أمراً مِنَ الأُمورِ المُقدَّرَةِ» [3].



والبُلْغَةُ ما يُتَبَلَّغُ به من عَيشٍ، كأنَّه يُرادُ أنه يبلُغُ رُتْبَةَ المُكْثِرِ إذا رَضِيَ وقَنَع؛ وكذلك البَلاغَةُ التي يُمْدَحُ بها الفَصِيحُ اللِّسان؛ لأنه يبلُغُ بها ما يريده.



وقولهم: بلَّغَ الفارسُ، يُرَادُ به أنه يمدُّ يَدَه بِعِنانِ فَرسِهِ لِيَزيدَ في عَدْوِهِ [4].



معنى «البلاغ» اسماً للقرآن:

قال الله تبارك وتعالى في مَدْحِ القرآن: ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ [إبراهيم: 52].



قال السعدي رحمه الله: «فَلَمَّا بيَّن البيان المبين في هذا القرآن قال في مدحه: ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ ﴾ أي: يتبلَّغون به ويتزوَّدون إلى الوصول إلى أعلى المقامات، وأفضل الكرامات، لما اشتمل عليه من الأصول والفروع وجميع العلوم التي يحتاجها العباد ﴿ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾ لِمَا فيه من الترهيب من أعمال الشر وما أعد الله لأهلها من العقاب» [5].



وذَكَرَ السيوطيُّ رحمه الله سببَ تسمية القرآن بالبلاغ، فقال: «وأمَّا البلاغ؛ فلأنه أَبْلَغَ به النَّاسَ ما أُمروا به ونُهوا عنه؛ أو لأنَّ فيه بلاغةً وكفايةً عن غيره، قال السِّلَفِيُّ في بعض أجزائه: سمعتُ أَبا الكرم النحويّ يقول: سمعتُ أبا القاسم التنوخيّ، يقول: سمعتُ أبا الحسن الرُّمانيّ سئل: كل كتاب له ترجمة، فما ترجمة كتاب الله؟ فقال: ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ ﴾» [6].



ومن خلال ما تقدَّم يتبيَّن لنا بجلاء أنَّ القرآن العظيم بلاغٌ للنَّاس أجمعين يتبلَّغون به ويتزوَّدون به إلى الجنة إنْ استجابوا له؛ ذلك أنَّ الله تعالى أَبْلَغَهم به ما فيه صلاحُهم وفلاحُهم في الدُّنيا والآخرة.



وفي القرآن العظيم كذلك بلاغَةٌ وكفايةٌ عن غيره من الكتب المحرَّفة فَضْلاً عن قوانين البشر الوضعية، كُلُّ ذلك يدلُّ على عظمتِه، وعلوِّ شأنه، ومنزلتِه عند الله تعالى. فينبغي أن يكون القرآنُ - في قلوب المؤمنين - عظيماً لِيتبلَّغوا به إلى جنَّاتِ النعيم.





[1] معجم مقاييس اللغة (1/ 156)، مادة: «بلغ».




[2] لسان العرب (8/ 419)، مادة: «بلغ».




[3] المفردات في غريب القرآن (ص70)، مادة: «بلغ».




[4] انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 156).





[5] تفسير السعدي (1/ 428).




[6] الإتقان في علوم القرآن (ص138).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11-03-2021, 04:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن

أسماء القرآن (6)



د. محمود بن أحمد الدوسري


















الرُّوح








إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:







معنى «الرُّوح» في اللغة:



جاءت لفظة: «الرُّوح» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود:



فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: «الراء والواو والحاء أصلٌ كبير مُطَّرد، يدلُّ على سَعَةٍ وفُسْحةٍ واطِّراد، وأصل ذلك كلِّه الرِّيح» [1]. والرُّوحُ: النَّفْسُ، يُذكَّر ويؤنَّث، والجمع أَرواح.







والرُّوح والنَّفْسُ واحد، غيرَ أنَّ الرُّوحَ مُذكَّر، والنَّفْسَ مؤنَّثة عند العرب. قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85].







