التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الصلاة نور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          عمود الإسلام (23) الاستفتاح في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الرزق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          اللهم إنا نعوذ بك من الزمهرير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الصاحب الأمين.. قامع المرتدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          في رحاب بر الوالدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          بادروا إلى الأعمال الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          هدايات سورة النحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أبو الحسن علي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          عناية الإسلام بالمرأة وحفظه لحقوقها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-12-2020, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,751
الدولة : Egypt
افتراضي التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

"مراتب الدين الثلاث" (1)


د. عبدالرب نواب الدين آل نواب



أخرج الشيخان بسنديهما عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:
بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت! قال فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: أخبرني عن الإيمان، قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" قال: صدقت!. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" الحديث[1].

هذا الحديث النبوي الجليل تضمن مراتب الدين الثلاث "الإسلام والإيمان والإحسان" وأركانها، وهي أسس الدين ومرتكزاته التي لا يسع المسلم جهلها، ولا يستقيم أمره ولا يرشد إلا بالإتيان بها.

فهي من الأمور الأساسية التي تنهض عليها التربية الإسلامية، سواء من قبل الأبوين أو من قبل المربين والمعلمين والمرشدين.

وتعليم الولد هذه المراتب وأركانها وتربيته عليها منذ الصغر من فرائض الدين، ومن أجل مسئوليات الأبوين المسلمين، فإن اعتنيا به ووجهاه الوجهة الصحيحة فسلمت فطرته التي فطره الله عليها رشد وسعد، وسعد والداه، وإن أهملاه هلك وانحرفت به الفطرة عن سواء السبيل، كما في حديث أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"[2].

ومن بدهيات الدين أن الاهتمام بالولد وتبصيره بأمور دينه من مسئوليات الوالدين، إن أهملا في ذلك وفرطا فيه استحقا العقوبة لأن إهمال الولد في عصر كعصرنا هذا مع كثرة أسباب الإغواء عن الاستقامة والإغراء بالشهوات والشبهات يعد من كبائر الذنوب، فمع اشتداد الحاجة إلى التربية والتقويم والتهذيب والتحصين تعظم المسئولية وتكبر الأمانة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله -:
"وأما فساد الأولاد بحيث يعلمه الشحاذة، ويمنعه من الكسب الحلال أو يخرجه ببلاده مكشوف الشعر في الناس! فهذا يستحق صاحبه العقوبة البليغة التي تزجره عن هذا الإفساد، لاسيما إن أدخلوهم في الفواحش وغير ذلك من المنكرات، ويجب تعليم أولاد المسلمين ما أمر الله بتعليمهم إياه، وتربيتهم على طاعة الله ورسوله كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع[3]"[4].

وفيما يلي من مقالات -إن شاء الله تعالى - نبين معالم تربية الأولاد، على المراتب التي تضم أصول الدين الثلاثة: معرفة العبد ربه، ونبيه - صلى الله عليه وسلم - ودينه وهو الإسلام.

يتبع،،


[1] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الإيمان (50)، ومسلم في كتاب الإيمان (8)، اللفظ لمسلم. وانظر الفتح 1/ 115 في مفهوم الإيمان والإسلام والفرق بينهما وأيضا مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 3/89 وما بعدها.

[2] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الجنائز (1358)، ومسلم في كتاب القدر (2658) وقد تقدم.

[3] رواه أبو داود في كتاب الصلاة حديث رقم (418)، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، حديث رقم (6467).

[4] مجموع الفتاوى 11/ 504.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-12-2020, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,751
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

"مراتب الدين الثلاث" (2)


د. عبدالرب نواب الدين آل نواب




التربية على أركان الإسلام



أولا: الشهادتان






في المقال السابق وفيما هو آت من مقالات سنعيش مع معالم تربية الأولاد على المراتب التي تضم أصول الدين الثلاثة: معرفة العبد ربه، ونبيه - صلى الله عليه وسلم - ودينه وهو الإسلام.. وها نحن نكمل.






التربية على أركان الإسلام:


في الصحيحين من رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا"[1].





الشهادتان هما أعظم أركان الإسلام الخمسة، وهما أساس الدين ومحوره، وتتضمان شرطي قبول العمل: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم.





وفي فضل الشهادتين الجليلتين نصوص كثيرة جدا لا يتسع المقام لذكرها، منها حديث معاذ - رضي الله عنه - وهو رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرحل، قال: "يا معاذ بن جبل". قال؟ لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: "يا معاذ". قال: لبيك وسعديك يا رسول الله - ثلاثا - قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار" قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا!؟ قال: "إذا يتكلوا"، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما[2] أي خوفا من الوقوع في إثم كتمان العلم.





وهذه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"[3].





وهذه الشهادة ليست مجردة من العمل كما قد يفهمه بعض الناس، بل لابد من الإيمان والعمل الصالح كما ذكر تعالى في غير موضع من كتابه المبين من مثل قوله تعالى. ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ï´¾ [الكهف: 107].





وقد بين ذلك علماء الإسلام أكمل بيان من مثل ما رواه البخاري قال: ما جاء في الجنائز: ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله: وقيل لوهب بن منبه - رحمه الله -: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال. بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان! فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك[4].





ومعنى - لا إله إلا الله -: أي لا معبود بحق إلا الله، وإن تلقين الطفل منذ سن التمييز لفظ الشهادة وتدريبه على النطق بها لهو الخطوة الأولى في سبيل تربيته على مبدأ التوحيد وتعليمه مستلزماتها على حسب مداركه في مراحل عمره، ومن أهم مستلزماتها الإخلاص لله وهو التلازم بين الربوبية والألوهية، فالله هو الخالق الرازق فهو سبحانه المعبود بحق وحده لا إله غيره ولا رب سواه.





