|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأربعون الشخصية(1) أ. محمد خير رمضان يوسف أربعون حديثًا تحدَّثَ فيها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن شخصهِ الكريم (1) محمد خير رمضان يوسف مقدِّمة الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأمين، المرسَلِ رحمةً للعالمين، وعلى آلهِ وصحبهِ الطيبين، ومن اتَّبعَ هديَهُ من سائرِ العالمين، وبعد: فقد جمعتُ في هذه الرسالةِ اللطيفةِ أربعين حديثًا من الأحاديثِ الصحيحة، التي تكلَّمَ فيها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن نفسه، مما يخصُّ جانبَ النبوَّة، أو الأحوالَ الاجتماعيةَ والنفسية، وليس ما يخصُّ أوصافَهُ الشخصيةَ وحدها، ومعظمها يدورُ في فلكِ الشمائلِ العظيمةِ التي أوتيَها عليه الصلاةُ والسلام. وشرطتُ فيها أن يكونَ هو المتكلِّمُ بذلكَ عليه الصلاةُ والسلام، وليس ما تكلَّمُ عنه صحابتهُ رضوانُ الله عليهم. وفسَّرتُ فيها ألفاظَ الغريب، وأوردتُ الشرحَ من كتبِ الشروح، وبما أن الأحاديثَ من الصحيحين، فإن أكثرَ اعتمادي على شرحيهما المشهورين، لابنِ حجرٍ والنووي، رحمهما اللهُ تعالَى. راجيًا من الله تعالَى القبول، إنه هو السميعُ العليم. محمد خير يوسف 26 صفر 1437 هـ (1) المصطفَى نسبًا صلى الله عليه وسلم عن واثِلةَ بنِ الأسقعِ قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "إنَّ اللهَ اصطفَى كِنانةَ مِن ولدِ إسماعيل، واصطفَى قريشًا من كنانة، واصطفَى مِن قريشٍ بني هاشم، واصطفاني مِن بني هاشم". صحيح مسلم (2276). الاصطفاء: الاختيار، والصفوةُ من كلِّ شيءٍ خالصهُ وخياره. وقريشٌ أبناءُ نضر بنِ كنانة، كانوا تفرَّقوا في البلاد، فجمعهم قصيُّ بنُ كلاب في مكة، فسُمُّوا قريشًا؛ لأنه قرشهم، أي: جمعهم[1]. (2) تكملة البناء عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "مثَلي ومثَلُ الأنبياء، كمثَلِ رجلٍ بنَى بُنيانًا فأحسنَهُ وأجملَه، فجعلَ النَّاسُ يُطيفونَ به يقولون: ما رأينا بنيانًا أحسنَ من هذا إلَّا هذه اللَّبِنَةَ. فكنتُ أنا تلكَ اللَّبِنة". صحيح البخاري (3342)، صحيح مسلم (2286) واللفظُ له. (3) سيد ولد آدم عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامة، وأوَّلُ مَن يَنشقُّ عنه القبر، وأوَّلُ شافع، وأوَّلُ مُشفَّع". صحيح مسلم (2278). قالَ الهروي: السيِّدُ هو الذي يفوقُ قومَهُ في الخير. وقالَ غيره: هو الذي يُفزَعُ إليه في النوائبِ والشدائد، فيقومُ بأمرهم، ويتحمَّل عنهم مكارههم، ويدفعها عنهم. أما قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "يومَ القيامة" مع أنه سيُّدهم في الدنيا والآخرة، فسببُ التقييد، أن في يومِ القيامةِ يَظهرُ سؤددهُ لكلِّ أحد، ولا يبقَى منازعٌ ولا معاندٌ ونحوه، بخلافِ الدنيا، فقد نازعَهُ ذلك فيها ملوكُ الكفّارِ وزعماءُ المشركين. ثم قالَ الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: وهذا الحديثُ دليلٌ لتفضيلهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ على الخَلقِ كلِّهم[2]. (4) شرح الصدر عن أنس بنِ مالكٍ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أُتيت، فانطلقوا بي إلى زمزم، فشُرِحَ عن صدري، ثم غُسِلَ بماءِ زمزم، ثم أُنزِلتُ". صحيح البخاري (342) مطوَّلًا، صحيح مسلم (162) واللفظُ له. يأتي الحديثُ طويلاً، وهذا رُويَ مختصرًا، ويُعرَفُ بحادثةِ شقِّ الصدر، التي تعدُّ من إرهاصاتِ النبوَّة. وصوَّبَ الحافظُ ابنُ حجر العسقلاني أن يكونَ وقعَ له ذلك مرتين: الأول: كان لاستعدادهِ لنزعِ العلقةِ التي قيلَ له عندها: "هذا حظُّ الشيطانِ منك". والثاني: كان لاستعدادهِ للتلقي الحاصلِ له في تلك الليلة[3]. (5) زمِّلوني عن جابر بنِ عبدالله رضيَ الله عنهما قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ وهو يحدِّثُ عن فترةِ الوحي، فقالَ في حديثِه: "فبَينَا أنا أمشي، إذ سمعتُ صوتًا من السماء، فرفعتُ رأسي، فإذا الْمَلَكُ الذي جاءَنِي بحِراءَ جالسٌ على كرسيٍّ بينَ السماءِ والأرض، فجُئِثْتُ منهُ رُعبًا، فرجعت، فقُلتُ: زمِّلوني زمِّلوني. فدثَّروني، فأنزلَ اللهُ تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [سورة المدثر: 1 - 5]. صحيح البخاري (4641) واللفظُ له، صحيح مسلم (161). الملَكُ هو جبريلُ عليه السلام. وجئثت: ذُعرتُ وخفت[4]. وزمِّلوني، ودثِّروني: غطُّوني. (6) إبراهيم الابن عن أنس بنِ مالكٍ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "وُلِدَ ليَ الليلةَ غُلام، فسمَّيتهُ باسمِ أبي، إبراهيم". صحيح مسلم (2315). فيه جوازُ تسميةِ المولودِ يومَ ولادته، وجوازُ التسميةِ بأسماءِ الأنبياءِ صلواتُ الله عليهم وسلامه[5]. (7) تواضع عن أبي جُحيفة قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا آكلُ متَّكئًا". صحيح البخاري (5083). قال الخطّابيُّ رحمَهُ الله: معنَى الحديث: إني لا أقعدُ متَّكئًا على الوطاء (المخدَّة) عند الأكل، فِعْلَ مَن يَستكثرُ من الطعام، فإني لا آكلُ إلا البُلغةَ من الزاد، فلذلك أقعدُ مستوفزًا[6]. (8) أشدُّ يوم عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أنها قالتْ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: يا رسولَ الله، هل أتَى عليكَ يومٌ كانَ أشدَّ مِن يومِ أُحُد؟ فقال: "لقد لقيتُ مِن قومِك، وكانَ أشدُّ ما لقيتُ منهُم يومَ العقَبة، إذ عَرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلال، فلم يُجبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأَنا مَهمومٌ علَى وجهي، فلم أستفِقْ إلَّا وأنا بقَرنِ الثَّعالب، فرفعتُ رأسي، فإذا بسحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل، فَناداني فقال: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعثَ إليكَ ملَكَ الجبالِ لتأمُرَهُ بما شئتَ فيهم". قال: "فَناداني ملَكُ الجبال، وسلَّمَ عليّ، ثمَّ قال: يا محمَّد: إنَّ اللَّهَ قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَك، وأَنا ملَكُ الجبال، وقد بعثَني ربُّكَ إليكَ لتأمُرَني بأمرِك، فما شئت؟ إنْ شئتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخشبَين". فقالَ لهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: "بل أرجو أن يُخرِجَ اللَّهُ مِن أصلابِهم مَن يَعبدُ اللَّهَ وحدَه، لا يُشرِكُ بهِ شيئًا". صحيح البخاري (3059)، صحيح مسلم (1795)، واللفظُ للأخير. الأخشبان: الجبلان المطيفان بمكة، وهما أبو قُبَيس، والأحمر... والأخشب: كلُّ جبلٍ خشنٍ غليظِ الحجارة[7]. (9) من مسرَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتُني في الحِجْرِ وقريشٌ تسألُني عن مسرايَ، فسألَتني عن أشياءَ من بيتِ المقدسِ لم أَثبِتْها، فكُرِبْتُ كُربةً ما كُرِبْتُ مثلَهُ قطّ". قال: "فرفعَهُ اللهُ لي أنظرُ إليه، ما يَسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتهُم به". جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه (172)، واللفظُ له، والبخاري من رواية جابر (3673). الحِجْر: الحائطُ المستديرُ إلى جانبِ الكعبة الشمالي. وهذا من معجزاتِ الرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم. (10) حجرٌ يسلِّم عن جابر بنِ سَمُرةَ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنِّي لأعرفُ حجرًا بمكَّةَ كان يسلِّمُ عليَّ قبلَ أنْ أُبعَث، إنِّي لأعرفهُ الآن". صحيح مسلم (2277). فيه معجزةٌ له صلَّى الله عليه وسلَّم. وفي هذا إثباتُ التمييزِ في بعضِ الجمادات[8]. [1] تحفة الأحوذي 10/ 53. [2] شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 37. [3] فتح الباري 1/ 460. [4] النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 232. [5] شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 75. [6] فتح الباري 9/ 541. [7] النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 32. [8] شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 36.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الأربعون الشخصية(2) أ. محمد خير رمضان يوسف أربعون حديثًا تحدَّثَ فيها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن شخصهِ الكريم (2) (11) إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرةَ قال: كنّا مع النبيِّ في مسير، قال: فنَفِدَتْ أزوادُ القوم، قال: حتى همَّ بنحرِ بعضِ حمائلهم، قال: فقال عمر: يا رسولَ الله، لو جمعتَ ما بقيَ من أزوادِ القوم، فدعوتَ اللهَ عليها. قال: ففعل، قال: فجاءَ ذو البُرِّ ببُرِّه، وذو التمرِ بتمره، قال: (وقال: مجاهد: وذو النَّواةِ بنَواه). قلت: وما كانوا يصنعون بالنوَى؟ قال: كانوا يَمصُّونَهُ ويشربون عليه الماء. قال: فدعا عليها، حتى ملأَ القومُ أزودتهم. قال: فقالَ عندَ ذلك: " أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله. لا يلقَى اللهَ بهما عبد، غيرَ شاكٍّ فيهما، إلا دخلَ الجنة". صحيح البخاري (2352)، صحيح مسلم (27) واللفظُ للأخير. الحمائل: جمعُ حَمولة، وهي الإبلُ التي تَحمِل. قوله: "حتى ملأ القومُ أزودَتهم": قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: الأزودةُ جمعُ زاد، وهي لا تُملأ، إنما تُملأُ بها أوعيتُها. قال: ووجههُ عندي أن يكونَ المراد: حتى ملأ القومُ أوعيةَ أزودتهم، فحُذِفَ المضاف، وأُقيمَ المضافُ إليه مقامه. قال القاضي عياض: ويحتملُ أنه سمَّى الأوعيةَ أزوادًا باسمِ ما فيها، كما في نظائره. والله أعلم. وفي هذا الذي همَّ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بيانٌ لمراعاةِ المصالح، وتقديمُ الأهمِّ فالأهمّ، وارتكابُ أخفِّ الضررين لدفعِ أضرِّهما. والله أعلم. قوله: "فقال عمرُ رضيَ الله عنه: يا رسولَ الله، لو جمعتَ ما بقيَ مِن أزوادِ القوم": هذا فيه بيانُ جوازِ عرضِ المفضولِ على الفاضلِ ما يراهُ مصلحةً ليَنظرَ الفاضلُ فيه، فإنْ ظهرتْ له مصلحةٌ فعله. وفي الحديثِ علَمٌ من أعلامِ النبوَّةِ الظاهرة. وما أكثرَ نظائره، التي يزيدُ مجموعها على شرطِ التواتر، ويحصلُ العلمُ القطعيّ. وقد جمعها العلماء، وصنَّفوا فيها كتبًا مشهورة. والله أعلم[1]. (12) النبيُّ الحقّ عن أبي هريرةَ قال: شهِدْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُنَينًا، فقالَ لرجلٍ ممن يُدْعَى بالإسلام: "هذا مِن أهلِ النار". فلمّا حضَرْنا القتال، قاتَل الرجلُ قتالًا شديدًا، فأصابَتْه جراحة، فقيل: يا رسولَ الله، الرجلُ الذي قلتَ له آنفًا إنه مِن أهلِ النار، فإنه قاتلَ اليومَ قتالًا شديدًا، وقد مات. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إلى النار". فكادَ بعضُ المسلمينَ أن يَرتاب. فبينما هم على ذلكَ إذ قيل: إنه لم يَمُتْ، ولكنَّ به جراحًا شديدًا. فلمّا كان منَ الليلِ لم يَصبِرْ على الجراح، فقتلَ نفسَه. فأُخبِرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك، فقال: "اللهُ أكبر! أشهدُ أني عبدُ اللهِ ورسولُه". ثم أمرَ بلالًا فنادَى في الناس: "إنه لا يَدخلُ الجنةَ إلا نفسٌ مسلمة، وإنَّ اللهَ يؤيِّدُ هذا الدينَ بالرجلِ الفاجر". صحيح البخاري (2897)، صحيح مسلم (111) واللفظُ له. قالَ الحافظُ ابنُ حجر: الذي يظهرُ أن المرادَ بالفاجرِ أعمُّ من أن يكونَ كافرًا أو فاسقًا. ولا يعارضهُ قولهُ صلَّى الله عليه و سلَّم: "إنّا لا نستعينُ بمشرك"؛ لأنه محمولٌ على من كان يُظهِرُ الكفر، أو هو منسوخ. وفي الحديثِ إخبارهُ صلَّى الله عليه و سلَّمَ بالمغيبات، وذلكَ من معجزاتهِ الظاهرة. وفيه جوازُ إعلامِ الرجلِ الصالحِ بفضيلةٍ تكونُ فيه، والجهرِ بها[2]. (13) حبُّ الرسول عليه الصلاة والسلام عن أنس بنِ مالك قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِهِ وولدهِ والنَّاسِ أجمعين". صحيح البخاري (15) واللفظُ له، صحيح مسلم (44). قال الإمام أبو سليمان الخطّابي: لم يُرِدْ به حبَّ الطبع، بل أرادَ به حبَّ الاختيار؛ لأن حبَّ الإنسانِ نفسَهُ طبع، ولا سبيلَ إلى قلبه. قال: فمعناه: لا تَصدقُ في حبِّي حتى تُفني في طاعتي نفسَك، وتُؤثِرَ رضايَ على هواك، وإن كان فيه هلاكُك. وقال ابنُ بطّال رحمهُ الله: ومعنَى الحديث: أن من استكملَ الإيمان، علمَ أن حقَّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ آكدُ عليه من حقِّ أبيهِ وابنهِ والناسِ أجمعين؛ لأن به صلَّى الله عليه و سلَّم استُنقذنا من النار، وهُدينا من الضلال[3]. (14) حكمة في عطاء عن سعد بن أبي وقّاص رضيَ الله عنه قال: قَسَمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قَسْمًا، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، أعطِ فلانًا فإنَّهُ مؤمن. فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: "أو مسلمٌ". أقولُها ثلاثًا، ويردِّدُها علَيَّ ثلاثًا: "أو مسلمٌ". ثمَّ قال: "إنِّي لأُعطي الرَّجلَ وغيرهُ أحبُّ إليَّ منهُ مخافةَ أن يَكُبَّهُ اللَّهُ في النَّار". صحيح البخاري (27)، صحيح مسلم (150) واللفظُ له. من الفوائدِ التي تُجنَى من هذا الحديثِ الشريف: • التفرقةُ بين حقيقتي الإيمانِ والإسلام، وتركُ القطعِ بالإيمانِ الكاملِ لمن لم يُنَصَّ عليه. • فيه الردُّ على غلاةِ المرجئةِ في اكتفائهم في الإيمانِ بنطقِ اللسان. • جوازُ تصرُّفِ الإمامِ في مالِ المصالح، وتقديمُ الأهمِّ فالأهمّ، وإنْ خفيَ وجهُ ذلك على بعضِ الرعيَّة. • وفيه جوازُ الشفاعةِ عند الإمامِ فيما يَعتقدُ الشافعُ جوازه. • وتنبيهُ الصغيرِ للكبيرِ على ما يظنُّ أنه ذهلَ عنه. • ومراجعةُ المشفوعِ إليه في الأمرِ إذا لم يؤدِّ إلى مفسدة. • وأن الإسرارَ بالنصيحةِ أولَى من الإعلان[4]. (15) الرسول العادل صلى الله عليه وسلم عن جابر بنِ عبدالله قال: أتَى رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالجِعْرانَة، مُنصَرفَهُ من حُنَين، وفي ثوبِ بلالٍ فضَّة، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقبضُ منها، يُعطي الناس، فقال: يا محمدُ اعدِلْ. قال: "ويلَك! ومَن يعدِلُ إذا لم أكنْ أعدِل؟ لقد خِبتُ وخَسِرتُ إن لم أكنْ أعدِل". فقالَ عمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنه: دعْني يا رسولَ اللهِ فأقتلَ هذا المنافق. فقال: "معاذَ اللهِ أن يتحدَّثَ الناسُ أني أقتلُ أصحابي. إنَّ هذا وأصحابَهُ يقرؤون القرآنَ لا يُجاوزُ حناجِرَهم، يَمرقونَ منه كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرمِيَّة". صحيح البخاري (3414)، صحيح مسلم (1063)، واللفظُ له. "يقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ حناجرهم": قالَ القاضي [عياض]: فيه تأويلان: أحدهما: معناهُ لا تفقههُ قلوبُهم، ولا ينتفعون بما تلَوا منه، ولا لهم حظٌّ سوَى تلاوةِ الفمِ والحنجرةِ والحلق، إذ بهما تقطيعُ الحروف. والثاني: معناهُ لا يصعدُ لهم عملٌ ولا تلاوة، ولا يتقبَّل[5]. (16) حدث في يوم أُحد عن أنس: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعيَتُهُ يومَ أُحُد، وشُجَّ في رأسِه، فجعلَ يَسْلُتُ الدمَ عنه ويقول: "كيف يُفلِحُ قومٌ شَجُّوا نبيَّهم، وكسَروا رَباعيَتَه، وهو يدعوهم إلى الله"؟ فأنزلَ اللهُ تعالى: ï´؟ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ ï´¾ [سورةُ آل عمران: 128]. صحيح البخاري (2754)، صحيح مسلم (1791) واللفظُ له. سلتَ الدم: أماطه. والمرادُ بكسرِ الرباعية، وهي السنُّ التي بين الثنيَّةِ والناب، أنها كُسرت، فذهبَ منها فلقة، ولم تُقلَعْ من أصلها[6]. (17) الجهاد العظيم عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لولا أن أشُقَّ علَى أُمَّتي ما تَخلَّفتُ عن سَريَّةٍ، ولكنْ لا أجدُ حُمولَة، ولا أجدُ ما أحمِلُهم عليه، ويشُقُّ عليَّ أنْ يتَخلَّفوا عنِّي، ولوَدِدْتُ أني قاتَلْتُ في سبيلِ اللَّهِ فقُتِلْتُ، ثم أُحْييتُ ثم قُتِلتُ، ثم أُحْييتُ". صحيح البخاري (2810) واللفظُ له، صحيح مسلم (1876). أرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ المبالغةَ في بيانِ فضلِ الجهاد، وتحريضِ المسلمين عليه. وفي هذا الحديث: • الحضُّ على حسنِ النية. • وبيانُ شدَّةِ شفقةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أمتهِ ورأفتهِ بهم. • واستحبابُ طلبِ القتلِ في سبيلِ الله. • وجوازُ قول "وددتُ حصولَ كذا من الخير"، وإنْ علمَ أنه لا يحصل. • وفيه تركُ بعضِ المصالحِ لمصلحةٍ راجحةٍ أو أرجح، أو لدفعِ مفسدة. • وفيه جوازُ تمنِّي ما يمتنعُ في العادة. • والسعيُ في إزالةِ المكروهِ عن المسلمين[7]. (18) محاولة اغتيال عن جابر بنِ عبدالله قال: غزَونا مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ غزوةَ نَجد، فلما أدركتْهُ القائلةُ وهو في وادٍ كثيرِ العِضَاه، فنزلَ تحتَ شجرةٍ واستظلَّ بها، وعلَّقَ سيفَه، فتَفرَّقَ الناسُ في الشجرِ يَستَظلُّون، وبينا نحن كذلكَ إذ دعانا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فجِئنا، فإذا أعرابيٌّ قاعدٌ بين يديه، فقال: "إن هذا أتاني وأنا نائم، فاخترَطَ سيفي، فاستيقَظتُ وهو قائمٌ على رأسي مختَرِطٌ صَلْتًا، قال: مَن يَمنَعُكَ مني؟ قلت: اللهُ. فشامَه، ثم قَعَد، فهو هذا". قال: ولم يُعاقِبْهُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. صحيح البخاري (3908) واللفظُ له، صحيح مسلم (843) من كتاب الفضائل. القائلة: وسطُ النهارِ وشدَّةُ الحرّ. العِضاه: كلُّ شجرٍ يَعظمُ له شوك. صَلتًا: مجرَّدًا عن غمده. فشامَه: المرادُ أغمده. والكلمةُ من الأضداد، فشامَ السيفَ إذا استلَّه، وشامَهُ إذا أغمده. وفي الحديث: • فرطُ شجاعةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقوةُ يقينهِ وصبرهِ على الأذَى. • وحِلمهُ عن الجهّال. • وفيه جوازُ تفرُّقِ العسكرِ في النزولِ ونومهم، وهذا محلُّهُ إذا لم يكنْ هناكَ ما يخافون منه[8]. (19) خصائص نبوية كريمة عن جابر بنِ عبدالله، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "أُعطِيتُ خمسًا لم يُعطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شهر، وجُعِلَتْ ليَ الأرضُ مَسجِدًا وطَهورًا، فأيُّما رجلٍ من أُمَّتي أدرَكتْهُ الصلاةُ فلْيُصلِّ، وأُحِلَّتْ ليَ المغانمُ ولم تَحِلَّ لأحدٍ قَبلي، وأُعطِيتُ الشفاعة، وكان النبيُّ يُبعَثُ إلى قومِهِ خاصَّةً وبُعِثتُ إلى الناسِ عامَّة". صحيح البخاري (328) واللفظُ له، صحيح مسلم (521). قال العلّامةُ السندي في حاشيتهِ على سننِ النسائي: لم يُردِ الحصر، بل ذكرَ ما حضرَهُ في ذلك الوقت، مما منَّ الله تعالَى به عليه ذكره، واعترافًا بالنعمة، وأداءً لشكرها، وامتثالًا لأمر: ï´؟ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ï´¾ [سورة الضحى: 11]، لا افتخارًا[9]. (20) خصائص أخرى عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "بُعِثتُ بجوامعِ الكَلِم، ونُصِرتُ بالرُّعْب، وبَيْنا أنا نائمٌ أُتِيتُ بمفاتيحِ خزائنِ الأرضِ فوُضِعَتْ في يدَيّ". صحيح البخاري (6845) واللفظُ له، صحيح مسلم (523). "بُعثتُ بجوامعِ الكلم": قالَ الهروي: يعني به القرآن، جمعَ الله تعالَى في الألفاظِ اليسيرةِ منه المعانيَ الكثيرة، وكلامهُ صلَّى الله عليه وسلَّمَ كان بالجوامع، قليلَ اللفظِ كثيرَ المعاني. "أُتيتُ بمفاتيحِ خزائنِ الأرض": هذا من أعلامِ النبوَّة، فإنه إخبارٌ بفتحِ هذه البلادِ لأمَّته، ووقعَ كما أخبرَ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولله الحمدُ والمنَّة[10]. [1] باختصار من شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 224. [2] فتح الباري 7/ 474. [3] نقلت القولين من شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 15. [4] تنظر هذه الفوائد في فتح الباري1/ 81. [5] شرح النووي على صحيح مسلم 7/ 159. [6] فتح الباري 7/ 366. [7] ينظر فتح الباري 6/ 17. [8] فتح الباري 7/ 428. [9] حاشية السندي 1/ 210، وينظر شرح الحديث في فتح الباري 1/ 463. [10] باختصار من شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 5.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الأربعون الشخصية(3) أ. محمد خير رمضان يوسف (21) قلب لا ينام عن أبي سلمةَ بن عبدالرحمن: أنَّهُ سألَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها: كيف كانت صلاةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في رمضان ؟ فقالت: ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِهِ على إحدَى عشرةَ ركعة، يُصلِّي أربعًا، فلا تَسَلْ عن حُسنهِنَّ وطولهِنّ، ثم يُصلِّي أربعًا، فلا تَسَلْ عن حُسنهِنَّ وطُولهِنّ، ثم يُصلِّي ثلاثًا. قالت عائشة: فقلت: يا رسولَ الله، أتنامُ قبلَ أن تُوتِر؟ فقال: "يا عائشة، إنَّ عينيَّ تنامانِ ولا ينامُ قلبي". صحيح البخاري (1096) واللفظُ له، صحيح مسلم (738). قالَ الإمامُ النووي: هذا من خصائصِ الأنبياء صلواتُ الله وسلامهُ عليهم. وذكرَ حديثَ نومهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في الوادي، وأنه لم يعلمْ بفواتِ وقتِ الصبحِ حتى طلعتِ الشمس، وأنه لا منافاةَ بينهما؛ لأن القلبَ إنما يُدرِكُ الحسِّياتِ المتعلِّقةَ به، كالحدثِ والألمِ ونحوهما، ولا يدرِكُ طلوعَ الفجرِ وغيرهِ مما يتعلَّقُ بالعين، وإنما يُدرَكُ ذلك بالعين، والعينُ نائمة، وإنْ كان القلبُ يقظان[1]. (22) الرسول صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه عن أبي موسى الأشعري رضيَ الله عنه قال: صلَّينا المغربَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلنا: لو جلَسنا حتَّى نُصلِّيَ معه العِشاء. قال: فجلسنا، فخرجَ علينا، فقال: "ما زلتُم ها هنا"؟ قُلنا: نعم يا رسولَ الله، صلَّينا معكَ المغرب، ثم قلنا: نجلسُ حتى نُصلِّيَ معكَ العِشاء. قال: "أحسَنتُم"، أو "أصَبتُم". قال: فرفعَ رأسَهُ إلى السَّماء، وكان كثيرًا مما يرفعُ رأسَهُ إلى السماء، فقال: "النُّجومُ أَمَنَةٌ للسَّماء، فإذا ذهبتِ النُّجومُ أتَى السَّماءَ ما تُوعَد، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتَى أصحابي ما يُوعَدون، وأصحابي أَمَنَةٌ لأمَّتي، فإذا ذهبَ أصحابي أتَى أُمَّتي ما يُوعَدون". رواه مسلم في صحيحه (2531). قال ابنُ الأثير رحمَهُ اللهُ تعالَى: أرادَ بوعدِ السماءِ انشقاقَها وذهابَها يومَ القيامة. وذهابُ النجومِ تكويرُها وانكدارُها وإعدامُها. وأرادَ بوعدِ أصحابهِ ما وقعَ بينهم من الفتن. وكذلك أرادَ بوعدِ الأمة. والإشارةُ في الجملةِ إلى مجيءِ الشرِّ عند ذهابِ أهلِ الخير، فإنه لما كان بين أظهرهم كان يبيِّنُ لهم ما يختلفون فيه، فلمّا توفيَ جالتِ الآراءُ واختلفتِ الأهواء، فكان الصحابةُ رضيَ الله عنهم يُسندون الأمرَ إلى الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في قولٍ أو فعلٍ أو دلالةِ حال، فلمّا فُقِدَ قلَّتِ الأنوار، وقَويتِ الظُّلَم. وكذلك حالُ السماءِ عند ذهابِ النجوم. والأمَنةُ في هذا الحديثِ جمعُ أمين، وهو الحافظ[2]. (23) تحذير وشفقة عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّما مثَلي ومثَلُ أمَّتي، كمثَلِ رجُلٍ استوقدَ نارًا، فجعلتِ الدَّوابُّ والفَراشُ يقَعنَ فيه، فأنا آخِذٌ بحُجَزِكم، وأنتم تَقحَّمونَ فيه". صحيح البخاري (6188)، صحيح مسلم (2284)، واللفظُ له. الحُجَز: جمعُ حُجْزة، وهي معقدُ الإزارِ والسراويل. قالَ الإمامُ النووي: ومقصودُ الحديثِ أنه صلَّى الله عليه وسلَّمَ شبَّهَ تساقطَ الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نارِ الآخرة، وحرصَهم على الوقوعِ في ذلك، مع منعهِ إيّاهم، وقبضهِ على مواضعِ المنعِ منهم، بتساقطِ الفَراش في نارِ الدنيا، لهواه، وضعفِ تمييزه، وكلاهما حريصٌ على هلاكِ نفسه، ساعٍ في ذلك لجهله[3]. وقالَ الحافظُ ابنُ حجر: وفيه إشارةٌ إلى أن الإنسانَ إلى النذيرِ أحوجُ منه إلى البشير؛ لأن جِبلَّتَهُ مائلةٌ إلى الحظِّ العاجلِ دون الحظِّ الآجل. قال: وفي الحديثِ ما كان فيه صلَّى الله عليه وسلَّمَ من الرأفةِ والرحمة، والحرصِ على نجاةِ الأمَّة، كما قالَ تعالَى: ï´؟ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [سورةُ التوبة: 128][4]. (24) الوسيلة الجليلة عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أنه سمعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "إذا سمعتُمُ المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقول، ثمَّ صلُّوا عليّ، فإنَّهُ مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللَّهُ عليه بِها عشرًا، ثمَّ سَلُوا اللَّهَ ليَ الوسيلةَ، فإنَّها منزِلةٌ في الجنَّةِ لا تَنبغي إلَّا لعبدٍ من عبادِ اللَّه، وأرجو أن أكونَ أنا هو، فمَن سألَ ليَ الوسيلةَ حلَّتْ لهُ الشَّفَاعة". صحيح مسلم (384). الوسيلة: فسَّرها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بأنها منزلةٌ في الجنة. قالَ أهلُ اللغة: الوسيلة: المنزلةُ عند الملِك. وقولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "حلَّت له" أي: وجبَت، وقيل: نالته[5]. (25) أول شفيع قال أنس بنُ مالك: قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنا أولُ شفيعٍ في الجنَّة، لم يُصدَّقْ نبيٌّ من الأنبياءِ ما صُدِّقتُ، وإنَّ مِن الأنبياءِ نبيًّا ما يصدِّقهُ من أمَّتهِ إلا رجلٌ واحد". صحيح مسلم (196). "لم يُصدَّقْ نبيٌّ من الأنبياءِ ما صُدِّقتُ.": المرادُ أن معجزاتِ الأنبياءِ انقرضتْ بانقراضِ أعصارهم، فلم يشاهدها إلا مَن حضرها، ومعجزةُ القرآنِ مستمرَّةٌ إلى يومِ القيامة[6]. (26) الشفاعة الكبرى عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ مستجابة، فتعجَّلَ كلُّ نبيٍّ دعوتَه، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمَّتي يومَ القيامة، فهي نائلةٌ إنْ شاءَ اللهُ مَن ماتَ مِن أمَّتي لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا". صحيح البخاري (5945)، صحيح مسلم (199) واللفظُ له. قالَ الإمامُ النووي: في هذا الحديثِ بيانُ كمالِ شفقةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ على أمته، ورأفتهِ بهم، واعتنائهِ بالنظرِ في مصالحهم المهمَّة، فأخَّرَ صلَّى الله عليه وسلَّمَ دعوتَهُ لأمتهِ إلى أهمِّ أوقاتِ حاجاتهم. قال: وأما قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: فهي نائلةٌ إنْ شاءَ اللهُ مَن ماتَ مِن أمَّتي لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا"، ففيه دلالةٌ لمذهبِ أهلِ الحق، أن كلَّ من ماتَ غيرَ مشركٍ بالله تعالَى، لم يخلدْ في النار، وإن كان مصرًّا على الكبائر[7]. (27) أوائل محمدية عن أنس بنِ مالك قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنا أكثرُ الأنبياءِ تبَعًا يومَ القيامة، وأنا أولُ مَن يَقرَعُ بابَ الجنَّة". صحيح مسلم (196). (28) إلى باب الجنة عن أنس بنِ مالك قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "آتي بابَ الجنَّةِ يومَ القيامة، فأستَفتِح، فيقولُ الخازن: مَن أنت؟ فأقول: محمَّد، فيقول: بكَ أُمرتُ لا أفتَحُ لأحدٍ قبلك". صحيح مسلم (197). (29) صدق الحديث عن المسوَّر بنِ مَخرمة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قالَ لوفدِ هوازن: "أَحَبُّ الحديثِ إليَّ أصدَقُه". صحيح البخاري (2184). الحديثُ كما في صحيح البخاري: أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قامَ حين جاءَهُ وفدُ هوازنَ مسلمين، فسألوهُ أن يردَّ إليهم أموالَهم وسبيَهم، فقالَ لهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أحبُّ الحديثِ إليَّ أصدقه، فاختاروا إحدَى الطائفتين، إما السبي، وإما المال، وقد كنتُ استأنيتُ بهم". وقد كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ انتظرهم بضعَ عشرةَ ليلةً حين قفلَ من الطائف. فلمّا تبيَّنَ لهم أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم غيرُ رادٍّ إليهم إلا إحدَى الطائفتين، قالوا: فإنّا نختارُ سبيَنا. فقامَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المسلمين، فأثنَى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين، وإني قد رأيتُ أن أردَّ إليهم سبيَهم، فمن أحبَّ منكم أن يطيبَ بذلك فليفعل، ومن أحبَّ منكم أن يكونَ على حظَّهِ حتى نعطيَهُ إيّاهُ مِن أولِ ما يَفيءُ الله علينا فليفعل". فقالَ الناس: قد طيَّبنا ذلك لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم. فقالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنّا لا ندري مَن أذنَ منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمرَكم". فرجعَ الناس، فكلَّمَهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأخبروهُ أنهم قد طيَّبوا وأذنوا. (30) الحبيب أسامة عن عبدالله بنِ عمرَ رضيَ الله عنهما قال: بعثَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بَعثًا، وأمَّرَ عليهم أسامةَ بنَ زيد، فطَعنَ بعضُ الناسِ في إمارتِه، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنْ تَطعَنوا في إمارته، فقد كنتُم تَطعَنونَ في إمارةِ أبيهِ مِن قبلُ، وايمُ اللهِ إنْ كان لخَليقًا للإمارة، وإنْ كان لَمِنْ أحبِّ الناسِ إليَّ، وإنَّ هذا لَمِنْ أحبِّ الناسِ إليَّ بعدَه". صحيح البخاري (3524) واللفظُ له، صحيح مسلم (2426). يشيرُ عليه الصلاةُ والسلامُ إلى إمارةِ زيدٍ في غزوةِ مؤتة. قالَ ابنُ حجر رحمَهُ الله: وفيه جوازُ إمارةِ المولَى، وتوليةِ الصغارِ على الكبار، والمفضولِ على الفاضل؛ لأنه كان في الجيشِ الذي كان عليهم أسامةُ أبو بكر وعمر[8]. [1] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 5 /184. [2] النهاية في غريب الحديث والأثر 1 /70. [3] شرح النووي على صحيح مسلم 15 /50. [4] فتح الباري 11 /318. [5] شرح النووي على صحيح مسلم 4 /86. [6] ينظر فتح الباري 9/7. [7] شرح النووي على صحيح مسلم 3 /75. [8] فتح الباري 7 /87.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الأربعون الشخصية أربعون حديثًا تحدَّثَ فيها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن شخصهِ الكريم (4) (31) الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغيرةِ رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "إنَّ كَذِبًا عليَّ ليسَ كَكذِبٍ على أحد، مَن كذَبَ عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مَقعدَهُ منَ النَّار". صحيح البخاري (1229) واللفظُ له، صحيح مسلم (4) المقدمة. (32) خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس بنِ مالك رضيَ الله عنه، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "إنِّي اتَّخذتُ خاتَمًا من وَرِق، ونَقشتُ فيه: محمدٌ رسولُ الله، فلا يَنقُشَنَّ أحدٌ على نَقْشِه". صحيح البخاري (5539) واللفظُ له، صحيح مسلم (2092). الورِق: الفضَّة. قال الإمامُ النووي: فيه جوازُ نقشِ الخاتم، ونقشِ اسمِ صاحبِ الخاتم، وجوازِ نقشِ اسمِ الله تعالَى. هذا مذهبنا[1]، ومذهبُ سعيد بنِ المسيب، ومالك، والجمهور. وعن ابنِ سيرين وبعضهم كراهةُ نقشِ اسمِ الله تعالَى. وهذا ضعيف. قال العلماء: وله أن ينقشَ عليه اسمَ نفسه، أو ينقشَ عليه كلمةَ حكمة، وأن ينقشَ ذلك مع ذكرِ الله تعالَى. قولهُ صلَّى الله عليه و سلَّم: "لا ينقشْ أحدٌ على نقشِ خاتمي" هذا سببُ النهي أنه صلَّى الله عليه و سلَّم إنما اتَّخذَ الخاتمَ ونقشَ فيه ليختمَ به كتبَهُ إلى ملوكِ العجمِ وغيرهم، فلو نقشَ غيرهُ مثلَهُ لدخلتِ المفسدةُ وحصلَ الخلل[2]. (33) صلاة وزكاة وقربة عن أبي هريرة، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "اللهمَّ إنِّي أتَّخِذُ عندكَ عهدًا لن تُخلِفَنيه، فإنَّما أنا بشر، فأيُّ المؤمنين آذيتُه، شتمتُه، لعنتُه، جَلدتُه، فاجعَلْها له صلاةً وزكاةً وقُربة، تُقرِّبُه بها إليكَ يومَ القيامة". صحيح البخاري (6000)، صحيح مسلم (2601) واللفظُ للأخير. وفي حديثِ أنسٍ تقييدُ المدعوِّ عليه بأنْ يكونَ ليس لذلكَ بأهل، كما قالَ ابنُ حجر، ولفظه: "يا أمَّ سُليم، أمَا تعلمين شرطي على ربي؟ أني اشترطتُ على ربِّي فقلت: إنما أنا بشر، أرضَى كما يرضَى البشر، وأغضبُ كما يغضبُ البشر، فأيُّما أحدٍ دعوتُ عليه من أمتي بدعوةٍ ليس لها بأهل، أن يجعلها له طَهورًا وزكاةً وقُربة يقرِّبهُ بها منه يومَ القيامة"[3]. قال المحدِّثُ العظيم آبادي رحمَهُ اللهُ تعالَى: والمعنَى: أن ما وقعَ مِن سبِّهِ ودعائهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ على أحدٍ ونحوه، ليس بمقصود، بل هو مما جرتْ به العادة، فخافَ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أن يصادفَ شيءٌ من ذلك إجابةً، فسألَ ربَّهُ سبحانَهُ ورغبَ إليه في أن يجعلَ ذلك رحمةً وكفَّارةً وقُربةً وطَهورًا وأجرًا، وإنما كان يقعُ هذا منه صلَّى الله عليه و سلم نادرًا؛ لأنه صلَّى الله عليه و سلَّمَ لم يكنْ فاحشًا، ولا لعَّانًا. والله أعلم[4]. (34) رحمة وليس لعنة عن أبي هريرةَ قال: قيل: يا رسولَ الله، ادعُ على المشركين. قال: "إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمة". صحيح مسلم (2599). يقولُ ربُّنا سبحانَهُ وتعالَى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ï´¾ [سورةُ الأنبياء: 107]. (35) رحمة وشفقة عن أنس بنِ مالك قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إني لأدخلُ في الصلاةِ فأريدُ إطالتَها، فأسمعُ بكاءَ الصبيّ، فأتجوَّزُ في صلاتي مما أعلمُ من وَجدِ أمِّهِ من بكائه". صحيح البخاري (1610) واللفظُ له، صحيح مسلم (470). تجوَّز: خفَّف. والحديثُ يدلُّ على رحمتهِ وشفقتهِ صلَّى الله عليه وسلَّم. (36) رؤيته في المنام عليه الصلاة والسلام عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "مَن رآني في المنامِ فسَيراني في اليقظة، ولا يتمثَّلُ الشيطانُ بي". قال ابنُ سيرين: إذا رآهُ في صورته. صحيح البخاري (6592) واللفظُ له، صحيح مسلم (2266). وكان ابنُ سيرين إذا قصَّ عليه رجلٌ أنه رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: صفْ لي الذي رأيته. فإن وصفَ له صفةً لا يعرفها قال: لم تره. قال ابن حجر: وسنده صحيح. قال: ووجدتُ له ما يؤيده، فأخرجَ الحاكم من طريقِ عاصم بنِ كُليب، حدَّثني أبي قال: قلتُ لابنِ عباس: رأيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ في المنام، قال: صفهُ لي، قال: ذكرتُ الحسنَ بنَ عليٍّ فشبَّهتهُ به. قال: قد رأيته. وسندهُ جيِّد[5]. وزيادةُ الإيضاحِ في كتبِ الشروح. (37) أنا بشر عن أمِّ سلَمةَ زوجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّهُ سمعَ خصومةً ببابِ حُجرته، فخرجَ إليهم، فقال: "إنَّما أنا بشَرٌ، وإنَّهُ يأتيني الخصمُ، فلعلَّ بعضَكم أن يكونَ أبلغَ مِن بعض، فأحسِبُ أنَّهُ صدَقَ، فأَقْضِي لهُ بذلك، فمن قضَيتُ لهُ بحَقِّ مسلمٍ فإنَّما هي قطعةٌ من النار، فليأخُذْها أو فليترُكْها". رواه الشيخان: صحيح البخاري (2326) واللفظُ له، صحيح مسلم (1713). قوله: "إنما أنا بشر": البشرُ الخَلق، يُطلَقُ على الجماعةِ والواحد، بمعنَى أنه منهم. والمرادُ أنه مشاركٌ للبشرِ في أصلِ الخلقة، ولو زادَ عليهم بالمزايا التي اختصَّ بها في ذاتهِ وصفاته. ويكونُ ردًّا على من زعمَ أن من كان رسولًا فإنه يعلمُ كلَّ غيب، حتى لا يَخفَى عليه المظلوم. قوله: "قطعةٌ من النار" أي: الذي قضيتُ له به بحسبِ الظاهر، إذا كان في الباطنِ لا يستحقُّهُ فهو عليه حرام، يؤولُ به إلى النار. وقوله: "قطعةٌ من النار" تمثيل، يُفهَمُ منه شدَّةُ التعذيبِ على من يتعاطاه، فهو من مجازِ التشبيه، كقولهِ تعالَى: ï´؟ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ï´¾ [سورةُ النساء: 10]. وقوله: "فليأخذها أو ليتركها": الأمرُ فيه للتهديدِ لا لحقيقةِ التخيير، ومعناه: أنه أعلمُ من نفسه: هل هو محقٌّ أو مُبطِل، فإن كان محقًّا فليأخذ، وإن كان مبطلًا فليترك، فإن الحكمَ لا ينقلُ الأصلَ عمّا كان عليه. وفي هذا الحديثِ من الفوائد: • إثمُ مَن خاصمَ في باطلٍ حتى استحقَّ به في الظاهرِ شيئًا هو في الباطلِ حرامٌ عليه. • وفيه أن من ادَّعَى مالًا ولم يكنْ له بيِّنة، فحلفَ المدَّعَى عليه، وحكمَ الحاكمُ ببراءةِ الحالف، أنه لا يَبرأ في الباطن، وأن المدَّعي لو أقامَ بيِّنةً بعد ذلك تنافي دعواه، سُمِعتْ وبَطلَ الحُكم. • وفيه أن من احتالَ لأمرٍ باطلٍ بوجهٍ من وجوهِ الحيلِ حتى يصيرَ حقًّا في الظاهر، ويُحكَمُ له به، أنه لا يحلُّ له تناولهُ في الباطن، ولا يرتفعُ عنه الإثمُ بالحكم. • وفيه أن المجتهدَ قد يخطئ، فيُرَدُّ به على مَن زعمَ أنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيب. • وفيه أن المجتهدَ إذا أخطأ لا يَلحقهُ إثم، بل يؤجر[6]. (38) الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا عن أبي هريرة، عن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنه قال: "والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسمَعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمة، يهوديٌّ ولا نصرانيّ، ثم يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرسِلْتُ به، إلا كان مِن أصحابِ النار". صحيح مسلم (153). "لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة" أي: مَن هو موجودٌ في زمني وبعدي إلى يومِ القيامة، فكلُّهم يجبُ عليهم الدخولُ في طاعته. وإنما ذكرَ اليهوديَّ والنصرانيَّ تنبيهًا على مَن سواهما، وذلك لأن اليهودَ والنصارَى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا، فغيرهم ممن لا كتابَ له أولَى. والله أعلم[7]. (39) أكثرهم تابعًا عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "ما مِن الأنبياءِ مِن نبيٍّ إلا قد أُعطِيَ مِن الآياتِ ما مثلُهُ آمنَ عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيتُ وحيًا أَوحَى اللهُ إليّ، فأرجو أنْ أكونَ أكثرَهُم تابِعًا يومَ القيامة". صحيح البخاري (4696)، صحيح مسلم (152) واللفظ له. قالَ الحافظُ ابنُ حجر ما ملخَّصه: هذا دالٌّ على أن النبيَّ لا بدَّ له من معجزةٍ تقتضي إيمانَ مَن شاهدها بصدقه، ولا يضرُّهُ مَن أصرَّ على المعاندة. قوله: "من الآيات" أي: المعجزاتِ الخوارق. قوله: "ما مثلهُ آمنَ عليه البشر": المعنَى أن كلَّ نبيٍّ أُعطىَ آيةً أو أكثر، مِن شأنِ مَن يشاهدها من البشرِ أن يؤمنَ به لأجلها، أي: يؤمنُ بذلك مغلوبًا عليه، بحيث لا يستطيعُ دفعَهُ عن نفسه، لكنْ قد يجحدُ فيعاند، كما قالَ الله تعالَى: ï´؟ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ï´¾ [سورة النمل: 14]. "وإنما كان الذي أُوتيتهُ وحيًا أوحاهُ الله إليّ": أي أن معجزتي التي تحدَّيتُ بها الوحيُ الذي أُنزِلَ عليّ، وهو القرآن، لما اشتملَ عليه من الإعجازِ الواضح. وليس المرادُ حصرَ معجزاتهِ فيه، ولا أنه لم يؤتَ من المعجزاتِ ما أُوتيَ مَن تقدَّمه، بل المرادُ أنه المعجزةُ العظمَى التي اختصَّ بها دون غيره؛ لأن كلَّ نبيٍّ أُعطيَ معجزةً خاصَّةً به لم يُعطَها بعينها غيره، تحدَّى بها قومه، وكانت معجزةُ كلِّ نبيٍّ تقعُ مناسِبةً لحالِ قومه. "فأرجو أن أكونَ أكثرهم تابعًا يومَ القيامة": رُتِّبَ هذا الكلامُ على ما تقدَّمَ من معجزةِ القرآنِ المستمرة، لكثرةِ فائدته، وعمومِ نفعه، لاشتمالهِ على الدعوةِ والحجَّة، والإخبارِ بما سيكون، فعمَّ نفعهُ مَن حضرَ ومَن غاب، ومَن وُجِدَ ومَن سيوجد، فحسُنَ ترتيبُ الرجوَى المذكورةِ على ذلك. وهذه الرجوَى قد تحقَّقت، فإنه أكثرُ الأنبياءِ تبعًا[8]. (40) الحوض الشريف عن سهل بنِ ساعد الساعدي قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: "أنا فرَطُكم على الحوض، مَن وَرَدَ شَرِب، ومَن شَرِبَ لم يَظمأْ أبدًا. وليَرِدَنَّ عليَّ أقوامٌ أعرفُهم ويعرفوني، ثم يُحالُ بيني وبينهم". زادَ أبو سعيد الخدري قولَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنهم منِّي، فيُقال: إنكَ لا تدري ما عمِلوا بعدك. فأقول: سُحْقًا سُحْقًا لمن بدَّلَ بعدي". صحيح البخاري (6643)، صحيح مسلم (2290، 2291) واللفظُ له. فرَطُكم: سابقُكم إليه، كالمهيِّءِ له. وظاهرُ الحديثِ أن جميعَ الأمةِ يشربُ منه، إلا من ارتدَّ وصارَ كافرًا. قال القاضي عياض: قولهُ صلَّى الله عليه وسلَّم: "من وردَ شرب" صريحٌ في أن الواردين كلَّهم يشربون، وإنما يُمنَعُ منه الذين يُذادُون ويُمنَعونَ الورود؛ لارتدادهم. "سُحقًا سُحقًا" أي بُعدًا لهم بُعدًا[9]. المراجع [10] • الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان/ ترتيب علاء الدين علي بن بلبان الفارسي؛ حققه وخرَّج أحاديثه شعيب الأرناؤوط.- ط2.- بيروت: مؤسسة الرسالة، 1393-1414هـ [التراث]. • تحفة الأحوذي/ المباركفوري.- بيروت: دار الكتب العلمية [التراث]. • شرح النووي على صحيح مسلم.- ط2.- بيروت: دار إحياء التراث، 1392 هـ [التراث]. • صحيح ابن حبان = الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان. • صحيح البخاري/ تحقيق مصطفى ديب البغا.- ط3.- بيروت؛ دمشق: دار ابن كثير: دار اليمامة، 1407 هـ [التراث]. • صحيح مسلم.- بيروت: دار ابن حزم، 1416هـ. • عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق العظيم آبادي.- ط2.- بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ [التراث]. • فتح الباري: شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني.- بيروت: دار المعرفة، 1379هـ [التراث]. • النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير؛ تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمود الطناحي.- بيروت: دار الفكر، 1399هـ [التراث]. [1] يعني الشافعية. [2] شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 68. [3] رواه ابن حبان في صحيحه (6514) وحسَّن إسناده الشيخ شعيب. [4] عون المعبود 12/ 271. [5] ينظر تفصيله في فتح الباري 12/ 383. [6] باختصار من فتح الباري 13/ 173. [7] شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 188. [8] ينظر فتح الباري 9/ 7. [9] ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 15/ 53. [10] المراجع التي وضع في آخرها لفظ [التراث] هكذا بين معقوفتين، هي للأقراص المدمجة التي أصدرها مركز التراث للبرمجيات في الأردن.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |