إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله ) - الصفحة 34 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شموع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 99 - عددالزوار : 15038 )           »          أسباب انقطاع الرزق - الذنوب الخفية (ذنوب الخلوات) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          من أقوال السلف في اليتيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4987 - عددالزوار : 2106881 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4566 - عددالزوار : 1384301 )           »          إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 284 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1188 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11726 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 299 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 284 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #331  
قديم 15-09-2012, 10:05 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 114 ( الأعضاء 1 والزوار 113) ارجو رحماك يا الله
__________________
رد مع اقتباس
  #332  
قديم 15-09-2012, 10:18 PM
الصورة الرمزية المعتصمه بربي
المعتصمه بربي المعتصمه بربي غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
مكان الإقامة: مهبط الوحي ( السعوديه )
الجنس :
المشاركات: 4,288
الدولة : Saudi Arabia
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

وأفضل منك لم تر قط عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مـبرّءاً من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء ..

__________________

رد مع اقتباس
  #333  
قديم 15-09-2012, 10:44 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

المزاد العجيب..

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية، والناس كنفته، فمرّ بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: ( أيكم يحب أن هذا له بدرهم ) ، فقالوا: "ما نحب أنه لنا بشىء، وما نصنع به؟" قال: ( أتحبون أنه لكم ) ، قالوا: "والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسكّ فكيف وهو ميت؟" فقال: ( فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ) رواه مسلم .


معاني المفردات
داخلا من بعض العالية: ناحية من نواحي المدينة.
والناس كنفته: أي أحاطت به.
بجدي أسك: (الجَدْي) : ولد الماعز، و(الأسكّ) : الذي ذهبَ أذنه سواء من أصل الخلقة أو مقطوعها.


تفاصيل الموقف
لا يكاد سوق يخلو من ( مزاد ) تُباع فيه السِلَع التجاريّة، وصورته لا تكاد تختلف من واحد لآخر، عناصره : رجلٌ يقف وسط جموع الناس يسوّق السلعة من خلال ذكر خصائصها وميّزاتها، وسلعةٌ بين يديه تنتظر مشترياً لها، وتجّار يحيطون به يتبارون في الحصول على تلك السلعة من خلال المزايدة في سعرها، ليستقرّ الأمر أخيراً على صاحب الرّقم الأعلى.


هذا هو ما نعرفه عن هذا النشاط التجاري الذي بدأ منذ فجر التاريخ، لكنّ ما بين أيدينا (مزاد ) لا كغيره من المزادات، فالاختلاف يبدأ بالماثل بين يدي السلعة المعروضة، وهو سيد العالمين وأفضل الخلق أجمعين، ويمرّ بالجموع الذين يقفون من حوله، وهم صحابته رضوان الله عليهم، وينتهي بالسلعة التي كانت (وياللغرابة!) جدي ميّت ناقص الخلقة، لا يُرتجى نفعه ولا يُنتظر خيره، في مشهدٍ تلفّه الدهشة وتكتنفه الحيرة، فما هي قصّة هذا المزاد وما حقيقته؟


سيزول العجب وتنقضي الغرابة عندما نعود إلى الحديث الشريف الذي تناول هذا الموقف، والذي يبيّن أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل السوق كعادته بين الحين والآخر، ليقضي الوقت في مقابلة الناس ومخالطتهم، والوقوف على أحوالهم المختلفة، يتخلّل ذلك تصحيح معاملاتهم وإرشادهم، وضبط سلوكهم التجاري.


ولا تخلو زيارات النبي – صلى الله عليه وسلم – تلك من صحابة يلزمونه كظلّه، ويطوفون معه أينما دار، ليقتبسوا منه علماً جديداً، ورُشداً قويماً، وخلقاً كريما.


وبينما كانت هذه الكوكبة المباركة تسير وسط أحياء المدينة، إذ رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – على قارعة الطريق "جدْياً" ميتاً ، نتن الرائحة، معيباً في أذنيه ، فتهيّأ الصحابة رضي الله عنهم لمجاوزة هذه الجيفة، لكنّهم تفاجؤوا بوقوف النبي عليه الصلاة والسلام أمامها.


وسرعان ما تحلّق الصحابة حول نبيّهم متسائلين في قرارة نفوسهم عن السرّ في الوقوف أمام هذا الجسد الخاوي من الروح، والذي تشمئزّ النفوس من منظره والأنوف من رائحته، ولم يَطُل تساؤلهم كثيراً، فقد رأوا النبي – صلى الله عليه وسلم – يأخذ بأذن هذا الجَدْي ثم يقول: ( أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ ) .


