يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير سورة العاديات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          تفسير قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          حذف الياء وإثباتها في ضوء القراءات القرآنية: دراسة لغوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 489 - عددالزوار : 200532 )           »          تفسير سورة النصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          المصادر الكلية الأساسية التي يرجع إليها المفسر ويستمد منها علم التفسير تفصيلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          تفسير سورة القارعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          {ألم نجعل الأرض مهادا} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تعريف (القرآن) بين الشرع والاصطلاح: عرض وتحرير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3120 - عددالزوار : 503920 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-10-2019, 04:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,443
الدولة : Egypt
افتراضي يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر











الشيخ عبدالله بن محمد البصري






أَمَّا بَعدُ:


فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]





أَيَّهَا المُسلِمُونَ، مَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا تَنَاصَحَوا، وَمَتى رَأَيتَ كُلاًّ مِنهُم مُهَتَمًّا بِشَأنِ الآخَرِ، حَرِيصًا عَلَى إِيصَالِ الخَيرِ إِلَيهِ وَكَفِّ الشَّرِّ عَنهُ، فَاعلَمْ أَنَّ جَذوَةَ الإِيمَانِ مَا زَالَت مُتَّقِدَةً في القُلُوبِ، وَأَنَّ نُورَ الهُدَى مَا زَالَ مُشِعًّا بَينَ الجَوَانِحِ، وَأَنَّ المُجتَمَعَ مَا زَالَ حَصِينًا مِنَ الفِتَنِ مُمتَنِعًا مِنَ الشُّرُورِ، وَإِذَا مَا رَأَيتَ هُوًى مُتَّبَعًا وَشُحًّا مُطَاعًا، وَإِعجَابَ كُلِّ ذِي رَأيٍ بِرَأيِهِ، فَاعلَمْ أَنَّ أَمرَ الدِّينِ قَد رَقَّ وَضَعُفَ، وَأَنَّ الإِيمَانَ في القُلُوبِ قَد هَزُلَ وَخَلِقَ، وَأَنَّ السُّورَ قَد هُدِمَ وَالعَدُوَّ قَدِ استَولى، وَلَيسَ بَعدَ ذَلِكَ إلا انعِقَادُ سَحَائِبِ الفِتَنِ وَالعُقُوبَاتِ في السَّمَاءِ، ثم نُزُولُهَا وَغَرقُ المُجتَمَعَاتِ في وَحلِهَا، وَإِنَّمَا مَيِّتُ الأَحيَاءِ، مَن لا يَفرَحُ بِظُهُورِ مَعرُوفٍ وَلا يَسعَدُ بِاندِحَارِ مُنكَرٍ. أَلا وَإِنَّ مِن قَوَاعِدِ الدِّينِ العَظِيمَةِ وَأُسُسِهِ المَتِينَةِ، وَأَرسَخِ أَقطَابِهِ وَأَثبَتِ أَعمِدَتِهِ، وَأَشَدِّ مَا يُقَوِّي أَركَانَهُ وَيُعلِي بُنيَانَهُ، الأَمرَ بِالمَعرُوفِ إِذَا ظَهَرَ تَركُهُ، وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ إِذَا ظَهَرَ فِعلُهُ، وَالسَّعيَ في رَتقِ كُلِّ فَتقٍ وَسَدِّ كُلِّ خَلَلٍ، وَالحِرصَ عَلَى إِصلاحِ النَّاسِ وَهِدَايَتِهِم، وَالحَيلُولَةَ بَينَهُم وَبَينَ أَسبَابِ الغِوَايَةِ، وَصَدَّهُم عَن سُبُلِ الضَّلالَةِ؛ ذَلِكُم أَنَّ رَبَّكُم - تَبَارَكَ وَتَعَالى - قَد بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنزَلَ الكُتُبَ، وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ وَأَقَامَ سُوقَ الجِهَادِ، لِيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ، وَلِتَكُونَ كَلِمَتُهُ - سُبحَانَهُ - هِيَ العُليَا، وَلِيَسِيرَ النَّاسُ عَلَى مَا أَرَادَهُ - جَلَّ وَعَلا - مِن خَلقِهِم حَيثُ قَالَ: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] وَهُوَ مَا لا يُمكِنُ أَن يَقُومَ وَيَظهَرَ وَيَقوَى وَيَستَمِرَّ، إِلاَّ بِوُجُودِ أَمُّةٍ خَيِّرَةٍ وَجَمَاعَةٍ مُبَارَكَةٍ، تَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَتَرفَعُهُ، وَتَنهَى عَنِ المُنكَرِ وَتَدفَعُهُ، سَالِكَةً لِذَلِكَ الهَدَفِ النَّبِيلِ كُلَّ سَبِيلٍ، وَلَو أَن تُقَاتِلَ عَلَيهِ وَتُذهِبَ الأَروَاحَ لأَجلِهِ، قَالَ - سُبحَاَنُه -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [النساء: 114] وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لم يَستَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِن لم يَستَطِعْ فَبِقَلبِهِ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَقَد رَبَطَ - سُبحَانَهُ - خَيرِيَّةَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِقِيَامِهَا بِالأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، وَبَيَّن أَنَّهُ مِن أَخَصِّ صِفَاتِ المُؤمِنِينَ وَمُوجِبَاتِ رَحمَتِهِ لَهُم وَرِضَاهُ عَنهُم، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۞ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 71، 72] كَمَا أَخبَرَ - سُبحَانَهُ - أَنَّ التَّمكِينَ في الأَرضِ لا يَكُونُ إِلاَّ لِلآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَهلَكَ القُرُونَ المَاضِيَةَ بِتَركِهِم لِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ، فَقَالَ: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41] وَقَالَ - سُبَحَانَهُ -: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 116] وَحِينَ أَحَلَّ بِعَدلِهِ العَذَابَ بِقَومٍ مِمَّن كَانَ قَبلَنَا، أَخبَرَ أَنَّ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ كَانَ سَبَبًا لِنَجَاةِ مَن نَجَا مِنهُم، قَالَ - تعالى -: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165] وَحِينَ شَهِدَ - تَعَالى - لِقَومٍ مِن أَهلِ الكِتَابِ بِالصَّلاحِ، بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ بِإِيمَانِهِم بِهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ، وَأَمرِهِم بِالمَعرُوفِ وَنَهِيِهِم عَنِ المُنكَرِ، قَالَ - عز وجل -: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ۞ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 113، 114] وَأَمَّا الَّذِينَ لَعَنَهُم وَسَخِطَ عَلَيهِم وَطَرَدَهُم مِن رَحمَتِهِ، فَقَد وَصَمَهُم بِتَركِهِمُ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ۞ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].