وتأويلُ الرُّوح أنه ما به حياةُ النَّفْس. والرُّوح: هو الذي يعيش به الإِنسان، لم يُخبر اللهُ تعالى به أحداً من خلقه ولم يُعْطِ عِلْمَه العباد.







والرُّوحانيون: أرواح ليست لها أجسام. ولا يقال لشيء من الخلق رُوحانيٌ إلاَّ للأرواح التي لا أجساد لها مثل الملائكة والجن وما أشبههما [2].







معنى «الروح» اسماً للقرآن:



قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [الشورى: 52]. قال أبو السُّعود رحمه الله في قوله: ﴿ رُوحًا ﴾: «هو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الرُّوح للأبدان حيث يُحييها حياةً أبدية» [3]. «وتنوين ﴿ رُوحًا ﴾ للتعظيم؛ أي: رُوحاً عظيماً» [4].







والمعنى: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ حين أوحينا إلى الرسل قبلك ﴿ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ﴾ وهو: هذا القرآن العظيم، سَمَّاه رُوحاً؛ لأنَّ الرُّوح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالِحُ الدُّنيا والدِّين؛ لما فيه من الخير الكثير. وهو مَحض مِنَّة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال تعالى: ﴿ مَا كُنْتَ تَدْرِي ﴾؛ أي: قبل نزوله عليك ﴿ مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ﴾؛ أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السَّابقة، ولا إيمان وعمل بالشَّرائع الإلهية، بل كنت أُميّاً، لا تَخُطُّ ولا تقرأ.







فجاءك هذا الرُّوح الذي: ﴿ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المُرْدِيَة، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصِّراط المستقيم [5].







ولا جَرَمَ أنَّ القرآن رُوحٌ وحياةٌ للإنسانية جَمْعاء، الإنسانية التي قَتَلَها الغرور وأماتها الجهل، ونَخَر في أعضائها السُّوس، وتسرَّبت إليها الأمراض الفاتكة، فانتكست وتعثَّرت وتدهورت، لا صحَّة لها، ولا حياة طَيِّبة إلاَّ بالقرآن العزيز، الذي سمَّاه اللهُ روحاً؛ روحاً حَيَّةً نابضة [6].







فَمِنْ عظمةِ القرآن وعلوِّ شأنه أنَّه بمنزلة الرُّوح للأبدان تحيا به القلوب والأرواح، فهو حياة للإنسانية جَمْعَاء، ومَنْ لم يؤمن بهذا الرُّوح فهو ميت، وإنْ أكَلَ وشَرب، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [النمل: 80، 81].











[1] معجم مقاييس اللغة (1 /494)، مادة: «روح».




[2] انظر: لسان العرب (2 /463، 464)، مادة: «روح».




[3] تفسير أبي السعود (8 /38).




[4] روح المعاني، للألوسي (25/58).




[5] انظر: تفسير السعدي (4 /434، 435).





[6] انظر: الهدى والبيان في أسماء القرآن (2 /45).
















__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11-03-2021, 04:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن

أسماء القرآن (7)



د. محمود بن أحمد الدوسري



الموعظة




إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا, وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

معنى «الموعظة» في اللغة:
جاءت لفظة: «الموعظة» في اللُّغة بمعانٍ متعدِّدة ومتنوِّعة نذكر منها ما له صلة بموضوعنا: قال ابن فارس: «الواو والعين والظاء كلمة واحدة»[1].

وقد عرَّفها الأصفهاني بقوله: «الوَعْظُ زَجْرٌ مُقْتَرِنٌ بِتَخْويفٍ. قال الخليلُ: هو التَّذْكِيرُ بالخَيْرِ فيما يَرِقُّ له القَلْبُ، والعِظَةُ والمَوْعِظَةُ الاسم»[2].

واتَّعَظَ هو: قَبِلَ الموعظة، حين يُذكر الخبر ونحوه. ويُقال: السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بغيره والشَّقيُّ من اتَّعَظ به غَيرُه[3].


معنى «الموعظة» اسماً للقرآن:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [يونس: 57]. «يعني: القرآن فيه ما يَتَّعِظُ به مَنْ قرأه وعَرَفَ معناه»[4].