نظر الصحابة رضوان الله عليهم إلى بعضهم ثم قالوا : "ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟"، ويكرّر النبي – صلى الله عليه وسلم – عرضه الغريب بألفاظ اختلفت قليلاً : ( أتحبون أنه لكم؟ ) ، فذكروا له من عيوب هذا الجدي ما لو رأوه حيّاً لزهدوا فيه، فكيف وهو ميت؟!


وهنا يكشف النبي – صلى الله عليه وسلّم – عن الغموض في لفتةٍ تربويّة عظيمة، تجسّد المعاني، وتُبرز الحقائق، وتعمّق في النفس معاني الزهد والتقليل من شأن الدنيا : ( فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ) .


إضاءات حول الموقف
يبيّن هذا الموقف العظيم مدى حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تحذير أصحابه من خطر الدنيا والافتتان بها، وهو – فوق ذلك – يُغذّي عقول الناس أن الحياة الصحيحة المستحقّة لألوان البذل والتضحيّة إنما هي وراء هذه الحياة لا فيها، وأما ما كان قبل ذلك فهو غرور ووهم كما وصفها الله تعالى في محكم كتابه :{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } (الحديد:20).


ولقد تنوّعت أساليب النبي – صلى الله عليه وسلّم – في تصوير حقيقة الدنيا والتحذير من زخرفها، فتارةً نراه يطرق حال الفقراء والأغنياء في عرصات القيامة وما بعدها، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن الأكثرين هم الأقلّون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا –يقصد من تصدق عن يمينه وشماله ومن خلفه -، وقليلٌ ما هم) رواه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام : (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ) رواه الترمذي ، وصحّ عنه – صلى الله عليه وسلم - قوله: (قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجدّ - أي الموسرون - محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار) متفق عليه.


وتارة يمثّل النبي – صلى الله عليه وسلم – الدنيا لأصحابه بالأمثلة المعنويّة والحسّيّة التي ترسّخ في نفوسهم حقارة الدنيا ودنوّها، وأنّها لا تساوي شيئا عند الله تعالى ، ومن قبيل المعنوي: تشبيه النبي عليه الصلاة والسلام للدنيا بالزهرة التي سرعان ما تذبل، وبالأرض اليانعة التي لا تلبث أن تفقد جمالها وألوانها، ومن جملة الشواهد على ذلك قوله تعالى : { زهرة الحياة الدنيا } (طه:131)، وقوله تعالى : {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا} (الكهف:45)، وما صحّ عن النبي عليه الصلاة والسلام من قوله : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) رواه الترمذي ، ومن التمثيل الحسّي لحقيقة الدنيا الموقف الذي بين يدينا.


ومن نسمات عبير هذا الموقف النبوي، أن نلحظ كيف كان النبي – صلى الله عليه وسلّم – ينوّع في أساليبه الوعظيّة والتربويّة فلا يقف فيها عند نمطٍ واحد، بل هو تجديد يُراد به إشعار النفس بالفكرة المطلوبة بطريقة عمليّة واضحة، وهو الأمر الذي يحتاجه الدعاة والمصلحون لإيصال رسالتهم وتحقيق أهدافهم.
منقول
__________________
رد مع اقتباس
  #334  
قديم 15-09-2012, 10:45 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 119 ( الأعضاء 1 والزوار 118) ارجو رحماك يا الله
__________________
رد مع اقتباس
  #335  
قديم 15-09-2012, 10:49 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

__________________
رد مع اقتباس
  #336  
قديم 15-09-2012, 11:31 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 117 ( الأعضاء 1 والزوار 116) ارجو رحماك يا الله
__________________
رد مع اقتباس
  #337  
قديم 15-09-2012, 11:32 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

المدرسة الدعوية في دار الأرقم بن أبي الأرقم..

اختار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم بن أبي الأرقم ليجتمع فيها بالمسلمين سرًا، حفاظا على دعوته وأصحابه، إذ كانت بعيدة عن أعين الطغاة وتفكيرهم، وكانت على جبل الصفا، وهي بمعزل عن المتربصين بالمسلمين في مكة، وكانت - فضلاً عن ذلك - للأرقم بن أبى الأرقم ، وهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول .


وكان الأرقم ـ رضي الله عنه ـ في السادسة عشر من عمره يوم أسلم، ويوم أن تفكر قريش في البحث عن مركز تجمع المسلمين، لن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار، بل يتجه نظرها إلى بيوت كبار الصحابة، وهذا من حكمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .


وفي هذه الدار المباركة، كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلتقي بأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، يتلو عليهم آيات الله ويزكيهم، ويعلمهم أمور دينهم، ويباحثهم في شأن الدعوة وما وصلت إليه، ويسمع شكواهم وما يلقونه من أذى المشركين وكيدهم، ويتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والثبات على دينهم، ويبشرهم أن العاقبة للمتقين .


وقد اتخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم مقرا سريا لدعوته، والحفاظ على أصحابه وتربيتهم وإعدادهم، بعد المواجهة التي حدثت بين سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه ـ وقريش ..
قال ابن إسحاق : " .. كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلوا ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شِعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام ".


ومن ثم أصبحت دار الأرقم بن أبي الأرقم ـ رضي الله عنه ـ مركزاً للدعوة السرية، يتجمع فيه المسلمون، ويتلقون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل جديد من الوحي، ويتربون على يديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .


لقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين: مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، ومرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك . فكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم هي المكان المناسب لذلك، والسرية في بداية الدعوة، كانت لضرورة فرضها الواقع، وإلا فالأصل هو بيان دين الله وشرعه للناس جميعا .
واقتضت حكمة الله ـ سبحانه ـ أن تبقى دعوة الإسلام ضمن مجالها السري في دار الأرقم ، إلى أن هيأ الله لها من الأسباب ما مكنها من إشهار أمرها وإعلان رسالتها { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون } (يوسف: من الآية21)..


ومن خلال هذه المرحلة ـ كغيرها من مراحل سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظهرت حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان يهتم بالتخطيط الدقيق، ويحسب لكل خطوة حسابها، فقد كان مدركاً أنه سيأتي اليوم الذي يؤمر فيه بالدعوة علناً وجهراً، وأن هذه المرحلة سيكون لها شدتها وصعوبتها على المسلمين، ومن ثم فحاجة الجماعة المؤمنة تقتضي أن يلتقي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المُرَبِي مع أصحابه، ليعلمهم ويربيهم ويشحذ هممهم، ويعدهم ليكونوا بناة الدولة المسلمة، وحملة الدعوة، واللبنة الأولى التي قام عليها هذا الصرح العظيم ..
ومن ثم استمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته السرية وتربيته لأصحابه في دار الأرقم ، حتى أصبحت هذه الدار أعظم مدرسة للتربية والإعداد عرفها التاريخ، إذ تخرج منها قادة حرروا البشرية من رق العبودية، وأخرجوهم من الظلمات إلى النور، بعد أن رباهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .


وقد حرص ـ عليه الصلاة والسلام ـ حرصاً شديداً على أن يكون القرآن الكريم هو المنهج الذي يربى عليه أصحابه، وألا يختلط تعليمهم وتربيتهم بشيء من غير القرآن، وكانت قلوب الصحابة وأرواحهم تتفاعل مع القرآن وتنفعل به، فيتحول الواحد منهم إلى إنسان جديد بقيمه ومشاعره، وأهدافه وسلوكه، وتطلعاته وأمنياته، ومن ثم أدرك الصحابة وتعلموا ـ في دار الأرقم ـ أن القرآن وحده وتوجيهات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هما: المنهج للحياة والدعوة، والدستور للواقع والدولة، فكانوا من شدة تلهفهم إلى معرفة أوامر الله وأوامر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، إذا سمعوا أحداً يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ابتدرته أبصارهم، كما يقول ذلك عبد الله بن عباس - رضي الله عنه ـ ..
وعلى ذلك تربى الجيل الفريد من هذه الأمة، فكانوا يلتمسون من آيات القرآن الكريم، وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يوجههم في كل شأن من شؤون حياتهم ..


لقد كانت مرحلة دار الأرقم ، مرحلة هامة في تربية وإعداد الصحابة، ومدرسة رَبَّى فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفذاذ الرجال، الذين حملوا راية التوحيد والجهاد والدعوة، فدانت لهم الجزيرة العربية، وقاموا بالفتوحات الإسلامية العظيمة في نصف قرن ..
منقول
__________________
رد مع اقتباس
  #338  
قديم 15-09-2012, 11:41 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

الراغبون عن سنة المصطفى

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها فقالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) " متفق عليه واللفظ للبخاري .


