من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان ) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 128441 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4773 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          مسيرة الجيش إلى تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-07-2020, 03:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

محمد محمود صقر




معنى الإحسان:
سأل جبريلُ - عليه السلام - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- -في الحديث المشهور عن عُمَرَ وأبي هريرةَ رضي الله عنهما-: «قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: الإحسان أن تعبدَ الله كأنّك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك»[1].

وقال الإمام الراغب الأصفهاني: الإحسانُ يقال على وجهين.. أحدهما: الإنعامُ على الغير.. يقال: أحسنَ إلى فلان، والثاني: إحسانٌ في فِعله، وذلك إذا علِم علمًا حسنا أو عمِل عمَلا حسنا، وعلى هذا قول أمير المؤمنين: «الناس أبناءُ ما يحسنون»[2] أي: منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة. قوله تعالى: ï´؟الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُï´¾ [السجدة: 7]، والإحسانُ أعم من الإنعام؛ قال تعالى: ï´؟ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ ï´¾ [الإسراء: 7]، وقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ï´¾ [النحل: 90]، فالإحسانُ فوق العدل، وذاك أن العدل هو أن يُعطِيَ ما عليه ويأخذ ما له، والإحسان أن يعطي أكثرَ مما عليه ويأخذ أقلّ مما له[3]، فالإحسان زائدٌ على العدل، فتحرِّي العدل واجبٌ وتحري الإحسان ندبٌ وتطوُّع، وعلى هذا قوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ï´¾ [النساء: 125]، وقوله - عز وجل- : ï´؟ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ï´¾ [البقرة: 178]؛ ولذلك عظَّم الله تعالى ثوابَ المحسنين فقال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ï´؟ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ï´¾ [التوبة: 91]، ï´؟لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌï´¾ [النحل: 30][4].

وقال ابن الأثير: في حديث الإيمان «قال: فما الإحسان؟ قال: أن تَعْبُد الله كأنك ترَاه»[5]، أراد بالإحسان الإخلاصَ، وهو شَرْطٌ في صِحَّة الإيمان والإسلام معًا. وذلك أنَّ مَن تلفَّظ بالكَلمَة وجاء بالعَمل من غير نيَّة إخْلاص لم يكن مُحْسِنًا ولا كان إيمانُه صحيحًا. وقيل: أراد بالإحسان الإشارةَ إلى المُرَاقَبَة وحُسْن الطاعة؛ فإنّ مَن راقَب الله أحْسَن عملَه، وقد أشار إليه في الحديث بقوله: «فإن لم تكُن تراه فإنَّه يرَاك»[6].

وقد قسم العلماء حال العبدِ المؤمن مع ربّه سبحانه إلى حالين اثنتين..
الأولى: حال المكاشفة:
وهي القسم الأول والأعلى من قسمي الإحسان، وهي معنى قوله - صلى الله عليه وسلم-: «أن تعبُد الله كأنّك تراه»، وهي قمّة وذروة الإخلاص لله؛ إذ يكون العبد فيها مشغولاً بربّه ليس في قلبه شعبةٌ متعلقة بسواه تعالى؛ فيفتح الله سبحانه عليه الفتوح، ويدله على طرق الخير والبر، ويكثِّرها له، ويشغله بها، فتستغرقه حتى لا يفرَغ لغيرها، وقد حصُل ذلك للأنبياء والصالحين وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والتابعين بإحسانٍ كثيرًا.

فمنه أن نبيَّنا - صلى الله عليه وسلم- كان يُطلعه الله على الغيب فيَصفُه ويتنبأ به، فيقع وكأنه يشاهده عيانًا، من ذلك وصفه - صلى الله عليه وسلم- بيت المقدس للمشركين صبيحةَ ليلةِ الإسراء؛ فقد هيّأ الله سبحانَه الموضع لرسوله وكأنه يسير بداخله.

كذلك للصحابة - رضي الله عنه - ومنهم عمرُ وحادثة صراخِه في سارية وهو على المنبر وسارية غازٍ في سبيل الله، وقولُه له: يا ساريةُ الجبل، وسماع سارية صوته ثابت في الصحيح[7]، وهذه وأمثالها كثيرةٌ في حياة الفاروق -رضى الله عنه- وأرضاه؛ حتى أنه كان يوافِق ربَّه في نزول الوحي. وكذلك عثمانُ -رضى الله عنه- حينما قال: «يدخل عليَّ أحدُكم وفي عينيه أثر الزنا»[8]، وكان هذا المخاطب قد رأى امرأةً قبل أن يدخل على عثمان -رضى الله عنه-. وهذا في حياة الصحابة والتابعين والأولياء كثير.

وأئمة السلف لا ينكرون هذه المكاشَفة، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- سُئِل: ما الحكمة في أن المشتغلين بالذكر والفكر والرياضة ومجاهدة النفس وما أشبهه يُفتح عليهم من الكُشوفات والكرامات وما سوى ذلك من الأحوال، مع قلّة علمهم وجهل بعضهم، ما لا يفتح على المشتغلين بالعلم ودرسه والبحث عنه، حتى لو بات الإنسانُ متوجِّها مشتغلا بالذكر والحضور لابد أن يرى واقعةً أو يفتح عليه شيء، ولو بات ليلة يكرر على بابٍ من أبواب الفقه لا يجد ذلك، حتى أن كثيرًا من المتعبِّدين يجد للذكر حلاوةً ولذة ولا يجد ذلك عند قراءة القرآن، مع أنه قد وردت السنّة بتفضيل العالم على العابد، لاسيّما إذا كان العابدُ محتاجًا إلى علم هو مشتغل به عن العبادة؛ ففى الحديث «إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع»[9]، وأن «العلماء ورثة الأنبياء»[10]، و«أن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب»[11]، وفي الحديث عن النبي أنه قال: «إذا كان يوم القيامة يقول الله - عز وجل- للعابدين والمجاهدين ادخلوا الجنة، فيقول العلماء بفضل علمِنا عبدوا وجاهدوا، فيقول الله - عز وجل- لهم: أنتم عندى كملائكتي اشفعوا، فيشفعون، ثم يدخلون الجنة»[12]، وغير ذلك من الأحاديث والآثار، ثم إنّ كثيرًا من المتعبدين يؤثر العبادة على طلب العلم مع جهله بما يُبطِل كثيرًا من عبادته؛ كنواقض الوضوء، أو مبطلات الصلاة والصوم، وربما يحكي بعضهم حكايةً في هذا المعنى بأن رابعة العدوية -رحمها الله- أتت ليلة بالقدس تصلِّي حتى الصباح وإلى جانبها بيتٌ فيه فقيهٌ يكرِّر على باب الحيض إلى الصباح، فلما أصبحت رابعة قالت له: يا هذا وصَل الواصلون إلى ربهم وأنت مشتَغِل بحيض النساء، أو نحوها، فما المانعُ أن يحصل للمشتغلين بالعلم ما يحصل للمشتغلين بالعبادة مع فضله عليه؟؟
فأجاب شيخ الإسلام: الحمدُ لله رب العالمين، لا ريب أن الذي أوتي العلم والإيمان أرفعُ درجةً من الذين أوتوا الإيمان فقط[13]، كما دلّ على ذلك الكتابُ والسنة، والعلم الممدوح الذي دلّ عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورَّثتْه الأنبياءُ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- إن «العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورِّثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورّثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر»[14]، وهذا العلم ثلاثة أقسام:
علم بالله وأسمائه وصفاته وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل الله سورة الإخلاص وآية الكرسيّ ونحوهما.

والقسم الثاني: العلم بما أخبر الله به مما كان من الأمور الماضية وما يكون من الأمور المستقبلة وما هو كائنٌ من الأمور الحاضرة، وفي مثلِ هذا أنزل اللهُ آياتِ القصص والوعد والوعيد وصفة الجنة والنار ونحو ذلك.

والقسم الثالث: العلم بما أمر الله به من الأمور المتعلّقة بالقلوب والجوارح من الإيمان بالله من معارف القلوب وأحوالها وأقوال الجوارح وأعمالها، وهذا العلم يندرج فيه العلمُ بأصول الإيمان وقواعد الإسلام ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، وهذا العلم يندرج فيه ما وُجِد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة؛ فإن ذلك جزءٌ من جزءٍ من جزء من علم الدين، كما أن المكاشفات التي تكون لأهل الصفا جزءٌ من جزءِ من جزء من علم الأمور الكونية.

والناس إنما يغلطون في هذه المسائل؛ لأنهم يفهمون مسميات الأسماء الواردة في الكتاب والسنة ولا يعرفون حقائق الأمور الموجودة، فرُبَّ رجلٍ يحفظ حروف العلم التي أعظمها حفظ حروف القرآن ولا يكون له من الفهم بل ولا من الإيمان ما يتميّز به على من أُوتِي القرآن ولم يؤت حفظَ حروفِ العلم، كما قال النبي في الحديث المتفق عليه: «مثَل المؤمنِ الذي يقرأُ القرآن مثل الأترُجّة طعمها طيّبٌ وريحها طيّب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأُ القرآن مثل التمْرة طعمها طيب ولا ريحَ لها، ومثل المنافق الذي يقرأُ القرآن كمثل الرَّيْحانة ريحها طيب وطعمُها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مرٌّ ولا ريح لها»[15]، فقد يكون الرجل حافظًا لحروف القرآن وسوَرِه ولا يكون مؤمنًا، بل يكونُ منافقًا، فالمؤمن الذي لا يحفظ حروفَه وسُوَرَه خيرٌ منه، وإن كان ذلك المنافق يَنتفع به الغير كما ينتفع بالريحان، وأما الذي أُوتِيَ العلم والإيمان فهو مؤمنٌ عليم؛ فهو أفضل من المؤمن الذي ليس مثله في العلم؛ مثل اشتراكهما في الإيمان، فهذا أصلٌ تجبُ معرفتُه. وهاهنا أصلٌ آخر، وهو أنه ليس كلُّ عملٍ أورث كشوفًا أو تصرُّفًا[16] في الكون يكون أفضلَ من العمل الذي لا يورث كشفا وتصرُّفا؛ فإن الكشف والتصرف إن لم يكن مما يستعان به على دين الله، وإلا كان من متاع الحياة الدنيا، وقد يحصُل ذلك للكفار من المشركين وأهلِ الكتاب، وإن لم يحصُل لأهل الإيمان الذين هم أهل الجنة وأولئك أصحاب النار[17].

وهذا أيضًا العلامة المحقِّق ابنُ قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- يقول ما نصّه:
الدرجة الثانية [ملاحظة نور الكشف]، وهي تسبِل لباسَ التولِّي وتُذيق طعم التجلِّي وتعصم من عوار التسلِّي.. هذه الدرجة أتم مما قبلها؛ فإن تلك الدرجة ملاحظة ما سبق بنور العلم، وهذه ملاحظةُ كشفٍ بحالٍ قد استولى على قلبه حتى شغله عن الخلق؛ فأسبل عليه لباس تولِّيه اللهَ وحدَه وتولِّيه عما سواه، ونور الكشف عندهم هو مبدأُ الشهود، وهو نور تجلي معاني الأسماء الحسنى على القلب، فتضيء به ظلمةُ القلب، ويرتفع به حجاب الكشف، ولا تلتفت إلى غير هذا فتزلَّ قدمٌ بعد ثُبُوتِها؛ فإنك تجدُ في كلام بعضهم: تجلِّي الذاتِ يقتضي كذا وكذا، وتجلي الصفات يقتضي كذا وكذا، وتجلي الأفعال يقتضي كذا وكذا، والقوم عنايتهم بالألفاظ فيتوهَّم المتوهِّم أنهم يريدون تجلي حقيقةَ الذات والصفات والأفعال للعيان، فيقع من يقع منهم في الشطَحات والطامات، والصادقون العارفون بُرآءُ من ذلك، وإنما يشيرون إلى كمال المعرفة وارتفاع حجب الغفلة والشك والإعراض واستيلاء سلطان المعرفة على القلب بمحو شهود السوى بالكلية، فلا يشهد القلبُ سوى معروفِه، وينظرون هذا بطلوع الشمس؛ فإنها إذا طلعت انطمس نور الكواكب ولم تعدم الكواكب، وإنما غطى عليها نور الشمس فلم يظهر لها وجودٌ، وهي في الواقع موجودةٌ في أماكنها، وهكذا نور المعرفة إذا استولى على القلب قوِيَ سلطانُها وزالت الموانع والحجب عن القلب[18]. ولا ينكر هذا إلا من ليس من أهله، ولا يُعتقد أن الذات المقدسة والأوصاف برزت وتجلَّت للعبد كما تجلى سبحانه للطُّور، وكما يتجلى يوم القيامة للناس إلا غالطٌ فاقد للعلم، وكثيرًا ما يقع الغلط من التجاوز من نور العبادات والرياضة والذكر إلى نور الذات والصفات؛ فإن العبادة الصحيحة والرياضة الشرعية والذكر المتواطئ عليه القلب واللسان يوجب نورًا على قدر قُوَّتِه وضعفه، وربما قَوِي ذلك النور حتى يشاهد بالعيان، فيغلط فيه ضعيفُ العلم والتمييز بين خصائص الربوبية ومقتضيات العبوديّة، فيظنّه نورَ الذات وهيهات ثم هيهات.. نورُ الذات لا يقوم له شيءٌ، ولو كَشف - سبحانه وتعالى - الحجابَ عنه لتدكدكَ العالمُ كلُّه، كما تدكدك الجبل وساخ لما ظهر له القدر اليسير من التجلِّي، وفي الصحيح عنه: «إن الله سبحانه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام.. يخفِض القسطَ ويرفعه.. يُرْفَعُ إليه عملُ الليل قبل عمل النَّهار وعمل النهار قبل عمل الليل.. حجابُه النور، لو كشفه أحرقتْ سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه»[19]. فالإسلام له نورٌ والإيمان له نور أقوى منه والإحسان له نور أقوى منهما؛ فإذا اجتمع الإسلام والإيمان والإحسان وزالت الحجبُ الشاغلةُ عن الله تعالى امتلأ القلب والجوارح بذلك النور لا بالنور الذي هو صفةُ الرب تعالى؛ فإن صفاتِه لا تحلُّ في شيءٍ من مخلوقاته، كما أن مخلوقاته لا تحلُّ فيه، فالخالق سبحانه بائنٌ عن المخلوق بذاته وصفاته؛ فلا اتحاد ولا حلول ولا ممازجة، تعالى الله عن ذلك كلِّه عُلُوًّا كبيرا[20].