«والموعظة: القرآن؛ لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف، ويزجر ويرقق القلوب، ويَعَدِ وَيُوعِد، وهذه صفة الكتاب العزيز»[5].

والمعنى: يا أيها الناس قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العملية، الكاشفة عن مَحاسِنِ الأعمال ومَقابِحِها، المرغبة في المحاسن، والزاجرة عن المقابح.

قد جاءكم كتاب جامع لكل المواعظ أو الوصايا الحسنة التي تُصْلِح الأخلاقَ والأعمال وتزجر عن الفواحش، وتشفي الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد، وتهدي إلى الحق واليقين والصراط المستقيم الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة[6].

وَوَصَفَ هذه الموعظة بأنها: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ للتنبيه على حُسْنِها وكَمالِها وضَرُورةِ العالَمِ أجمع إليها[7]، وهل تُوجد أبلغ من الموعظة الربانية؟! وأكثر نفاذاً منها إلى القلوب؟!

والقرآن في الحقيقة موعظة بليغة؛ لأن القائل هو اللهُ جلَّ جلالُه، والآخذ جبريلُ عليه السلام، والمستملي محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم، فكيف لا تقع به الموعظة[8].

فلو اجتمع الخلقُ كلُّهم إنسُهم وجنُّهم وأتوا بالبلغاء والفصحاء لم يدانوا الموعظة القرآنية ولم يقاربوها في شيء، فأين كلامٌ من كلام، وأين موعظةٌ من موعظة. وفي هذا إبراز لعظمة القرآن، وعلوِّ شأنه، وتأثيره وفاعلِيَّته.

والقرآن كذلك موعظةٌ حَكيمة مُحكَمة، هي سياط القلوب، وفي الوقت نفسه فرحها واستبشارها، أَمَرَتْ بكل خير ونهت عن كل شر، فيجب تلقيها بالرضا والقبول والتسليم.

فكفى بالقرآن واعظاً، وكفى بالقرآن زاجراً، وكفى بالقرآن هادياً ومُذَكِّراً. قال تعالى: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138]. فالمُنتفعون بموعظة القرآن هم: المتَّقون، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.

[1] معجم مقاييس اللغة 2/ 639، مادة: «وعظ».

[2] المفردات في غريب القرآن ص542، مادة: «وعظ».

[3] انظر: لسان العرب 7/ 466، مادة: «وعظ».

[4] فتح القدير، للشوكاني 2/ 453.

[5] تفسير الثعالبي 2/ 181.

[6] انظر: تفسير البيضاوي 3/ 204.

[7] انظر: التحرير والتنوير 11/ 109.

[8] انظر: التفسير الكبير، للرازي 2/ 14.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16-03-2021, 09:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن

أسماء القرآن (8)



د. محمود بن أحمد الدوسري




الشِّفاء




إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:



معنى «الشفاء» في اللغة:



جاءت لفظة: «الشفاء» في اللُّغة بمعانٍ متعددة ومتنوعة نذكر منها ما له صلة بموضوعنا: فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: «الشين والفاء والحرف المعتل يدلُ على الإشراف على الشيء. يقال: أشفى على الشيء إذا أشرفَ عليه، وسُمِّي الشِّفاء شفاءً لِغَلَبَته للمرض وإشفائه عليه» [1].



والشِّفاء: دواء معروفٌ، وهو ما يُبرئُ من السَّقَمِ، والجمعُ: أشْفِيَةٌ، وأَشافٍ جَمْعُ الجَمْع. واسْتَشْفَى فلانٌ: طلبَ الشِّفاء. وأَشْفَيْتَ فلاناً إذا وَهَبْتَ له شِفاءً من الدواء. وشفاهُ وأشْفاهُ: طلب له الشِّفاءَ[2].



معنى «الشفاء» اسماً للقرآن:

لقد سمَّى اللهُ عزّ وجل القرآنَ العظيمَ شفاءً في ثلاثة مواضع من كتابه، وهي:


1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57]. «أي: دواء للقلوب من أمراضها التي هي أشدُّ من أمراض الأبدان كالشَّك والنفاق والحسد والحقد، وأمثال ذلك»[3].