وفي رواية مسلم : "فحمد الله وأثنى عليه، فقال: ( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ".


معاني المفردات
تقالّوها: اعتبروها قليلة .
أبداً: دائماً من غير انقطاع .
الدهر: أي أواصل الصيام من دون توقّف .
أرقد: أنام .
رغب عن سنتي: أي أعرض عنها .


تفاصيل الموقف
بزغ من الأفق البعيد ركبٌ أقبلوا على المدينة والسعادة تملأ قلوبهم، والشوق يُذكي عزائمهم، غير مبالين بفيح الصحراء أو حرّ الرمضاء، ولا شاعرين ببعد المسافة أو طول الرحلة، وحُقّ لهم ذلك فقد أوشكوا على الوصول إلى مقصدهم وتحقيق هدفهم.


إنهم ثلاثة، جمعهم الإيمان وألّف بين قلوبهم، ووصلتهم أنوار الرسالة، وتوالت عليهم الأخبار الصادقة عن ذلك النبي العظيم، كم حدّثوهم عن تواضعه وحلمه ووفائه، وكم أخبروهم عن إخلاصه ورحمته ووفائه، وكم أفاضوا في ذكر فضائله وأفضاله، وخصائصه وأخلاقه، وشمائله وصفاته.


كم أرهفوا السمع وأعملوا الفكر وأطلقوا عنان الخيال، ولكن من بعيد!، وآن الأوان كي يقتربوا من منبع ذلك النهر المتدفق، ليرتووا من أصله، ويرتشفوا من هديه، بل حان الوقت ليروا رأي العين سموّ الأنبياء وعظمة الأتقياء، فيرصدوا حركاتها وسكناتها، وخطاها وأفعالها، وسيرتها وسريرتها.


ها هي المدينة بشوارعها وحواريها، وأسواقها وتجمّعاتها، وبيوتها وبساتينها، يمشون على ثراها بأرجلهم في الوقت الذي تكاد أن تطير قلوبهم غبطةً وسروراً باللقاء المرتقب مع أسمى ما عرفت البشريّة من العظمة والبهاء، والجلال والجمال.


وما بين سؤالٍ واستفسار، وانتقال من موضعٍ إلى آخر، إذْ وصلوا أمام حجرات بيت النبي –صلى الله عليه وسلم-، فطرقوا الباب على أمل أن يفتح لهم النبي عليه الصلاة والسلام فيُكحّلوا أعينهم بوجهٍ طالما حلموا به، ويُطربوا أسماعهم بصوتٍ لم يزالوا يشتاقون إليه، فإذا بالخبر يأتيهم من أحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام أنه غير موجود، وأنه عائدٌ ولابد.


لحظات الانتظار مزعجة، والشوق إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- يتنامى، والرغبة في معرفة أحواله تتعاظم، فلم يستطع أولئك الركب أن يكتموا أسئلتهم عن أمهم وأم المؤمنين جميعاً، ليعرفوا الحقيقة عن كَثَب، ويقفوا على حال النبي عليه الصلاة والسلام مع ربّه في خلوته ومحرابه، ومن يعلم ذلك إن لم تعلمه زوجته وألصق الناس به؟


وهكذا توالت الأسئلة تتلوها الإجابات، في حوارٍ تفصيلي دار من وراء حجاب، لكن ما سمعوه لم يشفِ غليلهم، ولم يكن بالقدر الذي تخيّلوه، فلقد ظنّوا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قائمٌ طيلة الليل ساردٌ للصوم جميع أيّامه، وأن هذا المستوى من العبادة لهو الخليق بمن كان أحبّ الخلق للخالق!


لقد قالوا: " أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وكأنهم يريدون القول أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ليس بحاجة إلى إجهاد النفس بالعبادة حيث ضمن المغفرة من الله، أما هم: فينبغي عليهم أن يجتهدوا أكثر من ذلك؛ لذا قرّر الأوّل أن يصلي الليل أبداً، والثاني أن يصوم أيّامه كلّها ولا يفطر، وأما الثالث فاختار أن يعتزل النساء فلا يتزوّج!


ويصل الخبر إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- من أهل بيته بما قالوا، فينطلق إليهم مسرعاً، ويتأكّد مما قالوا، ثم يحدّثهم بالمنطق السديد والعقل الرشيد: ( أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ؛ وحتى يعمّم التوجيه وقف في الناس واعظاً وأبلغهم ذات الرسالة المطلوبة من التوسّط المطلوب في العبادة، بعيداً عن الغلو والإجحاف.