وإن عقل الطفل المدرك وقلبه كالجوهرة النفيسة الخالية من كل نقش، والطفل - وقد خلقه الله على الفطرة - لديه قابلية فطرية للإقرار بالألوهية، والوالدان يقويان لديه المدارك من خلال لفت نظره بالأسلوب المناسب إلى مخلوقات الله المحيطة به من البهائم والحشرات والجمادات والأشجار ونحوها مما يحيط به مما هو من بيئته ومحيطه، وذلك في شكل قصص صادقة أو في قالب إعلامي مناسب في الإطار الشرعي لإيقافه على عظمة الخالق سبحانه، ومن ثم تعريفه بهذا الخالق المدبر، وأنه الذي يستحق العبادة، وأن هذا هو صراط المسلمين، وأد الكافرين الذين يعبدون معه غيره في ضلال مبين.





وتأمل سيرة الفاروق عمر - رضي الله عنه - كيف ذكر الناس بالتوحيد وهو يطوف حول الكعبة قائلا وهو يخاطب الحجر الأسود: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك"[5].





وهدا يدل على أن الاهتمام بالتوحيد وهو أساس الدين ينبغي أن يكون هاجس المسلم في تذكير نفسه وولده ومن ولاه الله عليه وعامة الناس على قدر الوسع.





وشهادة أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، تستدعي من الأبوين تعريف الولد بمعناها وهو طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرعه - صلى الله عليه وسلم.





وإن في أحداث السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها لمادة علمية زاخرة يستوعبها عقل الطفل المدرك إن أحسن مربيه عرضها بأسلوب القصة التي ينجذب إليها الأولاد وغيرهم وهو أفضل ما يهديه والد لولده ليملا به وقته ويشبع فضوله، ويروي تطلعه إلى الجديد المفيد.





وان محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن كبرى مقاصد التربية التي يتوخاها الأبوان المسلمان كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين"[6].





ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تكون في اتباع سنته واقتفاء أثره واتخاذه قدوة وأسوة في العبادات والمعاملات وكل مناحي الحياة، قال تعالى: ï´؟ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ï´¾ [آل عمران: 31].





قال الإمام ابن سعدي: هذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة ومن ادعى ذلك دعوى مجردة!.





فعلامة محبة الله اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي جعل متابعته في جميع ما يدعو إليه طريقا إلى محبته ورضوانه فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والسنة وامتثال أمرهما واجتناب نهيهما فمن فعل ذلك أحبه الله وجازاه جزاء المحبين وغفر له ذنوبه وستر عليه عيوبه[7].





وهذه المعاني الإيمانية كلها من أهم المقاصد التربوية التي ينبغي أن يرنو إليها الآباء وهم يربون أبناءهم.





إن تلقين الولد منذ مرحلة الصبا مبادئ الدين ينبغي أن يكون مناسبا لمدارك الطفل العقلية وقدراته الاستيعابية، ومهما يكن من أمر فليس هناك مندوحة عن تلقينه الأصول الثلاثة المعروفة بصيغة الاستفهام ومعه تلقين الجواب بتكرار ذلك من الأبوين حتى يصبح ذلك فيه سجية وطبعا بأن يقال له:


من ربك؟


ربي الله.





من نبيك؟


نبيي محمد - صلى الله عليه وسلم.





ما دينك؟


ديني الإسلام.





مع الاهتمام البالغ بتساؤلات الولد واستفهامه المتكرر عن الله عز وجل، وعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن معنى الإسلام، ولماذا خلقنا الله؟ وأين كنا قبل الحياة الدنيا؟ أو من أين يجيء الناس بالأطفال؟!.





والى أين يذهب الناس بعد الموت؟ ولماذا نحب المسلمين ونكره الكافرين؟ وأسئلة أخرى كثيرة تنبعث بتلقائية وبراءة يتفتق عنها عقل الطفل وتفكيره، والأب الكيس يحسن التوجيه بإحسان الإجابة عن تساؤلات أولاده... والطفل الذكي المفكر ينبغ إن أحسن تربيته، ووفق إلى أب راشد لبيب يعرف كيف يبني في ولده العقل والتوجه الرشيد!.





وهذا أمر في غاية الأهمية مع كونه في غاية السهولة والبساطة بعد توفيق الله لأنه أمر فطري جبلي، ويصبح الترقي بعد ذلك إلى ما يليه من أمور العقيدة أمرا سهلاً ميسورًا.






[1] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الإيمان (8)، ومسلم في كتاب الإيمان (16).




[2] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب العلم (128)، ومسلم في كتاب الإيمان (32).




[3] رواه البخاري في كتاب العلم (99).




[4] صحيح البخاري كتاب الجنائز باب ما جاء في الجنائز.




[5] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الحج (1597)، ومسلم في كتاب الحج (1270).




[6] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الإيمان (14)، والنسائي في كتاب الإيمان (5015).




[7] تيسير الكريم الرحمن1/ 179.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-12-2020, 11:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,751
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

"مراتب الدين الثلاث" (3)


د. عبدالرب نواب الدين آل نواب






ثانيًا: الصلاة













قال أبن تيمية:

من أحب الأعمال إلى الله وأعظم الفرائض عنده الصلوات الخمس في مواقيتها، وهي أول ما يحاسب عليها العبد من عمله يوم القيامة، وهي التي فرضها الله تعالى بنفسه ليلة المعراج لم يجعل فيها بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - واسطة، وهي عمود الدين الذي لا يقوم إلا به، وهي أهم أمر الدين كما كان أمير المؤمنين عمر بى الخطاب - رضي الله عنه - يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة فمي حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة.



وقد ثبت في الصحيح عن جابر- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"[1].



وفي حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - مرفوعًا: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"[2] فمن لم يعتقد وجوبها على كل عاقل بالغ غير حائض ونفساء فهو كافر مرتد باتفاق أئمة المسلمين[3].