ولا شك أن «هذا القرآن، شفاء لما في الصدور، من أمراض الشَّهوات الصَّادَّة عن الانقياد للشَّرع، وأمراض الشُّبهات، القادحة في العلم اليقيني» [4].



2- قوله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]. «والشفاء حقيقته زوال الداء، ويستعمل مجازاً في زوال ما هو نقص وضلال وعائق عن النفع من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق الذميمة تشبيهاً ببرء السقم؛ كقول عنترة:

ولقد شَفَى نفسي وأبرأ سُقمَها *** قِيلُ الفوارسِ: ويْكَ عنترَ أقْدِمِ



والمعنى: أن القرآنَ كُلَّه شفاء ورحمة للمؤمنين... وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يُستشفى بها من الأدواء والآلام وَرَدَ تعيينها في الأخبار الصَّحيحة فشملتها الآية بطريقة استعمال المُشْتَرَكِ في معنييه» [5].



3- قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: 44]. ولْنَدَعْ للفخر الرازي رحمه الله الحديث عن شفاء القرآن، فقال: «واعلم أن القرآن شفاء من الأمراض الروحانية، وشفاء أيضاً من الأمراض الجسمانية، أما كونه شفاء من الأمراض الروحانية فظاهر، وذلك لأن الأمراض الروحانية نوعان: الاعتقادات الباطلة، والأخلاق المذمومة، أما الاعتقادات الباطلة: فأشدها فساداً الاعتقادات الفاسدة في الإلهيات والنبوات، والمعاد، والقضاء والقدر. والقرآن كتاب مشتمل على دلائل المذهب الحق في هذه المطالب، وإبطال المذاهب الباطلة فيها، ... وأما الأخلاق المذمومة: فالقرآن مشتمل على تفصيلها، وتعريف ما فيها من المفاسد، والإرشاد إلى الأخلاق الفاضلة الكاملة والأعمال المحمودة، ... وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية: فلأن التبرك بقراءته يدفع كثيراً من الأمراض...» [6].



وينبغي علينا أن نُوَسِّعَ دائرةَ شِفاء القرآن من أمراض القلوب والنفوس والجوارح إلى الأمراض العصرية المزمنة كأمراض السِّياسة والاقتصاد والحياة والحضارة وغيرها من أمراض العصر المعقدة، بهذا المفهوم الشَّامل يجب علينا أن ننظر للشِّفاء القرآني، ولا نقصره على آلام الرأس والبطن والجسد.



فمن عظمة القرآن الكريم، وعلوِّ شأنه، وعظمة تأثيره: أنَّ فيه الشفاءَ الكامل لأمراض الاعتقادات الباطلة، والأخلاق المذمومة، والأمراض الجسدية، وشفاؤه يمتد كذلك إلى الأمراض المُعاصِرَةِ المُزمنة لو أخذ الناس بتعاليمه وأدويته النَّافعة فعملوا بها.






[1] معجم مقاييس اللغة (1/ 619)، مادة: «شفى».




[2] انظر: لسان العرب (14/ 436)، مادة: «شفي».




[3] روح المعاني (11/ 176).




[4] تفسير السعدي (2/ 326).




[5] التحرير والتنوير (14/ 150).




[6] التفسير الكبير (21/ 29).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-03-2021, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,820
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسماء القرآن

أسماء القرآن (9)



د. محمود بن أحمد الدوسري



أحسن الحديث


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
معنى «الحديث» في اللغة:
جاءت لفظة: «الحديث» في اللُّغة بمعانٍ عِدَّة نأخذ منها ما يدل على المقصود: فقد عرَّفها ابن فارس بقوله: «الحاء والدال والثاء أصلٌ واحد، وهو كونُ الشيءِ لم يكن. يقال: حدثَ أمرٌ بَعْد أن لم يَكُنْ»[1].

والحَدِيثُ: الخبر قليله وكثيره، وجَمْعُه أحاديثُ على غير القياس.

والأُحْدُوثَةُ: بوزن الأعجوبة ما يُتحدَّثُ به، والمُحَدَّثُ: بفتح الدال وتشديدها الرَّجُلُ الصَّادِق الظَّن [2]. والحَدِيثُ: نقيضُ القديم. واسْتَحْدَثْتُ خَبَرًا: أي: وَجَدْتُ خَبَرًا جديدًا [3].