إضاءات حول الموقف
أعظم ما نستشرفه من هذا الموقف العظيم: التحذير من الغلو في الدين، والتنطّع في تطبيقه، والتشدّد في فهمه؛ وذلك لمجافاته التامة لحقيقة الإسلام وجوهره القائم على اليُسر والسماحة، والتوسّط والاعتدال، فكان النهي عن هذا المسلك لئلا نهلك كما هلك من كان قبلنا من الأمم السابقة، قال الله عزّ وجل: { قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة:77)، وصحّ عن النبي –صلى الله عليه وسلّم قوله: ( يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) رواه ابن ماجة .


وقد خشي النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يكون مثل هذا الإفراط والتنطّع سبباً في تشديد الله على عباده، فقد جاء عنه قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تُشدّدوا على أنفسكم فيُشدّد عليكم؛ فإن قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فتلك بقاياهم فى الصوامع والديار {رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} (الحديد:27) ) رواه أبو داوود .


ومن مضارّ هذه المغالاة أن صاحبها غالباً ما يصيبه استثقال العبادة والملل من المداومة عليها، ثم يؤول به الأمر إلى الانقطاع عن العبادة تماماً، فيكون حاله كحال المسافر الذي أجهد راحلته بالسفر ولم يُعطه فرصةً للراحة، حتى خارت قواه ولم يعد يستطيع المواصلة، فلا هو بالذي أبقى على راحلته، ولا هو بالذي بلغ مراده، يقول الحافظ ابن حجر : " لا يتعمق أحد في الأعمال الدينيه ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيُغلب".


والمطلوب تحقيق الموازنة بين العبادة وبين حاجات النفس، بحيث يقبل المؤمن على الدين برفقٍ وتمهّل، فيعطي نفسه فرصة اعتياد هذه التكاليف وتحمّلها دون سآمة أو ملل، ويستغلّ فترات الإقبال بالطاعة، والفتور بالراحة، ويكون كالشجرة التي تنمو صاعدةً في ثقة وطمأنينة، فيبلغ مراده ويحقق مطلوبه.


لكن يجدر التنبيه هنا إلى ما يقع به بعض العوام من خلطٍ في المفاهيم، وذلك حينما يُدخلون في التنطّع المذموم كل من كان متمسّكاً بآداب الإسلام وتعاليمه، وأوامره ونواهيه، ومعلومٌ أن الغلو هو التجاوز في الحدّ في القول والفعل، بينما حال أهل الاستقامة هو لزوم الحدّ المطلوب، وبينهما فرق.


ونختم بجملة من الفوائد، منها: بيان حبّ الصحابة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم-، وحرصهم على تتبّع مواطن الخير والسعي في تحقيقها، وأدب النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما لم يذكر أسماء القوم في خطبته واكتفى بقوله: ( ما بال أقوام) ، والترغيب بالنكاح وأفضليّته خصوصاً للقادرين عليه.
منقول
__________________
رد مع اقتباس
  #339  
قديم 15-09-2012, 11:42 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 114 ( الأعضاء 1 والزوار 113) ارجو رحماك يا الله
__________________
رد مع اقتباس
  #340  
قديم 15-09-2012, 11:43 PM
الصورة الرمزية نمضي كـ حلم
نمضي كـ حلم نمضي كـ حلم غير متصل
قلم فضي مميز
 
تاريخ التسجيل: Jul 2012
مكان الإقامة: الحسيمة
الجنس :
المشاركات: 5,889
الدولة : Morocco
افتراضي رد: إلا الحبيب.... يا عباد الصليب (متجدد بإذن الله )

صدقك وهو كذوب

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "وكلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنّك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: إني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، فخلّيتُ عنه فأصبحتُ فقال النبي -صلى الله عليه و سلم-: ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ ) ، قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: ( أما إنه قد كذبك وسيعود ) ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم- إنه سيعود، فرصدتُه فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعني فإني محتاج وعليّ عيال لا أعود. فرحمته فخلّيت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( يا أباهريرة ما فعل أسيرك؟ ) . قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: ( أما إنه كذبك وسيعود ) . فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ثم تعود، قال: دعني أعلّمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (البقرة:255) حتى تختم الآية؛ فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح؛ فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( ما فعل أسيرك البارحة؟ ) ، قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ( ما هي؟ ) ، قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير -، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ ) . قال: لا، قال: ( ذاك شيطان ) رواه البخاري .