ولئن ذكرت الصلاة ذكرت معها الطهارة لأنها من شروطها ولوازمها، ومسائل الطهارة كثيرة أختار منها ما يتعلق بتربية الأولاد.



فمن ذلك: معرفة حكم التطهر من بول الغلام والجارية:

أما الغلام الصغير الذي يرضع ولم يأكل الطعام بعد فإن بوله طاهر يكتفى فيه بالنضح وهو الرش وفيه حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنها قالت: "أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره فبال عليه! فدعا بماء فنضحه ولم يغسله "[4].



أما الجارية فيغسل بولها ولا ينضح، قال ابن القيم: قال إسحاق س راهويه: مضت السنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام، ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم، قال وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، قال: ولم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا ساوى بين الغلام والجارية[5].



والأولاد يعلمون التطهر للصلاة من الحدث الأكبر والأصغر، وتعليم ذلك يقع على كاهل الآباء، فالولد إذا ميز وجب تعليمه التطهر فالصلاة وكذلك الفتاة، وقد ذكر الله تعالى التطهر للصلاة في محكم التنزيل لأهميته فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].



فذكرها هنا التطهر؛ الحدث الأصغر وهو الوضوء وفصل كيفيته بذكر الأعضاء التي تغسل والتي تمسح، وذكر التطهر من الحدث الأكبر وهو الغسل، وذكر موجبات كل، ثم ذكر التيمم إذا عدم الماء أو عجز المسلم عن استعماله.



وصفة الوضوء من السنة النبوية الشريفة ما رواه الشيخان:

أن رجلا قال عند الله بن يزيد ألا تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فقال عبدالله بن يزيد: نعم! فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه[6]. والإسباغ في الوضوء فضيلة يبتغيها المؤمن، وفي حديث نعيم بن عبدالله المجمر قال: "رأيت أبا هريرة- رضي الله عنه - يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ"[7].



ومن خصائص الأمة المحمدية أنها تتميز عن غيرها من الأمم بخاصية الوضوء أو بخاصية الغرة والتحجيل كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أمتى يأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"[8].



قال الإمام النووي: أهل اللغة الغرة بياض في جبهة الفرس، والتحجيل بياض يديها ورجليها.



قال العلماء: سمى النور الدي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس، والله أعلم[9].



وفي هذا قول الباري جل ذكره: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الحديد: 12].



أما الغسل فكما وصفته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله "[10].



وهذا ما يسميه الفقهاء الغسل الكامل وهو كما في الحديث وفيه البدء بالوضوء ثم غسل الشق الأيمن ثم الأيسر ثم إفاضة الماء على سائر جسده، وأما الغسل المجزئ فالإفاضة أو كمن يغطس في ماء كثير أو يغوص في نهر تم يخرج.



ومن أحكام الطهارة مما يخص النساء تعليم الفتيات أحكام الحيض، ولقد كان من حرص الصحابيات على تعلم ذلك لتصح عبادتهن أن كانت إحداهن تأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فتسأله عما يعن لها كما في حديث أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: "تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه "[11].



ومن أحكام الحيض أن الحيض والنفساء يدعن الصلاة والصوم حتى يطهرن، والحائض والنفساء تقضيان الصوم ولا تقضيان الصلاة، وفي حديث جابر بن عبدالله وأبي سعيد مرفوعا: "أن الحائض تدع الصلاة"[12].



وأما النفساء فقال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلى، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين[13].



وحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عيها إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قد ميها"[14].



ويستفاد من النصوص السابقة:

أن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة وأن من مسئولية الآباء تعليم الأولاد الصلاة والتطهر لها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن من وسائل تعليم الأولاد وتربيتهم أسلوب القدوة بتدريبهم عمليا على كيفية الوضوء، وهو أمر في غاية الأهمية لاسيما أن الأولاد وهم في سن التعليم والإدراك مفطورون على التقليد والمحاكاة فإذا كان الأبوان يؤديان الفروض الخمسة في أوقاتها ويتطهران لذلك فإن الأولاد يترسمون خطاهما ويتبعونهما في ذلك وهو من أمثل أساليب التربية.



وانه لمن أكبر أخطاء الأبوين إهمال الأولاد في هذا الجانب فقد يكون الوالد صالحًا في ذات نفسه لكنه لا يلزم من تحت يديه من البنين والبنات بالصلاة، وقد يهتم بأمور المعاش من مأكل وملبس اهتماما بالغا ولا يحفل بما هو أهم من ذلك وهو أمر الصلاة والدين، وكذلك الأم قد يقع منها التفريط، فقد تبلغ الفتاة المسلمة سن التكليف بالمحيض وغيره من علامات البلوغ وتمكث سنين لا تصلي ولا تعرف أحكام الحيض والطهارة والصلاة وهو تفريط مهلك من الأبوين وغفلة، والله عز وجل سائلهما عن ذلك.



وبعد تحقق الطهارة في البدن لابد من طهارة الثوب والبقعة التي يصلى فيها، فإذا تحقق من ذلك شرع في تعليم الأولاد الصلاة وبيان ذلك كالآتي.



وفي تعليم الأهل والأولاد الصلوات وإلزامهم بها قول الله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].



وهو دأب الأنبياء والصالحين كما في قوله تعالى حكاية عن أبي الأنبياء إبراهيم الخليل أنه ابتهل إلى الله قائلا: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: 37].



وهذا التواصي بإقامة الصلاة بين الأب وبنيه وسؤال الله ذلك، نراه ماثلا في إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، قال الله تعالى عن إسماعيل: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54- 55].



وإلزام الأولاد إقام الصلاة من أعظم الأمانات التي تقع على كاهل الآباء تجاه الأولاد بعد تلقينهم العقيدة وتربيتهم عليها، وتأمل كيف تأتي أهمية الصلاة بعد العقيدة مباشرة في الاصطبار على إقامتها وفي تربية الأولاد عليها، وذلك في:

دعاء إبراهيم عليه السلام، وهو قوله: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ثم قال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].