معنى «أحسن الحديث» اسمًا للقرآن:
قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [الزمر: 23]. «يعني: أَحْكَمَ الحديثِ، وهو القرآن»[4]. فهذا مدح مِنَ الله عزّ وجل لكتابه القرآن العظيم المُنزَّل على رسوله الكريم، أنه أحسن الحديث وأحسن الكلام على الإطلاق.

«وأحسن الكتب المنزَّلة مِنْ كلام الله، هذا القرآن. وإذا كان هو الأحسن، عُلِمَ أنَّ ألفاظَه أفصح الألفاظ، وأوضحها، وأن معانيه أجلُّ المعاني؛ لأنه أَحْسَنُ الحديث في لفظه ومعناه، مُتَشابهٌ في الحُسْن والائتلاف وعدم الاختلاف، بوجه من الوجوه.


حتى إنه كلما تدبره المتدبِّر، وتفكَّر فيه المتفكِّر، رأى من اتِّفاقه، حتى في معانيه الغامضة ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلاَّ من حكيم عليم»[5].

«وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أَخبر عن هؤلاء الممدوحين، أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريقٍ إلى معرفة أحسنه، حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن مَنْ آثره فهو مِنْ أولي الألباب؟ قيل: نعم، أحسنه ما نصَّ اللهُ عليه بقوله: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ... ﴾ الآية»[6].

«وسمَّاه حديثًا؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُحدِّث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه»[7].

وهذه الآية الكريمة تدلُّ دلالة واضحة على «تفضيل القرآن على غيره من كلام الله؛ التوراة والإنجيل، وسائر الكتب، وأن السلف كلَّهم كانوا مقرِّين بذلك، ليس منهم مَنْ يقول الجميع كلام الله فلا يفضل القرآن على غيره»[8].

وافتتاح الآية باسم الجلالة ﴿ اللَّهُ ﴾ يؤذن بتفخيم أحسن الحديث المنزَّل بِأَنَّ منزِّلَه هو أعظم عظيم، ويفيد الاختصاصَ كذلك؛ أي: اختصاصُ تنزيل الكتاب بالله تعالى.

والمعنى: اللهُ تعالى هو الذي نَزَّلَ الكتابَ لا غَيْرُه وَضَعَه، فهذا كناية عن كونه وحيًا من عند الله تعالى لا مِنْ وَضْعِ البشر.

وقد سُمِّي القرآن حديثًا في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى، ومنها:
1- قوله تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185].

2- قوله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6].

3- قوله تعالى: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾ [النجم: 59].

4- قوله تعالى: ﴿ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ﴾ [القلم: 44] [9].

وإنَّ المتأمِّل في لفظة: (الحديث) وإطلاقها على القرآن يتبيَّن أنَّه قد يراد بها أن هذا القرآن متجدِّد دائمًا، فكلَّما تناولنا القرآن بالقراءة والنَّظر استخرجنا معانيَ وفوائدَ جديدة ربما لم نتنبَّه لها قبل، فحديثه لا يَخْلَقُ أبدًا، ومعانيه وفوائده لا تنفد، بل متجدِّدة باستمرار، وهذا هو سِرٌّ من أسرار عظمته، وفخامته، وعلوِّ شأنه، ورفعته.

[1] معجم مقاييس اللغة (1/ 281)، مادة: «حدث».

[2]انظر: مختار الصحاح (1/ 53)، مادة: «ح د ث».

[3] انظر: لسان العرب (2/ 131 ـ 134)، مادة: «حدث».

[4] تفسير السمرقندي (3/ 174).

[5] تفسير السعدي (4/ 318). وانظر: التحرير والتنوير (24/ 67).

[6] تفسير السعدي (4/ 315).

[7] فتح القدير (4/ 458).

[8] كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير (17/ 11).

[9] انظر: التحرير والتنوير (24/ 66).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 149.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 143.77 كيلو بايت... تم توفير 5.36 كيلو بايت...بمعدل (3.59%)]