معاني المفردات
يحثو:يأخذ بكفّيه.
عليّ عيال: عليّ نفقة العيال والمقصود بهم الزوجة والأولاد ونحوهم .
فرصدته: راقبته .


تفاصيل الموقف
أوشكت ليالي رمضان على الانتهاء، وشارفت على الأفول، شاهدةً على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجتهادهم في العبادة والذكر، والصلاة والدعاء، وأعمال البرّ وأوجه الخير، وهذا الظنّ بطلاّب الجنّة ومتطلّبي الهداية، وهو المتصوّر ممن ربّاهم أعظم المعلّمين وسيّد الخلق أجمعين عليه الصلاة والسلام.


وقبيل العيد بعدّة ليالٍ، استدعى النبي –صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة رضي الله عنه وأمره أن يحفظ أموال زكاة الفطر؛ حتى لا تطالها أيدي ذوي النفوس المريضة والقلوب الضعيفة، فتلقّى أبو هريرة رضي الله عنه الأمر النبوي بصدرٍ رحب ونشاطٍ كبير، بل كانت هذه المهمّة الموكلة إليه مصدر فخرٍ وتباهٍ، فقد اختاره عليه الصلاة والسلام واجتباه دون غيره من الصحابة .


وبدأت صدقات الفطر تتوافد على أبي هريرة رضي الله عنه من أنحاء المدينة وأقاصيها، وهو يُشرف على خزانتها وحفظها، تمهيداً لتوزيعها يوم العيد القادم بعد أيّامٍ ثلاث، حتى إذا جاء الليل وسكنت الحركة واشتدّت الظلمة رصد أبو هريرة رضي الله عنه حراكاً مشبوهاً يدلّ على محاولة جادّة لسرقة أموال المسلمين، وكان مصدر تلك المحاولة رجلٌ تستّر بجنح الليل لينهب الطعام المكوّم لديه بكلتا يديه، فقفز أبو هريرة رضي الله عنه مهتماً الهصور وانقضّ عليه ممسكاً به، وقائلاً له: " لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".


ارتعدت فرائص ذلك الشخص المجهول وزاغت عيناه، وبدت ملامح الخوف والهلع على محيّاه، فقال بصوت يقطر ألماً ومسكنة: " إني محتاج، وعليّ عيال، ولي حاجة شديدة".


رقّت نفس أبي هريرة رضي الله عنه وهو يسمع كلماته التي تصف فقره ومسغبته، وهل صدقة الفطر إلا لأمثاله من المعوزين والمحتاجين؟ وهل ثمة خيرٌ من إسعاد نفسٍ وإدخال السرور عليها؟ وهنا قرر أبو هريرة رضي الله عنه أن يطلق سراحه ويتركه في سبيله.


وجاء الصباح، وانطلق أبو هريرة رضي الله عنه، وصدى الحوار الذي دار بينه وبين أسيره لا يزال يرن في أذنه ويذكي في نفسه مشاعر الرحمة والشفقة، ورآه النبي -صلى الله عليه وسلم- مقبلاً، فإذا به يسأله : ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ ) .


دُهِشَ أبو هريرة رضي الله عنه بهذا السؤال! ؛ إذْ كانت أحداث الأمس بمعزلٍ عن الناس فلم يسمعه أحد، لكن هذه الدهشة زالت سريعاً؛ فهو رسول الله المتصل بوحي السماء، فأخبره بتفاصيل ما حدث له بالأمس ، واستمع له النبي عليه الصلاة والسلام باهتمام، ثم أعلن له الخبر المفاجيء : ( أما إنه قد كذبك وسيعود ) .


كذبني؟ واستغل طيبتي وحلمي؟ وفوق ذلك: سيعود للسرقة ويكرر الخطيئة؟! يا لوقاحة الرجل، واستحالت مشاعر الرأفة في نفس أبي هريرة رضي الله عنه إلى غضبٍ عارم، وما دام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه سيعود فسيعود حتماً ، ولن يفلت الليلة بفعلته.