ووصية لقمان لابنه إذ قال له: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] ثم قال: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].



ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصا على تربية الناشئة وغيرهم على إقامة الصلوات وتعهدهم لذلك، والأمثلة عليه أكثر من أن تحصر، منها:

حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: "ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحد كم ثم ليؤمكم أكبركم"[15].



ومنها حديث أنس - رضي الله عنه -: "أن جدته مليكة دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصل لكم" قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث، فنضحته بماء، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم انصرف" [16].



وهكذا دأب عليه الصلاة والسلام على تربية الشباب على إقام الصلاة لترنو نفوسهم إلى معالي الأمور وليقفهم على مكانة المسلم ورسالته في الحياة من خلال التقرب إلى الله تعالى بطاعته وبأحب العمل لديه - الصلاة - التي هي عمود الدين.



وهذا درس عملي تطبيقي على الآباء أن يحذوا حذوه في تعليم الأولاد ذكورا وإناثة الصلاة وتعويدهم وتربيتهم عليها.



قال ابن حجر:

وفي الحديث صحة صلاة الصبي المميز ووضوئه، وأن محل الفضل الوارد في صلاة الناقلة منفردا حيث لا يكون هناك مصلحة كالتعليم، بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل ولاسيما في حقه - صلى الله عليه وسلم -[17].



ومما يجب على الآباء أد يولوه العناية بعد التربية على الصلوات المفروضة والنافلة، التربية على الأذكار المشروعة، عقب الصلوات أو في الأحوال العادية، وقد أمر الله عباده بالإكثار من ذكره بكرة وأصيلا فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41- 42].



قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غلب على عقله[18].



وامتدح الله سبحانه عياده المتصفين بهذه الصفة الجليلة وهي ذكره تعالى على كل الأحوال الشريفة بشتى أصناف الذكر، وأفصل دلك تلاوة كتابه فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور ﴾ [فاطر: 29] وقال: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].



ونوه بالأوقات الفاضلة للاستغفار والذكر فقال: ﴿ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]. وقال جل ذكره:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 16 - 18].



إن إقامة الصلوات بكامل أركانها وشروطها لا يتأتى إلا بالرغبة فيها والحرص على أدائها كاملة غير ناقصة، والحرص مع ذلك على تحري الأوقات الفاضلة وعلى أن يكون المسلم كثير الذكر والشكر لربه عز وجل، وكل ذلك لا يتأتى على الوجه الأتم إلا بالإيمان به والقناعة بأهميته والرغبة الذاتية فيه: وهو ما يعمل الآباء بدأب وحرص على غرسه في نفوس وقلوب الأولاد. ومن الأذكار المشروعة الأذكار التي سنها النبي - صلى الله عليه وسلم ، عقب الصلوات المفروضة.



وأما الأذكار الأخرى التي يبغي تعليم الأولاد إياها فكثيرة منها أذكار الطعام والشراب، وأذكار النوم والاستيقاط، وأذكار ركوب الدابة والخروج من المنزل، وأذكار قضاء الحاجة، وأذكار قيام الليل مما يحرص عليها المسلم بِشكل يومي وسيأتي ذكرها دي المبحث الثالث إن شاء الله.



وأورد فيما يلي ما يسمح به المقام:

حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابير واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء"[19].



حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت"[20].



ما رواه قتادة قال سألت أنسا أي دعوة كان يدعو بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو لها يقول: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"[21].



حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر"[22].



في حديث الأغر المزلي أد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال. "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة". ولفظ البخاري: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"[23].



وفي حديث أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له "يا أبا موسى ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة"؟ قلت: ما هي يا رسول الله؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله "[24].



في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال. "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم "[25].



وهناك أدعية أخرى كثيرة بحسب الأحوال، على المسلم تعلمها وسؤال أهل العلم عنها، لاسيما الأدعية الواردة في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.



وقد أورد الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء ما هو أنفس من الدرر فطالعه أكرمك الله واحفظه والزمه وعلمه أهلك وولدك تفز!.






[1] رواه مسلم في كتاب الإيمان (82)، وأبو داود في كتاب السنة (4678)، والترمذي في كتاب الإيمان (2618) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة (1078).




[2] رواه الترمذي في كتاب الإيمان حديث (2621)، والنسائي في كتاب الصلاة حديث (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة حديث (1079)، وأحمد في مسند الأنصار حديث (2159).



[3] مجموع الفتاوى 10/ 433.



[4] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الوضوء (223)، ومسلم في كتاب الطهارة (287).



[5] تحفة المودود ص131.



[6] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الوضوء (185)، ومسلم في كتاب الطهارة (235).



[7] رواه مسلم في كتاب الطهارة (246)



[8] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الوضوء (136)، ومسلم في كتاب الطهارة (246).



[9] المنهاج 3/138.



[10] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الغسل (248)، ومسلم في كتاب الحيض (316).



[11] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الوضوء (227)، ومسلم في كتاب الطهارة (291).



[12] رواه البخاري في كتاب الحيض باب لا تقضي الحائض الصلاة.



[13] رواه الترمذي في كتاب الطهارة (139)، واللفظ له، وأبو داود في كتاب الطهارة (312)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها (648).



[14] رواه أبو داود دي كتاب الصلاة (640)، ومالك دي الموطأ كان النداء للصلاة (295).



[15] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الأدب (6008)، ومسلم في كتاب المساجد (674) واللفظ للبخاري.



[16] متفق عليه رواه البخاري في كتاب الصلاة (380)، ومسلم في كتاب المساجد (658).



[17] الفتح 1/491



[18] تفسير القرطبي 14/ 197



[19] رواه الترمذي في كتاب الطهارة (50)، والنسائي في كتاب الطهارة (148)، وابن ماجه في كتاب الطهارة (470).