الثانية: حالُ المراقبة:
وهي معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «فإنْ لم تكن تراه فإنّه يراك»[21]، وهي الدرجة من درجات الإخلاص التي ليس دونها إخلاص؛ فإن غابت هذه الدرجة عن حال العبد وهو في عملٍ، أي لم يراقب اللهَ تعالى فيه، فسد هذا العمل، وضاع عليه جهدُه ووقته، وفي الأثر «ليس للمرء من صلاتِه إلا ما عقَل منها»[22]، وهذا -والله أعلم- في الغفلة، وهي حالٌ وُسْطى بين الرياء والإخلاص؛ فالرياء شركٌ أصغر، والإخلاص مدخلٌ للإيمان أو جزءٌ منه، وبينهما قد يكون الإنسان ذاهلاً في صلاته يتفكَّر في أمرٍ من أمور الدنيا -مالٍ أو تجارة أو مرض.. إلخ- فهذا الجزء من الصلاة -وهي أفضل العبادات- الذي ذهل فيه عن ربِّه تعالى ليس محسوبًا له، وإنما يُحسب له ما يتذكر فيه ربَّه ويذكُره ويعي كلامه من آي القرآن الكريم الذي يقرأه أو التسبيح والتحميد والذكر الذي يردِّده.

وقد أفاض العلماء في شرح الرياء والإخلاص والمراقبة والمحاسبة، وهي أحوالٌ على علاقةٍ ببعضها البعض، وليس أحدٌ ينكر فضيلة الإخلاص والمراقبة والمحاسبة، بل وجوبها على المسلم في كل عملٍ يعمله، وليس من أحد لا يخشى الرياء على نفسه، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يخشاه على المسلمين، فقال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله - عز وجل- يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء»[23].

أولاً: الإحسان في الإنفاق [وخاصة في الجهاد بالمال]:
قال تعالى -في آياتٍ من سورة البقرة في قتال المشركين وهو أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله-: ï´؟ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 191 - 195] الآيات، في ستّ آيات في قتال المشركين تبيّن بعضَ أحكام الجهاد؛ كوجوب مقاتلة المقاتلين، والكف عن غيرهم، والكف عنهم إذا انتهوا عن قتالنا -معشر المسلمين- وإخراجهم من حيث أخرجونا، وبيان أن هذه الفتنة -وهي إخراجنا من ديارنا لنكفر- هي أكبر من قتلِنا إيّاهم؛ لأنّ الكفر المترتب على الفتنة إن حدثت أكبر من موت الإنسان نفسه سواء كان مؤمنًا أو كافرا، وتحريم القتال عند المسجد الحرام إلا إذا قاتل المشركون المسلمين فيه، وأن ذلك ليس ذنبًا لا كبيرا ولا صغيرا ما داموا هم البادئين بالقتال فيه، ثم يؤكد سبحانه على عدم تخاذل المسلمين أمام الكافرين بل وجوب مقابلة الاعتداء باعتداء؛ لما في ذلك من الخير وما في التخاذل وبذل السلم حال الحرب من مفاسدَ عظيمة.. ثم يُرشِد سبحانه إلى التقوى ويحفّز عليها بكونه سبحانه مع المتقين، وسيأتي في أكثر من آيةٍ من كتابه الكريم أنه - عز وجل- يحب المتقين.

ومن تمام أحكام القتال الإنفاقُ في سبيل الله، واتفق المفسِّرون على أنّه يعني الإنفاق في الجهاد، وقسم الله سبحانه الناس بشأن هذه القضية إلى قسمين: هالكين ومحبوبين.

فمن يُلقون بأيديهم إلى التهلكة؛ أي يلقون أنفسهم بأيديهم إلى التهلكة، وهم من لا ينفقون في سبيل الله؛ لسبب نزول هذه الآية، فقد روي أن رجلا من المسلمين حمل على جيش الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس: سبحان الله! ألقى بيديه إلى التهلكة؛ فقال أبو أيوبٍ الأنصاري -رضى الله عنه-: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار حين أعزّ الله الإسلام وكثرنا؛ فقلنا: لو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فنـزلت ï´؟ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]؛ فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الجهاد في سبيل الله، فما زال أبو أيوب -رضى الله عنه- شاخِصًا في سبيل الله حتى استُشهِد ودُفن بأرض الروم[24].

ومعنى هذا أن يبيع الإنسانُ نفسَه ومالَه لله تعالى لقاءَ الجنة، فإنها سلعة الله الغالية.

وفي تفسيره هذه الآية، يقول العلامة السعدي -رحمه الله تعالى-: يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله، وهو إخراج الأموال في الطرق الموصِّلة إلى الله؛ وهي كل طرق الخير من صدقة على مسكين، أو قريب، أو إنفاق على من تجب مؤنته. وأعظم ذلك وأوّل ما يدخل في ذلك الإنفاق في الجهاد في سبيل الله؛ فإن النفقة فيه جهادٌ بالمال، وهو فرضٌ كالجهاد بالبدن، وفيها من المصالح العظيمة الإعانة على تقوية المسلمين، وتوهين الشرك وأهله، وعلى إقامة دين الله وإعزازه، فالجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على ساق النفقة، فالنفقة له كالروح لا يمكن وجوده بدونها، وفي ترك الإنفاق في سبيل الله إبطالُ الجهاد، وتسليطٌ للأعداء، وشدة تكالبهم؛ فيكون قوله تعالى ï´؟ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195] كالتعليل لذلك، والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أُمِر به العبدُ إذا كان تركه واجبًا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سببٌ موصِّل إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل تحت ذلك أمورٌ كثيرة؛ فمن ذلك تركُ الجهاد في سبيل الله[25]، أو النفقة فيه[26]، الموجب لتسليط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوفٍ، أو محلّ مسبعة أو حيّات، أو يصعد شجرًا أو بنيانًا خطِرا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك[27]، فهذا ونحوُه ممن ألقى بيده إلى التهلكة. ومن ذلك الإقامةُ على معاصي الله واليأس من التوبة، ومنها ترك ما أمر الله به من الفرائض التي في تركها هلاك الروح والبدن.

ولما كانت النفقة في سبيل الله نوعًا من أنواع الإحسان أمرَ بالإحسان عمومًا، فقال: ï´؟ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾، وهذا يشمل جميعَ أنواع الإحسان؛ لأنه لم يقيِّده بشيءٍ دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدم. ويدخل فيه الإحسان بالجاه بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك الإحسان الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع. ويدخل في ذلك قضاءُ حوائج الناس من تفريج كرباتهم، وإزالة شدائدهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالِّهم، وإعانة من يعمل عملا[28]، والعمل لمن لا يحسن العمل، ونحو ذلك مما هو من الإحسان الذي أمر الله به. ويدخل في الإحسان أيضًا الإحسانُ في عبادة الله، وهو كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- «أن تعبَدَ الله كأنك تراه»[29].

فمن اتصف بهذه الصفات كان من الذين قال الله فيهم: ï´؟ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ï´¾ [يونس: 26]، وكان الله معه يسدِّده ويرشده ويعينه على كل أموره[30].

وإذًا فالإحسان الذي هو الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ أي خاصًّا لوجهه الكريم، ويَحسُن أن يكون في الجهاد؛ كتجهيز الغزاة أو تجهيز نفسِه من ماله، هو سبَبٌّ لمحبّةِ الله تعالى للعبد.
يتبع







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-07-2020, 03:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

محمد محمود صقر


ثانيًا: الإحسان بمعنى الإنفاق سرًّا وعلانية وكظم الغيظ والعفو:


يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].. قال ابن كثير: ذكر تعالى صفةَ أهل الجنة فقال: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾؛ أي في الشدَّة والرخاء والمنشَط والمكره والصحة والمرض وفي جميع الأحوال؛ كما قال: ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً ﴾ [البقرة: 274]، والمعنى أنهم لا يشغلهم أمرٌ عن طاعة الله تعالى والإنفاق في مراضيه والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البِرِّ. وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «أيُّكم مال وارثه أحب إليه من ماله» قالوا: يا رسول الله! ما منّا أحدٌ إلا مالُه أحبُّ إليه من مال وارثه، قال: «اعلموا أنه ليس منكم أحدٌ إلا مالُ وارثه أحبُّ إليه من مالِه.. ما لَك من مالِك إلا ما قدَّمتَ، وما لوارثِك إلا ما أخرت»[31].

وقوله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ﴾؛ أي إذا ثار بهم الغيظُ كَظَموه بمعنى كتموه فلم يُعمِلوه، وعفوْا مع ذلك عمن أساء إليهم[32].

فقوله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾؛ أي لا يُعمِلون غضبَهم في الناس، بل يكفُّون عنهم شرَّهم ويحتسبون ذلك عند الله - عز وجل- . ثم قال تعالى: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ﴾؛ أي مع كفّ الشر يعفون عمّن ظلمهم في أنفسهم فلا يبقى في أنفسهم موجدةٌ على أحدٍ، وهذا أكمل الأحوال؛ ولهذا قال: ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾؛ فهذا من مقامات الإحسان.

وقال - صلى الله عليه وسلم- في فضل العفو عن الناس: «ثلاثٌ أقسِم عليهن؛ ما نقص مالٌ من صدقة، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، ومن تواضع لله رفعَه الله»[33].

ومما ورد في فضل كظم الغيظ: عن أبي هريرة -رضى الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس الشديد بالصُّرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»[34]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «ما تعدُّون الصُّرعة فيكم»؟ قلنا: الذي لا تصرَعه الرجال، قال: «لا، ولكن الذي يملك نفسه عن الغضب»[35]. وقال - صلى الله عليه وسلم-: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنفِذَه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيِّره من أي الحور شاء»[36].

وقد وردت هذه الآية في معرض سرد بعض صفات المتَّقين، والإحسان في هذه الآية يتضمَّن ثلاثةَ أبوابٍ من الخيْر هي:
1- الإنفاق في السرَّاء والضرَّاء، وهو تأكيد على ما جاء في الآية السابقة.

2- كظمُ الغيظ. قال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: وكظْمُ الغيظ ردُّه في الجوْف؛ يقال كظَم غيظَه أي سكت عليه ولم يُظهره مع قدرته على إيقاعه بعدُوِّه، وكظمت السِّقاء أي ملأته وسددت عليه، والكاظمة ما يُسدّ به مجرى الماء؛ ومنه الكظام للسيْر الذي يسدّ به فمُ الزمة والقربة. وكظم البعير جرَّته إذا ردها في جوفه؛ وقد يُقال لحبسه الجرة قبل أن يُرسلها إلى فيه: كظم، حكاه الزجاج. يقال: كظم البعير والناقة إذا لم يجرّا، ومنه:
فأفضنَ بعد كظومهنَّ بجرّة
من ذي الأبارقِ إذ رعَين حقيلا[37]



ومنه رجلٌ كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئًا غمًّا وحُزنا. وفي التنـزيل: ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، و﴿ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [النحل: 58]، و﴿ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ [القلم: 48]. والغيظُ أصلُ الغضب، وكثيرًا ما يتلازمان؛ لكن فُرقان ما بينهما أن الغيظ لا يظهر على الجوارح، بخلاف الغضب فإنّه يظهر في الجوارح مع فعلٍ ما ولابد. ولهذا جاء إسناد الغضب إلى الله تعالى؛ إذ هو عبارةٌ عن أفعالِه في المغضوب عليهم[38]، وقد فسّر بعض الناس الغيظ بالغضب، وليس بجيّد والله أعلم، انتهى عن القرطبي[39].

3- العفو عن الناس: قال القرطبي: العفوُ عن الناس من أجَلِّ ضروب فعل الخير؛ وهذا حيث يجوز للإنسان أن لا يعفو وحيث يتّجِه حقُّه. وكل من استحق عقوبةً فتركت له فقَد عُفِي عنه. واختلف في معنى «عن الناس»؛ فقال أبو العالية والكلبي والزجاج: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ﴾ يريد عن المماليك.. قال ابن عطية: وهذا حسنٌ على جهة المثال؛ إذ هم الخدَمة فهم يُذنِبون كثيرًا والقدرة عليهم متيسِّرة، وإنفاذ العقوبة سهل؛ فلذلك مثل هذا المفسّر به... وقال زيد بن أسلم: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ﴾ عن ظلمهم وإساءتهم، وهذا عام، وهو ظاهر الآية... فمدَح اللهُ تعالى الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم؛ فقال: ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37]، وأثنى على الكاظمين الغيظ بقوله: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ﴾، وأخبر أنه يحبُّهم بإحسانهم في ذلك. ووردت في كظم الغيظ والعفو عن الناس وملك النفس عند الغضب أحاديث؛ وذلك من أعظم العبادة وجهاد النفس... انتهى عن القرطبي باختصار[40].

ثالثًا: الإحسان في القتال:
قال تعالى: ﴿ فَآتَاهُمْ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 148].

فقد بيّنت الآيةُ ثواب الله تعالى للمحسنين في الدنيا والآخرة، وقال المفسرون: المقصودُ بثواب الدنيا النصرُ والظفر والغنيمة، وحسن ثواب الآخرة يعني الفوز برضا ربهم والنعيم المقيم؛ الذي قد سَلِمَ من جميع المنكدات[41]. ولكن من هم المحسنون في هذه الآية الذين استحقوا الظفر في الدنيا والجنة في الآخرة؟؟ ذلك ما تبيِّنه الآيتان قبلها.. قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 146-147].

قال العلماء: الرِبِّيُّون جمع رِبي -بضم الراء وكسرها- وهو الجَمع الكثير، قال بعضهم: عشرة آلاف، ويصح أنهم أتباعُ الرُّسُل الذين صبروا معهم، ويصح أنه منسوب إلى الرَّبِّ، حسب قراءة ابن عباس -بفتح الرَّاء- وهم الرَّبانيُّون. وقال الزجّاج: هاهنا قراءتان «رُبيون» بضم الراء و«رِبيون» بكسر الراء؛ أما الرُبيون فهم الجماعات الكثيرة ويقال: عشرة آلاف. قلت [أي القرطبي]: وقد رُوِي عن ابن عباس «رَبيون» بفتح الراء منسوبٌ إلى الرَّبِّ، قال الخليل: الرُِّبي الواحد من العباد الذين صبَروا مع الأنبياء، وهم الربانيون.. نسبوا إلى التألُّه والعبادة ومعرفة الربوبية لله تعالى، والله أعلم[42].