وهكذا ظل أبو هريرة رضي الله عنه يترقّب طيلة يومه ونهاره، وفي الليل ألقى القبض على الرجل المتلبس بفعلته الشنعاء، لكن لصّ الصدقة هذا جمع إلى خفة يده براعةَ التظاهر والقدرة على الإقناع، فشرع يتصنّع المسكنة والذلّة حتى استطاع أن ينتزع من أبي هريرة رضي الله عنه كل عزمه وتصميمه على تسليمه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتهى الأمر بإطلاق سراحه.


وفي اليوم التالي دار بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين أبي هريرة رضي الله عنه الحديث ذاته الذي دار بالأمس، وتكرر التحذير الموجه إلى أبي هريرة بعودة الرجل، وبالفعل راقب أبو هريرة رضي الله عنه الرجل مراقبة دقيقة ، فلما شرع في السرقة قبض عليه قبضاً شديداً ، وأفقده الأمل في أن يتركه يهرب بفعلته كما فعل في الليلتين الماضيتين، فقد استنفذ وسائل النجاة وصفح عنه المرة تلو المرة فما رعى الأمر حق رعايته، وما حفظ الجميل لأصحابه، وهنا لجأ الرّجل إلى أسلوبٍ جديد، وعرضٍ بديع، وذلك بقوله: " دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها".


وهنا استيقظت في نفس أبي هريرة رضي الله عنه كوامن الخير ودوافع الرغبة في الاستزادة من العلم والمعرفة، ورأى أنها صفقةٌ عادلة، أن يتجاوز عن أسيره مقابل فائدةٍ جليلةٍ مضمونها أن قراءة آية الكرسيّ تحفظ المؤمن من كيد الشيطان بل تمنعه من الاقتراب منه حتى يصبح.


وعند الصباح أخبر أبو هريرة رضي الله عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- الخبر مستفسراً عن صحّة المقولة وقيمتها في ميزان الشرع، فأقرّ عليه الصلاة والسلام بصحّتها وقال: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب) ، ثم أراد أن يبيّن له الجانب الخفيّ لشخصيّة زائر الليل الذي كان من أمره عجباً: ( ذاك شيطان ) .


إضاءات حول الموقف
اتّجهت أنظار الشرّاح عند تناول هذا الموقف إلى قول النبي –صلى الله عليه وسلّم-: (صدقك وهو كذوب) ؛ فإنها تُلفت النظر إلى ركيزةٍ أساسيّة في خلق المسلم، والتي تتمثّل في العدل والقسط مع الآخرين، فأسير أبي هريرة شيطان، والشيطان هو أصل الشرور ومنبعها، ومع ذلك لم يمتنع رسول الله عليه الصلاة والسلام من إقرار مقولة الشيطان وبيان صدقه في هذا الموقف بالرغم من المعدن الخبيث للشيطان وتأصّل جانب الكذب والزور والافتراء عنده، ولذلك تحدّث العلماء بأن قول المصطفى عليه الصلاة والسلام (وهو كذوب) هو إتمامٌ بليغ لوصف الشيطان؛ حيث أثبت الصدق له على نحوٍ لا يوهم المدح المطلق، وهذا هو مقتضى القسط المأمور به شرعاً.


وثمّة فائدةٌ أخرى تُستنبط من قول النبي –صلى الله عليه وسلم- المذكور سابقاً، وهي أن الحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها أخذ بها، فالفاجر قد يعلم الحق فلا يتّبعه ولا ينتفع به، فيتلقّاه المؤمن منه فيجد فيه الخير الكثير.


ويدلّ الموقف على فضل آية الكرسي، فهي أعظم آية بنصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وفي قراءتها حفظٌ ووقاية من الشيطان، ومن قرأها بعد كل صلاة مكتوبةلم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت.


ونشير أخيراً إلى جملةٍ من الفوائد المستنبطة، ومن ذلك: إمكان رؤية الإنس للجنّ ولكن في غير صورتهم الحقيقيّة، وبيان حرص الصحابة على الخير وإقبالهم عليه، وظهور حلم النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما لم يُعنّف أبا هريرة رضي الله عنه على تركه لأسيره، وخوف الجن والشياطين من المؤمنين الصالحين، وأن للشياطين أزواجاً وذريّة، وأن شياطين الجن تعرف الحقّ وتجحده كشياطين الإنس، وأن التريّث على مفسدةٍ خفيفةٍ جائزٌ إذا كانت نهايتها مصلحةً مؤكّدة وهي هنا علمٌ صالح، وبيان جواز جمع صدقة الفطر قبيل العيد بيومٍ أو يومين.
منقول
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 105.18 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (5.27%)]