[20] رواه البخاري تعليقا في كتاب الإيمان، ومسلم في كتاب الآداب (2137)، وأحمد في مسند البصريين (19248) واللفظ لمسلم.



[21] متفق عليه: رواه البخاري في كتاب الدعوات (6389)، ومسلم في كتاب الذكر، والدعاء (2690) واللفظ لمسلم.



[22] متفق عليه رواه البخاري في كتاب بدء الخلق (3293)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء حديث رقم (2691) واللفظ لمسلم.



[23] متفق عليه- رواه البخاري في كتاب الدعوات (6307)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء (2075) واللفظ لمسلم.



[24] متفق عيه رواه: البخاري في كتاب الدعوات (6409)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء (2704).



[25] متفق عليه رواه البخاري دي كان التوحيد (7563)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء (2694).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-12-2020, 11:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,751
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان(4)
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب




ثالثًا: التربية على إيتاء الزكاة





الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، وذلك في غير ما آية مثل قول الباري جل ذكره:

في الأمر بها: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].



وفي مدح القائمين بها: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277].



وفي بيان أجرها العظيم.﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 162].



وفي أنها أمارة الإيمان والإسلام: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 11].



قال قتادة: الناس ثلاثة رهط: مسلم عليه الزكاة، ومشرك عليه الجزية وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عشور ماله.



وفي أنها من أصول الدين التي اتفقت عليها شرائع الرسل والنبيين، في قصة عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، وفي قصة إسماعيل عليه السلام: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55] وعن عامة النبيين ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 73].



قال الإمام السعدي:

عطف الصلاة والزكاة على الخيرات وهو من عطف الخاص على العام لشرف هاتين العبادتين وفضلهما ولأن من كملهما كما أمر كان قائما بدينه ومن ضيعهما كان لما سواهما أضيع، ولأن الزكاة أفضل الأعمال التي فيها الإحسان إلى خلقه.



وفي أن الزكاة تستوجب رحمة الله: ﴿ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].



وفي صفة المتقين المهتدين: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الحج: 41].



وفي وصف النساء الصالحات القانتات: ﴿ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: 33].



والنصوص في فضل الزكاة وأهميتها في استقرار الحياة الاجتماعية وعظيم آثارها الأخروية أكثر من أن تحصر، ولئن كانت الزكاة بهذه المثابة من الأهمية والمكانة والفضل، كان تربية المسلم عليها منذ صباه مقصدا شرعيا لتسهل عليه حال الكر وليقوم بها عن رغبة ذاتية وقناعة وإيمان.



وتربية الولد على الزكاة الحسية والمعنوية مقصد تربوي من أوليات المقاصد التي يقع على كاهل الآباء تحقيقها، وتربيته عليها تغرس في نفسه الرحمة بالمساكين والعطف على الفقراء والمحتاجين، ويرغبه في صلة الرحم وإيتاء ذي القربى حقه، وأن خير الناس أخيرهم للناس، تلك أخلاقيات الزكاة التي يزرعها الإسلام في المسلم، إذ يشعره بالشعور الجمعي المبني على أن المجتمع الإسلامي بنيان واحد يسموده التعاطف والتواد والتراحم لا فرق في ذلك بين كبير وصغير ولا بين قوي وضعيف ولا بين حاكم ومحكوم.



ومن الأساليب الفي ينبغي أن يسلكها الأبوان في غرس تلك المعاني الإسلامية والقيم الأخلاقية في نفس الولد:

تعريفه بحياة الفقر والفقراء والبؤساء، وأن من المحتاجين من يبيت بلا مأوى وبلا كساء، ومنهم دى يبيت طاويا بلا عشاء، ومنهم اليتيم المقهور والبائس الفقير والغارم والأرملة وابن السبيل، والمشرد والمستضعف... إلخ.



وتبصير الولدان بذلك على اختلاف وسائل الإعلام المتاحة ينمي لديهم الإحساس بحاجات البؤساء والمعوزين وكما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 9 - 11]، وقال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8].



تدريبه عمليا على إيتاء الزكاة وذلك بأن يعطي المساكين والمستحقين الزكاة والصدقة على سبيل المناولة، إذ يحس عندئد وهو يباشر التصدق بأنه كيان له شخصيته واعتباره وأنه فرد في المجتمع له دوره وسمته، ويتعلم من خلال ذلك معاني العطاء والتراحم والتعاطف والتعاضد الذي يسود المسلمين، حين يعطف بعصهم على بعض ويرحم غنيهم فقيرهم لا طلبا لمقابل بل عملا بأخلاق الإسلام: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9] وينبغي للأبوين أن يتفطنا إلى ذلك ولا يهملا هذا الجانب التدريبي الذي سيكون امتدادا لمستقبل حياة الولد.



ومما يعزز هذا الجانب الذي يزرع في الولد معنى المرحمة إيجاب الشرع الزكاة في مال الصغير الغني كإيجابها في مال البالغ المكلف، ومثل ذلك مال الكبير المخرف والمعتوه، إذ أن زكاة المال ليست منحصرة في أموال المكلفين، وهو قول جمهور الفقهاء [1].



تنمية إيمان الولد باليوم الآخر، وتربيته على أن ما ينفقه المسلم يبتغي به وجه الله فإنه يدخر له ليوم التغابن، قال إبراهيم بن أدهم في قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 10]: نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة.



وقال إبراهيم النخعي: السائل بريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول: أتبعثون إلى أهليكم بشيء؟! [2].





[1] انظر المغني لابن قدامة 4/69 المسألة (416) ومجموع الفتاوى لابن تيمية 25/44.



[2] تفسير أبي السعود 9/ 171



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-12-2020, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,751
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان(5)
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب


التربية على أركان الإسلام

رابعًا: التربية على الصيام



الصيام جنة، والصيام تربية للنفس على مكارم الأخلاق وضبط شهوات النفس، وكبح جماح النفس وتوجيهها نحو الخير والفضيلة، والصيام مبدأ أصيل من مبادئ التربية، وحسبنا في فضل صيام رمضان أنه يكفر السيئات ويرفع الدرجات كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

وصوم يوم من أي أيام السنة يباعد الله به وجه المسلم عن النار سبعين خريفا كما في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا".

وكما أن من فضائل الصوم التجافي عن عذاب السعير فإن عظم الأجر والمثوبة من لوازمه وهو أمر مطرد في الصوم بحسب ما يحققه الصائم من الإخلاص لله عز وجل وفي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله عز وجل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به فوالذي نفس محمد بيده لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".

وإذا ذكر صوم رمضان ذكر معه قرينه وهو القيام الذي هو دأب الصالحين وسنة المتقين وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام رمضان إيمانأ واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

ولئن كان لشهر الصوم في حياة المسلم مكانة خاصة وروحانية لا يعرفها غيره، فإن الطفل المسلم يربى على هذه الفريضة منذ سن التمييز كي يتمرس على ضبط النفس وكفها عن المأكل والمشرب والجهل والكذب وسائر ما ينتهي عنه الصائم، وليسهل عليه حال الكبر صيام رمضان وقيامه، وتأمل المقاصد الأخلاقية في الصوم المذكورة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم".

وليس أوفق من (التدرج) في تربية الأولاد على الصوم، ولقد شرعت فريضة الصيام بالتدرج على أربع مراحل:
1- ترسيخ التوحيد والدعوة إليه وترسيخ كافة أمور العقيدة، طيلة العهد المكي، ولم يفرض في هذه الحقبة من أحكام الشريعة شيء سوى الصلاة، وفي قول: والزكاة.

2- الترغيب في صوم يوم واحد فقط في العام وهو يوم عاشوراء مع الحض عليه وعدم التهاون فيه، وتوضح دلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بصيامه قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان كان من شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطر".

ويقول جابر بن سمرة - صلى الله عليه وسلم -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده".

3- استحباب صوم رمضان من غير إيجاب، فمن شاء صام ومن شاء أفطر وفدى.

وفي هذا حديث سلمة بن الأكوع - صلى الله عليه وسلم - قال: "لما نزلت هذه الآية: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]. كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها".

وفي رواية أخرى عند مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم -: "كنا في رمضان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الآية: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه﴾ [البقرة: 185].

4- وجوب صيام رمضان بشرط الإفطار عند غروب الشمس فمن لم يتمكن فعليه متابعة الصيام إلى غروب الشمس من اليوم التالي! ويوضح ذلك البراء - رضي الله عنه - بقوله: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهارغشي عليه، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الأية: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187].

فيؤخذ الطفل المميز القادر على الصيام بالتدرج على هذا النحو صوم يوم ثم بعد فترة صوم يومين ثم أكثر مع إيجاد الحوافز المشجعة والملهيات المشروعة لإلهائه عن حرقة الجوع ساعات الصيام، حتى إذا كبر سهل عليه الصوم ورغب فيه وأحبه.

وتقع على الأم المسلمة مسئولية تربية الطفل وتعويده على الصيام إذا أطاقه في سن التمييز وفي مرحلة ما قبل البلوغ، وهذا راجع إلى فطنتها وكياستها وحسن تدبيرها، ولنتأمل ما كانت تقوم به الأمهات في هذا الصدد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -:
تقول الربيع بنت معوذ رضي الله عنها: أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار:"من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم" قالت: فكنا نصومه ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن (أي من الصوف) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.

قال ابن حجر:
الجمهور على أنه لا يجب الصيام على من دون البلوغ، واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري، وقال به الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه، وحده أصحابه بالسبع والعشر كالصلاة، وحده إسحاق باثنتي عشرة سنة، وأحمد في رواية بعشر سنين، وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم.

ومن الأساليب التي تترك أثرا بينا في مشاعر الطفل ومداركه الإفطار الجماعي وتهيئة مائدة الإفطار والأدعية المأثورة التي يقولها المفطرون عند الإفطار، ومظاهر البهجة في رمضان ومنها مدفع الإفطار ومدافع العيد وملابسه الجديدة التي درج عليها الناس وأيضا اصطحاب الأب الأبناء إلى المسجد لصلاة الليل وهي (صلاة التراويح)، وكل هذه المظاهر تسكب في روع الأولاد بهجة وحبورا وسرورا ويرونها بمنظار لا يراها به الكبار!! فتراهم يقبلون على الصيام بنفس منشرحة ورغبة وتنافس، وان واكب هذا من الأبوين تشجيعا وحثا وحضا تكامل أسلوب الترغيب في تربية الأولاد على شعيرة الصيام.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15-12-2020, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,751
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان(6)
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب


التربية على أركان الإسلام





خامسًا: التربية على مناسك الحج





الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وفرضيته مشروطة بالاستطاعة قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].



والحج عبادة مالية بدنية سماه النبي - صلى الله عليه وسلم -: جهادا، قالت: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي - صلى الله عليه وسلم -: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: "لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور".



ومن فضائل الحج أنه من الأعمال الجليلة التي تلي مرتبة الجهاد في سبيل الله مع ما للجهاد من مكانة عالية ومنزلة سنية ولما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: تم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".



والحح رحلة تربوية تغرس في الحاج مكارم الأخلاق وتزرع فيه تقوى الله تعالى واستشعار حرماته وتعظيم شعائره، وكل ذلك مقصد تربوي يسعى إلى تحقيقه الآباء في تربية الأولاد، بالتعليم والتبصير، وبالتنوير والتلقين منذ الصبا، تأمل قول الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].



وهكذا يكون الحاج في ميدان تطبيقي لمفهوم التقوى فهو يتجرد من الملذات والشهوات ويعمل على تجنب الفسوق بكل صوره وأسبابه ولا يجادل ولا يخاصم وإنما يسالم ليعيش جوا إيمانيا تربويا فريدا طيلة أيام نسكه، ليتمرس على ضبط النفس وكبح جماحها وأطرها على الحق أطرا حتى يسلس قيادها، وهذا ملاحظ أيضا في محظورات الإحرام إذ يتجنب الحاج والمعتمر الصيد البري والطيب والجماع ودواعيه وغير ذلك من المحظورات، كما يتجنب الرجال لبس المخيط والمرأة الزينة.



ومن النصوص الحاضة على أن يعيش الحاج هدا الجو التربوي ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " ،وفي حديث آخر عنه: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ".



إن تربية الأولاد على التقوى مقصد تربوي جليل والعبادات كلها فرضها ونفلها تغرس في المسلم وازع التقوى وتحضه على التحلي بالفضائل فالتبري من الرذائل، والحج يحقق ذلك ويعين عليه إذ يربط المسلم بروابط التقوى من أول يوم يحرم فيه بنسكه.



والتقوى ملحظ يتجلى في الحج أكثر من غيره ص العبادات، فالحج عبادة مالية بدنبة، والحج رحلة تربوية عملية، وتأمل قول الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].



ومن المقاصد التربوية في الحج تعظيم حرمات الله وتعظيم شعائر الله، ومراعاة حرمة البيت والمشاعر ومراعاة قدسية الحرمين الشريفين، ومن ثم احترام مقدسات المسلمين، وليعرف المسلم ذلك ويلقنه منذ الصغر فهو جزء من عقيدة المسلم، قال تعالى تعالى بعد أن ذكر مناسك الحج ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30].



وقال بعد أن ذكر التوحيد وبين عاقبة الشرك: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].



ومن السنة في تعظيم حرمة البيت حديث ابن العباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذا البلد حرمه الله لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها".



ولئن كانت مكة حرما آمنا كما في قول الباري جل دكره: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: 67]، فإن المدينة النبوية- كذلك- حرم، وحرمتها كحرمة مكة وذلك في حديث أنس- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهم مكة، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا".



ومن الأمور المعينة على تربية الولد على تعظيم حرمات الله وشعائر الله بعد تعليمه وتبصيره، تمرينه العملي على أداء مناسك الحج والعمرة، وان لم يكن واجبا على من هم دون البلوغ من البنين والبنات إلا أن حجهم إن حجوا صحيح يؤجرون عليه كما يؤجر عليه الأبوان القائمان بذلك، ففي حديث ابن عباس رضي الله عهما أن امرأة رفعت صبيا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم. ولك أجر".



ولقد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحج معه كثير من أبناء الصحابة من الشباب الصغار كعبدالله بن العباس والفضل بن العباس وابن عمر رضي الله عنهم حميعا.



وهذا يدل على أن الأولاد منذ سن التمييز إلى ما قبل البلوغ يشرع في حقهم الحج، وأن يدربوا عليه ويبصروا بمراميه ومقاصده التي تجتمع في التقوى، وإن كان حج الصغير لا يسقط عنه حجة الإسلام الواجبة بعد البلوغ المقرون بالاستطاعة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15-12-2020, 11:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,751
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان

التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان(7)
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب


سادسًا: التربية والتنشئة على أركان الإيمان


الإيمان واسع المضمون كثير الشعب، اسسه ستة كما قال الله تعالى: في وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، وكما قال في وصف الكمار والضالين: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".

فأركان الإيمان ستة هي المذكورة في النصوص الشرعية السابقة.

الركن الأول: الإيمان بالله عز وجل:
وهو أعظم الأركان وعليه تنبني الأركان الأخرى، والإيمان به عز وجل هو توحيده في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، والتبرؤ عن كل ما ينافي توحيده ويناقض الإخلاص له، فهو سبحانه كما قال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، وقال: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101]، فلا إله غيره ولا رب سواه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، والإيمان بصفاته عز وجل كما أخبر بها، مما يليق بكبريائه وجلاله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل.

الركن الثاني: الإيمان بالملائكة:
وهم خلق من خلق الله عر وجل، عباد مكرمون: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، موكلون بأعمال كثيرة منها ما قصه الله علينا كالكرام الكاتبين والموكلين بالسحب والرياح والأمطار، وقبض الأرواح... وفق المقادير التي قدرها الله، ومنها ما لم يقصص، والإيمان بهم واجب.

الركن الثالث: الإيمان بالكتب السماوية:
وهي المنزلة على رسل الله لهداية الناس وإخراجهم بإذن الله ومشيئته من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الرشد ومن الجهل والعمى إلى العلم والبصيرة.

وكتب الله تعالى هي: صحف إبراهيم، والتوراة المنزلة على موسى، والزبور المنزل على داود، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن العظيم وهو آخرها والمهيمن على ما فيها المنزل على خاتم النبيين نبينا محمد عليه وعلى إخوانه النبيين والمرسلين أفضل الصلاة والتسليم.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19]، وقال: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾ [المائدة: 44]، وقال: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163]، وقال ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46]، وقال عن القرآن العظيم: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].

والقرآن العظيم هو المعجزة الباقية الخالدة للنبي -صلى الله عليه وسلم - وعلى مر العصور وتعاقب الأجيال، وعلى اختلاف أوجه الإعجاز القرآني: الإعجاز البلاغي اللغوي، و التشريعي، والتاريخي، والغيبي، والعلمي.

ومن أساليب تعليم الأولاد ذلك في سن الصبا أسلوب القصة التي تعطي الأولاد معلومات مشوقة عن كتب الله وتنزلها، والوحي وكيفيته ومقاصده وأنه من مظاهر رحمة الله بعباده إذ لم يخلقهم عبثا ولن يتركهم سدى، وتبين كتب الله مصير من يؤمن بها وعاقبة من يكفر بها.

وإن من أجل مقاصد تربية الأولاد على الإيمان بكتب الله، التربية على محبة القرآن العظيم محبة صادقة عميقة تستحوذ على مشاعر الولد وتشده إلى كتاب الله شدًا إيمانيًا عميقًا، بغرس قيمة هذا الكتاب المعجز وقيمه في قلبه وعقله وأنه مصدر عزه وسؤدده وسبب فلاحه ونجاحه كي يقبل على حفظه وتلاوته وتدبره وتطبيقه، بحب وثيق وإيمان عميق، وبهذا يكونون ربانيين هادين مهديين، ومن الله التوفيق والتسديد.

الركن الرابع: الإيمان بالرسل:
رسل الله تعالى عباد مكرمون، صفوة الناس خلقا وخلقا وايمانا وزكاة، اجتباهم الله تبارك وتعالى واصطفاهم- وهو أعلم حيث يجعل رسالته- ليكونوا قدوة الناس وأسوتهم في التمسك بكل خير وفضيلة واجتناب كل شر ورذيلة، لذا كانوا كما قال الله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].

وكانوا رجالا أفذاذا يتسمون بمؤهلات القيادة والريادة والإرشاد والمحاجة والتوجيه قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ [يوسف: 109].

وجميعهم دعوا إلى الإسلام- دين الله الذي لا يقبل دينا سواه- قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].

وفي قصص النبيين والمرسلين مادة تربوية ثرة تنمي لدى الولد مداركه العقلية وتوجه طاقاته العاطفية نحو الخير، وتبصره بأخلاق المسلم والداعية، وتعمق لديه الإيمان بالله تعالى وحبه والولاء له والرغبة فيه والدعوة إليه، كما تنفره من الكفر والفسوق والعصيان. قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ﴾ [يوسف: 111].

ومن مسئوليات الأبوين تثقيف الأولاد بقصص القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة لا سيما قصص النبيين بذكر قصة كل نبي وما دعا إليه وما لاقاه من قومه من عنت وصدود وما ترتب على كفر الكافرين به، وكيف أن العاقبة إنما تكون للمتقين، وقصصهم حافلة بالدروس والعبر والعظات البالغات التي تناسب جميع فئات المجتمع على اختلاف الثقافات والأعمار والمدارك.

الركن الخامس: الإيمان باليوم الأخر:
هو قرين الإيمان بالله تعالى في القرآن العظيم، قال تعالى في بيان مضمون الدعوة إلى الله: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: 36].

وقال في بيان شروط الفوز بالجنة والنجاة من النار: ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 62]


وقال في مجاهدة الكفرة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 29]، والنصوص في هذا كثيرة جدًا.

ومن ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر، الخوف من الله تعالى والخشية منه جل وعلا، وهو مقصد تربوي يتوخاه المربون في تربية الولد كي ينشأ وضميره حي يقظ، وحسه الإيماني مرهف وقاد! وليس يتأتى ذلك على الوجه الأكمل إلا بالإيمان بيوم المعاد وما فيه من حساب وجزاء وجنة ونار.

ومن القصص النيرة في هذا قصة الفتاة التي قالت لها أمها قومي وامذقي اللبن بالماء، قالت إن عمر نهى عن ذلك. قالت: وأين عمر؟ إنه لا يرانا، قالت الفتاة: إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا، وسمع عمر هذا الحوار الذي دار بين الأم وابنتها وهو يعس من الليل فخطب الفتاة لابنه عاصم، وكان من نسلهما خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز.

وهكذا فإن تربية الأولاد على مخافة الله تثمر أينع الثمار وما التوفيق إلا من الله الكبير المتعال.

الركن السادس: الإيمان بالقدر:
هو الركن السادس المتمم لأركان الإيمان، وفيه قول الباري جل وعلا. ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وقال ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8].

ولقد كان السلف الصالح يحرصون على تربية أولادهم على الإيمان بأقدار الله ويتحينون لذلك الفرص المناسبة لغرس ذلك في عقولهم وقلوبهم وليعلموا أن ما يجري في الكون فإنما هو بمشيئة الله وأرادته وتدبيره، من ذلك قصة عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال لابنه: يا بني! إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب! قال: يا رب وماذا أكتب؟! قال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة". يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مات على غير هذا فليس مني".

وأيضا حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. "إن الله قد علم أهل الجنة من أهل النار وما يعمله العباد قبل أن يعملوه".

وفى حديث عمر - رضي الله عنه - قال: قام فينا النبي - صلى الله عليه وسلم – مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.

ومن ثمرات الإيمان بأقدار الله تخفيف وقع المصائب على النفس، وأيضا الاتزان إبان المسرات، على حد قول البارئ جل ذكره: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23].

والولد كغيره من أفراد الأسرة معرض للأفراح والأتراح فلئن كانت تربيته على الإيمان بأقدار الله والتسليم لأمر الله ومشيئته كان متزنا رابط الجأش صبورا، لا تذهله المصائب والنوائب ولا تبطره النعمة والدعة. وهذا مقصد تربوي جليل.

التربية على مرتبة الإحسان:
الإحسان أعلى مراتب الدين، وذروة سنام الإسلام، ولا يصل مرتبة الإحسان إلا المسلم الصادق الإيمان، من زكت نفسه بصنوف العبادات المفروضة والمسنونة، وصفا قلبه عن الأدواء المهلكة كالشح والحقد والضغينة... وكثر خيره وبره وانحسر شره وكان عاملا بقوله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77]، وفاز من ثم بمعية الله تعالى ومحبته جل وعز: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

وينبغي أن يأخذ الإحسان في تربية الولد مدى بعيداً بحيث يسلك به مسلك الرشد في كل شئونه، كما في حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 174.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 169.63 كيلو بايت... تم توفير 4.43 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]