قالوا: والوهنُ الضعف وانكسار الجانب والخوف، والاستكانةُ الذِّلَّة والخضوع.

وهذه الثلاثة من صفات الجبناء الجزعين، ولذا قال تعالى بعدها: ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾، وسيأتي في سبب الصبر.

وفي الآية التالية قال القرطبي: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ يعني الصغائر، ﴿ وَإِسْرَافَنَا ﴾ يعني الكبائر.
والإسراف: الإفراطُ في الشيء ومجاوزةُ الحدّ[43].

وقد سبق -في الباب الثاني- أن الإسراف مانعٌ من حصولِ محبة الله للعبد، فالمحسنون هنا يستغفرون منه.

استأنف القرطبي: وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي أنه كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني»[44]، وذكر الحديث.

فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدَع ما سواه، ولا يقولُ أختار له؛ فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلَّمهم كيف يدعون.

وهذه الفقرة الأخيرة من كلام القرطبي يصح أن تنسحب على أول الآية: ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ﴾، وبذا يكون الإحسانُ يعني متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وهو معنى ربيُّون على قول الخليل.

وقال السعدي: ثم إنهم لم يتَّكِلوا على ما بذلوا جهدَهم به من الصبْر، بل اعتمدوا على الله، وسألوه أن يثبِّت أقدامهم عند مُلاقاةِ الأعداء الكافرين، وأن ينصرَهم عليهِم، فجمعوا بين الصبر وترك هذه، والتوبة والاستغفار والاستنصار بربِّهم، لا جرَم أن الله نصرَهم وجعل لهم العاقبةَ في الدنيا والآخرة[45].

وقد جمع اللهُ تعالى من صفات المحسنين والدلالة عليهم في هذه الآيات الثلاث ما يلي:
1- اتباعهم النبيِّين، والقتالُ صفًّا أي في جماعة. وسبق أن ذكرنا الاتباع المذكور في آل عمران [آية 31]، وسيأتي إن شاء الله ذكر المقاتلة صفًّا في سورة الصف [الآية 4]. وهذا اتباعٌ في العمل والجهاد، وهناك اتباعٌ في القول كما سيأتي.

2- عدم الضعف والانهيار أمام الجِرَاح، ومن أصرحه ما حصل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولصحابته -رضوان الله عليهم- يوم أُحُد.


3- عدم الذِّلّة والانكسار. وسيأتي في آية المائدة [54] بمشيئة الله.

4- الصبر، وسنعود إليه إن شاء الله ولهذه الآيات نفسها في سبب الصبر.

5- الاستغفار من الصغائر والكبائر، والاستغفار يكون من العصيان ومن غير عصيان.. قال تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم- وهو معصوم: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [غافر: 55، ومحمد: 19].

6- سؤال الله تعالى الثباتَ والنُّصرة، وهو الدعاء، وهو أهم أسباب النصر. وإذًا فكل هذه تسمى إحسانًا.

رابعًا: العفوُ والصفْح:
قال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13]. والإحسانُ في هذه الآية هو بمعناه اللغوي الذي هو العفْوُ والصفح عن الخائنين من اليهود؛ الذين نقضوا عهدهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب، وهمُّوا بقتلِه، وسبُّوه، ولم يؤمنوا به، وألبّوا الناس عليه، وحرّفوا كلام الله في التوراة، وضلَّلُوا الناس، فأُمِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالعفو والصفح عنهم، كما قال في سورة البقرة: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].

ولكن قيل هذا الحكم منسوخٌ بآية السيف، وقيل بقوله تعالى: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً ﴾ [الأنفال: 58]، وقيل: فاعفُ عنهم واصفح مادام بينك وبينهم عهدٌ وهم أهل الذمة.

وقد بيّنا -فيما سبق- أن هذا ليس على إطلاقه، وأن آياتِ الصفح وآيات السيف يُعمَل بكلٍّ منها في ظروفِهِ التي هي أنسبُ له؛ فإن حصَل أن كان إمامٌ مسلِمٌ في حربٍ مع أهل الذمّة، ثم عقدوا صُلْحًا فيَجوز للإمام أن يأخذ بأحد الحكمين والله أعلم، على أنِّي أختار الإحسانَ إليهم والله الهادي إلى الصراط المستقيم، فإن بدرت منهم الخيانة فليس لهم عندي إلا حكم سعدٍ في بني قريظة والله المستعان، وبما أن اليهودَ لابد أن تبدر منهم الخيانة فسيؤول أمرُهم إلى حُكم سعد -رضى الله عنه-، ولن يُخرِجونا من إحسانِنا.

خامسًا: التقوى والإيمان والعملُ الصالح:
قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93].

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لما نزَل تحريمُ الخمرِ قال قومٌ: كيف بمن مات منَّا وهو يشربها ويأكل الميْسِر فنـزلت[46]؛ فأخبر تعالى أن الإثم والذمّ إنما يتعلق بفعل المعاصِي، والذين ماتوا قبل التحريم ليسوا بعاصين ﴿ إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾؛ أي ليس عليهم جناحٌ فيما تناوَلُوه من المأكول والمشروب إذا اتقَوْا المحرَّم وثبَتُوا على الإيمان والأعمال الصالحة، ﴿ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ﴾ أي اتَّقَوا المحرَّم وآمنوا بتحريمِه بمعنى اجتنبوا ما حرَّمَه الله، ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾؛ أي يحبُّ المتقرِّبين إليه بالأعمال الصالحة. قال في «التَّسْهِيل»: كرَّرَ التقوى مبالغةً، وقيل: الرُّتْبة الأولى: اتِّقَاء الشرك، والثانية: اتقاء المعاصي، والثالثة: اتقاء ما لا بأسَ به حذرًا مما به بأس[47].

والإحسان في هذه الآية هو الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وهي كلُّها تعني -والله أعلم- التزام الشرع، فما كان حرامًا حرَّموه، وما لم يكن حرامًا في زمنهم وأتوه فليس عليهم جُناحٌ فيه، فهذه الآية تدفع توهُّم الإحسان فيمن ماتوا قبل إتمام النعمة واكتمال الدين في زمنهم؛ كعثمانَ بن مظعون وغيره - رضي الله عنه - وإنَّما تؤكد إحسانَ من التزم شرع الله ولو كان قليلاً، وفي المقابل تحمِل على من فرّط في بعض الوحْيِ بعد أن كثُرت الشرائع، والله أعلم.

كذلك، فإنَّ مما نستفيدُه نحنُ من هذا الآية هو الاستمرار على التقوى والإيمان والعمل الصالح؛ فالإحسانُ هنا -والله أعلم- هو دوامُ المحافَظة على التقوى؛ أي اجتناب المحرّمات، ودوام الإيمان؛ أي مراقبة الله، والمدوامة على العمل الصالح.

خلاصة هذا السبب:
وإذًا يكون الإحسانُ الذي يحبه الله ويحبُّ فاعليه قد ورد في القرآن الكريم في هذه الصُّوَر:
1- الإنفاق في وجوه البرّ، وعلى رأسها الإنفاق في سبيل الله [الجهاد].

2- كظم الغيظ، ودفع الغضب.

3- العفو عن الناس عند المقدرة عليهم.

4- اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم-، في القتال والعمل والقول جميعًا.

5- عدم الضعف والتمارض؛ خاصة عن الجهاد في سبيل الله.

6- عدم الذلة والهوان أمام الأعداء.

7- الصبر، وخاصة في الجهاد.

8- الاستغفار من الصغائر والكبائر، وحتى لو ظنّ الإنسانُ بنفسه الخير.

9- دعاء الله تعالى وسؤاله الثبات والنصرة.

10- المدوامة على التقوى والإيمان والعمل الصالح. والله أعلم بالحق والهادي إليه.


[1] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الإيمان [ح50]، ومسلم في الإيمان [ح9] من حديث أبي هريرة - رضى الله عنه -. وأما حديث عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - فأخرجه مسلم في الإيمان [ح8].

[2] يعني بأمير المؤمنين عليًّا - رضى الله عنه -. وانظر: «البصائر» [2/465]، و«الذريعة» [ص24]، و«نهج البلاغة» [ص674]، وفيه: قيمة كل امرئ ما يحسنه.

[3] انظر: «نهج البلاغة» [ص708].

[4] انظر: «مفردات القرآن» [ص323].

[5] [صحيح] تقدم تخريجه.

[6] انظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر» [ج1 ص9652].

[7] [حسن] حسنه الحافظ فيما ذكره عنه تلميذه السخاوي في «المقاصد الحسنة» [ص736 ح1333]، وصححه الألباني في «الصحيحة» [3/101 ح1110].

[8] انظر: «إحياء علوم الدين» [ج4 ص13]، و«الجامع لأحكام القرآن» [ج10 ص30].

[9] [صحيح] أخرجه الترمذي [ح96 و2387 و3536 و2387 و3536 و3535]، والنسائي [1/83 و98]، وفي «الكبرى» [ح144 و11114]، والحميدي [ح881]، وأحمد [4/240 و239 و241]، والدارمي [ح357]، وابن ماجه [ح226 و478 و4070]، وابن خزيمة [ح17 و169 و193]. جميعا من طريق: عاصم بن أبي النجود، سمع زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي. قال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

[10] [صحيح] أخرجه أبو داود في العلم [ح3641]، والترمذي في العلم [ح2682]، وابن ماجه في المقدمة [ح223] من حديث أبي الدرداء - رضى الله عنه -، والحديث علقه البخاري في كتاب العلم، باب/ العلم قبل القول والعمل.

[11] [صحيح] هو جزء من الحديث المخرج قبله مباشرة.

[12] [ضعيف] قال العراقي -في «تخريج أحاديث الإحياء» [1/44]-: «أخرجه أبو العباس الذهبي في العلم من حديث ابن عباس بسند ضعيف».

[13] يُفهم من هذا أن ما وصل بالمسئول عنه أعلاه هو قوّة إيمانِه في نظر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وهو نظرٌ صاقب؛ لأن الأمر لا يخرج عن الإيمان والعلم كما قال تعالى: [يَرْفَعْ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ] [المجادلة: 11].

[14] [صحيح] تقدم تخريجه قريبا.

[15] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في فضائل القرآن [ح5020]، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها [ح797] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[16] مع العلم أنه لا يتصرّف في الكون أحدٌ - على الحقيقة - إلا اللهُ وبقدر الله؛ فإن أقدر البعض كعيسى - عليه السلام - على فعل خارق؛ فإنه لولا إقداره إيّاه على ذلك لا يستطيع فعلَه، ولذا قرن تعالى دائمًا بين إحياء عيسى الموتى وإبراء الأبكم والأبرص وبين إذنه تعالى بذلك.

[17] في «مجموع الفتاوى» [ج11 ص395-398].

[18] يبيِّن ابن القيم الفرق بين حالي المكاشفة عند كل من أهل السنة والصوفية؛ فالأوَّلون لا ينكرون الكشوفَ والفتوح، لكنهم يقولون إنها كشوف وفتوح معرفةٍ وعلم، لا أنها كشوف الحجب عن الله تعالى ليراه المكشوفُ لهم؛ لأن هذا لم يحدث لأنبياء الله المرسلين فكيف بمن هم أقلُّ منهم؟! والصوفيّة يقولون إن الله - تعالى عن قولهم وإفكهم - يراه أئمتُهم الفسقةُ الدجالون؛ بل أبعد من ذلك يقولون إنه يحلُّ فيهم بل يتحدُّ بهم.

[19] أخرجه مسلم في الإيمان [ح179] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[20] انظر: «مدارج السالكين» لابن قيم الجوزية [ج3 ص110-111].

[21] [صحيح] تقدم تخريجه.

[22] [حسن] رواه أبو داود في الصلاة [ح796]، وأحمد في «المسند» [4/321]، وحسَّنَه الألباني وصحَّحَه الأرناؤوط. وقال العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» [1/444]: «لم أجده مرفوعًا، وروى محمد بن نصر المروزي في «كتاب الصلاة» من رواية عثمان بن أبي دهرش مرسلا «لا يَقبل الله من عبدٍ عملاً حتى يشهد قلبُه مع بدنه»، ورواه أبو منصورٍ الديلمي في «مسند الفردوس» من حديث أبيّ بن كعب، ولابن المبارك في «الزهد» موقوفًا على عمار «لا يكتب للرجل من صلاتِه ما سها عنه».

[23] [رجاله ثقات] أخرجه أحمد [5/428-429] من حديث محمود بن لبيد - رضى الله عنه -. قال الهيثمي في مجمع الزوائد [1/102]: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح»، وقال الحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» [3/210]: «رجاله ثقات». قال المنذري في «الترغيب والترهيب» [1/34]: «ورواه أحمد بإسناد جيد وابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد وغيره. ومحمود بن لبيد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يصح له منه سماع فيما أرى. وقد خرج أبو بكر بن خزيمة حديث محمود المتقدم في صحيحه مع أنه لا يخرج فيه شيئا من المراسيل، وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال له صحبة. قال وقال أبي لا يعرف له صحبة، ورجح ابن عبد البر أن له صحبة، وقد رواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج، وقيل إن حديث محمود هو الصواب دون ذكر رافع بن خديج فيه والله أعلم».

[24] [صحيح] أخرجه أبو داود في تفسير القرآن [ح2512]، والترمذي في تفسير القرآن [ح2972]، وصححه ابن حبان [11/9] من حديث أبي أيوب الأنصاري - رضى الله عنه -. قال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب».

[25] هذا ما فهمه الأنصار - رضي الله عنهم - كما في رواية أبي أيوب السابقة.

[26] وهذا هو ظاهر الآية الكريمة.

[27] وهذا وغيره مما سيأتي مما يفهم من عموم الآية؛ وهو ما يدخل تحت قولهم: «العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب».

[28] يعني الشيخ العمل الصالح طبعًا، وإنما إعانة من يعمل عملا سيئا شركة له في إساءته.

[29] [صحيح] سبق تخريجه.

[30] انظر: «تيسير الكريم الرحمن» [ص82-83].

[31] أخرجه البخاري في الرقاق [ح 6442 ] بنحوه، والنسائي في الوصايا [ح3612]، وأحمد [1/382] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[32] انظر: «مختصر تفسير ابن كثير» [ ج1 ص247].

