طواف الوداع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الهوية الإمبريالية للحرب الصليبية في الشرق الأوسط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          «ابن الجنرال» ونهاية الحُلم الصهيوني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          التغيير في العلاقات الأمريكية الروسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          هل اقتربت نهاية المشروع الإيراني؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الشيخ عثمان دي فودي: رائد حركات الإصلاح الديني في إفريقيا الغربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          دور العلماء الرّواة والكُتّاب في نشأة البلاغة العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          وقفات مع قول الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أصحّ ما في الباب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          التدريب على العجز!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-06-2024, 06:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي طواف الوداع

طواف الوداع

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف


قَالَ الْمُصَّنِفُ -رَحِمَهُ اللهُ-:[وَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ: خَرَجَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْمَبِيتُ، وَالرَّمْيُ مِنَ الْغَدِ، فَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ: لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَطُوفَ لِلْوَدَاعِ، فَإِنْ أَقَامَ، أَوِ اتَّجَرَ بَعْدَهُ: أَعَادَهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ غَيْرَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ: رَجَعَ إِلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ، أَوْ لَمْ يَرْجِعْ: فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ: أَجْزَأَ عَنِ الْوَدَاعِ].


الْكَلَامُ هُنَا فِي فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: طَوَافُ الْوَدَاعِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ: لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَطُوفَ الْوَدَاعَ).
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: حُكْمُ طَوَافِ الْوَدَاعِ.

إِنَّ مَنْ أَتَى مَكَّةَ؛ فَلَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ[1]:
الْأُولَى: أَنْ يُرِيدَ الْإِقَامَةَ بِهَا، فَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَة َبِهَا: فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَدَاعَ يَكُونُ مِنْ مُفَارِقٍ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ[2]، وَهَذَا لَيْسَ بِنَافِرٍ.

الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ مِنْهَا، وَهَذَا لَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ إِذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيِع أُمُورِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَقْتُ طَوَافِ الْوَدَاعِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَكُونُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ[3].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ يَكُونُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ؛ فَلَوْ أَقَامَ بَعْدَهُ شَهْرًا: أَجْزَأَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ[4].

وَالصَّوَابُ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ[5]، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ[6].

وَلِأَنَّهُ إِذَا أَقَامَ بَعْدَهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَدَاعًا فِي الْعَادَةِ؛ فَلَمْ يُجْزِئْهُ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يُسَمَّى طَوَافَ وَدَاعٍ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِ جَمِيعِ النُّسُكِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ أَقَامَ، أَوِ اتَّجَرَ بَعْدَهُ: أَعَادَ).

أَيْ: إِنْ أَقَامَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاع،ِ كَأَنْ يُقِيمَ لِزِيَارَةِ صَدِيقٍ، أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ: فَيَلْزَمُهُ إِعَادَةُ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَبِالْأَوْلَى: لَوْ وَدَّعَ فِي اللَّيْلِ وَنَامَ فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَسَاكِنِ مَكَّةَ أَوْ مَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهَا؛ لِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ إِقَامَةً، وَيُنَافِي مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي نَصَّ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ.

أَيْضًا: لَوِ اتَّجَرَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ، -كَمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ بَاعَ شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ-: فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الْوَدَاعَ لَوِ اشْتَرَى حَاجَةً فِي طَرِيقِهِ أَوِ اشْتَرَى زَادًا أَوْ شَيْئًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ آخَرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَقَدْ ذَكَرُوا: أَنَّهُ إِنْ قَضَى حَاجَتَهُ مِمَّا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الرَّحِيلِ: فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: "إِنْ قَضَى حَاجَةً في طَرِيقِهِ، أَوِ اشْتَرَى ‌زَادًا ‌أَوْ ‌شَيْئًا ‌لِنَفْسِهِ ‌فِي ‌طَرِيقِهِ، لَمْ يُعِدْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِقامَةٍ تُخْرِجُ طَوافَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِه بِالبَيْتِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا"[7].

الْفَرْعُ الثَّانِي: تَرْكُ طَوَافِ الْوَدَاعِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ تَرَكَهُ غَيْرَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ: رَجَعَ إِلَيْهِ؛ فَإِنْ شَقَّ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دَمٌ).


وَهُنَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: خُرُوجُ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ.

إِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ:
الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا، وَالْقَرِيبُ: هُوَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
الثَّانِية: أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا، وَالْبَعِيدُ: مَنْ بَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ.

وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ضَابِطِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ[8].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ حَدَّ ذَلِكَ الْحَرَمُ؛ فَمَنْ كَانَ فِيهِ: فَهُوَ قَرِيبٌ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ: فَهُوَ بَعِيدٌ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-[9].

فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ رَجَعَ: فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَا إِحْرَامَ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ فِي (الْإِنْصَافِ): "فَمَتَى ‌رَجَعَ ‌الْقَرِيبُ لَمْ يَلْزَمْهُ إِحْرامٌ بِلَا نِزَاعٍ"[10].

وَأَمَّا إِنْ كَانَ بَعِيدًا: فَيَلْزَمَهُ دَمٌ، سَوَاءٌ رَجَعَ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[11]. وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُمْ فِي الْبَعِيدِ: يَلْزَمُهُ دَمٌ سَوَاءٌ رَجَعَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِبُلُوغِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ: فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، كَمَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَأَحْرَمَ دُونَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ وَابْنُ أَخِيهِ شَارِحُ الْمُقْنِعِ: وَيَحْتَمِلُ سُقُوطَ الدَّمِ عَنِ الْبَعِيدِ بِرُجُوعِهِ كَالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ أَتَى بِهِ؛ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَدَلُهُ [12]، وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ رَجَعَ الْبَعِيدُ: أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لُزُومًا، وَيَأْتِي بِهَا فَيَطُوفُ وَيَسْعَى لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَطُوفُ طَوَافَ الْوَدَاعِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّة[13]، قَالَ فِي (الشَّرْحِ): "وَإِذَا ‌رَجَعَ ‌الْبَعِيدُ؛ ‌فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ تَجاوُزُ الْمِيقاتِ إِنْ كَانَ تَجَاوَزَهُ إلَّا مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ، فَيَلْزَمُهُ طَوَافٌ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَالسَّعْي، وَطَوَافُ الْوَداعِ، وَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ الْخِلاَفُ الْمَذْكُورُ"[14].

وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ: أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا الْحَائِضُ، وَالنُّفَسَاءُ: فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِصَرِيحِ حَدِيثِ صَفِيَّةَ[15]، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-[16]، قَالَ فِي (الْإِنْصَافِ): "وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ تَطْهُرْ قَبْلَ مُفارَقَةِ البُنْيانِ، فَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفارَقَةِ البُنْيانِ، لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِلوَداعِ، وَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ مُفارَقَةِ البُنْيَانِ، لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ مَسَافَةِ القَصْرِ، بِخِلَافِ الْمُقَصِّرِ بالتَّرْكِ"[17].

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَأْخِيرُ طَوَافِ الْوَدَاعِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَطُوفَهُ عَنِ الزِّيَارَةِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ: أَجْزَأَ عَنِ الْوَدَاعِ).

لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ [18]؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِ الْحَاجِّ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ، وَقَدْ حَصَلَ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ فَيَكُونُ مُجْزِئًا عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَلَا شَكَّ أنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَطُوفَ الْحَاجُّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ فَيَحْرِصَ عَلَى التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالاِقْتِدَاءِ بِهِ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: الْوُقُوفُ فِي الْمُلْتَزَمِ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ.

وَهُنَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَكَانُ وُقُوفِ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مِنَ الْمُلْتَزَمِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَقِفُ غَيْرُ الْحَائِضِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ دَاعِيًا بِمَا وَرَدَ).

أَيْ: إِذَا فَرَغَ الحَاجُّ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاع ِفَإِنَّهُ يَقِفُ فيِ الْمُلْتَزَمِ، وَهُوَ مِنَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ مَا بَينَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ، "وَلَهُ ‌أَنْ ‌يَفْعَلَ ‌ذَلِكَ ‌قَبْلَ ‌طَوَافِ ‌الْوَدَاع؛ فَإِنَّ هَذَا الِالْتِزَامَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَال الْوَدَاعِ أَوْ غَيْره، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حِينَ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ"[19].

وَمَعْنَى الْتِزَامِهِ: أَنْ يَضَعَ الدَّاعِي صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخَرَةِ. وَلَيْسَ هُنَاكَ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ يَدْعُو بِهِ الْحَاجُّ فِي هَذَا الْمَكَانِ، "وَإِنْ شَاءَ قَالَ فِي دُعَائِهِ الدُّعَاءَ الْمَأْثُورَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: (اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك، حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك، وَسَيَّرْتنِي فِي بِلَادِك حَتَّى بَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك إلَى بَيْتِك، وَأَعَنْتنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي؛ فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضَا، وَإِلَّا فَمِنْ الْآنَ فَارْضَ عَنِّي قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي؛ فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بِبَيْتِك، وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[20]، وَلَوْ وَقَفَ عِنْدَ الْبَابِ وَدَعَا هُنَاكَ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ لِلْبَيْتِ كَانَ حَسَنًا"[21].


وَالَّذِي جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فِي الاِلْتِزَامِ أَصَحُّ مِمَّا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛فَعَنْ مُجَاهِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّهُ قَالَ: "كَانُوا ‌يَلْتَزِمُونَ ‌مَا ‌بَيْنَ ‌الرُّكْنِ ‌وَالْبَابِ وَيَدْعُونَ"[22].

وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَمُجَاهِدٌ مِنْ أَكْبَرِ التَّابِعِينَ وَأَفْضَلِهِمْ، وَقَدْ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَهَذَا كَافٍ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي إِثْبَاتِ مَشْرُوعِيَّةِ إِتْيَانِ الْمُلْتَزَمِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَهُ.


الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَكَانُ وُقُوفِ الْحَائِضِ مِنَ الْمُلْتَزَمِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتَقِفُ الْحَائِضُ: بِبَابِهِ، وَتَدْعُو بِالدُّعَاءِ).

تَقِفُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَلَا تَدَخْلُ الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَتَانِ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَتَدْعُوَانِ بِالدُّعَاءِ الَّذِي تَقَدَّمَ.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ وَصَاحِبَيْهِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ).

أَيْ: إِذَا فَرَغَ الْحَاجُّ مِنَ الْحَجِّ اسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَبْرَ صَاحِبَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ؛ "لِحَدِيثِ: «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي؛ فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي»، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ[23]؛ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلاً لَهُ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ"[24]، وَهَذَا الْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ[25].

وَالْأَظْهَرُ: أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَشْرُوعَةٌ بِلَا شَدِّ رَحْلٍ وَسَفَرٍ، وَتْحُرُمُ بِسَفَرٍ وَشَدِّ رَحْلٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ[26]، وَقَوْلُ الشَّارِحِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيَجْعَلُ الْحُجْرَةَ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ"[27]، هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ إِلَى الْبِدْعَةِ أَقْرَبُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

__________________________________


[1] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 403).

[2] أخرجه مسلم (1327).

[3] ينظر: إرشاد السالك، لابن فرحون (1/ 471)، وروضة الطالبين (3/ 116)، والمغني، لابن قدامة (3/ 405).

[4] ينظر: التجريد، للقدوري (4/ 1968).

[5] تقدم قبل قليل.

[6] أخرجه البخاري (1755)، ومسلم (1328).

[7] الشرح الكبير على متن المقنع (3/ ٤٨٧).

[8] ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 114)، والمغني، لابن قدامة (3/ 405).

[9] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 405).

[10] ينظر: الإنصاف، للمرداوي (9/ 264)، وينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 367).

[11] ينظر: نهاية المطلب (4/ 297)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 263، 264).

[12] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 405)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 488).

[13] ينظر: بداية المحتاج (1/ 694)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ ٤٨٨).

[14] الشرح الكبير على متن المقنع (3/ ٤٨٨).

[15] أخرجه البخاري (1757)، ومسلم (1211).

[16] تقدم تخريجه.

[17] الإنصاف، للمرداوي (9/ 265، 266).

[18] ولا يضرّه أن يسعى بعد ذلك على الأظهر من قولي العلماء.

[19] مجموع الفتاوى، لابن تيمية (26/ 142).

[20])) لم أجد من أسنده لابن عباس، وإنما ذكره شيخ الإسلام عن ابن عباس، وذكره آخرون بعده، وقد أخرجه البيهقي في الكبرى (٩٨٥٣)، وقال: "وهَذا مِن قَولِ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، وهو حَسَنٌ". (10/ 229)، وقال النووي في المجموع (8/ 258): "هَذَا الدُّعَاءُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ وَاتَّفَقَ ‌الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ".

[21] مجموع الفتاوى، لابن تيمية (26/ 142، 143).

[22] أخرجه ابن أبي شيبة (13780).

[23] أخرجه الطبراني في الأوسط (3376)، والكبير (13497)، والدارقطني (2693)، والبيهقي في الكبرى (10369)، والشعب (3857).

[24] الروض المربع (ص283).

[25] قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي (ص: 62، 63): "هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله، فإنه حديث منكر المتن، ساقط الإسناد، لم يصححه أحد من الحفاظ، ولا احتج به أحد من الأئمة؛ بل وضعفوه وطعنوا فيه، وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة والأخبار المكذوبة".

[26] أخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397)، بلفظ مقارب.

[27] الروض المربع (ص283).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-06-2024 الساعة 05:33 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.20 كيلو بايت... تم توفير 1.74 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]