أَيُّهَا المُسلِمُونَ:


إِنَّ كُلَّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ - تَعَالى - وَيَرضَاهُ، مِنَ الأَقوَالِ وَالأَعمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، فَهُوَ دَاخِلٌ في المَعرُوفِ الَّذِي يُؤمَرُ بِهِ، وَكُلَّ مَا يُبغِضُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلا يَرضَاهُ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَعمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، فَهُوَ مِنَ المُنكَرِ الَّذِي يُشرَعُ النَّهيُ عَنهُ، وَمِن أَجلِ قِيَامِ المَعرُوفِ وَإِظهَارِهِ، وَزَوَالِ المُنكَرِ وَاندِحَارِهِ، جُعِلَتِ الوِلايَاتُ في الإِسلامِ، سَوَاءٌ مِنهَا الوِلايَةُ الكُبرَى كَالرِّئَاسَةِ وَالسَّلطَنَةِ، أَوِ الصُّغرَى كَالشُّرطَةِ وَوِلايَةِ الحُكمِ أَو وِلايَةِ المَالِ أَو غَيرِهَا، وَإِنَّهُ لَو طُوِيَ بِسَاطُ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، وَأُهمِلَ عَمَلُهُ وَتُرِكَ عِلمُهُ؛ لَتَعَطَّلَتِ النُّبُوَّةُ وَاضمَحَلَّتِ الدِّيَانَةُ، وَلَعَمَّتِ الفَترَةُ وَشَاعَتِ الجَهَالَةُ، وَلَنُسِيَتِ الصَّلاةُ وَانتَشَرَ الفَسَادَ، وَلاتَّسَعَ الخَرقُ وَخَرِبَتِ البِلادُ وَهَلَكَ العِبَادُ، وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ في عَصرِنَا مِن هَذَا مَا كَانَ في كَثِيرٍ مِنَ البُلدَانِ، وَعُطِّلَت شَعِيرَةُ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، وَحُورِبَ المُحتَسِبُونَ وَضُيِّقَ عَلَيهِم، وَاستَولَت عَلَى القُلُوبِ مُدَاهَنَةُ الخَلقِ وَخَلَت مِن مُرَاقَبَةِ الخَالِقِ، وَقَلَّ مَن لا تَأخُذُهُ في اللهِ لَومَةُ لائِمٍ أَوِ اختَفَى، إِذْ ذَاكَ استَرسَلَ النَّاسُ في الشَّهَوَاتِ كَالبَهَائِمِ، وَرَتَعُوا في الفَسَادِ كَالحَيَوَانِ، وَلَم يَرعَوا لِغَيرِهِم حُرمَةً وَلم يَحفَظُوا ذِمَّةً، فَاختَلَّ لَدَيهِمُ الأَمنُ وَحَلَّ بِهِمُ الخَوفُ، وَانتَشَرَ فِيهِمُ الزِّنَا وَعَمَّ الخَنَا، وَتَقَطَّعَتِ العِلاقَاتُ الأُسرِيَّةُ وَتَصَرَّمَتِ الأَوَاصِرُ الاجتِمَاعِيَّةُ، وَفَشَتِ الأَمرَاضُ المُهلِكَةُ وَشَاعَتِ الأَوجَاعُ المُمِيتَةُ، وَخَيَّمَ الشَّقَاءُ وَرَحَلَتِ السَّعَادَةُ، وَغَلَتِ الأَسعَارُ وَارتَفَعَت، وَقَلَّتِ البَرَكَاتُ أَو نُزِعَت، وَأَصبَحَ النَّاسُ في مِثلِ الغَابَةِ، يَأكُلُ القَوِيُّ مِنهُم الضَّعِيفَ، وَيَعتَدِي القَادِرُ عَلَى العَاجِزِ، وَلا يَستَطِيعُ أَحَدُهُم أَن يَحمِيَ نَفسَهُ الحِمَايَةَ التَّامَّةَ، فَضلاً عَنِ المُدَافَعَةِ عَن حَقِّ غَيرِهِ، فَكَرِهَ بَعضُهُم لِذَلِكَ بَعضًا، وَحُرِمُوا الاتِّفَاقُ وَالائتِلافُ، وَبُلُوا بِالتَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ، وَصَارَ هُمُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُم العَمَلَ عَلَى الإِيقَاعِ بِالآخِرِ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَتَمَسَّكُوا بِمَصدَرِ عِزِّكُم وَمَنبَعِ كَرَامَتِكُم، وَعَضُّوا بِالنَّوَاجِذِ عَلَى دِينِكُم، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ جُهدَكُم، وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ طَاقَتَكُم، فَإِنَّكُم عَلَى ذَلِكَ اجتَمَعتُم، وَبِهِ انتَظَمَ شَملُكُم في هَذِهِ البِلادِ وَائتَلَفتُم، وَاحذَرُوا فِعلَ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ نَسُوا رَبَّهُم، فَجَعَلُوا يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ عَنِ الخَيرِ أَيدِيَهُم، وَيَمُدُّونَ في الشَّرِّ أَلسِنَتَهُم وَيُجهِدُونَ في دَعمِهِ أَقلامَهُم، وَيُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِلصَّدِّ عَن سَبِيلِ اللهِ، وَيَصرِفُونَ أَوقَاتَهُم لإِغوَاءِ عِبَادِ اللهِ، زَاعِمِينَ أَنَّهُم بِذَلِكَ مُصلِحُونَ، وَهُم المُفسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشعُرُونَ. أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ۞ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِي ﴾ [النور: 19، 21]





الخطبة الثانية


أَمَّا بَعدُ:


فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم - جَلَّ وَعَلا -





أَيُّهَا المُسلِمُونَ، تَبذُلُ الدُّوَلُ لِحِفظِ أَمنِهَا الأَموَالَ الطَّائِلَةَ، وَتُكَرِّسُ لِذَلِكَ الجُهُودَ الكَبِيرَةَ، وَتَسُنُّ من أَجلِهِ القَوَانِينَ وَالأَنظِمَةَ، وَتُوَظِّفُ الرِّجَالَ وَتُعِدُّ العَتَادَ، وَلَكِنَّهُم يَغفُلُونَ كَثِيرًا أَو يَتَغَافَلُونَ، عَن أَنَّهُ لا أَمنَ بِلا إِيمَانٍ، ولا استِقرَارَ بِلا هِدَايَةٍ مِنَ الرَّحمَنِ، وَأَنَّهُ لا يُدفَعُ الشَّرُّ وَيُدحَرُ البَاطِلُ بِمِثلِ نَشرِ الخَيرِ وَإِعلانِ الحَقِّ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [الحج: 40] وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81] وَإِنَّ تَجرِبَةَ هَذِهِ البِلادِ مَعَ هَيئَةِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، لَخَيرُ دَلِيلٍ وَأَكبَرُ بُرهَانٍ، عَلَى أَنَّ اللهَ يَزَعُ بِإِقَامَةِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ شُرُورًا كَثِيرَةً، وَيَدفَعُ بها أَضرَارًا وَيَرفَعُ أَخطَارًا، وَأَنَّهَا دِرعٌ وَاقٍ مِن كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُورِ وَالفِتَنِ، وَسِيَاجٌ مَانِعٌ مِن جُملَةٍ مِنَ الرَّزَايَا وَالمِحَنِ، فَكَم حُفِظَ بِجُهُودِ رِجَالِ الحِسبَةِ مِن عِرضٍ وَعُظِّمَت مِن حُرمَةٍ! وَكم فُضِحَ مِن مُجرِمٍ وَأُوقِعَ بِمُتَرَبِّصٍ! وَكَم أُقِيمَ مِن شَعِيرَةٍ وَأُمِيتَ مِن بِدعَةٍ!





وَمَهمَا صَاحَ أَصحَابُ الهَوَى وَضَج عَبِيدُ الشَّهَوَاتِ غَيظًا مِن هَذِهِ المُؤَسَّسَةِ المُبَارَكَةِ، أَوِ زَعَمُوا أَنَّهَا مِن مُبتَدَعَاتِ هَذَا العَصرِ أَوِ انتَقَدُوا رِجَالَهَا وَذَمُّوهُم، أَو حَاوَلُوا نَزعَ ثِقَةِ النَّاسِ فِيهِم وَإِقنَاعَهُم أَنَّ عَمَلَهُم تَدَخُّلٌ فِيمَا لا يَعني أَو تَقيِيدٌ لِلحُرِّيَّةِ، فَإِنَّ الشَّوَاهِدَ مِنَ السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ وَالآثَارِ المَروِيَّةِ، تُبَيِّنُ أَنَّ الإِمَامَ الأَعظَمَ وَالقَائِدَ الأَوَّلَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - كَانَ يَحتَسِبُ بِنَفسِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ خُلَفَاؤُهُ مِن بَعدِهِ، وَمَا زَالَ العُلَمَاءُ وَالعُقَلاءُ وَالفُضَلاءُ، يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ، وَيَنصَحُونَ لِلنَّاسِ وَيُوَجِّهُونَهُم لِمَا يُصلِحُ شَأنَهُم، وَأَمَّا عَبِيدُ الشَّهَوَاتِ وَالمُنَافِقُون، فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن يَنفَرِطَ عِقدُ المُجتَمَعِ وَتَشِيعَ فِيهِ الفَوَاحِشُ، لِيَقضُوا شَهَوَاتِهِم الحَيَوَانِيَّةَ وَيُشبِعُوا رَغَبَاتِهِم البَهِيمِيَّةَ ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ۞ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 27، 28] فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَكُونُوا مِمَّن يَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَيُحِبُّهُ وَيَفرَحُ بِهِ، وَاعتَزُّوا بِأَهلِهِ وَاحفَظُوا أَعرَاضَهُم، وَإِيَّاكُم أَن تَكُونُوا مِمَّن يَهَشُّ لِلمُنكَرِ وَيَكرَهُ النَّاصِحِينَ، فَإِنَّ قَومًا هَدَاهُمُ الله فَاستَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهُدَى، وَخَالَفُوا نَبِيَّهُم وَأَطَاعُوا أَمرَ المُسرِفِينَ. الَّذِينَ يُفسِدُونَ في الأَرضِ وَلَا يُصلِحُونَ ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ۞ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 78، 79]



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.25 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]