[33] [صحيح] أخرجه الترمذي في الزهد [ح 2325 ]، وابن ماجه في الزهد [ح4228] من حديث أبي كبشة الأنماري - رضى الله عنه -. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

[34] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الأدب [ح6114]، ومسلم في البر والصلة [ح2609] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[35] أخرجه مسلم في البر والصلة [ح2608] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[36] أخرجه أبو داود في الأدب [ح4777]، والترمذي في البر والصلة [ح2021 و2493]، وابن ماجه في الزهد [ح4186]، وأحمد في «المسند» [3/440]. جميعا من طريق: سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه مرفوعًا، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب». وخرج طرقه أبو نعيم في «الحلية» [8/47] فانظره.
[قلت]: أبو مرحوم، وسهل بن معاذ بن أنس الجهني وثقهما بعض أهل العلم وضعفهما آخرون. ولم أجد لهما متابعًا على هذا الطريق، وهو حديث حسن المعنى.

[37] الحقيل: موضع، والحقيل: نبت. وقد قيل إنها تفعل ذلك عند الفزع والجهد؛ فلا تجتر.. قال أعشى باهلة يصف رجلاً نحّارا للإبل فهي تفزع منه:
قد تكظم البزل منه حين تبصره
حتى تقطع في أجوافها الجرر

وانظر: «تفسير القرطبي» [ج5 ص317-318].

[38] هذا تأويلٌ لصفةِ الغضب الثابتة لله تعالى بلوازمها، ونحن -أهل السنة- نُمِرُّها كما جاءت بلا تعطيلٍ ولا تكييف.

[39] انظر: «تفسير القرطبي» [ج5 ص318].

[40] انظر: «تفسير القرطبي» [ج5 ص319-320].

[41] انظر: «تيسير الكريم الرحمن» [ص132].

[42] انظر: «تفسير القرطبي» [ج5 ص353].

[43] انظر: المصدر السابق [ج5 ص354]، وراجع: «تفسير الطبري» [ج6 ص146 وما بعدها].

[44] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الدعوات [ح 6398]، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها [ح2719] من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[45] انظر: «تيسير الكريم الرحمن» [ص132].

[46] عزاه السيوطي في «الدر المنثور» [3/173]: لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه.

[47] انظر: «التسهيل لعلوم التنزيل» [ج1ص187]، و«صفوة التفاسير» [ج1 ص364].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-07-2020, 03:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

من أسباب محبة الله تعالى عبدا

محمد محمود صقر



(صلة الأرحام وأخصها بر الوالدين)




عن قتادة عن رجل من خثعم قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في نفر من أصحابه قال قلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: "نعم"، قال قلت: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "إيمان بالله"، قال قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: "ثم صلة الرحم" الحديث[1].



أولاً: صلة الأرحام:

وصلة الرحم أمر كبير في الإسلام.. أكد عليه القرآن والسنة كثيرًا، وتوعَّدا قاطعي أرحامَهم.. قال الله - عز وجل - : ﴿ وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1].. قال القرطبي: الرحم اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره[2]، وقال الطبري: بمعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛ لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهر من الأسماء على مكنيٍّ في حال الخفض إلا في ضرورة شعرٍ على ما قد وصفت قبلُ[3]، وقال - عز وجل - : ﴿ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله ﴾ [الأنفال: 75، والأحزاب: 6].. يعني في الميراث، قال قتادة: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة[4]، فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف فتركت الوارثة بالحلف وورثوا بالقرابة[5]، وقال - عز وجل - : ﴿ وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36] عطف على الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، كما جاء في الحديث: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة"[6]... ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾، عن ابن عباس: يعني الذي بينك وبينه قرابة... وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾: يعني الجار المسلم... وعن علي وابن مسعود: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ يعني المرأة[7]. وعن أبي أيوب الأنصاري - رضى الله عنه - أن رجلا قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما له ما له؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرب ما له". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ذرها"؛ قال: كأنه كان على راحلته[8]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة قاطع"[9]؛ أي قاطع رحم، والمراد به هنا من استحل القطيعة، أو أي قاطع والمراد لا يدخلها قبل أن يحاسب ويعاقب على قطيعته، وقطع الرحم هو ترك الصلة والإحسان والبر بالأقارب[10]، وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقرؤوا إن شئتم ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾[11]، وعن عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: أنا الرحمن وهي الرحم، شققت لها اسمًا من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته"[12]. وإذًا فالرحم مشتقة من اسم الله الرحمن، وقد وعد - سبحانه وتعالى - من وصلها أن يصله وصلته سبحانه من محبته، كما توعد من قطعها بقطعه وهو - سبحانه وتعالى - لا يقطع إلا من يبغضه.



ثانيًا: بِرُّ الوَالِدَين:

عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: ثم أيّ؟ قال: "ثم بِرُّ الوالِدَين"[13].



قال النووي - رحمه الله تعالى -: وأما بر الوالدين فهو الإحسان إليهما، وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرهما. ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما، كما جاء في الصحيح "أن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه"[14]، وضد البر: العقوق... قال أهل اللغة: يقال برِرْت والدي -بكسر الراء- أبرُّه -بضمها، مع فتح الباء- برًّا، وأنا بَرٌّ به -بفتح الباء- وبارٌّ، وجمع البَر الأبرار، وجمع البار البررة[15].



وقال الحافظ - رحمه الله تعالى -: قال بعضهم: هذا الحديث موافق لقوله تعالى ﴿ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ [لقمان: 14]، وكأنه أخذه من تفسير ابن عيينة؛ حيث قال: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر لله، ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر لهما[16].



وبر الوالدين باب عظيم في الإسلام، وهو خُلُقٌ يمدحه الناس على مر الأزمان، وقد اعتنى به الإسلام عنايةً بالغةً؛ فقد وصى الله تعالى بالوالدين في القرآن.. قال عز من قائل: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ﴾ [العنكبوت: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14]، وقال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ﴾ [الأحقاف: 15]. وقد جعل الله - عز وجل - الإحسان إلى الوالدين تاليًا مباشرةً للأمر بعبادته وحده وحذَرِ الشرك.. قال - عز وجل - : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾ [البقرة: 83]، وقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾ [النساء: 36]، وقال - عز وجل - : ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾ [الأنعام: 151]. كما امتنَّ - سبحانه وتعالى - على زكريَّا ويحيى - عليهما السلام - قال سبحانه في يحيى - عز وجل - : ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً ﴾ [مريم: 14]، وفي عيسى - عز وجل - : ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾ [مريم: 32].



حتى وصل الأمر إلى أن يقول الله - عز وجل - في الوالدين: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء: 23-24]؛ فحذَّر من أصغر كلمةٍ تقال لهما أو لأحدهما، وحذّر من نهرهما، وأمر بإكرامهما بالقول فكيف بالفعل؟ وبخفض الجناح وبالدعاء لهما.



وقال الشوكاني - رحمه الله تعالى -: قوله: "أي العمل أحب إلى الله"؟ في رواية للبخاري وغيره "أي العمل أفضل"، وظاهره أن الصلاة أحب الأعمال وأفضلها... قوله "بر الوالدين" كذا للأكثر وللمستملي "ثم بر الوالدين" بزيادة "ثم"، وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين، وأن أعمال البدن يفضل بعضها على بعض... قوله: "ففيهما فجاهد"[17]؛ أي خصصهما بجهاد النفس في رضائهما... المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن وبذل المال... ولا يخفى أن كون المفهوم من تلك الصيغة إيصال الضرر بالأبوين إنما يصح قبل دخول لفظ "في" عليها، وأما بعد دخولها كما هو الواقع في الحديث فليس ذلك المعنى هو المفهوم منها؛ فإنه لا يقال جاهد في الكفار بمعنى جاهدهم، كما يقال جاهد في الله؛ فالجهاد الذي يراد منه إيصال الضرر لمن وقعت المجاهدة له هو جاهده لا جاهد فيه وله، وفي الحديث دليل على أن بر الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد. قوله: "فإن أذنا لك فجاهد"[18] فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد، وبذلك قال الجمهور، وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما؛ لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية؛ فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال: "الصلاة"، قال: ثم مه؟ قال: "الجهاد"، قال: فإن لي والدين؛ فقال: "آمرك بوالديك خيرا"؛ فقال: والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما، قال: "فأنت أعلم"[19]، وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقًا بين الحديثين، وهذ بشرط أن يكون الأبوان مسلمين، وهل يلحق بهما الجد والجدة الأصح عند الشافعية ذلك، وظاهره عدم الفرق بين الأحرار والعبيد. قال - في "الفتح" -: واستدل بالحديث على تحريم السفر بغير إذنهما؛ لأن الجهاد إذا منع منه مع فضيلته فالسفر المباح أولى، نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف[20].



خلاصة هذا السبب:

أن صلة الرحم من أسباب تحصيل محبته - سبحانه وتعالى - للواصل بظاهر نص الحديث، وأن قطعها من موانع حصول تلك المحبة بمفهوم مخالفة هذا الحديث، وما أوردنا من آياتٍ وأحاديث، وإن لم تصرح بلفظ المحبة، أدلةٌ صالحةٌ على ذلك.



وأن بر الوالدين أول المأمورات بعد توحيد الله تعالى، أو على الأكثر بعده وبعد الصلاة والزكاة.. قال سبحانه: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾ [مريم: 31-32]، وأن عُقُوقَهما أول المحذورات بعد الشرك، وأن هذا البر هو السبب الثالث من أسباب تحصيل محبة الله - عز وجل - بعد الإيمان والصلاة على وقتها؛ وذلك بظاهر نص حديث عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - المتفق عليه، الذي جمع فيه بين الصلاة على وقتها وبر الوالدين والجهاد، ثم إذا أضفنا حيث أحب الأعمال إيمان بالله يكون الإيمان بالله سابقا على الثلاثة التي تضمنها حديث ابن مسعود شرعا وعقلا؛ لأن ثلاثتها تأتي بعد الإيمان شرعا وعقلا.



فإن قلت: جعل الحديث الآخر صلة الرحم بعد الإيمان بالله مباشرة ولم يفصل بينهما لا بالصلاة ولا بغيرها، قلت: معلوم من جملة الشرع أن الصلاة التي جاءت قبل بر الوالدين في حديث ابن مسعود لا بد أن تسبق صلة الرحم لأنها سبقت بر الوالدين وهما أول ذوي الأرحام وأمسهم بالمسلم، عدا أدلة أخرى كثيرة.





[1] [صحيح] سبق تخريجه.




[2] انظر: "تفسير القرطبي" [ج5 ص5].




[3] انظر: "تفسير الطبري" [ج3 ص565].




[4] انظر: "معالم التنزيل" للبغوي [ص 318].




[5] انظر: "تفسير القرطبي" [ج14 ص110].




[6] [حسن] سبق تخريجه.




[7] انظر: "تفسير ابن كثير" [ج1 ص656] باختصار وتصرف.




[8] [متفق عليه] أخرجه البخاري في الأدب، باب فضل صلة الرحم [ح5637] وطرفه في الزكاة، باب/ وجوب الزكاة [ح1332]، ومسلم في الإيمان، باب/ بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة [ح13].




[9] [متفق عليه] أخرجه البخاري في الأدب، باب/ إثم القاطع [ح5638]، ومسلم في البر والصلة والآداب باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها [ح2556].




[10] انظر: "الجامع الصحيح المختصر" تحقيق د. مصطفى ديب البغا [ج5 ص2231].




[11] أخرجه البخاري في الأدب، باب/ من وصل وصله الله [ح5641].




[12] [صحيح] أخرجه أبو داود في الزكاة، باب/ في صلة الرحم [ح1694]، والحاكم في المستدرك [4/173 ح7267]، وقال الذهبي في "التلخيص": "صحيح"، وقال الألباني في "صحيح أبي داود": "صحيح".




[13] [متفق عليه] سبق تخريجه.




[14] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب/ فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما [ح2552] من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.




[15] انظر: "شرح النووي على مسلم" [ج2 ص76].




[16] انظر: "فتح الباري" [ج2 ص10].




[17] [متفق عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب/ الجهاد بإذن الأبوين [ح2842] وطرفه في [5627]، ومسلم في البر والصلة والآداب، باب/ بر الوالدين وأنهما أحق به [ح2549]، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- يقول: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والداك"؟ قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد".




[18] [صحيح بجموع طرقه] أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" [2/131 ح2334]، ومن طريقه: أبو داود في الجهاد، باب/ في الرجل يغزو وأبواه كارهان [ح2530]، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" [2/114 ح2501]، جميعهم من طريق: ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري - رضى الله عنه - أن رجلا هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن فقال: يا رسول الله! إني هاجرت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد هجرت من الشرك ولكنه الجهاد هل لك أحد باليمن"؟ قال: أبواي، قال: "أذنا لك"؟ قال: لا، قال: "فارجع فاستأذنهما؛ فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما"، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما اتفقا على حديث عبد الله بن عمرو "ففيهما فجاهد"، ورده الذهبي بقوله: "قلت: دراج واه"، قال الألباني في "الإرواء": "فأصاب - أي الذهبي - لكن الحديث بمجموع طرقه صحيح".




[19] [ضعيف] أخرجه أحمد في "مسنده" [ح6602] من طريق: ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله، وابن لهيعة ضعيف سيئ الحفظ، وتابعه ابن وهب عند ابن حبان في "صحيحه" [ح1722] عن حيي بن عبد الله أيضًا، والأخير مختلف فيه؛ فالحديث ضعيف.





[20] انظر: "نيل الأوطار" [ج8 ص24].






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-07-2020, 03:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

من أسباب محبة الله تعالى عبدا

محمد محمود صقر


(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجِهَادُ في سبيلِ اللهِ)


فعن قتادة عن رجل من خثعم قال قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: "الإشراك بالله"، قال قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: "ثم قطيعة الرحم"، قال: قلت يا رسول الله! ثم مه؟ قال: "ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف" الحديث[1].

وعن أبي أمامة - رضى الله عنه - قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يرمى الجمرة؛ فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: فسكت عنه، حتى إذا رمى الثانية عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: فسكت عنه، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا اعترض في الجمرة الثالثة عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: "كلمة حق تقال لإمام جائر"، قال محمد بن الحسن -في حديثه-: وكان الحسن يقول: لإمام ظالم [2].

وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].

وفي حديث الثلاثة الذين يحبُّهم الله والثلاثة الذين يبغضُهم: و"رجلٌ غزا في سبيل الله فلقيَ العدو مجاهدًا محتسبًا فقاتل حتى قُتِل، وأنتم تجدون في كتاب الله - عز وجل - ﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً ﴾ [3].

وعن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله[4].

وعن عبد الله بن سلام - رضى الله عنه - قال: ذكرنا أحب الأعمال إلى الله، فقلنا: من يسأل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهبناه أن نسأله فيفردنا رجلاً رجلاً حتى اجتمعنا عنده سار بعضنا إلى بعض فلم ندر، ثم أرسل إلينا فقرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه السورة: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ [الصف: 1] إلى قوله: ﴿ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]. قال ابن سلام: فقرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السورة كلها من أولها إلى آخرها، قال أبو سلمة: وقرأ علينا عبد الله بن سلام السورة من أولها إلى آخرها[5].

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله، فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه؛ فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه!"[6].

أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
سبق تعريف المعروف وتعريف المنكر، وأن المَعْرُوفُ ضد المنكر والعُرْفُ ضد النكر، وأن المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حُسْنه، والمنكر: ما ينكر بهما.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة المؤمنين.. قال تعالى: ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 104]، وأمر من المولى - عز وجل -.. قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ ﴾ [لقمان: 17]، وقال: ﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾ [الأحزاب: 32]، وقال: ﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ [الأعراف: 199]؛ ولهذا قيل للاقتصاد في الجود: معروف لما كان ذلك مستحسنا في العقول وبالشرع؛ نحو ﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6]، ﴿ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ﴾ [النساء: 114]، ﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 241]؛ أي: بالاقتصاد والإحسان، ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق: 2]، ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ ﴾ [البقرة: 263]؛ أي: رد بالجميل ودعاء خير من صدقة كذلك، والعرف: المعروف من الإحسان[7].

وأن عدم التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر رذيلة، وسبب لغضب الله تعالى، وإيذان باستبداله من هذه حالهم، وسبب لبغضه - عز وجل - إياهم.. قال تعالى: ﴿ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79]، وقال: ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ ﴾ [العنكبوت: 29].

وأن أصل [المعروف] كل ما كان معروفا فعله جميلا مستحسنا غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وإنما سميت طاعة الله معروفا لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله، وأصل [المنكر] ما أنكره الله ورأوه قبيحًا فعله، ولذلك سميت معصية الله منكرا لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها ويستعظمون ركوبها[8].

وإذًا فمن فرائض الإسلام [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]؛ بل هو سمة المؤمنين والخيِّرين.. قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾ [آل عمران: 110]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"[9].

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب محبته سبحانه فاعلهما:
1- فعن قتادة عن رجل من خثعم قال قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: "الإشراك بالله"، قال قلت: يا رسول الله! ثم مه؟ قال: "ثم قطيعة الرحم"، قال: قلت يا رسول الله! ثم مه؟ قال: "ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف" الحديث[10].

فقد نص هذا الحديث على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضلاً عن كل فضائلهما التي ذكرناها سابقًا، هما أيضًا من أسباب تحصيل محبَّة الله - عز وجل - فاعلهما، ولم لا وما فتئ القرآن الكريم والسنة المشرفة يحثان عليهما، ويندبان إليهما، ويبينان فضلهما، ويزجران عن التخلي عنهما، ويتوعدان من تخلى عن ذلك باستبداله كائنًا من كان.. فردا أو جماعة أو أمة؟!!

2- وعن أبي أمامة - رضى الله عنه - قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يرمى الجمرة؛ فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله - عز وجل -؟ قال: فسكت عنه، حتى إذا رمى الثانية عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله - عز وجل -؟ قال: فسكت عنه، ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا اعترض في الجمرة الثالثة عرض له فقال: يا رسول الله! أي الجهاد أحب إلى الله - عز وجل -؟ قال: "كلمة حق تقال لإمام جائر"، قال محمد بن الحسن -في حديثه- وكان الحسن يقول: لإمام ظالم[11].

قال المناوي - رحمه الله تعالى -:
"أحب الجهاد إلى الله كلمة حق"؛ أي موافقٌ للواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب في الوقت الذي يجب، والحق يقال لأوجه هذا أنسبها هنا، ذكره الراغب، وكلمة حق تجوز بالإضافة وبغيرها.

"تقال لإمام" سلطان "جائر" ظالم؛ لأن من جاهد العدو فقد تردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا قال الحق وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد تعرض للهلاك واستيقنه؛ فهو أفضل، والمراد أن أفضل أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا، فلا حاجة لتقدير من[12].

وقال: "كلمة حق" بالإضافة، ويجوز تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي "عدل" بدل "حق"، وأراد بالكلمة الكلام، وما يقوم مقامه كالخط، "عند سلطان جائر" أي ظالم؛ لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف؛ فهو أفضل من جهة غلبة خوفه، ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير، فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر، والمراد بالسلطان: من له سلاطة وقهر[13].

وبذا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءًا لا يتجزَّأ من الجهادِ، ويكون أمرُ ونهيُ السلطان الجائر الظالم أفضلَ الجهاد؛ لأنه أفضل الأمر والنهي.

ثانيًا: الجهاد في سبيل الله:
الجهاد في سبيل الله تعالى يحتاج إلى كتابٍ ضخمٍ لتفصيلِه، وقد أُلِّفَت فيه المجلدات الكبار، ألَّفها العلماء قديمًا وحديثا فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ونرجُو أن يوفِّقنا الله تعالى لندلي بدلونا فيه بكتاب عقدناه بعنوان "خصام اللئام والكرام في ذروة السّنام"، نريد أن نبيّن فيه الاختلاف حول حكم الجهاد في زمنٍ ترك الناس فيه العمل وأخذوا في اللجاجة، ويكفِي الجهادَ فضلاً أن يقولَ الصادق المصدوق فيه: "رأسُ الأمرِ الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد"[14].

ونكتفي هنا بهذا الفصل الرائع - على صغَرِه - من الشيخ أحمد فريد في كتابِه الفريد "البحر الرائق في الزهد والرقائق"[15] قال:
الجهاد - لغة - معناه: بذل الجهد. وشرعا: هو بذل الجهد في مقاتلة المشركين والبُغاة. ولم يُشرَع الجهاد إلا بعد الهجرة، فقد كان المسلمون في مكة مأمورين بأن يكفُّوا أيديَهم ويقابلوا أذى المشركين بالعفو والصبر، فلما هاجروا إلى المدينة وانضموا إلى إخوانهم الأنصار قوِيَت شوكتُهم واشتدَّ جناحُهم فأُذِن لهم حينئذ في القتال ممن ظلموهم بمكة، ولكنه لم يُفرض عليهم فقالَ تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39]، ثم فُرِض عليهم بعد ذلك قتالُ من قاتلَهم دون من لم يقاتلْهم فقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة: 190]، ثم فُرِض عليهم بعد ذلك قتالُ المشركين كافّة فقال - عز وجل -: ﴿ قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ [التوبة: 36]؛ فهذه هي مراتب مشروعيَّة الجهاد، كان أوّل الأمر محرّمًا، ثم صار مأذونًا فيه، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين.

قال الشيخ حسن البنا - رحمه الله تعالى -:
وقد أجمع أهل العلم مجتهدين ومقلِّدين، سلفِيين وخلَفيين، على أن الجهاد فرضُ كفايةٍ على الأمة الإسلامية لنشر الدعوة، وفرْض عيْنٍ لدفع هجوم الكفار عليها، والمسلمون الآن -كما تَعلم- مستذلُّون لغيرهم.. محكومون بالكفار.. قد ديست أرضُهم، وانتُهِكَت حرُماتهم، وتحكَّم في شئونهم خصومُهم، وتعطلت شعائر دينهم في ديارهم فضلاً عن نشر دعوتهم، فوجبَ وجوبًا عينيًّا لا مناص منه أن يتجهز كل مسلم وأن ينطوي على نيَّةِ الجهاد وإعداد العدَّة له حتى تحين الفرصةُ ويقضي الله أمرًا كان مفعولا.

إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموْتَة الشريفة يهبُ لها اللهُ الحياةَ العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهَن الذي أذلنا إلا حبُّ الدنيا وكراهية الموت.

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
قال تعالى: ﴿ انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41]، وعلَّق النجاةَ من النار به ومغفرةَ الذنب ودخول الجنة، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف: 10-12]، وأخبرهم أنَّهم إذا فعلوا ذلك أعطاهم من النصر والفتح القريب، فقال: ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ [الصف: 13]، وأخبر سبحانه أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وأن هذا الوعد قد أودَعه أفضل كتبه المنـزّلة من السماء وهي التوراة والإنجيل والقرآن، ثم أكّد ذلك بإعلامهم أنه لا أحدَ أوفى بعهده منه تبارك وتعالى، ثم أكد ذلك بأنْ أمرَهم بأن يستبشروا ببيعهم الذي عاقَدُوه، ثم أعلمهم أن ذلك هو الفوز العظيم، فليتأمَّل العاقد مع ربه عقد هذا التبايُع ما أعظم خطرَه وأجلَّه، فإن الله - عز وجل - هو المشتري والثمن جناتُ النعيم والفوز برضاه والتمتُّع برؤيته هناك، والذي جرى على يده هذا العقد أشرَف رسُلِه وأكرمهم عليه في الملائكة والبشر، وإن سلعةً هذا شأنها لقد هُيِّئَت لأمر عظيم وخطبٍ جسيم.

قد هيّأوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل


مَهْر المحبة والجنة بذلُ النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين، فما للجبان المعرِض المفلِس وَسَوْم هذه السلعة، بالله ما هزلت فيَسْتامها المفلسون ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسِرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يريد، فلَم يرض ربها لها بثمنٍ دون بذل النفوس، فتأخر البطَّالون وقام المحبُّون ينتظرون أيهم يصلح أن تكون نفسُه الثمن، فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].. لما كثُرَ المدعون للمحبة طُولِبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يُعطَى الناسُ بدعواهم لادعى الخلِيُّ حرفة الشجِيِّ، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل لا تُثبِتُ هذه الدعوى إلا بينةُ ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ ﴾ [آل عمران: 31]، فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله وأقواله وهَدْيه وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة وقيل لا تُقبل العدالةُ إلا بتزكية ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]، فتأخّر أكثرُ المدعين للمحبة وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوسَ المحبين وأموالهم ليست لهم فسلِّموا ما وقع عليه العقد، فـ﴿ إِنَّ الله اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111]، وعقْدُ التبايع يوجب التسليمَ من الجانبين، فلمّا رأى التجّار عظمة المشتري، وقدر الثمن، وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه، ومقدار الكتاب الذي أثبِتَ فيه هذا العقد، عرفوا أن للسلعة قدْرًا وشأنًا ليس لغيرها من السلع، فرأوا من الخسران البيّن والغبن الفاحش أن يبيعوها بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة تذهب شهوتُها وتبقى تَبِعَتُها وحسرتها، فإن فاعل ذلك معدودٌ في جملة السُّفَهاء، فعقدوا مع المشتري بيعةَ الرضوان رضاءً واختيارًا من غير ثبوت خيار، وقالوا والله لا نُقِيلك ولا نستقيلُك، فلما تم العقد وسلموا المبيعَ قيل لهم: قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا والآن فقد رددناها عليكم أوفَرَ ما كانت وأضعافَ أموالكم معها.. ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].. لم نبتغِ منكم بنفوسكم وأموالِكم طلبًا للربح عليكم؛ بل ليظهر أثر الجود والكرم في قبول المعيب والإعطاء عليه أجلّ الأثمان، ثم جمعنا لكم بين الثمن والمثمَّن.

فحيَّهلا إن كنتَ ذا همة فقدْ
حدا بك حادي الشوق فاطوِ المراحلا

وقل لمنادي حُبِهم ورضاهُمُ
إذا ما دعا لبيك ألفًا كواملا

ولا تنظرِ الأطلالَ من دونهم فإنْ
نظتَ إلى الأطلال عُدن حوائلا

ولا تنتظرْ بالسير رفقة قاعدٍ
ودعه فإنَّ الشوق يكفيك حاملا

فما هي إلا ساعة ثم تنقضي
ويُصبحُ ذو الأحزان فرحانَ جازلا



أ- فضلُ الجهاد في سبيل الله:
1- الآيات: قال الله تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وقال تعالى: ﴿ انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ [التوبة: 41]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾ [التوبة: 111]، وقال تعالى: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ [النساء: 95-96].

وما أكثر الآيات، بل ما أكثر السُّوَر وما أطولها.. تلك التي تحثّ عليه وتبين فضله، ودرجة آتيه، وتلك التي تحذر من التقاعص عنه، وتفضل المجاهدين على القاعدين. بل وليست الآيات فقط...

2- الأحاديث: عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دُلَّني على عملٍ يعدِل الجهاد قال: لا أجِدُه، قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدَك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال: ومن يستطيع ذلك؟". قال أبو هريرة: إن فرَس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات[16]. وعن أبي سعيدٍ الخدْري - رضى الله عنه - قال: "قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مؤمنٌ يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثم من؟ قال: مؤمنٌ في شِعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره"[17].

وعن أنس بن مالك - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لغُدْوَة في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها"[18].

وعن سلمانَ - رضى الله عنه - قال سمِعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رِباطُ يومٍ وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عملُه الذي كان يعمل وأُجرِي عليه رزقُه وأمِن الفتان"[19].

وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات ولم يغز ولم يحدِّث به نفسه مات على شُعبةٍ من النفاق"[20].

وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مثَل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخلَه الجنّة أو يُرجِعَه سالما مع أجرٍ أو غنيمة"[21].

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلَّط اللهُ عليكم ذلاًّ لا ينـزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"[22].

قال الألبانيّ:
فذكر أن تسليطَ الذل ليس هو لمجرَّد الزرع والحرث بل لِما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيلِ الله، فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرْعُ الذي لا يقترِن به شيءٌ من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغِّبة في الحرث فلا تعارُضَ بينها ولا إشكال.

3- الآثار: رَوى الذهبي أن ابن المبارك لمّا كان مرابِطًا بطرطوس سنةَ سبعٍ وسبعين ومئة أرسَل إلى الفضيل بن عِياض رسالَةً فيها هذه الأبيات:
يا عابِدَ الحرَمَين لو أبصرتَنا
لعلِمتَ أنّك في العبادة تلعبُ

من كان يخضب خدَّه بدموعه
فنحورُنا بدمائنا تتخضّب

أو كان يُتعِب خيله في باطلٍ
فخيولنا يوم الصَّبِيحة تتعب

ريحُ العبير لكم ونحن عبيرنا
وهْج السنابِك والغُبار الأطيَب

ولقد أتانا من مقال نبيِّنا
قولٌ صحيح صادقٌ لا يكذب

لا يستوي غبارُ خيلِ الله في
أنفِ امرئٍ وغبارُ نارٍ تله‍ب




فلما قرأها الفُضيل ذرَفت عيناه ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح، ثم قال للرسول: أتكتب الحديث؟ قال: نعم. قال: فاكتب هذا الحديث كِراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا، ثم أملاه بسنده روايةً لحديث أبي هريرة المذكور آنفا في فضل الجهاد.

هذا، والجهادُ مناطُ الشهادة في سبيل الله التي هي أعلى المراتب بعد النبوّة والصدِّيقية، والتي هي أعجمُ الأماني وأجل الآمال..

ب- فضل الشهادة في سبيل الله:
عن أنس - رضى الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أحدٌ يدخل الجنة يحبُّ أن يرجِع إلى الدنيا وأنَّ له ما على الأرض من شيءٍ إلا الشهيد، فإنّه يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقْتَل عشرَ مرات؛ لما يرى من الكَرامة"[24]. وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لودِدْت أن أغزوَ في سبيل الله فأُقتَل، ثم أغزوَ فأُقتل، ثم أغزو فأقتل"[25].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُغْفَر للشهيدِ كلُّ شيءٍ إلا الدَّيْن"[26].

وعن المقدام بن معد يكرب - رضى الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "للشهيدِ عند الله ستُّ خِصال: يُغفرُ له في أوّل دفعةٍ من دمِه، ويرى مقعدَه من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمَن من الفزع الأكبر، ويحلَّى حُلَّة الإيمان، ويزوَّج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانًا من أقاربه"[27].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-07-2020, 03:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )



وعن رجلٍ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً قال: يا رسول الله ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: "كفى ببارقة السيوفِ على رأسه فتنة"[28].

ج- صورٌ من جهاد أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم:
عن أنسٍ - رضى الله عنه - قال: غاب عمّي أنسُ بن النضر عن قتال بدرٍ، فقال: يا رسولَ الله غِبت عن أوَّل قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئِن اللهُ أشهَدَني قتالَ المشركين ليَريَنَّ اللهُ ما أصنع، فلما كان يوم أُحُد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأُ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدَّم فاستقبله سعدُ بنُ معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنّة وربِّ النضر إني أجِدُ ريحَها من دون أحد، قال سعدٌ: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنسٌ: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنةً بالرمح أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِل وقد مثَّل به المشركون فما عرَفه أحَدٌ إلا أختُه بِبَنانِه، قال أنسٌ: كنا نرى أو نظنّ أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه ï´؟ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ï´¾ [الأحزاب: 23][29].

وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: انطلَق رسولُ الله وأصحابُه حتى سبقوا المشركين إلى بدرٍ وجاء المشركون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا إلى جنة عرضُها السموات والأرض"، قال عُمير بنُ الحمام: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يحملُك على قولِك بخٍ بخ"؟ قال: لا يا رسولَ الله إلا رجاءَ أن أكون من أهلها، قال: "فإنَّك من أهلِها"، قال: فأخرج تمراتٍ من قرنه فجعَل يأكُل منهن ثم قال: لئِن أنا حييت حتى آكلَ تمراتي إنها لحياةٌ طويلة، فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتل[30].

وعن ابنِ عمرَ أنَّه قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفًّا عظيمًا من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلُهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبةُ بنُ عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجلٌ من المسلمين على صفِّ الروم حتى دخل بينهم، فصاح الناس وقالوا: سبحانَ اللهِ يُلقِي بيدِه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاريُّ فقال: أيُّها الناسُ أنتم تتأوَّلون هذه الآيةَ هذا التأويل وإنما نَزَلت فينا معشرَ الأنصار؛ لمَّا أعزَّ الله الإسلام وكثُر ناصروه قال بعضُنا لبعض سرًّا دونَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أموالنا قد ضاعت وإن الله تعالى أعز الإسلامَ وكثر ناصره، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى على نبيِّه ما يرد علينا ما قلناه ï´؟ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]، وكانتِ التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وتركَنا الغزوَ، فما زال أبو أيّوب شاخصًا في سبيل الله حتى دُفِن بأرض الروم[31].

والحق أن الجهاد ليس موقعَه في أسبابِ محبَّة الله تعالى العاشرَ؛ بل هو الأوَّل -والله أعلم- بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - عنه: "وذرْوَةُ سنامه الجهاد"[32]، وكثرةِ ذكر الله تعالى له وحثِّه عليه ومدحِه له والتحفيز بثوابه، لكننا جعلناه في آخر أسباب محبَّة الله التي تحدث عنها القرآن؛ كون جميعِ الأسبابِ قبله إنما هي مقدمات له؛ إذ الجهاد ليس سهلاً، وإنما يستوجب مجاهداتٍ كثيرةً وصعبة حتى يؤهَّل الإنسانُ للجهاد في سبيل الله.. مقدامًا غير هياب، صابرًا غير جزِع.. مخلِصًا غير مراءٍ؛ فينبغي أن يُرَبي نفسه بالإحسان والتقوى والإقساط ومتابعةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر الأسباب، حتى الذلة للمؤمنين بما يسهل الانقياد لأميرهم والانتظام في صفوفهم، والعزة والشدة على الكافرين بما يسبب الاندفاع في قتالهم بلا هوادة، ولهذا يجيء الجهاد في آخر الأسباب كونه قمةً لها؛ فهو يحتاج إلى صعودٍ إليه والثبات فيه والشهادةِ نهايته، وهذه لا تكون إلا بعد محبة الله تعالى التي تجلبُها الأسبابُ المتقدِّمةُ أو بعضُها، وكذلك الأسبابُ الآتية، فموقع الجهادِ لهذا السبب هو الأخير من حيث أنه الخاتَم، خاصةً إذا كانت خاتمتُه شهادة رزقنا الله وإيّاك إيّاها إنه نعم المولى ونعم النصير.

وقد ورَد الجهادُ كسببٍ لمحبة الله تعالى في آياتٍ كثيرةٍ سبقَت، وبقِيَ الحديثُ عنه في آيتي المائدة [54] والصف [4] وحديثِ أبي ذرٍّ العُمْدة في بابِ محبة اللهِ العباد.. ونتناول جميعها طبقًا للمنهج الذي اتّبعناه من قبل...

1- قال الله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ï´¾ [المائدة: 54]:
قال السعدي: ï´؟ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ï´¾ بأموالهم وأنفسِهم، بأقوالهم وأفعالهم. ï´؟ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ï´¾، بل يقدِّمون رضا ربهم والخوف من لومه على لوم المخلوقين. وهذا يدلّ على قوة هممهم وعزائمهم؛ فإن ضعيفَ القلب ضعيفُ الهمة تنتقض عزيمتُه عند لوم اللائمين، وتفتُر قوته عند عذل العاذلين، وفي قلوبهم تعبُّدٌ لغير الله بحسب ما فيها من مراعاة الخلق وتقديم رضاهم ولومِهم على أمر الله. فلا يسلم القلب من التعبّد لغير الله حتى لا يخافَ في الله لومةَ لائم.

ولكن مدحَهم تعالى بما منّ به عليهم من الصفات الجميلة، والمناقب العالية، المستلزِمة لما لم يذكر من أفعال الخير - أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانِه لئلا يعجبوا بأنفسهم، وليشكروا الذي منّ عليهم بذلك ليزيدَهم من فضله، وليعلم غيرُهم أن فضلَ اللهِ تعالى ليس عليه حجابٌ؛ فقال: ï´؟ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ï´¾؛ أي واسع الفضل والإحسان، جزيل المنَن، قد عمَّت رحمتُه كلَّ شيء، ويوسع على أوليائه من فضلِه ما لم يكن لغيرِهم. ولكنّه عليمٌ بمن يستحِقُّ الفضلَ؛ فالله أعلم حيثُ يجعلُ رسالتَه أصلاً وفرعًا[33].

2- وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ï´¾ [الصف: 4]، وعن عبد الله بن سلام - رضى الله عنه - قال: ذكرنا أحب الأعمال إلى الله، فقلنا: من يسأل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهبناه أن نسأله فيفردنا رجلاً رجلاً حتى اجتمعنا عنده سار بعضنا إلى بعض فلم ندر، ثم أرسل إلينا فقرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه السورة: ï´؟ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ï´¾ إلى قوله: ï´؟ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ï´¾. قال ابن سلام - رضى الله عنه -: فقرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السورة كلها من أولها إلى آخرها، قال أبو سلمة: وقرأ علينا عبد الله بن سلام السورة من أولها إلى آخرها[34]:
قال الصابوني: أي يحب المجاهدين الذين يصنَعون أنفسَهم عند القتال صفًّا، ويثبتون في أماكنهم عند لقاء العدو ï´؟ كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ï´¾؛ أي كأنهم في تراصِّهم وثُبُوتهم في المعركة بناءٌ قد رُصَّ بعضُه ببعض، وألصق وأحكم حتى صار شيئًا واحدا[35].

وقال القرطبيُّ: ومعنى الآيةِ: يحب من يثبت في الجهاد في سبيلِ الله، ويلزم مكانَه كثبوت البناء، وقال سعيد بن جبير: وهذا تعليمٌ من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوِّهم[36].

وقال السعدي - في تفسيرها -:
هذا حثٌّ من الله لعبادِه على الجهاد في سبيله، وتعليمٌ لهم كيف يصنعون، وأنه ينبغي لهم أن يُصَفُّوا في الجهاد صفًّا متراصًّا متساويًا، من غير خلل يقع في الصفوف، وتكون صفوفهم على نظامٍ وترتيب به تحصُل المساواة بين المجاهدين والتعاضُد وإرهابُ العدوّ وتنشيطُ بعضِهم بعضًا، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حضر القتال صفَّ أصحابه، ورتَّبهم في مواقفهم؛ بحيث لا يحصل اتكالُ بعضِهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مُهِمَّةً لمركزها وقائمةً بوظيفتها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصُل الكمال[37].

وإذًا تحصلُ محبَّة الله تعالى للعبد بسبب الصبرِ في الجهاد، والثباتِ فيه، وعدم خوف لومِ اللائمين على إلقائه بنفسِه في التهلكة كما يقال للمجاهدين والغزاة دائمًا: اقعُدْ ولا تهلِك نفسك.. إن وراءك أبناءً ونسوة، ماذا يفعلون بعدَك؟ هل أنت من سيُصْلِحُ الكون؟ عِش كما يعيش الناس؟ إلى آخر ما يثبِّط به المنافقون والقاعدون والجهلةُ المجاهدينَ والغزاةَ.

3- وفي حديث الثلاثة الذين يحبُّهم اللهِ والثلاثة الذين يبغضهم: "ورجلٌ غزَا في سبيل الله فلقِيَ العدوَّ مجاهدًا محتسبًا فقاتل حتى قُتِل، وأنتم تجدون في كتاب الله - عز وجل - [إن الله يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفًّا]"[38]:
وهذا الحديث فيمن نال الشهادةَ مقبلاً غير مدبر؛ ولذا تكلَّمنا عنها وعن فضلِها أعلاه، وقد حدَّد الحديثُ جملةَ أعمالٍ لهذا الشهيد المحبوب من ربِّ العالمين سبحانَه، هي:
1- أن يغزُوَ، ومن لم يغزُ ولم تحدثْه نفسُه بالغزو ماتَ على شعبةٍ من النفاق كما في صحيح مسلم.

2- أن يلقَى العدوَّ مجاهدًا لا مرائيًا، وليس أن ينضمَّ لمن له الغلَب.

3- أن يحتسِبَ خروجَه في سبيل الله وحدَه، وأن يقطَع العلائق بغير سبيل الله. وفي هذا والذي قبله حديثُ أبي موسى قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله ما القتال في سبيل الله؛ فإن أحدَنا يقاتل غضبًا ويقاتِل حميّة، فرفع إليه رأسه -قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا- فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"[39].

وفي روايةٍ أخرى عن أبي موسى - رضى الله عنه - أيضًا قال: "جاء رجلٌ إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: الرجلُ يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليُرى مكانه فمن في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله"[40].

وفي رواية عن أبي موسى قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياءً فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي الله العليا فهو في سبيل الله"[41].

4- أن يقاتِل أعداء اللهِ بالفعْل لا يخافُ ولا يخنَع، وأن يقاتِل حتى يُقتَل؛ أي يستمرَّ في القتال مادام القتالُ مستعِرًا.

5- أنه إذا قُتِل على هذه الحال كان من أحبَّاء الله تعالى، مخالفًا اليهود الملاعين في قولهم لنبي الله موسى - عز وجل -: ï´؟ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ï´¾ [المائدة: 24]، ثم بعد ذلك يدَّعُون محبّة اللهِ إيّاهم.

4- وعن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قال ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله[42]:
قال الحافظ - رحمه الله تعالى -: قال ابن بزيزة: الذي يقتضية النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن؛ لأن فيه بذل النفس؛ إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بِرِّ الوالدين أمر لازم متكرر دائم، لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصديقون والله أعلم[43].

5- وعن أبي أمامة - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين؛ قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله"[44].

قال المناوي:
"ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع"؛ أي قطراتها، فلما أضيفت إلى الجمع أفردت ثقة بذهن السامع نحو كلوا في بطنكم، "من خشية الله"؛ أي من شدة خوف عقابه أو عتابه، "وقطرة دم تهراق في سبيل الله" أفرد الدم وجمع الدمع تنبيها على تفضيل إهراق الدم في سبيل الله على تقاطر الدموع، "وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله" قال ابن العربي: الأثر ما يبقى بعده من عمل يجري عليه أجره من بعده ومنه قوله ï´؟ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ï´¾ [يس: 12]، وقال غيره: الأثر ما يبقى من رسوم الشيء، وحقيقته ما يدل على وجود الشيء، والمراد خطوة الماشي وخطوة الساعي في فريضة من فرائض الله، أو ما بقي على المجاهد من أثر الجراحات وعلى الساعي المتعب نفسه في أداء الفرائض والقيام بها والكد فيها؛ كاحتراق الجبهة من حر الرمضاء التي يسجد عليها، وانفطار الأقدام من برد ماء الوضوء ونحو ذلك[45].

6- وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم؛ الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله - عز وجل -، فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه؛ فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه"[46].

أي قاتل في سبيل الله، فانكشفت فئة من أصحابه أو جماعة وانهزمت؛ فثبت هو وقاتل من ورائها صابرا محتسبا، يحمي حوزة المسلمين فلم يفر ولم يجبن ولم يضعف؛ لأنه موقن بنصر الله أو الموت في سبيله، كما قال تعالى: ï´؟ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ï´¾ [التوبة: 52]؛ يعني: إما النصر وإما الشهادة. ولذلك قال في الحديث: "فإما أن يقتل وأما أن ينصره الله ويكفيه"؛ يعني: يكفيه عدوه، ويحفظه ويكلؤه، قال تعالى: ï´؟ أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ï´¾ [الزمر: 36]؛ فيقول الله - عز وجل -: "انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه"؟ أي كيف حبسها لله، وهيأها للقتل في سبيله!!

خلاصة هذا السبب:
أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أبواب الخير في الدنيا والآخرة.. في خاصة نفس المسلم وعامة الأمة المسلمة، وأنه لذلك أحد أخطر أسباب تحصيل محبة الله عبادَه، وأن مرتبته في الأسباب هي الثالثة مع الجهاد في سبيل الله تعالى، وبعد الإيمان وصلة الأرحام، وأنه مناط التمكين للأمة في الأرض.

وأما الجهاد في سبيل الله فالواجب فيه يلي:
اتباع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الجهاد.
الإنفاق في الجهاد، وهو الجهاد بالمال.
عدم الضعف والاستكانة والهوان أثناء اللقاء.
الصبرُ في الجهاد وعليه فإنه من أعظم الصبر.
دعاء الله سبحانه في الجهاد بالثبات والنصرة والمغفرة.
التوكل على الله في أثناء الجهاد، وقبل الخروج إليه.
الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين في الجهاد.
عدم خشية لوم اللائمين حين يلومونه على الجهاد.
الثبات في الجهاد.
القتال ملتزمًا صفّ المؤمنين.
الغزو بالفعل، أو على الأقلّ تحديث النفس به لمن لا يستطيعه.
لُقيا العدوِّ مجاهدًا لا مرائيًا المسلمين ولا مواليًا للكافرين.
الاحتساب في الخروج أنّه في سبيل الله وقطْعُ العلائق بغير ذلك.
مقاتلة أعداء الله بالفعل بلا خوفٍ أو رهبة.
الشهادة في سبيل الله.
أمرُ الحاكم الجائر بالمعروف ونهيُه عن المنكر فإنه أفضل الجهاد.
الكَلْمُ في سبيل الله حتى يقطر الدم وينزف.

وبذا يكون الجهاد جامعًا لكل أسباب محبة اللهَ تعالى عبيدَه، من اتباعٍ وإحسانٍ وتقوى وإقساطٍ وتطهُّر وتوَّابيّة وصبرٍ وتوكُّل وذلّة على المؤمنين وعزة على الكافرين.. إلى آخر الأسباب كما سيأتي؛ إلا أن مرتبته في الأسباب الثالث بعد الصلاة لوقتها وبر الولدين؛ لظاهر نص الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه -.

وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزءٌ لا يتجزَّأ من الجهادِ، وأمر ونهي السلطان الجائر الظالم أفضل الجهاد؛ لأنه أفضل الأمر والنهي.


[1] [إسناده جيد] سبق تخريجه.

[2] [حسن لغيره] أخرجه أحمد في "المسند" [ح22212]، والطبراني في "الكبير" [5/251]، والبيهقي في "السنن الكبرى" [10/91]، وقال شعيب الأرنؤوط في حديث أحمد: "حسن لغيره"، وقال الألباني في "صحيح الجامع" [رقم 168]: "حسن"، وقال المناوي في "فيض القدير" [1/171]: "ورواه النسائي عن جابر بلفظ "أفضل" وإسناده صحيح".

[3] [صحيح] تقدم تخريجه مرارًا.

[4] [متفق عليه] سبق تخريجه.

[5] [صحيح] أخرجه أبو يعلى في "مسنده" [13/408 ح7499]، والبيهقي في "الشعب" [4/6]، والحاكم في "المستدرك" [2/248 ح2899] من طريق: "عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حدثني عبد الله بن سلام". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وقال الذهبي في "التلخيص": "على شرط البخاري ومسلم".

[6] [حسن] سبق تخريجه.

[7] انظر: "مفردات القرآن" للراغب [ص969 بتصرف.

[8] انظر: "تفسير الطبري" [ج3 ص389].

[9] أخرجه مسلم في الإيمان، باب/ بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان [ح49] من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

[10] [إسناده جيد] سبق تخريجه.

[11] [حسن لغيره] سبق تخريجه قريبا.

[12] انظر: "فيض القدير" [ج1 ص171].

[13] انظر: "فيض القدير" [ج2 ص39].

[14] [حسن صحيح] وهو جزء من حديث معاذ بن جبل أخرجه الترمذي [ح2616]، والنسائي في "الكبرى" [ح11330]، وابن ماجه [ح3973]، وأحمد [5/231 ح22366]، وعبد بن حميد [ح112] من طرق: عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل عن معاذ بن جبل - رضى الله عنه -، فذكره. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وراجع كلام الحافظ ابن رجب على الحديث في "جامع العلوم والحكم" [ح29] إسنادًا ومتنًا.

[15] منهجنا -في هذا الكتاب وغيره - هو البدء من حيث انتهى العلماء، وليس من غايتنا الهرولة وادعاء الابتكار، فليس من غايتنا الافتخار؛ لذا لم نر إعادة بحث ما بحثه العلماء جزاهم الله عنّا وعن المسلمين خيرا، ثم لنفرغ لغيره.

[16] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2785]، ومسلم في الإمارة [ح1878] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[17] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2786]، ومسلم في الإمارة [ح 1888] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[18] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2792]، ومسلم في الإمارة [ح 1880] من حديث أنس رضي الله عنه.

[19] أخرجه مسلم في الإمارة [ح 1913]، والنسائي في الجهاد [3168]، وابن ماجه [2767] من حديث سلمان الفارسي - رضى الله عنه -. و"الفتان": منكر ونكير.

[20] [صحيح] أخرجه مسلم في الإمارة [ح1910] من حديث أبي هريرة - رضى الله عنه -. وفيه "قال عبد الله بن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهد رسول - صلى الله عليه وسلم -". قال النووي: وهذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره إنه عام، والمراد أن من فعل هذا أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق. وقال مسلم: قال ابن سهم قال عبد الله بن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهد رسول - صلى الله عليه وسلم -. وانظر: "البحر الرائق" [ص182 هامش1].

[21] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح2787]، ومسلم مطولا في الإمارة [ح1876] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[22] [صحيح بمجموع طرقه] أخرجه أبو داود في البيوع [ح3462] عن إسحق أبي عبد الرحمن قال سليمان عن أبي عبد الرحمن الخراساني أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكره.
قال الزيلعي في "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" [9/111]: "ورواه أحمد، وأبو يعلى الموصلي، والبزار في "مسانيدهم"، قال البزار: وأبو عبد الرحمن هذا هو عندي إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو لين الحديث. انتهى. قال ابن القطان في "كتابه": وهذا وهم من البزار، إنما اسم هذا الرجل إسحاق بن أسد أبو عبد الرحمن الخراساني، يروي عن عطاء، روى عنه حيوة بن شريح، وهو يروي عنه هذا الخبر، وبهذا ذكره ابن أبي حاتم، وليس هذا بإسحاق بن أبي فروة، ذاك مديني، ويكنى أبا سليمان، وهذا خراساني، ويكنى أبا عبد الرحمن، وأيهما كان فالحديث من أجله لا يصح"، ثم ذكر له طرقا أخرى أحسن من هذا، لذلك صححه الألباني بمجموع هذه الطرق كما في "الصحيحة" رقم [11].

قال الرافعي: وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه المشترى ثم يشتريه قبل قبض الثمن نقدا أقل من ذلك القدر. انظر: "عون المعبود" [ج7 ص336-337].

[23] هنا عيب شعري يسميه النقاد "الإيطاء"، وهو تكرار القافية قبل سبعة أبيات، واعلم أن ابن المبارك - رحمه الله تعالى - بعد علمه وزهده وجهاده، شاعرٌ مجيدٌ وله ديوان رائع.

[24] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2817]، ومسلم في الإمارة [ح 1877]، والترمذي [1661] من حديث أنس رضي الله عنه.

[25] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2797]، ومسلم في الإمارة [ح 1876] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[26] أخرجه مسلم في الإمارة [ح 1886] من حديث عبد الله بن عمرو - رضى الله عنه - بلفظ "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّيْن". [قلت]: ويشترط لتكفير الخطايا أن يكون المجاهد صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، لما رواه مسلم كذلك أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر خطاياي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم؛ إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر". وفي قوله: "في سبيل الله" اشتراط الإخلاص، وهذا فيما عدا حقوق الآدميين كما دل عليه قوله "إلا الدَّيْن"، نسأل الله شهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين. وانظر: "البحر الرائق" [ص184 هامش1].

[27] [حسن صحيح] أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد [1663]، وابن ماجه [2799]، وأحمد [4/131] من حديث المقدام بن معد يكرب - رضى الله عنه -، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وانظر "علل ابن أبي حاتم" [1/328].

[28] [رجاله ثقات] أخرجه النسائي في الجنائز [ح2053] من حديث رجل من الصحابة رضي الله عنهم. [قلت]: الإسناد صحيح غير أن راشد بن سعد ثقة لكنه كثير الإرسال، كما قال ابن حجر. وجهالة الصحابي لا تضر فإنهم عدول كلهم.

[29] [متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير [ح 2806]، ومسلم في الإمارة [ح 1903] من حديث أنس رضي الله عنه.

[30] أخرجه مسلم في الإمارة [ح 1901] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

[31] [صحيح] أخرجه أبو داود في الجهاد [ح2512]، والترمذي في تفسير القرآن [ح 2972]، وصححه ابن حبان [2711] من حديث أسلم أبي عمران التجيبي عن أبي أيوب الأنصاري - رضى الله عنه -. وقال الترمذي: "حسن صحيح غريب".

[32] [صحيح] سبق تخريجه.

[33] انظر: "تيسير الكريم الرحمن" [ص215].

[34] [صحيح] أخرجه أبو يعلى في "مسنده" [13/408 ح7499]، والبيهقي في "الشعب" [4/6]، والحاكم في "المستدرك" [2/248 ح2899] من طريق: "عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حدثني عبد الله بن سلام". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وقال الذهبي في "التلخيص": "على شرط البخاري ومسلم".

[35] انظر: "صفوة التفاسير" [ج3 ص371].

[36] انظر: "تفسير القرطبي" [ج20 ص438].

[37] انظر: "تيسير الكريم الرحمن" [ص819].

[38] [صحيح] سبق تخريجه.

[39] أخرجه البخاري، كتاب العلم/ باب من سأل وهو قائم عالما جالسا [ح123] من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

[40] [متفقٌ عليه] رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير/ باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا [ح2655]، وأبواب الخمس/ باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره [ح2958]، ومسلم، كتاب الإمارة/ باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا [ح1904] من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

[41] أخرجه البخاري، كتاب التوحيد/ باب [ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين] [ح7020] من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

[42] [متفق عليه] سبق تخريجه.

[43] انظر: "فتح الباري" [ج2 ص10-11].

[44] [حسن] أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد [ح1669]، والطبراني في "الكبير" [8/235 ح7918]، وقال: "هذا حديث حسن غريب"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" [7/88 ح34409] بلفظ: "ما من قطرتين أحب إلى الله من قطرة في سبيله أو من قطرة دموع قطرت من عين رجل قائم في جوف الليل من خشية الله، وما من جرعتين أحب إلى الله من جرعة محزنة موجعة ردها صاحبها بحسن صبر وعزاء أو جرعة غيظ كظم عليها"، والبيهقي في "الشعب" [6/314 ح8308]، وعبد الرزاق في "مصنفه" [11/188 ح20289 ]، والبيهقي في "الشعب" [6/319 ح8325] موقوفا.

وقال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" [4/49]: "أخرجه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث علي بن أبي طالب دون ذكر الجرعتين، وفيه محمد بن صدقة وهو الفلكي [في "ميزان الاعتدال" [3-585-7703] الفدكي وهو الصحيح] منكر الحديث. وروى ابن ماجه من حديث ابن عمر بإسناد جيد: ما من جرعة أعظم عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله. وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة "ما قطر في الأرض قطرة أحب إلى الله - عز وجل - من دم رجل مسلم في سبيل الله أو قطرة دمع في سواد الليل"... الحديث، وفيه محمد بن صدقة وهو الفدكي المنكر الحديث"، وقال فيه [4/71]: "حديث "ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دمعة من خشية الله تعالى أو قطرة دم أهريقت في سبيل الله - سبحانه وتعالى -" أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة، وقال: حسن غريب وقد تقدم" ا.ه‍.
وقال الألباني في "صحيح الترمذي": "حسن".



[45] انظر: "فيض القدير" [ج5 ص365].

[46] [حسن] سبق تخريجه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-07-2020, 03:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الإحسان )

من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( الحب في الله وحب الأنصار )


محمد محمود صقر







عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله؛ فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجَّرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي.. قال فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله .. قال: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه، وقال: أبشر؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ"[1]. وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن رجلاً زار أخًا له في قريةٍ أخرى فأرصَد اللهُ له على مدرجَتِه ملَكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها؟ قال: لا، غيرَ أني أحببته في الله - عز وجل -، قال: فإنِّي رسول الله إليك بأن اللهَ قد أحبَّك كما أحببته فيه"[2]. وعنه - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"[3]. وعنه - رضى الله عنه - أو عن أبي سعيد - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم "ورجلان تحابّا في الله فاجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه"[4].

وعن البراء - رضى الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الأنصارُ لا يحبُّهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق؛ فمن أحبَّهم أحبَّه اللهُ ومن أبغضَهم أبغضه الله"[5].

أولاً: الحب في الله تعالى:
في حديث معاذ - رضى الله عنه - أوجب الله تعالى على ذاته العلية محبته، وهي أفضل ما يتمناه ويحرزه امرؤٌ، لأربعة أصناف من الناس: المتحابين والمتجالسين والمتزاورين والمتباذلين فيه سبحانه، وزادت بعض الروايات على ذلك، وإن هذا ليسيرٌ على من يسَّره الله تعالى عليه، ولكنه عزيز في الناس مع ذلك، ألم تر إلى معاذٍ - رضى الله عنه -، وهو على صفته هذه المحبوبة للناس؛ بل قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأحبك"[6]، يهشَّ لمحبة غلام إيَّاه حتى يستحلفه ثلاث مرار على ذلك، وهو مفعم بالسرور؟! فلنحب بعضَنا في الله تعالى -معاشر المسلمين- ولنتجالس ونتزاور ونتباذل فيه سبحانه، لعله تعالى يحبنا فنكون من الفائزين.

وفي حديث أبي هريرة - رضى الله عنه - قال النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم - "فأرصد الله على مدرجته ملَكا" معنى أرصَده أقعده يرقبُه، والمَدرَجة -بفتح الميم والراء- هي الطريق، سمِّيت بذلك لأن الناس يدرجون عليها؛ أي يمضون ويمشون. قوله "لك عليه من نعمة تربها"؛ أي تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك. قوله "بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" قال العلماء: محبّة الله عبده هي رحمته له ورضَاه عنه وإرادته له الخير، وأن يفعل به فعل المحب من الخير[7]، وأصل المحبة في حق العباد ميلُ القلب، والله تعالى منـزَّه عن ذلك. في هذا الحديث فضلُ المحبة في الله تعالى، وأنها سبب لحبِّ الله تعالى العبد، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب، وفيه أن الآدميِّين قد يرون الملائكة[8].

وفي الحديث الثالث قال النووي أيضًا: قوله - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى "المتحابون بجلالي"؛ أي بعظمتي وطاعتي لا للدنيا. وقوله تعالى "يوم لا ظلّ إلا ظلِّي"؛ أي أنه لا يكون من له ظل مجازًا كما في الدنيا، وجاء في غير مسلم "ظلّ عرشي"، قال القاضي: ظاهرُه أنَّه في ظله من الحر والشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلق، قال: وهذا قولُ الأكثرين، وقال عيسى بن دينار: معناه كفّه من المكاره وإكرامه وجعله في كنفه وستره، ومنه قولهم: السلطان ظلُّ الله في الأرض، وقيل يحتمل أن الظل هنا عبارةٌ عن الراحة والنعيم، يقال هو في عيش ظليل أي طيِّب[9].

وفي الحديث الرابع قال المباركفوري: قوله "سبعة"؛ أي سبعةُ أشخاص، "يظلُّهم الله"؛ أي يدخلهم "في ظلِّه"؛ قال عياض: إضافةُ الظل إلى الله إضافة مِلك[10]، وكل ظل فهو ملكه، قال الحافظ -في "الفتح"-: وكان حقّه أن يقول إضافة تشريف ليحصل امتياز هذا على غيره، كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلَّها ملكه، وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلانٌ في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار وقوَّاه عياض، وقيل: المراد ظل عرشه، ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن "سبعة يظلهم الله في ظل عرشه"[11] فذكر الحديث، قال: وإذا كان المراد العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنَفِ الله وكرامته من غير عكس، فهو أرجح، وبه جزم القرطبي، ويؤيِّده أيضًا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرَّح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود[12]، قال: وبهذا يندفع قولُ من قال المراد ظل طوبى أو ظل الجنَّة؛ لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة، ثم إن ذلك مشتركٌ لجميع من يدخلها، والسياق يدلُّ على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أن المراد ظل العرش.. انتهى.

"ورجلان" مثلا، "تحابّا" -بتشديد الباء وأصله تحاببا- أي اشتركا في جنس المحبة، وأحبَّ كلٌّ منهما الآخر حقيقةً، لا إظهارًا فقط. "في الله"؛ أي لله أو في مرضاته. "فاجتمعا على ذلك"؛ أي على الحبِّ في الله إن "اجتمعا وتفرَّقا"؛ أي إن تفرقا يعني يحفظان الحب في الحضور والغيبة، وقال الحافظ: والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارِض دنيويٍّ سواء اجتمعا حقيقةً أم لا حتى فرَّق بينهما الموت.

وعدت هذه الخَصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان؛ لأن المحبة لا تتم إلا باثنين، أو لما كان المتحابان بمعنى واحدٍ كان عد أحدهما مغنيًا عن عدِّ الآخر؛ لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها[13].

ثانيًا: حب الأنصار - رضى الله عنهم -:
في حديث البراء - رضى الله عنه - قال الحافظ: الآية العلامة كما ترجم به المصنف[14]، ووقع في إعراب الحديث لأبي البقاء العكبري أنه الإيمان -بهمزة مكسورة ونون مشددة وهاء- والإيمان مرفوع وأعربه فقال: أن للتأكيد والهاء ضمير الشأن والإيمان مبتدأ وما بعدَه خبر، ويكون التقدير أن الشأن الإيمان حبُّ الأنصار، وهذا تصحيفٌ منه، ثم فيه نظر من جهة المعنى لأنه يقتضي حصر الإيمان في حب الأنصار وليس كذلك، فإن قيل واللفظ المشهور أيضًا يقتضي الحصر وكذا ما أورده المصنف في فضائل الأنصار من حديث البراء بن عازب "الأنصار لا يحبُّهم إلا مؤمن"، فالجواب عن الأول أن العلامة كالخاصة تطَّرِد ولا تنعكِس؛ فإن أخذ من طريق المفهوم فهو مفهوم لقب لا عبرة به سلمنا الحصر، لكنه ليس حقيقيًّا بل ادعائيا للمبالغة، أو هو حقيقي لكنه خاص بمن أبغضهم من حيث النصرة، والجواب عن الثاني أن غايته أن لا يقع حبُّ الأنصار إلا لمؤمن وليس فيه نفي الإيمان عمن لم يقع منه ذلك، بل فيه أن غير المؤمن لا يحبُّهم فإن قيل فعلى الشق الثاني هل يكون من أبغضهم منافقًا وإن صدق وأقرَّ؟ فالجواب أن ظاهر اللفظ يقتضيه لكنه غير مراد فيحمل على تقييد البغض بالجهة، فمن أبغضهم من جهة هذه الصفة وهي كونهم نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثر ذلك في تصديقِه، فيصح أنه منافق، ويقرب هذا الحمل زيادة أبي نعيم في المستخرج في حديث البراء بن عازب "من أحب الأنصار فبحبي أحبَّهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم"[15]... وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد رفعَه "لا يبغض الأنصار رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر"[16]، ولأحمد من حديثه "حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق"[17]، ويحتمل أن يقالَ: إن اللفظ خرج على معنى التحذير فلا يراد ظاهرُه؛ ومن ثم لم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضدُّه، بل قابله بالنفاق إشارةً إلى أن الترغيب والترهيب إنما خوطِب به من يظهر الإيمان، أما من يظهر الكفر فلا؛ لأنَّه مرتكِبٌ ما هُو أشدُّ من ذلك[18].

قوله "الأنصار" هو جمع ناصِرٍ؛ كأصحابٍ وصاحب، أو جمع نصير كأشرافٍ وشريف، واللام فيه للعهد؛ أي أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمراد الأوس والخزرج، وكانوا قبل ذلك يُعرفون ببني قَيْلة -بقاف مفتوحة وياء تحتانية ساكنة- وهي الأم التي تجمع القبيلتين، فسماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار، فصار ذلك علَمًا عليهم، وأُطلق أيضًا على أولادهم وحلفائهم ومواليهم. وخُصُّوا بهذه المنقَبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي - صلى الله عليه وسلم - ومَن معه، والقيام بأمرهم، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إيَّاهم في كثيرٍ من الأمور على أنفسهم؛ فكان صنيعُهم لذلك موجبًا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عربٍ وعجم، والعداوة تجرُّ البغض، ثم كان ما اختصُّوا به مما ذكر موجبًا للحسد، والحسد يجر البغض؛ فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبِّهم، حتى جعل ذلك آيةَ الإيمان والنفاق، تنويهًا بعظيم فضلهم وتنبيها على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركًا لهم في الفضل المذكور كلٌّ بقِسطه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عليٍّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له "لا يحبُّك إلا مؤمنٌ ولا يبغضك إلا منافق"[19] وهذا جارٍ باطِّراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام لما لهم من حسن الغَناء في الدين.. قال صاحب "المفهم": وأمَّا الحروب الواقعة بينهم فإنْ وقع من بعضِهم بغضٌ فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة، ولذلك لم يحكم بعضُهم على بعضٍ بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجرٌ واحد، والله أعلم[20].

والنفاق إذا كان نفاقًا أكبر فهو شكلٌ من أشكال الكفر؛ لكن ينبغي هنا إدراكُ أنَّ من الناس من يبغض الأنصار لنصرتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو بهذا منافقٌ نفاقًا أكبر؛ لأنه أبغضَ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - ابتداءً وكرِهَ نُصرتَه وظهوره فكَرِه دينه ومرسِلَه - عز وجل -، ومن الناس من لا يبغض الأنصار إنما يبغضُ أحدَهم أو بعضهم، لا نفاقًا وإنما لتقصيره في المعرفة بهم، فقد يَعرِف له موقفًا مناهضًا لمن أحبَّه؛ كموقف سعد بن عبادة والحباب بن المنذر يوم السقيفة؛ فقد كانا معارضين لتولِّي المهاجرين الخلافةَ، فهذا مقصِّرٌ في حقِّ القوم والمعرفة بهم غيرُ منافق.

خلاصة هذا السبب:
1- حبُّ الغير في الله تعالى؛ أيْ حب المسلم وكلٍّ على قدر تقواه، وبغض الكافر لبغضه لله تعالى.

2- حب الأنصار -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- في الله؛ إذ هم أوَّل من أحبَّ في الله.. أحبوا إخوانهم المهاجرين، فهذه سنَّتهم التي لهم -إن شاء الله- أجرُها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، بل إن حبَّهم لم يكن ادعاءً؛ فقد آووا ونصروا ومنعوا أولياء الله مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم، فجزاهم الله خيرًا وألحقنا بهم، فوالله إنا نحبُّهم أن أحبُّوا أحِبّاءنا السابقين إلى كرامة الله - عز وجل -.


[1] [صحيح] أخرجه أحمد في "مسنده" (5/233)، ومالك في "موطئه" (2/953)، وابن حبان في "صحيحه" (2/335)، والطبراني في "الكبير" (10/80)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/127-128)، وغيرهم، وصححه كل من: البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (7/474)، وابن عبد البر في "التمهيد" (21/125)، والألباني في "صحيح موارد الظمآن" (2128) و"مشكاة المصابيح" (4/439 رقم 4939)، وانظر دراسة سنده في "الموطأ برواياته" (ج4 ص412-414).

[2] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (ح2567) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (ح2566) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الجماعة والإمامة (ح660)، ومسلم في الزكاة (ح1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في المناقب (ح3783)، ومسلم في الإيمان (ح75) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

[6] [صحيح] أخرجه أبو داود في كتاب سجود القرآن، باب/ في الاستفار (ح1522)، والنسائي في صفة الصلاة (ح1303)، وأحمد في "المسند" (5/244 ح22172 و5/247 ح22179)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/369 ح751)، وابن حبان في "صحيحه" (1/364 ح2020، و1/365 ح2021)، والحاكم في "المستدرك" (1/407 ح1010)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "التلخيص": "على شرطهما"، وفي (3/307 ح5194)، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "التلخيص": "صحيح"، الجميع من حديث معاذ بن جبل - رضى الله عنه -، وقال الألباني -في "صحيح الجامع" (رقم 7969) وفي "تحقيق مشكاة المصابيح" (رقم 949) وفي "صحيح الترغيب والترهيب" (رقم 1596): "صحيح".

[7] هذا تأويلٌ لصفة المحبة الثابتة لله تعالى بلوازمها، وليس هذا مذهب أهل السنة بل هو مذهب الأشاعرة، كما بيَّنا غير مرة.

[8] انظر: "شرح النووي على مسلم" (ج16 ص123-124).

[9] انظر: "شرح النووي على مسلم" (ج16 ص123).

[10] قد تُوهِم إضافةُ الظلِّ إلى الله بأنه من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، وأن الظل صفةٌ له تعالى؛ كرحمة الله ويد الله، وليس كذلك، وإنما هو من باب إضافة الملك إلى مالكه والمخلوق إلى خالقه، وهي إضافةُ تشريفٍ؛ أي ظل الله الذي لا يستطيع غيرُه سبحانَه أن يظل به أحدًا لأن غير الله لا يملك مثل هذا الظل الحاجب بين العبد المستظل به وبين العذاب والعنت.

[11] [حسن] أخرجه الطبراني في "الأوسط" (9131) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رضى الله عنه -. وابن عبد البر في "التمهيد" (2/281) من طريق حفص بن عاصم بن عمر عن أبي سعيد الخدري - رضى الله عنه -. وقد تكلم الدارقطني على حديث أبي هريرة وأبي سعيد في "العلل" (8/311)، وذكر الاختلاف في رفعه ووقفه وصحح رفعه.

[12] يعني الإمام أبا عيسى الترمذي -رحمه الله تعالى- في "سننه".

[13] [متفق عليه] تقدم تخريجه. وانظر: "تحفة الأحوذي" (ج7 ص57-58).

[14] [قلت] : يعني به الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- صاحب "الصحيح".

[15] [صحيح] أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" (1/156 ح235) من طريق شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء رضي الله عنه.

[16] أخرجه مسلم في الإيمان (ح 76) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[17] [صحيح] أخرجه أحمد (ح11271) عن أفلح الأنصاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[18] هنا توجيهٌ آخَر؛ ألا وهو: أنَّ المنافقين لما كانوا مقابِلين للأنصار من حيث أنهم من قبائلهم وبطونهم، فكفروا وآمَنَ الأنصار؛ كابن أُبَيٍّ الذي هو من الخزرج الذين هم أكثر الأنصار، كان محبُّ الأنصار مبغضًا للمنافقين ومبغضُ الأنصارِ محبًّا للمنافقين، وفي الصحيحين "المرءُ مع من أحبَّ".

[19] أخرجه مسلم في الإيمان (ح78)، والترمذي (ح3736)، والنسائي (ح5018 و5022)، وابن ماجه (ح114) من حديث علي رضي الله عنه.

[20] انظر: "فتح الباري" (ج1 ص63).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 233.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 229.31 كيلو بايت... تم توفير 4.01 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]